الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - ج ١

آية الله ناصر مكارم الشيرازي

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - ج ١

المؤلف:

آية الله ناصر مكارم الشيرازي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مدرسة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام
المطبعة: أمير المؤمنين عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-6632-49-1
ISBN الدورة:
964-6632-53-X

الصفحات: ٥٦٠

السّحر في رأي الإسلام

أجمعت الفقهاء على حرمة تعلم السحر وممارسته ، وجاء عن أمير المؤمنين عليعليه‌السلام: «من تعلّم من السّحر قليلا أو كثيرا فقد كفر وكان آخر عهده بربّه» (١).

ولكن ـ كما ذكرناه يجوز تعلم السحر لإبطال سحر السحرة ، بل يرتفع الجواز أحيانا إلى حد الوجوب الكفائي ، لإحباط كيد الكائدين والحيلولة دون نزول الأذى بالنّاس من قبل المحتالين. دليلنا على ذلك حديث روي عن الإمام أبي عبد الله جعفر محمّد الصادقعليه‌السلام : «كان عيسى بن شقفى ساحرا يأتيه النّاس ويأخذ على ذلك الأجر فقال له جعلت فداك أنا رجل كانت صناعتي السّحر وكنت آخذ عليه الأجر وكان معاشي وقد حججت منه ومنّ الله عليّ بلقائك وقد تبت إلى الله عزوجل فهل لي في شيء من ذلك مخرج فقال له أبو عبد الله حلّ ولا تعقد» (٢).

ويستفاد من هذا الحديث أن تعلّم السحر والعمل به من أجل فتح وحلّ عقد السحر لا إشكال فيه.

السحر في رأي التوراة

أعمال السحر والشّعبذة في كتب العهد القديم (التوراة وملحقاتها) هي أيضا ذميمة غير جائزة. فالتوراة تقول : «لا تلتفتوا إلى الجان ولا تطلبوا التوابع فتنجسوا بهم وأنا الربّ إلهكم» (٣).

وجاء في موضع آخر من التوراة : «والنفس التي تلتفت إلى الجان وإلى

__________________

(١) وسائل الشيعة ، الباب ٢٥ ، من أبواب ما يكتسب به ، حديث ٧.

(٢) وسائل الشيعة ، ج ١٢ ، ص ١٠٥ ، ح ٥.

(٣) الكتاب المقدس سفر لاويين الإصحاح ، ١٩ الرقم ٣١.

٣٢١

التوابع لتزني ورائهم اجعل وجهي ضد تلك النفس واقطعها من شعبها» (١).

ويقول قاموس الكتاب المقدس : «واضح أن السحر لم يكن له وجود في شريعة موسى ، بل إن الشريعة شددت كثيرا على أولئك الذين كانوا يستمدون من السحر».

ومن الطريف أن قاموس الكتاب المقدس الذي يؤكد على أن السحر مذموم في شريعة موسى ، يصرح بأن اليهود تعلّموا السحر وعملوا به خلافا لتعاليم التوراة فيقول : «...ولكن مع ذلك تسرّبت هذه المادة الفاسدة بين اليهود ، فآمن بها قوم ، ولجأوا إليه في وقت الحاجة» (٢).

ولذلك ذمهم القرآن ، وأدانهم لجشعهم وطمعهم وتهافتهم على متاع الحياة الدنيا.

السحر في عصرنا

توجد في عصرنا مجموعة من العلوم كان السحرة في العصور السالفة يستغلونها للوصول إلى مآربهم.

١ ـ الاستفادة من الخواص الفيزياوية والكيمياوية للأجسام ، كما ورد في قصّة سحرة فرعون واستفادتهم من خواص الزئبق أو أمثاله لتحريك الحبال والعصيّ.

واضح أن الاستفادة من الخصائص الكيمياوية والفيزياوية للأجسام ليس بالعمل الحرام، بل لا بدّ من الاطلاع على هذه الخصائص لاستثمار مواهب الطبيعة ، لكن المحرم هو استغلام هذه الخواص المجهولة عند عامة النّاس لإيهام الآخرين وخداعهم وتضليلهم ، مثل هذا العمل من مصاديق السحر ، (تأمل بدقة).

