الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - ج ١

آية الله ناصر مكارم الشيرازي

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - ج ١

المؤلف:

آية الله ناصر مكارم الشيرازي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مدرسة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام
المطبعة: أمير المؤمنين عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-6632-49-1
ISBN الدورة:
964-6632-53-X

الصفحات: ٥٦٠

الجسمية والروحية وخصائصه كانت بقدر من الوضوح في الكتب السماوية السابقة ، بحيث ترسم الصورة الكاملة في أذهان المطلعين على هذه الكتب.

وهل من الممكن أن تصرح الآية بوجود اسم النّبي وعلاماته في كتب أهل الكتاب إذا لم تكن بالفعل موجودة عندهم؟! ألا يدل عدم معارضة علماء اليهود لهذا التصريح ، بل اعتراف بعضهم به واستسلامهم للحق ، أن اسم النّبي الخاتم وصفاته كانت معروفة لديهم!؟

هذه الآيات ـ إذن ـ دليل على صدق دعوة الرّسول وصحّة نبوته.

ثم تؤكد الآية ما سبق أن طرحته بشأن تغيير القبلة ، أو بشأن أحكام الإسلام بشكل عام : (الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) أي المترددين.

وبهذه العبارة تثبّت الآية فؤاد النّبي ، وتنهاه عن أي ترديد أمام افتراءات الأعداء بشأن تغيير القبلة وغيرها ، وإن جنّد هؤلاء الأعداء كل طاقاتهم للمحاربة.

المخاطب في الآية وإن كان شخص النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولكن الهدف هو تربية البشرية كما ذكرنا من قبل ، فمن المؤكد أن النّبي المتصل بالوحي الإلهي لا يعتريه تردد ، لأن الوحي بالنسبة له ذو جانب حسّي وعين اليقين.

* * *

٤٢١

الآية

(وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٤٨))

التّفسير

لكلّ أمّة قبلة

هذه الآية الكريمة ترد على الضجة التي أثارها اليهود حول تغيير القبلة وتقول : (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها)

 كان للأنبياء على مرّ التاريخ وجهات عديدة يولونها ، وليست القبلة كأصول الدين لا تقبل التغيير ، ولا أمرا تكوينيا لا يمكن مخالفته ، فلا تطيلوا الحديث في أمر القبلة ، وبدل ذلك (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ) ، لأن معيار القيمة الوجودية للإنسان هي أعمال البرّ والخير.

مثل هذا المعنى تضمنته الآية ١٧٧ من هذه السّورة : (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ).

إن كنتم تريدون اختبار الإسلام أو المسلمين ، فاختبروهم بهذه الأمور لا بمسألة تغيير القبلة.

٤٢٢

ثم تتغير لهجة الآية إلى نوع من التحذير والتهديد لأولئك المفترين ، والتشجيع للمحسنين فتقول : (أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً) في تلك المحكمة الكبرى حيث يتلقى كل جزاء عمله.

لا يتساوى المفترون والمشاغبون المخربون مع المحسنين المؤمنين ، ولا بدّ من يوم ينال كل فريق جزاءه.

وقد يخال بعض أن جمع النّاس لمثل هذا اليوم عجيب ، فكيف تجتمع ذرات التراب المتناثرة لترتدي ثانية حلّة الحياة؟! لذلك تجيب الآية بالقول : (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).

هذه العبارة الأخيرة في الآية بمثابة الدليل على العبارة السابقة : (أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً).

* * *

بحثان

١ ـ يوم يجتمع أصحاب المهدي عليه‌السلام

ورد عن أئمة أهل البيت عليهم‌السلام في تفسير (أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً) أن المقصود بهم أصحاب المهدي عليه‌السلام.

من ذلك ما ورد في «روضة الكافي» عن «الإمام الباقر» عليه‌السلام أنه تلا الفقرة المذكورة من الآية ثم قال : «يعني أصحاب القائم الثلاثمائة والبضعة عشر رجلا ، وهم والله الأمّة المعدودة ، قال : يجتمعون والله في ساعة واحدة قزع (١) كقزع الخريف»(٢).

