الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - ج ١

آية الله ناصر مكارم الشيرازي

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - ج ١

المؤلف:

آية الله ناصر مكارم الشيرازي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مدرسة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام
المطبعة: أمير المؤمنين عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-6632-49-1
ISBN الدورة:
964-6632-53-X

الصفحات: ٥٦٠

وللمفسرين آراء عديدة في معنى «الثّمرات» ، ويبدو أن معناها واسع يشمل النعم المادية والنعم المعنوية. وعن الإمام الصادق عليه‌السلام : «هي ثمرات القلوب» إشارة إلى جعل قلوب النّاس تهوي إلى هذه الأرض.

إبراهيم في دعائه اقتصر على المؤمنين بالله واليوم الآخر ، ولعل ذلك كان بعد أن قال له الله سبحانه : (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) ففهم أن مجموعة من ذريّته سيسلكون طريق الشرك والظلم ، فاستثناهم في دعائه.

والله سبحانه استجاب لإبراهيم طلبه الثاني أيضا ، ولكنه (قالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً) في الدّنيا ، (ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) في الحياة الآخرة.

هذه في الواقع صفة «الرحمانية» وهي الرحمة العامة للباري تعالى التي تشمل كل المخلوقات ، صالحهم وطالحهم في الدنيا. أما الآخرة فهي عالم رحمته الخاصة التي لا ينالها إلّا من آمن وعمل صالحا.

* * *

٣٨١

الآيات

(وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١٢٧) رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنا مَناسِكَنا وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١٢٨) رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١٢٩))

التّفسير

إبراهيم يبني الكعبة

نفهم بوضوح من خلال آيات الذكر الحكيم أن بيت الكعبة كان موجودا قبل إبراهيم، وكان قائما منذ زمن آدم. تتحدث الآية ٣٧ من سورة إبراهيم عن لسان إبراهيم تقول :(رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ).

وهذه الآية تدل على أن بيت الكعبة كان له نوع من الوجود حين جاء إبراهيم مع زوجه وابنه الرضيع إلى مكة.

٣٨٢

وتقول الآية ٩٦ من سورة آل عمران : (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً). ومن المؤكد أن عبادة الله وإقامة أماكن العبادة لم تبدأ في زمن إبراهيم ، بل كانتا منذ أن خلق الإنسان على ظهر هذه الأرض.

عبارة الآية الاولى من الآيات محل البحث يؤكد هذا المعنى ، إذ تقول : (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).

فإبراهيم وإسماعيل قد رفعا قواعد البيت التي كانت موجودة.

وفي خطبة للإمام أمير المؤمنين علي عليه‌السلام في نهج البلاغة ، وهي المسماة بالقاصعة ، يقول : «ألا ترون أنّ الله سبحانه اختبر الأوّلين من لدن آدم صلوات الله عليه إلى الآخرين من هذا العالم بأحجار ... فجعلها بيته الحرام ... ثمّ أمر آدم عليه‌السلام وولده أن يثنوا أعطافهم نحوه (١) ...» (٢).

القرائن القرآنية والروائية تؤيد أن الكعبة بنيت أوّلا بيد آدم ، ثم انهدمت في طوفان نوح ، ثم أعيد بناؤها على يد إبراهيم وإسماعيل (٣).

في الآيتين التاليتين يتضرع إبراهيم وإسماعيل إلى ربّ العالمين بخمسة طلبات هامّة. وهذه الطلبات المقدّسة حين الإشتغال بإعادة بناء الكعبة جامعة ودقيقة بحيث تشمل كل احتياجات الإنسان المادية والمعنوية ، وتفصح عن عظمة هذين النبيين الكبيرين.

قالا أوّلا : (رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ).

ثم أضافا : (وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ).

__________________

(١) أي أن يطوفوا حوله.

(٢) نهج البلاغة ، صبحي صالح ، ص ٢٩٢ ـ (الخطبة القاصعة).

(٣) صاحب المنار ، ينكر هذا الموضوع بالمرة ، ويرى أن إبراهيم وإسماعيل أول من بنى الكعبة ، وهذا ما لا تؤيّده الروايات ولا عبارات القرآن الكريم.

