الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - ج ٢

آية الله ناصر مكارم الشيرازي

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - ج ٢

المؤلف:

آية الله ناصر مكارم الشيرازي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مدرسة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام
المطبعة: أمير المؤمنين عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-6632-43-2
ISBN الدورة:
964-6632-53-X

الصفحات: ٨٠٨

يكنّه الناس في ضمائرهم وقلوبهم.

وفي هذه الجملة ترغيب للمؤمنين الصادقين ، وترهيب للمنافقين.

بحث

الدين لا يفرض :

لا يمكن للإسلام ولا للأديان الحقّة الاخرى أن تفرض فرضا على الناس لسببين :

١ ـ بعد كلّ تلك الأدلّة والبراهين الواضحة والاستدلالات المنطقية والمعجزات الجلية لم تكن ثمة حاجة لذلك. إنّما يستخدم القوّة من أعوزه المنطق والحجّة. والدين الإلهي ذو منطق متين وحجّة قويّة.

٢ ـ أنّ الدين القائم على أساس مجموعة من العقائد القلبية لا يمكن أن يفرض بالإكراه. إن عوامل القوّة والسيف والقدرة العسكرية يمكنها أن تؤثّر في الأجسام ، لا في الأفكار والمعتقدات.

يتّضح ممّا تقدّم الردّ على الإعلام الصليبي ـ المسموم ضدّ الإسلام ـ القائل «إنّ الإسلام انتشر بالسيف» ، إذ لا قول أبلغ ولا أفصح من (لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ) الذي أعلنه القرآن.

هؤلاء الحاقدون يتناسون هذا الإعلان القرآني الصريح ، ويحاولون من خلال تحريف مفهوم الجهاد وأحداث الحروب الإسلامية أن يثبتوا مقولتهم ، بينما يتّضح بجلاء لكلّ منصف أنّ الحروب التي خاضها الإسلام كانت إمّا دفاعية ، وإمّا تحريرية ، ولم يكن هدف هذه الحروب السيطرة والتوسّع ، بل الدفاع عن النفس ، أو إنقاذ الفئة المستضعفة الرازحة تحت سيطرة طواغيت الأرض وتحريرها من

٢٦١

ربقة العبودية لتستنشق عبير الحرية وتختار بنفسها الطريق الذي ترتئيه.

والشاهد الحيّ على هذا هو ما تكرّر حدوثه في التاريخ الإسلامي ، فقد كان المسلمون إذا افتتحوا بلدا تركوا أتباع الأديان الأخرى أحرارا كالمسلمين.

أمّا الضريبة الصغيرة التي كانوا يتقاضونها منهم باسم الجزية ، فقد كانت ثمنا للحفاظ على أمنهم ، ولتغطية ما تتطلّبه هذه المحافظة من نفقات ، وبذلك كانت أرواحهم وأموالهم وأعراضهم مصونة في حمى الإسلام. كما أنّه كانوا أحرارا في أداء طقوسهم الدينية الخاصّة بهم.

جميع الذين يطالعون التاريخ الإسلامي يعرفون هذه الحقيقة ، بل إن المسيحيين الذين كتبوا في الإسلام يعترفون بهذا أيضا. يقول مؤلّف «حضارة الإسلام او العرب» : «كان تعامل المسلمين مع الجماعات الأخرى من التساهل بحيث إنّ رؤساء تلك الجماعات كان مسموحا لهم بإنشاء مجالسهم الدينية الخاصّة».

وقد جاء في بعض كتب التاريخ أنّ جمعا من المسيحيين الذين كانوا قد زاروا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للتحقيق والاستفسار أقاموا قدّاسا في مسجد النبي في المدينة بكلّ حرّية.

إنّ الإسلام ـ من حيث المبدأ ـ توسّل بالقوّة العسكرية لثلاثة امور :

١ ـ لمحو آثار الشرك وعبادة الأصنام ، لأنّ الإسلام لا يعتبر عبادة الأصنام دينا من الأديان ، بل يراها انحرافا ومرضا وخرافة ، ويعتقد أنّه لا يجوز مطلقا أنّ يسمح لجمع من الناس أن يسيروا في طريق الضلال والخرافة ، بل يجب إيقافهم عند حدّهم. لذلك دعا الإسلام عبدة الأصنام إلى التوحيد ، وإذا قاوموه توسّل بالقوّة وحطّم الأصنام وهدّم معابدها ، وحال دون بروز أي مظهر من مظاهر عبادة الأصنام ، لكي يقضي تماما على منشأ هذا المرض الروحي والفكري.