وروي عن الإمام علي بن موسى الرضا عليه‌السلام أيضا : «وذلك والله أن لو قام قائمنا يجمع الله إليه جميع شيعتنا من جميع البلدان»(٣).

__________________

(١) أي يجتمعون كاجتماع قطع السحب الخريفية لدى هبوب الريح.

(٢) نور الثقلين ، ج ١ ، ص ١٣٩.

(٣) مجمع البيان ، الآية.

٤٢٣

هذا التّفسير للآية دون شك يتحدث عن «بطن» الآية ، والأحاديث ذكرت أن لكلام الله ظاهرا لعامة النّاس ، وباطنا لخاصّتهم.

بعبارة اخرى : هذه الروايات تشير إلى حقيقة ، هي إن الله القادر على أن يجمع النّاس من ذرات التراب المتناثرة في يوم القيامة ، لقادر على أن يجمع أصحاب المهدي في ساعة بسهولة ، من أجل انقداح الشرارة الاولى للثورة العالمية الرّامية إلى إقامة حكم الله على ظهر الأرض ، وإزالة الظلم والعدوان عن وجهها.

٢ ـ عبارة (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها) فسرناها سابقا بأنها إشارة للقبلات المتعددة للأمم. ومن المفسرين من توسع في المعنى وقال إنها تعبّر عن القضاء والقدر التكوينيين أيضا (تأمل بدقة) (١).

ولو خلت الآية ممّا يحيطها من قرائن قبلها وبعدها لأمكن مثل هذا التّفسير ، لكن القرائن تدل على أن المراد هو المعنى الأوّل. ولو افترضنا أن الآية تشير إلى المعنى الثّاني ، فلا تعني إطلاقا القضاء والقدر الجبريين ، بل القضاء والقدر المنسجمين مع الإرادة والإختيار (٢).

* * *

__________________

(١) تفسير الميزان ، ج ١ ، ص ٣٣١.

(٢) لمزيد من التوضيح راجع (انگيزه پيدايش مذهب) دافع وجود الدين ، فصل القضاء والقدر.

٤٢٤

الآيتان

(وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (١٤٩) وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٥٠))

التّفسير

الخوف من الله فقط هذه الآيات تتابع الحديث عن مسألة تغيير القبلة ونتائجها.

الآية الاولى تأمر النّبي عليه‌السلام وتقول : (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ) ... من أية مدينة ، وأية ديار (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ).

ولمزيد من التأكيد تقول الآية : (وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ).

وتنتهي الآية بتهديد المتآمرين : (وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ).

هذه التأكيدات المتوالية في الآية وفي الآية التالية تبيّن أن مسألة تغيير القبلة كانت صعبة وثقيلة على مجموعة من المسلمين حديثي العهد بالإسلام ، كما كانت

٤٢٥

ذريعة بيد أعداء الإسلام اللجوجين لبثّ سمومهم.

مثل هذه الحالة تتطلب دائما موقفا قاطعا حاسما ينهي كل شك وريبة ، من هنا توالت التأكيدات القرآنية القارعة لتبعث العزم واليقين في نفوس الأتباع ، وتعمق اليأس والخيبة بين الأعداء. وهذا أسلوب اتبعه القرآن في مواقف عديدة.

إضافة إلى ما سبق ، فالتكرار في هذه الآيات يتضمن أيضا أحكاما جديدة.على سبيل المثال ، الآيات السابقة وضحت حكم القبلة في المدينة التي يسكنها المسلمون. وهذه الآية والآية التالية أوضحت الحكم لدى السفر والخروج من المدن والديار.

الآية التالية كررت الحكم العام بشأن التوجه إلى المسجد الحرام في أي مكان : (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ).

