الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ١٠

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي

الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ١٠

المؤلف:

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي


المحقق: مركز الغدير للدّراسات الإسلاميّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
المطبعة: فروردين
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٣٠

مراجع الأُمّة في مشكلات القرآن ومغازيه ، وتنزيله ، وتأويله ، كعبد الله بن مسعود ، وعبد الله بن العبّاس ، وأُبيّ بن كعب ، وزيد بن ثابت.

وأمّا مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فهو عدل القرآن والعالم بأسراره وغوامضه ، كما أنّ عنده العلم الصحيح بكلّ مشكلة ، والحكم الباتّ عند كلّ قضيّة ، والجواب الناجع عند كلّ عويصة ، وقد صحّ عند الأُمّة جمعاء قوله الصادق المصدّق صلوات الله عليه : «سلوني قبل أن لا تسألوني ، لا تسألوني عن آية في كتاب الله ولا سنّة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلاّ أنبأتكم بذلك». راجع الجزء السادس (ص ١٩٣).

السنّة :

وما ذا تحسب أن يكون نصيب معاوية من علم الحديث الذي هو سنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، من قوله وفعله وتقريره؟ لقد عرّفنا موقفه منها قوله هو فيما أخرجه أحمد في مسنده (١) (٤ / ٩٩) من طريق عبد الله بن عامر قال : سمعت معاوية يحدّث وهو يقول : إيّاكم وأحاديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلاّ حديثاً كان على عهد عمر. لما ذا هذا التحذير عن الأحاديث بعد أيّام عمر؟ ألأنّ الافتعال والوضع كثرا بعده؟ أم لأنّ الصحابة العدول الموثوق بهم على عهد عمر وما قبله منذ تصرّم العهد النبوي سُلبت عنهم الثقة بعد خلافة عمر؟ فكأنّهم ارتدّوا ـ العياذ بالله ـ بعده كذّابين وضّاعين ، ولازمه الطعن في أكثر الأحاديث ، وعدم الاعتداد بمدارك الأحكام ، لأنّ شيئاً كثيراً منها انتشر بعد ذلك الأجل ، وما كانت الدواعي والحاجة تستدعيان روايتها قبل ذلك ، على أنّ الجهل بتاريخ إخراجها ، هل هو في أيّام عمر أو بعدها يوجب سقوطها عن الاعتبار لعدم الثقة برواتها وروايتها ، ولم تكن الرواة تُسجّل تاريخ ما يروونه حتى يُعلم أن أيّا منها محاط بسياج الثقة ، وأيّا منها منبوذ وراء سورها.

__________________

(١) مسند أحمد : ٥ / ٦٦ ح ١٦٤٦٧.

٤٨١

وما خصوصيّة عهد عمر في قبول الرواية ورفضها؟ ألأنّ الحقائق تمحّصت فيه؟ ومن ذا الذي محّصها؟ أم لأنّ التمحيص أفرد فيه الصحيح من السقيم؟ ومن ذا الذي فعل ذلك؟ أم أنّ يد الأمانة قبضت على السنّة عندئذ ، وعضّتها بالنواجذ حرصاً عليها ، فلم يبق إلاّ لبابها المحض؟ فمتى وقعت تلكم البدع والتافهات؟ ومتى بدّلت السنن؟ ومتى غيّرت الأحكام؟ راجع الجزء السادس وهلمّ جرّا.

ولعلّ قول معاوية هذا في سنّة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كافٍ في قلّة اعتداده بها ، أو أنّه كان ينظر إليها نظر مستخفّ بها ، وكان يستهين بقائلها مرّة ، ويضرط لها إذا سمعها مرّة أخرى ، وينال من رواتها بقوارص طوراً ، وينهى راويها عن الرواية بلسان بذيء بكلّ شدّة وحدّة ، إلى أشياء من مظاهر الهزء والسخريّة (١) فما ظنّك بمن هذا شأنه مع السنّة الشريفة؟ فهل تُذعن له أنّه يعبأ بها ويحتجّ بها في موارد الحاجة ، ويأخذها مدركاً عند عمله؟ أو ينبذها وراء ظهره كما فعل ذلك في موارده ومصادره كلّها؟

وإنّ حداثة عهد معاوية بالإسلام وأخذه بالروايات بعد كلّ ما قدّمناه ، وما كان يُلهيه عن الإصاخة إليها طيلة أيّامه من كتابة وإمارة وملوكيّة ، وإنّ حياته في دور الإسلام كلّها كانت مستوعبة بضروب السياسة وإدارة شئون الملك والنزاع والمخاصمة دونه ، فمتى كان يتفرّغ لأخذ الروايات وتعلّم السنن؟ ثم من ذا الذي أخذ عنه السنّة؟ والصحابة جلّهم في منتأى عن مباءته ـ الشام ـ ، ولم يكن معه إلاّ طليق أعرابيّ ، أو يمانيّ مستدرج ، وهو يسيء ظنّه بجملة الصحابة المدنيّين ، حملة الأحكام ونقلة الأحاديث النبويّة ، ويقول بملء فمه : إنّما كان الحجازيّون هم الحكّام على الناس والحقّ فيهم ، فلمّا فارقوه كان الحكّام على الناس أهل الشام (٢). وعلى أثر ظنّه السيّئ وقوله الآثم كان يمنع هو وأُمراؤه عن الحديث عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كما يظهر ممّا

__________________

(١) راجع تفصيل كلّ هذه فيما أسلفناه في هذا الجزء : ص ٢٨١ ـ ٢٨٤. (المؤلف)

(٢) راجع صفحة ٣١٩ من هذا الجزء. (المؤلف)

٤٨٢

أخرجه الحاكم في المستدرك (١) (٤ / ٤٨٦) من قول عبد الله بن عمرو بن العاص لمّا قال له نوف : أنت أحقّ بالحديث منّي ، أنت صاحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ هؤلاء قد منعونا عن الحديث يعني الأمراء. وجاء في حديث : إنّ معاوية أرسل إلى عبد الله بن عمر فقال : لئن بلغني أنّك تحدّث لأضربنّ عنقك (٢).

وعلى ذلك الظنّ أهدر دماء بقيّة السلف الصالح ، وبعث بسر بن أرطاة إلى المدينة الطيّبة فشنّ الغارة على أهلها ، فقتل نفوساً بريئة ، وأراق دماء زكيّة ، واقتصّ أثره من بعده جروه يزيد في واقعة الحرّة ، ومن يشابه أبه فما ظلم.

