الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ١١

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي

الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ١١

المؤلف:

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي


المحقق: مركز الغدير للدّراسات الإسلاميّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
المطبعة: فروردين
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٣١
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

وذكرها الشيخ عبد القادر القادري في تفريح الخاطر ( ص ٣٢ ).

قال الأميني : إنَّ خاصّة الأنبياء وفي الطليعة منها إحياء الموتى هل تتأتّى لكلّ مُرتاض ، فلا يبقى بينه وبين النبيّ المرسل أيّ مائز ؟ وهب أنَّ الباحث تصوّر لصدورها من الأولياء اعتباراً آخر فتكون كرامةً للوليّ ومعجزةً للنبيّ الذي ينتحل شرعته ، إلّا أنَّه اعتبارٌ اهتدى إليه الفكر بعد رويّة طويلة ، لكنّه لا خارج له تصل إليه العامّة فاطّرادها بل ظهورها من غير اطّراد يحطُّ عندها من مقام النبوّة لمحض المشاكلة الصوريّة ، وكلّما كان كذلك لا يمكن وقوعه.

ثم هل لأكل خبز الشعير وما جشب من الطعام بمحضه أن يوصل السالك إلى مرتبة يحيي فيها الموتى ، وإن كان المولى سبحانه يعلم أنّه متى بلغ إلى هذه المرتبة ألهاه أكل الدجاجة المسلوقة أكلاً لمّا ؟!

وهل الرياضة شرط في حدوث القوّة في النفس والملكات الفاضلة وليست شرطاً في بقائها ؟!

أوَليس التلهّي باللذائذ مزيحة لتلكم الأحوال النفسيّة كما كانت الرياضة مجتذبةً لها ؟ فاحف القوم السؤال عن هذه المشكلات ، فإن أجابوك فأخبرني.

ـ ٧٠ ـ عبد القادر يحتلم في ليلة أربعين مرّة

ذكر الشعراني في الطبقات الكبرى (١) ( ١ / ١١٠ ) قال : كان الشيخ عبد القادر الجيلاني رضی‌الله‌عنه يقول : أقمت في صحراء العراق وخرائبه خمساً وعشرين سنة مجرّداً سائحاً لا أعرف الخلق ولا يعرفوني ، يأتيني طوائف من رجال الغيب والجانّ أُعلّمهم الطريق إلى الله عزَّوجلَّ ، ورافقني الخضر عليه‌السلام في أوّل دخولي العراق ، وما كنت عرفته

___________________________________

(١) الطبقات الكبرى : ١ / ١٢٩ رقم ٢٤٨.

٢٢١
 &

وشرط أن لا أُخالفه وقال لي : اقعد هنا. فجلست في الموضع الذي أقعدني فيه ثلاث سنين ، يأتيني كلّ سنة مرّة ويقول لي : مكانك حتى آتيك. قال : ومكثت سنة في خرائب المدائن آخذ نفسي بطريق المجاهدات فآكل المنبوذ ولا أشرب الماء ، ومكثت فيها سنة أشرب الماء ولا آكل المنبوذ ، وسنة لا أكل ولا أشرب ولا أنام ، ونمت مرّة بأيوان كسرى في ليلة باردة فاحتلمت فقمت وذهبت إلى الشطِّ واغتسلت ، ثم نمت فاحتلمت فذهبت إلى الشطِّ واغتسلت ، فوقع لي ذلك في تلك الليلة أربعين مرّة وأنا أغتسل ، ثم صعدت إلى الأيوان خوف النوم.

قال الأميني : اقرأه مع إمعان وتبصّر في شأن هذا العارف ، معلّم طوائف من رجال الغيب والجانّ الذين اتّخذوه الطريق إلى الله ، وكان رفيق الخضر عليه‌السلام ، واعجب من إنسان لم يأكل سنة ، ولم يشرب أخرى ، ويتركهما ثالثة ، ولم تخُرْ قواه حتى يحتلم في ليلة شاتية أربعين مرّة ، ويعبث به الشيطان بهذا العدد الجمِّ وهو فان في الله ، ولو كان اتّفق له ذلك خلال تلكم الأيّام التي كان يأكل فيها الدجاجة المسلوقة ويحيي عظامها كما مرَّ لكان يُعدُّ بعيداً عن الطبيعة البشريّة.

وما أطول تلك الليلة حتى وسعت أربعين نومةً ذات احتلام ، وأغسالاً بعدها على عدد الأحلام المتخلّلة بالذهاب إلى الشطّ والإياب إلى مقرّه ومنامه ! وبعد ذلك كلّه تبقى منها برهة يصعد الشيخ إلى الأيوان خوفاً من النوم ، ولعلّه لو نام بعد نومته المتمّمة للأربعين لبلغ العدد الأربعمائة أو أكثر ، ولم يكن الشيطان يفارق ذلك الهيكل القدسيّ واللعب به مهما امتدّت ليلته ، وليس إحياؤه عظام الدجاجة بأعظم من هذه الكرامة ، وإن هي إلّا أحلام نائم نسجتها أيدي العرونة (١) غلوّاً في الفضائل.

___________________________________

(١) كذا ، ولعلها الرعونة.

