الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ١٠

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي

الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ١٠

المؤلف:

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي


المحقق: مركز الغدير للدّراسات الإسلاميّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
المطبعة: فروردين
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٣٠

ولا في معاوية من إنجاز الأمر بعد أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام بين السيف والمطامع ، وفي القلوب منه ما فيها إلى أن لفظ نفسه الأخير ، هذا سعد بن أبي وقّاص أحد العشرة المبشّرة ومن رجال الشورى الستة تخلّف عن بيعته ، دخل على معاوية فقال له : السلام عليك أيّها الملك ، فقال له : فهلاّ غير ذلك أنتم المؤمنون وأنا أميركم ، فقال سعد : نعم إن كنّا أمّرناك ، وفي لفظ : نحن المؤمنون ولم نؤمّرك. فقال معاوية : لا يبلغني أنّ أحداً يقول : إنّ سعداً ليس من قريش إلاّ فعلت به وفعلت ، إنّ سعداً الوسط في قريش ، ثابت النسب (١).

وهذا ابن عبّاس وهو يجابه معاوية ويدحض حجّته ، قال عبيد الله بن عبد الله المديني : حجّ معاوية فمرّ بالمدينة ، فجلس في مجلس فيه سعد ، وفيه عبد الله بن عمر ، وعبد الله بن عبّاس ، فالتفت إلى عبد الله بن العبّاس فقال : يا أبا عبّاس إنّك لم تعرف حقّنا من باطل غيرنا ، فكنت علينا ولم تكن معنا ، وأنا ابن عمّ المقتول ظلماً ـ يعني عثمان ـ وكنت أحقّ بهذا الأمر من غيري. فقال ابن عباس : اللهم إن كان هكذا فهذا ـ وأومأ إلى ابن عمر ـ أحقّ بها منك لأنّ أباه قتل قبل ابن عمّك. فقال معاوية : ولا سواء إنّ أبا هذا قتله المشركون ، وابن عمي قتله المسلمون. فقال ابن عبّاس : هم والله أبعد لك وأدحض لحجّتك. فتركه (٢).

وأنكرت عائشة على معاوية دعواه الخلافة ، وبلغه ذلك فقال : عجباً لعائشة تزعم أنّي في غير ما أنا أهله ، وأنّ الذي أصبحت فيه ليس لي بحقّ ، مالها ولهذا يغفر الله لها ، إنّما كان ينازعني في هذا الأمر أبو هذا الجالس وقد استأثر الله به. فقال

__________________

(١) تاريخ ابن عساكر : ٥ / ٢٥١ و ٦ / ١٠٦ [٢٠ / ٣٥٩ رقم ٢٤٢٦ ، وفي مختصر تاريخ دمشق : ٩ / ٢٦٩]. (المؤلف)

(٢) تاريخ ابن عساكر : ٦ / ١٠٧ [٢٠ / ٣٦٠ رقم ٢٤٢٦ ، وفي مختصر تاريخ دمشق : ٩ / ٢٦٩ ـ ٢٧٠]. (المؤلف)

٤١

الحسن بن علي : «أو عجب ذلك يا معاوية؟» قال : إي والله ، قال : أفلا أخبرك بما هو أعجب من هذا؟ قال : ما هو؟ قال : «جلوسك في صدر المجلس وأنا عند رجليك».

شرح ابن أبي الحديد (١) (٤ / ٥).

وهكذا كان أكابر الصحابة مناوئين له في المدينة الطيّبة فأسمعوه النكير ، وسمعوا إدّا من القول. ورأوا إمراً من أمره ، وشاهدوا منه أحداثاً وبدعاً في الدين الحنيف تخلد مع الأبد ، وعاينوا منه جنايات على الأمّة الإسلاميّة وصلحائها وعظمائها ، من هتك ، وحبس ، وشتم ، وسبّ مقذع ، وضرب ، وتنكيل ، وعذاب ، وقتل ، قطّ لا تُغفر له ـ وحاش لله أن يغفرها له ، دع عمر بن عبد العزيز يرى في الطيف أنّه مغفور له (٢) ـ وتذمّرت عليه صلحاء أُمّة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما جاء عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيه من لعنه والتخذيل عنه ، وأمره الصحابة بقتاله ، وتوصيفه فئته بالقسط ، وأنّها الفئة الباغية ، وقوله السائر الدائر : «إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه» (٣) وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «الخلافة بالمدينة والملك بالشام» (٤).

ليت شعري أين كان ابن عمر من هذه كلّها؟ ومن قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الحاسم لمادّة النزاع : «ستكون خلفاء فتكثر». قالوا : فما تأمرنا؟ قال : «فُوا ببيعة الأوّل فالأوّل» (٥).

__________________

(١) شرح ابن أبي الحديد : ١٦ / ١٢.

(٢) سيوافيك تفصيله إن شاء الله تعالى. (المؤلف)

(٣) كنوز الدقائق للمناوي : ص ١٠ [١ / ١٩] ، أخرجه ابن عدي [في الكامل في ضعفاء الرجال : ٢ / ١٤٦ رقم ٣٤٣] عن أبي سعيد والعقيلي عن طريق الحسن وسفيان بن محمد من طريق جابر وغيرهم. وسيوافيك الكلام في إسناده إن شاء الله تعالى. (المؤلف)

(٤) تاريخ ابن كثير : ٦ / ٢٢١ [٦ / ٢٤٧ حوادث سنة ١١ ه‍]. (المؤلف)

(٥) صحيح مسلم : ٦ / ١٧ [٤ / ١١٩ ح ٤٤ كتاب الإمارة] ، سنن ابن ماجة : ٢ / ٢٠٤ [٢ / ٩٥٨ ح ٢٨٧١] ، سنن البيهقي : ٨ / ١٤٤ ، عن الشيخين ، تيسير الوصول : ٢ / ٣٥ عن الشيخين أيضاً [٢ / ٤٢] مسند أحمد : ٢ / ٢٩٧ [٢ / ٥٧٦ ح ٧٩٠٠] ، المحلّى : ٩ / ٣٦٠ [مسألة ١٧٧١]. (المؤلف)

٤٢

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما» (١).

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ستكون هنات وهنات ، فمن أراد أن يفرّق أمر هذه الأُمّة ـ وهي جميع ـ فاضربوه بالسيف كائناً من كان». وفي لفظ : «فاقتلوه» (٢).

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشقّ عصاكم أو يفرّق جماعتكم ، فاقتلوه» (٣).

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من طريق عبد الله بن عمرو بن العاص : «من بايع إماماً فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليعطهِ إن استطاع ، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر».

قال عبد الرحمن بن عبد ربّ : فدنوت منه فقلت له : أنشدك الله أنت سمعت هذا من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟ فأهوى إلى أُذنيه وقلبه بيديه. وقال : سمعته أُذناي ووعاه قلبي. فقلت له : هذا ابن عمّك معاوية يأمرنا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل ونقتل أنفسنا ، والله عزّ وجلّ يقول : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً) (٤) قال : فسكت ساعة ثم قال : أطعه في طاعة الله ، واعصه في معصية الله (٥).

