الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ١٠

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي

الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ١٠

المؤلف:

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي


المحقق: مركز الغدير للدّراسات الإسلاميّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
المطبعة: فروردين
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٣٠

ـ ١٥ ـ

جنايات معاوية في صفحات تاريخه السوداء

إنّما نجتزئ منها على شيء يسير يكون كأنموذج ممّا له من السيّئات التي ينبو عنها العدد ، ويتقاعس عنها الحساب ، ويستدعي التبسّط فيها مجلّدات ضخمة فمنها : دأبه على لعن مولانا علي أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ ، وكان يقنت به في صلواته كما مرّ حديثه في الجزء الثاني (ص ١٣٢) ، واتّخذه سنّة جارية في خطب الجمعة والأعياد ، وبدّل سنّة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في خطبة العيدين المتأخّرة عن صلاتهما وقدّمها عليها ، لإسماع الناس لعن الإمام الطاهر ، كما مرّ تفصيله في الجزء الثامن (ص ١٦٤ ـ ١٦٧) وأوعزنا إليه في هذا الجزء (ص ٢١٢) وكان يأمر عمّاله بتلك الأُحدوثة الموبقة ، ويحثّ الناس عليها ، ويوبّخ المتوقّفين عنها ، ولا يصيخ إلى قول أيّ ناصح وازع.

١ ـ أخرج مسلم ، والترمذي ، عن طريق عامر بن سعد بن أبي وقّاص ، قال : أمر معاوية سعداً فقال : ما منعك أن تسبّ أبا تراب؟ فقال : أمّا ما ذكرت ثلاثاً قالهنّ له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلن أسبّه ، لَأَن تكون لي واحدة منهنّ أحبّ إليّ من حمر النعم. فذكر حديث المنزلة ، والراية ، والمباهلة. وأخرجه الحاكم وزاد : فلا والله ما ذكره معاوية بحرف حتى خرج من المدينة (١).

وفي لفظ الطبري من طريق ابن أبي نجيح ، قال : لمّا حجّ معاوية طاف بالبيت ومعه سعد ، فلمّا فرغ انصرف معاوية إلى دار الندوة فأجلسه معه على سريره ، ووقع معاوية في عليّ ، وشرع في سبّه ، فزحف سعد ثم قال : أجلستني معك على سريرك ثم

__________________

(١) راجع صحيح مسلم : ٧ / ١٢٠ [٥ / ٢٣ ح ٣٢ كتاب فضائل الصحابة] ، صحيح الترمذي : ١٣ / ١٧١ [٥ / ٥٩٦ ح ٣٧٢٤] ، مستدرك الحاكم : ٣ / ١٠٩ [٣ / ١١٧ ح ٤٥٧٥]. (المؤلف)

٣٦١

شرعت في سبّ عليّ ، والله لَأَن يكون لي خصلة واحدة من خصال كانت لعليّ أحبّ إليّ من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس. إلى آخر الحديث ، وفيه من قول سعد : وايم الله لا دخلت لك داراً ما بقيت. ونهض.

قال المسعودي بعد رواية حديث الطبري : ووجدت في وجه آخر من الروايات وذلك في كتاب عليّ بن محمد بن سليمان النوفلي في الأخبار ، عن ابن عائشة وغيره : أنّ سعداً لمّا قال هذه المقالة لمعاوية ونهض ليقوم ضرط له معاوية وقال له : اقعد حتى تسمع جواب ما قلت : ما كنت عندي قطّ ألأم منك الآن ، فهلاّ نصرته؟ ولم قعدت عن بيعته؟ فإنّي لو سمعت من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مثل الذي سمعت فيه لكنت خادماً لعليّ ما عشت ، فقال سعد : والله إنّي لأحقّ بموضعك منك. فقال معاوية ، يأبى عليك [ذلك] بنو عذرة. وكان سعد فيما يقال لرجل من بني عذرة (١).

وفي رواية ذكرها ابن كثير في تاريخه (٢) (٨ / ٧٧) : دخل سعد بن أبي وقاص على معاوية فقال له : مالك لم تقاتل عليّا ، فقال : إنّي مرّت بي ريح مظلمة فقلت : أخ أخ ، فأنخت راحلتي حتّى انجلت عنّي ، ثمّ عرفت الطريق فسرت. فقال معاوية : ليس في كتاب الله أخ أخ ، ولكن قال الله تعالى : (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ) (٣). فو الله ما كنت مع الباغية على العادلة ، ولا مع العادلة على الباغية ، فقال سعد : ما كنت لأُقاتل رجلاً قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى غير أنّه لا نبيّ بعدي» فقال معاوية : من سمع هذا معك؟ فقال : فلان وفلان

__________________

(١) مروج الذهب ١ / ٦١ [٣ / ٢٤ وما بين المعقوفين منه] وحكى شطراً منه سبط ابن الجوزي في تذكرته ص ١٢ [ص ١٨]. (المؤلف)

(٢) البداية والنهاية : ٨ / ٨٣ حوادث سنة ٥٥ ه‍ وفيه : مالك لم تقاتل معنا؟بدلاً من :مالك لم تقاتل عليّا؟

(٣) الحجرات : ٩.

٣٦٢

وأُمّ سلمة. فقال معاوية : أما إنّي لو سمعته منه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما قاتلت عليّا.

قال : وفي رواية من وجه آخر : إنّ هذا الكلام كان بينهما وهما بالمدينة في حجّة حجّها معاوية ، وإنّهما قاما إلى أُمّ سلمة فسألاها فحدّثتهما بما حدّث به سعد ، فقال معاوية : لو سمعت هذا قبل هذا اليوم لكنت خادماً لعليّ حتى يموت أو أموت.

قال الأميني : لقد أفك معاوية في ادّعائه عدم إحاطة علمه بتلكم الأحاديث المطّردة الشائعة ، فإنّها لم تكن من الأسرار التي لا يطّلع عليها إلاّ البطانة والخاصّة ، وإنّما هتف بهنّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على رءوس الأشهاد ، أمّا حديث الراية فكان في واقعة خيبر وله موقعيّته الكبرى لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لأُعطينّ الراية غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله ، ويحبّه الله ورسوله». الحديث.

فاستطالت أعناقُ كلّ فريق

ليروا أيّ ماجدٍ يُعطاها

فلم تزل النفوس مشرئبّة متطلّعة إلى من عناه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتّى جيء بأمير المؤمنين عليه‌السلام ومُنح الفتح من ساحة النبوّة العظمى ، فانطبق القول ، وصدقت الأكرومة ، وعلم الغزاة كلّهم أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما كان يريد غيره.