__________________

(١) الكتاب المقدس سفر لاويين الإصحاح ٢٠ الرقم ٦.

(٢) قاموس الكتاب المقدس ، تأليف المستر هاكس الإمريكي ، ص ٤٧١.

٣٢٢

٢ ـ الاستفادة من التنويم المغناطيسي ، والهيبنوتيزم ، والمانيةتيزم ، والتله باتي (انتقال الأفكار من المسافات البعيدة).

هذه العلوم هي أيضا إيجابية يمكن الاستفادة منها بشكل صحيح في كثير من شؤون الحياة. لكن السحرة كانوا يستغلونها للخداع والتضليل.

ولو استخدمت هذه العلوم اليوم أيضا على هذا الطريق المنحرف فهي من «السحر»المحرّم.

بعبارة موجزة : إن السحر له معنى واسع يشمل كل ما ذكرناه هنا وما أشرنا إليه سابقا.

ومن الثابت كذلك أن قوة الإرادة في الإنسان تنطوي على طاقات عظيمة.وتزداد هذه الطاقات بالرياضات النفسية ، ويصل بها الأمر أنها نستطيع أن تؤثر على الموجودات المحيطة بها ، وهذا مشهود في قدرة المرتاضين على القيام بأعمال خارقة للعادة نتيجة رياضاتهم النفسية.

جدير بالذكر أن هذه الرياضات تكون مشروعة تارة ، وغير مشروعة تارة اخرى. الرياضات المشروعة تخلق في النفوس الطاهرة قوة إيجابية بناءة ، والرياضات غير المشروعة تخلق قوة شيطانية ، وقد تكون كلا القوتين قادرتين على القيام بأعمال خارقة للعادة ، لكن الاولى إيجابية بناءة ، والاخرى مخربة هدامة.

* * *

٣٢٣

الآيتان

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا وَقُولُوا انْظُرْنا وَاسْمَعُوا وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٠٤) ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (١٠٥))

سبب النّزول

روي عن ابن عباس أنه قال : إن الصحابة كانوا يطلبون من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لدى تلاوته الآيات وبيانه الأحكام الإلهية أن يتمهّل في حديثه حتى يستوعبوا ما يقوله ، وحتى يعرضوا عليه أسئلتهم ، وكانوا يستعملون لذلك عبارة : «راعنا» أي أمهلنا. واليهود حوّروا معنى هذه الكلمة لتكون من «الرعونة» فتكون راعنا بمعنى اجعلنا رعناء ، واتخذوا ذلك وسيلة للسخرية من النّبي والمسلمين.

الآية تطلب من المسلمين أن يقولوا «انظرنا» بدلا من «راعنا» لسد الطريق أمام طعن الأعداء.

وقال بعض المفسرين : إنّ عبارة «راعنا» في كلام اليهود سبّة تعني «اسمع ولمّا تسمع»، وكانوا يرددون هذه العبارة مستهزئين!. وقيل إن اليهود كانوا يقولون بدلا من راعنا «راعينا» (راعي+ نا)

٣٢٤

ويخاطبون بذلك النّبي ساخرين (١). وليس بين هذه العلل المذكورة لنزول الآية الكريمة تناقض، فقد تكون بأجمعها صحيحة.

التّفسير

لا توفّروا للأعداء فرصة الطعن :

الآية الكريمة تخاطب المسلمين قائلة : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا وَقُولُوا انْظُرْنا وَاسْمَعُوا وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ).

