الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - ج ١

آية الله ناصر مكارم الشيرازي

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - ج ١

المؤلف:

آية الله ناصر مكارم الشيرازي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مدرسة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام
المطبعة: أمير المؤمنين عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-6632-49-1
ISBN الدورة:
964-6632-53-X

الصفحات: ٥٦٠

وبعد أن ذمّ القرآن الفئة المذكورة من اليهود والنصارى ، أشاد بأولئك الذين آمنوا من أهل الكتاب وانضموا تحت راية الرسالة الخاتمة (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ) ـ اي بالتفكر والتدبر ثم العمل به ـ (أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ) أي يؤمنون بالرّسول الكريم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ).

هؤلاء كانوا قد تلوا كتابهم السماوي حقّا ، وكان ذلك سبب هدايتهم ، فهم قرءوا فيه بشارات ظهور النّبيّ الموعود ، وقرءوا صفاته المنطبقة مع صفات نبيّ الإسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فآمنوا به ، والله مدحهم وأشاد بهم.

* * *

بحوث

١ ـ سؤال عن عصمة الأنبياء

العبارة القرآنية : (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ) قد تثير سؤالا بشأن عصمة الأنبياء،فهل يمكن للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ وهو معصوم ـ أن يتبع أهواء المنحرفين من اليهود والنصارى؟

في الجواب نقول : مثل هذه التعبيرات تكررت في القرآن الكريم ، ولا تتعارض مع مقام عصمة الأنبياء ، لأنها ـ من جهة ـ جملة شرطية ، والجملة الشرطيّة لا تدل على تحقق الشرط.

ومن جهة اخرى ، عصمة الأنبياء لا تجعل الذنب على الأنبياء محالا ، بل المعصوم له قدرة على ارتكاب الذنب ، ولم يسلب منه الإختيار ، ومع ذلك لم يتلوث بالذنوب. بعبارة اخرى : إن المعصوم قادر على الذنب ، ولكن إيمانه وعلمه وتقواه بدرجة لا تجعله يتجه معها إلى ذنب. من هنا فالتحذيرات المذكورة بشأنهم مناسبة تماما.

من جهة ثالثة ، هذا الخطاب وإن اتجه إلى النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولكن قد يكون موجها

٣٦١

إلى النّاس جميعا.

٢ ـ للاسترضاء حدود

صحيح أن الإنسان الرّسالي يجب أن يسعى بأخلاقه إلى جذب الأعداء إلى صفوف الدعوة ، لكن مثل هذا الموقف يجب أن يكون تجاه المخالفين المرنين الليّنين ، أما الموقف تجاه المعاندين المتصلبين فينبغي أن يكون غير ذلك. لا يجوز إهدار الوقت مع هؤلاء ، بل لا بدّ من الإعراض عنهم وتركهم.

٣ ـ إنّ هدى الله هو الهدى

نفهم من الآية المذكورة أن القانون الوحيد القادر على إنقاذ البشرية هو قانون الهداية الإلهية ، لأن علم البشر ـ مهما قدر له من التكامل ـ يبقى مخلوطا بالجهل والشك والقصور في جهات مختلفة. والهداية في ضوء مثل هذا العلم الناقص لا يمكن أن تكون هداية مطلقة ، ولا يستطيع أن يضع للإنسان برنامج «الهداية المطلقة» إلّا من له «علم مطلق» ، ومن هو خال من الجهل والنقص ، وهو الله وحده.

٤ ـ حق التلاوة

عبر القرآن عن الفئة المهتدية من أهل الكتاب بأنهم (يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ) ، وهو تعبير عميق يرسم لنا سبيلا واضحا تجاه القرآن الكريم والكتب السماوية ، فالنّاس أمام الآيات الإلهية على أقسام :

قسم يكرسون اهتمامهم على أداء الألفاظ بشكل صحيح وعلى قواعد التجويد،ويشغل ذهنهم دوما الوقف والوصل والإدغام والغنّة في التلاوة ، ولا يهتمون إطلاقا بمحتوى القرآن فما بالك بالعمل به! وهؤلاء بالتعبير القرآني (كَمَثَلِ

٣٦٢

الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً) (١).