٢٢٢
 &

ـ ٧١ ـ قدم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على رقبة عبد القادر

قال الشيخ السيّد عبد القادر الكيلاني : لمّا عُرِج بجدّي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليلة المرصاد ، وبلغ سدرة المنتهى بقي جبريل الأمين عليه‌السلام متخلّفاً وقال : يا محمد لو دنوتُ أنملة لاحترقت. فأرسل الله تعالى روحي إليه في ذلك المقام ، لاستفادتي من سيّد الأنام عليه وعلى آله الصلاة والسلام ، فتشرّفت به ، واستحصلت على النعمة العظمى والوراثة والخلافة الكبرى ، وحضرت وأوجدت بمنزلة البراق حتى ركب عليَّ جدّي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعناني بيده حتى وصل ، فكان قاب قوسين أو أدنى وقال لي : يا ولدي وحدقة عيني قدمي هذه على رقبتك ، وقدماك على رقاب كلّ أولياء الله تعالى. وقال رضي‌الله‌عنه :

وصلت إلى العرش المجيد بحضرتي

فلاحت لي الأنوار والحقّ أعطاني

نظرتُ لعرشِ اللهِ قبل تخلّقي

فلاحت لي الأملاكُ واللهُ سمّاني

وتوّجني تاجَ الوصالِ بنظرةٍ

ومن خلقهِ التشريفَ والقربَ أكساني (١)

ـ ٧٢ ـ عبد القادر وملك الموت

عن السيّد الشيخ الكبير أبي العبّاس أحمد الرفاعي قال : توفّي أحد خدّام الشيخ عبد القادر الكيلاني ، وجاءت زوجته إليه فتضرّعت والتجأت إليه وطلبت حياة زوجها. فتوجّه الشيخ إلى المراقبة فرأى في عالم الباطن أنَّ ملك الموت عليه‌السلام يصعد إلى السماء ومعه الأرواح المقبوضة في ذلك اليوم ، فقال : يا ملك الموت قف

___________________________________

(١) نفس المصدر الآتي في الخرافة التالية. ( المؤلف )

٢٢٣
 &

واعطني روح خادمي فلان ، وسمّاه باسمه ، فقال ملك الموت : إنّي أقبض الأرواح بأمرٍ إلٰهيٍّ وأؤدّيها إلى باب عظمته ، كيف يمكنني أن أعطيك روح الذي قبضته بأمر ربّي ؟ فكرّر الشيخ عليه إعطاء روح خادمه إليه ، فامتنع من إعطائه ، وفي يده ظرفٌ معنويٌّ كهيئة الزنبيل فيه الأرواح المقبوضة في ذلك اليوم ، فبقوّة المحبوبيّة جرَّ الزنبيل وأخذه من يده ، فتفرّقت الأرواح ورجعت إلى أبدانها ، فناجى ملك الموت عليه‌السلام ربّه وقال : يا رب أنت أعلم بما جرى بيني وبين محبوبك ووليّك عبد القادر ، فبقوّة السلطنة والصولة أخذ منّي ما قبضته من الأرواح في هذا اليوم. فخاطبه الحقّ جلَّ جلاله : يا ملك الموت إنَّ الغوث الأعظم محبوبي ومطلوبي لِمَ لا أعطيته روح خادمه ؟ وقد راحت الأرواح الكثيرة من قبضتك بسبب روح واحد ، فتندّم هذا الوقت (١).

ـ ٧٣ ـ وفاة الشيخ عبد القادر

ذكروا : أنّه لمّا قربت وفاة الشيخ عبد القادر الجيلاني جاء سيّدنا عزرائيل عليه‌السلام بمكتوب ملفوف من الربِّ الجليل في وقت غروب الشمس وأعطاه ولده الشيخ عبد الوهاب ، وكان مكتوباً على ظهره : يصل هذا المكتوب من المحبِّ إلى المحبوب.

فلمّا رآه ولده بكى وتحسّر ودخل بالمكتوب مع سيّدنا عزرائيل عليه‌السلام على حضرة الشيخ ، وقبل هذا بسبعة أيّام كان معلوماً لدى الشيخ انتقاله إلى العالم العلويّ ، وكان مسروراً ودعا الله لمحبّيه ومخلصيه بالمغفرة ، وتعهّد أن يكون لهم شفيعاً يوم القيامة ، وسجد لله تعالى وجاء النداء : يا أيّتها النفس المطمئنّة ارجعي إلى ربّك راضية مرضيّة. وضجَّ عالم الناسوت بالبكاء ، وابتهج عالم الملكوت باللقاء (٢).

___________________________________

(١) تفريح الخاطر في ترجمة عبد القادر : ص ٥ ، ١٢ طبعة مصر ، مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركائه سنة ١٣٣٩. ( المؤلف )

(٢) تفريح الخاطر : ٣٨. ( المؤلف )

٢٢٤
 &

هذه نماذج من أوهام جاء بها الغلوُّ في مناقب الشيخ عبد القادر الجيلاني ، ونحن لو ذهبنا لنجمع ما عزوه إلى الشيخ من الكرامات وإن شئت قلت : من الخرافات ممّا لا يوافقه العقل ، ولا يصافق عليه المنطق ، ولا يساعده الشرع الإسلاميّ الأقدس ، ولا يدعم بحجّة ، ولا تصدّقه البرهنة لأريناك موسوعة ضخمة تبعثك إلى الضحك تارة وإلى البكاء أخرى.

ـ ٧٤ ـ الرفاعيّ يقبّل يد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

قال أبو محمد ضياء الدين الوتري في روضة الناظرين ( ص ٥٤ ) : وفي هذه السنة ـ يعني ( ٥٥٥ ) ـ حجَّ السيّد أحمد الرفاعي (١) رضي‌الله‌عنه بإشارة معنويّة ، وزار قبر جدّه عليه الصلاة والسلام ، وأنشد تجاه القبر الطاهر :

في حالة البعدِ روحي كنت أرسلُها

تُقبّلُ الأرضَ عنّي وهي نائبتي

وهذه دولةُ الأشباحِ قد حضرت

فامدد يمينَكَ كي تحظى بها شفتي (٢)

فظهرت له يد جدّه عليه الصلاة والسلام فقبّلها والناس ينظرون. وهذه القصّة تواتر خبرها ، وعلا ذكرها ، وصحّت أسانيدها ، وكتبها الحفّاظ والمحدّثون ، وكثيرٌ من أهل الطبقات والمؤرّخين ، لا ينكرها إلّا جاهلٌ قليل الرواية ، حاسدٌ لسلطان النبوّة ، وظهور المعجزة المحمديّة ، أو معذورٌ من غير هذه الأُمّة الأحمديّة. على أنَّ ظهور هذه