نظرة في أحاديث معاوية :

إنّ لنا حقّ النظر في شتّى مناحي رواياته ، لقد أخرج عنه أحمد في مسنده في الجزء الرابع (٣) (ص ٩١ ـ ١٠٢) مائة وستّة أحاديث وفيها من المكرّر :

١ ـ حديث إذا أراد الله بعبده خيراً يفقّهه في الدين. كرّره ست عشرة مرّة (٤) في (ص ٩٢ ، ٩٢ ، ٩٣ ، ٩٣ ، ٩٣ ، ٩٣ ، ٩٣ ، ٩٥ ، ٩٦ ، ٩٦ ، ٩٧ ، ٩٨ ، ٩٨ ، ٩٩ ، ١٠١ ، ١٠١).

٢ ـ حديث تقصير شعر النبيّ بمشقص. مكرّر عشر مرّات (٥) في (ص ٩٢ ، ٩٥ ، ٩٦ ، ٩٧ ، ٩٧ ، ٩٧ ، ٩٧ ، ٩٨ ، ١٠٢ ، ١٠٢).

__________________

(١) المستدرك على الصحيحين : ٤ / ٥٣٣ ح ٨٤٩٧.

(٢) كتاب صفّين لابن مزاحم : ص ٢٤٨ [ص ٢٢٠]. (المؤلف)

(٣) مسند أحمد : ٥ / ٥٣ ـ ٧٠ ح ١٦٣٨٧ ـ ١٦٤٩٢.

(٤) مسند أحمد : ٥ / ٥٤ ح ١٦٣٩٢ ، ٥٥ ح ١٦٣٩٥ و ١٦٣٩٧ ، ٥٦ ح ١٦٤٠٠ و ١٦٤٠٤ ، ٥٧ ح ١٦٤٠٧ و ١٦٤٠٨ ، ٥٩ ح ١٦٤١٨ ، ٦١ ح ١٦٤٣٢ ، ٦٢ ح ١٦٤٣٦ و ١٦٤٣٨ ، ٦٤ ح ١٦٤٥١ ، ٦٥ ح ١٦٤٦٠ ، ٦٦ ح ١٦٤٦٧ ، ٦٩ ح ١٦٤٨٢ و ١٦٤٨٤.

(٥) مسند أحمد : ٥ / ٥٥ ح ١٦٣٩٤ ، ٥٩ ح ١٦٤٢١ ، ٦٠ ح ١٦٤٢٨ ، ٦٢ ح ١٦٤٤١ ، ٦٣ ح ١٦٤٤٢ و ١٦٤٤٣ و ١٦٤٤٤ ، ٦٤ ح ١٦٤٥٢ ، ٧٠ ح ١٦٤٩١ و ١٦٤٩٢.

٤٨٣

٣ ـ حديث حكاية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الأذان. كرّره سبع مرّات (١) في (ص ٩١ ، ٩٢ ، ٩٣ ، ٩٨ ، ٩٨ ، ١٠٠ ، ١٠٠).

٤ ـ حديث عقوبة شرب الخمر. مكرّر خمس مرّات (٢) في (ص ٩٣ ، ٩٥ ، ٩٦ ، ٩٧ ، ١٠١).

٥ ـ حديث وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبي بكر وعمر. جاء (٣) في (ص ٩٦ ، ٩٧ ، ٩٧ ، ١٠٠).

٦ ـ حديث كبّة الشعر. يوجد (٤) في (ص ٩١ ، ٩٤ ، ٩٥ ، ١٠١).

٧ ـ حديث مناشدته عن أحاديث. جاء (٥) في (ص ٩٢ ، ٩٥ ، ٩٦ ، ٩٩).

٨ ـ حديث صوم عاشوراء (٦). في (ص ٩٥ ، ٩٦ ، ٩٧).

٩ ـ حديث حبّ الأنصار. يوجد (٧) في (ص ٩٦ ، ١٠٠ ، ١٠٠).

١٠ ـ حديث من أحبّ أن يمثل له قياماً (٨). في (ص ٩١ ، ٩٣ ، ١٠٠).

١١ ـ حديث النهي عن لبس الذهب والحرير. يوجد (٩) في (ص ٩٦ ، ١٠٠ ، ١٠١).

__________________

(١) مسند أحمد : ٥ / ٥٣ ح ١٦٣٨٧ ، ٥٤ ح ١٦٣٨٩ ، ٥٦ ح ١٦٣٩٩ ، ٦٤ ح ١٦٤٥٣ ، ٦٥ ح ١٦٤٥٩ ، ٦٨ ح ١٦٤٧٧ و ١٦٤٧٩.

(٢) مسند أحمد : ٥ / ٥٦ ح ١٦٤٠٥ ، ٥٩ ح ١٦٤١٧ ، ٦٠ ح ١٦٤٢٧ ، ٦٣ ح ١٦٤٤٥ ، ٦٨ ح ١٦٤٨١.

(٣) مسند أحمد : ٥ / ٦١ ح ١٦٤٣١ ، ٦٢ ح ١٦٤٤٠ ، ٦٣ ح ١٦٤٤٧ ، ٦٨ ح ١٦٤٨٠.

(٤) مسند أحمد : ٥ / ٥٤ ح ١٦٣٨٨ ، ٥٧ ح ١٦٤٠٩ ، ٦٠ ح ١٦٤٢٣ ، ٧٠ ح ١٦٤٨٧.

(٥) مسند أحمد : ٥ / ٥٤ ح ١٦٣٩١ ، ٥٩ ح ١٦٤٢٢ ، ٦١ ح ١٦٤٣٥ ، ٦٦ ح ١٦٤٦٦.

(٦) مسند أحمد : ٥ / ٦٠ ح ١٦٤٢٥ و ١٦٤٢٦ ، ٦٣ ح ١٦٤٤٨.

(٧) مسند أحمد : ٥ / ٦١ ح ١٦٤٢٩ ، ٦٧ ح ١٦٤٤٨ ، ٦٨ ح ١٦٤٧٥.

(٨) مسند أحمد : ٥ / ٥٤ ح ١٦٣٨٩ ، ٥٦ ح ١٦٤٠٣ ، ٦٧ ح ١٦٤٧٣.

(٩) مسند أحمد : ٥ / ٦١ ح ١٦٤٣٠ ، ٦٨ ح ١٦٤٧٨ ، ٦٩ ح ١٦٤٨٣.

٤٨٤

١٢ ـ حديث منقبة المؤذّنين (١). في (ص ٩٥ ، ٩٨).

١٣ ـ حديث إنّما أنا خازن (٢). (ص ٩٩ ، ١٠٠).

١٤ ـ حديث العمرى جائزة (٣). (ص ٩٧ ، ٩٩).

١٥ ـ حديث سجدة السهو لكلّ منسيّ (٤). (ص ١٠٠ ، ١٠٠).

١٦ ـ حديث التبعيّة في الركوع والسجود (٥). (ص ٩٢ ، ٩٨).

١٧ ـ حديث النهي عن ركوب الخزّ والنمار (٦). (ص ٩٣ ، ٩٣).