وقسم يتجاوز إطار الألفاظ ، ويتعمق في المعاني ، ويدقّق في الموضوعات القرآنية ، ولكن لا يعمل بما يفهم! وقسم ثالث ، وهو المؤمنون حقّا يقرءون القرآن باعتباره كتاب عمل، ومنهجا كاملا للحياة ، ويعتبرون قراءة الألفاظ والتفكير في المعاني وإدراك مفاهيم الآيات الكريمة مقدمة للعمل ، ولذلك تصحو في نفوسهم روح جديدة كلما قرءوا القرآن ، وتتصاعد في داخلهم عزيمة وإرادة واستعداد جديد للأعمال الصالحة ، وهذه هي التلاوة الحقة.

ورد عن الإمام جعفر بن محمّد الصادق عليه‌السلام في تفسير هذه الآية : «يرتّلون آياته، ويتفقّهون به ، ويعملون بأحكامه ، ويرجون وعده ، ويخافون وعيده ، ويعتبرون بقصصه، ويأتمرون بأوامره ، وينتهون بنواهيه ، ما هو والله حفظ آياته ودرس حروفه ، وتلاوة سوره ودرس أعشاره وأخماسه (٢) ، حفظوا حروفه وأضاعوا حدوده ، وإنّما هو تدبّر آياته والعمل بأركانه ، قال الله تعالى : (كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ) (٣).

* * *

__________________

(١) الجمعة ، ٥.

(٢) المقصود من الأعشار والأخماس تقسيمات القرآن.

(٣) الميزان ، نقلا عن إرشاد الديلمي.

٣٦٣

الآيتان

(يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (١٢٢) وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُها شَفاعَةٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (١٢٣))

التّفسير

مرّة اخرى يتجه الخطاب الإلهي إلى بني إسرائيل ليذكرهم بالنعم التي أحيطوا بها ، وخاصة نعمة تفضيلهم على أمم زمانهم ، فتقول الآية : (يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ) أي على كل من كان يعيش في ذلك الزمان.

كل نعمة تقترن بمسؤولية ، وتقترن بالتزام وتكليف إلهي جديد ، ولذلك قال سبحانه في الآية التالية : (وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً) (... وَلا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ) أي غرامة أو فدية ، (وَلا تَنْفَعُها شَفاعَةٌ) إلّا بإذن الله ، ولا يستطيع أحد غير الله أن يساعد أحدا (وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ).

فكل سبل النجاة التي تتوسلون بها في هذه الدنيا موصدة يوم القيامة ،

٣٦٤

والطريق الوحيد المفتوح أمامكم هو طريق الإيمان والعمل الصالح ، وطريق التوبة من الذنوب.

هذه المفاهيم مطروحة في الآيتين ٤٧ و ٤٨ من هذه السورة حيث تعرضنا لها بالتفصيل ، ونكتفي هنا بهذا القدر.

* * *

٣٦٥

الآية

(وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (١٢٤))

التّفسير

الإمامة قمة مفاخر إبراهيم عليه‌السلام

هذه الآية وما بعدها تتحدث عن بطل التوحيد نبي الله الكبير إبراهيم على نبيّنا وعليه الصلاة والسلام ، وعن بناء الكعبة وأهمية هذه القاعدة التوحيدية العبادية.

والهدف من هذه الآيات ـ وعددها ثماني عشرة آية ـ ثلاثة أمور :

أوّلا : أن تكون مقدمة لمسألة تغيير القبلة التي ستطرح بعد ذلك ، كي يعلم المسلمون أن هذه الكعبة من ذكريات إبراهيم محطم الأصنام ، ولكي يفهموا أن التلويث الذي طرأ على الكعبة إذ حولها المشركون إلى بيت للأصنام ، إنما هو تلويث سطحي لا يحط من قيمة الكعبة ومكانتها.

ثانيا : لفضح ادعاءات اليهود والنصارى بشأن انتسابهم لإبراهيم ، وأنهم ورثة

٣٦٦

دينه وطريقته ، ولتوضيح مدى ابتعاد هؤلاء عن ملة إبراهيم.

ثالثا : لتفهيم مشركي العرب أيضا ببعدهم عن منهج النّبي الكبير محطم الأصنام ، والرّد على ما كانوا يتصورونه من ارتباط بينهم وبين إبراهيم.