ممّا سبق من سبب نزول هذه الآية الكريمة نستنتج أنّ على المسلمين أن لا يوفروا للأعداء فرصة الطعن بهم ، وأن لا يتيحوا لهم بفعل أو قول ذريعة يسيئون بها إلى الجماعة المسلمة. عليهم أن يتجنبوا حتى ترديد عبارة يستغلها العدوّ لصالحه.الآية تصرّح بالنهي عن قول عبارة تمكن الأعداء أن يستثمروا أحد معانيها لتضعيف معنويات المسلمين ، وتأمرهم باستعمال كلمة اخرى غير تلك الكلمة القابلة للتحريف ولطعن الأعداء.

حين يشدّد الإسلام إلى هذا الحد في هذه المسألة البسيطة ، فإن تكليف المسلمين في المسائل الكبرى واضح ، عليهم في مواقفهم من المسائل العالمية أن يسدوا الطريق أمام طعن الأعداء ، وأن لا يفتحوا ثغرة ينفذ منها المفسدون الداخليون والأجانب للإساءة إلى سمعة الإسلام والمسلمين.

جدير بالذكر أن عبارة راعنا ـ إضافة إلى ما فيها من معنى آخر استغله اليهود ـ فيها نوع من سوء الأدب ، لأنّها من باب المفاعلة ، وباب المفاعلة يفيد المبادلة والاشتراك ، وهي لذلك تعني : راعنا لنراعيك ، وقد نهى القرآن عن ترديدها (٢).

__________________

(١) تفسير القرطبي ، وتفسير المنار وتفسير الفخر الرازي ، ذيل الآية المذكورة.

(٢) تفسير الفخر الرازي ، والمنار ، ذيل الآية المذكورة.

٣٢٥

الآية التالية تكشف عن حقيقة ما يكنّه مجموعة من أهل الكتاب والمشركين من حقد وعداء للجماعة المؤمنة : (ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ) ، وسواء ودّ هؤلاء أم لم يودّوا فرحمة الله لها سنّة إلهية ولا تخضع للميول والأهواء : (وَاللهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ).

الحاقدون لم يطيقوا أن يروا ما شمل الله المسلمين من فضل ونعمة ، وما منّ عليهم من رسالة عظيمة ، ولكن فضل الله عظيم.

* * *

بحث

مغزى قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا)

أكثر من ثمانين موضعا خاطب الله المسلمين في كتابه الكريم بهذه العبارة ، وكل هذه المواضع من القرآن الكريم نزلت في المدينة ، ولا وجود لهذه العبارة في الآيات المكية ، ولعل ذلك يعود إلى تشكل الجماعة المسلمة في المدينة ، وإلى ظهور المجتمع الإسلامي بعد الهجرة. ولذلك خاطب الله الجماعة المؤمنة بعبارة (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا).

وهذا الخطاب يتضمن إشارة إلى ميثاق التسليم الذي عقدته الجماعة المسلمة مع ربّها بعد الإيمان به ، وهذا الميثاق يفرض على الجماعة الطاعة والانصياع لأوامر ربّ العالمين ، والاستجابة لما يأتي بعد هذه العبارة من أحكام.

جدير بالذكر أن كثيرا من المصادر الإسلامية بما في ذلك مصادر أهل السنة ، روت عن الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله : «ما أنزل الله آية فيها يا أيّها الّذين آمنوا إلّا وعليّ رأسها وأميرها» (١).

* * *

__________________

(١) الدر المنثور ، نقلا عن أبي نعيم في «حلية الأولياء» عن ابن عباس.

٣٢٦

الآيتان

(ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٠٦) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (١٠٧))

التّفسير

الغرض من النّسخ

الآية الاولى تشير أيضا إلى بعد آخر من أبعاد حملة التشكيك اليهودية ضد المسلمين.

كان هؤلاء القوم يخاطبون المسلمين أحيانا قائلين لهم إن الدين دين اليهود وأن القبلة قبلة اليهود ، ولذلك فإن نبيّكم يصلي تجاه قبلتنا (بيت المقدس) ، وحينما نزلت الآية ١٤٤ من هذه السّورة وتغيّرت بذلك جهة القبلة ، من بيت المقدس إلى مكة ، غيّر اليهود طريقة تشكيكهم ، وقالوا : لو كانت القبلة الاولى هي الصحيحة ، فلم هذا التغيير؟ وإذا كانت القبلة الثانية هي الصحيحة ، فكل أعمالكم السابقة ـ إذن ـ باطلة.