فالباقي من أحاديثه من غير تكرير سبعة وأربعون حديثاً ، وهل تسدّ هي فراغ الاستنباط في أحكام الدين لأيّ مجتهد؟ مع أنّ فيها ما ليس من الأحكام ، مثل رواية أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبا بكر وعمر توفّي كلّ منهم وهو ابن ثلاث وستين ، وقوله : رأيت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يمصّ لسان الحسن إلى أمثال ذلك.

ولقد آن لنا أن ننظر نظرة أخرى في غير واحد من متون أحاديثه فمنها :

١ ـ أنّ معاوية دخل على عائشة ، فقالت له : أما خفت أن أُقعد لك رجلاً يقتلك؟ فقال : ما كنت لتفعليه وأنا في بيت أمان ، وقد سمعت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول. ـ يعني : الإيمان قيد الفتك ـ كيف أنا في الذي بيني وبينك وفي حوائجك؟ قالت : صالح ، قال : فدعينا وإيّاهم حتى نلقى ربّنا عزّ وجلّ. مسند أحمد (٧) (٤ / ٩٢).

قال الأميني : إنّه ينمّ عن أنّ أمّ المؤمنين كانت تستبيح دم الرجل بما ارتكبه من

__________________

(١) مسند أحمد : ص ٥٩ ح ١٦٤١٩ ، ٦٥ ح ١٦٤٥.

(٢) مسند أحمد : ص ٦٦ ح ١٦٤٦٧ ، ٦٨ ح ١٦٤٧٦.

(٣) مسند أحمد : ٦٢ ح ١٦٤٤١ ، ٦٥ ح ١٦٤٦٢.

(٤) مسند أحمد : ص ٦٧ ح ١٦٤٧٠ و ١٦٤٧٢.

(٥) مسند أحمد : ص ٥٥ ح ١٦٣٩٦ ، ٦٤ ح ١٦٤٤٩.

(٦) مسند أحمد : ص ٥٥ ح ١٦٣٩٨ ، ٥٦ ح ١٦٤٠٢.

(٧) مسند أحمد : ص ٥٤ ح ١٦٣٩٠.

٤٨٥

الجرائم والمآثم ، وسفك دماء زكيّة ، ونفوس مزهقة بريئة ، حتى أنّها كانت ترى من المعقول السائغ أن تُقعد له رجلاً فيقتله ، فأقنعها بأنّه في بيت أمان ، وداخل في ذمّتها ، وأنّ ما بينه وبينها صالح ، وأرجأ الموافاة للجزاء إلى يوم التلاقي بينه وبين الناس.

ويُستشفّ من هذه أنّه لم يكن عند معاوية درء لما كانت أمّ المؤمنين تنقمه عليه ، وإلاّ لكان للرجل أن يتشبّث به في تبرير أعماله ، وتبرئة نفسه دون التافهات.

وإن تعجب فعجب اقتناع أُمّ المؤمنين من معاوية بأنّ ما بينه وبينها صالح ، وإن لم يكن صالحاً بينه وبين الله ، ولا صالحاً بينه وبينها لأنّه قاتل أخيها محمد بن أبي بكر ، وكان على عنق معاوية ذلك الدم الطاهر ، وإن غضّت الطرف عنه أُخته لأنّ ما بينه وبينها صالح ، كما أنّها غضّت الطرف عن دم حُجر وأصحابه ، وهو من موبقات ابن آكلة الأكباد ، وطالما نقمت عليه ذلك وكانت توبّخه ، لكن برّره ذلك الصالح بينهما بلا عقل ولا قود ، وأمّا دم عثمان فما غضّت عنه أمّ المؤمنين مهما لم يكن ما بينها وبين عليّ عليه‌السلام صالحاً ، وهل يحتجّ معاوية يوم القيامة في موقف العدل الإلهيّ متى خاصمه محمد وحُجر وأصحابه وآلاف من الصلحاء الأبرار ممّن سفك دماءهم بأنّ ما بينه وبين عائشة صالح؟ وهل يفيده هذا الحجاج؟ أنا لا أدري.

أما كان لعائشة أن تفحم الرجل بأنّ الإيمان لو كان قيد الفتك ـ وهو قيد الفتك ـ فلما ذا لم يقيّده؟ وقد فتك بآلاف من وجوه المؤمنين ، وأعيان الأُمّة المسلمة ، ولم يأمن من فتكه أهل حرم أمن الله ـ مكة ـ ، ولا مجاورو بيت أمانه ـ المدينة ـ ولعلّ أُمّ المؤمنين كانت تنظر إلى إيمان الرجل من وراء ستر رقيق ، ولم تجده إيماناً مستقرّا ـ إن لم نقل إنّها وجدته مستودعا ـ يقيّد صاحبه ، ويسلم المسلمون بذلك من يده ولسانه ، وقد صحّ عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ،

٤٨٦

والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم» (١).

٢ ـ عن عباد بن عبد الله بن الزبير ، قال : لمّا قدم علينا معاوية حاجّا ، قدمنا معه مكة فصلّى بنا الظهر ركعتين ، ثم انصرف إلى دار الندوة ، وكان عثمان حين أتمّ الصلاة إذا قدم مكة صلّى بها الظهر والعصر والعشاء الآخرة أربعاً أربعاً ، فإذا خرج إلى منى وعرفات قصّر الصلاة ، فإذا فرغ من الحجّ وأقام بمنى أتمّ الصلاة حتى يخرج من مكة ، فلمّا صلّى بنا الظهر ركعتين نهض إليه مروان بن الحكم ، وعمرو بن عثمان ، فقالا له : ما عاب أحد ابن عمّك بأقبح ما عبته به ، فقال لهما : وما ذاك؟ قال : فقالا له : ألم تعلم أنّه أتمّ الصلاة بمكة؟ فقال لهما : ويحكما وهل كان غير ما صنعت؟ قد صلّيتهما مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومع أبي بكر وعمر ، قالا : فإنّ ابن عمّك قد كان أتمّها ، وإنّ خلافك إيّاه له عيب ، قال : فخرج معاوية إلى العصر فصلاّها بنا أربعاً.

مسند أحمد (٢) (٤ / ٩٤).

قال الأميني : أنا لا أدري أنّ الشائنة هاهنا تعود إلى فقه معاوية؟ أم إلى دينه؟ حيث يتعمّد الإتمام حيثما قصّر فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واتّخذته الأُمّة سنّة متّبعة ، وفيهم أبو بكر وعمر ، وقد صحّ عن عبد الله مرفوعاً : «الصلاة في السفر ركعتان» ، من خالف السنّة فقد كفر. لكن الرجل خالف الجميع ، وجابه حكم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نزولاً منه إلى رغبة مروان الطريد ابن الطريد وعمرو بن عثمان ، صوناً لسمعة ابن عمّه عثمان ، مبتدع هذه الأحدوثة ، فإن كان هذا فقه الرجل في الحديث فمرحى بالفقاهة! أو أنّ ذلك مبلغه من الدين؟ فبعداً له في موقف الديانة.