صحيح أن هذه العبارة القرآنية تخاطب النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لكنها تقصد دون شك مخاطبة عامّة المسلمين ، ولمزيد من التأكيد تخاطب الجملة التالية المسلمين وتقول : (وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ).

ثم تشير الآية إلى ثلاث مسائل هامّة :

١ ـ إلجام المعارضين ـ تقول الآية : (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ).

قبل تغيير القبلة كانت ألسنة المعارضين من اليهود والمشركين تقذف المسلمين بالتهم والحجج ، اليهود يعترضون قائلين : إن النّبي الموعود يصلي إلى قبلتين ، وهذه العلامة غير متوفرة في محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والمشركون يعترضون على النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قائلين : كيف ترك محمّد الكعبة وهو يدعي أنّه بعث لإحياء ملّة إبراهيم. هذا التغيير أنهى كل هذه الاعتراضات.

لكن هذا لا يمنع الأفراد اللجوجين المعاندين أن يصروا على مواقفهم ، وأن يرفضوا كل منطق ، لذلك تقول الآية : (إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ).

فهؤلاء لا يستقيمون على طريق ، حتّى اتجهتم صوب بيت المقدس للصلاة

٤٢٦

اتهموكم بالذيلية وعدم الأصالة ، وحين عدلتم إلى الكعبة وصفوكم بعدم الثبات!

هؤلاء المفترون ظالمون حقا ... ظالمون لأنفسهم ، وظالمون لمن يقطعون عليه طريق الهداية.

٢ ـ حين وصف الآية هؤلاء المعاندين أنهم ظالمون ، فقد يثير هذا الوصف خوفا في نفوس البعض لذلك قالت الآية : (فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي).

وهذه الفقرة من الآية تطرح أصلا عاما أساسيا من أصول التربية التوحيدية الإسلامية، هو عدم الخوف من أي شيء سوى الله (أو بعبارة أصح الخوف فقط من معصية الله) ، وإذا ترسخ هذا المبدأ التربوي في نفوس الجماعة المسلمة ، فلن تفشل ولن تنهزم قط.

أما المتظاهرون بالإسلام فهم يخافون من «الشرق» تارة ، ومن «الغرب» تارة اخرى ، ومن «المنافقين الداخليين» ومن «الأعداء الخارجيين» ومن كل شيء سوى الله. وهؤلاء دائما أذلاء ضعفاء مهزومون.

٣ ـ وآخر هدف ذكر لتغيير القبلة هو إتمام النعمة : (وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ).

تغيير القبلة كان في الواقع نوعا من التربية والتكامل والنعمة للمسلمين كي يتعرفوا على الانضباط الإسلامي ويتخلصوا من التقليد والتعصب ، فالله سبحانه أمر المسلمين في البداية أن يصلوا تجاه بيت المقدس كي تنعزل صفوف المسلمين ـ كما قلنا ـ عن صفوف المشركين الذين كانوا يقدسون الكعبة. وبعد الهجرة وإقامة الدولة الإسلامية صدر الأمر بالصلاة نحو الكعبة ... نحو أقدم بيت توحيدي ، وبذلك تحقق اجتياز مرحلة من مراحل تكامل المجتمع الإسلامي.

* * *

٤٢٧

الآيتان

(كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (١٥١) فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ (١٥٢))

التّفسير

مهمّة رسول الله :

ذكرت الفقرة الأخيرة من الآية السابقة أن أحد أسباب تغيير القبلة هو إتمام النعمة على النّاس وهدايتهم ، والآية أعلاه ابتدأت بكلمة «كما» إشارة إلى أن تغيير القبلة ليس هو النعمة الوحيدة التي أنعمها الله عليكم ، بل منّ عليكم بنعم كثيرة (كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ).

وكلمة «منكم» قد تعني أن الرّسول بشر مثلكم ، والإنسان وحده هو القادر على أن يكون مربّي البشر وقدوتهم وأن يتحسس آمالهم وآلامهم ، وتلك نعمة كبرى أن يكون الرّسول بشرا «منكم».