___________________________________

(١) ولد ٥١٢ بقرية حسن من أعمال واسط ، وتوفي ٥٧٨. توجد ترجمته في غير واحد من معاجم التراجم ، وأفرد فيها أحمد عزّت باشا العمري الموصلّي كتاباً أسماه : العقود الجوهريّة في مدائح الحضرة الرفاعيّة ، طبع بمصر في المطبعة البهيّة سنة ١٣٠٦ في ١٣٩ صفحة. ( المؤلف )

(٢) نسبهما والقصّة برمّتها صاحب تفريح الخاطر الى الشيخ عبد القادر الجيلاني ، ولا ضير في كلّ عزو مختلق مهما كانت الغاية تفريح الخاطر غلوّاً في الفضائل ، بعد الغضّ عن حكم العقل والشرع والمنطق. ( المؤلف )

٢٢٥
 &

المعجزة النبويّة في تلك الأعصار التي ظهرت بها البدع ، وكثرت بها الفتن ، وتفرّقت بها الأهواء ، وذهب بها أهل الباطل إلى مذاهب كثيرة كالإلحاد والزندقة وغير ذلك ممّا سلكه الفرق الضالّة من طرق الضلالة ما كان إلّا لإعلاء كلمة الحقّ والشريعة والدين على يد هذا السيّد الجليل الذي اختصّه الله ورسوله بهذه النعمة وأبرزه لهذه الخدمة ، لعدم وجود من يماثله أو يشاكله في ذلك القرن من الأولياء والسادات وصالحي الوقت نفعنا الله بهم.

وقال في ( ص ٦٢ ) : إذا عدّت كرامات الرجال كفاه ـ يعني السيّد أحمد الرفاعي ـ فخراً وشرفاً تقبيل يد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين جمّ غفير من المسلمين حتى سارت بها الركبان ، وتواتر خبرها في البلدان ، وقصر عندها باع أكابر الإنس والجانّ ، وغبطه عليها الملأ الأعلى ، كما قال ذلك في شأنه الشيخ عبد القادر الجيلي عليه الرحمة والرضوان.

وفي العقود الجوهريّة ( ص ٥ ) عن العبد الصالح العارف بالله عبد الملك بن حمّاد أنّه قال : قدّر الله لي الحجَّ سنة خمسمائة وخمسٍ وخمسين ، وجئت إلى المدينة وتشرّفت بزيارة النبيِّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وفي ذلك الأسبوع جاء لزيارة قبره ـ عليه الصلاة والسلام ـ شيخنا سيّد العارفين إمام الأُمّة السيّد أحمد الرفاعي رضي‌الله‌عنه وقد دخل البلدة بقافلة عظيمة من الزوّار ، فلمّا دخل الحرم الشريف النبويّ وقف تجاه القبر الأفضل ، والوقت بعد العصر وقد غصّ الحرم المبارك بالناس وأنشد غائباً عن نفسه حاضراً بمحبوبه :

في حالة البعد روحي كنت أُرسلُها

تقبّلُ الأرضَ عنّي وهي نائبتي

وهذه دولةُ الأشباحِ قد حضرت

فامدد يمينَك كي تحظى بها شفتي

فظهرت له يد النبيِّ ـ عليه الصلاة والسلام ـ تتلمّع بيضاء سويّة كأنّها زند البرق ، فقبّلها والناس ينظرونه ، وقد منَّ الله تعالى تفضّلاً عليَّ فرأيتها ورأيت كيف استلمها ، وإنّي أعدّ هذا الشهود الباهر ذخيرة المعاد ، وزاد القدوم على الله تعالى. ثم

٢٢٦
 &

قال : وكان في القافلة المذكورة الشيخ أحمد الزعفراني ، والشيخ عدي بن مسافر الأمويّ ، والسيّد عبد الرزاق الحسيني الواسطي ، والشيخ عبد القادر الجيلاني ، والشيخ أحمد الزاهد ، والشيخ حيوة بن قيس الحرّاني ، والشيخ عقيل المنبجي العمري ، وجماعة من مشاهير أولياء العصر وقد تشرّفت الكلُّ برؤيا اليد النبويّة الطاهرة الزكيّة واندرجوا تحت بيعة مشيخته رضي الله عنه وعنهم أجمعين. وخبر هذه القصّة متواترٌ مشهورٌ ، وقد ساقه كثير من أعيان الرجال بوجه التفصيل فليراجع.

قال الشيخ تقيّ الدين الفقيه النهروندي المتوفّى ( ٥٩٤ ) في قصيدة أوّلها :

أيّ سرٍّ جاءتْ به الأنبياءُ

وحديثٍ رواته الأولياءُ

سَلسلتْهُ الساداتُ أهلُ المعالي

وحكته الأئمّةُ الأتقياءُ

فروى نشره الصديرين ريّا

وأضاءت بنورِه البطحاءُ

مدَّ طه يمينه للرفاعيِّ

فانجلت عندها له الأشياءُ

إلى أن قال :

لا تقل كيف تمّ هذا وأيقن

يفعل اللهُ ربُّنا ما يشاءُ

واهجر المارقينَ واعذر إذا ما

أنكرَ الشمسَ مقلةٌ عمياءُ

أيكونُ النبيّ ميتاً وفي القر

آن أحياءُ رَبّها الشهداءُ

وبمدّ اليمين لابن الرفاعي

حجّة في مقامها سمحاءُ

شهدتها المساءَ آلاف قومٍ

ورآها الأقران والأكفاءُ

صار ذاك المساء صبحاً فما أعـ

ـجبَ يوماً فيه الصباح مساءُ

وقال صاحب العقود الجوهرية يمدحه في قصيدة له :

ذاك الرفاعيّ الذي فعله

يعزُّ في النقد على الناقدِ

كم ركب الليث وكم راكبٍ

ذلّل من صولة مستأسدِ

٢٢٧
 &

كفُّ رسولِ اللهِ في لثمِها

حازَ بها الفخرَ على الجاحدِ

قد مدّها من قبره نحوه

لاحت إلى الحاضر والشاهدِ

وقال الحافظ الحاج ملّا عثمان الموصلي في قصيدة يمدح بها السيّد الرفاعي :