__________________

(١) أخرجهما البخاري [١ / ١٣ ح ١٠] ومسلم [١ / ٩٦ ح ٦٥ كتاب الإيمان] وأحمد [٣ / ٧٨ ح ٨٧١٢] والترمذي [٥ / ١٨ ح ٢٦٢٧] والنسائي [٦ / ٥٣٠ ح ١١٧٢٦] وابن حبّان في صحيحه [١ / ٤٠٦ ح ١٨٠] والطبراني في المعجم الكبير [١٩ / ١٧٦ ح ٤٠٠] وأبو داود في سننه [٣ / ٤ ح ٢٤٨١] راجع فيض القدير : ٦ / ٢٧٠ [ح ٩٢٠٧]. (المؤلف)

(٢) مسند أحمد : ٥ / ٥٨ ح ١٦٤١٥.

٤٨٧

راجع الجزء الثامن (ص ٩٨ ـ ١١٩ ، ٢٦٢).

٣ ـ عن الهنائي قال : كنت في ملأ من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند معاوية ، فقال معاوية : أنشدكم الله أتعلمون أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن لبس الحرير؟ قالوا : اللهمّ نعم. إلى أن قال :

قال : أنشدكم الله تعالى أتعلمون أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن الجمع بين حجّ وعمرة؟ قالوا : أمّا هذا فلا ، قال : أما إنّها معهنّ.

وفي لفظ :

قال : وتعلمون أنّه نهى عن المتعة ـ يعني متعة الحجّ ـ قالوا : اللهمّ لا.

راجع المسند (١) (٤ / ٩٢ ، ٩٥ ، ٩٩).

قال الأميني : هذا معطوف على ما قبله ، فإنّ حرص الرجل على إحياء البدع تجاه السنّة النبويّة الثابتة ، أوقفه هاهنا موقف المكابر المعاند ، فقد أسلفنا في الجزء السادس (ص ١٩٨ ـ ٢٠٥ ، ٢١٣ ـ ٢٢٠) أنّ متعة الحجّ نزل بها القرآن الكريم ولم ينسخ حتى قضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نحبه ، وكان عليها العمل أيّام أبي بكر وصدراً من أيّام عمر حتى منع عنها. وعليه فاقتصاص معاوية أثر ذلك المحرّم ـ بالكسر ـ يجلب الطعن ، إمّا في فقهه هو وجهله بالسنّة ، أو في دينه ، والجمع أولى ، والثاني أقرب إليه.

٤ ـ من طريق حمران ، يحدّث عن معاوية ، قال : إنّكم لتصلّون صلاة ، لقد صحبنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فما رأيناه يصلّيها ، ولقد نهى عنهما ، يعني الركعتين بعد العصر (٢). (٤ / ٩٩ ،١٠٠).

قال الأميني : عرفت ـ في الجزء السادس (ص ١٨٣ ـ ١٨٦) ـ أنّ الصلاة بعد

__________________

(١) مسند أحمد : ٥ / ٥٤ ح ١٦٣٩١ ، ٥٩ ح ١٦٤٢٢ ، ٦٦ ح ١٦٤٦٦.

(٢) مسند أحمد : ٥ / ٦٦ ح ١٦٤٦٥ ، ٦٧ ح ١٦٤٦٩.

٤٨٨

العصر كانت مطّردة على العهد النبويّ ، يُصلّيها هو صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يكن يدعهما سرّا ولا علانية ، وما تركهما حتى لقي الله تعالى ، وصلاّهما أصحابه إلى أن منع عنها عمر ، واحتجّت الصحابة عليه بأنّها سنّة ثابتة ، ولا تبديل لسنّة الله ، غير أنّ الرجل لم يَصِخ إلى قولهم ، وطفق يمضي وراء أحدوثته ، وجاء معاوية وقد زاد في الطنبور نغمة ، وعزا إلى رسول الله النهي عنهما ، وهل هذا مقتضى جهله بالسنّة ، أو مبلغه من الفقه والدين؟ فاسمع القول ، واقض بالحقّ لك أو عليك.

٥ ـ من عدّة طرق ، عن معاوية مرفوعاً : «من شرب الخمر فاجلدوه ، فإن عاد فاجلدوه ، فإن عاد فاجلدوه ، فإن عاد الرابعة فاقتلوه».

أخرجه (١) في (٤ / ٩٣ ، ٩٥ ، ٩٦ ، ٩٧ ، ١٠١).

قال الأميني : إنّي واقف هاهنا موقف التحيّر ، ولا أدري هل كان معاوية عاملاً بمفاد هذا الحديث يوماً من أيّامه إبّان خلافته وإمارته وقبلهما؟ أو كان يناقضه كمناقضته بكثير من الأحكام؟ ولئن كان خاضعاً لما فيه من الحكم الباتّ لما حملت إليه روايا الخمر قطاراً ، ولما حملها إليه خمّاره الذي كان يصاحبه ، ولا ادّخرها في حجرته ، ولا اتّخذ متجراً لبيعها ، ولا شربها هو ، ولا عربد بشعره فيها وهو سكران ، ولا قدّمها إلى وفوده ، ولا استخلف جروه السكّير بمرأى منه ومسمع ، ولا أضاع حدّ الله على من يشربها وينتشي بها وحديث معاوية هذا مع جودة سنده ، وإخراج مثل أحمد ، والترمذي ، وأبي داود إيّاه ، لم يأخذ به وبمفاده أحد من أئمّة الفقه ، وضربوا عنه صفحاً ، لتفرّد معاوية بروايته وهو لا يؤتمن على حديثه. هذا موقفه مع السنّة التي اتّخذها هو عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على قلّتها ، فما ظنّك بالكثير الذي لم يبلغه منها.

٦ ـ عن أبي إدريس قال : سمعت معاوية وكان قليل الحديث عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ،

__________________

(١) مسند أحمد : ٥ / ٥٦ ح ١٦٤٠٥ ، ص ٥٩ ح ١٦٤١٧ ، ص ٦٠ ح ١٦٤٢٧ ، ص ٦٣ ح ١٦٤٤٥ ، ص ٦٨ ح ١٦٤٨١.

٤٨٩

قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يقول : «كلّ ذنب عسى الله أن يغفره إلاّ الرجل يموت كافراً ، أو الرجل يقتل مؤمناً متعمدّا». المسند (١) (٤ / ٩٩).

وقد جاء كما يأتي في الجزء الحادي عشر من كتاب له كتبه إلى عليّ أمير المؤمنين عليه‌السلام : وإني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «لو تمالأ أهل صنعاء وعدن على قتل رجل واحد من المسلمين ، لأكبّهم الله على مناخرهم في النار».