٣٨٣

وطلبا تفهم طريق العبادة : (وَأَرِنا مَناسِكَنا) ، ليعبد الله حقّ عبادته.

ثم طلبا التوبة : (وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ).

الآية الأخيرة تضمنت الطلب الخامس ، وهو هداية الذرية (رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

* * *

بحثان

١ ـ هدف بعثة الأنبياء

في الآيات أعلاه ، بعد أن يطلب إبراهيم وإسماعيل من الله ظهور نبي الإسلام ، يذكران ثلاثة أهداف لبعثته :

الأوّل : تلاوة آيات الله على النّاس ، أي إيقاط الأفكار والأرواح في ظل الآيات الإلهية المبشرة والمنذرة.

«يتلو» من تلا ، أي اتبع الشيء بالشيء ، وسميت «التلاوة» كذلك لأنها قراءة وفق تتبع ونظم. هي مقدمة لليقظة والإعداد والتعليم والتربية.

الثّاني : «تعليم الكتاب والحكمة» ولا تتحقق التربية إلّا بالتعليم.

ولعل التفاوت بين «الكتاب» و «الحكمة» في أن الكتاب يعني الكتب السماوية ، والحكمة تعني العلوم والأسرار والعلل والنتائج الموجودة في الأحكام ، وهي التي يعلمها النّبي أيضا.

الثّالث : «التزكية» وهو الهدف الأخير.

و «التزكية» في اللغة هي الإنماء ، وهي التطهير أيضا.

وبذلك يتلخص الهدف النهائي من بعثة الأنبياء في دفع الإنسان على مسيرة التكامل «العلمي» و «العملي».

٣٨٤

ينبغي التأكيد هنا على أنّ علوم البشر محدودة ، مقرونة بآلاف الفجوات المبهمة والأخطاء الكبيرة ، والإنسان أيضا لا يطمئن بدقة إلى معلوماته ، لأنه شاهد أخطائه وأخطاء الآخرين.

من هنا كان من الضروري مجيء الأنبياء بعلومهم الحقّة الخالية من الأخطاء المستمدة من مبدأ الوحي إلى النّاس ، ليزيلوا أخطاءهم ، ويملأوا فراغات جهلهم ، ويبعثوا فيهم اطمئنانا بعلمهم.

ويلزم التأكيد أيضا على أن الشخصية البشرية تتكون من «عقل» و «غرائز» ، ولذلك كان الإنسان بحاجة إلى «التربية» بقدر حاجته إلى «العلم» ، وينبغي أن يتكامل عقله ، وأن تتجه غرائزه نحو هدف صحيح.

لذلك فإن الأنبياء معلمون ، ومربون ، يزودون النّاس بالعلم ، وبالتربية.

٢ ـ «التعليم» مقدم أو «التربية»؟ ـ في أربعة مواضع ذكر القرآن مسألة التربية والتعليم باعتبار هما هدف الأنبياء ، وفي ثلاثة مواضع منها قدمت «التربية» على «التعليم» (البقرة ، ١٥١ ـ آل عمران ، ١٦٤ ـ الجمعة ، ٢).

وفي موضع واحد تقدم التعليم على التربية (آية بحثنا). ونعلم أن التربية لا تتم إلّا بالتعليم.

لذلك حين يتقدم التعليم على التربية في الآية فإنما ذلك بيان للتسلسل المنطقي الطبيعي لهما. وفي المواضع التي تقدمت فيها التربية ، فقد يكون ذلك إشارة إلى أنها الهدف ، لأن الهدف الاصلي هو التربية ، وما عداها مقدمة لها.

٣ ـ النّبي من النّاس ـ تعبير «منهم» في الآية (وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ) يشير إلى أن قادة البشرية ينبغي أن يكونوا بشرا بنفس صفات البشر الغريزية ، كي يكونوا القدوة اللائقة في الجوانب العملية. ومن الطبيعي أنهم ـ لو كانوا من غير البشر ـ ما استطاعوا إدراك حاجات النّاس والمشكلات العويصة الكامنة لهم في حياتهم ، ولا أمكنهم أن يكونوا قدوة وأسوة لهم.

