الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ١١

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي

الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ١١

المؤلف:

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي


المحقق: مركز الغدير للدّراسات الإسلاميّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
المطبعة: فروردين
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٣١
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

يا كراماً صبرُنا عنهم مُحالْ

إنّ حالي بعدكم في شرِّ حالْ

إن أتى من حيِّكم ريحُ الشمالْ

صرتُ لا أدري يميني من شمالْ

* * *

حبّذا ريحٌ سرى من ذي سلمْ

عن ربى نجد وسلعٍ والعلمْ

أذهبَ الأحزانَ عنّا والألمْ

والأماني أُدرِكتْ والهمُّ زالْ

* * *

يا أخلّائي بحزوى والعقيقْ

لا يطيق الهجرَ قلبي لا يطيقْ

هل لمشتاقٍ إليكم من طريقْ

أم سددتم عنه أبوابَ الوصالْ

* * *

لا تلوموني على فرط الضجرْ

ليس قلبي من حديدٍ أو حجرْ

فات مطلوبي ومحبوبي هجرْ

والحشا في كلِّ آنٍ باشتعالْ

* * *

من رأى وجدي لسكانِ الحجونْ

قال ما هذا هوى هذا جنونْ

أيّها اللوّامُ ماذا تبتغونْ

قلبيَ المضنى وعقلي ذو اعتقالْ

* * *

يا نزولاً بين سلعٍ والصفا

يا كرامَ الحيّ يا أهل الوفا

كان لي قلبٌ حمولٌ للجفا

ضاع منّي بين هاتيك التلالْ

* * *

يا رعاك اللهُ يا ريح الصبا

إن تجُز يوماً على وادي قُبا

سل أُهيل الحيِّ في تلك الرُّبى

هجرُهمْ هذا دلالٌ أم ملالْ

* * *

جيرةٌ في هجرِنا قد أسرفوا

حالنا من بعدِهم لا يوصفُ

إن جفوا أو واصلوا أو أتلفوا

حبّهم في القلبِ باقٍ لا يزالْ

* * *

٣٦١
 &

هم كرامٌ ما عليهم من مزيدْ

من يمُت في حبِّهم يمضي شهيدْ

مثلَ مقتولٍ لدى المولى الحميدْ

أحمديّ الخلق محمود الفعالْ

* * *

صاحب العصر الإمام المنتظرْ

من بما يأباه لا يجري القدرْ

حجّة الله على كلِّ البشرْ

خير أهل الأرض في كلّ الخصالْ

* * *

من إليه الكون قد ألقى القيادْ

مجرياً أحكامه فيما أرادْ

إن تزل عن طوعِهِ السبعُ الشدادْ

خرَّ منها كلُّ سامي السمك عالْ

* * *

شمسُ أوجِ المجد مصباحُ الظلامْ

صفوةُ الرحمنِ من بين الأنامْ

الإمامُ ابنُ الإمامِ ابنِ الإمامْ

قطبُ أفلاك المعالي والكمالْ

* * *

فاقَ أهلَ الأرضِ في عزٍّ وجاهْ

وارتقى في المجد أعلى مرتقاهْ

لو ملوكُ الأرضِ حلّوا في ذراهْ

كان أعلى صفّهم صفّ النعالْ

* * *

ذو اقتدارٍ إن يشأ قلبَ الطباعْ

صيّر الإظلام طبعاً للشعاعْ

وارتدى الإمكان بُرد الامتناعْ

قدرةٌ موهوبةٌ من ذي الجلالْ

* * *

يا أمين اللهِ يا شمسَ الهدى

يا إمامَ الخلقِ يا بحرَ الندى

عجِّلن عجِّل فقد طالَ المدى

واضمحلَّ الدينُ واستولى الضلالْ

* * *

هاكها مولايَ يا نعمَ المجيرْ

من مواليك البهائيّ الفقيرْ

مدحةً يعنو لمعناها جريرْ

نظمها يزري على عقد اللآلْ

٣٦٢
 &

وله حينما يمّم مشهد الإمامين العسكريّين بسرّ من رأى :

أسرعِ السيرَ أيّها الحادي

إنَّ قلبي إلى الحمى صادي

وإذا ما رأيتَ من كثبٍ

مشهدَ العسكريِّ والهادي

فالثمِ الأرضَ خاضعاً فلقد

نلتَ واللهِ خيرَ إسعادِ

وإذا ما حللتَ ناديهم

يا سقاه الإلٰه من نادي

فاغضضِ الطرفَ خاضعاً ولِهاً

واخلعِ النعل إنّه الوادي (١)

وله :

وثورين حاطا بهذا الورى

فثورُ الثريّا وثور الثرى

وهم تحت هذا ومن فوق ذا

حميرٌ مسرَّجةٌ في قرى

نظم بهذين البيتين ما في شعر الحكيم عمر الخيّام (٢) من قوله بالفارسيّة :

يك گاو در آسمان ونامش پروين

يك گاو دگر نهفته در زير زمين

چشم خردت گشاي چون أهل يقين

زير وزبر دو گاو مشتى خر بين

وله ممّا كتب إلى والده سنة ( ٩٨٩ ) وهو في هراة :