له الأفاعي وأُسدُ الغابِ طائعةٌ

والجنُّ تُبصرُ من آياتِهِ العجبا

ألا ترى أنَّ من ينمى إليه فلا

يخشى من النار مهما أوقدتْ لهبا

كفاه تقبيلُ يمنى الهاشميّ أبي الزهراء فخراً وعنها الغير قد حجبا

وقال السيّد محمد أبو الهدى الرفاعي في تخميس قصيدة سراج الدين المخزومي :

اُكرمتَ من طه بكفِّ جنابِهِ

بين القفولِ مذ التجأتَ ببابه

فلثمتَهُ وعرفتَ في أحبابه

نوراً أراد الله أن تحيى به

رغماً لمن فتكت به الظلمات

وقال من قصيدة يمدحه بها :

كفى شرفاً تكليمُ خيرِ الورى له

وإمدادُهُ إذ مدَّ جهراً له اليدا

وليس عجيباً حين صحّ انتسابهُ

إليه إذا أبدى إليه تودّدا

كرامةُ حقّ وهي ثابتةٌ له

ومعجزةٌ للمصطفى خيرِ من هدى

وقال بهاء الدين السيّد محمد الروّاس في قصيدة له يمدحه بها :

كفاه أنَّ رسول الله مدَّ له

يدَ القبولِ وزهرُ العصر نضّارُ

وقال من جدّه خير الورى خلقاً

له انطوى فيه إعزازٌ وإظهارُ

وقال عبد الحميد أفندي الطرابلسي في قصيدة له يمدحه بها :

هو الحجّةُ الكبرى على كلِّ قائمٍ

لذاك يدُ المختارِ مُدّتْ له جهرا

٢٢٨
 &

ومن هذه والله حجّةُ فضلِهِ

أجل غيرُه في القومِ حجّتُه صغرى

وقال السيّد عبد الغفار الأخرس في قصيدة يمدحه بها :

تولّد من رسول الله شبلٌ

به دانت له كلُّ السباعِ

وقبّل كفَّ والدِهِ جهاراً

غدت بالنورِ باديةَ الشعاعِ

وشاهدها الثقاتُ وكلُّ فردٍ

رآها بانفرادٍ واجتماعِ

فتلك مزيّةٌ لم يَحْظَ فيها

سواهُ من مطيعٍ أو مطاعِ

وقال أبو الفرج السيّد أحمد شاكر الآلوسي من قصيدة يمدحه بها :

هو قطب الوجود غوث البرايا

غيثُها المرتجى على الإطلاقِ

كم له من مناقبٍ سائراتٍ

كمسيرِ البدور في الآفاقِ

حاز من جدّه الرسولِ مقاماً

لم يزل ذكرُه مدى الدهر باقي

حيثما زاره وقبّل كفّاً

منه قد آذنت له بالتلاقي

وقال الفقيه يحيى بن عبد الله الواسطي في قصيدة يمدحه بها :

مُدّتْ له يدُ طه ثم قبّلها

يهنيه مجداً نأى أن يقبل الشركا

والمصطفى بكتابِ العتقِ أكرمَهُ

واللهُ أحيا له لمّا دعا السمكا

وقال صفيّ الدين يحيى بن المظفر البغدادي الحنبلي في قصيدة يمدحه بها :

وله إمامُ الرسلِ مدّ يداً لها

فُتِحتْ كنوزُ حقائقِ القرآنِ

وقوافلُ الحجّاجِ سكرى عندها

ما بين مبهوتِ وذي أشجانِ

وقال السيّد عبد الحيّ الحسيني مفتي غزّة هاشم من قصيدة يمدحه بها :

علَمُ الشرقِ أحمدٌ من إليه

مدّ طه يمينَه إجلالا

مدّ راحاً إلى النبيِّ بها كلّ

محال لو رامه ما استحالا

٢٢٩
 &

يالراحٍ قد صافحتها المعالي

وشفاهٍ لقد لثمنَ الهلالا

وقال السيّد إبراهيم الراوي الرفاعي الشافعي من قصيدة يمدحه بها :

وهو باب النبيِّ لاثم يمنا

ﻩ جهاراً وقد تجلّى تعالى

حين أبدى محمدٌ معجزاتٍ

معجزات لأحمدٍ إجلالا

كيف لا وهو شبله وكذا الآ

باءُ تعلو إن أنجبت أشبالا

وقال السيّد سراج الدين المخزومي في كتابه صحاح الأخبار من قصيدة يمدح بها الرفاعي :

يا بن من كان في الثبوت نبيّاً

قبل كون القوالبِ الطينيّه

لك جمعٌ في مشهدِ الوجد بانت

منه للقومِ حكمة الفرقيّه

لك قربٌ أقام في حالة البعـ

ـد مناراً في الروضةِ الحرميّة

حين مدّت يدُ الرسول جهاراً

لك يا حسنَ خلعةٍ علنيّه

شاهدتها الألوف من كلّ أرضٍ

فروى نشرها البقاع القصيّه

وبآذاننا تواتر هذا الـ

ـمجد أقراط فخره جوهريّه

وذكر القصّة القاضي الخفاجي الحنفي في شرح الشفا (١) ( ٣ / ٤٨٩ ) ، والعدويّ الحمزاوي في كنز المطالب ( ص ١٨٨ ) وفيه : فمدّ يده الشريفة من الشبّاك فقبّلها. وابن درويش الحوت في أسنى المطالب (٢) ( ص ٢٩٩ ) وقال : إذا أكرم الله عبداً برؤية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقظة يمثّل له نوره الشريف بصورة جسمه الكريم ، وربّما ظنّه الرائي أنّه الجسم الشريف لغلبة الحال ، ومن ذلك ما وقع لسيدنا الرفاعي رضي‌الله‌عنه. إلى آخره.

قال الأميني : لا تهمّنا رؤية السيّد الرفاعي يد النبيّ الشريفة وتقبيله إيّاها وقد

___________________________________

(١) نسيم الرياض : ٣ / ٤٤٢.

