الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ١٠

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي

الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ١٠

المؤلف:

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي


المحقق: مركز الغدير للدّراسات الإسلاميّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
المطبعة: فروردين
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٣٠

ولعلّه اختار يوم الأربعاء لما ورد فيه من أنّه أثقل الأيّام ، يوم نحس مستمر (١) فأراد أن يرفع النحوسة بصلاة الجمعة ، ولم يعبأ باستلزام ذلك تغيير سنّة الله التي لا تبديل لها ، والجمعة سيّد الأيّام ، خير يوم طلعت عليه الشمس (٢).

وبهذا وأمثاله يُستهان بما يؤثر عن الرجل من تقديم وقت الجمعة إلى الضحى (٣) ، ووقتها المضروب لها في شريعة الإسلام الزوال لا غيره ، وهي بدل الظهر ، ووقتها وقتها ، وهذه سنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الثابتة المتّبعة ، فعن سلمة بن الأكوع قال : كنّا نُجمعُ مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا زالت الشمس ، ثم نرجع نتّبع الفيء (٤).

وعن سلمة أيضاً قال : كنّا نصلّي مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم الجمعة وما نجد للحيطان فيئاً يُستظلّ به (٥).

وعن جابر بن عبد الله لمّا سُئل : متى كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصلّي الجمعة؟ قال : كان يصلّي ، ثم نذهب إلى جمالنا لنريحها حين تزول الشمس (٦).

__________________

(١) راجع ثمار القلوب : ص ٥٢١ ، ٥٢٢ [ص ٦٤٩ ، ٦٥٠ رقم ١٠٩٤]. (المؤلف)

(٢) أخرجه الحاكم [في المستدرك ١ / ٤١٣ ح ١٠٣٠] والترمذي [في سننه ٢ / ٣٥٩ ح ٤٨٨] والنسائي [في سننه ١ / ٥١٧ ح ١٦٦٣] وأبو داود [في سننه ١ / ٢٧٤ ح ١٠٤٦ و ١٠٤٧] (المؤلف)

(٣) راجع فتح الباري : ٢ / ٣٠٩ [٢ / ٣٨٧] ، نيل الأوطار : ٣ / ٣١٩ ، ٣٢٠ [٣ / ٢٩٥ ـ ٢٩٦]. (المؤلف)

(٤) صحيح مسلم : ٣ / ٩ [٢ / ٢٦٦ ح ٣١ كتاب الجمعة] ، سنن البيهقي : ٣ / ١٩٠ ، نصب الراية : ٢ / ١٩٥ [وأخرجه عنه في كنز العمال ٨ / ٣٧١ ح ٢٣٣١٤ بلفظ : كنا نصلّي مع النبي ...] (المؤلف)

(٥) صحيح مسلم : ٣ / ٩ [٢ / ٢٦٦ ح ٣٢] ، سنن البيهقي : ٣ / ١٩١. [وأخرجه عنه الدارقطني في سننه : ٢ / ١٨ ح ٢ ، والطبراني في الأوسط : ٧ / ٦٤ ح ٦٠١٤]. (المؤلف)

(٦) مسند أحمد : [٤ / ٢٨١ ح ١٤١٣٠] ، سنن النسائي : [١ / ٥٢٧ ح ١٦٩٩] ، صحيح مسلم : ٣ / ٨ و ٩ [٢ / ٢٦٥ ح ٢٩] ، سنن البيهقي : ٣ / ١٩٠ ، المحلّى : ٥ / ٤٤. (المؤلف)

٢٨١

وعن أنس بن مالك قال : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يصلّي الجمعة حين تميل الشمس (١).

وعن الزبير بن العوام قال : كنّا نصلّي مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الجمعة ثم نبتدر الفيء ، فما يكون إلاّ موضع القدم أو القدمين. وفي رواية أبي معاوية : ثم نرجع فلا نجد في الأرض من الظلّ إلاّ موضع أقدامنا (٢).

وقال البخاري في صحيحه (٣) : باب وقت الجمعة إذا زالت الشمس ، وكذلك روي عن عمر ، وعلي ، والنعمان بن بشير ، وعمرو بن حُريث.

وقال البيهقي في سننه الكبرى (٣ / ١٩١) : ويذكر هذا القول عن عمر ، وعليّ ، ومعاذ بن جبل ، والنعمان بن بشير ، وعمرو بن حريث ، أعني في وقت الجمعة إذا زالت الشمس.

وقال ابن حزم في المحلّى (٥ / ٤٢) : الجمعة هي ظهر يوم الجمعة ، ولا يجوز أن تصلّى إلاّ بعد الزوال ، وآخر وقتها آخر وقت الظهر في سائر الأيّام.