٢٦٢

وهذا يتبيّن من آيات القتال مع المشركين ، مثل الآية ١٩٣ من سورة البقرة :(وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ). وليس هناك أيّ تعارض بين الآية التي نحن بصددها وهذه الآية ، ولا نسخ في هذا المجال.

٢ ـ لمقابلة المتآمرين للقضاء على الإسلام ، عندئذ كانت الأوامر تصدر بالجهاد الدفاعي وبالتوسّل بالقوّة العسكرية. ولعلّ معظم الحروب الإسلامية على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كانت من هذا القبيل ، مثل حرب أحد والأحزاب وحنين ومؤتة وتبوك.

٣ ـ للحصول على حريّة الدعوة والتبليغ. حيث إنّ لكل دين الحقّ في أن يكون حرّا في الإعلان عن نفسه بصورة منطقية ، فإذا منعه أحد من ذلك فله أن ينتزع حقّه هذا بقوّة السلاح.

* * *

٢٦٣

الآية

(اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٥٧))

التّفسير

نور الإيمان وظلمات الكفر :

بعد أن أشير في الآيات السابقة إلى مسألة الإيمان والكفر واتضاح الحقّ من الباطل والطريق المستقيم عن الطريق المنحرف توضّح هذه الآية الكريمة استكمالا للموضوع أنّ لكل من المؤمن والكافر قائدا وهاديا فتقول : (اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا) فهم يسيرون في ظلّ هذه الولاية من الظلمات إلى النور (يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ).

كلمة (وليّ) في الأصل بمعنى القرب وعدم الانفصال ولهذا يقال للقائد والمربّي (ولي) ـ وسيأتي شرحها في تفسير آية (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ) ... (١) ـ

__________________

(١) المائدة : ٥٥.

٢٦٤

تطلق أيضا على الصديق والرفيق الحميم ، إلّا أنّه من الواضح أنّ الآية مورد البحث تعني في هذه الكلمة المعنى الأوّل ، ولذلك تقول (اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا) ....

ويمكن أن يقال أنّ هداية المؤمنين من الظلمات إلى النور هو تحصيل للحاصل، ولكن مع الالتفات إلى مراتب الهداية والإيمان يتّضح أنّ المؤمنين في مسيرهم نحو الكمال المطلق بحاجة شديدة إلى الهداية الإلهيّة في كلّ مرحلة وفي كلّ قدم وكلّ عمل ، وذلك مثل قولنا في الصلاة كلّ يوم : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ).

ثمّ تضيف الآية إنّ أولياء الكفّار هم الطاغوت (الأوثان والشيطان والحاكم الجائر وأمثال ذلك) فهؤلاء يسوقونهم من النور إلى الظلمات (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ) ولهذا السبب (أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ).

* * *

ملاحظات

١ ـ إنّ تشبيه الإيمان والكفر بالنور والظلمة تشبيه بليغ رائع ، فالنور هو منبع الحياة ومصدر البركات والرشد والنمّو التكامل والتحرّك ومنطلق الاطمئنان والعرفة والهداية ، بينما الظلام رمز السكون والموت والنوم والجهل والضلال والخوف ، وهكذا الإيمان والكفر.

٢ ـ النقطة الثانية هي أنّ «الظلام» في هذه الآية وفي آيات اخرى جاء بصيغة الجمع (ظلمات) ، والنور جاء بصيغة المفرد ، وهذا يشير إلى أنّ مسيرة الحقّ ليس فيها تفرّق وتشتّت ، بل هي مسيرة واحدة فهي كالخط المستقيم بين نقطتين حيث إنّه واحد دائما غير متعدّد ، أمّا الباطل والكفر فهما مصدر جميع أنواع الاختلاف والتشتّت ، حتّى أنّ أهل الباطل غير منسجمين في باطلهم ، وليس لهم هدف واحد

٢٦٥

كما هو الحال في الخطوط المائلة والمنحرفة بين نقطتين حيث يكون عددها على طرفي الخط المستقيم غير محدود ولا معدود.