٣٢٧

القرآن الكريم في هذه الآية يردّ على هذه المزاعم وينير قلوب المؤمنين (١).

ويقول : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها) ... وليس مثل هذا التغيير على الله بعسير (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)؟! الآية التالية تؤكد مفهوم قدرة الله سبحانه وتعالى وحاكميته في السماوات والأرض وفي الأحكام ، فهو البصير بمصالح عباده : (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ، وفي هذه العبارة من الآية أيضا تثبيت لقلوب المؤمنين ، كي لا تتزلزل أمام حملات التشكيك هذه ، وتستمر الآية في تعميق هذا التثبيت ، مؤكدة أن المجموعة المؤمنة ينبغي أن تعتمد على الله وحده ، وتستند إلى قوته وقدرته دون سواه ، فليس في هذا الكون سند حقيقي سوى الله سبحانه : (وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ).

* * *

بحوث

١ ـ هل يجوز النّسخ في الأحكام؟

النسخ في اللغة الإزالة ، وفي الاصطلاح تغيير حكم شرعي وإحلال حكم آخر محله ، من ذلك :

١ ـ المسلمون كانوا يصلون بعد الهجرة تجاه بيت المقدس ، واستمروا على ذلك ستة عشر شهرا ، ثم نزل الأمر بتغيير القبلة ، فوجب على المسلمين أن يصلوا تجاه الكعبة.

٢ ـ الآية ١٥ من سورة النساء قررت معاقبة الزانية بعد شهادة أربعة شهود بإمساكها في البيت حتى الوفاة ، أو يجعل الله لها سبيلا ، والآية الثانية من سورة

__________________

(١) يحتمل أيضا أن تشير الآية إلى نسخ أحكام إسلامية اخرى ، كما ذكر الفخر الرازي في تفسيره ، وسيد قطب في ظلاله.

٣٢٨

النور نسخت الآية المذكورة وبدّلت الحكم بمائة جلدة.

وهنا يطرح سؤال معروف بشأن سبب النسخ يقول : لو كان في الحكم مصلحة فلما ذا نسخ؟ وإن لم يكن كذلك فلما ذا شرع؟ لماذا لم تطرح الشريعة منذ البداية حكما غير قابل للنسخ؟

علماء الإسلام أجابوا منذ القديم على هذا السؤال ، وتقرير هذا الجواب باختصار كما يلي :

نعلم أن بعض احتياجات الإنسان ثابتة لا تقبل التغيير ، لأنها ترتبط بفطرة الإنسان وطبيعته ، وبعضها الآخر تتغير بتغير الزمان وظروف البيئة ، وهذه المتغيرات قد تضمن سعادة الإنسان في زمن معين ، لكنها تصبح عقبة أمام تقدم الفرد في زمان آخر.

قد يكون نوع من الدواء نافعا للمريض في ظرف زمني معين ، وقد لا يكون نافعا ـ بل ضارا ـ في مرحلة نقاهة المريض ، لذلك يأمر الطبيب بدواء في وقت ، ثم يأمر بقطعه والامتناع عن تناوله في وقت آخر.

قد يكون درس معين مفيدا للطالب في مرحلة دراسية معينة ، لكن هذا الدرس يصبح عديم الفائدة في المراحل الدراسة التالية. المنهج التعليمي الصحيح ينبغي أن ينظم الدروس بشكل يتناسب مع حاجة الطالب في كل مرحلة من مراحله الدراسية.

هذه المسألة تتضح أكثر في إطار القانون اللازم لتكامل الإنسان والمجتمع الإنساني ، هذا القانون لا بدّ أن يتضمن متغيرات كي يكون المنهج التكاملي مفيدا لكل مراحل مسيرة المجتمع. وتزداد أهمية هذه التغييرات عند اندلاع الثورات الاجتماعية والعقائدية ، وتزداد ضرورة مواكبة متطلبات التغيير في كل مرحلة من مراحل الثورة.