وقد يكون المعنى أنه من بني قومكم ووطنكم ، فالعرب الجاهليون قوم متعصبون عنصريون ، وما كان بالإمكان أن يخضعوا لنبي من غير قومهم ، كما قال سبحانه في الآيتين:(١٩٨ و ١٩٩) من سورة الشعراء : (وَلَوْ نَزَّلْناهُ عَلى بَعْضِ

٤٢٨

الْأَعْجَمِينَ فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ ما كانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ).

كان هذا طبعا المرحلة الاولى من الدعوة ، وفي المراحل التالية ألغيت مسائل القومية والوطن (الجغرافي) ، وربّى الإسلام أبناءه على أساس مبادئ «العالميّة» كوطن ، و «الإنسانية» كقومية.

بعد ذكر هذه النعمة يشير القرآن إلى أربع نعم عادت على المسلمين ببركة هذهالنّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

١ ـ (يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا) ، ويتلو من التلاوة ، أي من إتيان الشيء متواليا ، والإتيان بالعبارات المتوالية (وبنظام صحيح) هي التلاوة.

النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذن يقرأ عليكم آيات الله متتالية ، لتنفذ إلى قلوبكم ، ولإعداد أنفسكم إلى التعليم والتربية.

٢ ـ (وَيُزَكِّيكُمْ).

و «التّزكية» هو الزيادة والإنماء ، أي إنّ النّبي بفضل آيات الله يزيدكم كمالا ماديا ومعنويا ، وينمّي أرواحكم ، ويربّي في أنفسكم الطهر والفضيلة ، ويزيل ألوان الرذائل التي كانت تغمر مجتمعكم في الجاهلية.

٣ ـ (وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ).

التعليم طبعا مقدم بشكل طبيعي على التربية ، ولكن القرآن ـ كما ذكرنا ـ يقدم التربية في مواضع تأكيدا على أنها هي الهدف النهائي.

الفرق بين «الكتاب» و «الحكمة» قد يكون بلحاظ أن الكتاب إشارة إلى آيات القرآن والوحي الإلهي النازل على النّبي بشكل إعجازي ، والحكمة حديث النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتعاليمه المسمّاة بالسنة.

وقد يكون الكتاب إشارة إلى أصل التعاليم الإسلامية ، والحكمة إشارة إلى أسرارها وعللها ونتائجها.

٤٢٩

ومن المفسرين من احتمل أن «الحكمة» إشارة إلى الحالة والملكة الحاصلة من تعاليم الكتاب. وبامتلاكها يستطيع الفرد أن يضع الأمور في نصابها (١).

صاحب «المنار» يرفض أن يكون معنى الحكمة «السنة» ، ويستدل على رفضه بالآية الكريمة (ذلِكَ مِمَّا أَوْحى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ) (٢).

لكننا نعتقد أن الحكمة لها معنى واسع يشمل الكتاب والسنة معا ، أمّا استعمالها القرآني مقابل «الكتاب» (كما في هذه الآية) فيشير إلى أنها «السنة» لا غير.

٤ ـ (وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) وهذا الموضوع طرحته الفقرات السابقة من الآية ، حيث دار الحديث عن تعليم الكتاب والحكمة. لكن القرآن عاد فأكد ذلك في فقرة مستقلة تنبيها على أن الأنبياء هم الذين بيّنوا لكم المعارف والعلوم ، ولولا هم لخفي كثير من ذلك عليكم. فهم لم يكونوا قادة أخلاقيين واجتماعيين فحسب ، بل كانوا هداة طريق العلم والمعرفة ، وبدون هدايتهم لم يكتب النضج للعلوم الإنسانية.

بعد استعراض جانب من النعم الإلهية في الآية ، تذكر الآية التالية أن هذه النعم تستدعي الشكر ، وبالاستفادة الصحيحة من هذه النعم يؤدي الإنسان حقّ شكر الباري تعالى : (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ).