وأحتمل البعض أنّ المراد من ذلك أن صفوف الباطل بالنسبة لأهل الحقّ كثيرة.

٣ ـ يمكن أن يقال أنّ الكفّار ليس لهم نور فيخرجوا منه ، ولكن مع الالتفات إلى أنّ نور الإيمان موجود في فطرتهم دائما فينطبق عليه هذا التعبير انطباقا كاملا.

٤ ـ من الواضح أنّ الله تعالى لا يجبر المؤمنين للخروج من الظلمات إلى النور (ظلمات المعصية والجهل والصفات الذميمة والبعد عن الحقّ) ولا يكره الكفّار على خروجهم من نور التوحيد الفطري ، بل أنّ أعمال هؤلاء هي التي توجب هذا المصير وتثمر هذه العاقبة.

* * *

٢٦٦

الآية

(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتاهُ اللهُ الْمُلْكَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قالَ إِبْراهِيمُ فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٢٥٨))

التّفسير

محاجة إبراهيم مع طاغوت زمانه :

تعقيبا على الآية السابقة التي تناولت هداية المؤمنين بواسطة نور الولاية والهداية الإلهيّة، وضلال الكافرين لاتّباعهم الطاغوت ، يذكر الله تعالى في هذه الآية : عدّة شواهد لذلك ، وأحدها ما ورد في الآية أعلاه وهي تتحدّث عن الحوار الذي دار بين إبراهيم عليه‌السلام وأحد الجبّارين في زمانه ويدعى (نمرود) فتقول : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ).

وتعقّب الآية بجملة أخرى تشير فيها إلى الدافع الأساس لها وتقول : إنّ ذلك الجبّار تملّكه الغرور والكبر وأسكره الملك (أَنْ آتاهُ اللهُ الْمُلْكَ).

٢٦٧

وما أكثر الأشخاص الذين نجدهم في الحالات الطبيعيّة أفراد معتدلين ومؤمنين، ولكن عند ما يصلون إلى مقام أو ينالون ثروة فأنّهم ينسون كلّ شيء ويسحقون كلّ المقدّسات.

وتضيف الآية أنّ ذلك الجبّار سأل إبراهيم عن ربّه : من هو الإله الذي تدعوني إليه؟(إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ).

الواقع أنّ أعظم قضيّة في العالم هي قضيّة الخلقة ، يعني قانون الحياة والموت الذي هو أوضح آية على علم الله وقدرته.

ولكن نمرود الجبّار اتّخذ طريق المجادلة والسفسطة وتزييّف الحقائق لإغفال الناس والملأ من حوله فقال : إنّ قانون الحياة والموت بيدي (قالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ).

ومن أجل إثبات هذه الدعوى الكاذبة استخدم حيلة كما ورد في الرواية المعروفة حيث أمر بإحضار سجينين أطلق سراح أحدهما وأمر بقتل الآخر ، ثمّ قال لإبراهيم والحضّار: أرأيتم كيف أحيي وأميت.

ولكنّ إبراهيم قدّم دليلا آخر لإحباط هذه الحيلة وكشف زيف المدّعي بحيث لا يمكنه بعد ذلك من إغفال النّاس فقال : (قالَ إِبْراهِيمُ فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ) وهنا ألقم هذا المعاند حجرا (فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ).

وبهذا أسقط في يدي العدوّ المغرور ، وعجز عن الكلام أمام منطق إبراهيم الحيّ،وهذا أفضل طريق لاسكات كلّ عدوّ عنيد. بالرغم من أنّ مسألة الحياة والموت أهم من قضيّة حركة الشمس وشروقها وغروبها من حيث كونها برهانا على علم الله وقدرته ، ولهذا السبب أورده إبراهيم دليلا أوّل ، ولو كان في ذلك المجلس عقلاء ومتفكّرون لاكتفوا بهذا الدليل واقتنعوا به ، إذ أنّ كلّ شخص يعرف

٢٦٨

أنّ مسألة اطلاق سراح سجين وقتل آخر لا علاقة له بقضيّة الإحياء والإماتة الطبيعيتين أبدا، ولكن قد يكون هذا الدليل غير كاف لأمثال هؤلاء السذّج ، ويحتمل وقوعهم تحت تأثير سفسطة ذلك الجبّار المكّار ، فلهذا قدّم إبراهيم عليه‌السلام دليله الآخر وهو مسألة طلوع وغروب الشمس لكي يتضح الحق للجميع (١).