__________________

(١) صحيح مسلم : ٦ / ٢٣ [٤ / ١٢٨ ح ٦١ كتاب الامارة] ، مستدرك الحاكم : ٢ / ١٥٦ [٢ / ١٦٩ ح ٢٦٦٥] ، سنن البيهقي : ٨ / ١٤٤ ، الفصل لابن حزم : ٤ / ٨٨ ، المحلّى : ٩ / ٣٦٠ ، تيسير الوصول : ٢ / ٣٥ [٢ / ٤٢]. (المؤلف)

(٢) صحيح مسلم : ٦ / ٢٢ [٤ / ١٢٧ ح ٥٩] ، مستدرك الحاكم : ٢ / ١٥٢ [٢ / ١٦٩ ح ٢٦٦٥] ، سنن البيهقي : ٨ / ١٦٨ ، ١٦٩. (المؤلف)

(٣) صحيح مسلم : ٦ / ٢٣ [٤ / ١٢٧ ح ٦٠ كتاب الإمارة] ، سنن البيهقي : ٨ / ١٦٩ ، تيسير الوصول : ٢ / ٣٥ [٢ / ٤٢] ، المحلّى : ٩ / ٣٦٠. (المؤلف)

(٤) النساء : ٢٩.

(٥) صحيح مسلم : ٦ / ١٨ [٤ / ١٢٠ ح ٤٦] ، سنن البيهقي : ٨ / ١٦٩ ، سنن ابن ماجة : ٢ / ٤٦٧ [٢ / ١٣٠٦ ح ٣٩٥٦] ، المحلّى : ٩ / ٣٦٠. (المؤلف)

٤٣

قال النووي في شرح مسلم (١) هامش إرشاد الساري (٨ / ٤٣) : قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر» معناه : ادفعوا الثاني فإنّه خارج على الإمام ، فإن لم يندفع إلاّ بحرب وقتال فقاتلوه ، فإن دعت المقاتلة إلى قتله ، جاز قتله ولا ضمان فيه لأنّه ظالم متعدّ في قتاله.

قال : قوله : فقلت له : هذا ابن عمّك معاوية. إلى آخره. المقصود بهذا الكلام أنّ هذا القائل لمّا سمع كلام عبد الله بن عمرو بن العاص وذكر الحديث في تحريم منازعة الخليفة الأوّل وأنّ الثاني يُقتل ، فاعتقد هذا القائل هذا الوصف في معاوية لمنازعته عليّا رضى الله عنه وكانت قد سبقت بيعة علي ، فرأى هذا أنّ نفقة معاوية على أجناده وأتباعه في حرب عليّ ومنازعته ومقاتلته إيّاه من أكل المال بالباطل ، ومن قتل النفس ، لأنّه قتال بغير حقٍّ ، فلا يستحقّ أحد مالاً في مقاتلته.

وقال (ص ٤٠) في شرح قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ستكون خلفاء فتكثر». الحديث : معنى هذا الحديث : إذا بويع لخليفة بعد خليفة فبيعة الأوّل صحيحة يجب الوفاء بها ، وبيعة الثاني باطلة يحرم الوفاء بها ، ويحرم عليه طلبها ، وسواء عقدوا للثاني عالمين بعقد الأوّل أم جاهلين ، وسواء كانا في بلدين أو بلد ، أو أحدهما في بلد الإمام المنفصل والآخر في غيره ، هذا هو الصواب الذي عليه أصحابنا وجماهير العلماء ، وقيل : تكون لمن عقدت في بلد الإمام. وقيل : يقرع بينهم. وهذان فاسدان ، واتّفق العلماء على أنّه لا يجوز أن يعقد لخليفتين في عصر واحد سواء اتّسعت دار الإسلام أم لا ، وقال إمام الحرمين في كتابه الإرشاد (٢) : قال أصحابنا لا يجوز عقدها لشخصين ، قال : وعندي أنّه لا يجوز عقدها لاثنين في صقع واحد ، وهذا مجمع عليه ، قال : فإن بعد ما بين الإمامين وتخلّلت بينهما شسوع فللاحتمال فيه مجال ، وهو خارج عن القواطع. وحكى

__________________

(١) شرح صحيح مسلم : ١٢ / ٢٣٤ ، ٢٣١.

(٢) راجع الإرشاد : ص ٥٢٥ طبع مكتبة الخانجي [ص ٣٥٧]. (المؤلف)

٤٤

المازري هذا القول عن بعض المتأخرين من أهل الأصول ، وأراد به إمام الحرمين ، وهو قول فاسد مخالف لما عليه السلف والخلف ، ولظواهر إطلاق الأحاديث ، والله أعلم. انتهى.

فكان من واجب ابن عمر نظراً إلى هذه النصوص أن يبايع عليّا ولا يتقاعد عن بيعته وقد بايعه المهاجرون والأنصار والبدريّون وأصحاب الشجرة على بكرة أبيهم ، قال ابن حجر في فتح الباري (١) (٧ / ٥) : كانت بيعة عليّ بالخلافة عقب قتل عثمان في أوائل ذي الحجّة سنة (٣٥) ، فبايعه المهاجرون والأنصار وكلّ من حضر ، وكتب بيعته إلى الآفاق فأذعنوا كلّهم إلاّ معاوية في أهل الشام فكان بينهم بعدُ ما كان. انتهى.

وكان من واجب الرجل قتال معاوية الخارج على الإمام الطاهر إن كان هو عضادة الدين آخذاً بطقوسه ، تابعاً سننه اللاحب ، مؤمناً بما جاء به نبيّه الأقدس صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بل الأمر كما قال عبد الله بن هاشم المرقال في كلمة له : فلو لم يكن ثواب ولا عقاب ، ولا جنّة ولا نار ، لكان القتال مع عليّ أفضل من القتال مع معاوية ابن أكّالة الأكباد.

كتاب صفّين (٢) (ص ٤٠٥).

متى اختلف في بيعة عليّ أمير المؤمنين اثنان من رجال الحلّ والعقد من صلحاء الأُمّة؟ ومتى تمّت كلمة الأُمّة في بيعة خليفة منذ أسّس الانتخاب الدستوري مثل ما تمّت لعليّ عليه‌السلام؟ ولم يكن متقاعس عن بيعته سلام الله عليه إلاّ شرذمة المعتزلة العثمانيّين وهم سبعة وثامنهم ابن عمر ، كما مرّ في الجزء السابع (ص ١٤٣) ، فما الذي

__________________

(١) فتح الباري : ٧ / ٧٢.

(٢) وقعة صفّين : ص ٣٥٧.