الآية الكريمة تقول أوّلا : (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَ).

هذه الفقرة من الآية تشير إلى الاختبارات المتتالية التي اجتازها إبراهيم عليه‌السلام بنجاح ، وتبين من خلالها مكانة إبراهيم وعظمته وشخصيته.

وبعد أن اجتاز هذه الاختبارات بنجاح استحق أن يمنحه الله الوسام الكبير (قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً).

وهنا تمنى إبراهيم عليه‌السلام أن يستمر خط الإمامة من بعده ، وأن لا يبقى محصورا بشخصه (قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي).

لكن الله أجابه : (قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ).

وقد استجيب طلب إبراهيم عليه‌السلام في استمرار خط الإمامة في ذريّته ، لكن هذا المقام لا يناله إلّا الطاهرون المعصومون من ذريّته لا غيرهم.

* * *

بحوث

١ ـ المقصود من «الكلمات»

من دراسة آيات القرآن الكريم بشأن إبراهيم عليه‌السلام ، وما أدّاه هذا النّبي العظيم من أعمال جسيمة استحق ثناء الله ، نفهم أن المقصود من الكلمات هو مجموعة المسؤوليات والمهام الثقيلة الصعبة التي وضعها الله على عاتق إبراهيم عليه‌السلام ، فحملها وأحسن حملها ، وأدّى ما عليه خير أداء ، وهي عبارة عن :

أخذ ولده إلى المذبح والاستعداد التام لذبحه ، إطاعة لأمر الله سبحانه.

إسكان الزوج والولد في واد غير ذي زرع بمكة ، حيث لم يسكن فيه إنسان.

٣٦٧

النهوض بوجه عبدة الأصنام وتحطيم الأصنام ، والوقوف ببطولة في تلك المحاكمة التاريخية ، ثم إلقاؤه في وسط النيران. وثباته ورباطة جأشه في كل هذه المراحل.

الهجرة من أرض عبدة الأصنام والابتعاد عن الوطن ، والاتجاه نحو أصقاع نائية لأداء رسالته ... وأمثالها (١).

كان كل واحد من هذه الاختبارات ثقيلا وصعبا حقّا ، لكنه بقوة إيمانه نجح فيها جميعا ، وأثبت لياقته لمقام «الإمامة».

* * *

٢ ـ من هو الإمام؟

يتبين من الآية الكريمة التي نحن بصددها ، أن منزلة الإمامة الممنوحة لإبراهيم عليه‌السلام بعد كل هذه الاختبارات ، تفوق منزلة النّبوة والرسالة.

ولتوضيح ذلك نقول : إن للإمامة معاني مختلفة :

١ ـ الإمامة بمعنى الرئاسة والزعامة في أمور الدنيا ، (قال بذلك فريق من علماء أهل السنة).

٢ ـ الإمامة بمعنى الرئاسة في أمور الدين والدنيا ، (قال بذلك فريق آخر من علماء أهل السنة).

٣ ـ الإمامة بمعنى تحقيق المناهج الدينية بما في ذلك منهج الحكم بالمعنى الواسع للحكومة ، وإجراء الحدود وأحكام الله ، وتطبيق العدالة الاجتماعية ، وتربية الأفراد في محتواهم الداخلي وفي سلوكهم الخارجي. وهذه المنزلة أسمى من منزلة النّبوة والرسالة ، لأن منزلة النّبوة والرسالة تقتصر على إبلاغ أوامر الله ، والبشارة والإنذار ، أمّا الإمامة فتشمل مسئوليات النّبوة والرسالة إضافة إلى

__________________

(١) روي عن ابن عباس أنه استخرج اختبارات إبراهيم من أربع سور قرآنية فكانت ثلاثين موضعا (تفسير المنار ، تفسير الآية المذكورة) ، وخلاصتها ما ذكرناه.

٣٦٨

«إجراء الأحكام» و «تربية النفوس ظاهريا وباطنيا» (من الواضح أن كثيرا من الأنبياء كانوا يتمتعون بمنزلة الإمامة).

منزلة الإمامة هي في الحقيقة منزلة تحقيق أهداف الدين والهداية ، أي «الإيصال إلى المطلوب» ، وليست هي «إراءة الطريق» فحسب.