وما أحسن ما صنع إبراهيم عليه‌السلام من تقديمه مسألة الحياة والموت كدليل على المطلوب حتّى يدّعي ذلك الجبّار مشاركة الله تعالى في تدبير العالم ، ثمّ طرح مسألة طلوع وغروب الشمس بعد ذلك ليتّضح زيف دعواه ويحجم عن دعوى المشاركة.

ويتّضح ضمنا من جملة (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) أنّ الهداية والضلالة بالرغم من أنّهما من أفعال الله تعالى ، إلّا أنّ مقدّماتهما بيد العباد ، فارتكاب الآثام من قبيل الظلم والجور والمعاصي المختلفة تشكّل على القلب والبصيرة حجب مظلمة تمنع من أدراك الحقائق على حقيقتها.

* * *

ملاحظات

١ ـ القرآن لا يذكر اسم هذا الشخص الذي حاجّ إبراهيم ، ويشير إليه بقوله :(أَنْ آتاهُ اللهُ الْمُلْكَ) أي أنّه لغروره بحكمه قام بمحاجة إبراهيم.

صاحب تفسير الدرّ المنثور نقل عن أمير المؤمنين علي عليه‌السلام رواية تذكر أنّه «النمرود بن كنعان» وكتب التاريخ تذكر هذا الاسم أيضا.

٢ ـ على الرغم من عدم تعرّض القرآن لذكر وقت هذا الحوار ، فالقرائن تدلّ

__________________

(١) إن الاستدلال الثاني يبدأ بإلغاء وقد يكون إشارة إلى أن الاستدلال الثاني لا يعني صرف النظر عن الاستدلال الأوّل بل تضاف إليه.

٢٦٩

على أنّه وقع بعد قيام إبراهيم بتحطيم الأصنام ونجاته من النار ، إذ من الواضح أنّه قبل إلقائه في النار لم تكن لتجري أمثال هذه المجادلات ، لأنّ عبدة الأصنام ما كانوا يسمحون له بالكلام وهم يعتبرونه مجرما ينبغي أن ينال بأسرع وقت جزاءه على فعلته الشنيعة بتحطيم آلهتهم المقدّسة! إنّهم سألوه عن سبب فعلته ثمّ أصدروا أمرهم بإحراقه وهم غاضبون ، ولكن عند ما خرج من النار سليما على تلك الصورة العجيبة استطاع أن يصل إلى نمرود وأن يحاوره.

٣ ـ يتبيّن جليّا من الآية أنّ نمرود لم يكن في الواقع يبحث عن الحقيقة ، بل كان يريد أن يظهر باطله بمظهر الحق. ولعلّ استعمال الفعل «حاجّ» قصد به هذا المعنى ، لأنّه يستعمل عادة في مثل هذه الحالات.

٤ ـ يستدلّ من الآية بصورة واضحة أنّ جبّار ذلك الزمان كان يدعي الألوهيّة ، لا ليعبدوه فحسب ، بل ليؤمنوا به خالقا لهذا العالم أيضا ، أي أنّه كان يرى نفسه معبودا وخالقا.

وليس في هذا ما يدعو إلى العجب ، ففي الوقت الذي يسجد فيه الناس لأصنام من الحجر والخشب ، وفضلا عن عبادتها يعتبرونها مؤثرة في إدارة العالم وتساهم فيها ، فإنّ الفرصة مناسبة لجبّار مخادع أن يستغفل الناس ويستغلّ سذاجتهم ويدعوهم إليه ويظهر نفسه بمظهر صنم يعبدونه ويعتبرونه خالقا.

٥ ـ تاريخ عبادة الأصنام

يصعب لنا بيان تاريخ لعبادة الأصنام وتعيين مبدأ له ، فمنذ أقدم الأزمنة التي كانت عبادة الأصنام سائدة بين البشر الذين كانت أفكارهم منحطّة وعلى مستوى واطئ.