٤٥

جعل بيعة أُناس معدودين لم تبلغ عدّتهم عشرة إجماعاً واتّفاقاً في بيعة أبي بكر ، وأوجب على ابن عمر اتّباعهم ، وحرّم عليه التزحزح عنهم؟ وجعل إجماع الأُمّة من المهاجرين والأنصار ورجال الأمصار على بيعة عليّ أمير المؤمنين ، وتخلّف عدّة تعدّ بالأنامل عنها خلافاً وتفرّقاً؟

وليت ابن عمر إن كان لم يأخذ بحكم الكتاب والسنّة في الاستخلاف كان يأخذ برأي أبيه فيه وقد سمعه يقول : هذا الأمر في أهل بدر ما بقي منهم أحد ، ثم في أهل أحد ، ثم في كذا وكذا ، وليس فيها لطليق ولا لولد طليق ولا لمسلمة الفتح شيء (١).

وقال في كلام له : لا تختلفوا فإنّكم إن اختلفتم جاءكم معاوية من الشام وعبد الله بن أبي ربيعة من اليمن ، فلا يريان لكم فضلاً لسابقتكم ، وإنّ هذا الأمر لا يصلح للطلقاء ولا لأبناء الطلقاء (٢).

ولعلّ هذا الرأي كان من المتسالم عليه عند السلف ، وبذلك احتجّ مولانا أمير المؤمنين على معاوية في كتاب له كتب إليه بقوله : «واعلم أنّك من الطلقاء الذين لا تحلّ لهم الخلافة ، ولا تعقد معهم الإمامة ، ولا يدخلون في الشورى» (٣).

وكتب ابن عبّاس إلى معاوية : ما أنت وذكر الخلافة؟ وإنّما أنت طليق وابن طليق والخلافة للمهاجرين الأوّلين ، وليس الطلقاء منها في شيء (٤) ، وفي لفظ : إنّ

__________________

(١) طبقات ابن سعد طبعة ليدن : ٣ / ٢٤٨ [٣ / ٣٤٢] ، فتح الباري : ١٣ / ١٧٦ [١٣ / ٢٠٧] ، أُسد الغابة : ٤ / ٣٨٧ [٥ / ٢١٢ رقم ٤٩٧٧]. (المؤلف)

(٢) الإصابة : ٢ / ٣٠٥ [رقم ٤٦٧١]. (المؤلف)

(٣) الإمامة والسياسة : ص ٧١ وفي طبعة ص ٨١ [١ / ٨٥] ، العقد الفريد : ٢ / ٢٣٣ وفي طبعة ص ٢٨٤ [٤ / ١٣٦] ، نهج البلاغة : ٢ / ٥ ، شرح ابن أبي الحديد : ١ / ٢٤٨ و ٣ / ٣٠٠ [٣ / ٧٦ خطبة ٤٣ ، ١٤ / ٣٦ كتاب ٦]. (المؤلف)

(٤) الإمامة والسياسة : ١ / ٨٥ وفي طبعة ص ٩٧ [١ / ١٠٠] ، شرح ابن أبي الحديد : ٢ / ٢٨٩ [٨ / ٦٦ خطبة ١٢٤]. (المؤلف)

٤٦

الخلافة لا تصلح إلاّ لمن كان في الشورى فما أنت والخلافة؟ وأنت طليق الإسلام ، وابن رأس الأحزاب ، وابن آكلة الأكباد من قتلى بدر (١).

ومن كلام لابن عبّاس يخاطب أبا موسى الأشعري : ليس في معاوية خلّة يستحقّ بها الخلافة ، واعلم يا أبا موسى أنّ معاوية طليق الإسلام ، وأنّ أباه رأس الأحزاب ، وأنّه يدّعي الخلافة من غير مشورة ولا بيعة (٢).

ومن كتاب لمسور بن مخرمة (٣) إلى معاوية : إنّك أخطأت خطأ عظيماً ، وأخطأت مواضع النصرة ، وتناولتها من مكان بعيد ، وما أنت والخلافة يا معاوية؟ وأنت طليق وأبوك من الأحزاب؟ فكفّ عنّا فليس لك قبلنا وليّ ولا نصير (٤).

وفي مناظرة لسعنة بن عريض (٥) الصحابي مع معاوية : منعت ولد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الخلافة ، وما أنت وهي ، وأنت طليق ابن طليق؟ يأتي تمام الحديث إن شاء الله تعالى.

وعاتب عبد الرحمن بن غنم الأشعري الصحابي (٦) أبا هريرة وأبا الدرداء بحمص إذ انصرفا من عند عليّ رضى الله عنه رسولين لمعاوية ، وكان ممّا قال لهما : عجباً منكما

__________________

(١) كذا في الإمامة والسياسة ، والصواب : من قتلى أُحد.

(٢) شرح ابن أبي الحديد : ١ / ١٩٥ [٢ / ٢٤٦ خطبة ٣٥]. (المؤلف)

(٣) نسب هذا الكتاب في كتاب صفّين : ص ٧٠ [ص ٦٣] إلى عبد الله بن عمر وهو وهم ، والأبيات التي كتبها رجل من الأنصار مع الكتاب تكذّب تلك النسبة. فراجع. (المؤلف)

(٤) الإمامة والسياسة : ١ / ٧٥ ، وفي طبعة ٨٥ [١ / ٨٩]. (المؤلف)

(٥) هو سعنة بن عريض بن عاديا التيماوي نسبة لتيماء بين الحجاز والشام ، وهو ابن أخي السموأل ابن عاديا صاحب حصن تيما في الجاهلية. وحكي الخلاف في (صعنة) هل هو بالنون أو بالياء ، كما حكي الخلاف في اسم أبيه هل هو عريض أو غريض.

(٦) قال أبو عمر في الاستيعاب : كان من أفقه أهل الشام ؛ وهو الذي فقّه عامّة التابعين بالشام وكانت له جلالة وقدر. (المؤلف)

٤٧

كيف جاز عليكما ما جئتما به تدعوان عليّا إلى أن يجعلها شورى؟ وقد علمتما أنّه قد بايعه المهاجرون والأنصار وأهل الحجاز والعراق ، وأنّ من رضيه خير ممّن كرهه ، ومن بايعه خير ممّن لم يبايعه ، وأيّ مدخل لمعاوية في الشورى وهو من الطلقاء الذين لا تجوز لهم الخلافة؟ وهو وأبوه من رءوس الأحزاب. فندما على مسيرهما وتابا منه بين يديه (١).

ومن كلام لصعصعة بن صوحان يخاطب به معاوية : إنّما أنت طليق ابن طليق ، أطلقكما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأنّى تصحّ الخلافة لطليق (٢)؟!

فأين يقع عندئذ معاوية الطليق ابن الطليق من الخلافة؟ وأيّ قيمة في سوق الاعتبار لرأي ابن عمر؟ وما الذي يبرّر بيعته إيّاه إن لم يبرّرها عداء سيّد العترة؟

أيّ إجماع على بيعة يزيد؟

ثم أيّ إجماع صحيح من رجال الدين صحّح لابن عمر بيعة يزيد الممجوج عند الصحابة والتابعين ، المنبوذ لدى صلحاء الأُمّة ، المعروف بالخلاعة والمجون والخمور والفجور على حدّ قول شاعر القضاة الأستاذ بولس سلامة في ملحمة الغدير (٣) (ص ٢١٧).