ومضافا لما سبق فانّ الإمامة تتضمن أيضا على «الهداية التكوينية» ، أي النفوذ الروحي للإمام ، وتأثيره على القلوب المستعدة للهداية المعنوية (تأمل بدقّة).

الإمام في ذلك يشبه الشمس التي تبعث الحياة في النباتات ، فكذلك دور الامام في بعث الحياة الروحية والمعنوية في الكائنات الحيّة؟.

يقول سبحانه : (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً) (١).

ومن هذه الآية نفهم بوضوح أن رحمة الله الخاصة والمعونة الغيبية للملائكة بإمكانها أن تخرج المؤمنين من الظلمات إلى النور.

هذا الموضوع يصدق على الإمام أيضا ، فالقوّة الروحية للإمام وللأنبياء الحائزين على منزلة الإمامة وخلفائهم ، لها التأثير العميق على تربية الأفراد المؤهلين ، وإخراجهم من ظلمات الجهل والضلالة إلى نور الهداية.

لا شك أن المراد من الإمامة في الآية التي نحن بصدد تفسيرها هو المعنى الثالث للإمامة ، لأنّه يستفاد من آيات متعددة أن مفهوم «الإمامة» ينطوي على مفهوم «الهداية» ، كقوله تعالى : (وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ) (٢).

هذه الهداية لا تعني إراءة الطريق ، لأن إبراهيم عليه‌السلام كانت له قبل ذلك مكانة

__________________

(١) الأحزاب ، ٤٣.

(٢) السجدة ، ٢٤.

٣٦٩

النّبوة والرسالة ، أي مكانة إراءة الطريق.

القرائن الواضحة تشير إلى أن منزلة الإمامة الممنوحة لإبراهيم عليه‌السلام بعد الامتحانات العسيرة ، واجتياز مراحل اليقين والشجاعة والاستقامة ، هي غير منزلة البشارة والإبلاغ والإنذار.

إذن ، الهداية التي يتضمنها مفهوم الإمامة ما هي إلّا «الإيصال إلى المطلوب» و «تحقيق روح الدين» ، وتطبيق المناهج التربوية في النفوس المستعدة.

هذا الحقيقة يوضحها بإجمال حديث عميق المعنى روي عن الإمام جعفر بن محمّد الصادق عليه‌السلام يقول : «إنّ الله تبارك وتعالى اتّخذ إبراهيم عبدا قبل أن يتخذه نبيّا ، وإنّ الله اتّخذه نبيّا قبل أن يتّخذه رسولا ، وإنّ الله اتّخذه رسولا قبل أن يتّخذه خليلا ، وإنّ الله اتّخذه خليلا قبل أن يجعله إماما ، فلمّا جمع له الأشياء، قال : (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً) قال:فمن عظمها في عين إبراهيم قال:(وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) قال : لا يكون السّفيه إمام التّقيّ» (١).

* * *

٣ ـ الفرق بين النّبوة والإمامة والرسالة

يفهم من الآيات الكريمة والمأثور عن المعصومين ، أن حملة المهمات من قبل الله تعالى لهم منازل مختلفة :

١ ـ منزلة النّبوة : أي استلام الوحي من الله ، فالنبي هو الذي ينزل عليه الوحي ،وما يستلمه من الوحي يعطيه للنّاس إن طلبوا منه ذلك.

٢ ـ منزلة الرسالة : وهي منزلة إبلاغ الوحي ، ونشر أحكام الله ، وتربية الأفراد عن طريق التعليم والتوعية. فالرّسول إذن هو المكلف بالسعي في دائرة مهمته

__________________

(١) أصول الكافي ، ج ١ ، باب طبقات الأنبياء والرسل والأئمة ، ص ١٣٣.

٣٧٠

لدعوة النّاس إلى الله وتبليغ رسالته ، وبذل الجهد لتغيير فكري عقائدي في مجتمعه.

٣ ـ منزلة الإمامة : وهي منزلة قيادة البشرية ، فالإمام يسعى إلى تطبيق أحكام الله عمليا عن طريق إقامة حكومة إلهية واستلام مقاليد الأمور اللازمة. وإن لم يستطع إقامة الدولة يسعى قدر طاقته في تنفيذ الأحكام.