قال الأميني : هل هذان الحديثان اللذان رواهما معاوية حجّة له أو عليه؟ والحقيقة جليّة لا يخفيها ستار ، فإنّك جدّ عليم بالذي باء بإثم تلكم الدماء المهراقة منذ يوم صفّين وبعده ، ريثما تُتاح له الفرص مع مهبّ الريح ، وتحت كلّ حجر ومدر ، وعلى الروابي والثنيّات ، وعدد الرمل والحصى ، عند كلّ هاتيك دم مسفوك ، ونفس مزهقة ، وأوصال مفصولة ، وحرمات مهتوكة ، وهل شيء من تلكم البوائق يُباح بآية من الكتاب؟ أو يبرّر بسنّة صحيحة؟ أو يحبّذ بشيء من معاقد إجماع المسلمين؟ وهل هناك قياس ينتهي إلى شيء من هذه المبادئ الاجتهاديّة؟ وهل معاوية يُحسن شيئاً منها أو يُتقنها؟ وأين وأنّى له الرأي والاجتهاد؟ أو هو مجرم جاهل ، وباغ ظلوم ، وثاني الخليفتين اللذين بويعا في عهد ، فيجب قتال هذا ، وقتل ذاك ، بالنصوص النبويّة ، فلا يُرْقَب فيه إلّ ولا ذمّة ، فلا ذمّة لمهدور الدم ، ولا حرمة لمن يجب إعدامه في الشريعة؟ أين هو والخلافة؟ حتى يستبيح الدماء الزاكية دون شهواته ومطامعه ، وهل تدري أيّ دماء سفكها؟ وأيّ حرمات انتهكها؟ نعم ؛ اقترف بها إراقه دماء المهاجرين والأنصار من الصحابة العدول والتابعين لهم بإحسان ، وباء بإثم دماء البدريّين ومئات من أهل بيعة الشجرة الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه ، وفيهم مثل عمّار الذي قتلته الفئة الباغية ـ فئة معاوية ـ ، وخزيمة بن ثابت ذي الشهادتين ، وثابت ابن عبيد الأنصاري ، وأبي الهيثم مالك بن التيّهان ، وأبي عمرة بشر الأنصاري ، وأبي

__________________

(١) مسند أحمد : ٥ / ٦٦ ح ١٦٤٦٤.

٤٩٠

فضالة الأنصاري ، كلّ هؤلاء من البدريّين ، وفيهم حُجر بن عدي راهب أصحاب محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وثمّ البطل المجاهد مالك بن الحارث الأشتر النخعي ، والعابد الصالح محمد ابن أبي بكر.

وقبل هذه كلّها استبشاره بدم الإمام المقدّس ، الخليفة عليه وعلى الأُمّة جمعاء مولانا أمير المؤمنين ، وسروره بذلك ، وعدّه ذلك من لطيف صنع الله.

وما ظنّك بمجرم يكون عنده دم الإمام السبط الزكيّ أبي محمد الحسن عليه‌السلام بدسّ السمّ إليه؟! وقد استبشر لمّا باء بإثمه ، وناء بجرمه ، فسيؤاخذ بما رواه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذه كلّها.

٧ ـ من طريق أبي صالح عن معاوية مرفوعاً : «من مات بغير إمام مات ميتة جاهليّة».

المسند للإمام أحمد (١) (٤ / ٩٦).

قال الأميني : هاهنا نسائل أنصار معاوية وأودّاءه عن أنّ أيّ موتة مات هو بها؟ وعن أيّ إمام مات وفي عنقه بيعته؟ ومن الذي اخترم الرجل وقد طوّقته ولايته؟ وهل كان هناك إمام يجب طاعته وبيعته بالنصّ والإجماع غير مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام يوم بارزه وكاشفه؟ وألقح دون مناوأته الحرب الزبون ، ونازعه في أمر الخلافة ، وخلع ربقة الإسلام من عنقه ، أو يوم استبشر بقتل الإمام عليه‌السلام ، وهي الطامّة الكبرى؟ والمصاب بها خاتم الأنبياء صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو يوم افتجعت به الصدّيقة الكبرى فاطمة بشظيّة قلبها الإمام السبط المجتبى بسمّ من معاوية مدسوس إليه؟ فهل بايعه يومئذٍ وهو خليفة الوقت بالجدارة والنصّ وإجماع لا يستهان به من بقايا رجال الحلّ والعقد؟ أو أنّه ناوأه في الأمر وغدر به وكاده؟ لمّا ظهر من أجناده الخور والفشل ،

__________________

(١) مسند أحمد : ٥ / ٦١ ح ١٦٤٣٤.

٤٩١

وقلبوا على إمام الحقّ ظهر المجنّ ، وحدت بهم المطامع والميول إلى أن يسلموه لمعاوية إن قامت الحرب على أشدّها ، فالتجأ الإمام إلى الصلح صوناً لدماء شيعته ، وإبقاءً على حياة ذويه.

فهل كان معاوية طيلة هذه المدد في ذكر من روايته هذه؟ وهل علم أنّه طوى تلكم السنين وليس في عنقه بيعة لإمام؟ وأنّه لا يحلّ لمسلم أن يبيت ليلتين ليس في عنقه لإمام بيعة (١)؟ وأنّه إن مات والحالة هذه مات ميتة جاهليّة؟ أو أنّه كان يرى من فقهه استثناءه من هذه الكليّة التي لم يستثن منها الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحداً؟ أو أنّ جهله بالأحكام وبنفسه كان يُطمعه في أن يكون هو الخليفة المبايع له ، والمطاع بأمر الله ورسوله؟ وهيهات له ذلك ، وهو طليق ابن طليق ، ولم يؤهّله لها علم ولا حنكة ، ولا نصّ ولا إجماع ، إلاّ شره نَهِم ، وطمع زائغ ، وحلوم مطاشة ، أو أنّ الرجل كان لم يكترث لأن يموت ميتة جاهليّة على ولاية سواع وهبل؟

لفت نظر :

إنّ حديث معاوية : «من مات بغير إمام ، مات ميتة جاهليّة». أخرجه الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد (٥ / ٢١٨) ، وأبو داود الطيالسي في مسنده (ص ٢٥٩) من طريق عبد الله بن عمر وزاد : ومن نزع يداً من طاعة جاء يوم القيامة لا حجّة له.

وهذا الحديث معتضد بألفاظ أُخرى من طرق شتّى منها :

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من مات وليس في عنقه بيعة ، مات ميتة جاهليّة».