لا بدّ من التأكيد أنّ اصول الأحكام الإلهية ثابتة لا يعتريها التغيير ، فالتوحيد

٣٢٩

والعدالة الاجتماعية وسائر الأصول والمبادئ المشابهة ثابتة لا تتغير ، وإنما يطرأ التغيير على المسائل الفرعية والثانوية.

ومن الضروري أن نؤكد أيضا أن تكامل الدين قد يبلغ مرحلة يصبح فيها (الدين الخاتم) ، وتصبح جميع أحكامه ثابتة لا تقبل التغيير (سنشرح مسألة خاتمية الرسالة في تفسير الآية ٤٠ من سورة الأحزاب).

اليهود ، مع اعتراضهم على المسلمين بشأن نسخ حكم القبلة الاولى ، أقرّوا النسخ في الأحكام الإلهيّة ، واستنادا إلى ما جاء في مصادرهم الدينية.

تذكر التوراة أن كل الحيوانات كانت حلا لنوح عليه‌السلام حين نزل من سفينته ، لكن هذا الحكم نسخ في شريعة موسى ، وحرّم قسم من الحيوانات (١).

٢ ـ المقصود من الآية

الآية في اللغة العلامة ، وفي القرآن لها معان متعددة :

١ ـ مقاطع من القرآن ، مفصولة عن بعضها بعلائم خاصة ، وهذا المعنى للآية نجده في قوله تعالى : (تِلْكَ آياتُ اللهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِ) (٢).

٢ ـ المعجزة سميت في القرآن آية كقوله سبحانه : (وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرى) (٣).

٣ ـ الدليل على وجود الله أو المعاد كقوله : (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ) (٤) وقوله:(وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْياها لَمُحْيِ الْمَوْتى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (٥).

٤ ـ الأشياء البارزة الملفتة للأنظار كالأبنية الشاهقة ، كما في قوله تعالى :

__________________

(١) سفر التكوين ، الفصل ٩ ، الفقرة ٣.

(٢) البقرة ، ٢٥٢.

(٣) طه ، ٢٢.

(٤) الإسراء ، ١٢.

(٥) فصلت ، ٣٩.

٣٣٠

(أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ) (١).

والمعنى المشترك بين كل هذه المعاني هو «العلامة».

وقوله سبحانه : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ) ... يشير إلى نسخ الأحكام ، فالحكم النّاسخ خير من المنسوخ أو مثله ، أو إنه يشير إلى نسخ معجزة الأنبياء ، فيكون المعنى أن معجزة النّبي التالي أفصح وأوضح من معجزة النّبي السابق.

ثمّة روايات في تفسير هذه الآية ذكرت أن المقصود من نسخ الآية هو وفاة الإمام ومجيء الإمام التالي بعده ، وهذا طبعا بيان مصداق من مصاديق الآية ، لا تحديدا لمفهومها.

٣ ـ تفسير عبارة «ننسها»

جملة «ننسها» في الآية معطوفة على جملة «ننسخ» وهي من مادة «أنساء» بمعنى التأخير أو الحذف من الأذهان (٢).

فما هو معنى هذه العبارة في الآية الكريمة؟

المقصود من العبارة هو : ما ننسخ من آية أو نؤخر نسخها استنادا إلى مصالح معينة... نأت بخير منها أو مثلها ... .

 فعبارة «ننسخ» تشير إلى النسخ على المدى القصير ، وعبارة «ننسها» النسخ على المدى البعيد ، (لا حظ بدقّة).

ثمّة احتمالات اخرى ذكرت في هذا المجال لا تبلغ أهميتها ما ذكرناه.

٤ ـ تفسير (أَوْ مِثْلِها).

سؤال آخر يطرح في هذا المجال بشأن عبارة «أو مثلها» فلو كان الحكم

__________________

(١) الشعراء ، ١٢٨.