* * *

٣٨٥

الآيات

(وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلاَّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (١٣٠) إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (١٣١) وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٣٢))

التّفسير

إبراهيم الإنسان النّموذج

الآيات السابقة ألقت الضوء على جوانب من شخصية إبراهيم عليه‌السلام ، فتحدثت عن بعض خدماته وطلباته الشاملة للجوانب المادية والمعنوية.

من مجموع ما مرّ نفهم أن الله سبحانه شاء أن يكون هذا النّبي ، شيخ الموحدين وقدوة الرساليين ، على مرّ العصور.

لذلك تقول الآية الاولى من آيات بحثنا هذا : (وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ)؟! أليس من السفاهة أن يعرض الإنسان عن مدرسة الطهر والنقاء والفطرة والعقل وسعادة الدنيا والآخرة ، ويتجه إلى طريق الشرك والكفر والفساد وضياع

٣٨٦

العقل والانحراف عن الفطرة وفقدان الدين والدنيا؟!

ثم تضيف الآية : (وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ).

نعم ، إبراهيم عليه‌السلام اصطفاه الله في الدنيا ليكون «الأسوة» و «القدوة» للصالحين.

الآية التالية تؤكد على صفة اخرى من صفات إبراهيم التي هي الواقع أساس بقية صفاته العظيمة وتقول : (إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ).

هذا الإنسان المتحرر من الانشدادات الوضيعة يسارع إلى التسليم التام حال سماعه نداء ربّه : «أسلم» ، ولا يتوانى في رفض كل أوهام زمانه القائمة على عبادة النجوم والشمس والقمر ، فيتركها بعد أن رآها محكومة بالقوانين التي تسود الخليفة ويقول : (إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (١).

مرّ بنا في الآيات السابقة أن إبراهيم وإسماعيل عليهما‌السلام بعد بناء الكعبة طلبا من الله سبحانه أن يتقبل أعمالهما ، ثم بعد ذلك طلبا أن يمنّ عليهما الله بنعمة التسليم لوجهه الكريم : (رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ) ومثل هذا طلباه لذريّتهما : (وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ).

ذلك لأن الخطوة الاولى في سموّ الشخصية الإنسانية الطهر والإخلاص ، ومن هنا أسلم إبراهيم عليه‌السلام وجهه لربّه دون سواه ، ولذلك عرف هو ودينه بهذا العنوان.

حياة إبراهيم عليه‌السلام بأجمعها كانت مفعمة بأعمال جسيمة نادرة ، نضاله المرير ضد المشركين ، صموده الكبير في قلب النيران ، هذا الصمود الذي أثار إعجاب نمرود الطاغية نفسه حيث راح يردد دون وعي : من اتخذ إلها فليتخذ إلها مثل إله إبراهيم (٢).

وكذلك إسكان الزوج والطفل الرضيع في تلك الأرض الجافة القاحلة ...

__________________

(١) الأنعام ، ٧٩.

(٢) نور الثقلين ، ج ٣ ، ص ٤٣٩.

٣٨٧

والمقدسة ، وبناء الكعبة ، وتقديم الولد على مذبح التضحية والفداء استجابة لأمر الله تعالى... كل واحدة من هذه الأعمال قمة من سلسلة قمم حياة إبراهيم عليه‌السلام.

ووصية إبراهيم بنية في أواخر أيّام حياته تجسيد آخر لهذه الحياة الشامخة :(وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ) ... فكل من إبراهيم ويعقوب وصّيا أبناء هما بالقول : (يا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ).

لعلّ القرآن الكريم ، بنقله وصية إبراهيم ، يريد أن يقول للإنسان إنه مسئول عن مستقبل أبنائه ، عليه أن يهتم بمستقبلهم المعنوي قبل أن يهتم بمستقبلهم المادي.

يعقوب كإبراهيم وصّى أيضا أبناءه ، بنفس هذه الوصايا ، وأكد لأبنائه أن رمز نجاحهم يتلخص في جملة واحدة ، هي التسليم لربّ العالمين.