واضح أن عبارة (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ) لا تشير إلى معنى عاطفي بين الله وعباده كما يقول النّاس لبعضهم ذلك. بل تشير إلى أصل تربوي وتكويني ، أي اذكروني ... اذكروا الذات المقدسة التي هي معدن الخيرات والحسنات والمبرات ولتطهر أرواحكم وأنفسكم ، وتكون قابلة لشمول الرحمة الإلهية. ذكركم لهذه الذات المقدسة يجعل تحرككم أكثر إخلاصا ومضاء وقوّة واتحادا.

كذلك المقصود من «الشكر وعدم الكفران» ليس تحريك اللسان بعبارات

__________________

(١) في ظلال القرآن ، ج ١ ، ص ١.

(٢) الإسراء ، ٣٩.

٤٣٠

الشكر ، بل المقصود استثمار كل نعمة في محلها وعلى طريق نفس الهدف الذي خلقت له ، كي يؤدي ذلك الى زيادة الرحمة الإلهية.

* * *

بحثان

١ ـ أقوال المفسرين في تفسير (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ)

للمفسرين آراء متنوعة في تفسير هذه الآية ، وفي بيان كيفية ذكر العبد وذكر الله.

الفخر الرازي في تفسيره لخصها في عشرة :

١ ـ اذكروني «بالإطاعة» كي أذكركم «برحمتي». والشاهد على ذلك قوله تعالى: (وَأَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (١).

٢ ـ اذكروني «بالدعاء» كي أذكركم «بالإجابة» ، دليل ذلك قوله تعالى:(ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ).

٣ ـ اذكروني «بالثناء والطاعة» لأذكركم «بالثناء والنعمة».

٤ ـ اذكروني في «الدنيا» لأذكركم في «الآخرة».

٥ ـ اذكروني في «الخلوات» كي أذكركم في «الجمع».

٦ ـ اذكروني «لدى وفور النعمة» لأذكركم في «الصعاب».

٧ ـ اذكروني «بالعبادة» لأذكركم «بالعون» ، والشاهد على ذلك قوله : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ).

٨ ـ اذكروني «بالمجاهدة» لأذكركم «بالهداية» ، الشاهد على ذلك قوله

__________________

(١) آل عمران ، ١٣٢.

٤٣١

سبحانه في الآية ٦٩ من سورة العنكبوت : (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا).

٩ ـ اذكروني «بالصدق والإخلاص» لأذكركم «بالخلاص ومزيدا للاختصاص».

١٠ ـ اذكروني «بالربوبية» لأذكركم بالرحمة. دليل ذلك مجموع آيات سورة الحمد. (١) كل واحدة من التفاسير المذكورة هي طبعا مظهر من مظاهر المعنى الواسع للآية. ولا تقتصر هذه المظاهر على ما سبق فيشمل المعنى أيضا : اذكروني «بالشكر» لأذكركم «بزيادة النعمة» كما ورد في قوله سبحانه : (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ) (٢)

 كل ذكر لله ـ كما قلنا ـ له أثر تربوي في وجود الإنسان إذ يجعل روحه مستعدة لنزول بركات جديدة متناسبة مع طريقة الذكر.

٢ ـ المقصود من ذكر الله

من المؤكد أن ذكر الله ليس بتحريك اللسان فقط ، بل اللسان ترجمان القلب ، الهدف هو التوجه بكل الوجود إلى ذات الباري سبحانه ، ذلك التوجّه الذي يصون الإنسان من الذنب ويدعوه إلى الطاعة.

ومن هنا ورد في أحاديث عديدة عن المعصومين : أن ذكر الله ليس باللسان فحسب، ومن ذلك

حديث عن الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوصي به عليا قائلا : «ثلاث لا تطيقها هذه الأمّة :المواساة للأخ في ماله ، وإنصاف النّاس من نفسه ، وذكر

__________________

(١) التّفسير الكبير ، الفخر الرازي ، ج ٤ ، ص ١٤٤ ، مع شيء من التصرف.