(٢) إن كانت بمعنى التأخير فهي من مادة (نسأ) وإن كانت بمعنى الحذف من الأذهان فهي من مادة (نسي).

٣٣١

النّاسخ مثل الحكم المنسوخ فلا فائدة من هذا التغيير ، النسخ تظهر فائدته حين يكون النّاسخ خيرا من المنسوخ.

والجواب على ذلك هو أن الآية النّاسخة لها آثار في زمانها كتلك الآثار التي كانت الآية المنسوخة في زمانها.

بعبارة أوضح : قد يكون لحكم اليوم فوائد معينة ، لكن هذه الفوائد لا تظهر لهذا الحكم غدا ، ولا بدّ أن ينسخ هذا الحكم بحكم آخر تكون له في زمن لا حق ـ على الأقل ـ نفس الفوائد التي كانت للمنسوخ في زمن سابق.

* * *

٣٣٢

الآية

(أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ كَما سُئِلَ مُوسى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (١٠٨))

سبب النّزول

تعددت الآراء في كتب التّفسير حول سبب نزول هذه الآية الشريفة ، إلّا أنها متقاربة في المضمون والنتيجة.

فقد نقل عن ابن عباس أنه : جاء وهب بن زيد ، ورافع بن حرملة إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقالا : إئت لنا بكتاب من الله مرسل إلينا نقرأه لكي نؤمن بك ، أو أجر الأنهار لنا حتى نتبعك! وقال بعض آخر إن جماعة من الاعراب جاءوا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وطلبوا منه ما طلب بنو إسرائيل من موسى ، فقالوا : أرنا الله جهرة.

وقال آخرون : إنهم طلبوا من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يجعل لهم صنما من شجرة خاصة (ذات أنواط) ليعبدوه كما قال بنو إسرائيل لموسى : (اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ). والآية أعلاه نزلت جوابا لهؤلاء.

٣٣٣

التّفسير

حجج واهية

هذا الآية الكريمة ، وإن كانت تخاطب مجموعة من المسلمين ضعاف الإيمان أو المشركين إلّا أنّها ترتبط أيضا بمواقف اليهود.

لعل هذا السؤال وجه إلى الرّسول بعد تغيير القبلة ، وبعد حملات التشكيك التي شنها اليهود بين المسلمين وغير المسلمين ، والله سبحانه في هذه الآية الكريمة نهى عن توجيه مثل هذه الأسئلة السخيفة (أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ كَما سُئِلَ مُوسى مِنْ قَبْلُ)؟!

 مثل هذا العمل إعراض عن الإيمان واتجاه نحو الكفر ، ولذلك قالت الآية :(وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ).

الإسلام طبعا لا يمنع طرح الأسئلة العلمية والمنطقية ، ولا يحول دون طلب المعجزة من أجل اثبات صحة الدعوة ، لأن مثل هذه الأسئلة والطلبات هي طريق الإدراك والفهم والإيمان. وهذه الآية الكريمة تشير إلى أولئك الذين يتذرعون بمختلف الحجج الواهية كي يتخلصوا من حمل أعباء الرسالة.

هؤلاء كانوا قد شاهدوا من الرّسول معاجز كافية لإيمانهم بالدعوة وصاحبها ، لكنهم يتقدمون إلى النّبي بطلب معاجز اقتراحية اخرى!

 المعجزة ليست العوبة بيد هذا وذاك كي تحدث وفق الميول والاقتراحات والمشتهيا ، بل إنها ضرورة لازمة للاطمئنان من صدق أقوال النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وليست مهمّة النّبي صنع المعاجز لكل من تهوى نفسه معجزة.

ثم هناك من الأسئلة ما هو بعيد عن العقل والمنطق ، كرؤية الله جهرة ، وكطلب اتخاذ الصنم.

القرآن الكريم ينبه في هذه الآية بأن المجموعة البشرية التي لا تسلك طريق العقل والمنطق في اسئلتها ومطالبتها ، سينزل بها ما نزل بقوم موسى.