(٢) أسنى المطالب : ص ٦٢١ ـ ٦٢٢.

٢٣٠
 &

جاء القوم بأعظم وأعظم منها ، هذا الشيخ عبد القادر الجيلاني استصحبه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليلة المعراج (١) وهذا جلال الدين السيوطي وقد رأى نفس النبيّ الأقدس في اليقظة بضعاً وسبعين مرّة ، وروى آخر عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحاديث ، وكان آخر يشاوره في أموره.

قال الشيخ حسن العدوي الحمزاوي في مشارق الأنوار ، وكنز المطالب ( ص ١٩٧ ) نقلاً عن بهجة النفوس والأسماع للشعراني عند نقله لمزايا الكمال : منها شدّة قربهم من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كلّ وقت ، فلا يكاد يحجب عنهم في ليل أو نهار ، حتى إنّ بعضهم صحّح عنده أحاديث عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال بعض الحفّاظ بضعفها من طريق النقل الظاهر فتقوّت بذلك عنده. قال : وقد أدركت جماعة ممّن لهم هذا المقام منهم سيّدي علي الخواصّ (٢) والسيد علي المرصفي وأخي أفضل الدين ، والشيخ جلال الدين السيوطي ، والشيخ نور الدين الشوتي ، والشيخ محمد الصوفيّ ببلاد الفيّوم رضي الله عنهم أجمعين.

قال : وكان الشيخ نور الدين الشوتي يشاور رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أموره ، ومن جملة ما شاوره فيه حفر البئر التي في زاويتنا ، فإنّنا حفرنا ثلاثة آبار وهي تطلع فاسدة وماؤها منتن. فقال له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قل لهم : يحفروا في باب الحوش ، ففعلنا فطلعت بئر عظيمة وماؤها حلو ، فالحمد لله ربّ العالمين.

اقرأ واسأل العقل السليم ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء من عباده.

___________________________________

(١) راجع كتاب تفريح الخاطر في ترجمته. ( المؤلف )

(٢) ترجمه الشعراني في طبقاته الكبرى : ٢ / ١٣٥ ـ ١٥٣ [ ٢ / ١٥٠ ـ ١٦٩ ] وبدأ ترجمته بقوله : كان رضي‌الله‌عنه يتكلّم عن معاني القرآن العظيم والسنّة الشريفة كلاماً نفيساً تحيّر فيه العلماء ، وكان محلّ كشفه اللوح المحفوظ عن المحو والإثبات. وقد أكثر في تلكم الصفحات من هذه المخاريق فراجع.

( المؤلف )

٢٣١
 &

ـ ٧٥ ـ الغزلاني يكشف عمّا في الخواطر

قال أبو محمد ضياء الدين الوتري في روضة الناظرين ( ص ١٣٣ ) في ترجمة الشيخ محمد الغزالي الموصلي الشهير بالغزلاني (١) المتوفّى ( ٦٠٥ ) نقلاً عن الشيخ محمد أبي عبد الله بن تاج ابن القاضي يونس الموصلي أنّه قال : كنّا مع جماعة من ثقات علماء الموصليّين بزيارة الشيخ محمد الغزلاني قدس الله سره وكان الوقت وقت المغرب ، وقد أظلم الغار الذي هو فيه فثقل ذلك على الجماعة ، فكشف ما في خواطرهم وتبسّم وقال : ما عندنا زيت ولا لنا سراجٌ ، ثم أشار إلى شجرة أمام الغار ، فلمعت أغصانها نوراً أضاء منه الجبل ، فوالله ما بتنا ليلة أبهج وأكثر أُنساً عندنا من تلك الليلة.

قال الأميني : اقرأ وتعقّل واحكم.

ـ ٧٦ ـ الشاطبي يعلم جنابة الجنب

قال الجزري : أخبرني بعض شيوخنا الثقات عن شيوخهم أنّ الشاطبي القاسم ابن فيرة الضرير (٢) كان يصلّي الصبح بالفاضليّة بغلس ثم يجلس للإقراء فكان الناس يتسابقون السرى إليه ليلاً ، وكان إذا قعد لا يزيد على قوله : من جاء أولاً فليقرأ. ثم يأخذ على الأسبق فالأسبق ، فاتّفق أن قال يوماً : من جاء ثانياً فليقرأ ، وبقي الأوّل وكان من أصحابه لا يدري ما الذنب الذي أوجب حرمانه ، ففطن أنّه أجنب تلك

___________________________________

(١) وذلك لأن الغزلان كانت ما تزال تزوره وتأنس به. روضة الناظرين : ص ١٣٣. ( المؤلف )

(٢) أبو محمد الضرير المقرئ صاحب القصيدة التي أسماها : حرز الأماني ووجه التهاني في القراءات عدّتها ألف ومائة وثلاثة وسبعون بيتاً. ولد سنة ٥٣٨ ، وتوفّي سنة ٥٩٠ ودفن بالقرافة وقبره مشهور مزور. شذرات الذهب : ٤ / ٣٠٢ [ ٦ / ٤٩٤ حوادث سنة ٥٩٠ هـ ]. ( المؤلف )

٢٣٢
 &

الليلة ، ولشدّة حرصه على النوبة نسي ذلك ، فبادر إلى حمّام جوار المدرسة فاغتسل ورجع قبل فراغ الثاني والشيخ قاعدٌ أعمى ، فلمّا فرغ الثاني قال الشيخ : من جاء أوّلاً فليقرأ. وهذا من أحسن ما وقع لشيوخ هذه الطائفة بل لا أعلم مثله وقع في الدنيا.

مفتاح السعادة (١) ( ١ / ٣٨٨ ).

قال الأميني : ليس الأمر كما حسبه الجزري من أنَّ هذه الحالة من خاصّة الشاطبي وما وقع مثلها في الدنيا ، وقد أسلفنا ذكر جماعة حسبوا أنّهم كانوا يخبرون عن الضمائر ويعلمون المغيّب ، وكأنّ القوم اتّخذوا المغيّبات أُلعوبة يطلُّ عليها كلُّ أعمى أو بصير ، أو أنَّ الغلوَّ في الفضائل أسفَّ بهم إلى هذه الهوّة.