يا ساكني أرض الهراة أما كفى

هذا الفراقُ بلى وحقّ المصطفى

عودوا فربعُ صبري قد عفا

والجفنُ من بعد التباعد ما عفا

خيالكم في بالي

والقلبُ في بلبالِ

إن أقبلت من نحوكمْ ريحُ الصبا

قلنا لها أهلاً وسهلاً مرحبا

___________________________________

(١) إشارة إلى ما خوطب به موسى الكليم عليه‌السلام من قوله تعالى : ( فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى ). ( المؤلف )

(٢) أبو الفتح النيسابوري من معاصري أبي حامد الغزالي ، توفّي سنة ٥١٧. طبعت رباعيّاته في أرجاء الدنيا عدة مرّات. ( المؤلف )

٣٦٣
 &

وإليكمُ قلبُ المتيّمِ قد صبا

وفراقُكمْ للروح منه قد سبا

والقلبُ ليس بخالي

من حبِّ ذات الخالِ

يا حبْذا ربعُ الحمى من مربعِ

فغزالُه شبَّ الغضا في أضلعي

لم أنسه يومَ الفراقِ مودّعي

بمدامع تجري وقلبٍ موجعِ

والصبُّ ليس بسالِ

عن ثغرِه السلسالِ

وذكر الخفاجي في ريحانة الألباء (١) من رباعيّاته قوله :

أغتصُّ بريقتي كحسي الحاسي

إذ أذكره وهو لعهدي ناسي

إن متُّ وجمرةُ الهوى في كبدي

فالويلُ إذاً لساكني الأرماسِ

وقوله :

كم بتّ من المسا إلى الإشراقِ

من فرقتِكم ومُطربي أشواقي

والهمُّ منادمي ونُقلي سهري

والدمعُ مُدامتي وجفنيَ الساقي

وقوله :

لا تبكِ معاشراً نأى أو ألفا

القوم مضوا ونحن نأتي خلفا

بالمهلةِ أو تعاقبٍ نتبعهم

كالعطف بثمَّ أو كعطفٍ بالفا

وقوله :

من أربعةٍ وعشرةٍ أمدادي

في ستّ بقاعٍ سكنوا يا حادي

في طيبة والغري وسامرّاء

في طوس وكربلا وفي بغدادِ

وقوله :

للشوق إلى طيبة جفني باكي

لو صار مقامي فلك الأفلاكِ

___________________________________

(١) ريحانة الألباء وزهرة الحياة الدنيا : ص ٢١١ ـ ٢١٤.

٣٦٤
 &

أستنكف إن مشيتُ في روضتِها

فالمشي على أجنحة الأملاكِ

وقوله :

هذا النبأُ العظيمُ ما فيه كلامْ

هذا لملائكِ السمواتِ إمامْ

من يمّم بابَه يَنَلْ مطلبه

من طافَ به فهو على النارِ حرامْ

وقوله :

هذا حرمٌ بفضلِهِ العقلُ أقرْ

فيه لملائكِ السمواتِ مقرْ

كلّ منهم يقول يا زائر

أبشر فلقد نجوت من نار سقرْ

وقوله :

يا ريحُ إذا أتيتَ دارَ الأحبابْ

قبِّل عنّي ترابَ تلك الأعتابْ

إن هم سألوا عن البهائيِّ فقلْ

قد ذاب من الشوقِ إليكم قد ذابْ

وقوله :

يا ريح أقصّ قصة الشوق إليكْ

إن جئت إلى طوس (١) فبالله عليكْ

قبّل عنّي ضريحَ مولاي وقلْ

قد مات بهائيك من الشوق إليكْ

وقوله :

أهوى رشأً عرّضني للبلوى

ما عنه لقلبي المعنّى سلوى

كم جئتُ لأشتكي فمذ أبصرني

من لذّةِ قربهِ نسيت الشكوى

وقوله :

يا غائب عن عينيّ لا عن بالي

القربُ إليك منتهى آمالي

___________________________________

(١) في النسخة : طرسو : أعدّه من جنايات يد الطباعة والنشر. ( المؤلف )

٣٦٥
 &

أيّام نواك لا تسل كيف مضتْ

واللهِ مضتْ بأسوأ الأحوالِ

في السلافة (١) هكذا :

يا بدرَ دجىً خياله في بالي

مذ فارقني وزاد في بلبالي

أيّامُ نواك لا تسل كيف مضت

واللهِ مضت بأسوأ الأحوال

وذكر له السيد في السلافة (٢) قوله :

يا بدرَ دجىً بوصلِهِ أحياني

إذ زارَ وكم بهجرِه أفناني

بالله عليك عجّلنْ سفكَ دمي

لا طاقةٌ لي بليلةِ الهجرانِ

وقوله :

لمّا نظر الجسم نحيفاً نهكا

من فرقته رقَّ لضعفي وبكى

وارتاح وقال لي أما قلت لكا

ما يمكنك الفراق ما يمكنكا

وقوله :

يا بدرَ دجىً فراقُهُ الجسمَ أذابْ

قد ودّعني فغابَ صبري إذ غابْ

باللهِ عليكَ أيَّ شيء قالت

عيناكَ لقلبي المعنّى فأجابْ

وذكر له السيد العطّار قدس‌سره في الرائق قوله يمدح به النبيّ الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

إليك جميعُ الكائناتِ تشيرُ

بأنَّك هادٍ منذرٌ وبشيرُ

وأنّك من نور الإلٰه مكوَّنٌ

على كلِّ نورٍ من جلالِكَ نورُ

وروحُك روحُ القدسِ فيها منزّلٌ

وقلبُكَ في قلبِ الوجودِ ضميرُ

وشخصُكَ قطبُ الكائنات فسرّها

على سرّه في العالمين تديرُ

___________________________________

(١) سلافة العصر : ص ٣٠٠.