بعبارة اخرى ، مهمة الإمام تنفيذ الأوامر الإلهية ، بينما تقتصر مهمة الرّسول على تبليغ هذه الأوامر. وبتعبير آخر أيضا ، مهمة الرّسول ، إراءة الطريق ، ومهمة الإمام «الإيصال إلى المطلوب» (إضافة إلى المهام الثقيلة الاخرى المذكورة).

من نافلة القول أن كثيرا من الأنبياء كنبيّ الإسلام عليه أفضل الصلاة والسلام حازوا على المنازل الثلاث ، كانوا يستلمون الوحي ، ويبلغون أوامر الله ، ويسعون إلى إقامة الحكومة وتنفيذ الأحكام ، وينهضون ـ بما لهم من تأثير روحي ـ بمهمة تربية النفوس.

الإمامة ـ بعبارة موجزة ـ هي منزلة القيادة الشاملة لجميع المجالات المادية والمعنوية والجسمية والروحية والظاهرية والباطنية. الإمام رئيس الدولة وزعيم المجتمع ومعلم الأخلاق وقائد المحتوى الداخلي للأفراد المؤهلين.

فهو بقوّته المعنوية يقود النفوس المؤهلة على طريق التكامل.

وبقدرته العلمية يعلم الجهلة.

وبقوّة حكومته أو أية قوّة تنفيذية اخرى يطبق مبادي العدالة.

* * *

٤ ـ الإمامة آخر مراحل مسيرة إبراهيم التكاملية

بما تقدم في بيان حقيقة الإمامة يتضح أنه من الممكن أن تكون لشخص منزلة النّبوة وتبليغ الرسالة ، بينما لا تكون له منزلة الإمامة. وهذه المنزلة تحتاج إلى مؤهلات كثيرة في جميع المجالات. وهي المنزلة التي نالها إبراهيم عليه‌السلام بعد كل

٣٧١

هذه الامتحانات والمواقف العظيمة ، وكانت آخر مرحلة من مراحل مسيرته التكاملية.

من ذهب إلى أن الإمامة هي «أن يكون الفرد لائقا ونموذجيا» فقط ، ما فهم أن هذه الصفة كانت موجودة في إبراهيم عليه‌السلام منذ بداية النّبوة.

ومن قال إنّ المقصود من الإمامة «أن يكون الفرد قدوة» ، فاته أن هذه صفة جميع الأنبياء منذ ابتدائهم بدعوة النّبوة ، ولذلك وجب أن يكون النّبي معصوما لأن أعماله قدوة للآخرين.

من هنا ، فمنزلة الإمامة أسمى ممّا ذكر ، بل أسمى من النّبوة والرسالة ، وهي المنزلة التي نالها إبراهيم من قبل الله بعد أن اجتاز الامتحان تلو الامتحان.

* * *

٥ ـ من الظّالم؟

المقصود من «الظلم» في التعبير القرآني : (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) لا يقتصر على ظلم الآخرين ، بل الظلم (مقابل العدل) ، وقد استعمل هنا بالمعنى الواسع للكلمة،ويقع في النقطة المقابلة للعدل : وهو وضع الشيء في محله.

فالظلم إذن وضع الشخص أو العمل أو الشيء في غير مكانه المناسب.

ولما كانت منزلة الإمامة والقيادة الظاهرية والباطنية للبشرية منزلة ذات مسئوليات جسيمة هائلة عظيمة ، فإن لحظة من الذنب والمعصية خلال العمر تسبب سلب لياقة هذه المنزلة عن الشخص.

لذلك نرى أئمة آل البيت عليهم‌السلام يثبتون بهذه الآية تعيّن الخلافة بعد النّبي مباشرة لعليعليه‌السلام وانحصارها به ، مشيرين إلى أن الآخرين عبدوا الأصنام في الجاهلية ، وعليّ عليه‌السلام وحده لم يسجد لصنم. وأيّ ظلم أكبر من عبادة الأصنام؟! ألم يقل لقمان

٣٧٢

لابنه : (يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) (١)؟!

 من هذه الاستدلالات ما رواه هشام بن سالم عن الإمام جعفر بن محمّد الصادق عليه‌السلام قال : «قد كان إبراهيم نبيّا وليس بإمام ، حتّى قال الله : (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً ، قالَ : وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) ، فقال الله (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) ، من عبد صنما أو وثنا لا يكون إماما» (٢).