(٢) إبراهيم ، ٧.

٤٣٢

الله على حال ، وليس هو سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر ، ولكن إذا ورد على ما يحرم عليه خاف الله تعالى عنده وتركه»(١).

على أية حال ، لا ينبغي أن نغفل عن الروعة في هذا الاقتران ... الله سبحانه على عظمته وجلاله وجبروته يقرن ذكره بذكر عبده الضعيف المحدود الصغير ، إنه تكريم ما بعده تكريم للإنسان.

* * *

__________________

(١) كتاب الخصال ، نقلا عن تفسير نور الثقلين ، ج ١ ، ص ١٤٠.

٤٣٣

الآيتان

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (١٥٣) وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ (١٥٤))

سبب النّزول

روي عن ابن عباس بشأن نزول الآية الثانية إنها نزلت في قتلى بدر ، وعددهم أربعة عشر ، ستة من المهاجرين وثمانية من الأنصار. وبعد انتهاء الغزوة قال بعض المسلمين عن هؤلاء الشهداء إنّهم «أموات» فنهت الآية عن ذلك.

التّفسير

الشّهداء أحياء

الآيات السابقة عرضت مفاهيم التعليم والتربية والذكر والشكر ، وهي مفاهيم ذات معنى واسع جدا ، وتتضمن أغلب التعاليم الدينية ، وفي الآية الاولى من آيتي بحثنا دار الحديث حول الصبر الذي لا تتحقق المفاهيم السابقة بدونه.

تقول الآية أوّلا : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ).

واجهوا المشاكل والصعاب بهاتين القوتين ، فالنصر حليفكم : (إِنَّ اللهَ مَعَ

٤٣٤

الصَّابِرِينَ).

خلافا لما يتصور بعض النّاس «الصّبر» لا يعني تحمل الشقاء وقبول الذلة والاستسلام للعوامل الخارجية ، بل الصبر يعني المقاومة والثبات أمام جميع المشاكل والحوادث.

لذلك قال علماء الأخلاق إن الصبر على ثلاث شعب :

الصبر على الطّاعة : أي المقاومة أمام المشاكل التي تعتري طريق الطاعة.

الصبر على المعصية : أي الثبات أمام دوافع الشهوات العادية وارتكاب المعصية.

الصبر على المصيبة : أي الصمود أمام الحوادث المرّة وعدم الانهيار وترك الجزع والفزع.

قلّما كرر القرآن موضوعا وأكد عليه كموضوع «الصبر» ، ففي سبعين موضعا قرآنيا تقريبا دار الحديث عن الصبر. بينها عشرة تختص بالنّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

تاريخ العظماء يؤكد أن أحد عوامل انتصارهم ـ بل أهمها ـ صبرهم واستقامتهم. والأفراد الفاقدون لهذه الصفة سرعان ما ينهزمون وينهارون. ويمكن القول أن دور هذا العامل في تقدم الأفراد والمجتمعات يفوق دور الإمكانات والكفاءات والذكاء ونظائرها.

من هنا طرح القرآن هذا الموضوع بعبارات مؤكدة كقوله تعالى : (إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ) (١)

 وفي موضع آخر يقول سبحانه بعد أن ذكر الصبر أمام الحوادث:(فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) (٢) من خصائص الصبر أن بقية الفضائل لا يكون لها قيمة بدونه ، لأن السند

__________________

(١) الزمر ، ١٠.

(٢) لقمان ، ١٧.

٤٣٥

والرصيد في جميعها هو الصبر ، لذلك يقول أمير المؤمنين علي عليه‌السلام : «وعليكم بالصّبر فإنّ الصّبر من الإيمان كالرّأس من الجسد ، ولا خير في جسد لا رأس معه ولا في إيمان لا صبر معه»(١).

الروايات الإسلامية ذكرت أن أسمى مراحل الصبر ضبط النفس تتجلّى في مقاومة الإنسان عند توفّر وسائل المعاصي والذنوب.