(٢) المصدر السابق : ص ٣٠١.

٣٦٦
 &

نزلتَ من اللهِ العزيزِ بمنزلٍ

يسير إليه الطرفُ وهو حسيرُ

وذكر له السيد المدني في السلافة (١) قوله :

خلّياني ولوعتي وغرامي

يا خليليَّ واذهبا بسلامِ

قد دعاني الهوى فلبّاه لُبِّي

فدعاني ولا تطيلا ملامي

إنَّ من ذاق نشوةَ الحبِّ يوماً

لا يبالي بكثرةِ اللوّامِ

خامرت خمرةُ المحبّةِ عقلي

وجرتْ في مفاصلي وعظامي

فعلى الحلمِ والوقارِ صلاةٌ

وعلى العقل ألفُ ألفِ سلامِ

هل سبيلٌ إلى وقوفٍ بوادي الـ

ـجزع يا صاحبيَّ أو إلمامِ

أيّها السائرُ الملحُّ إذا ما

جئتَ نجداً فعُجْ بوادي الخزامِ

وتجاوز عن ذي المجازِ وعرِّجْ

عادلاً عن يمين ذاك المقامِ

وإذا ما بلغتَ حزوى فبلّغْ

جيرةَ الحيِّ يا أُخيَّ سلامي

وأنشدنْ قلبي المعنّى لديهم

فلقد ضاعَ بين تلك الخيامِ

وإذا ما رقّوا لحالي فسلْهم

أن يمنّوا ولو بطيفِ منامِ

يا نزولاً بذي الأراكِ إلى كم

تنقضي في فراقِكمْ أعوامي

ما سرتْ نسمةٌ ولا ناحَ في الدو

ح حمامٌ إلّا وحان حِمامي

أين أيّامُنا بشرقيِّ نجدٍ

يا رعاها الإلٰهُ من أيّامِ

حيث غصنُ الشبابِ غضٌّ وروض الـ

ـعيش قد طرّزَتْه أيدي الغمامِ

وزماني مساعدٌ وأيادي اللهـ

ـو نحو المنى تجرُّ زمامي

أيّها المرتقي ذرى المجدِ فرداً

والمرجّى للفادحاتِ العظامِ

يا حليفَ الندى الذي جمعت فيـ

ـه مزايا تفرّقت في الأنامِ

نلتَ في ذروةٍ الفخارِ محلّاً

عسِرَ المرتقى عزيزَ المرامِ

___________________________________

(١) سلافة العصر : ص ٢٩٣.

٣٦٧
 &

نسبٌ طاهرٌ ومجدٌ أثيلٌ

وفخارٌ عالٍ وفضلٌ سامِ

قد قرنّا مقالَكمْ بمقالٍ

وشفعنا كلامَكم بكلامِ

ونظمنا الحصى مع الدرِّ في سمـ

ـط وقلنا العبيرُ مثلُ الرغامِ

لم أكن مقدماً على ذا ولكن

كان طوعاً لأمرِكم إقدامي

عمرك اللهُ يا نديميَ انشدْ

جارتي كيف تحسنين ملامي

وله وقد رأى النبيَّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في منامه قوله :

وليلةٍ كان بها طالعي

في ذروة السعدِ وأوجِ الكمالْ

قصّر طيبُ الوصلِ من عمرِها

فلم تكن إلّا كحلِّ العقالْ

واتّصل الفجرُ بها بالعشا

وهكذا عمرُ ليالي الوصالْ

إذ أخذت عينيَ في نومِها

وانتبه الطالعُ بعد الوبالْ

فزرتُه في الليل مستعطفاً

أفديه بالنفسِ وأهلي ومالْ

وأشتكي ما أنا فيه البلى

وما ألاقي اليومَ من سوء حالْ

فأظهر العطفَ على عبدِهِ

بمنطقٍ يُزري بنظم اللآلْ

فيا لها من ليلةٍ نلتُ في

ظلامِها ما لم يكن في خيالْ

أمست خفيفاتٍ مطايا الرجا

بها وأضحت بالعطايا ثقالْ

سُقِيتُ في ظلمائِها خمرةً

صافيةً صِرفاً طهوراً حلالْ

وابتهجَ القلبُ بأهلِ الحمى

وقرّتِ العينُ بذاك الجمالْ

ونلتُ ما نلتُ على أنَّني

ما كنت أستوجبُ ذاك النوالْ

ولشيخنا البهائي في مدح الكاظميّة مشهد الإمامين الكاظم وحفيده الجواد عليهما‌السلام قوله :

أيا قاصد الزوراء عرِّج

على الغربيِّ من تلك المغاني

ونعليك اخلعنْ واسجد خضوعاً

إذا لاحت لديكَ القبّتانِ

٣٦٨
 &

فتحتَهما لعمرُك نار موسى

ونورُ محمد متقارنانِ

ومن شعره رائيّته المشهورة في الإمام المنتظر صلوات الله عليه تناهز ( ٤٩ ) بيتاً ، شرحها العلّامة المرحوم الشيخ جعفر النقدي بكتابه الموسوم بمنن الرحمن (١) في مجلّدين طبع في النجف الأشرف سنة (١٣٤٤ ) ومستهلّ القصيدة :