وفي حديث آخر عن عبد الله بن مسعود عن النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ الله قال لإبراهيم «لا أعطيك عهدا للظّالم من ذرّيّتك ، قال : يا ربّ ومن الظّالم من ولدي الّذي لا ينال عهدك؟ قال : من سجد لصنم من دوني لا أجعله إماما أبدا ، ولا يصلح أن يكون إماما»(٣).

* * *

٦ ـ تعيين الامام من قبل الله

من الآية مورد البحث نفهم ضمنيا أن الإمام (القائد المعصوم لكل جوانب المجتمع) يجب أن يكون معينا من قبل الله سبحانه ، لما يلي :

أوّلا : الإمامة ميثاق إلهي ، وطبيعي أن يكون التعيين من قبل الله ، لأنه طرف هذا الميثاق.

ثانيا : الأفراد الذين تلبّسوا بعنوان الظلم ، وما رسوا في حياتهم لحظة ظلم بحقّ أنفسهم أو بحقّ الآخرين ، كأن تكون لحظة شرك مثلا ، لا يليقون للإمامة ، فالإمام يجب أن يكون طيلة عمره معصوما.

وهل يعلم ذلك في نفوس الأفراد إلّا الله؟!

 ولو أردنا بهذا المعيار أن نعيّن خليفة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلا يمكن أن يكون غير علي عليه‌السلام.

__________________

(١) لقمان ، ١٣.

(٢) أصول الكافي ، ج ١ ، باب «طبقات الأنبياء والرسل» حديث ١.

(٣) أمالي الشيخ المفيد ، ومناقب ابن المغازلي ، نقلا عن الميزان ، تفسير الآية المذكورة.

٣٧٣

جدير بالذكر أن صاحب «المنار» نقل عن أبي حنيفة قوله : أن الخلافة لا تليق إلّا بالعلويين ، ومن هنا أجاز الخروج على حكومة العباسيين ، ومن هنا أيضا رفض منصب القضاء في حكومة خلفاء بني العباس.

ويقول صاحب المنار أيضا : إن أئمة المذاهب الأربعة كانوا معارضين لحكام زمانهم ، وكانوا يعتبرون أولئك الحكام غير لائقين لزعامة المسملين ، لأنهم ظالمون (١).

ومن العجيب أن كثيرا من علماء أهل السنة في عصرنا هذا ، يؤيدون ويدعمون الحكومات الظالمة المتجبّرة المرتبطة ارتباطا واضحا جليّا بجبهة الكفر العالمية ، والمفسدة في الأرض إفسادا لا يخفى على أحد ، بل أكثر من ذلك يعتبرون هؤلاء الحكام «أولي الأمر» ويركزون على وجوب طاعتهم!!

* * *

٧ ـ جواب عن سؤالين

١ ـ قلنا في تفسير معنى الإمامة أن عمل الإمامة هو «الإيصال إلى المطلوب» و «تنفيذ المناهج الإلهية» ، وهنا قد يقول قائل : إن هذا المعنى لم يتحقق في كثير من الأنبياء ، بل لم يتحقق حتى بالنسبة للنبي الخاتم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة الأطهار في المقياس العام ، فقد كان يقف في مقابلهم دوما أفراد ضالون مضلون.

جوابا على ذلك نقول : تعريفنا لعمل الإمام لا يعني أن الإمام يجرّ الامّة قسرا نحو الحق ، بل إن الأفراد يستطيعون ـ وهم مختارون ـ أن يهتدوا بما يمتلكه الإمام من قوّة ظاهرية وباطنية ، على شرط امتلاك هؤلاء الأفراد للّياقة والاستعداد.

وهذا كقولنا الشمس خلقت لاستمرار حياة الموجودات الحيّة ، أو أن المطر يعمل على إحياء الأرض الميتة ، تأثير الشمس والمطر له طابع عام ، لكنه لا يصدق

__________________

(١) المنار ، ج ١ ، ص ٤٥٧ ـ ٤٥٨.

٣٧٤

إلّا في الموجودات المستعدة لقبول هذا التأثير.