أخرجه : مسلم في صحيحه (٢) (٦ / ٢٢) ، والبيهقي في سننه (٨ / ١٥٦) ، وابن كثير في تفسيره (١ / ٥١٧) ، والحافظ الهيثمي في المجمع (٥ / ٢١٨) ، واستدلّ بهذا اللفظ شاه

__________________

(١) المحلّى لابن حزم : ٩ / ٣٥٩ [مسألة ١٧٦٨]. (المؤلف)

(٢) صحيح مسلم : ٤ / ١٢٦ ح ٥٨ كتاب الإمارة.

٤٩٢

وليّ الله في إزالة الخفاء (١ / ٣) على وجوب نصب الخليفة على المسلمين إلى يوم القيامة وجوباً كفائيّا.

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من مات وليس عليه طاعة ، مات ميتة جاهليّة».

أخرجه : أحمد في مسنده (١) (٣ / ٤٤٦) ، والهيثمي في المجمع (٥ / ٢٢٣).

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهليّة».

ذكره التفتازاني في شرح المقاصد (٢) (٢ / ٢٧٥) وجعله لدة قوله تعالى : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) (٣) في المفاد. وبهذا اللفظ ذكره التفتازاني أيضاً في شرح عقائد النسفي المطبوع سنة (١٣٠٢) غير أنّ يد الطبع الأمينة على ودائع العلم والدين حرّفت من الكتاب في طبع سنة (١٣١٣) سبع صحائف يوجد فيها هذا الحديث. وحكاه الشيخ علي القاري صاحب المرقاة في خاتمة الجواهر المضيئة (٢ / ٥٠٩) ، وقال في (ص ٤٥٧) : وقوله عليه‌السلام في صحيح مسلم : «من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهليّة». معناه : من لم يعرف من يجب عليه الاقتداء والاهتداء به في أوانه.

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهليّة»

أخرجه : مسلم في صحيحة (٤) (٦ / ٢١) ، والبيهقي في سننه (٨ / ١٥٦) ، وذكر في تيسير الوصول (٥) (٣ / ٣٩) نقلاً عن الصحيحين للشيخين من طريق أبي هريرة.

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من فارق الجماعة شبراً ، فمات ، فميتة جاهليّة».

__________________

(١) مسند أحمد : ٤ / ٤٧٦ ح ١٥٢٦٩.

(٢) شرح المقاصد : ٥ / ٢٣٩.

(٣) النساء : ٥٩.

(٤) صحيح مسلم : ٤ / ١٢٤ ح ٥٣ كتاب الإمارة.

(٥) تيسير الوصول : ٢ / ٤٧.

٤٩٣

أخرجه مسلم في صحيحه (١) (٦ / ٢١).

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من مات ولا إمام له مات ميتة جاهليّة».

ذكره أبو جعفر الإسكافي في خلاصة نقض كتاب العثمانيّة للجاحظ (ص ٢٩) ، وذكره الهيثمي في المجمع (٥ / ٢٢٤ ، ٢٢٥) بلفظ : «من مات وليس عليه إمام فميتته ميتة جاهليّة». وبلفظ : «من مات وليس عليه إمام مات ميتة جاهليّة».

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من مات وليس لإمام جماعة عليه طاعة مات ميتة جاهليّة».

أخرجه الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد (٥ / ٢١٩).

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من أتاه من أميره ما يكرهه فليصبر ، فإنّ من خالف المسلمين قيد شبر ثم مات مات ميتة الجاهليّة».

شرح السير الكبير (١ / ١١٣).

هذه حقيقة راهنة أثبتتها الصحاح والمسانيد فلا ندحة عن البخوع لمفادها ، ولا يتمّ إسلام مسلم إلاّ بالنزول لمؤدّاها ، ولم يختلف في ذلك اثنان ، ولا أنّ أحداً خالجه في ذلك شكّ ، وهذا التعبير ينمّ عن سوء عاقبة من يموت بلا إمام ، وأنّه في منتأىً عن أيّ نجاح وفلاح ، فإنّ ميتة الجاهليّة إنّما هي شرّميتة ، ميتة كفر وإلحاد ، لكنّ هنا دقيقة لا بدّ من البحث عنها ، وهي أنّ الصدّيقة الطاهرة المطهّرة بنصّ الكتاب الكريم ، التي يغضب الله ورسوله لغضبها ويرضيان لرضاها ، ويؤذيهما ما يؤذيها ، قضت نحبها وليس في عنقها بيعة لمن زعموا أنّه خليفة الوقت ، ومثلها بعلها طيلة ستّة أشهر أيّام حياة حليلته ، كما جاء في الصحيحين وفيهما : كان لعليّ من الناس وجه حياة فاطمة ، فلمّا توفّيت استنكر عليّ وجوه الناس (٢). قال القرطبي في المفهم :

__________________

(١) صحيح مسلم : ٤ / ١٢٥ ح ٥٥ كتاب الإمارة.

(٢) صحيح البخاري كتاب المغازي : ٦ / ١٩٧ [٤ / ١٥٤٩ ح ٣٩٩٨] ، صحيح مسلم كتاب الجهاد : ٥ / ١٥٤ [٤ / ٣٠ ح ٥٢]. (المؤلف)

٤٩٤

كان الناس يحترمون عليّا في حياتها كرامة لها ، لأنّها بضعة من رسول الله وهو مباشر لها ، فلمّا ماتت وهو لم يبايع أبا بكر ، انصرف الناس عن ذلك الاحترام ، ليدخل فيما دخل فيه الناس ولا يفرّق جماعتهم. انتهى.

فالحقيقة هاهنا مردّدة بين أنّ الصدّيقة سلام الله عليها عزبت عنها ضروريّة من ضروريّات دين أبيها وهي أولاها وأعظمها ، وقد حفظته الأُمّة جمعاء حضريّها وبدويّها ، وماتت ـ العياذ بالله ـ على غير سنّة أبيها ، وبين أن لا يكون للحديث مقيل من الصحّة ، وقد رواه الحفظة الأثبات من الفريقين وتلقّته الأُمّة بالقبول ، وبين أنّها سلام الله عليها لم تك تعترف للمتقمّص بالخلافة ، ولا توافقه على ما يدّعيه ، ولم تكن تراه أهلاً لذلك ، وكذلك الحال في مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام.

فهل يسع لمسلم أن يختار الشقّ الأوّل ويرتئي لبضعة النبوّة ولزوجها ـ نفس النبيّ الأمين ووصيّه على التعيين ـ ما يأباه العقل والمنطق ، ويبرأ منه الله ورسوله؟ لا ، ليس لأحد أن يقول ذلك.

وأمّا الشقّ الثاني ، فلا أظنّ جاهلاً يسفّ إلى مثله بعد استكمال شرائط الصحّة والقبول ، وإصفاق أئمّة الحديث ومهرة الكلام على الخضوع لمفاده ، وإطباق الأُمم الإسلاميّة على مؤدّاه.