هب أنّ معاوية يوم واقعة خيبر كان عداده في المشركين ، وموقفه مع من يُحادّ الله ورسوله ، لكن هلاّ بلغه ذلك بعد ما حداه الفَرَق إلى الاستسلام؟ والحديث مطّرد بين الغزاة وسائر المسلمين ، وهم بين مشاهد له وعالم به.

وأمّا حديث المنزلة ، فقد نطق به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في موارد عديدة ، منها غزاة تبوك ، على ما مرّ تفصيله في الجزء الثالث (ص ١٩٨) وقد حضرها وجوه الصحابة وأعيانهم ، وكلّهم علموا بهاتيك الفضيلة الرابية ، فالاعتذار عن معاوية بأنّه لم يحضرها لإشراكه يومئذٍ مدفوع بما قلناه في واقعة خيبر.

ومن جملة موارده يوم غدير خمّ الذي حضره معاوية وسمعه هو ومائة ألف

٣٦٣

أو يزيدون ، لكنّه لم يعِهِ بدليل أنّه ما آمن به ، فحارب عليّا عليه‌السلام بعده ، وعاداه ، وأمر بلعنه محادّة منه لله ولرسوله ، وعقيرة رسول الله المرفوعة بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في عليّ «اللهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله». بعدُ ترنّ في أُذن الدنيا.

ومن موارده يوم المؤاخاة كما أخرجه أحمد (١) ، باسناده عن محدوج بن زيد الباهلي ، قال : آخى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين المهاجرين والأنصار ، فبكى عليّ عليه‌السلام فقال رسول الله : «ما يبكيك فقال : لم تواخِ بيني وبين أحد. فقال : إنّما ادّخرتك لنفسي ثم قال : أنت منّي بمنزلة هارون من موسى» (٢).

ومنها يوم كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في دار أُمّ سلمة ، إذ أقبل عليّ عليه‌السلام يريد الدخول على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال : يا أُمّ سلمة هل تعرفين هذا؟ قالت : نعم ، فقال : «هذا عليّ سيط لحمه بلحمي ودمه بدمي ، وهو منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي». راجع الجزء الثالث (ص ١١٦).

على أنّ حديث المنزلة قد جاء من طريق معاوية نفسه ، رواه في حياة عليّ عليه‌السلام فيما أخرجه أحمد في مناقبه من طريق أبي حازم ، كما في الرياض النضرة (٣) (٢ / ١٩٥).

وأمّا نبأ المباهلة فصحيح أنّ معاوية لم يُدركه ، لأنّ الكفر كان يمنعه عند ذلك عن سماعه ، غير أن القرآن الكريم قد أعرب عن ذلك النبأ العظيم إن لم يكن ابن حرب في معزل عن الكتاب والسنّة ، على أن قصّتها من القضايا العالميّة وليس من المستطاع لأيّ أحد أن يدّعي الجهل بها.

وهنا نماشي ابن صخر في عدم اطّلاعه على تلكم الفضائل إلى حدّ إخبار سعد

__________________

(١) مناقب عليّ : ص ١٩٧ ح ٢٥٧.

(٢) راجع ما أسلفناه في الجزء الثالث : ص ١١٥. (المؤلف)

(٣) الرياض النضرة : ٣ / ١٤٢.

٣٦٤

إيّاه ، لكنّه بما ذا يعتذر وهو يقرأ قوله تعالى : (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما) الآية؟! وبما ذا يعتذر بعد ما رواه قبل يوم صفّين من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعمّار : «تقتلك الفئة الباغية» وبما ذا يعتذر بعد علمه بتلكم الأحاديث بإخبار صحابيّ معدود عند القوم في العشرة المبشّرة ، وبعد إقامة الشهود عليه؟! ومن هنا تعلم أنّه أفك مرّة أخرى بقوله : أما إنّي لو سمعت من رسول الله ما سمعت في عليّ لكنت له خادماً ما عشت. لأنّه عاش ولم يرتدع عن غيّه ، وحارب أمير المؤمنين عليه‌السلام حيّا وميّتاً ، ودأب على لعنه والأمر به حتى أجهز عليه عمله ، وكبت به بطنته.

نعم : إنّه استمرّ على بغيه ، وقابل سعداً في حديثه بالضرطة ، وهل هي هزء منه بمصدر تلكم الأنباء القدسيّة؟ أو بخضوع سعد لها؟ أو لمحض أنّ سعداً لم يوافقه على ظلمه؟ أنا لا أدري ، غير أنّ كفر معاوية الدفين لا يأبى شيئاً من ذلك ، وهلاّ منعه الخجل عن مثل هذا المجون وهو ملك؟ وبطبع الحال أنّ مجلسه يحوي الأعاظم والأعيان.

من أين تخجلُ أوجهٌ أمويّةٌ

سكبت بلذّات الفجور حياءها

٢ ـ لمّا مات الحسن بن عليّ عليهما‌السلام حجّ معاوية ، فدخل المدينة وأراد أن يلعن عليّا على منبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقيل له : إنّ هاهنا سعد بن أبي وقّاص ولا نراه يرضى بهذا ، فابعث إليه وخذ رأيه ، فأرسل إليه وذكر له ذلك ، فقال : إن فعلت لأخرجنّ من المسجد ، ثم لا أعود إليه ، فأمسك معاوية عن لعنه حتى مات سعد. فلمّا مات لعنه على المنبر ، وكتب إلى عمّاله أن يلعنوه على المنابر ، ففعلوا فكتبت أمّ سلمة زوج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى معاوية : إنّكم تلعنون الله ورسوله على منابركم ، وذلك أنّكم تلعنون عليّ بن أبي طالب ومن أحبّه ، وأنا أشهد أنّ الله أحبّه ورسوله. فلم يلتفت إلى كلامها. العقد الفريد (١) (٢ / ٣٠١).

__________________

(١) العقد الفريد : ٤ / ١٥٩.

٣٦٥

٣ ـ قال معاوية لعقيل بن أبي طالب : إنّ عليّا قد قطعك وأنا وصلتك ، ولا يرضيني منك إلاّ أن تلعنه على المنبر ، قال : أفعل. فصعد المنبر ، ثمّ قال بعد أن حمد الله وأثنى عليه وصلّى على نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أيّها الناس إنّ معاوية بن أبي سفيان قد أمرني أن ألعن عليّ بن أبي طالب ، فالعنوه ، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. ثم نزل فقال له معاوية : إنّك لم تبيّن من لعنت منهما ، بيّنه. فقال : والله لا زدت حرفاً ولا نقصت حرفاً ، والكلام إلى نيّة المتكلّم. العقد الفريد (٢ / ١٤٤) ، المستطرف (١ / ٥٤) (١).