ـ ٧٧ ـ الحشرات تنحدر في الوادي

قال عمر بن عليّ السرخسي : كنت مراهقاً وقت موت الوخشي (٢) الحافظ أبي علي الحسن بن عليّ البلخي (٣) فحضرته ، فلمّا وُضِع في القبر سمعنا صيحة ، فقيل : خرجت الحشرات من المقبرة ، وكان في طرفها وادٍ انحدرت إليه ، وأبصرت العقارب والخنافس وهي منحدرةٌ في الوادي والناس ما يتعرّضون لها.

ذكره الحافظ الذهبي في تذكرة الحفّاظ (٤) ( ٣ / ٣٤٤ ).

قال الأميني : دع الحشرات تنحدر ، وانظر إلى عقل هذا الحافظ راوي هذه المهزأة فإنّه يخبت إلى مثل هذه الأسطورة ويراها مدحاً لرجال قومه ، فما بال العقارب

___________________________________

(١) مفتاح السعادة : ٢ / ٤٣.

(٢) نسبة إلى وخش : قرية من أعمال بلخ [ معجم البلدان : ٥ / ٣٦٤ ]. ( المؤلف )

(٣) هو الحافظ أبو عليّ الحسن بن عليّ بن محمد بن جعفر الوخشي سافر في طلب الحديث ، وتنقَّل بين خراسان وبغداد ومصر ودمشق توفّي سنة ٤٥٦.

(٤) تذكرة الحفّاظ : ٣ / ١١٧٢ رقم ١٠٢٥.

٢٣٣
 &

والخنافس لم تغادر مقبرة المدينة الطيّبة وبقيعها الغرقد ومسجدها الأعظم ولم تنحدر إلى الوادي وكأنّها أنست بها ، غير أنَّ حشرات مقبرة الوخشي تفرُّ عنه ؟! هذا عقل الذهبي وروايته ، وتراه لمّا يقف على منقبة من مناقب مولانا أمير المؤمنين ولم ترقه ولا يجد في سندها ومتنها غمزاً يتخلّص منها بقوله : إنَّ في نفسي منها شيئاً. راجع تلخيص المستدرك.

ـ ٧٨ ـ اليونيني يمشي في الهواء

قال الحافظ ابن كثير في تاريخه (١) ( ١٣ / ٩٤ ) : ذكروا أنَّ الشيخ عبد الله اليونيني المتوفّى ( ٦١٧ ) ، كان يحجُّ في بعض السنين في الهواء ، وقد وقع هذا لطائفة كبيرة من الزهّاد وصالحي العبّاد ، ولم يبلغنا هذا عن أحد من أكابر العلماء ، وأوّل من يذكر عنه هذا حبيب العجمي ، وكان من أصحاب الحسن البصري ثم من بعده من الصالحين رحمهم الله أجمعين.

قال الأميني : ليس بعجيب من ابن كثير أن يخبت إلى أمثال هذه الأعاجيب ، ويشوّه بها صحيفة تاريخه ، ويرتفع صخبه متى وقف على منقبة من مناقب أهل البيت عليهم‌السلام هي أدنى من هذه الموهومات التي يمجّها الاعتبار ، ويحيلها العقل ، لكن الحبّ والبغض يُعميان كما أنَّهما يُصمّان.

ـ ٧٩ ـ الحضرمي يعلِّم النحو بالإجازة

قال ابن العماد الحنبلي في شذرات الذهب (٢) ( ٥ / ٣٦١ ) : للشيخ إسماعيل الحضرمي المتوفّى ( ٦٧٨ ) كرامات ، قال المطري : كادت تبلغ التواتر ، منها : أنَّ ابن

___________________________________

(١) البداية والنهاية : ١٣ / ١١٠ حوادث سنة ٦١٧ هـ.

(٢) شذرات الذهب : ٧ / ٦٣١ حوادث سنة ٦٧٨ هـ.

٢٣٤
 &

معطٍ قيل له في النوم : اذهب إلى الفقيه إسماعيل الحضرمي واقرأ عليه النحو ، فلمّا انتبه تعجّب لكون الحضرمي لا يحسنه ثم قال : لا بدَّ من الامتثال ، فدخل عليه وعنده جمعٌ يقرؤون الفقه ، فبمجرّد رؤياه قال : أجزتك بكتب النحو ، فصار لا يطالع فيه شيئاً إلّا عرفه بغير شيخ.

قال الأميني : خذ العلم من أفواه الرجال أو من إجازاتهم ، ما أكثر ما سمعنا التعلّم بالدراسة ! لكن هل سمعت أذناك تعلّماً بإجازة أو تزريقاً للعلم بكلمة واحدة ؟ وهل سمعت أكرومة مثلها عن أحد من الرسل ؟ أو أنَّها فضيلة اختصّ بها الحضرميّ ؟ ولم يتح مثله لأيّ أحد ، حتى أنَّ النبيّ الأعظم لم يعلّم عمر بن الخطّاب الكلالة بالإجازة وكان يقول : أراك لم تعلمها. ويقول لبنته حفصة : أرى أباك لم يعلمها. إلى مئات من مجهولات الخليفة التي لم يتوفّق لاستكناهها بإشراق ، أو إجازة ، أو دراسة ، مع حاجته الماسّة إليها يوم تسنّم عرش الخلافة بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكان غير عازب عن علمه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحاجة الأُمّة إليها ، ولم تكن تلكم المجهولات كعلم النحو الذي لا تقوم به دعامة الإسلام والقضاء والفتيا ، أضف إليه أخاه يوم المؤاخاة الخليفة الأوّل ، وما أكثر مجهولاته وما خفي عليه من معالم الدين وأحكام الشريعة ! وليت باب التعليم بالإجازة كان مفتوحاً منذ عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويعلّم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثالث الخلفاء الراشدين عثمان معالم دينه ، ولم تك تشوّه صفحات الفقه الإسلامي بآرائه الشاذّة عن الكتاب والسنّة.