٢ ـ التّفسير المذكور للإمام يستدعي أن يكون كل إمام نبيّا ورسولا أوّلا ، وبعد ذلك يبلغ درجة الإمامة. بينما لم يكن الخلفاء المعصومون لنبيّ الإسلام صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كذلك.

نقول في الجواب : لا يلزم أن يكون الإمام قد بلغ حتما منزلة النّبوة والرسالة ، فالذي اجتمعت فيه منزلة النّبوة والرسالة والإمامة (مثل النّبي الخاتم) يمكن لخليفته أن يواصل طريق الإمامة ، وذلك حين تنتفي الحاجة إلى رسالة جديدة كما هو الحال بعد خاتم الأنبياء.

بعبارة اخرى ، حين تكون مرحلة استلام الوحي الإلهي وتبليغ جميع الأحكام قد انتهت وبقيت المرحلة التنفيذية ، فإن خليفة النّبي يستطيع أن يواصل الخط التنفيذي ، ولا حاجة لأن يكون هذا الخليفة نبيا أو رسولا.

* * *

٨ ـ شخصية إبراهيم المثالية

ورد اسم إبراهيم عليه‌السلام في ٦٩ موضعا من القرآن الكريم ، تحدثت عنه آيات تتوزع بين خمس وعشرين سورة. والقرآن يثني كثيرا على هذا النّبي الكريم ويذكره بصفات جليلة عظيمة.

إنه قدوة وأسوة في كل المجالات ، ونموذج للإنسان الكامل.

مكانته في سلّم معرفة الله ... ومنطقه الصريح أمام عبدة الأوثان ... ونضاله المرير ضد الجبابرة ... وتضحياته على طريق الله ، وصموده الغريب أمام عواصف الحوادث والاختبارات الصعبة ... كل واحدة من هذه الصفات تشكل النموذج الأعلى للسائرين على طريق التوحيد.

٣٧٥

إبراهيم كما يصفه القرآن من (الْمُحْسِنِينَ) (١) ، ومن الصالحين (٢) ، ومن القانتين(٣)، ومن الصديقين (٤) ، و (إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ) (٥) ، و (وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى)(٦) ، ذو سخاء عظيم وشجاعة منقطعة النظير.

في تفسير سورة إبراهيم (خاصة في القسم الأخير من السّورة) سنفصل الحديث في هذا المجال. (راجع المجلد السابع من هذا التّفسير).

* * *

__________________

(١) الصافات ، ١٠٥.

(٢) النحل ، ١٢٢.

(٣) النحل ، ١٢٠.

(٤) مريم ، ٤١.

(٥) التوبة ، ١١٤.

(٦) النجم ، ٣٧.

٣٧٦

الآية

(وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (١٢٥))

التّفسير

عظمة بيت الله

بعد الإشارة إلى مكانة إبراهيم عليه‌السلام في الآية السابقة ، تناولت هذه الآية موضوع عظمة الكعبة التي وضع قواعدها إبراهيم عليه‌السلام ، فهي تبدأ بالتذكير بعبارة «وإذ» أي اذكروا:(وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً).

المثابة من الثوب ، أي عودة الشيء إلى حالته الاولى. ولما كانت الكعبة مركزا يتجه إليه الموحدون كلّ عام ، فهي محل لعودة جسمية وروحية إلى التوحيد والفطرة الاولى ، ومن هنا كانت مثابة. وكلمة «مثابة» تتضمن معنى الراحة والاستقرار ، لأن بيت الإنسان ـ وهو محل عودته الدائم ـ مكان للراحة والاستقرار ، وهذا المعنى تؤكده كلمة «أمنا» التي تلي كلمة «مثابة» في الآية. وكلمة «للنّاس» توضح أنه ملجأ عام لكل العالمين ، ولكل الشعوب المحرومة.

وهذه الصفة للبيت هي في الحقيقة استجابة لأحد مطاليب إبراهيم عليه‌السلام من ربّه

٣٧٧

ما سيأتي.

ثمّ تضيف الآية : (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى).

اختلف المفسرون في معنى «مقام إبراهيم» ، قيل : إنّ كل الحج هو مقام إبراهيم. وقيل : إنه «عرفة» و «المشعر الحرام» و «الجمار الثلاث» ، وقيل : كل حرم مكة مقام.