رافع الصوت داعياً للفلاحِ

اخفضِ الصوتَ في أذانِ الصباحِ

وترفَّق بصاحبِ العرشِ مشغو

لاً عن اللهِ بالقيانِ الملاحِ

__________________

(١) الاستيعاب ترجمة عبد الرحمن : ٢ / ٤٠٢ [٢ / ٨٥٠ رقم ١٤٤٩] : أُسد الغابة : ٣ / ٣١٨ [٣ / ٤٨٧ رقم ٣٣٧٠]. (المؤلف)

(٢) مروج الذهب : ١ / ٧٨ [٣ / ٥٢] ؛ يأتي تمام الكلام في هذا الجزء إن شاء الله تعالى. (المؤلف)

(٣) عيد الغدير : ص ٢٢٦.

٤٨

ألفُ «الله اكبر» لا يساوي

بين كفّي يزيدٍ نهلةَ راحِ

عنست في الدنان بكراً فلم

تدنس بلثمٍ ولا بماءِ قراحِ

والأُمّة مجمعة على شرطيّة العدالة في الإمامة؟ قال القرطبي في تفسيره (١) (١ / ٢٣١) : الحادي عشر ـ من شروط الإمامة ـ أن يكون عدلاً لأنّه لا خلاف بين الأُمّة أنّه لا يجوز أن تعقد الإمامة لفاسق ، ويجب أن يكون من أفضلهم في العلم لقوله عليه‌السلام : «أئمّتكم شفعاؤكم فانظروا بمن تستشفعون». وفي التنزيل في وصف طالوت (إِنَّ اللهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ) (٢) فبدأ بالعلم ثم ذكر ما يدل على القوّة.

وقال في (صفحة ٢٣٢) : الإمام إذا نصب ثم فسق بعد انبرام العقد ، فقال الجمهور : إنّه تنفسخ إمامته ويخلع بالفسق الظاهر المعلوم ، لأنّه قد ثبت أنّ الإمام إنّما يقام لإقامة الحدود ، واستيفاء الحقوق ، وحفظ أموال الأيتام والمجانين ، والنظر في أُمورهم إلى غير ذلك ممّا تقدّم ذكره ، وما فيه من الفسق يقعده عن القيام بهذه الأُمور والنهوض فيها ، فلو جوّزنا أن يكون فاسقاً أدّى إلى إبطال ما أُقيم لأجله ، ألا ترى في الابتداء إنّما لم يجز أن يعقد للفاسق لأجل أنّه يؤدّي إلى إبطال ما أُقيم له وكذلك هذا مثله. انتهى.

أجل : المائة ألف المقبوضة من معاوية لتلك البيعة الغاشمة (٣) جعلت الفرقة لابن عمر إجماعاً ، والاختلاف إصفاقاً ، كما فعلت مثله عند غير ابن عمر من سماسرة النهمة والشره ، فركضوا إلى البيعة ضابحين يقدمهم عبد الله ، فبايعه بعد أبيه ، وكتب إليه ببيعته ، ونصب عينه الناهض الكريم ، والفادي الأقدس ، الحسين السبط ـ سلام

__________________

(١) الجامع لأحكام القرآن : ١ / ١٨٧.

(٢) البقرة : ٢٤٧.

(٣) راجع أنساب الأشراف للبلاذري : ٤ / ٣١. (المؤلف)

٤٩

الله عليه ـ المتحلّي بآصرة النبوّة ، وشرف الإمامة ، وعلم الشريعة ، وخلق الأنبياء ، والفضائل المرموقة ، سيّد شباب أهل الجنّة أجمعين ، وقد حنّت إليه القلوب ، وارتمت إليه الأفئدة فرحين بكسر رتاج الجور ، رافضين لمن بعده.

لكن الرجل لم يتأثّر بكلّ هذه ولم يرها خلافاً ، ونبذ وصيّة نبيّه الكريم وراء ظهره ولم يعبأ بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ ابني هذا ـ يعني الحسين ـ يُقتل بأرض يقال لها : كربلاء فمن شهد ذلك منكم فلينصره» (١) نعم : نصر ذلك المظلوم قرّة عين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بتقرير بيعة يزيد. وحسبانها بيعة صحيحة ، كان ينهى عن نكثها عند مرتجع الوفد المدني من الشام ، وقد شاهدوا منه البوائق والموبقات ، معتقدين خروجه عن حدود الإسلام قائلين : إنّا قدمنا من عند رجل ليس له دين ، يشرب الخمر ، ويعزف بالطنابير ، ويضرب عنده القيان ، ويلعب بالكلاب ، ويسامر الحُرّاب والفتيان ، وإنّا نُشِهدُكم أنّا قد خلعناه. فتابعهم الناس (٢). وقال ابن فليح : إنّ أبا عمرو ابن حفص وفد على يزيد فأكرمه وأحسن جائزته ، فلمّا قدم المدينة قام إلى جنب المنبر وكان مرضيّا صالحاً فقال : ألم أحبّ؟ ألم أكرم؟ والله لرأيت يزيد بن معاوية يترك الصلاة سكراً. فأجمع الناس على خلعه بالمدينة (٣).

وكان مسور بن مخرمة الصحابيّ ممّن وفد إلى يزيد ، فلمّا قدم شهد عليه بالفسق وشرب الخمر ، فكُتب إلى يزيد بذلك ، فكتب إلى عامله يأمره أن يضرب مسوراً الحدّ ، فقال أبو حرّة :

__________________

(١) الإصابة : ١ / ٦٨ [رقم ٢٦٦]. (المؤلف)

(٢) تاريخ الطبري : ٧ / ٤ [٥ / ٤٨٠ حوادث سنة ٦٢ ه‍] ، أنساب البلاذري : ٤ / ٣١ [٥ / ٣٣٨] ، فتح الباري : ١٣ / ٥٩ [١٣ / ٧٠]. يأتي الحديث على تفصيله في هذا الجزء. (المؤلف)

(٣) تاريخ ابن عساكر : ٧ / ٢٨٠ [٢٧ / ١٨ رقم ٣١٤٥ ، وفي مختصر تاريخ دمشق : ١٢ / ١٦]. (المؤلف)

٥٠

أيشربُها صهباءَ كالمسك ريحُها

أبو خالد والحدّ يُضرَبُ مسورُ (١)

قد جبههم ابن عمر بما جاء هو عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما فصّلناه في الجزء السابع (ص ١٤٦) ، جمع أهل بيته وحشمه ومواليه وقال : لا يخلعن أحد منكم يزيد ، ولا يشرفن أحدمنكم في هذا الأمر فيكون صيلماً وبيني وبينه. وفي لفظ البخاري : إنّي لا أعلم أحداً منكم خلعه ولا بايع في هذا الأمر إلاّ كانت الفيصل بيني وبينه.