ـ ٨٠ ـ الحضرمي وأصحاب القبور

ذكر السبكيّ في طبقاته (١) ( ٥ / ٥١ ) ، واليافعيّ في رياضه (٢) ( ص ٩٦ ) عن إسماعيل الحضرميّ المذكور : أنّه مرَّ على بعض المقابر في بلاد اليمن فبكى بكاءً شديداً ،

___________________________________

(١) طبقات الشافعية الكبرى : ٨ / ١٣١ رقم ١١١٧.

(٢) روض الرياحين : ص ٢٠١ رقم ١٦٥.

٢٣٥
 &

وعلاه حزن وترح ، ثم ضحك ضحكاً حميداً ، وعلاه في الحال سرورٌ وفرح ، فتعجّب الناس الحاضرون هنالك وسألوه عن ذلك ، فقال رضي‌الله‌عنه : كشف لي عن أهل هذه المقبرة فرأيتهم يعذَّبون فحزنت وبكيت لذلك ، ثم تضرّعت إلى الله سبحانه وتعالى فيهم ، فقيل لي : قد شفّعناك فيهم ، فقالت صاحبة هذا القبر : وأنا معهم يا فقيه إسماعيل أنا فلانة المغنّية. فضحكت وقلت : وأنت معهم. ثم إنّه أرسل إلى الحفّار وقال : من في هذا القبر القريب العهد ؟ قال : فلانة المغنّية التي تشفّع لها الشيخ نفع الله تعالى بها.

قال الأميني : أنا لا أدري بأيّها أعجب ؟ أبدعوى الحضرميِّ اطّلاعه على عالم البرزخ وقبول شفاعته في أهل تلك الجبّانة حتى في المغنّية ؟ أم باطّلاع الحفّار على ذلك السرِّ المصون ؟ أم بوقوف المغنّية على تلك الشفاعة والتشفّع في الحين ، ومفاوضتها مع الفقيه في أمرها وهي في قبرها ، من دون أي سابقة تعارف بينهما ؟ وإذا كان الكلّ لم يقع فلا تمايز بين الأعدام ، وإنّما العجب من بخوع الأعلام لمثل هذه الأوهام.

ـ ٨١ ـ ردّ الشمس لإسماعيل الحضرمي

أسلفنا في الجزء الخامس صفحة ( ٢٣ ) وقوف الشمس لإسماعيل الحضرمي يوم قال لخادمه وهو في سفر : قل للشمس تقف حتى نصل إلى المنزل. فوقفت حتى بلغ مقصده ، ثم قال للخادم : أما تطلق ذلك المحبوس ؟ فأمرها الخادم بالغروب فغربت وأظلم الليل في الحال.

ذكرها كما مرّ السبكي في طبقاته ( ٥ / ٥١ ) ، واليافعي في مرآته ( ٤ / ١٧٨ ) ، وابن العماد في شذراته (١) ( ٥ / ٣٦٢ ) ، وابن حجر في الفتاوى الحديثيّة (٢) ( ٢٣٢ ).

___________________________________

(١) شذرات الذهب : ٧ / ٦٣١ حوادث سنة ٦٧٨.

(٢) الفتاوى الحديثية : ص ٣١٦.

٢٣٦
 &

لعلّ شرع الهوى يسوِّغ للإنسان زخرف القول ، وأن يفوه بما شاء وأراد ، وأن ينسلب عن عقله ويكيل كيل المعتوهين ، أعوذ بالله من الغلوّ في الفضائل.

ـ ٨٢ ـ الدلّاوي يرضع طفلاً

قال اليافعي في مرآة الجنان ( ٤ / ٢٦٥ ) : كان عند السيّد أبي محمد عبد الله الدلّاوي المتوفّى ( ٧٢١ ) طفلٌ غابت أُمُّه عنه فبكى ، فدرّ ثديه باللبن فأرضع ذلك الطفل حتى سكت.

لست أدري ما قيمة أمثال هذه الكتب التاريخيّة المشحونة بأمثال هذه الأضحوكة ، وهي السائرة الدائرة في الملأ العلميّ يعوّل عليها ويؤخذ منها.

ـ ٨٣ ـ شمس الدين الكردي يواصل أسبوعاً

قال ابن العماد الحنبلي في شذرات الذهب (١) ( ٧ / ٨٩٣ ) : كان شمس الدين محمد ابن إبراهيم بن عبد الله الكردي القدسيّ نزيل القاهرة الشافعيّ المتوفّى ( ٨١١ ) يواصل الأسبوع كاملاً ، وذكر أنَّ السبب فيه أنه تعشّى مع أبويه قديماً ، فأصبح لا يشتهي أكلاً ، فتمادى على ذلك ثلاثة أيّام ، فلمّا رأى أنّ له قدرة على الطيّ تمادى فيه أربعيناً ، ثم اقتصر على سبع ، وكان فقيهاً ، وكان يذكر أنّه يقيم أربعة أيّام لا يحتاج الى تجديد وضوء.

قال الأميني : الطبع البشريّ لا يطيق المثابرة على الجوع أربعين يوماً ولا أسبوعاً ، كما أنّه لا يطيق على السهر أربعاً ، ولعلَّ الفقيه الكردي كانت له نظريّة خاصّة في مبطلات الوضوء ، أو المغالاة في الفضائل كانت تخلق له هذه كلّها.

___________________________________

(١) شذرات الذهب : ٩ / ١٣٩ حوادث سنة ٨١١ هـ.

٢٣٧
 &

ـ ٨٤ ـ الشاوي يستمهل للميّت

ذكر المناوي في طبقاته ، قال : كان أحمد بن يحيى الشاوي اليمنيّ المتوفّى ( ٨٤١ ) كبير القدر سريّاً ، رفيع الذكر سنيّاً ، صاحب أحوال وكرامات ، منها : أنّه قصده جمعٌ من الزيديّة ممّن لا يثبت الكرامات ، وقصدوا امتحانه وكان عنده جبٌّ فيه ماء ، فجعل يغرف منه تارةً لبناً ، وتارةً سمناً ، وأخرى عسلاً ، وغير ذلك بحسب ما اقترحوا عليه.