سرى البرقُ من نجدٍ فهيّجَ تذكاري

وأجّجَ في أحشائِنا لاهبَ النارِ

هذه القصيدة المهدويّة جاراها جمعٌ من الأعلام الشعراء منهم : العلّامة الأمير السيد علي بن خلف المشعشعي الحويزي بقصيدة مهدويّة مطلعها :

هي الدار ما بين العذيبِ وذي قارِ

عنت غيرَ سحمٍ ماثلات وأحجارِ

ومنهم : العلّامة الشيخ جعفر بن محمد الخطي معاصر شيخنا المترجم له ، اجتمع معه في اصفهان فأنشده الشيخ رائيّته وطلب منه معارضتها وأجّل مدّة ، فاستأجل ثلاثاً ثم لم يقبل لنفسه إلّا في المجلس فارتجل قصيدة أوّلها :

هي الدار تستسقيك مدمعَك الجاري

فسقياً فخيرُ الدمع ما كان للدارِ

وهي مذكورةٌ بتمامها في الجزء الثاني من الرائق للعلّامة السيد أحمد العطّار وذكرها الشيخ جعفر النقدي في منن الرحمن ( ١ / ٤١ ).

ومنهم : الشاعر الفاضل عليّ بن زيدان العاملي المتوفّى ( ١٢٦٠ ) بمعركة وله عقب هنالك ، جارى قصيدة شيخنا البهائي بقصيدة أوّلها :

حنانيك هل في وقفةٍ أيّها الساري

على الدارِ في حكمِ الصبابةِ من عارِ

لفت نظر : قد يعزى في غير واحد من معاجم الأدب (٢) إلى شيخنا البهائي :

___________________________________

(١) منن الرحمن : ١ / ٥٤.

(٢) راجع سلافة العصر : ص ٣٠٠ وغيره. ( المؤلف )

٣٦٩
 &

لا يغرّنك من المر

ء قميصٌ رقّعه

أو إزارٌ فوق كعب الساق منه رفعه

أو جبينٌ لاح فيه

أثرٌ قد قلعه

ولدى (١) الدرهم فانظر

غيّه أو ورعه

هذا العزو لا يتمّ وإنَّما الأبيات لبعض الشعراء المتقدّمين ذكرها الغزالي المتوفّى قبل ولادة شيخنا البهائي بأربعمائة وسبع وأربعين سنة في إحياء العلوم (٢) ( ٢ / ٧٣ ).

وذكر السيد في السلافة (٣) لشيخنا البهائي :

بالذي ألهم تعذيـ

ـبي ثناياك العذابا

مالذي قالته عينا

ك لقلبي فأجابا

وهما من أبيات للصوري السابق ذكره ، وقد نسبهما البهائيّ نفسه إلى الصنوبري ، راجع ما أسلفناه في ( ٤ / ٢٢٩ ).

ولادته :

ذكر شيخنا البحراني في لؤلؤة البحرين (٤) ( ص ٢٠ ) ، والشيخ ميرزا حيدر علي الأصبهاني في إجازته الكبيرة ، وغير واحد من أصحابنا : أنّه ولد ببعلبك غروب يوم الخميس لثلاث عشرة بقين من شهر المحرّم سنة ( ٩٥٣ ) ، وقال سيّدنا المدني في سلافة العصر (٥) : مولده بعلبك عند غروب الشمس يوم الأربعاء لثلاث عشرة بقين من ذي

___________________________________

(١) في سلافة العصر : أرهِ بدل ولدى.

(٢) إحياء العلوم : ٢ / ٧٨.

(٣) سلافة العصر : ص ٣٠١.

(٤) لؤلؤة البحرين : ص ٢٢ رقم ٥.

(٥) سلافة العصر : ص ٢٩٠.

٣٧٠
 &

الحجّة سنة ( ٩٥٣ ) ، وحكاه عنه المحبّي في خلاصة الأثر (١) ، لكن المعتمد عليه في تاريخ ولادته ما وجده صاحب رياض العلماء (٢) من المنقول عن خطّ والده المقدّس الشيخ حسين من كتاب له ذكره في ترجمته ، وفيه ما نصّه : ولدت المولودة الميمونة بنتي ليلة الاثنين ثالث شهر صفر سنة خمسين وتسعمائة ، وأخوها أبو الفضائل محمد بهاء الدين أصلحه الله وأرشده عند غروب الشمس يوم الأربعاء سابع عشرين ذي الحجّة (٣) سنة ثلاث وخمسين وتسعمائة.