٤ ـ بعث معاوية إلى عبيد الله بن عمر لمّا قدم عليه بالشام فأتى ، فقال له معاوية : يا ابن أخي إنّ لك اسم أبيك ، فانظر بملء عينيك ، وتكلّم بكلّ فيك ، فأنت المأمون المصدّق ، فاصعد المنبر واشتم عليّا ، واشهد عليه أنّه قتل عثمان. فقال : يا أمير المؤمنين أمّا شتمه فإنّه عليّ بن أبي طالب ، وأمّه فاطمة بنت أسد بن هاشم ، فما عسى أن أقول في حسبه؟ وأمّا بأسه فهو الشجاع المطرق. وأمّا أيّامه فما قد عرفت ، ولكنّي ملزمه دم عثمان. فقال عمرو بن العاص : إذاً والله قد نكأت القرحة (٢).

٥ ـ روى ابن الأثير في أُسد الغابة (٣) (١ / ١٣٤) عن شهر بن حوشب ، أنّه قال : أقام فلان (٤) خطباء يشتمون عليّا ـ ٢ وأرضاه ـ ويقعون فيه ، حتى كان آخرهم رجل من الأنصار أو غيرهم يقال له : أنيس. فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : إنّكم قد أكثرتم اليوم في سبّ هذا الرجل وشتمه ، وإنّي أقسم بالله إنّي سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «إنّي لأشفع يوم القيامة لأكثر ممّا على الأرض من مدر وشجر» وأُقسم بالله ما أحد أوصل لرحمه منه ، أفترون شفاعته تصل إليكم وتعجز

__________________

(١) العقد الفريد : ٣ / ٢١٥ ، المستطرف : ١ / ٤٣.

(٢) كتاب صفّين لابن مزاحم : ١ / ٩٢ [ص ٨٢] ، شرح ابن أبي الحديد : ١ / ٢٥٦ [٣ / ١٠٠ خطبة ٤٣]. (المؤلف)

(٣) أُسد الغابة : ١ / ١٥٨ رقم ٢٧١.

(٤) يعني معاوية. (المؤلف)

٣٦٦

عن أهل بيته؟! وذكره ابن حجر في الإصابة (١ / ٧٧).

٦ ـ بينما معاوية جالس في بعض مجالسه وعنده وجوه الناس ، فيهم : الأحنف ابن قيس ، إذ دخل رجل من أهل الشام ، فقام خطيباً ، وكان آخر كلامه أن لعن عليّا ، فقال الأحنف : يا أمير المؤمنين إنّ هذا القائل لو يعلم أنّ رضاك في لعن المرسلين لَلعنهم ، فاتّق الله يا أمير المؤمنين ودع عنك عليّا فلقد لقي ربّه ، وأُفِرد في قبره ، وخلا بعمله ، وكان والله المبرور سيفه ، الطاهر ثوبه ، العظيمة مصيبته. فقال له معاوية : يا أحنف لقد أغضيت العين على القذى ، وقلت ما ترى ، وايم الله لتصعدنّ المنبر فتلعننّه طوعاً أو كرهاً ، فقال له الأحنف : يا أمير المؤمنين إن تعفني فهو خير لك ، وإن تجبرني على ذلك فو الله لا تجري شفتاي به أبداً. فقال : قم فاصعد المنبر.

قال الأحنف : أما والله لأُنصفنّك في القول والفعل. قال : وما أنت قائل إن أنصفتني؟

قال : أصعد المنبر ، فأحمد الله وأثني عليه ، وأُصلّي على نبيّه محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم أقول : أيّها الناس إنّ أمير المؤمنين معاوية أمر أن ألعن عليّا ، وإنّ عليّا ومعاوية اختلفا واقتتلا ، فادّعى كلّ واحد منهما أنّه بُغي عليه وعلى فئته ، فإذا دعوت فأمّنوا رحمكم الله. ثم أقول : اللهم العن أنت وملائكتك وأنبياؤك وجميع خلقك الباغي منهما على صاحبه ، والعن الفئة الباغية ، اللهمّ العنهم لعناً كثيراً ، أمّنوا رحمكم الله. يا معاوية لا أزيد على هذا ولا أنقص حرفاً ولو كان فيه ذهاب روحي. فقال معاوية : إذاً نعفيك يا أبا بحر.

العقد الفريد (٢ / ١٤٤) ، المستطرف (١ / ٥٤) (١).

٧ ـ في كتاب المختصر في أخبار البشر (٢) للعلاّمة إسماعيل بن عليّ بن محمود :

__________________

(١) العقد الفريد : ٣ / ٢١٥ ، المستطرف : ١ / ٤٢.

(٢) المختصر في أخبار البشر المعروف بتاريخ أبي الفداء : ١ / ١٨٢.

٣٦٧

كتب الحسن إلى معاوية واشترط عليه شروطاً ، وقال : «إن أجبت إليها فأنا سامع مطيع» فأجاب معاوية إليها ، وكان الذي طلبه الحسن أن يُعطيه ما في بيت مال الكوفة ، وخراج دارابجرد من فارس ، وأن لا يشتم عليّا ، فلم يجب إلى الكفّ عن شتم عليّ ، فطلب الحسن أن لا يُشتم عليّ وهو يسمع ، فأجابه إلى ذلك ثم لم يَفِ به.

راجع (١) أيضاً : تاريخ الطبري (٦ / ٩٢) ، كامل ابن الأثير (٣ / ١٧٥) ، تاريخ ابن كثير (٨ / ١٤) ، تذكرة السبط (ص ١١٣) ، إتحاف الشبراوي (ص ١٠).

٨ ـ جاء قيس بن عبّاد الشيبانيّ إلى زياد ، فقال له : إنّ امرأً منّا من بني همام يُقال له : صيفي بن فسيل ، من رءوس أصحاب حُجر ، وهو أشدّ الناس عليك ، فبعث إليه زياد فأتي [به] ، فقال له زياد : يا عدوّ الله ما تقول في أبي تراب؟ قال : ما أعرف أبا تراب. قال : ما أعرفك به! قال : ما أعرفه. قال : أما تعرف عليّ بن أبي طالب؟ قال : بلى. قال : فذاك أبو تراب. قال : كلاّ ذاك أبو الحسن والحسين عليه‌السلام.