وتمسّك في تقرير تلك البيعة الملعونة بما عزاه إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من قول : إنّ الغادر ينصب له لواء يوم القيامة فيقال : هذه غدرة فلان. جهلاً منه بأساليب الكلام لما هو المعلوم من أنّ مصداق هذا الكلّي هو الفرد المتأهّل للبيعة الدينيّة ، بيع الله ورسوله ، لا من هو بمنتأىً عن الله سبحانه ، وبمجنب عن رسوله ، كيزيد الطاغية أو والده الباغي.

ومهما ننس من شيء فإنّا لا ننسى مبدأ البيعة ليزيد على عهد ابن آكلة الأكباد بين صفيحة مسلولة ومنيحة مُفاضة ، أقعدت هاتيك من نفى جدارة الخلافة عن يزيد ، وأثارت هذه سماسرة الشهوات ، فبايعوا بين صدور واغرة ، وأفئدة لا ترى ما تأتي به من البيعة إلاّ هزواً.

وفي لهوات الفضاء وأطراف المفاوز كلّ فارّ بدينه ، متعوّذين من معرّة هذه البيعة الغاشمة ، وكان عبد الله نفسه ممّن تأبّى عن البيعة (٢) لأوّل وهلة من قبل أن يتذوّق طعم هاتيك الرضيخة ـ مائة ألف ـ وكان يقول : إنّ هذه الخلافة ليست بهرقليّة

__________________

(١) أنساب الأشراف للبلاذري : ٤ / ٣١ [٥ / ٣٣٨ وفيه : فقال أبو حُزَّة : أيشرَبها صهباءَ كالمسكِ ريحُها أبو خالدٍ ويُضربُ الحدَّ مِسْوَر] (المؤلف)

(٢) الإمامة والسياسة : ١ / ١٤٣ [١ / ١٥٠] ، تاريخ الطبري : ٦ / ١٧٠ [٥ / ٣٠٣] ، تاريخ ابن كثير : ٨ / ٧٩ [٨ / ٨٦ حوادث سنه ٥٦ ه‍] ، لسان الميزان : ٦ / ٢٩٣ [٦ / ٣٦٠ رقم ٩٢٨٨]. (المؤلف)

٥١

ولا قيصريّة ولا كسرويّة يتوارثها الأبناء على الآباء (١) ، وبعد أن تذوّقه كان لم يزل بين اثنتين : فضيحة العدول عن رأيه في يزيد ، ومغبّة التمرّد عليه ، لا سيّما بعد أخد المنحة ، فلم يبرح مُصانعاً حتى بايعه بعد أبيه ، ولمّا جاءت بيعته قال : إن كان خيراً رضينا ، وإن كان بلاءً صبرنا (٢) ، ونحت لذلك التريّث حجّة تافهة من أنّ المانع عن البيعة كان هو وجود أبيه. وكان ليزيد أن يناقشه الحساب بأنّ أباه لم يكن يأخذ البيعة له في عرض بيعته ، وإنّما أخذها طوليّة لما بعده ، لكنّه لم يناقشه لحصول الغاية.

هذه صفة بيعة يزيد منذ أوّل الأمر ، ولمّا هلك أبوه ازدلفت إليه روّاد المطامع نظراء ابن عمر في نهيق ورغاء يجدّدون ذلك الإرهاب والإطماع ، فمن جرّاء تقريرهم بيعة ذلك المجرم المستهتر ، وتعاونهم على الإثم والعدوان ، والله يقول (وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ) (٣) وشقّهم عصا المسلمين ، وخلافهم الأُمّة الصالحة من الصحابة والتابعين لهم بإحسان ، جهزّ يزيد جيش مسلم بن عقبة ، وأباح له دماء مجاوري رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأموالهم ، فاستباحها ثلاثة أيّام نهباً وقتلاً ، وقتل من حملة القرآن يوم ذاك سبعمائة نفس ، وحكى البلاذري : أنّه قتل بالحرّة من وجوه قريش سبعمائة رجل وكسر ، سوى من قُتل من الأنصار ، وفيهم ممّن صحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جماعة ، وممّن قُتل صبراً من الصحابة عبد الله بن حنظلة غسيل الملائكة ، وقتل معه ثمانية من بنيه ، ومعقل بن سنان الأشجعي ، وعبد الله بن زيد ، والفضل بن العباس بن ربيعة ، وإسماعيل بن خالد ، ويحيى بن نافع ، وعبد الله (٤) بن عتبة ، والمغيرة بن عبد الله ، وعياض بن حمير ، ومحمد بن عمرو بن حزم ، وعبد الله ابن أبي عمرو ، وعبيد الله وسليمان ابنا عاصم ، ونجّى الله أبا سعيد وجابراً وسهل بن

__________________

(١) الإمامة والسياسة : ١ / ١٤٣ [١ / ١٥٠]. (المؤلف)

(٢) لسان الميزان : ٦ / ٢٩٤ [٦ / ٣٦٠ رقم ٩٢٨٨]. (المؤلف)

(٣) المائدة : ٢.

(٤) في تاريخ خليفة : ص ١٨٤ ، وأنساب الأشراف : عبيد الله.

٥٢

سعد (١) ، وقد جاء في قتلى الحرّة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أنّهم خيار أُمّتي بعد أصحابي» (٢) ، ثم بايع من بقي على أنّهم عبيد ليزيد ومن امتنع قُتل (٣) ، ووقعت يوم ذاك جرائم وفجائع وطامّات حتى قيل : إنّه قُتل في تلكم الأيّام نحو من عشرة آلاف إنسان سوى النساء والصبيان ، وافتضّ فيها نحو ألف بكر ، وحبلت ألف امرأة في تلك الأيّام من غير زوج (٤) ، ولمّا بلغ يزيد خبر تلك الواقعة المخزية ، قال :

ليت أشياخي ببدرٍ شهدوا

جزع الخزرج من وقع الأسل (٥)

فاتّبع ابن عمر في بيعة يزيد إجماع أولئك الأوباش ، سفلة الأعراب وبقيّة الأحزاب ، ولم يعبأ بإجماع رجال الحلّ والعقد من أبناء المهاجرين والأنصار ؛ وخيرة الخلف للسلف الصالح وفيهم من فيهم ، فساهم يزيد وفئته الباغية في دم السبط الشهيد الطاهر ، ومن قُتل يوم الحرّة ، وفي جميع تلكم المآثم التي جنتها يد يزيد الأثيمة ، والله يعلم منقلبهم ومثواهم.