فلم يبق إلاّ الشقّ الثالث ، فخلافة لم تعترف لها الصدّيقة الطاهرة ، وماتت وهي واجدة عليها وعلى صاحبها ، ويجوّز مولانا أمير المؤمنين التأخّر عنها ولو آناً ما ، ولم يأمر حليلته بالمبادرة إلى البيعة ، ولا بايع هو ، وهو يعلم أنّ من مات ولم يعرف إمام زمانه وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهليّة ، فخلافة هذا شأنها حقيقة بالإعراض عنها ، والنكوص عن البخوع لصاحبها.

٨ ـ من طريق أبي أُميّة عمرو بن يحيى بن سعيد ، عن جدّه : أنّ معاوية أخذ الأداوة بعد أبي هريرة يتبع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بها ، واشتكى أبو هريرة ، فبينا هو يوضّئ

٤٩٥

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، رفع رأسه [إليه] (١) مرّة أو مرّتين ، فقال : يا معاوية إن وليت أمراً فاتّق الله عزّ وجلّ واعدل. قال : فما زلت أظنّ أنّي مبتلى بعمل ، لقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى ابتليت. المسند (٢) (٤ / ١٠١).

قال الأميني : إنّ من المأسوف عليه أنّ الرجل نسي هذه الوصيّة النبويّة في عهديه جميعاً من الإمارة والملك العضوض ، أو أنّه كان يذكرها غير أنّه لم يكترث لها ، فلم يدع شيئاً من مظاهر العدل والتقوى إلاّ وتركه ، ولا أمراً من موجبات الإثم والعدوان إلاّ وارتكبه ، وإنّ البحث لفي غنىّ عن سرد تلك المآثم والجرائم ، وقد كرّرنا بعضها في أجزاء هذا الكتاب ، وفي حيطة سعة الباحث الوقوف عليها كلّها.

فليته كان يذكر تلك الوصيّة الخالدة يوم تثبّط عن نصرة عثمان حتى أُودي به ، ويوم كاشف إمام الوقت أمير المؤمنين عليه‌السلام بالحروب الطاحنة ، وجابه ولاية الله الكبرى بكلّ ما كان يسعه عناده ومكائده ، وناوأ الصحابة العدول بالقتل والتشريد ، واضطهد صلحاء الأُمّة بكلّ ما في حوله وطوله من إخافة ، وإرجاف ، وقتل ذريع ، وأخذ بالظنون والتهم ، أو كان من العدل والتقوى شيء من هذه؟ أو كان منهما بيع الخمر وشرابها وأكل الربا ، واستلحاق زياد بأبي سفيان ، واستخلاف يزيد؟ ولعلّك أعرف بيزيد من غيرك ، كما أنّ مستخلفه كان أعرف به من كلّ أحد.

ولعلّ من أظهر مصاديق عدله وتقواه دأبه على سبّ الإمام الطاهر ، ولعنه على صهوات المنابر ، وقنوته بذلك في صلواته ـ التي كانت تلعنه ـ وحمله الناس على ذلك بالحواضر الإسلاميّة وأوساطها طول حياته ، حتى كانت بدعة مخزية مستمرّة في العهد الأمويّ كلّه بعد أن اخترمته المنيّة.

وليتني كنت أدري أنّه ما ذا كان يفعله ممّا يخالف العدل والتّقوى لو لا وصيّة

__________________

(١) من المصدر.

(٢) مسند أحمد : ٥ / ٦٩ ح ١٦٤٨٦.

٤٩٦

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إيّاه؟ أو أنّه ـ والعياذ بالله ـ لو كانت الوصيّة بخلاف ما سمعه منه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟ فهل كان يُتاح له أكثر وأشنع ممّا فعل؟

٩ ـ من غير طريق عن معاوية ، قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «إذا أراد الله بعبد خيراً فقّهه في الدين» ، وفي لفظ : «من يُرد الله به خيراً يفقّهه في الدين». وفي بعض الألفاظ : وكان معاوية قلّما خطب إلاّ ذكر هذا الحديث في خطبته (١).

قال الأميني : كان من قضيّة هذا السماع ووعيه ، والإكثار من روايته حتى أنّه جاء مكرّراً في مسند أحمد ستّ عشرة مرّة ، وما كان يخطب معاوية إلاّ وذكره ، التأثّر (٢) بمفاده ، والتهالك في التفقّه في الدين ، والحرص على ما كان يسمعه أو يبلغه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مبادئ الفقه وغاياته ، فما هذا الذي قهقره عن ضبط ما هنالك من حكم وأحكام؟ وأبعده عن مستقى السنّة ذلك البون الشاسع ، الذي تركه أجهل خلق الله بأحكامه ، عدا ما خالفه وباينه ، من أحاديث كانت حجّة عليه ، بعيداً عن مغازيه وأعماله ، وعدا طفائف لا يعود العالم بها فقيهاً في دينه متبصّراً في أمره ، كلّ ذلك ينمّ عن أنّ الرجل لم يُرد الله به خيراً ولا فقّهه في دينه ، وليس ذلك من ابن هند ببعيد.

١٠ ـ من طريق محمد بن جبير بن مطعم يُحدّث : أنّه بلغ معاوية وهو عنده في وفد من قريش ، أنّ عبد الله بن عمرو بن العاص يحدّث أنّه سيكون ملك من قحطان ، فغضب معاوية ، فقام فأثنى على الله عزّ وجلّ بما هو أهله ، ثم قال : أمّا بعد : فإنّه بلغني أنّ رجالاً منكم يحدّثون أحاديث ليست في كتاب الله ولا تؤثر عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أولئك جهّالكم ، فإيّاكم والأمانيّ التي تضلّ أهلها ، فإنّي سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : إنّ هذا الأمر في قريش لا ينازعهم أحد إلاّ أكبّه الله على وجهه ما أقاموا الدين.

__________________

(١) مسند أحمد : ٥ / ٦٥ ح ١٦٤٦٠.

(٢) اسم كان مؤخر ، في قوله أوّل الفقرة : كان من قضية ...

