الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ١٠

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي

الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ١٠

المؤلف:

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي


المحقق: مركز الغدير للدّراسات الإسلاميّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
المطبعة: فروردين
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٣٠

لا يخلف الميعاد ، (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ) (١).

فالخضوع لمثل هذه الرواية على طرف النقيض من مسلّمات الشريعة بتحريم ما كان يستبيحه معاوية ، ولذلك كان يراه مولانا أمير المؤمنين ووجوه الصحابة الأوّلين من أهل النار (٢) ، مع أنّ هذا الموضوع المفتعل كان بطبع الحال بمرأى منهم ومسمع ، إلاّ أن يكون تاريخ إيلاده بعد صدور تلكم الكلم القيّمة.

ولو كان مثل معاوية يُدرأ عنه العذاب ، ويُدعى له بالسلامة منه ، وحاله ما علمت ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعلم بها منك ومن كلّ أحد ، وعنده من حقوق الناس ما لا يحصى ممّا لا تدركه شفاعة أيّ معصوم من دم مسفوك ، ومن مال منهوب ، ومن عرض مهتوك ، ومن حرمة مُضاعة ، فما حال من ساواه في الخلاعة ، أو من هو دونه في النفاق والضلال؟ وأيّ قيمة تبقى سالمة لتوعيدات الشريعة عندئذ؟ لاها الله ، هذه أُمنيّة حالم قطّ لا تتحقّق ، إلاّ أن تكون تلك المحاباة تشريفاً لابن أبي سفيان بخرق النواميس الإلهيّة ، والخروج عن حكم الكتاب والسنّة ، وتكريماً لراية هند ومكانة حمامة ، إذن فعلى الإسلام السلام.

أفمن الحقّ لمن له أقلّ إلمامة بالعلم والحديث أن يركن إلى أمثال هذه التافهات ، ولا يقتنع بذلك حتى يحتجّ بها لإمامة الرجل عن حقّ ، وصدق خلافته؟ كما فعله ابن حجر في الصواعق (٣) ، وفي هامشه تطهير الجنان (٤) (ص ٣٢) ، وكأنّه غضّ الطرف عن كلّ ما جاء في حقّ الرجل من حديث وسيرة وتاريخ ، وأغضى عن كلّ ما انتهى إليه

__________________

(١) الجاثية : ٢١.

(٢) راجع الكلمات التي أسلفناها في هذا الجزء. (المؤلف)

(٣) الصواعق المحرقة : ص ٢١٨.

(٤) تطهير الجنان : ص ٩.

٥٢١

من الأصول المسلّمة في الإسلام ، وحرمات الدين. نعم ؛ الحبّ يعمي ويصمّ.

الرواية الثالثة :

إذا ملكت فَأَحِسن :

فهي وما في معناها من رواية : إن ولّيت فاتّق الله واعدل (١) ، ورواية : أما إنّك ستلي أمر أُمّتي بعدي فإذا كان ذلك فاقبل من محسنهم ، واعفُ عن مسيئهم. تنتهي طرقها جميعاً إلى نفس معاوية ، ولم يشترك في روايتها أحد غيره من الصحابة ، فالاستناد إليه في إثبات أيّ فضيلة له من قبيل استشهاد الثعلب بذنَبه ، على أنّ الرجل غير مقبول الرواية ولا مرضيّها ، فإنّه فاسق ، فاجر ، منافق ، كذاب ، مهتوك ستره بشهادة ممّن عاشره وباشره ، وسبر غوره ، ودرس كتاب نفسه ، وفيهم مثل مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه وآخرون من الصحابة العدول ، وقد تقدّم نصّ كلماتهم في هذا الجزء (ص ١٣٩ ـ ١٧٧) وتكفي في الجرح واحدة من تلكم الشهادات المحفوظة أهلها بالتورّع عن كلّ سقطة في القول أو العمل ، فكيف بها جمعاء؟

وتؤيّد هاتيك الشهادات بما اقترفه الرجل من الذنوب ، وكسبته يده الأثيمة من جرائر وجرائم ، ولفّقها في سبيل شهواته من شهادات مزوّرة ، وكُتب افتعلها على أناس من الصحابة ، ونسب مكذوبة كان يريد بها تشويه سمعة الإمام صلوات الله عليه ـ وأنّى له بذلك ـ إلى آخر ما أوقفناك على تفاصيله.