* * *

٣٣٤

الآيتان

(وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٠٩) وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ إِنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (١١٠))

التّفسير

حسد وعناد

كثير من أهل الكتاب وخاصة اليهود لم يكتفوا بإعراضهم عن الدين المبين ، بل كانوا يودّون أن يرتد المسلمون عن دينهم ، ولم يكن ذلك إلّا عن حسد يستعر في أنفسهم ، تقول الآية : (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُ).

وأمام هذه المواقف الدنيئة والنظرات الضيقة والآمال التافهة والنوايا الخبيثة التي تحملها الفئة الكافرة ، يحدد الإسلام موقف الجماعة المسلمة ، على أساس من رحابة الصدر وسعة الأفق وبعد النظرة (فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللهَ

٣٣٥

عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).

هذا الإمر الإلهي نزل حيث كان المسلمون بحاجة إلى بناء المجتمع الإسلامي. وفي تلك الظروف يوجب على المسلمين أن يلجأوا إلى سلاح العفو والصفح حتى يأتي الله بأمره.

كثير من المفسرين قالوا إن «أمر الله» في هذه الآية يعني «أمر الجهاد» ، ولعل الجماعة المسلمة لم تكن على استعداد شامل لخوض معركة دامية حين نزلت هذه الآية ، ولذلك قيل إن آيات الجهاد نسخت هذه الآية.

ولعل التعبير بالنسخ في هذا الموضع ليس بصحيح ، لأن الآية تحمل في عبارتها الإطار الذي يحدّها بفترة زمنية محدودة.

الآية التالية تأمر المسلمين بحكمين هامّين : إقامة الصلاة باعتبارها رمز ارتباط الإنسان بالله ، وإيتاء الزكاة وهي أيضا رمز التكافل بين أبناء الامّة المسلمة ، وكلاهما ضروريان لتحقيق الإنتصار على العدو : (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ).

ثم تؤكّد الآية على خلود العمل الصالح وبقائه : (وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ). والله سبحانه عالم بالسرائر ، ويعلم دوافع الأعمال ، ولا يضيع عنده أجر العاملين (إِنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ).

* * *

بحوث

١ ـ «اصفحوا» من «صفح» ، وصفح الشيء عرضه وجانبه كصفحة الوجه وصفحة السيف وصفحة الحجر ، والأمر بالصفح هو الأمر بالإعراض ، لكنّ عطفها على «فاعفوا» يفهم أنه أمر بالإعراض لا عن جفاء ، بل عن عفو وسماح.

وهذا التعبير يوحي أيضا أن المسلمين كانت لهم قدرة المقابلة وعدم الصفح ،

٣٣٦

لكن الأمر بالعفو والصفح يستهدف إتمام الحجّة على العدوّ ، كي يهتدي من هو قابل للإصلاح. بعبارة اخرى : ممارسة القوّة ليست المرحلة الاولى في مواجهة العدوّ ، بل العفو والصفح ، فإن لم يجد نفعا فالسيف.

٢ ـ عبارة (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) قد تشير إلى أن الله قادر على أن ينصر المسلمين على أعدائهم بطرق غيبية ، ولكن طبيعة حياة البشر والكون قائمة على أن الأعمال لا تتم إلا بالتدريج وبعد توفّر المقدمات.

٣ ـ عبارة (حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ) قد تكون إشارة إلى توغل هؤلاء الحسدة في ذاتياتهم ، فالحسد قد يتخذ أحيانا طابع الدين والرسالة ، لكن حسد هؤلاء لم يكن له حتى هذا الظاهر ، بل كان ضيقا شخصيا (١).

ويحتمل أيضا أن تكون إشارة إلى أن الحسد متجذّر في نفوسهم.

* * *

__________________

(١) تفسير المنار ، الآية المذكورة.

٣٣٧

الايتان

(وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١١١) بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (١١٢))

التّفسير

احتكار الجنّة!