ودخل على القاضي عثمان بن محمد الناشري وقد أرجف بموته ، ثم خرج وعاد إليه ، وقال لأهله : قد استمهلت له ثلاث سنين ، فأقام القاضي بعدها ثلاث سنين لا تزيد ولا تنقص.

شذرات الذهب (١) ( ٧ / ٢٤٠ ).

قال الأميني : أنا لا أدري أنَّ الشاوي هل ردَّ أجلاً جاء كما هو ظاهر قوله : وقد أرجف بموته. وفي الذكر الحكيم : ( إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ ) (٢) ؟ أو أنّه موَّه على آل القاضي بأُزوف أجله وأنّه استمهل له إلى منتهى ثلاثة أعوام ؟ وحسبه الإفك الشائن عندئذٍ ، ومن ذا أعلمه أنّه يُرجأ إلى منصرم السنين الثلاث ؟ ولعلَّ علمه بذلك كان مدَّخراً في الجبّ الذي كان يغرف منه العسل طوراً ، واللبن تارة ، والسمن مرّة ، والماء أخرى ، وهذه المخازي خامسة ، ولا بأس عليه فإنّ البئر بئره والماء ماؤه ، يغترف منها ما يشاء.

فإنَّ الماء ماء أبي وجدّي

وبئري ذو حفرت وذو طويت

___________________________________

(١) شذرات الذهب : ٩ / ٣٤٩ حوادث سنة ٨٤١ هـ.

(٢) يونس : ٤٩.

٢٣٨
 &

ـ ٨٥ ـ إمام يعلم حوائج زائريه وهو في قبره

قال ابن العماد في شذرات الذهب (١) ( ٧ / ٢٩٢ ) : توفّي أبو القاسم محمد بن إبراهيم من بيت بني جمعمان (٢) سنة ( ٨٥٧ ) وكان إماماً مجتهداً ، وانتهت إليه الرئاسة في العلم والصلاح في اليمن ، وله كرامات منها : أنَّه كان يخاطبه الفقيه أحمد بن موسى عجيل من قبره ، وإذا قصده أحدٌ في حاجة توجّه إلى قبره فيقرأ عنده ما تيسّر من القرآن ثم يُعلمه فيجيبه.

قال الأميني : زَلّة العالم يُضرب بها الطبل ، وزَلّة الجاهل يخفيها الجهل.

ـ ٨٦ ـ [ زاهد لم يأكل طعاماً مدة ستّة أشهر ]

حُكي أنَّ السيّد يحيى ابن السيّد بهاء الدين الشرواني الحنفيّ المتوفّى ( ٨٦٨ ) كان لم يأكل طعاماً في آخر عمره مقدار ستّة أشهر (٣).

قال الأميني : حبّذا لو قبلته الطبيعة البشريّة ، وخضع له العقل السليم ، لكنّك تعلم ....

ـ ٨٧ ـ شيخ يأكل بقرة

قال المناوي في طبقاته في ترجمة إبراهيم بن عبد ربّه المتوفّى ( ٨٧٨ ) : أخذ عن

___________________________________

(١) شذرات الذهب : ٩ / ٤٢٦ حوادث سنة ٨٥٧ هـ.

(٢) في المصدر : جعمان.

(٣) شذرات الذهب : ٧ / ٣٠٩ [ ٩ / ٤٥٦ حوادث سنة ٨٦٨ ]. ( المؤلف )

٢٣٩
 &

الشيخ محمد الغمري ، والشيخ مدين ، قال : دخل مرّة بيت الشيخ مدين في مولده فأكل طعام المولد كلّه. وأكل مرّة لحم بقرة كاملة ، ثم طوى بعدها سنة ، ومن كراماته ما حكاه الشيخ أمين الدين إمام جامع الغمري أنّه قال له : بعدك نسائل في مُهمّاتنا من ؟ قال : من بينه وبين أخيه ذراع من تراب ، فاسألني أُجبك ، فمرضت بنته فالتمسوا لها بطّيخة فما وجدت ، فجاء إلى قبره وقال : الوعد. ثم رجع بعد العشاء فوجد في سلّم بيته بطيخة لم يعلم من أين جاءت.

شذرات الذهب (١) ( ٧ / ٣٢٣ ).

قال الأميني :

وصاحب لي بطنه كالهاويه

كأنّ في أحشائه معاويه

أنا في حيرة بين محالات ثلاثة : أكل الشيخ البقرة كاملة ، وانطوائه على الجوع سنة ، وإعطائه البطّيخ وهو تحت أطباق الثرى ، ولعلّه كان بينه وبين ابن أبي سفيان آصرة رحم ، فأتاه ناموس الوراثة عند أكل البقرة من هنالك ، ولكنّي لا أدري من أين أتته الوراثة في الصبر على الطوى سنة ، ولم يكن يطيقه معاوية ، ولا يطيقه أيُّ إنسان وإن أكل عشرات من البقر ، فإنّه يهلك قبل عشر من معشار هذه المدّة ؟ ولعلّك تقول : إنَّ من المحتمل أنّه كان مصاباً بدعوتين له وعليه فأُجيبتا ، وأكلَ الشيخ وصبر ، لكنّ حديث البطّيخة أنا لا أعرف منشأه ومبتدأه ، كما أنّي أجهل خبره.

ـ ٨٨ ـ خمر بلدة صارت خلّاً

نشأ داود بن بدر الحسيني المتوفّى ( ٨٨١ ) بشرافات من أعمال القدس ، وكان أهلها كلّهم نصارى ليس فيهم مسلمٌ إلّا الشيخ وأهل بيته ، وكانت حرف أهل القرية

___________________________________

(١) شذرات الذهب : ٩ / ٤٨٣ حوادث سنة ٨٧٨ هـ.

٢٤٠