ألا تعجب من ابن عمر وهو يرى يزيد الكفر والإلحاد ، وأباه الغاشم الظلوم ، ومن يتلوهما في الفسوق ، صلحاء لا يوجد مثلهم؟ أخرج ابن عساكر (٦) من عدّة

__________________

(١) أنساب البلاذري : ٤ / ٤٢ [٥ / ٣٥٠] ، الاستيعاب : ١ / ٢٥٨ [القسم الثاني / ٦٦٥ رقم ١٠٨٩] ، تاريخ ابن كثير : ٨ / ٢٢١ [٨ / ٢٤٢ سنة حوادث ٦٣ ه‍] ، الإصابة : ٣ / ٤٧٣ [رقم ٨٢٩٥] وفاء الوفا : ١ / ٩٣ [١ / ١٣٢]. (المؤلف)

(٢) الروض الأُنف : ٥ / ١٨٥ [٦ / ٢٥٥]. (المؤلف)

(٣) لسان الميزان : ٦ / ٢٩٤ [٦ / ٣٦٠ رقم ٩٢٨٨]. (المؤلف)

(٤) تاريخ ابن كثير : ٨ / ٢٢١ [٨ / ٢٤١ حوادث سنة ٦٣ ه‍] والإتحاف : ص ٢٢ [ص ٦٦] ، وفاء الوفا : ١ / ٨٨ [١ / ١٣٤]. (المؤلف)

(٥) أنساب الأشراف للبلاذري : ٤ / ٤٢ [٥ / ٣٥١]. (المؤلف)

(٦) تاريخ مدينة دمشق : ٣٩ / ٤٧٦ ، ٤٧٧ رقم ٤٦١٩ ، وفي مختصر تاريخ دمشق : ١٦ / ٢٥٩.

٥٣

طرق كما قاله الذهبي (١) وذكره السيوطي في تاريخ الخلفاء (٢) (ص ١٤٠) عن ابن عمر أنّه قال : أبو بكر الصدّيق أصبتم اسمه ، عمر الفاروق قرْنٌ من حديد أصبتم اسمه ، ابن عفّان ذو النورين قُتل مظلوماً يؤتى كفلين من الرحمة ، ومعاوية وابنه ملكا الأرض المقدّسة ، والسفّاح ، وسلام ، ومنصور ، وجابر ، والمهدي ، والأمين ، وأمير العصب ، كلّهم من بني كعب بن لؤي ، كلّهم صالح لا يوجد مثله.

وفي لفظ : يكون على هذه الأُمّة اثنا عشر خليفة : أبو بكر الصدّيق أصبتم اسمه ، عمر الفاروق قرن من حديد أصبتم اسمه ، عثمان بن عفّان ذو النورين قُتل مظلوماً أُوتي كفلين من الرحمة ، ملك الأرض المقدّسة ، ومعاوية وابنه ، ثمّ يكون السفّاح ، ومنصور ، وجابر ، والأمين ، وسلام (٣) ، وأمير العصب لا يرى مثله ولا يدرى مثله ، كلّهم من بني كعب بن لؤي ، فيهم رجل من قحطان ، منهم من لا يكون ملكه إلاّ يومين ، منهم من يقال له لتبايعنا أو لنقتلنّك ، فإن لم يبايعهم قتلوه. كنز العمّال (٤) (٦ / ٦٧) ومن جرّاء هذا الرأي الباطل قُتل الصحابيّ ابن الصحابي محمد بن أبي الجهم لمّا شهد على يزيد بشرب الخمر ، كما في الإصابة (٣ / ٤٧٣).

أخبار ابن عمر ونوادره :

هذه عقليّة ابن عمر في باب الخلافة ، فما قيمة رأيه وقوله واختياره فيها وفي غيرها؟ وله أخبار تنمّ عن ضئولة رأيه وسخافة فكرته ، وأخبار تدلّ على مناوأته أمير المؤمنين عليه‌السلام وانحيازه عنه ، وتحيّزه إلى الفئة الأمويّة الباغية ، فلا حجّة فيما يرتئيه في أيّ من الفئتين.

__________________

(١) سير أعلام النبلاء : ٤ / ٣٨.

(٢) تاريخ الخلفاء : ص ١٩٥.

(٣) سقط من هذا اللفظ (المهدي) وهو ثاني عشرهم. (المؤلف)

(٤) كنز العمّال : ١١ / ٢٥٢ ح ٣١٤٢١.

٥٤

[الفريق الأول] :

ومن نماذج الفريق الأوّل من أخباره قوله : ما أُعطي أحد بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الجماع ما أُعطيت أنا (١) ، وهو يُعطينا أنّه رجل شهويّ لا صلة له بغيرها ، ومن ضعف رأيه أنّه حسب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مثله بل أربى منه في الجماع ، جهلاً منه بأنّ ملكات صاحب الرسالة وقواه كلّها كانت متعادلة ثابتة على نقطة المركز قد تساوت إليها خطوط الدائرة ، فإذا آن له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يفخر فخر بجميعها على حدّ واحد ، لا كابن عمر شهوة قويّة مهلكة ، وعقليّة ضعيفة يباهي بالجماع وقد ترك غيره ، وهي التي كانت تحذّر أباه من أن يأذن له بالجهاد حين استأذنه له فقال : أي بُنيّ إنّي أخاف عليك الزنا (٢) ، فما قيمة رجل في مستوى الدين ، وهو يُمنع عن مواقف الجهاد حذراً من معرّة شهوته الغالبة ، وسقطات شغبه وشبقه؟

نعم ؛ كان لابن عمر أن يُشبّه نفسه بأبيه ـ ومن يشابه أبه فما ظلم ـ إذ له كلمة قيّمة في النكاح تُعرب عن قوّة شهوته ، قال محمد بن سيرين : قال عمر بن الخطاب : ما بقي فيّ شيء من أمر الجاهليّة إلاّ أنّي لست أُبالي أيّ الناس نكحت وأيّهم أنكحت.

أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى (٣) (٣ / ٢٠٨) ، ورواه عبد الرزّاق (٤) كما في كنز العمّال (٥) (٨ / ٢٩٧).

ومن جرّاء تلك النزعة الجاهليّة التي كانت قد بقيت فيه قحم في مآثم سجّلها له التاريخ ، جاء عنه أنّه أتى جارية له فقالت : إنّي حائض فوقع بها فوجدها حائضاً ،

__________________

(١) نوادر الأصول للحكيم الترمذي : ص ٢١٢ [٢ / ٤ الأصل ١٦٥]. (المؤلف)

(٢) سيرة عمر بن الخطاب لابن الجوزي : ص ١١٥ ، وفي طبعة ص ١٣٨ [ص ١٤٤]. (المؤلف)

(٣) الطبقات الكبرى : ٣ / ٢٨٩.

(٤) المصنّف : ٦ / ١٥٢ ح ١٠٣٢١.

(٥) كنز العمّال : ١٦ / ٥٣٤ ح ٤٥٧٨٧.

٥٥

فأتى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فذكر له ذلك ، فقال : يغفر الله لك يا أبا حفص ، تصدّق بنصف دينار (١).