الآية التي يدور حولها بحثنا تؤكد للجماعة المسلمة الثائرة في صدر الإسلام خاصة أن الأعداء يحيطونهم من كل حدب وصوب ، وتأمرهم أن يستعينوا بالصبر أمام الحوادث ، فنتيجة ذلك استقلال الشخصية والاعتماد على النفس والثّقة بالذات في كنف الإيمان بالله. وتاريخ الإسلام يشهد بوضوح أن هذا الأصل كان أساس كل الانتصارات.

الموضوع الآخر الذي أكدت عليه الآية أعلاه باعتباره السند الهام إلى جانب الصبر هو «الصلاة». وروي أن عليّا عليه‌السلام : «كان إذا أهاله أمر فزع قام إلى الصّلاة ثمّ تلا هذه الآية : (اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ) ...(٢).

ولا عجب في ذلك ، فالإنسان حين يرى نفسه أمام عواصف المشاكل المضنية ، ويحسّ بضعفه في مواجهتها ، يحتاج إلى سند قوي لا متناه يعتمد عليه.

والصلاة تحقق الارتباط بهذا السند ، وتخلق الطمأنينة الروحية اللازمة لمواجهة التحديات.

فالآية أعلاه تطرح مبدأين هامّين : الأوّل ـ الاعتماد على الله ، ومظهره الصلاة ، والآخر ـ الاعتماد على النفس ، وهو الذي عبرت عنه الآية بالصبر.

وبعد ذكر الصبر والاستقامة تتحدث الآية التالية عن خلود الشهداء ، الذين يجسّدون أروع نماذج الصابرين على طريق الله.

__________________

(١) نهج البلاغة ، الكلمات القصار ، رقم ٨٢.

(٢) الكافي ، نقلا عن الميزان ، ج ١ ، ص ١٥٤.

٤٣٦

تقول الآية : (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتٌ) ثم تؤكد هذا المفهوم ثانية بالاستدراك (بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ).

في كل حركة ـ أساسا ـ تنزوي مجموعة محبّة للعافية ، وتبتعد عن الامّة الثائرة ، ولا تكتفي هي بالتقاعس والتكاسل ، بل تسعى إلى تثبيط عزائم الآخرين وبثّ الرخوة والتماهل في المجتمع. وما أن تظهر حادثة مؤلمة حتى يعربون عن أسفهم وينقمون على الحركة التي أدت إلى هذه الحادثة ، غافلين أن كل هدف مقدس يحتاج إلى تضحيات ، وتلك سنة كونية.

القرآن الكريم يتحدث عن مثل هذه الفئة كرارا ويؤنّبهم بشدّة.

ثمة أفراد من هؤلاء كانوا يتظاهرون بالتأسف والتألم على (موت) شهيد من شهداء الإسلام في المعركة ، ويبعثون بذلك القلق والاضطراب في النفوس.

والله سبحانه يرد على هذه الأقاويل السامة بالكشف عن حقيقة كبرى هي إن الذين يضحون بأنفسهم في سبيل الله ليسوا بأموات ... هؤلاء أحياء ... ويتمتعون بنعم الله ورضوانه ، لكن البشر المحدودين في عالم الحسّ لا يدركون هذه الحقائق.

* * *

بحوث

١ ـ خلود الشّهداء

للمفسرين آراء مختلفة في معنى حياة الشّهداء وخلودهم. ظاهر الآية يشير دون شك إلى أنّهم يتمتعون بنوع من الحياة البرزخية الروحية ، لأن أجسامهم قد تلاشت ، فهم يعيشون تلك الحياة بجسم مثالي (١) كما يقول الإمام الصادق عليه‌السلام (٢).

__________________

(١) سنشرح ذلك في تفسير الآية ١٠٠ من سورة (المؤمنون). «ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون».

(٢) تفسير نور الثقلين ، ج ٣ ، ص ٥٥٩.