وفيه : قال زياد : لَتلعَننّه أو لأضربنّ عنقك. قال : إذاً تضربها والله قبل ذلك ، فإن أبيت إلاّ أن تضربها رضيت بالله وشقيت أنت. قال : ادفعوا في رقبته. ثم قال. أوقروه حديداً وألقوه في السجن. ثم قتل (٢) مع حُجر وأصحابه سنة (٥١). وسيوافيك الحديث بتمامه إن شاء الله تعالى.

٩ ـ خطب بُسر بن أرطاة على منبر البصرة ، فشتم عليّا عليه‌السلام ثم قال : نشدت الله

__________________

(١) تاريخ الأُمم والملوك : ٥ / ١٦٠ حوادث سنة ٤٠ ه‍ ، الكامل في التاريخ : ٢ / ٤٤٦ حوادث سنة ٤١ ه‍ ، البداية والنهاية : ٨ / ١٦ حوادث سنة ٤٠ ه‍ ، تذكرة الخواص : ص ١٩٨ ، الإتحاف بحب الأشراف : ص ٣٥.

(٢) تاريخ الطبري ٦ / ١٤٩ [٥ / ٢٦٦ حوادث سنة ٥١ ه‍] ، الأغاني : ١٦ / ٧ [١٧ / ١٤٨] ، كامل ابن الأثير : ٣ / ٢٠٤ [٢ / ٤٩٢ حوادث سنة ٥١ ه‍] ، تاريخ ابن عساكر : ٦ / ٤٥٩ [٢٤ / ٢٥٨ رقم ٢٩٠٨ ، وفي مختصر تاريخ دمشق : ١١ / ١٢٥]. (المؤلف)

٣٦٨

رجلاً علم أنّي صادق إلاّ صدّقني أو كاذب إلاّ كذّبني. فقال أبو بكرة (١) : اللهمّ إنّا لا نعلمك إلاّ كاذباً. قال : فأمر به فخُنِق. تاريخ الطبري (٢) (٦ / ٩٦).

١٠ ـ استعمل معاوية كثير بن شهاب على الريّ ، وكان يكثر سبّ عليّ على منبر الريّ ، وبقي عليها إلى أن ولي زياد الكوفة فأقرّه عليها. كامل ابن الأثير (٣) (٣ / ١٧٩).

١١ ـ كان المغيرة بن شعبة لمّا ولي الكوفة ، كان يقوم على المنبر ويخطب وينال من عليّ عليه‌السلام ويلعنه ويلعن شيعته ، وقد صحّ أنّ المغيرة لعنه على منبر الكوفة مرّات لا تحصى ، وكان يقول : إنّ عليّا لم ينكحه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ابنته حبّا ولكنّه أراد أن يكافئ بذلك إحسان أبي طالب إليه. وصحّ عند الحاكم والذهبي أنّ المغيرة سبّ عليّا فقام إليه زيد بن أرقم فقال : يا مغيرة ألم تعلم أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن سبّ الأموات؟ فلِمَ تسبّ عليّا وقد مات (٤)؟

راجع (٥) : مسند أحمد (١ / ١٨٨) ، الأغاني (١٦ / ٢) المستدرك (١ / ٣٨٥) ، شرح ابن أبي الحديد (١ / ٣٦٠).

__________________

(١) اسمه نفيع بن مسروح ، وقيل : نفيع بن الحارث بن كلدة ، وأمّه سميّة جارية الحارث بن كلدة. وكان يقول أنا مولى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويأبى أن ينتسب ، وقد نزل يوم الطائف إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الحصن فأسلم في غلمان من غلمان أهل الطائف فأعتقهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. وقد كنّاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأبي بكرة لأنه تعلّق ببكرة من حصن الطائف. وهو من فضلاء الصحابة ، وهو الذي شهد على المغيرة بن شعبة بالزنا. أنظر الاستيعاب : ٤ / ١٦١٤ رقم ٢٨٧٧.

(٢) تاريخ الأُمم والملوك : ٥ / ١٦٧ ـ ١٦٨ حوادث سنة ٤١ ه‍.

(٣) الكامل في التاريخ : ٢ / ٤٥٢ حوادث سنة ٤١ ه‍.

(٤) حديث النهي عن سبّ الأموات أخرجه البخاري في صحيحه : ٢ / ٢٦٤ [١ / ٤٧٠ رقم ١٣٢٩]. (المؤلف)

(٥) مسند أحمد : ١ / ٣٠٧ ح ١٦٣٤ ، الأغاني : ١٧ / ١٣٧ ، المستدرك على الصحيحين : ١ / ٥٤١ ح ١٤١٩ ، شرح نهج البلاغة : ٤ / ٦٩ خطبة ٥٦.

٣٦٩

قدمت الخطباء إلى المغيرة بن شعبة بالكوفة ، فقام صعصعة بن صوحان فتكلّم ، فقال المغيرة : أخرجوه فأقيموه على المصطبة فليلعن عليّا. فقال : لعن الله من لعن الله ولعن عليّ بن أبي طالب. فاخبروه بذلك فقال : أقسم بالله لتقيدنّه. فخرج فقال : إنّ هذا يأبى إلاّ عليّ بن أبي طالب فالعنوه لعنه الله. فقال المغيرة : أخرجوه أخرج الله نفسه.

الأذكياء لابن الجوزي (١) (ص ٩٨).

١٢ ـ أخرج ابن سعد ، عن عمير بن إسحاق ، قال : كان مروان أميراً علينا ـ يعني بالمدينة ـ فكان يسبّ عليّا كلّ جمعة على المنبر ، وحسن بن عليّ يسمع فلا يردّ شيئاً ، ثم أرسل إليه رجلاً يقول له : بعليّ وبعليّ وبعليّ وبك وبك وبك ، وما وجدت مثلك إلاّ مثل البغلة يقال لها : من أبوك؟ فتقول : أُمّي الفرس. فقال له الحسن : «إرجع إليه فقل له : إنّي والله لا أمحو عنك شيئاً ممّا قلت بأن أسبّك ، ولكن موعدي وموعدك الله ، فإن كنت صادقاً جزاك الله بصدقك ، وإن كنت كاذباً فالله أشدّ نقمة».

تاريخ الخلفاء للسيوطي (٢) (ص ١٢٧) ، راجع الجزء الثامن ـ ترجمة مروان.

وكان الوزغ ابن الوزغ يقول لمّا قيل له : ما لكم تسبّون عليّا على المنابر : إنّه لا يستقيم لنا الأمر إلاّ بذلك.

الصواعق المحرقة (٣) (ص ٣٣).

١٣ ـ استناب معاوية على المدينة عمرو بن سعيد بن العاص بن أُميّة الأمويّ المعروف بالأشدق ، الذي جاء فيه في مسند أحمد (٤) (٢ / ٥٢٢) من طريق أبي هريرة

__________________

(١) الأذكياء : ص ١٦٨.