وفاته :

قال السيّدان صاحبا السلافة (٤) والروضة البهيّة والشيخ صاحب الحدائق في لؤلؤة البحرين (٥) : إنّه توفّي لاثنتي عشرة خلون من شوّال ( ١٠٣١ ) وقيل ( ١٠٣٠ ) وعن العلّامّة المجلسي الأوّل المتوفّى سنة ( ١٠٧٠ ) في شرح الفقيه : أنّه مات في شوّال سنة ( ١٠٣٠ ). ويقول ما في أمل الآمل (٦) : قد سمعنا من المشايخ أنّه مات سنة ( ١٠٣٠ ) ، فكأنَّ القول بوفاته سنة ( ١٠٣٠ ) كان هو المعتمد عليه عند المشايخ ، وأرّخها بثلاثين تلميذه العلّامة الشيخ هاشم الأتكاني في ظهر اثنا عشريّات أستاذه المترجم له ، قرأها عليه سنة ( ١٠٣٠ ) وأجاز له أستاذه في شهر رجب وكتب إجازته عليه ، وقال صاحب مفتاح التواريخ ما معناه : إنه توفي يوم الثلاثاء ( ١٢ ) شوّال سنة

___________________________________

(١) خلاصة الأثر : ٣ / ٤٤٠.

(٢) رياض العلماء : ٢ / ١١٠.

(٣) لا تنافي بين ما ذكره صاحب السلافة وما ذكره والد المترجم من تاريخ لولادة المترجم له. فسابع عشرين ذي الحجة هو اليوم السابع عشر منه ، فيكون قد بقي منه ثلاثة عشر يوماً ، وهو التاريخ الذي ذكره صاحب السلافة وحكاه عنه المحبّي.

(٤) سلافة العصر : ص ٢٩١.

(٥) لؤلؤة البحرين : ص ٢٢ رقم ٥.

(٦) أمل الآمل : ١ / ١٥٨ رقم ١٥٨.

٣٧١
 &

( ١٠٣٠ ). توفّي بأصبهان ونقل جثمانه قبل الدفن إلى مشهد الرضا عملاً بوصيته ودفن بها في داره قريباً من الحضرة المشرّفة ، وقد أُتيحت لي زيارته سنة (١٣٤٨ ) ، رثاه تلميذه العلّامة الشيخ إبراهيم العاملي البازروني بقوله :

شيخ الأنام بهاء الدين لا برحت

سحائبُ العفو ينشيها له الباري

مولىً به اتّضحت سبلُ الهدى وغدا

لفقدِه الدينُ في ثوبٍ من القارِ

والمجدُ أقسمَ لا تبدو نواجذه

حزناً وشقّ عليه فضلَ أطمارِ

والعلمُ قد درست آياتُه وعفتْ

عنه رسومُ أحاديثٍ وأخبارِ

كم بكرِ فكر غدت للكون (١) فاقدةً

ما دنّستها الورى يوماً بأنظارِ

كم خرَّ لمّا قضى للعلم طود عُلاً

ما كنت أحسبه يوماً بمنهارِ

وكم بكته محاريبُ المساجدِ إذ

كانت تضيء دجىً منه بأنوارِ

فاقَ الكرامَ ولم تبرح سجيّتُه

إطعامَ ذي سغبٍ مع كسوة العاري

جلّ الذي اختار في طوسٍ له جدثاً

في ظلِّ حامي حماها نجلِ أطهارِ

الثامنِ الضامنِ الجنّاتِ أجمعِها

يومَ القيامةِ من جودٍ لزوّارِ

عثرة لا تقال :

لقد جاء الكاتب الفارسيّ سعيد النفيسي فيما ألّفه من ترجمة حياة شيخنا بهاء الملّة والدين كحاطب ليل ، فضمَّ إلى الدرّة بعرة ، وأتى بأشياء لا شاهد لها من التاريخ ، وخفيت عليه حقائق ناصعة ، فطفق يثبت التافهات بالأوهام ، ويؤيّد مزاعمه بالمضحكات ، فممّا باء بخزايته ما حسبه من أنَّ الشيخ عبد الصمد أخا الشيخ البهائي أكبر منه سنّاً ، ودعم هذه الدعوى بأنَّ الشيخ عبد الصمد توفّي قبل أخيه بعشر سنين ، فكأنَّه يزعم أنَّ ترتيب الموت كترتيب الولادة ، فكما أنَّ المولود أوّلا هو أكبر الإخوة فكذلك المتوفّى أوّلاً.

وبأنَّ الشيخ عبد الصمد كان يسمّى باسم جدِّه فلو كان البهائي أكبر الإخوة

___________________________________

(١) كذا ، وفي أمل الآمل : ١ / ٢٥ : للكفء.

٣٧٢
 &

لاختصَّ هو باسم جدّه وكان لأخيه اسم جدّه الأعلى. فكأنَّه يرى ذلك مطّرداً في الأسماء ، ولكن متى اطّرد ذلك ؟ ومّمن جاء النصُّ ؟ ولماذا هذا الإصرار والدأب عليه ؟ أنا لا أدري ، والنفيسيّ أيضاً لا يدري ، ووالد الشيخين وما ولد أيضاً لا يدرون.

وبأنَّ الشيخ عبد الصمد ما غادر عاملة مع أبيه لمّا سافر أبوه إلى البلاد الفارسيّة سنة ( ٩٦٦ ) وإنّما صحبه الشيخ البهائي ، ويظنُّ أنّه هرب إلى المدينة المنوّرة ، فلو لم يكن أكبر من الشيخ البهائي لم يسعه أن يفارق أباه يوم فرَّ من الفتنة الواقعة بعاملة إلى إيران. وقد خفي على المسكين أنَّ الشيخ عبد الصمد صحب أباه في بطن أمِّه يوم غادر بلاده ، وهو وليد إيران بقزوين بنصٍّ من أبيه الشيخ الحسين في سنة الفتنة المذكورة ( ٩٦٦ ) ، ولم نعرف من أين أتى الرجل بفرار الشيخ عبد الصمد إلى المدينة سنة ( ٩٦٦ ).