وسوّلت له نفسه ليلة الصيام قبل حلّية الرفث فيها وواقع أهله ، فغدا على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : أعتذر إلى الله وإليك ، فإنّ نفسي زيّنت لي فواقعت أهلي ، فهل تجد لي من رخصة؟ فقال : «لم تكن حقيقاً بذلك يا عمر!» فنزلت : (عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَ). الآية (٢).

وأخرج ابن سعد في الطبقات الكبرى عن عليّ بن زيد : أنّ عاتكة بنت زيد كانت تحت عبد الله بن أبي بكر ، فمات عنها واشترط عليها ألا تزوّج بعده ، فتبتّلت فجعلت لا تتزوّج ، وجعل الرجال يخطبونها وجعلت تأبى ، فقال عمر لوليّها : اذكرني لها ، فذكره لها فأبت على عمر أيضاً ، فقال عمر : زوّجنيها ، فزوّجه إيّاها ، فأتاها عمر فدخل عليها فعاركها حتى غلبها على نفسها فنكحها ، فلمّا فرغ قال : أف أف أف أفف بها ، ثم خرج من عندها وترك لا يأتيها ، فأرسلت إليه مولاة أن تعال فإنّي سأتهيّأ لك (٣).

أيصحّ عن رجل هذا شأنه ما عزاه إليه الزمخشري في ربيع الأبرار (٤) باب ٦٨ من قوله : إنّي لأُكره نفسي على الجماع رجاء أن يخرج الله نسمة تسبّحه وتذكره؟!

__________________

(١) المحلّى لابن حزم : ٢ / ١٨٨ [مسألة ٢٦٣] ، سنن البيهقي : ١ / ٣١٦ ، كنز العمّال : ٨ / ٣٠٥ [١٦ / ٥٦٦ ح ٤٥٨٨٩] نقلاً عن ابن ماجة [في سننه : ١ / ٢١٣ ح ٦٥٠] واللفظ له. (المؤلف)

(٢) تفسير الطبري : ٢ / ٩٦ [٢ / ١٦٥] ، تفسير ابن كثير : ١ / ٢٢٠ ، تفسير القرطبي : ٢ / ٢٩٤ [٢ / ٢١٠] ، وتفاسير أخرى ، والآية : ١٨٧ من سورة البقرة. (المؤلف)

(٣) طبقات ابن سعد [٨ / ٢٦٥] ، كنز العمّال : ٧ / ١٠٠ [١٣ / ٦٣٣ ح ٣٧٦٠٤] ، منتخب الكنز هامش مسند أحمد : ٥ / ٢٧٩ [٥ / ٢٧٠]. (المؤلف)

(٤) ربيع الأبرار : ٣ / ٥٤٠.

٥٦

ومنها : عن الهيثم ، عن ابن عمر : أتاه رجل فقال : إنّي نذرت أن أقوم على حراء عرياناً يوماً إلى الليل. فقال : أوفِ بنذرك. ثم أتى ابن عباس فقال له : أولست تصلّي؟ قال له : أجل ، قال : أفعرياناً تصلّي؟ قال : لا. قال : أو ليس حنثت؟ إنّما أراد الشيطان أن يسخر بك ويضحك منك هو وجنوده ، اذهب فاعتكف يوماً وكفّر عن يمينك. فأقبل الرجل حتى وقف على ابن عمر فأخبره بقول ابن عبّاس فقال : ومن يقدر منّا على ما يستنبط ابن عبّاس (١)؟

هاهنا يوقفنا السير على مبلغ الرجل من العلم بالأحكام ، أيّ فقيه هذا لا يعرف حكم النذر وأنّه لا بدّ فيه من الرجحان في المنذور ، وأنّ نذر التافهات وما ينكره العقل لا ينعقد قط؟ وهل مثل هذا يُعدّ من المعضلات حتى لا يقدر على عرفانه غير ابن عبّاس؟ ويكفي الرجل جهلاً أنّه ما كان يحسن طلاق زوجته ، وقد عجز واستحمق كما في صحيح مسلم (٢) (٤ / ١٨١) ولم يك يعلم أنّه لا يقع إلاّ في طهر لم يواقعها فيه (٣) ، وفي لفظ مسلم في صحيحه (٤ / ١٨١) : أنّه طلّق امرأته ثلاثاً وهي حائض.

ولذلك لم يره أبوه أهلاً للخلافة بعد ما كبر وبلغ منتهى الكهولة ، لمّا قال له رجل : استخلف عبد الله بن عمر. قال عمر : قاتلك الله والله ما أردت الله بها ، أستخلف من لم يحسن أن يطلّق امرأته (٤)؟ وكأنّ عمر كان يجد ابنه يوم وفاته على

__________________

(١) كتاب الآثار : ص ١٦٨ متناً وتعليقاً. (المؤلف)

(٢) صحيح مسلم : ٣ / ٢٧٣ ح ٧ كتاب الطلاق.

(٣) صحيح البخاري : ٨ / ٧٦ [٥ / ٢٠١١ ح ٤٩٥٣] ، صحيح مسلم : ٤ / ١٧٩ ـ ١٨٣ [٣ / ٢٧١ ـ ٢٧٦ ح ١ ـ ١٤ كتاب الطلاق] ، مسند أحمد : ٢ / ٥١ ، ٦١ ، ٦٤ ، ٧٤ ، ٨٠ ، ١٢٨ ، ١٤٥ [٢ / ١٤٨ ح ٥١٠٠ ، ص ١٦٧ ح ٥٢٤٦ ، ص ١٧٣ ح ٥٢٩٩ ، ص ١٩٠ ح ٥٤١٠ و ٥٤١١ ، ص ٢٠١ ح ٥٤٩٩ و ٥٥٠٠ ، ص ٤٨٨ ح ٦٠٨٤ ، ص ٣١٥ ح ٦٢٩٣]. (المؤلف)

(٤) تاريخ الطبري : ٥ / ٣٤ [٤ / ٢٢٨] ، كامل ابن الأثير : ٣ / ٢٧ [٢ / ٢١٩ حوادث سنة ٢٣ ه‍] ، الصواعق ص ٦٢ [ص ١٠٤] ، فتح الباري ٧ / ٥٤ [٧ / ٦٧] وصحّحه. (المؤلف)

٥٧

جهله ذاك حين طلّق امرأته وهو شابّ غضّ أيّام حياة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإلاّ فكلّ من الخلفاء بالانتخاب الدستوري لم يكن عالماً بالأحكام من أوّل يومه إن غضضنا الطرف عن يوم تسنّمه عرش الخلافة ، وإلى أن أودع مقرّه الأخير ، وعمر نفسه كان في المسألة نفسها لدة ولده لم يك يعلم حكم ذلك الطلاق ، حتى سأل عمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : «مُرْهُ فليُراجعها ، ثم ليتركها حتى تطهر ، ثم تحيض ، ثم تطهر ، ثم إن شاء أمسك بعدُ وإن شاء طلّق» (١).