القرآن في هاتين الآيتين يشير إلى ادعاء آخر من الادعاءات الفارغة لمجموعة من اليهود والنصارى ، (وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى) (١) ، ثم يجيبهم جوابا رادعا قائلا (تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ) ثم تخاطب الآية رسول الله وتقول : (قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ).

بعد التأكيد على أن ادعاء هؤلاء فارغ لا قيمة له ، وأنه مجرد أمنية تخامر

__________________

(١) واضح أن المقصود من «قالوا» ادعاء اليهود من جهة بأن الجنّة خاصة بهم ، وادعاء النصارى من جهة اخرى بأن الجنة حكر عليهم.

٣٣٨

أذهانهم ، يطرح القرآن المعيار الأساس لدخول الجنّة على شكل قانون عام (بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ). ومن هنا فالمشمولون بهذا القانون هم في ظلال رحمة الله (وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ).

بعبارة موجزة : الجنّة ومرضاة الله والسعادة الخالدة ليست حكرا على طائفة معينة ، بل هي نصيب كل من يتوفر فيه شرطان :

الأوّل : التسليم التام لله تعالى ، أو الانصياع لأوامره سبحانه ، وعدم التفريق بين هذه الأوامر ، أي عدم ترك ذلك القسم من الأوامر الذي لا ينسجم مع المصالح الفردية الذاتية.

الثّاني : وهو ما يترتب على التسليم في المرحلة الاولى ، من القيام بالأعمال الصالحة والإحسان في جميع المجالات.

والقرآن ، بطرحه هذه الحقيقة ، يرفض بشكل تام مسألة التعصب العنصري ويكسر طوق احتكار فئة معينة للسعادة ، ويضع ضمنيا معيار الفوز متمثلا بالإيمان ، والعمل الصالح.

* * *

بحوث

١ ـ «الأماني» جمع «أمنية» وهي الرجاء الذي لا يتحقق للإنسان.

والآية تطرح أمنية واحدة من أمنيات أهل الكتاب ، ولكن هذه الأمنية ـ أي أمنية احتكار الجنّة ـ هي مصدر أمان اخرى ، وبعبارة اخرى : أمنيتهم لها فروع وامتدادات ، ولذلك عبر عنها القرآن بلفظ (أماني).

٢ ـ نسبت الآية الكريمة التسليم إلى (الوجه) : (بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ) ...،ذلك يعود إلى أن الإنسان حين يستسلم لشيء ، فأوضح مظهر لهذا الاستسلام هو أن يولي وجهه تجاه ذلك الشيء. ومن المتحمل أيضا أن «الوجه» يعني في الآية

٣٣٩

الذات ، ويكون المعنى أن هؤلاء أسلموا بكل وجودهم لأوامر الله.

٣ ـ الآيتان المذكورتان تعلّمان المسلمين عدم الانجراف وراء الادعاءات الباطلة غير القائمة على دليل ، وتعلّمهم أن يطلبوا الدليل والبرهان من صاحب الادعاء ، وبذلك يسدّ القرآن الطريق أمام الانجراف الأعمى وراء التقليد ، ويجعل التفكير المنطقي سائدا في المجتمع.

٤ ـ ذكر عبارة (وَهُوَ مُحْسِنٌ) بعد طرح مسألة التسليم ، إشارة إلى أن الإحسان بالمعنى الواسع للكلمة لا يتحقق إلّا برسوخ الإيمان في النفوس. كما تفهم العبارة أن صفة الإحسان ليست طارئة في نفوس المؤمنين ، بل هي خصلة نافذة في أعماق هؤلاء.

ونفي الخوف والحزن عن أتباع خط التوحيد سببه واضح ، لأن هؤلاء يخافون الله دون سواه ، بينما المشركون يخشون من كل ما يهدد مصالحهم الدنيوية التافهة ، بل يخشون أمورا خرافية موهومة تقلقهم وتقضّ مضاجعهم.

* * *

٣٤٠