الواقع أنّ عبادة الأصنام نوع من التحريف في العقيدة الفطرية الطبيعية

٢٧٠

المودعة في الإنسان المتمثّلة في عبادة الله. ولمّا كانت هذه الفطرة موجودة في الإنسان دائما،فإنّ تحريفها كان أيضا موجودا بين المجموعات البشرية المنحطّة دائما. لذلك يمكن القول أنّ تاريخ عبادة الأصنام يكاد يوازي تاريخ ظهور الإنسان على الأرض ، وذلك لأن الإنسان بمقتضى فطرته وخلقه يتوجّه إلى قوّة فوق الطبيعة. إنّ طبيعته هذه كانت تؤيّدها أدلّة واضحة من نظام الوجود تقضي بوجود مبدأ عالم قادر ، وكان الإنسان يدرك هذا بقدر ما عن طريقين ـ فطرته وعقله ـ والإحساس بالجوع في الأطفال مثلا إذا لم يوجّه في الوقت المناسب إلى الغذاء السليم فإنّ الطفل قد يمدّ يده إلى أشياء كالطين والتراب ، ويتعود على ذلك بالتدريج فيفقد صحّته من جراء ذلك. كذلك الإنسان الذي يبحث عن الله بفطرته وعقله إذا لم يوجّه الوجهة الصحيحة يمدّ نظره إلى مختلف الآلهة والأصنام المصطنعة ، فينحني ويسجد لها ويسبغ عليها كلّ صفات الألوهيّة.

ولا حاجة إلى القول بأنّ قصيري النظر والسفهاء يسعون إلى أن يجسّموا كلّ شيء في قالب حسّي ، لأنّ فكرهم لا يفارق منطقة المحسوسات أبدا ، لذلك كان يصعب عليهم عبادة إله غير منظور ومرئي ، ورغبوا في صبّ آلهتهم في قالب حسّي. إنّ هذا الجهل إذا امتزج بفطرة عبادة الله يظهر في صورة عباده الأصنام والآلهة المجسّدة.

وقيل من جهة اخرى : إنّ الأقوام السالفة كانت تقدّس أنبياءها وشخصيّاتها الدينية، فإذا توفي هؤلاء أقامت لهم التماثيل لإحياء ذكراهم مدفوعين بروح تقديس الأبطال ، والغلوّ التي نجدها في ضعفاء العقول ، ومن ثمّ تقديس تماثيلهم إلى حدّ التأليه ، وكان هذا سببا آخر من أسباب عبادة الأصنام.

ومن الأسباب الأخرى لعبادة الأصنام هو أنّ عددا من الموجودات الطبيعية التي هي مصدر خير وبركة للإنسان كالقمر والشمس والنار والماء وغيرها قد

٢٧١

أثارت اهتمام الإنسان بها ، فراح يحني رأسه أمامها تعظيما لها واعترافا منه بجميلها دون أن يوسع أفق تفكيره ليرى المبدأ الأوّل في خلق العالم وراء تلك الموجودات ، فاتّخذ هذا التقدير والاحترام بمرور الزمان صورة عبادة لهذه الموجودات.

إنّ منشأ كلّ أنواع عبادة الأصنام شيء واحد ، وهو الانحطاط الفكري والجهل وعدم وجود الهادي المخلّص إلى طريق الله ، الأمر الذي يمكن الوقاية منه باتّباع تعاليم الأنبياء وتربيتهم وإرشاداتهم.

* * *

٢٧٢

الآية

(أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قالَ كَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٥٩))

التّفسير

قصة «عزير» العجيبة :

جاءت هذه الآية معطوفة على الآية السابقة وتقصّ حكاية أحد الأنبياء القدامى ، وهي من الشواهد الحيّة على مسألة البعث. وقد دارت الآيات السابقة ـ التي استعرضت الحوار بين إبراهيم عليه‌السلام والنمرود ـ حول التوحيد ومعرفة الله. أمّا هذه الآية والآيات التالية فتدور حول المعاد والحياة بعد الموت. نبدأ بشرح

٢٧٣

الحكاية بصورة مجملة ثمّ نباشر بالتفسير.