فالمانع عن الاستخلاف هو الجهل الحاضر ، وهذا من سوء حظّ ابن عمر يخصّ به ولا يعدوه.

وإنّي لست أدري أيّ مرتبة رابية من الجهل كان يحوزها ابن عمر حتى عرفه منه والده الذي يمتاز في المجتمع الدينيّ بنوادر الأثر (٢)؟ فمن رآه عمر جاهلاً لا يُقدّر مبلغه من الجهل!

وممّا يدلّنا على فقه الرجل ، أو على مبلغه من اتّباع الهوى وإحياء البدع ، أو على نبذه سنّة الله ورسوله وراء ظهره ، إتمامه الصلاة في السفر أربعاً مع الإمام ، وإعادته إيّاها في منزله قصراً كما في موطّأ مالك (٣) (١ / ١٢٦) تقريراً للبدعة التي أحدثها عثمان في شريعة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، واتّبعه في أُحدوثته رجال الشره والتره وحملة النزعات الأمويّة كابن عمر ، وأبناء البيت الأمويّ ، كما فصّلناه في الجزء الثامن (ص ١١٦). وأخرج أحمد في مسنده (٤) (٢ / ١٦) عنه قوله : صلّيت مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمنى ركعتين ، ومع أبي بكر ، وعمر ، وعثمان صدراً من إمارته ، ثم أتمّ.

__________________

(١) صحيح مسلم : ٤ / ١٧٩ [٣ / ٢٧١ ح ١ كتاب الطلاق]. (المؤلف)

(٢) ذكرنا جملة منها في الجزء السادس : ص ٨٣ ـ ٣٢٥. (المؤلف)

(٣) موطّأ مالك : ١ / ١٤٩ ح ٢٠.

(٤) مسند أحمد : ٢ / ٨٦ ح ٤٦٣٨.

٥٨

ومن نوادر فقهه ما أخرجه أبو داود في سننه (١) (١ / ٢٨٩) من طريق سالم : أنّ عبد الله بن عمر كان يصنع ـ يعني يقطع ـ الخفّين للمرأة المحرمة ، ثم حدّثته صفيّة بنت أبي عبيد : أنّ عائشة حدّثتها : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد كان رخّص للنساء في الخفّين ، فترك ذلك.

وأخرج إمام الشافعيّة في كتابه الأُم (٢) ، أنّ ابن عمر كان يفتي النساء إذا أحرمن أن يقطعن الخفّين ، حتى أخبرته صفيّة ، عن عائشة : أنّها تفتي النساء أن لا يقطعن ، فانتهى عنه.

وأخرجه البيهقي في سننه (٥ / ٥٢) باللفظين ، وأخرجه أحمد في مسنده (٣) (٢ / ٢٩) بلفظ أبي داود.

والأُمّة كما حكى الزركشي في الإجابة (٤) (ص ١١٨) مجمعة على أنّ المراد بالخطاب المذكور في اللباس الرجال دون النساء ، وأنّه لا بأس بلباس المخيط والخفاف للنساء.

ومنها : ما أخرجه الشيخان من أنّ ابن عمر كان يكري مزارعه على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفي إمارة أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وصدراً من خلافة معاوية ، حتى بلغه في آخر خلافة معاوية أنّ رافع بن خديج يُحدّث فيها بنهيٍ عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فدخل عليه فسأله ، فقال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ينهى عن كراء المزارع ، فتركها ابن عمر بعدُ ، وكان إذا سُئل عنها بعدُ قال : زعم رافع بن خديج أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى

__________________

(١) سنن أبي داود : ٢ / ١٦٦ ح ١٨٣١.

(٢) كتاب الأُم : ٢ / ١٤٧.

(٣) مسند أحمد : ٢ / ١٠٩ ح ٤٨٢١.

(٤) الإجابة : ص ١٠٦ ح ٥.

٥٩

عنها (١).

وفي التعليق على صحيح مسلم (٢) : قوله : وصدراً من خلافة معاوية ، قد أغرب في وصف معاوية بالخلافة بعد ما وصف الخلفاء الثلاثة بالإمارة ، وأسقط رابعهم من البين مع أنّ الخلافة الكاملة خصيصتهم ، وعبارة البخاري : إنّ ابن عمر رضى الله عنه كان يكري مزارعه على عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وصدراً من إمارة معاوية ، وكان معاوية كما ذكره القسطلاني (٣) في باب صوم عاشوراء يقول : أنا أوّل الملوك. وقال المناوي في شرح حديث الجامع الصغير (٤) : الخلافة بالمدينة والملك بالشام ، وهذا من معجزاته ـ صلى الله تعالى عليه وسلّم ـ فقد كان كما أخبر ، وقال ـ في شرح حديثه : الخلافة بعدي في أمتي ثلاثون سنة ـ : قالوا : لم يكن في الثلاثين إلاّ الخلفاء الأربعة وأيّام الحسن (ثم ملك بعد ذلك) لأنّ اسم الخلافة إنّما هو لمن صدّق هذا الاسم بعمله للسنّة ، والمخالفون ملوك وإنّما تسمّوا بالخلفاء. انتهى.

ولابن حجر حول الحديث كلمة أسلفناها في (ص ٢٤) من هذا الجزء.

قال الأميني : ألا تعجب من ابن خليفة شبّ ونما وترعرع وشاخ في عاصمة الدين ، في محيط وحي الله ، في دار النبوّة والرسالة ، في مدرسة الإسلام الكبرى ، بين ناشئة الصحابة وفي حجور مشيختهم ، بين أُمّة عالمة استقى العالم من نمير علمهم ،

__________________

(١) صحيح البخاري : ٤ / ٤٧ [٢ / ٨٢٥ ح ٢٢١٨] ، صحيح مسلم : ٥ / ٢١ [٣ / ٣٦٢ ح ١٠٩ كتاب البيوع] ، سنن النسائي : ٧ / ٤٦ ، ٤٧ [٣ / ١٠٢ ح ٤٦٤٠ ، ٤٦٤١] ، مسند أحمد : ٢ / ٦ [٢ / ٦٧ ح ٤٤٩٠] ، سنن ابن ماجة : ٢ / ٨٧ [٢ / ٨٢٠ ح ٢٤٥٣] ، سنن أبي داود : ٢ / ٩١ [٣ / ٢٥٩ ح ٣٣٩٤] ، سنن البيهقي : ٦ / ١٣٠ واللفظ لمسلم. (المؤلف)

(٢) راجع صحيح مسلم : ٥ / ٢٢ [٣ / ٣٦٢ ح ١٠٩ كتاب البيوع] من طبع محمد علي صبيح وأولاده. (المؤلف)

(٣) ارشاد الساري : ٤ / ٦٤٨ ح ٢٠٠٣.

(٤) فيض القدير : ٣ / ٥٠٩ ح ٤١٤٧.

٦٠