وقال ابن رشد في البداية (٤) (١ / ١٥٢) : أمّا الوقت فإنّ الجمهور على أنّ وقتها وقت الظهر بعينه ، أعني وقت الزوال ، وأنّها لا تجوز قبل الزوال ، وذهب قوم إلى أنّه يجوز أن تصلّى قبل الزوال ، وهو قول أحمد بن حنبل.

وقال النووي في شرح صحيح مسلم (٥) بعد سرد بعض أحاديث الباب : قال

__________________

(١) صحيح البخاري [١ / ٣٠٧ ح ٨٦٢] ، مسند أحمد [٣ / ٥٨٢ ح ١١٨٩٠] ، سنن أبي داود [١ / ٢٨٤ ح ١٠٨٤] ، سنن النسائي ، سنن البيهقي : ٣ / ١٩٠ ، نصب الراية : ٢ / ١٩٥. (المؤلف)

(٢) سنن البيهقي : ٣ / ١٩١. (المؤلف)

(٣) صحيح البخاري : ١ / ٣٠٦.

(٤) بداية المجتهد : ١ / ١٦٠.

(٥) شرح صحيح مسلم : ٤ / ١٦٢ [٦ / ١٤٨]. (المؤلف)

٢٨٢

مالك ، وأبو حنيفة ، والشافعي ، وجماهير العلماء من الصحابة والتابعين ، فمن بعدهم : لا تجوز الجمعة إلاّ بعد زوال الشمس ، ولم يخالف في هذا إلاّ أحمد بن حنبل ، وإسحاق ، فجوّزاها قبل الزوال.

قال القاضي : وروي في هذا أشياء عن الصحابة لا يصحّ منها شيء ، إلاّ ما عليه الجمهور.

وقال القسطلاني : هو مذهب عامّة العلماء ، وذهب أحمد إلى صحّة وقوعها قبل الزوال متمسّكاً بما روي عن أبي بكر ، وعمر ، وعثمان أنّهم كانوا يصلّون الجمعة قبل الزوال من طريق لا تثبت (١).

طرق ما تمسّك به أحمد تنتهي إلى عبد الله بن سيدان السلمي ، زيّفها الحفّاظ لمكان ابن سيدان ، قال الزيلعي في نصب الراية (٢ / ١٩٦) : فهو حديث ضعيف. وقال النووي في الخلاصة : اتّفقوا على ضعف ابن سيدان. وقال ابن حجر في فتح الباري (٢) (٢ / ٣٠٩) : إنّه تابعيّ كبير ، إلاّ أنّه غير معروف العدالة. قال ابن عدي (٣) : شبه المجهول. وقال البخاري (٤) : لا يتابع على حديثه ، بل عارضه ما هو أقوى منه. ثم ذكر من عمل أبي بكر ، وعمر ، وعليّ ، على خلاف حديث ابن سيدان ، بأسانيد صحيحة.

فالسنّة الثابتة في توقيت الجمعة هي السنّة المتّبعة في صلاة الظهر ، وإقامة معاوية الجمعة في الضحى خروج عن سنّة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهديه ، وشذوذ عن سيرة السلف كشذوذه في بقيّة أفعاله وتروكه.

__________________

(١) إرشاد الساري : ٢ / ١٦٤ [٢ / ٦٤٨]. (المؤلف)

(٢) فتح الباري : ٢ / ٣٨٧.

(٣) الكامل في ضعفاء الرجال : ٤ / ٢٢٢ رقم ١٠٣١.

(٤) التاريخ الكبير : ٥ / ١١٠ رقم ٣٢٨.

٢٨٣

ـ ٦ ـ

أحدوثة الجمع بين الأُختين

أخرج ابن المنذر عن القاسم بن محمد : أنّ حيّا سألوا معاوية عن الأُختين ممّا ملكت اليمين يكونان عند الرجل يطؤهما؟ قال : ليس بذلك بأس ، فسمع بذلك النعمان بن بشير ، فقال : أفتيت بكذا وكذا؟ قال : نعم. قال : أرأيت لو كان عند الرجل أخته مملوكة يجوز له أن يطأها؟ قال : أما والله لربما وددتني أدرك ، فقل لهم : اجتنبوا ذلك ، فإنّه لا ينبغي لهم ، فقال : إنّما الرحم من العتاقة وغيرها (١).

قال الأميني : هذا الباب المرتَج فتحه عثمان ، كما أسلفنا تفصيله في الجزء الثامن (ص ٢١٤ ـ ٢٢٣) وقد عُدّ ذلك من أحداثه ، ولم يوافقه عليه أحد من السلف والخلف ممّن يُعبأ به وبرأيه ، حتى جاء معاوية معلّياً على ذلك البنيان المتضعضع ، معلّياً بما شذّ عن الدين الحنيف ، أخذاً بأُحدوثة ابن عمّه ، صفحاً عن كتاب الله وسنّة نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد أتينا هنالك في بطلانه بما لم يبقَ معه في القوس منزع.