ربّما يعود ذكر اسم يعقوب هنا من بين سائر الأنبياء ، إلى أن اليهود والنصارى كانوا يعتقدون بانتسابهم إلى يعقوب بشكل من الأشكال ، فأرادت الآية أن توضح لهم أن خط الشرك الذي يسلكونه لا يتناسب مع منهج يعقوب ، وهو منهج التسليم المحض لربّ العالمين.

* * *

٣٨٨

الآيتان

(أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قالَ لِبَنِيهِ ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِلهاً واحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (١٣٣) تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ (١٣٤))

سبب النّزول

كان جمع من اليهود يعتقدون أن يعقوب عند ما حضرته الوفاة أوصى بنيه أن يعتنقوا اليهودية (بتحريفاتها السائدة خلال عصر البعثة المباركة) ، والله سبحانه أنزل هذه الآية (١).

التّفسير

كما رأينا في سبب النّزول ، وظاهر الآية يدل على ذلك أيضا ، كان جمع من

__________________

(١) تفسير أبي الفتوح الرازي ، آية البحث.

٣٨٩

منكري الإسلام ينسبون ما لا ينبغي نسبته إلى النّبي يعقوب ، والقرآن يرد عليهم بالقول:(أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ)؟! هذا الذي نسبوه إليه ليس بصحيح ، بل الذي حدث آنذاك (إِذْ قالَ لِبَنِيهِ ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي)؟

في الجواب (قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِلهاً واحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ).

أجل فإنّ يعقوب لم يوص أبناءه بشيء غير التوحيد والتسليم لربّ العالمين والذي هو الأساس لبرنامج الأنبياء.

من الآية يبدو أن قلقا ساور يعقوب لدن أن حضرته الوفاة بشأن مستقبل أبنائه ، وعبّر عن قلقه هذه متسائلا : (ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي)؟ وإنما قال : (ما تَعْبُدُونَ) ... ولم يقل «من تعبدون ...» لتلوث البيئة الاجتماعية آنذاك بالشرك والوثنية ، أي بعبادة الأشياء من دون الله. فأراد يعقوب أن يفهم ما في قرارة نفوس أبنائه من ميول واتجاهات ، وبعد أن استمع الجواب اطمأنت نفسه.

ويلفت النظر هنا أن إسماعيل لم يكن أبا ليعقوب ولا جدّه ، بل عمّه ، بينما الآية استعملت كلمة «آباء» ، ويتضح من ذلك أن كلمة «الأب» تطلق أيضا على «العم» توسعا ، ومن هنا نقول بالنسبة لآزر ، الذي ذكره القرآن باعتباره والد إبراهيم ، أنه لا يمنع أن يكون عمّ إبراهيم لا والده. (تأمل بدقّة).

آخر آية في بحثنا ، تجيب على توهّم آخر من توهمات اليهود ، فكثير من هؤلاء كانوا يستندون إلى مفاخر الآباء والأجداد وقرب منزلة أسلافهم من الله تعالى ، فلا يرون بأسا في انحرافهم هم ظانين أنهم ناجون بوسيلة أولئك الأسلاف.

يقول القرآن : (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ).

٣٩٠

وبذلك أرادت الآية أن توجّه أنظار هؤلاء إلى أعمالهم وسلوكهم وأفكارهم ، وتصرفهم عن الانغماس في الافتخار بالماضين.

هذه الآية ـ وإن اتجهت في الخطاب إلى فئة اليهود ، أهل الكتاب في عصر البعثة ـ تخاطبنا نحن المسلمين أيضا ، وتطرح أمامنا مبدأ :

إن الفتى من يقول ها أنا ذا

ليس الفتى من يقول كان أبي

* * *

٣٩١

الآيات

(وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٣٥) قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (١٣٦) فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١٣٧))

سبب النّزول

عن ابن عباس أن جماعة من علماء اليهود ونصارى أهل نجران خاصموا أهل الإسلام، كل فرقة تقول إنها أحق بدين الله من غيرها ، فقالت اليهود : نبينا موسى أفضل الأنبياء ، وكتابنا التوراة أفضل الكتب ، وقالت النصارى : عيسى أفضل الأنبياء ، وكتابنا الإنجيل أفضل الكتب ، وكل فريق منهما قال للمؤمنين :كونوا على ديننا ، فأنزل الله تعالى هذه الآية.