وبأنَّ الشيخ البهائي ألّف كتابه الفوائد الصمديّة في النحو باسم أخيه الشيخ عبد الصمد ، وبطبع الحال أنّ الصغير يسم تأليفه باسم الكبير ، ويندر خلاف ذلك إلّا من أناس حنّكهم ترويض النفس.

هكذا لفّق الرجل السفاسف في إثبات مزعمته ، فسوّد صحيفة تاريخه بما لا يقبله العقل والمنطق ، وقد خفي على المغفّل أنَّ الشيخ حسين والد الشيخين البهائي وأخيه أرّخ ولادتهما في كتاب محكيّ عنه في رياض العلماء (١) في ترجمته ولفظه : ولدت المولودة الميمونة بنتي ليلة الاثنين ، ثالث شهر صفر سنة خمسين وتسعمائة. وأخوها أبو الفضائل محمد بهاء الدين أصلحه الله وأرشده عند غروب الشمس يوم الأربعاء سابع عشرين ذي الحجّة سنة ثلاث وخمسين وتسعمائة .. وأختها أمّ أيمن سلمى بعد نصف الليل سادس عشر محرّم سنة خمس وخمسين وتسعمائة. وأخوهم أبو تراب

___________________________________

(١) رياض العلماء : ٢ / ١١٠.

٣٧٣
 &

عبد الصمد ليلة الأحد وقد بقي من الليل نحو ساعة ثالث شهر صفر سنة ست وستّين وتسعمائة في قزوين. وابن أخته السيد محمد ليلة السبت ثامن عشرين صفر من السنة المذكورة في قزوين. انتهى.

فالشيخ البهائي أكبر من أخيه الشيخ عبد الصمد رغم تلكم التلفيقات اثني عشر عاماً وستّة وثلاثين يوماً. وكان للرجل أن يستفيد كبر الشيخ البهائي من إجازة والده الشيخ حسين له ولأخيه من تقديمه إيّاه بالذكر على أخيه ، قال : فقد أجزت لولدي بهاء الدين محمد وأبي رجب عبد الصمد حفظهم الله تعالى بعد أن قرأ عليَّ ولدي الأكبر جملة كافية جميلة من العلوم العقليّة والنقليّة. إلى آخره.

وكذلك تقديم مشايخ الإجازة ذكر الشيخ البهائي مهما ذكروه وأخاه في إجازاتهم ، والاستدلال بمثل هذه كان خيراً له من أساطيره التي تحذلق بها.

ونحن في هذا المقام نضرب صفحاً عن كلِّ ما هو من هذا القبيل في صفحات كتابه التي شوّه بها سمعة التاريخ ، والذي يهمّنا الآن التعرّض لما تورّط به من التجرِّي على علماء الدين وأساطين المذهب ، وهو لا يزال يحاول ذلك في حلّه وترحاله ، غير أنّه حسب أنَّه وجد فسحةً لإبانة ما يدور في خلده على لسان شيخنا بهاء الملّة والدين ، وإن كان خاب في ذلك وفشل ، قال ما معناه : أمّا الإشارات التي توجد للبهائي في مثنويّة (نان وحلوى) في حقِّ المتشرِّعين المرائين فلم يرد بها السيد الداماد ، وإنّما أراد بها الفقهاء القشريّين الجامدين ، المعجبين بالظواهر ، المنكرين للتصوّف والذوق ، أمثال المولى أحمد الأردبيلي ، وكانوا كثيرين في عصره ، وكان على الضدِّ منهم السيد الداماد الذي كان حكيماً مفكّراً ولم يكن فيه شيءٌ ممّا ذكر. انتهى.

كبرت كلمة تخرج من أفواههم ، وإنّي لمستعظمٌ جهل هذا الرجل المركّب ، فإنَّه لا يعرف شيئاً ولا يدري أنَّه لا يعرف ، فطفق يقع في عُمد المذهب حسبان أنَّه علم ما فاتهم ، وحفظ ما أضاعوه ، فذكر عداد مثل المحقّق الأردبيلي في القشريِّين والفقهاء

٣٧٤
 &

الظاهريّة ، وهو ذلك الإنسان الكامل ، في علمه ودينه ، في آرائه الناضجة وأفكاره العميقة ، في نفسيّاته الكريمة وملكاته الفاضلة ، في دعوته الإلهيّة وخدماته للمذهب الحقِّ ، في عرفانه الصحيح وحكمته البالغة ، وقصارى القول أنَّه جماع الفضائل ، ومختبأ المآثر كلّها ، ضع يدك على أيّ من المناقب تجده شاهد صدق على شموخ رتبته ، وهاتفاً بسموّ مقامه ، وتأليفاته الجليلة هي البرهنة الصادقة لعلوّ كعبه في العلوم كلّها معقولها ومنقولها ، والمأثور من غرائزه الكريمة أدلّاء حقّ على تقدّمه في المحاسن ومحامد الشِّيَم نفسيّة وكسبيّة ، وإنَّك لا تجد إنساناً يشكّ في شيء من ذلك بالرغم من هلجة هذا المؤرِّخ القشريِّ الجامد ، وكأنّي بروحيّة المحقّق الأوحد الأردبيلي يخاطبه بقوله :