وإن أخذناه بما حكاه ابن حجر في تهذيب التهذيب (٢) (١ / ٥٠٩) عن يحيى بن معين من قوله : كلّ من شتم عثمان أو طلحة أو أحداً من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دجّال لا يكتب عنه ، وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، إلى كلمات أُخرى

__________________

(١) مرّ الكلام حول هذه الرواية في ص ٣٦٢ من هذا الجزء. (المؤلف)

(٢) تهذيب التهذيب : ١ / ٤٤٧.

٥٢٢

مرّت (ص ٢٦٧) من هذا الجزء ، فمعاوية في الرعيل الأوّل من الدجّالين الذين لا يُكتب عنهم ، وعليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، إذ هو الذي فعل ذلك المحظور بمثل مولانا أمير المؤمنين وشبليه الإمامين ، وحبر الأمّة عبد الله بن العبّاس ، وقيس بن سعد ، وهؤلاء كلّهم أعيان الصحابة ووجهاؤهم ، لا يعدوهم أيّ فضل سبق لأحدهم ، ولا ينتئون عن أيّ مكرمة لحقت بواحد منهم ، وكان معاوية قد استباح شتمهم ، والوقيعة فيهم وفي كلّ صحابيّ احتذى مثالهم في ولاية أمير المؤمنين عليه‌السلام ، ولم يقنعه ذلك حتى قنت بلعنهم في صلواته ، ورفع عقيرته به على صهوات المنابر ، وأمر بذلك حتى عمّت البليّة البلاد والعباد ، واتّخذوها بدعة مخزية إلى أن لفظ نفسه الأخير ، واحتقبها من بعده خزاية موبقة ما دامت لآل حرب دولة ، واكتسحت معرّتهم من أديم الأرض.

أفمثل هذا السبّاب الفاحش المتفحّش تجوز الرواية عنه ، ويخضع لما يرويه في دين أو دنيا؟!

على أنّ في إسناد رواية : إن ملكت فأحسن ، عبد الملك بن عمر (١) ، وقد جاء عن أحمد (٢) : أنّه مضطرب الحديث جدّا مع قلّة روايته ، ما أرى له خمسمائة حديث وقد غلط في كثير منها. وقال ابن منصور : ضعّفه أحمد جدّا. وعن ابن معين : مخلّط. وقال العجلي : تغيّر حفظه قبل موته. وقال ابن حبّان (٣) : مدلّس (٤).

وفيه : إسماعيل بن إبراهيم المهاجر ، ضعّفه ابن معين (٥) ، والنسائي (٦) ، وابن

__________________

(١) تقدّم تصحيحه إلى عمير : ص ٥١٠.

(٢) العلل ومعرفة الرجال : ١ / ١٥٦ رقم ٦٩.

(٣) الثقات : ٥ / ١١٦.

(٤) تهذيب التهذيب : ٦ / ٤١٢ [٦ / ٣٦٤] (المؤلف).

(٥) التاريخ : ٣ / ٣٤٥ رقم ١٦٦٩.

(٦) كتاب الضعفاء والمتروكين : ص ٤٨ رقم ٣١.

٥٢٣

الجارود ، وقال أبو داود : ضعيف ضعيف أنا لا أكتب حديثه. وقال أبو حاتم (١) : ليس بقوي. وقال ابن حبّان (٢) : كان فاحش الخطأ. وقال الساجي : فيه نظر (٣).

فلمكان الرجلين نصّ الحافظ البيهقي على ضعفها ، وأقرّه الخفاجي في شرح الشفا : (٣ / ١٦١) ، وعليّ القاري في شرحه هامش شرح الخفاجي (٤) (٣ / ١٦١).

وأمّا مؤدّى هذه الروايات الثلاث فكبقيّة أخبار الملاحم ، لا يستنتج منها مدح لصاحبها أو قدح ، إلاّ إذا قايسناها بأعمال معاوية المباينة لها في الخارج ، المضادّة لما جاء فيها من العهد والوصيّة ، فلم يكن ممّن ملك فأحسن ، ولا ممّن ولي فاتّقى وعدل ، ولا ممّن قبل من محسن ، وعفا عن مسيء ، فما ذا عسى أن يُجديه مثل هذه البشائر ـ وليست هي ببشائر بل إقامة حجّة عليه ـ وهو غير متّصف بما أُمر به فيها؟ وكلّ ما ناء به في منتأى عن الإحسان والعدل والتقوى ، وكان صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعلم أنّه لا يعمل بشيء من ذلك لكنّه أراد إتمام الحجّة عليه على كونها تامّة عليه بعمومات الشريعة وإطلاقاتها ، فأين هي من التبشير بأنّ ما يليه من الملك العضوض ملوكيّة صالحة ، فضلاً عن الخلافة عن الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟ وقد جاء عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ذلك الملك قوله : «إنّ فيه هنات وهنات وهنات» (٥) ، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «يا معاوية : إنّك إن اتّبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم» (٦) إلى كلمات أخرى فيه وفي ملكه.