(٢) تاريخ الخلفاء : ص ١٧٧.

(٣) الصواعق المحرقة : ص ٥٥.

(٤) مسند أحمد : ٣ / ٣٣٠ ح ١٠٣٨٥.

٣٧٠

مرفوعاً : «ليرعفنّ على منبري جبّار من جبابرة بني أُميّة يسيل رعافه». قال : فحدّثني من رأى عمرو بن سعيد رعف على منبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى سال رعافه (١).

كان هذا الجبّار ممّن يسبّ عليّا عليه‌السلام على صهوة المنابر ، قال القسطلاني في إرشاد الساري في شرح صحيح البخاري (٢) (٤ / ٣٦٨) ، والأنصاري في تحفة الباري شرح البخاري المطبوع في ذيل إرشاد الساري ، في الصفحة المذكورة : سمّي عمرو بالأشدق لأنّه صعد المنبر فبالغ في شتم علي رضى الله عنه فأصابته لقوة ـ أي داء في وجهه.

وعمرو بن سعيد هو الذي كان بالمدينة يوم قتل الإمام السبط عليه‌السلام ، قال عوانة ابن الحكم : لما قتل الحسين بن عليّ دعا عبيد الله بن زياد عبد الملك بن أبي الحرث السلمي ، وبعثه إلى المدينة ليبشّر عمرو بن سعيد ، فدخل السلمي على عمرو فقال : ما وراءك؟ فقال : ما سرّ الأمير قُتِل الحسين بن عليّ. فقال : نادِ بقتله. فناديت بقتله ، فلم أسمع والله واعية قطّ مثل واعية نساء بني هاشم في دورهنّ على الحسين ، فقال عمرو وضحك :

عجّت نساءُ بني زيادٍ عجّةً

كعجيجِ نسوتِنا غداةَ الأرنبِ (٣)

ثم قال عمرو : هذه واعية بواعية عثمان بن عفّان. ثم صعد المنبر فأعلم الناس قتله (٤) ، وفي مثالب أبي عبيدة : ثم أومأ إلى القبر الشريف وقال : يا محمد يوم بيوم بدر. فأنكر عليه قوم من الأنصار.

كان أبو رافع عبداً لأبي أُحيحة سعيد بن العاص بن أُميّة ، فأعتق كلّ من بنيه

__________________

(١) وذكره ابن كثير في تاريخه : ٨ / ٣١١ [٨ / ٣٤٢ حوادث سنة ٦٩ ه‍]. (المؤلف)

(٢) ارشاد الساري : ٤ / ٤١٩ ح ١٨٣٢.

(٣) وقعة الأرنب كانت لبني زبيد على بني زياد من بني الحارث بن كعب من رهط عبد المدان ، والبيت المذكور لعمرو بن معديكرب. (المؤلف)

(٤) تاريخ الطبري : ٦ / ٢٢٨ [٥ / ٤٦٥ حوادث سنة ٦١ ه‍] ، كامل ابن الأثير : ٤ / ٣٩ [٢ / ٥٧٩ حوادث سنة ٦١ ه‍]. (المؤلف)

٣٧١

نصيبه منه إلاّ خالد بن سعيد ، فإنّه وهب نصيبه للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأعتقه ، فكان يقول : أنا مولى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلمّا ولي عمرو بن سعيد بن العاص المدينة أيّام معاوية ، أرسل إلى البهيّ (١) بن أبي رافع ، فقال له : مولى من أنت؟ فقال : مولى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فضربه مائة سوط ، ثم تركه ثم دعاه ، فقال : مولى من أنت؟ فقال : مولى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فضربه مائة سوط ، حتى ضربه خمسمائة سوط. فلمّا خاف أن يموت قال له : أنا مولاكم.

كامل المبرّد (٢) (٢ / ٧٥) ، الإصابة (٤ / ٦٨).

١٤ ـ أخرج الحاكم من طريق طاووس قال : كان حُجر بن قيس المدري من المختصّين بخدمة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضى الله عنه ، فقال له عليّ يوماً : «يا حُجر إنّك تقام بعدي فتؤمر بلعني فالعنّي ولا تبرأ منّي (٣)». قال طاووس : فرأيت حُجر المدري وقد أقامه أحمد بن إبراهيم خليفة بني أميّة في الجامع ، ووكّل به أن يلعن عليّا أو يُقتل. فقال حجر : أما إنّ الأمير أحمد بن إبراهيم أمرني أن ألعن عليّا فالعنوه لعنه الله. فقال طاووس : فلقد أعمى الله قلوبهم حتى لم يقف أحد منهم على ما قال.

المستدرك (٤) (٢ / ٣٥٨).

قال الأميني : لم يزل معاوية وعمّاله دائبين على ذلك حتى تمرّن عليه الصغير وهرم الشيخ الكبير ، ولعلّ في أوليات الأمر كان يوجد هناك من يمتنع عن القيام بتلك السبّة المخزية ، وكان يسع لبعض النفوس الشريفة أن يتخلّف عنها ، غير أنّ شدّة معاوية الحليم في إجراء أُحدوثته ، وسطوة عمّاله الخصماء الألدّاء على أهل بيت الوحي ، وتهالكهم دون تدعيم تلك الإمرة الغاشمة ، وتنفيذ تلك البدعة الملعونة ،

__________________

(١) في الكامل : عبيد الله بن أبي رافع. (المؤلف)

(٢) الكامل في اللغة والأدب : ١ / ٤٠١.

(٣) صح عن أمير المؤمنين قوله : إنّكم ستُعرضون على سبّي فسبّوني ، فإن عرضت عليكم البراءة منّي فلا تبرءوا منّي ، فإنّي على الإسلام. مستدرك الحاكم : ٢ / ٣٥٨ [٢ / ٣٩٠ ح ٣٣٦٥]. (المؤلف)

(٤) المستدرك على الصحيحين : ٢ / ٣٩٠ ح ٣٣٦٦ ، وفيه : ليلعن ، بدل : أن يلعن.