٣٩٢

التّفسير

نحن على حقّ لا غيرنا!

التمحور والانغماس في الذاتية يؤدي إلى أن يحتكر الإنسان الحقّ لنفسه ، ويعتبر الآخرين على باطل ، ويسعى إلى أن يجرهم الى معتقداته الآية الاولى تتحدث عن مجموعة من أهل الكتاب يحملون مثل هذه النظرة الضيقة ، ونقلت عنهم القول : (وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا).

فيردّ عليهم القرآن مؤكدا أن الأديان المحرّفة لا تستطيع إطلاقا أن تهدي الإنسان (قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ).

التدين الخالص هو اتباع الخط التوحيدي الخالص غير المشوب بالشرك.ورعاية هذا الأساس أهم معيار للتمييز بين الأديان الصحيحة والأديان المنحرفة.

يعلمنا الإسلام أن لا نفرق بين الرسل ، وأن نحترم رسالاتهم ، لأن المبادئ الأساسية للأديان الحقّة واحدة ، موسى وعيسى كانا أيضا من أتباع ملة إبراهيم ...أي من أتباع الدين التوحيدي الخالص من الشرك ، وإن حرّف المغرضون من أتباعهما ما جاءا به ، وجعلوه مشوبا بالشرك. و (كلامنا هذا لا يتنافى طبعا مع إيماننا بأن البشرية يجب أن تتبع آخر الأديان السماوية أي الإسلام).

الآية التالية تأمر المسلمين أن (قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ ، لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ).

لا يجوز أن ننطلق من محور الذاتية في الحكم على هذا النّبي أو ذاك ، بل يجب أن ننظر إلى الأنبياء بمنظار رسالي ، ونعتبرهم جميعا رسل ربّ العالمين ومعلّمي البشرية ، قد أدّى كل منهم دوره في مرحلة تاريخية معينة ، وكان هدفهم واحدا ، وهو هداية النّاس في ظل التوحيد الخالص والحق والعدالة.

ثم يضيف القرآن قائلا : (فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما

٣٩٣

هُمْ فِي شِقاقٍ).

ولو تخلى هؤلاء عن عنصريتهم وذاتياتهم ، وآمنوا بجميع أنبياء الله فقد اهتدوا أيضا ، وإلّا فقد ضلوا سواء السبيل.

و «الشّقاق» النزاع والحرب ، وفسرت في الآية بالكفر وبالضلال ، وبالابتعاد عن الحق والاتجاه نحو الباطل ، وكل هذه المعاني تعود إلى حقيقة واحدة.

ذكر بعض المفسرين أن الآية السابقة التي ساوت بين عيسى وسائر الأنبياء.

أثارت اعتراض جمع من النصارى وقالوا : إن عيسى ليس كسائر الأنبياء ، بل هو ابن الله ، فنزلت هذه الآية لتؤكد على انحراف هؤلاء وأنهم في شقاق.

ثم تثبت الآية على قلوب المؤمنين وتبعث فيهم الثقة والطمأنينة بالقول:(فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ وَهُوَ السَّمِيعُ) لأقوالهم (الْعَلِيمُ) بمؤامراتهم.

* * *

بحوث

١ ـ وحدة دعوة الأنبياء

في مواضع عديدة أكد القرآن على أن هدف الأنبياء واحد ، ولا انفصال في خط النبوات ، فكل الأنبياء عليهم‌السلام يصدرون عن منبع الوحي الإلهي ، ولذلك يوصي القرآن باحترام جميع الأنبياء ، لكن هذا لا يمنع ـ كما قلنا ـ أن تنسخ كلّ رسالة جديدة تنزل من الله سبحانه الرسالات السابقة ، والإسلام خاتم الرسالات السماوية.