الآية تشير إلى حكاية رجل سافر على حماره ومعه طعام وشراب ، فمرّ بقرية قد تهدّمت وتحوّلت إلى انقاض تتخلّلها عظام أهاليها النخرة. وإذ رأى هذا المشهد المروع قال : كيف يقدر الله على إحياء هؤلاء الأموات؟

لم يكن تساؤله بالطبع من باب الشكّ والإنكار ، بل كان من باب التعجّب ، إذ أنّ القرائن الأخرى في الآية تدلّ على أنّه كان أحد الأنبياء ، وقد تحدّث إليه الله ، كما أنّ الأحاديث تؤيّد هذا كما سيأتي.

عند ذلك أماته الله مدة مائة سنة ، ثمّ أحياه مرّة اخرى وسأله : كم تظنّ أنّك بقيت في هذه الصحراء؟ فقال وهو يحسب أنّه بقي سويعات : يوما أو أقل ، فخاطبه الله بقوله:بل بقيت هنا مائة سنة ، انظر كيف أنّ طعامك وشرابك طوال هذه المدّة لم يصبه أي تغيّر بإذن الله. ولكن لكي تؤمن بأنك قد أمضيت مائة سنة كاملة هنا انظر إلى حمارك الذي تلاشى ولم يبق منه شيء بموجب نواميس الطبيعة ، بخلاف طعامك وشرابك ، ثمّ انظر كيف إنّنا نجمع أعضاءه ونحييه مرّة اخرى. فعند ما رأى كلّ هذه الأمور أمامه قال : (أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ، أي : إنني الآن على يقين بعد أن رأيت البعث بصورة مجسّمة أمامي.

ومن هذا النبيّ الذي تحدّثت عنه هذه الآية؟ ثمّة أقوال عديدة ، قال بعض : إنّه «ارميا». وقال آخرون : إنّه «الخضر». إلّا أنّ أشهر الأقوال : إنّه «العزير» ويؤيّده حديث عن الإمام الصادق عليه‌السلام (١).

واختلفت الأقوال أيضا بشأن القرية المذكورة ، قال بعض : إنّها «بيت المقدس» التي دمّرها نبوخذ نصّر ، وهو احتمال بعيد.

__________________

(١) مجمع البيان : ج ١ ص ٣٧٠.

٢٧٤

نعود إلى تفسير الآية : (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها).

هذه الآية ـ كما قلنا ـ تكملة للآية السابقة التي دارت حول التوحيد. هذه الآية والآيات التالية تجسّد مسألة المعاد.

«عروش» جمع عرش ، وهنا تعني السقف. و «خاوية» في الأصل بمعنى خالية،ولكنّها هنا كناية عن الخراب والدمار ، فالبيوت العامرة تكون عادة مسكونة ، أمّا الدور الخالية فإمّا أن تكون قد تهدّمت من قبل ، أو أنّها تهدّمت بسبب خلوّها من الساكنين، وعليه فإنّ قوله (وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها) تعني أنّ دور تلك القرية كانت كلّها خربة، فقد هوت سقوفها ثمّ انهارت الجدران عليها ، وهذا هو الخراب التام إذ أنّ الانهدام يكون عادة بسقوط السقف أوّلا ، وتبقى الجدران قائمة بعض الوقت ، ثمّ تنهار فوق السقف.

(قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها).

الظاهر أنّ أحدا لم يكن مع النبيّ في هذه الواقعة ، فهو بهذا يخاطب نفسه.

وبديهيّ أنّ القرية هنا تعني أهل القرية ، وهذا يعني أنّه كان يرى عظام أهل القرية بعينيه ، فأشار إليها وهو ينطق بتساؤله.

(فَأَماتَهُ اللهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ).

يرى أكثر المفسّرين أنّ هذه الآية تعني أنّ الله قد أمات النبيّ المذكور مدّة مائة سنة ثمّ أحياه بعد ذلك ، وهذا ما يستفاد من كلمة «أماته». إلّا أنّ صاحب تفسير المنار يحتمل أن يكون ذلك إشارة إلى نوع من النوم الطويل المعروف عند بعض الحيوانات المسمّى بالسبات. حيث يغطّ الكائن الحي في نوم عميق وطويل دون أن تتوقف فيه الحياة ، كالذي حدث مثلا عند أصحاب الكهف.