ولو كان ابن حجر ممّن يعرف لحن الكلام ومعاريض المحاورات ، ولم يكن في أُذنه وقر ، وفي بصره عمى لعلم أنّ الروايات المذكورة بأن تكون ذموماً لمعاوية أولى

__________________

(١) الجرح والتعديل : ٢ / ١٥٢ رقم ٥١٢.

(٢) كتاب المجروحين : ١ / ١٢٢.

(٣) تهذيب التهذيب : ١ / ٢٧٩ [١ / ٢٤٤]. (المؤلف)

(٤) شرح الشفا : ١ / ٦٨٣.

(٥) الخصائص الكبرى : ٢ / ١١٦ [٢ / ١٩٨]. (المؤلف)

(٦) سنن أبي داود : ٢ / ٢٩٩ [٤ / ٢٧٢ ح ٤٨٨٨]. (المؤلف)

٥٢٤

من أن تكون مدائح له لما قلناه ، وإلاّ لما أمر صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقتله إذا رُؤي على منبره ، ولما أعلم الناس بأنّه وطغمته هم الفئة الباغية المتوليّة قتل عمّار ، ولما رآه وحزبه من القاسطين الذين يجب قتالهم ، ولما أمر خليفته حقّا الامام أمير المؤمنين عليه‌السلام بقتاله ، ولما حثّ صحابته العدول بمناضلته ومكاشفته ، ولما ولما ...

ولو كانت هذه الروايات صادقة ، وكانت بشائر ، وقد عرفتها صحابة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كذلك ، فلما ذا كان ذلك اللوم والتأنيب له من وجوه الصحابة؟ لمّا منّته هواجسه بتسنّم عرش الخلافة ، والإقعاء على صدر دستها ، وليس ذلك إلاّ من ناحية ادّعائه ما ليس له ، وطمعه فيما لم يكن له بحقّ ، ونزاعه في أمر ليس للطلقاء فيه نصيب.

هذه عمدة ما جاء به ابن حجر في الدفاع عن معاوية ، وأمّا بقيّة كلامه المشوّه بالسباب المقذع فنمرّ بها كراما ، إقرأ واحكم.

هاهنا قصرنا عن القول

وأمسكناه عن الافاضة بانتهاء الجزء العاشر

وأرجأنا بقيّة البحث عن موبقات معاوية إلى الجزء الحادي عشر

وسيوافيك في المستقبل العاجل إن شاء الله تعالى

والحمد لله أوّلا وآخراً وله الشكر

٥٢٥
٥٢٦

محتويات الكتاب

بقية الحبث عن مناقب الخلفاء الثلاثة................................... ١١ ـ ١٩٦

ماهذا الاختيار؟ وكيف يتم؟ ولم ويم؟........................................... ٢٩

بيمة اين عمر تارة ونقاعسه عنها اخرى......................................... ٣٦

أيّ اجماع على بيعة يزيد؟..................................................... ٤٨

أخبار ابن عمر ونوادره........................................................ ٥٤

الفريق الاول.............................................................. ٥٥

رأي ابن عمر في القتال والصلاة.......................................... ٦٨

هلم معي الى صلاة ابن عمر............................................. ٧٤

معذرة اخرى لابن عمر.................................................. ٨١

ابن عمر يحبي احداث أبيه............................................... ٩١

الفريق الثاني.............................................................. ٩٧

لفت نظر............................................................ ١٤٦

نبأ يصكّ المسامع.......................................................... ١٨٣

منتهى المقال............................................................... ١٩٥

المغالات في فضائل معاوية بن أبي سفيان............................. ١٩٧ ـ ٢٥٢

٥٢٧

معاوية في ميزان القضاء.............................................. ٢٥٣ ـ ٥٢٥

١ ـ معاوية والخمر.......................................................... ٢٥٥

٢ ـ معاوية يأكل الربا....................................................... ٢٦٢

٣ ـ معاوية يتمّ في السفر.................................................... ٢٧٢

٤ ـ احد وثة الاذان في العيدين............................................... ٢٧٣

٥ ـ معاوية يصلّي الجمعة يوم الاربعاء.......................................... ٢٧٩