٤٣٧

من المفسرين من قال إنها «حياة غيبية» خاصة بالشّهداء لا تتوفر لدينا تفاصيلها وخصائصها.

وقيل إن الحياة المذكورة في الآية تعني الهداية ، والموت يعني الضلال ، فتكون الآية قد نهت عن وصف الشهداء بالضلالة ، بل هم مهتدون. وقيل إن الشهداء أحياء لأن هدفهم حي ورسالتهم حية.

ولكن مع الأخذ بنظر الاعتبار التّفسير الأول للحياة يتضح أن المعاني في الاخرى غير مقبولة. فلا حاجة لأن نتكلف التّفسيرين التاليين ، ولا أن الحياة البرزخية مختصة بالشهداء فهم يحيون حياة برزخية روحانية ، ويتنعمون كذلك بالقرب من رحمة الله وبأنواع نعمه.

٢ ـ الشّهادة سعادة في الإسلام

قرر الإسلام مسألة الشهادة وبيّن منزلتها العظيمة في الآية أعلاه وآيات اخرى لتكون عاملا فعّالا هامّا على ساحة المواجهة بين الحق والباطل. وهذا العامل أمضى من أي سلاح وأقوى من كل المؤثرات ، وهو قادر على أن يجابه

أخطر الأسلحة وأفتكها في عصرنا الراهن ، وتجربة الثورة الإسلامية في إيران أثبتت ذلك بوضوح. وقد شاهدنا بأم أعيننا انتصار المندفعين نحو الشهادة ـ بالرغم من ضعف إمكاناتهم المادية ـ على أعتى القوى المتجبّرة.

ولو ألقينا نظرة على تاريخ الإسلام ، والملاحم التي سطرها المسلمون في جهادهم الدّامي ، والتضحيات التي قدمها المجاهدون على طريق الرسالة ، لألفينا أن الدافع الأساس لكل هذه التضيحات هو درس الشهادة الذي لقنه الإسلام لأبنائه ، وبموجبه آمنوا أن الشهادة على طريق الله وطريق الحق والعدالة لا تعني الفناء ، بل السعادة والحياة الخالدة.

المقاتلون الذين تلقوا مثل هذا الدرس في مثل هذه المدرسة الكبرى ، لا

٤٣٨

يقاسون بالمقاتلين العاديين الذين يفكّرون في صيانة أرواحهم. أولئك يحاربون من أجل الرسالة ويندفعون بشوق عظيم نحو كسب وسام الشهادة.

٣ ـ الحياة البرزخية وبقاء الروح

هذه الآية تثبت بوضوح بقاء الروح والحياة البرزخية للبشر (الحياة بعد الموت وقبل البعث) ، وتردّ بصراحة على أولئك الذين ينكرون تعرض القرآن للحياة البرزخية وبقاء الروح.

سنفصّل الحديث في هذا الموضوع ، وفي موضوع خلود الشّهداء ومنزلتهم العظيمة ، في المجلد الثاني من هذا التّفسير عند تناولنا الآية ١٦٩ من سورة آل عمران.

* * *

٤٣٩

الآيات

(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (١٥٥) الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ (١٥٦) أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (١٥٧))

التّفسير

الدّنيا دار اختبار إلهي

بعد ذكر مسألة الشهادة في سبيل الله ، والحياة الخالدة للشّهداء ، ومسألة الصبر والشكر ... وكلّها من مظاهر الاختبار الإلهي ، تعرضت هذه الآية للاختبار الإلهي العام ، ولمظاهره المختلفة ، باعتباره سنة كونية لا تقبل التغيير (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ).

ولمّا كان الإنتصار في هذه الاختبارات ، لا يتحقق إلّا في ظل الثبات والمقاومة ، قالت الآية بعد ذلك (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ).

فالصابرون هم الذين يستطيعون أن يخرجوا منتصرين من هذه الامتحانات ، لا غيرهم.

الآية التالية تعرّف الصابرين وتقول : (الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا : إِنَّا لِلَّهِ

٤٤٠