ما شير شكاران فضاى ملكوتيم

سيمرغ بدهشت نگرد بر مگس ما

أو بقوله :

غنينا بنا عن كلِّ من لا يُريدنا

وإن كثرت أوصافه ونعوته

ومن صدَّ عنّا حسبه الصدُّ والقلا

ومن فاتنا يكفيه أنّا نفوته

ثم أيّ تصوّف يريد الرجل فيما عابه من شيخنا العارف الإلهيّ ؟ أيريد ذلك المذهب الباطل الملازم للعقائد الإلحاديّة كالحلول ووحدة الوجود بمعناهما الكفريّ ، وأمثالهما والتنصّل عن الطاعات بتحريف الكلم عن مواضعها ، وتأويل قوله تعالى : ( وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ) (١) بالرأي الفطير ؟ فحاشا شيخنا الأحمد والأوحد وكلّ عالم ربّانيّ من ذلك ، وإنَّما هو مذهبٌ يروق كلَّ شقيّ تعيس.

وإن كان يريد العرفان الحقّ والذوق السليم الذي كان يعتنقه الأوحديّون من العلماء لدة شيخنا البهائي ، وجمال الدين أحمد بن فهد الحليّ ، وزرافات من الأعاظم قبلهما وبعدهما ، فإنّا نجلّ شيخنا الأردبيلي عن التنكّب عنه ، بل يحقُّ علينا أن نعدّه من

___________________________________

(١) الحجر : ٩٩.

٣٧٥
 &

مشيخة الطريقة والعرفاء بها ، وما يوجد في كتابه حديقة الشيعة من التنديد بالصوفيّة فإنَّما هو موجّهٌ إليهم بما ذكرناه أوّلاً. ولكن من أين عرف النفيسي الحقَّ والباطل من قسمي التصوّف والعرفان والكميّة التي كانت عند شيخنا الأردبيلي ؟ وهل هو من حقّه أو باطله ؟ أنا لا أدري لكن الله عالم بما تكنّه الصدور وإنَّ الرجل تقحّم غير مستواه ، وتطلّع إلى ما قصر عنه. رحم الله امرأً عرف قدره ولم يتعدَّ طوره.

٣٧٦
 &

ـ ٨٢ ـ الحرفوشي العاملي

المتوفّى ( ١٠٥٩ )

يا وردةً من فوق بانه

سرّ المحبّة من أبانَه

أخفيتُهُ جهدي وقد

غلغلت في قلبي مكانَه

وكتمت أمر صبابتي

وسدلت أستارَ الصيانَه

ما كنت أحسبُ أن يكو

ن الدمعُ يوماً ترجمانَه

لولا وضوحُ الأمرِ ما

أغرى بنا الواشي لسانَه

ولوى عنانك عن شجٍ

شوقاً إليك لوى عنانَه

يا ظبية البان التي

عند القلوب لها مكانَه

قد أسكرَتْني مقلتا

ك كأنَّ في الأجفان حانَه (١)

وكرعت في ماء الصّبا

ففضحتَ لينَ الخيزرانَه

أجريت ذكرك في الحمى

وقد اجتلى طرفي جنانَه

فلوى القضيب معاطفاً

نظم الندى فيها جمانَه (٢)

واحمرَّ خدّ شقيقِها

وافترَّ ثغر الأقحُوانَه (٣)

فكأنَّني أجريتُ ذكـ

ـرَ المرتضى لذوي الديانَه

___________________________________

(١) الحان والحانة : موضع بيع الخمر. ( المؤلف )

(٢) الجمان : اللؤلؤ ، والواحدة : جمانة. ( المؤلف )

(٣) الاُقحُوان : نبات أوراق زهره [ مفلّجة ]. واحدته : أُقحُوانة. ( المؤلف )

٣٧٧
 &

غيث الإلٰه وغوثه

حيث الزمان يرى الزمانَه (١)

كم أودع اللاجي إليـ

ـه من مخاوفِه أمانَه

وأسال فوق المرتجي

سيل الحيا الساري بنانَه

أعطاه باريه التقرّبَ

منه زلفى والمكانَه

فغدا القسيمَ بأمرِه

يعطي الورى كلّاً وشانَه

يوري معاديه لظى

ويُري مواليه جنانه

سل عنه إن حمي الوطيـ

ـسُ وأصعد الحامي دخانه

من يلتوي قرضابه (٢)

فيه التواء الأفعوانه

حتى يروّيه وير

وي من دم الجاني سنانه

وينكّص الراياتِ تعـ

ـثرُ بالجماجمِ من جبانه

واسأل بخمٍّ كم له

المختارُ من فضل أبانه

واهاً له لو أطلقت

أعداؤه شوطاً عنانه

الشاعر

الشيخ محمد بن علي بن أحمد الحرفوشي (٣) الحريري الشامي العاملي.