٣٧٢

حكمت في البلاء حتى عمّت البلوى ، وخضعت إليها الرقاب ، وغلّلتها أيدي الجورتحت نير الذلّ والهوان ، فكانت العادة مستمرّة منذ شهادة أمير المؤمنين عليه‌السلام إلى نهي عمر بن عبد العزيز طيلة أربعين سنة على صهوات المنابر ، وفي الحواضر الإسلاميّة كلّها من الشام إلى الريّ ، إلى الكوفة ، إلى البصرة إلى عاصمة الإسلام المدينة المشرّفة ، إلى حرم أمن الله مكة المعظّمة ، إلى شرق العالم الإسلامي وغربه ، وعند مجتمعات المسلمين جمعاء ، وقد مرّ في الجزء الثاني قول ياقوت في معجم البلدان (١) : لُعن عليّ بن أبي طالب رضى الله عنه على منابر الشرق والغرب ، ولم يُلعن على منبر سجستان إلاّ مرّة ، وامتنعوا على بني أُميّة حتى زادوا في عهدهم : وأن لا يُلعن على منبرهم أحد ، وأيّ شرف أعظم من امتناعهم من لعن أخي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على منبرهم وهو يُلعن على منابر الحرمين : مكة والمدينة. انتهى.

وقد صارت سنّة جارية ، ودُعمت في أيّام الأمويّين سبعون ألف منبر يُلعن فيها أمير المؤمنين عليه‌السلام (٢) ، واتّخذوا ذلك كعقيدة راسخة ، أو فريضة ثابتة ، أو سنّة متّبعة يُرغب فيها بكلّ شوق وتوق ، حتى أنّ عمر بن عبد العزيز لمّا منع عنها ، لحكمة عمليّة أو لسياسة وقتيّة ، حسبوه كأنّه جاء بطامّة كبرى ، أو اقترف إثماً عظيماً.

والذي يظهر من كلام المسعودي في مروجه (٣) (٢ / ١٦٧) ، واليعقوبي في تاريخه (٤) (٣ / ٤٨) ، وابن الأثير في كامله (٥) (٧ / ١٧) ، والسيوطي في تاريخ الخلفاء (٦) (ص ١٦١) وغيرهم : أنّ عمر بن عبد العزيز إنّما نهى عن لعنه عليه‌السلام في الخطبة على المنبر فحسب ، وكتب بذلك إلى عمّاله وجعل مكانه : (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ

__________________

(١) معجم البلدان : ٣ / ١٩١.

(٢) راجع ما أسلفناه في الجزء الثاني : ص ١٠٢ ، ١٠٣. (المؤلف)

(٣) مروج الذهب : ٣ / ٢٠٥.

(٤) تاريخ اليعقوبي : ٢ / ٣٠٥.

(٥) الكامل في التاريخ : ٣ / ٢٥٦ حوادث سنة ٩٩ ه‍.

(٦) تاريخ الخلفاء : ص ٢٢٦.

٣٧٣

سَبَقُونا بِالْإِيمانِ) (١) الآية. وقيل : بل جعل مكان ذلك : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ) (٢) الآية. وقيل : بل جعلهما جميعاً ، فاستعمل الناس في الخطبة.

وأمّا نهيه عن مطلق الوقيعة في أمير المؤمنين والنيل منه عليه‌السلام ، وأخذه كلّ متحامل عليه بالسبّ والشتم ، وإجراء العقوبة على مرتكبي تلكم الجريرة ، فلسنا عالمين بشيء من ذلك ، غير أنّا نجد في صفحات التاريخ أنّ عمر بن عبد العزيز كان يجلد من سب عثمان ومعاوية ، كما ذكره ابن تيميّة في كتابه الصارم المسلول (٣) (ص ٢٧٢) ولم نقف على جلده أحداً لسبّه أمير المؤمنين عليه‌السلام.

دع عنك موقف أمير المؤمنين عليه‌السلام من خلافة الله الكبرى ، وسوابقه في تثبيت الإسلام والذبّ عنه ، وبثّه العدل والإنصاف ، وتدعيمه فرائض الدين وسننه ، ودعوته إلى الله وحده وإلى نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإلى دينه الحنيف ، وتهالكه في ذلك كلّه ، حتى لقي ربّه مكدوداً في ذات الله.

دع عنك فضائله ، وفواضله ، والآي النازلة فيه ، والنصوص النبويّة المأثورة في مناقبه ، لكنّه هل هو بدع من آحاد المسلمين الذين يحرم لعنهم وسبابهم وعليه تعاضدت الأحاديث واطّردت الفتاوى؟

وحسبك قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «سباب المسلم فسوق».

أخرجه (٤) : البخاري ، ومسلم ، والترمذي ، والنسائي ، وابن ماجة ، وأحمد ،

__________________

(١) الحشر : ١٠.

(٢) النحل : ٩٠.

(٣) الصارم المسلول : ص ٥٧٤.

(٤) صحيح البخاري : ١ / ٢٧ ح ٤٨ ، صحيح مسلم : ١ / ١١٤ ح ١١٦ كتاب الإيمان ، سنن الترمذي : ٤ / ٣١١ ح ١٩٨٣ ، السنن الكبرى للنسائي : ٢ / ٣١٣ ح ٣٥٦٨ ـ ٣٥٧١ ، سنن ابن ماجة : ٢ / ١٢٩٩ ح ٣٩٣٩ ـ ٣٩٤١ ، مسند أحمد : ١ / ٦٣٦ ح ٣٦٣٩ ، السنن الكبرى للبيهقي : ٨ / ٢٠ ، تاريخ بغداد : ١٣ / ١٨٥ رقم ٧١٦٣.

٣٧٤

والبيهقي ، والطبري ، والدارقطني ، والخطيب ، وغيرهم من طريق ابن مسعود ، وأبي هريرة ، وسعد بن أبي وقّاص ، وجابر ، وعبد الله بن مغفل ، وعمرو بن النعمان. راجع الترغيب والترهيب (١) (٣ / ١٩٤) ، وفيض القدير (٤ / ٨٤ ، ٥٠٥ ، ٥٠٦).

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «سباب المسلم كالمشرف على الهلكة».

أخرجه البزّار (٢) من طريق عبد الله بن عمرو بإسناد جيّد ، كما قاله الحافظ المنذري في الترغيب والترهيب (٣) (٣ / ١٩٤).

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «لا يكون المؤمن لعّاناً».

أخرجه الترمذي (٤) ، وقال : حديث حسن. وسمعت نهيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن سبّ الأموات (ص ٢٦٣).

على أنّ الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام مع غضّ الطرف عن طهارة مولده ، وقداسة محتده ، وشرف أرومته ، وفضائله النفسيّة والكسبيّة ، وملكاته الكريمة ، هو من العشرة الذين بُشّروا بالجنّة ـ عند القوم ـ ، ولا أقلّ من أنّه أحد الصحابة الذين يعتقد القوم فيهم العدالة جميعاً (٥) ، ويحتجّون بأقوالهم وأفعالهم ، ولا يستسيغون الوقيعة فيهم ، ويشدّدون النكير على الشيعة لحسبانهم أنّهم يقعون في بعض الصحابة ، ورتّبوا على ذلك أحكاماً ، قال يحيى بن معين : كلّ من شتم عثمان ، أو طلحة ، أو أحداً من

__________________

(١) الترغيب والترهيب : ٣ / ٤٦٦.