٢٧٥

وإذا كان النوم لبضع سنوات ممكنا ، فهو على رأي صاحب المنار ممكن أيضا لمائة عام وإن لم يكن اعتياديا. ويلزم في قبول الخوارق أن تكون ممكنة لا محاله عقلا (١).

ولكن ليس في هذه الآية ما يدلّ على صحّة هذا القول ، بل إن ظاهر الآية يدلّ على أنّ النبيّ قد فارق الحياة ، وبعد مائة سنة استأنف الحياة مرّة أخرى. ولا شكّ أنّ موتا وحياة كهذين هما من خوارق العادات ، وإن لم يكن مستحيلا. وعلى كلّ حال فإنّ الحوادث الخارقة للعادة في القرآن ليست منحصرة بهذه الحادثة بحيث نعمد إلى تأويلها.

نعم نستطيع في هذا المجال ذكر مسألة النوم الطويل الطبيعي أو السبات الشتوي لبعض الحيوانات التي تنام خلال أشهر الشتاء وتستيقظ عند انخفاض حدّة البرد ، أو مسألة انجماد بعض الحيوانات انجمادا طبيعيا ، أو تجميد بعض الأحياء على يد البشر لمدة طويلة دون أن تموت ، كلّ ذلك لتقريب فكرة الإماتة والإحياء مدّة عام إلى الأذهان ، ويكون ذكر هذه المسائل بهدف الخروج بالنتيجة التالية :

إنّ الله القادر على الإبقاء الأحياء مئات السنين في نوم طويل أو حالة انجماد ، ثمّ إيقاظها وإعادتها إلى حالتها الأولى لهو قادر على إحياء الموتى.

إننا بقبولنا أصل المعاد وإحياء الموتى في البعث وكذلك بقبول خوارق العادات والمعجزات على أيدي الأنبياء ليس ثمّة ما يدعونا إلى محاولة تفسير جميع آيات القرآن بسلسلة من المسائل العادية والطبيعية مخالفين بذلك ظاهر الآيات ، فهذا ليس صحيحا ولا لزوم له.

وكما قال بعض المفسّرين : كأننا نسينا أننا هنا أموات في البداية وقد أحيانا

__________________

(١) تفسير المنار والمراغي في ذيل الآية المبحوثة.

٢٧٦

الله تعالى ، فما المانع أن تتكرر ظاهرة الموت والحياة هذه.

(قالَ كَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ).

يسأل الله نبيّه في هذه الآية عن المدّة التي قضاها في النوم ، فيتردّد في الجواب بين قضائه يوما كاملا أو جزءا من اليوم. ويستفاد من هذا التردّد أنّ الساعة التي أماته الله فيها تختلف عن الساعة التي أحياه فيها من ساعات النهار ، كأن تكون إماتته قد حدثت مثلا قبل الظهر ، وأعيد إلى الحياة بعد الظهر. لذلك انتابه الشكّ إن كان قد نام يوما كاملا بليله وناره ، أم أنّه لم ينم سوى بضع ساعات من النهار. ولهذا بعد أن قال إنّه قضى يوما ، راوده الشكّ فقال (أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ). ولكنّه ما لبث أن سمع الله يقول له : (بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ).

ثمّ أن الله تعالى أمر نبيه بأن ينظر إلى طعامه الذي كان معه من جهة ، وينظر إلى مركوبه من جهة اخرى ليطمئن إلى واقعية الأمر فالأول بقي سالما تماما. أمّا الثاني فتلاشى وأصبح رميما. ليعلم قدرة الله على حفظ الأشياء القابلة للفساد خلال هذه الأعوام ، ويدرك من جهة اخرى مرور الزمان على وفاته :

(فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ).

«لم يتسنّه» من مادّة «سنة» أي لم يمض عليه مدّة سنة ، لعدم تعفّنه وتفسّخه.