أنبياء الله كالمعلمين ، ربّى كل منهم البشرية في فصل دراسي ، وبعد انتهاء المرحلة الدراسية الخاصة به يسلم المجتمع البشري إلى معلم آخر ليجتاز الأفراد مرحلة دراسية أعلى. ومن هنا فالمجتمع البشري مكلّف بتحمل مسئوليات ما يأتي به آخر نبي ، وهذا لا يتعارض مع كون سائر الأنبياء على حق.

٣٩٤

٢ ـ من هم الأسباط؟

الأسباط جمع سبط ، والأسباط أحفاد يعقوب ، وهم اثنا عشر سبطا من اثني عشر ابنا ، أو أنهم قبائل من بني إسرائيل ، والسّبط في اللغة : الجماعة يرجعون إلى أب واحد ، والسبط (على وزن درج) قد يأتي بمعنى : الشجر ، والأسباط الذين هم من شجرة واحدة ، ويقال : سبط عليه العطاء ، إذا تابع عليه حتى يصل بعضه ببعض.

المقصود من الأسباط ـ إذن ـ ليس أبناء يعقوب ، فهؤلاء ارتكبوا جميعا ذنبا بحق أخيهم ولا يصلحون للنبوّة ، بل المقصود قبائل بني إسرائيل ، أو أحفاد يعقوب ممن كان لهم أنبياء. ولما كان بين هؤلاء الأسباط أنبياء ، فالآية عدتهم بين أولئك الذين نزلت عليهم آيات الله.

٣ ـ الحنيف

الحنيف ، من مادة حنف : أي مال عن الأديان الباطلة إلى الدين الحق ، وبه سميت الحنيفية ، لأنها مالت عن اليهودية والنصرانية. وعكس ذلك «جنف» أي مال عن الطريق المستقيم إلى الانحراف. ولهذا السبب كان أحد معاني الحنيف هو المستقيم والذي لا عوج فيه.

وللمفسرين آراء في الحنيفية ، منها حج بيت الله ، وأتباع الحق ، وأتباع إبراهيم ، والإخلاص في العمل ، وكلها ترجع إلى معنى عام وشامل ، ما ذكره المفسرون مصاديق لذلك.

* * *

٣٩٥

الآيات

(صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عابِدُونَ (١٣٨) قُلْ أَتُحَاجُّونَنا فِي اللهِ وَهُوَ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ وَلَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ (١٣٩) أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطَ كانُوا هُوداً أَوْ نَصارى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللهِ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (١٤٠) تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ (١٤١))

التّفسير

التّخلّي عن غير صبغة الله :

بعد الدّعوة التي وجهتها الآيات السابقة لإتّباع الأديان بشأن انتهاج طريق جميع الأنبياء ، أول آية في بحثنا تأمرهم جميعا بترك كل صبغة ، أي دين ، غير «صبغة الله» (١).

__________________

(١) «صبغة» منصوبة على أنّها مفعول مطلق لفعل محذوف أي (اصطبغوا) صبغة الله ، أو أنّها بدل من «ملة إبراهيم»

٣٩٦

ثم تضيف الآية : (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً)؟! أي لا أحسن من الله صبغة ، (وَنَحْنُ لَهُ عابِدُونَ) في اتباع ملّة إبراهيم التي هي صبغة الله ، وقيل المعنى : من نحن له عابدون يجب أن تتبع صبغته ، لا ما صبغنا عليه الآباء والأجداد (١).

وبهذا أمر القرآن بالتخلي عن الصبغات العنصرية والطائفية والذاتية وعن كل الصّبغات المفرّقة ، والاتّجاه نحو صبغة الله.

ذكر المفسرون أن النصارى دأبوا على غسل أبنائهم بعد ولادتهم في ماء أصفر اللون ، ويسمونه غسل التعميد ، ويجعلون ذلك تطهيرا للمولود من الذنب الذاتي الموروث من آدم!

القرآن يرفض هذا المنطق الخاوي ، ويقول : من الأفضل أن تتركوا هذه الصبغات الظاهرية الخرافية المفرقة ، وتصطبغوا بصبغة الله ، لتطهر روحكم.