(٢) مسند البزّار (البحر الزخّار) : ٥ / ٨٦ ح ١٦٦٠.

(٣) الترغيب والترهيب : ٣ / ٤٦٧.

(٤) سنن الترمذي : ٤ / ٣٢٦ ح ٣٠١٩ ، وانظر الترغيب والترهيب : ٣ / ٤٧٠ ، ومشكاة المصابيح للتبريزي : ٣ / ٤٣ ح ٤٨٤٨.

(٥) قال النووي في شرح مسلم هامش الإرشاد : ٨ / ٢٢ [١٢ / ٢١٦] : إنّ الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ كلّهم هم صفوة الناس ، وسادات الأُمّة ، وأفضل ممّن بعدهم ، وكلّهم عدول قدوة لا نخالة فيهم ، وإنّما جاء التخليط ممّن بعدهم ، وفيمن بعدهم كانت النخالة. (المؤلف)

٣٧٥

أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دجّال لا يُكتب عنه ، وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين (١).

وعن أحمد إمام الحنابلة (٢) : خير الأُمّة بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبو بكر ، وعمر بعد أبي بكر ، وعثمان بعد عمر ، وعليّ بعد عثمان ، ووقف قوم ، وهم خلفاء راشدون مهديّون ، ثم أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد هؤلاء الأربعة خير الناس ، لا يجوز لأحد أن يذكر شيئاً من مساوئهم ، ولا طعن على أحد منهم بعيب ولا نقص ، فمن فعل ذلك فقد وجب تأديبه وعقوبته ، ليس له أن يعفو عنه ، بل يعاقبه ويستتيبه ، فإن تاب قبل منه ، وإن ثبت أعاد عليه العقوبة ، وخلّده في الحبس حتى يموت أو يراجع.

وعنه أيضاً : ما لهم ولمعاوية نسأل الله العافية. وقال : إذا رأيت أحداً يذكر أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بسوء فاتّهمه على الإسلام.

وعن عاصم الأحول قال : أُتيت برجل قد سبّ عثمان ، قال : فضربته عشرة أسواط ، قال : ثم عاد لما قال ، فضربته عشرة أخرى. قال : فلم يزل يسبّه حتى ضربته سبعين سوطاً.

وقال القاضي أبو يعلى : الذي عليه الفقهاء في سبّ الصحابة ، إن كان مستحلاّ لذلك كفر ، وإن لم يكن مستحلاّ فسق ولم يكفر ، سواء كفّرهم أو طعن في دينهم مع إسلامهم ، وقد قطع طائفة من الفقهاء من أهل الكوفة وغيرهم بقتل من سبّ الصحابة ، وكفر الرافضة.

قال أبو بكر بن عبد العزيز في المقنع : فأمّا الرافضي فإن كان يسبّ فقد كفر ، فلا يُزوّج (٣).

__________________

(١) تهذيب التهذيب : ١ / ٥٠٩ [١ / ٤٤٧]. (المؤلف)

(٢) مسند أحمد : ١ / ١٨٦ ح ٩٣٦.

(٣) الصارم المسلول : ص ٢٧٢ ، ٥٧٤ ، ٥٧٥. (المؤلف)

٣٧٦

وقال الشيخ علاء الدين أبو الحسن الطرابلسي الحنفي في معين الحكام فيما يتردّد بين الخصمين من الأحكام (١) (ص ١٨٧) : من شتم أحداً من أصحاب النبيّ عليه‌السلام أبا بكر ، أو عمر ، أو عثمان ، أو عليّا ، أو معاوية ، أو عمرو بن العاص ، فإن قال : كانوا على ضلال وكفر ، قُتل ، وإن شتمهم بغير هذا من مشاتمة الناس ، نكل نكالاً شديداً.

وعدّ الذهبي في كتاب الكبائر (٢) (ص ٢٣٣) منها : سبّ أحد من الصحابة ، وقال في (ص ٢٣٥) : فمن طعن فيهم أو سبّهم فقد خرج من الدين ، ومرق من ملّة المسلمين ، لأنّ الطعن لا يكون إلاّ عن اعتقاد مساوئهم ، وإضمار الحقد فيهم ، وإنكار ما ذكره الله في كتابه من ثنائه عليهم ، وما لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من ثنائه عليهم ، وفضائلهم ، ومناقبهم ، وحبّهم ، ولأنّهم أرضى الوسائل من المأثور والوسائط من المنقول ، والطعن في الوسائط طعن في الأصل ، والازدراء بالناقل ازدراء بالمنقول ، وهذا ظاهر لمن تدبّره ، وسلم من النفاق ومن الزندقة والإلحاد في عقيدته ، وحسبك ما جاء في الأخبار والآثار من ذلك ، كقول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ الله اختارني واختار لي أصحاباً فجعل لي منهم وزراء وأنصاراً وأصهاراً ، فمن سبّهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلاً.

ولهم في سبّ الشيخين وعثمان تصويب وتصعيد ، قال محمد بن يوسف الفريابي : سُئل القاضي أبو يعلى عمّن شتم أبا بكر. قال : كافر. قيل : فيصلّى عليه؟ قال : لا. وسأله كيف يُصنع به وهو يقول : لا إله إلاّ الله؟ قال : لا تمسّوه بأيديكم ، ادفعوه بالخشب حتى تواروه في حفرته. الصارم المسلول (ص ٥٧٥).

__________________

(١) معين الحكام : ص ٢٢٨.

(٢) كتاب الكبائر : ص ٢١٥ ، ٢١٦ ح ٤٩٢.

٣٧٧

وقال الجرداني في مصباح الظلام (١) (٢ / ٢٣) : قال أكثر العلماء : من سبّ أبا بكر وعمر كان كافراً.

وقال ابن تيميّة في الصارم المسلول (ص ٥٨١) : قال إبراهيم النخعي : كان يُقال شتم أبي بكر وعمر من الكبائر. وكذلك قال أبو إسحاق السبيعي : شتم أبي بكر وعمر من الكبائر التي قال الله تعالى : (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ) (٢).

وقُتل عيسى بن جعفر بن محمد [بن عاصم] لشتمه أبا بكر ، وعمر ، وعائشة وحفصة ، بأمر المتوكّل على الله. قاله ابن كثير في تاريخه (٣) (١٠ / ٣٢٤).