ـ ٧ ـ

أُحدوثة معاوية في الديات

أخرج الضحّاك في الديات (ص ٥٠) من طريق محمد بن إسحاق قال : سألت الزهري قلت : حدّثني عن دية الذمّي كم كانت على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟ قد اختلف علينا فيها. فقال : ما بقي أحد بين المشرق والمغرب أعلم بذلك منّي ، كانت على عهد رسول الله ألف دينار ، وأبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، حتى كان معاوية ، أعطى أهل القتيل خمسمائة دينار ، ووضع في بيت المال خمسمائة دينار.

__________________

(١) الدرّ المنثور : ٢ / ١٣٧ [٢ / ٤٧٧]. (المؤلف)

٢٨٤

وفي لفظ البيهقي في سننه (٨ / ١٠٢) : كانت دية اليهود والنصارى في زمن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مثل دية المسلم ، وأبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، فلمّا كان معاوية أعطى أهل المقتول النصف ، وألقى النصف في بيت المال ، قال : ثم قضى عمر بن عبد العزيز في النصف وألقى ما كان جعل معاوية.

وفي الجوهر النقي (١) : ذكر أبو داود في مراسيله بسند صحيح عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن قال : كان عقل الذمّي مثل عقل المسلم في زمن رسول الله ، وزمن أبي بكر ، وزمن عمر ، وزمن عثمان ، حتى كان صدراً من خلافة معاوية ، فقال معاوية : إن كان أهله أُصيبوا به فقد أُصيب به بيت مال المسلمين ، فاجعلوا لبيت مال المسلمين النصف ولأهله النصف خمسمائة دينار. ثم قتل رجل من أهل الذمّة ، فقال معاوية : لو أنّا نظرنا إلى هذا الذي يدخل بيت المال فجعلناه وضيعاً عن المسلمين وعوناً لهم ، قال لمن هناك : وضع عقلهم إلى خمسمائة.

وقال ابن كثير في تاريخه (٢) (٨ / ١٣٩) : قال الزهري : مضت السنّة أنّ دية المعاهد كدية المسلم ، وكان معاوية أوّل من قصّرها إلى النصف وأخذ النصف [لنفسه] (٣).

قال الأميني : تقدّم في الجزء الثامن (ص ١٦٧) : أنّ دية الذمي في دور النبوّة لم يكن ألفاً كما حسبه الزهري ، ولم يذهب إليه أحد من أئمّة المذاهب إلاّ أبا حنيفة ، وأنّ أوّل من جعلها ألفاً هو عثمان ، وعلى أيّ حال فما ارتكبه معاوية فيه بدع ثلاث :

١ ـ أخذ الدية ألفاً.

٢ ـ تنصيفه بين ورثة المقتول وبيت المال.

__________________

(١) الجوهر النقي المطبوع في ذيل السنن الكبرى للبيهقي : ٨ / ١٠٢.

(٢) البداية والنهاية : ٨ / ١٤٨ حوادث سنة ٦٠ ه‍.

(٣) الزيادة من المصدر.

٢٨٥

٣ ـ وضعه حصّة بيت المال أخيراً إن كانت الألف سنّة ولبيت المال فيها حقّ.

فمرحىً بخليفة يجهل حكماً واحداً من الشريعة من شتّى نواحيه ، أو : يعلمه لكنّه يتلاعب به كيفما حبّذته له ميوله ، وهو لا يقيم للحكم الإلهي وزناً ، ولا يرى لله حدوداً لا يتجاوزها ، ويقول : لو أنّا نظرنا إلخ. ولا يبالي بما تقوّل على الله ولا يكترث لمغبّة ما أحدثه في الدين وفي الذكر الحكيم ، قوله تعالى : (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ* لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ* ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ) (١).

ـ ٨ ـ

ترك التكبير المسنون في الصلوات

أخرج الطبراني ـ وفي شرح الموطّأ : الطبري ـ عن أبي هريرة : أنّ أوّل من ترك التكبير معاوية ، وروى أبو عبيد : أنّ أوّل من تركه زياد.

وأخرج ابن أبي شيبة من طريق سعيد بن المسيب أنّه قال : أوّل من نقص التكبير معاوية (٢).

قال ابن حجر في فتح الباري (٢ / ٢١٥) : هذا لا ينافي الذي قبله : لأنّ زياداً تركه بترك معاوية. وكان معاوية تركه بترك عثمان (٣) ، وقد حمل ذلك جماعة من أهل العلم على الإخفاء.