ولكن يبدو من ظاهر الآية أن المقام هو مقام إبراهيم المعروف الكائن قرب الكعبة ، وذهبت إلى ذلك الرّوايات وكثير من المفسّرين. وعلى الحجاج أن يصلّوا خلفه بعد الطواف ، ومن هنا كان هذا المقام «مصلّى».

ثم تشير الآية إلى المسؤولية المعهودة إلى إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما‌السلام بشأن تطهير البيت للطائفين والمجاورين والمصلين : (وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ).

وفي التطهير قيل : إنه التطهير من لوثة وجود الأصنام. وقيل : إنه التطهير من الدنس الظاهر ، كالدم وأحشاء الذبائح التي كان يلقي بها الجهلة في البيت.

وقيل : إنه يعني إخلاص النية عند بناء البيت.

ولا دليل على تحديد مفهوم الطهارة ، فهي تعني تطهير هذا البيت ظاهريا ومعنويا من كل تلويث.

لذلك نجد بعض الروايات فسرت التطهير في الآية بأنه تطهير الكعبة من المشركين ، وبعضها بأنه تطهير البدن وإزالة الأدران.

* * *

بحثان

١ ـ الآثار الاجتماعية والتّربوية للبيت الآمن :

الكعبة ـ طبعا للآية أعلاه ـ ملاذ وبيت آمن ، والإسلام وضع الأحكام المشددة بشأن إبعاد هذه الأرض المقدسة عن كل نزاع واشتباك وحرب وإراقة

٣٧٨

دماء. وليس أفراد البشر آمنين هناك فحسب ، بل الحيوانات والطيور آمنة أيضا في هذه البقعة ، ولا يحق لأحد أن يمسها بسوء.

وفي عالم يعجّ دوما بالنزاع والصراع ، يستطيع مثل هذا المركز الآمن أن يكون له الأثر العميق في حل المشاكل وفضّ النزاعات ، إذ يستطيع الفرقاء المتنازعون أن يجلسوا حول طاولة واحدة عند هذا البيت الآمن ، ويفتحوا بينهم حورا قد يكون مقدمة لإزالة الخصومات والنزاعات.

وقد يتفق أن ترغب الأطراف المتنازعة في إجراء مباحثات ، لكنهم لا يتفقون على مكان مقبول ومحترم وآمن لدى جميع الأطراف ، والإسلام أقرّ مكة لتكون مركزا كهذا.

واليوم ، إذ المسلمون ـ مع الأسف الشديد ـ يعانون من ألوان النزاعات والاختلافات حريّ بهم أن يستفيدوا من قداسة هذا البيت وأمنه لفتح باب المحادثات بينهم ، ولرفع ما بينهم من اختلافات بفضل معنوية هذا المكان المقدس. (١)

٢ ـ بيت الله

وصفت الكعبة بأنها بيت الله ، وعبرت الآية عن الكعبة ب «بيتي». وواضح أن الله ليس بجسم ، ولا يحده بيت ، ولا يحتاج إلى ذلك ، وهذه الإضافة هي «إضافة تشريفية» تبيّن قدسية الشيء الذي ينسب إلى الله ، ولذلك كان شهر رمضان «شهر الله» وكانت الكعبة «بيت الله».

* * *

__________________

(١) بشأن أمن أرض مكة لنا بحث آخر في تفسير الآية ٣٥ من سورة إبراهيم. (راجع المجلد السابع من هذا التّفسير).

٣٧٩

الآية

(وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٢٦))

التّفسير

إبراهيم يدعو ربّه

في هذه الآية توجّه إبراهيم إلى ربّه بطلبين هامين لسكنة هذه الأرض المقدسة ، أشرنا إلى أحد هما في الآية السّابقة. القرآن يذكّر بما قاله إبراهيم : (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً).

وكما ذكرنا في الآية السابقة ، استجاب الله لدعاء إبراهيم ، وجعل هذه الأرض المقدسة مركزا آمنا بالمعنى الواسع لكلمة لأمن.

والطلب الآخر هو : (وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ).

وهكذا يطلب إبراهيم «الأمن» أوّلا ، ثم «المواهب الاقتصادية» ، إشارة إلى أنّ الإقتصاد السالم لا يتحقق إلّا بعد الأمن الكامل.

٣٨٠