٤٩٧

قال الأميني : لقد غلط معاوية في فهم الحديث على تقدير صحّته ، فإنّ الذي ذكر عبد الله بن عمرو أنّ ذلك الكائن ملك ، ولم ينصّ على أنّه خليفة ، وكم في الدهر بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من ملوك من غير قريش ومن الجائز أن يكون ذلك الملك الموعود به من أصحاب الملك العضوض ، فما ردّه به معاوية من أنّ الذين يجب أن يكونوا من قريش هم الأئمّة الذين لا ينازعون في أمرهم ما أقاموا الدين ، فمعاوية ومن اهتدى مثاله ممّن لم يقيموا الدين بل ناوأوه وباينوه خارجون عنهم ، وهاهنا تسقط مطامع معاوية وأمانيّه التي أضلّته من انطباق الرواية عليه وعلى نظرائه وإن لم يكونوا قحطانيّين ، فأولى به من تحذّره عن تخلّف نسبة قحطان عنه أخذه الحذر عن موانع الخلافة التي لا تبارحه ، أو كانت الخلافة في الطلقاء؟ أو كانت في غير البدريّين؟ أو كان يشترط فيها فقدان العدل والتقوى في الخليفة؟ أو كان لآكلة الأكباد ورايتها نصيب من خلافة الله؟

وإن تعجب فعجب أنّ الرجل يعدّ عبد الله بن عمرو من الجهّال ، وهو الذي جاء فيه عن أبي هريرة أنّه أكثر الناس حديثاً من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكان يكتب الحديث ، وفي لفظ أبي عمر : أحفظ حديثاً. وقال : كان فاضلاً حافظاً عالماً ، قرأ الكتاب واستأذن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أن يكتب حديثه فأذن له ، وهو الذي أثنى عليه ابن حجر بغزارة العلم والاجتهاد في العبادة (١).

نعم ؛ يقع معاوية في الرجل كمن ملأ إهابه علماً ، وشحن الطروس والسطور فقهاً وحديثاً ، ذهولاً منه عن أنّ الأُمّة المنقّبة حفظت عليه حديث عبادة بن الصامت من قوله له : إنّ أُمّك هند أعلم منك (٢).

__________________

(١) الاستيعاب : ١ / ٣٠٧ [القسم الثالث / ٩٥٧ رقم ١٦١٨] ، أُسد الغابة : ٣ / ٢٣٣ [٣ / ٣٤٩ رقم ٣٠٩٠] ، الإصابة : ٢ / ٣٥٢ [رقم ٤٨٤٧] ، تهذيب التهذيب : ٥ / ٣٣٧ [٥ / ٢٩٤]. (المؤلف)

(٢) تاريخ ابن عساكر : ٧ / ٢١٠ [٢٦ / ١٩٥ رقم ٣٠٧١ ، وفي مختصر تاريخ دمشق : ١١ / ٣٠٦]. (المؤلف)

٤٩٨

هذا معاوية ومبلغه من العلم بالسنّة.

الإجماع :

قد عرفت آنفاً أنّ من مدارك الاجتهاد في الأحكام الشرعيّة ومبادئها : الإجماع ، ولعلّ أقسط تعاريفه ما قاله الآمدي في الاحكام (١) (١ / ٢٨٠) : إنّه اتّفاق جملة من أهل الحلّ والعقد من أُمّة محمد في عصر من الأعصار على حكم واقعة من الوقائع.

فهلمّ ولننظر إلى معاوية وأقواله ، وتقوّلاته ، وأعماله ، وجرائمه ، وفقهه ، واجتهاده ، هل يقع شيء منها في معقد من معاقد الإجماع؟ وأين أُولئك الفقهاء ، وأهل الحلّ والعقد في الفقه والدين الذين أصفقوا مع معاوية على ما عنده من بدع وتافهات؟ ومن كان منهم يومئذ ليطلوا سقطات معاوية الشاذّة بالإجماع؟ وهل كان مباءة الفقهاء يومئذٍ في غير المدينة المنوّرة من الصحابة الأوّلين والتابعين لهم بإحسان؟ وفي بلاد غيرها انتشروا منها إليها ، وكلّهم كانوا في منتأىً عن ابن هند وآرائه ، ولم يزل هو يناوئهم ويضادّهم في القول والعمل ويتحرّى الوقيعة فيهم.

نعم ؛ كان يصافقه على مخاريقه حثالة من طغام الشام ، الذين حدتهم النهمة والشره وهملج بهم المطامع والشهوات ، فما قيمة اجتهاد يكون هذا أحد مبادئه؟

القياس :

المعتبر من القياس عند أئمّة السنّة والجماعة أن يكون المناط منصوصاً عليه في الكتاب والسنّة ، أو مخرّجاً عنهما بالبحث والاستنباط إمّا بنوعه أو بشخصه (٢) ، ولم

__________________

(١) الإحكام في أصول الأحكام : ١ / ٢٥٤.

(٢) راجع الكلمات التي أسلفناها في هذا الجزء تحت عنوان : الاجتهاد ما ذا هو؟ (المؤلف)

٤٩٩

نجد في اختيارات معاوية شيئاً من تلكم المناطات في المقيس عليه منصوصة أو مستنبطة يصحّ القياس في المقيس ويجوز التعويل عليها ، نعم ؛ كانت عنده أقيسة جاهليّة أراد تطبيق أحكام الإسلام بها.

أيّ اجتهاد هذا؟ :

لعلّك إلى هنا عرفت معنى الاجتهاد الصحيح وحقيقته ومبانيه عند أئمّة الإسلام من رجالات الفقه وأصوله ، وألمسك باليد بُعد معاوية عن كلّ ذلك بُعد المشرقين ، فهلمّ معي نقرأ صحيفة مكرّرة من أفعال هذا المجتهد الطاغية ، وتروكه التي اجتهد فيها ، ويرى أبناء حزم ، وتيميّة ، وكثير ، وحجر ، ومن لفّ لفّهم ، أنّ الرجل لم يلحقه ذمّ وتبعة من تلكم الهفوات ، بل يحسبونه مأجوراً فيها لكونه مجتهداً مخطئاً.

ألا تقول أيّ اجتهاد جوّز على هذا المجتهد أو أوجب عليه وعلى كلّ مسلم بأمره ـ رضي بذلك أم أبى ـ سبّ مثل مولانا أمير المؤمنين عليّ صلوات الله عليه ، والقنوت بلعنه في الصلوات ، والدعاء عليه وعلى الإمامين السبطين (١) والصلحاء الأخيار معه؟!

هل اجتهد هذه الأُحدوثة من آية التطهير والمباهلة ، أو من المئات النازلة في علي عليه‌السلام؟ أو من الآلاف من السنّة الشريفة المأثورة عن صاحب الرسالة صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من فضائله ومناقبه؟ أو من الإجماع المعقود على بيعته واتّخاذه خليفة مفترضة طاعته؟ ولئن تنازلنا عن الخلافة له ، فهل هناك إجماع على نفي إسلامه ، ونفي كونه من أعيان الصحابة العدول ، حتى يستسيغ هذا المجتهد ـ رضيع ثدي هند المتفيّئ تحت رايتها ـ الوقيعة فيه والنيل منه؟

وهل هناك قياس يخرّج ملاكه من مبادئ الاجتهاد الثلاثة التي قامت بسيف

__________________

(١) راجع الجزء الثاني : ص ١٠١ ، ١٠٢ ، ١٣٢ ، ١٣٣. (المؤلف)

٥٠٠