وعلى ذلك يكون معنى الآية : لاحظ طعامك وشرابك تجده كأنّه لم تمض عليه سنة ولا مدّة زمنية ، فلم يتغير ، أي أنّ الله القادر على إبقاء ما يسرع إليه التفسّخ والفساد كالطعام والشراب ، قادر أيضا على إحياء الموتى بيسر. فإبقاء الطعام والشراب نوع من إدامة الحياة لهذه المواد السريعة التفسّخ ، وعملية الإبقاء هذه ليست بأيسر من إحياء الموتى(١).

__________________

(١) الضمير في «لم يتسنّه» مفرد وعائده مثّنى : الطعام والشراب ، وإنّما أفرد لقصد الجنس ، فكلاهما من جنس واحد.

٢٧٧

إلّا أنّ الآية لم تشر إلى ماهيّة طعام النبيّ وشرابه. يقول بعض : إنّ طعامه كان فاكهة التين وكان شرابه عصير بعض الفواكه ، وكلاهما يسرع إليه الفساد والتفسّخ كما هو معلوم ، لذلك فإنّ بقاءهما هذه المدّة الطويلة دون تلف أمر مهم.

(وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ).

لم يذكر القرآن عن حماره شيئا في الآيات السابقة ، إلّا أنّ الآيات التالية تشير إلى أنّ حماره قد تلاشى تماما بمضيّ الزمان ، ولو لا ذلك لما كان هناك ما يشير إلى انقضاء مائة سنة ، وهذا أمر عجيب أيضا ، لأنّ حيوانا معروفا بطول العمر يتلاشى على هذه الصورة،بينما الذي يطرأ عليه التفسّخ السريع كالفاكهة وعصيرها لم يتغيّر لا في الرائحة ولا في الطعم ، وهذا منتهى تجلّي قدرة الله.

(وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ).

أي أنّ حكايتك هذه ليست آية لك وحدك ، بل هي كذلك للناس جميعا.

(وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً).

«النشوز» هو الارتفاع والبروز ، ويعني هنا رفع العظام من مكانها وتركيبها مرّة اخرى. فمعنى الآية يكون : انظر إلى هذه العظام النخرة كيف نرفعها من مواضعها ونربط بعض ببعض ثمّ نغطّيها باللحم ونحييها. واضح أنّ العظام المقصودة هي عظام حماره المتلاشي، لا عظام أهل القرية لما في ذلك من انسجام مع الآيات السابقة.

واحتمل بعض المفسّرين أن المراد من العظام هي عظام نفس ذلك النبي ، وهذا بعيد جدّا ، لأنّ الحديث كان بعد إحيائه ، وكذلك احتمل الآخرون هي عظام الحمار أو عظام الموتى الذين تعجب من احيائهم (١) ، وهذا أيضا بعيد لأن الكلام

__________________

(١) الكشّاف : ج ١ ص ٣٠٧.

٢٧٨

قبل هذه الجملة كان يدور حول الحمار والراكب لا أهل القرية.

(فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).

عند ما اتّضحت كلّ هذه المسائل للنبيّ المذكور قال إنّه يعلم أنّ الله قادر على كلّ شيء. لاحظ أنّه لم يقل : الآن علمت كقول زليخا بشأن يوسف (الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُ)(١) بل قال «أعلم» أي أنني أعترف ومعرفتي بهذا الأمر بعلمي.

* * *

__________________

(١) يوسف : ٥١.

٢٧٩

الآية

(وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٦٠))

التّفسير

تجلّي آخر للمعاد في هذه الدنيا :

يذكر القرآن الكريم حول مسألة المعاد بعد قصة عزير قصة اخرى عن إبراهيم عليه‌السلام ليكتمل البحث ، ويذكر معظم المفسّرين والمؤرخين في تفسير هذه الآية الحكاية التالية :

مرّ إبراهيم عليه‌السلام يوما على ساحل البحر فرأى جيفة مرميّة على الساحل نصفها في الماء ونصفها على الأرض تأكل منها الطيور والحيوانات البرّ والبحر من الجانبين وتتنازع أحيانا فيما بينها على الجيفة ، عند رؤية إبراهيم عليه‌السلام هذا المشهد خطرت في ذهنه مسألة يودّ الجميع لو عرفوا جوابها بالتفصيل ، وهي كيفيّة عودة

٢٨٠