عبقريّ مقدّم من عباقرة العلم والأدب ، وأوحديّ من أساطين الفضيلة ، لم يتحلَّ بمأثرة إلّا وأتبعها بالنزوع إلى مثلها ، وما اختصَّ بأُكرومة إلّا وراقه أن يتطلّع إلى ما هو أرفع منها ، حتى عادت الفضائل والأحساب عنده كأسنان المشط ، أو

___________________________________

(١) الزمانة : العاهة. تعطيل القوى. ( المؤلف )

(٢) القرضاب : السيف القطاع. ( المؤلف )

(٣) نسبة إلى آل حرفوش المنسوبين إلى جدّهم الأعلى الأمير حرفوش الخزاعي الذي عقدت له راية بقيادة فرقة في حملة أبي عبيدة بن الجرّاح على بعلبك. أصلهم من خزاعة العراق. راجع أعيان الشيعة : ٥ / ٤٤٨ [ ٢ / ٢١٦ ]. ( المؤلف )

٣٧٨
 &

خطوط الدائرة المنتهية إلى مركزها ، ورأيت أنَّ أوسط من وصفه هو سيّدنا المدني الشيرازي في سلافة العصر ( ص ٣١٥ ) قال :

منار العلم السامي ، وملتزم كعبة الفضل وركنها الشامي ، ومشكاة الفضائل ومصباحها ، المنير به مساؤها وصباحها ، خاتمة أئمّة العربيّة شرقاً وغرباً ، والمرهف من كهام الكلام شباً (١) وغرباً ، أماط عن المشكلات نقابها ، وذلّل صعابها وملك رقابها ، وحلَّ للعقول عقالها ، وأوضح للفهوم قيلها وقالها ، فتدفّق بحر فوائده وفاض ، وملأ بفرائده الوطاب والوفاض ، وألّف بتآليفه شتات الفنون ، وصنّف بتصانيفه الدرّ المكنون ، إلى زهدٍ فاق به خشوعاً وإخباتاً ، ووقار لا توازيه الرواسي ثباتاً ، وتألّه ليس لابن أدهم غرره وأوضاحه ، وتقدّس ليس للسريّ سرّه وإيضاحه. وهو شيخ شيوخنا الذي عادت علينا بركات أنفاسه ، واستضأنا بواسطة من ضيا نبراسه. وكان قد انتقل من الشام إلى بلاد العجم ، وقطن بها إلى أن وفد عليه المنون وهجم. فتوفّي بها في شهر ربيع الثاني سنة تسع وخمسين وألف.

وترجم له شيخنا الحرّ العاملي في أمل الآمل (٢) وأثنى عليه بقوله : كان عالماً فاضلاً أريباً (٣) ماهراً محقّقاً مدقّقاً شاعراً أديباً منشياً حافظاً ، أعرف أهل عصره بعلوم العربيّة. قرأ على السيد نور الدين علي بن علي بن أبي الحسن الموسوي العامليّ في مكة جملة من كتب الخاصّة والعامّة ، له كتبٌ كثيرة الفوائد.

وأطراه شيخنا العلّامة المجلسي في بحار الأنوار (٤) بكلمة سيدنا صاحب السلافة المذكورة. وعقود جمل الثناء عليه منضّدة في صفحات المعاجم وكتب التراجم

___________________________________

(١) جمع شباة ، وهي من كل شيء حدّ طرفه ، وكذا الغَرْب.

(٢) المطبوع في آخر منهج المقال : ص ٤٥٢ [ ١ / ١٦٢ رقم ١٦٧ ]. ( المؤلف )

(٣) في المصدر : أديباً.

(٤) بحار الأنوار : ٢٥ / ١٢٤ [ ١٠٩ / ١١٥ ]. ( المؤلف )

٣٧٩
 &

حتى اليوم ، وقد فصّلنا القول في ترجمته في كتابنا شهداء الفضيلة ( ص ١١٨ ) وذكرنا هنالك في ( ص ١٦٠ ) : أنَّ المترجم له قرأ عليه الشيخ عليّ زين الدين حفيد الشهيد الثاني ، ويروي عنه السيد هاشم الأحسائي كما في المستدرك ( ٣ / ٤٠٦ ).

آثاره القيّمة :

١ ـ طرائف النظام ولطائف الانسجام في محاسن الأشعار.

٢ ـ اللآلئ السنيّة في شرح الأجروميّة ، مجلّدان.

٣ ـ شرح شرح الكافيجي على قواعد ابن هشام.

٤ ـ شرح شرح الفاكهي على القطر.

٥ ـ شرح قواعد الشهيد قدس‌سره.

٦ ـ شرح الصمديّة في النحو.

٧ ـ شرح التهذيب في النحو.

٨ ـ شرح الزبدة في الأصول.

٩ ـ مختلف النحاة في النحو.

١٠ ـ رسالة الخال.

١١ ـ ديوان شعره.

وقال صاحب الأمل (١) بعد عدِّ كتبه ورسائل متعدّدة : رأيته في بلادنا مدّة ثم سافر إلى أصفهان ، ولمّا توفي رثيته بقصيدة طويلة منها :

أقم مآتماً للمجد قد ذهب المجدُ

وجدّ بقلبي السوءُ والحزنُ والوجدُ

وبانت عن الدنيا المحاسنُ كلُّها

وحلَّ بها لون الضحى فهو مسودُّ (٢)

وسائلةٍ ما الخطبُ راعَك وقعُه

وكادت له الشمُّ الشوامخُ تنهدُّ

___________________________________

(١) أمل الآمل : ١ / ١٦٣ رقم ١٦٧.

(٢) في المصدر : وحال بها لون الضحى.

٣٨٠