٦ ـ احدوثه الجمع بين الاختين............................................... ٢٨٤

٧ ـ احدوثه معاوية في الديات................................................ ٢٨٤

٨ ـ ترك التكبير المستون في الصلوات.......................................... ٢٨٦

٩ ـ ترك التلبية خلافا لعلي عليه السلام....................................... ٢٩٢

١٠ ـ احدوثه تقديم الخطبة على الصلاة....................................... ٣٠٢

١١ ـ حدّ من حدود الله متروك............................................... ٣٠٥

١٢ ـ معاوية ولبسه ما لا يجوز............................................... ٣٠٦

١٣ ـ ماساة الاستلحاق سنة اربع واربعين...................................... ٣٠٨

١٤ ـ بيعة يزيد احد موبقات معاوية الاربع..................................... ٣٢٣

بيمة يزيد في الشام وقتل الحسين السبط دونها................................ ٣٢٧

عبدالرحمن بن خالد في بيعة يزيد........................................... ٣٣١

سعيد بن عثمان سنة خمس وخمسين........................................ ٣٣١

كتب معاوية في بيعة يزيد................................................. ٣٣٤

كتاب معاوية الى سعيد بن العاص......................................... ٣٣٨

كتاب معاوية الى الحسين عليه السلام...................................... ٣٤٠

جواب الحسين عليه السلام............................................. ٣٤٠

كتاب معاوية الى عبدالله بن جعفر......................................... ٣٤٠

٥٢٨

جواب عبدالله بن جعفر................................................ ٣٤٠

كتاب معاوية الى عبدالله بن الزبير.......................................... ٣٤١

جواب عبدالله بن الزبير................................................ ٣٤١

بيعة يزيد في المدينة المشرفة................................................... ٣٤٢

الرحلة الاولى............................................................ ٣٤٢

كلمة الامام السبط................................................... ٣٤٩

رحلة معاوية الثانية وبيعة يزيد فيها......................................... ٣٥٣

١٥ ـ جنايات معاوية في صفحات تاريخه السوداء............................... ٣٦١

١٦ ـ قتال ابن هند علياّ امير المؤمنين عليه السلام............................... ٣٨١

١٧ ـ هنات وهنايت في ميزان ابن هند........................................ ٤٠١

١٨ ـ قذائف مويقة في صحائف ابن اكلة الاكباد.............................. ٤٠٤

نسبة الالحماد الى على عليه السلام وانه لايصلي............................ ٤٠٤

نظرة فيما تشبث به معاوية في قتال على عليه السلام......................... ٤٠٨

١٩ ـ دفاع ابن حجر عن معاوية بأعذار مفتعلة................................. ٤٢١

حديث الوفود........................................................... ٤٢٦

وفد علي عليه السلام الاول الى معاوية.................................. ٤٢٦

وفد علي عليه السلام الثانية الى معاوية.................................. ٤٢٧

وفد معاوية الى الامام علي عليه السلام.................................. ٤٣٣

أنباه في طبّات الكتب تعرب عن موسى معاوية.............................. ٤٣٤

تصريحّ لا تلويح يعرب عن موسى ابن هند.................................. ٤٤٥

فكرة معاوية لها قدم...................................................... ٤٥٠

مناظرات وكلم........................................................... ٤٥٥

التحكيم لماذا؟.......................................................... ٤٦٢

٥٢٩

حجج داحضة............................................................. ٤٦٧

الاجتهاد ماذا هو؟......................................................... ٤٧٢

نظرة في اجتهاد معاوية...................................................... ٤٧٩

السنّة.................................................................. ٤٨١

نظرة في أحاديث معاوية..................................................... ٤٨٣

لفت نظر............................................................ ٤٩٢

الاجماع................................................................. ٤٩٩

القياس................................................................. ٤٩٩

ايّ اجتهاد هذا؟........................................................... ٥٠٠

من هو هذا المجتهد؟........................................................ ٥٠٥

الرواية الاولى......................................................... ٥١٣

الرواية الثانية......................................................... ٥١٧

الرواية الثالثة......................................................... ٥٢٢

٥٣٠