ما أجمل تعبير «الصبغة» في هذه الآية! وما أروع هذه الدعوة إلى الاصطباغ بصبغة الله!

لو حدث ذلك ... لو اختارت البشرية صبغة الله ... أي صبغة الطهر والتقوى والعدالة والمساواة والأخوّة ... صبغة التوحيد والإخلاص ... لاستطاعت أن تستأصل جذور الشرك والنفاق والتفرقة ... إنّها في الحقيقة الصبغة التي لا لون بها وتطهر الإنسان من جميع الألوان.

وعن الإمام الصادق عليه‌السلام : أن «صبغة الله» هي الإسلام (٢) ، وهذا إشارة إلى ما ذكرناه.

كان اليهود وغيرهم يحاجّون المسلمين بصور شتّى ، كانوا يقولون : إنّ جميع الأنبياء مبعوثون منا ، وإن ديننا أقدم الأديان ، وكتابنا أعرق الكتب السماوية.

__________________

في الآيات المتقدمة ، أو مفعول به لفعل محذوف والتقدير (اتبعوا صبغة الله) والله أعلم!

(١) مجمع البيان ، الآية.

(٢) نور الثقلين ، ج ١ ، ص ١٣٢.

٣٩٧

وكانوا يقولون : إن عنصرنا أسمى من عنصر العرب ، ونحن المؤهلون لحمل الرسالة لا غيرنا ، لأن العرب أهل أوثان.

وكانوا يدّعون أحيانا أنهم أبناء الله وأن الجنّة لهم لا لغيرهم.

القرآن يردّ على كلّ هذه الأقاويل ويقول : (أَتُحَاجُّونَنا فِي اللهِ وَهُوَ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ).

فالله سبحانه ليس ربّ شعب أو قبيلة معينة ، إنه ربّ العالمين.

واعلموا أيضا أن لا امتياز لأحد على غيره إلّا بالأعمال ، وكل شخص رهن أعماله (وَلَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ).

مع فارق ، هو إن كثيرا منكم يشركون في توحيدهم : (وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ).

الآية التالية تجيب على واحد آخر من هذه الادعاءات الفارغة وتقول : (أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطَ كانُوا هُوداً أَوْ نَصارى)؟!

 ثم تجيب الآية عن هذا الادعاء بشكل رائع فتقول : (قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللهُ)؟! فالله أعلم أنهم ما كانوا يهودا ولا نصارى.

وقد تعلمون أنتم أيضا أن هؤلاء الأنبياء أدّوا رسالتهم قبل موسى وعيسى.

وإن كنتم لا تعلمون فإطلاق مثل هذه الأقوال بدون علم وتثبيت تهمة وذنب ، وكتمان للحقيقة (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللهِ).

اعلموا أنه (وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ).

حين ينتهج الإنسان خط العناد واللجاج فإن إعراضه عن الحقيقة لا حدّ له ، ينكر أبسط المسلّمات ، ويرفض أوضح الواضحات. والآية تذكر نموذجا لذلك في هذه المجموعة التي بلغ بها العناد واللجاج أن تعتبر أنبياء الله ـ الذين سبقوا موسى وعيسى من أمثال إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ـ من اليهود أو النصارى.

وبذلك يكتمون حقيقة واضحة لها ارتباط بإيمان النّاس ومعتقداتهم ، ولذلك يصف

٣٩٨

القرآن هؤلاء الذين يكتمون الحقائق بأنهم أظلم النّاس ، لأنه لا ظلم أكبر من كتمان الحقائق عن النّاس عمدا ، وجرّ الآخرين إلى طريق الضلال.

في آخر آية من الآيات التي نحن بصددها يقول سبحانه لهؤلاء القوم العنودين الجدليين : افترضوا أن ادعاءاتكم صحيحة ، فهذا لا يعود عليكم بالنفع لأنه (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ).

الامّة الحية ينبغي أن تعتمد على أعمالها لا على ذكريات تاريخها ، والإنسان يجب أن يستند إلى فضائله ، لا أن يجترّ مفاخر الآباء والأجداد.

* * *

٣٩٩
٤٠٠