وفي الصارم المسلول (ص ٥٧٦) : قال أحمد في رواية أبي طالب ، في الرجل يشتم عثمان : هذا زندقة.

هب أنّ هذه الفتاوى المجرّدة من مسلّمات الفقه ، وليس للباحث أن يناقش أصحابها الحساب ، ويطالبهم مدارك تلكم الأحكام من الكتاب والسنّة ، أو الأُصول والقواعد ، أو القياس والاستحسان ، ولا سيّما مدارك جملة من خصوصيّاتها العجيبة الشاذّة عن شرعة الإسلام ، لكنّها هل هي مخصوصة بغير رجالات أهل البيت ، فهي منحسرة عنهم؟!

ولعلّ فيهم من يجافيك على ذلك فيقول : نعم هي منحسرة عن علي عليه‌السلام وابنيه السبطين سيّدي شباب أهل الجنّة ، لأنّ ابن هند كان يقع فيهم ويلعنهم ، ويُلجئ الناس إلى ذلك بأنواع من الترغيب والترهيب ، فليس من الممكن تسريبها إليه ، لأنّه كاتب الوحي وإن كان لم يكتب غير عدّة كتب إلى رؤساء القبائل في أيّام إسلامه القليلة من أُخريات العهد النبويّ ، وهو خال المؤمنين لمكان أُمّ حبيبة من

__________________

(١) مصباح الظلام : ٢ / ٥٦ ح ٣٦٢.

(٢) النساء : ٣١.

(٣) البداية والنهاية : ١٠ / ٣٥٧ حوادث سنة ٢٤١ ه‍ ، وما بين المعقوفين منه.

٣٧٨

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لكنّهم لم يسمّوا بذلك غيره من إخوة أزواج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كمحمد بن أبي بكر ، وليس له مبرر إلاّ أنّ محمداً كان في الجيش العلويّ ومعاوية حاربه ـ صلوات الله عليه ـ ، فهي ضغائن قديمة انفجر بركانها أخيراً عند منتشر الأحقاد ومحتدم الإحن ، قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر (قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) (١).

وهل سنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المزعومة في قوله : لا تسبّوا أصحابي. وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من سبّ أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. كانت مختصّة بغير المخاطبين بها في صدر الإسلام من الصحابة؟ أو أنّها عامّة مطّردة؟ كما يقتضيه كونها من الشريعة الإسلاميّة المستمرّة إلى أن تقوم الساعة ، وقد حسبوها كذلك لأنّها متّخذة من السنّة المخاطب بها ، وقد جاء في بعض طرق الرواية الأولى عند مسلم : أنّه كان بين خالد بن الوليد وبين عبد الرحمن بن عوف شيء ، فسبّه خالد ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا تسبّوا أصحابي ، وفي رواية أنس : قال أُناس من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّا نسبّ. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من سبّ أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين (٢).

فليس من المعقول أن يكونوا مستثنين من حكم خوطبوا به ، لو لا أنّ الميول والشهوات قد استثنتهم.

أو كان أمير المؤمنين عليه‌السلام مستثنى من بين الصحابة عن شمول تلكم الأحكام؟ فلا تجري على من نال منه عليه‌السلام أو وقع فيه.

أضف إلى هذه كلّها أنّ مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام كان أحد الخلفاء الراشدين عندهم ، وبالإجماع المتسالم عليه بين فرق الإسلام كلّها ، وللقوم فيمن يقع فيهم

__________________

(١) آل عمران : ١١٨.

(٢) كتاب الكبائر للذهبي : ص ٢٣٥ [ص ٢١٦ ح ٤٩٣]. (المؤلف)

٣٧٩

أحكام شديدة ، ومنهم من قال كما سمعته قبيل هذا بكفر من سبّ الشيخين ، وزندقة من سبّ عثمان ، وقد جاء في الصحيح الثابت قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : عليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الراشدين المهديّين من بعدي (١).

فهلمّ معي نسائلهم عن المبرّر لعمل معاوية والأمويّين منتسباً ونزعة ، وتابعيهم المجترحين لهذه السيّئة المخزية ، وعن المغضين عنهم الذين أخرجوا إمام العدل صنو محمد ـ صلّى الله عليهما وآلهما ـ عن حكم الخلفاء ، وعن حكم الصحابة ، بل وعن حكم آحاد المسلمين ، فاستباحوا النيل منه على رءوس الأشهاد ، وفي كلّ منتدى ومجمع من دون أيّ وازعٍ يزعهم.

فإلى أيّ هوّة أسفّوا بالإمام الطاهر عليه‌السلام حتى استلبوه الأحكام المرتّبة على المواضيع الثلاثة : الخلافة ، الصحبة ، الإسلام؟ ولم يقيموا له أي وزن ، وما راعوا فيه أيّ حقّ ، وما تحفّظوا له بأيّة كرامة وهو نفس الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وزوج ابنته ، وأبو سبطيه ، وأوّل من أسلم له ، وقام الإسلام بسيفه ، وتمّت برهنة الحقّ ببيانه ، واكتسحت المعرّات عن الدين بلسانه وسنانه ، وهو مع الحقّ والحقّ معه ، وهو مع القرآن والقرآن معه ولن يفترقا حتى يردا على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الحوض (٢) ، وما غيّر وما بدّل حتى لفظ نفسه الأخير ، وهم يمنعون عن لعن الأدعياء ، وحملة الأوزار المستوجبين النار ، ويذبّون عن الوقيعة في أهل المعرّة والخمور والفجور ، من طريد ، إلى لعين ، إلى متهاون بالشريعة ، إلى عائث بالأحكام ، إلى مبدّل للسنّة ، إلى مخالف للكتاب ومحالف للهوى ، إلى إلى إلى ... إنّا لله وإنّا إليه راجعون.

نعم ؛ لعمر الحقّ كان الأمر كما قال عامر بن عبد الله بن الزبير لمّا سمع ابنه ينال من عليّ عليه‌السلام : يا بنيّ إيّاك وذكر عليّ رضى الله عنه فإنّ بني أُميّة تنقّصته ستّين عاماً فما زاده الله

__________________

(١) مرّ معناه الصحيح في الجزء السادس : ص ٣٣٠. (المؤلف)

(٢) أنظر الغدير : ٣ / ٢٥١ ـ ٢٥٥ و ٧ / ٢٣٨ ـ ٢٣٩ و ٨ / ٢٧٠ و ١٠ / ٧٠ ـ ٧١ ، ٣٩٨ من هذه الطبعة.

٣٨٠