وفي الوسائل الى مسامرة الأوائل (ص ١٥) : أوّل من نقص التكبير معاوية ،

__________________

(١) الحاقة : ٤٤ ، ٤٥ ، ٤٦.

(٢) فتح الباري : ٢ / ٢١٥ [٢ / ٢٧٠] ، تاريخ الخلفاء للسيوطي : ص ١٣٤ [ص ١٨٧] ، نيل الأوطار : ٢ / ٢٦٦ [٢ / ٢٦٨] ، شرح الموطأ للزرقاني : ١ / ١٤٥ [١ / ١٥٩ ح ١٦٣] (المؤلف)

(٣) أخرج حديثه أحمد في مسنده [٥ / ٥٩٧ ح ١٩٣٨٠] من طريق عمران كما يأتي في المتن بعيد هذا. (المؤلف)

٢٨٦

كان إذا قال : سمع الله لمن حمده ، انحطّ إلى السجود فلم يكبّر ، وأسنده العسكري عن الشعبي ، وأخرج ابن أبي شيبة (١) عن إبراهيم قال : أوّل من نقص التكبير زياد.

وفي نيل الأوطار للشوكاني (٢ / ٢٦٦) : هذه الروايات غير متنافية ، لأنّ زياداً تركه بترك معاوية ، وكان معاوية تركه بترك عثمان وقد حمل ذلك جماعة من أهل العلم على الإخفاء ، وحكى الطحاوي : أنّ بني أُميّة كانوا يتركون التكبير في الخفض دون الرفع (٢). وما هذه بأوّل سنّة تركوها.

وأخرج الشافعي في كتابه الأُمّ (٣) (١ / ٩٣) من طريق أنس بن مالك قال : صلّى معاوية بالمدينة صلاة فجهر فيها بالقراءة ، فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم لأُمّ القرآن ولم يقرأ بها للسورة التي بعدها حتى قضى تلك القراءة ، ولم يكبّر حين يهوي حتى قضى تلك الصلاة. فلمّا سلّم ناداه من سمع ذلك من المهاجرين من كلّ مكان : يا معاوية أسرقت الصلاة أم نسيت؟ فلمّا صلّى بعد ذلك قرأ بسم الله الرحمن الرحيم للسورة التي بعد أُمّ القرآن وكبّر حين يهوي ساجداً.

وأخرج في كتاب الأُمّ (٤) (١ / ٩٤). من طريق عبيد بن رفاعة : أنّ معاوية قدم المدينة فصلّى بهم فلم يقرأ ببسم الله الرحمن الرحيم ، ولم يكبّر إذا خفض وإذا رفع ، فناداه المهاجرون حين سلّم والأنصار : أن يا معاوية سرقت صلاتك ، أين بسم الله الرحمن الرحيم؟ وأين التكبير إذا خفضت وإذا رفعت؟ فصلّى بهم صلاة أخرى ، فقال ذلك فيها الذي عابوا عليه.

وأخرجه من طريق أنس صاحب الانتصار ، كما في البحر الزخّار (١ / ٢٤٩).

__________________

(١) المصنّف : ١ / ٢٤٢.

(٢) شرح معاني الآثار : ١ / ٢٢٠ ح ١٣٢٠.

(٣) كتاب الأُمّ : ١ / ١٠٨.

(٤) كتاب الأُمّ : ١ / ١٠٨.

٢٨٧

قال الأميني : تنمّ هذه الأحاديث عن أنّ البسملة لم تزل جزءاً من السورة منذ نزول القرآن الكريم ، وعلى ذلك تمرّنت الأُمّة ، وانطوت الضمائر ، وتطامنت العقائد ، ولذلك قال المهاجرون والأنصار لمّا تركها معاوية : إنّه سرق ، ولم يتسنَّ لمعاوية أن يعتذر لهم بعدم الجزئيّة ، حتى التجأ إلى إعادة الصلاة مكلّلة سورتها بالبسملة ، أو أنّه التزم بها في بقيّة صلواته ، ولو كان هناك يومئذ قول بتجرّد السورة عنها لاحتجّ به معاوية ، لكنّه قول حادث ابتدعوه لتبرير عمل معاوية ونظرائه من الأمويّين الذين اتّبعوه بعد تبيّن الرشد من الغيّ.

وأمّا التكبير عند كلّ هوي وانتصاب فهي سنّة ثابتة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عرفها الصحابة كافّة ، فأنكروا على معاوية تركها ، وعليها كان عمل الخلفاء الأربعة ، واستقرّ عليها إجماع العلماء ، وهي مندوبة عندهم ، عدا ما يؤثر عن أحمد في إحدى الروايتين عنه من وجوبها ، وكذلك عن بعض أهل الظاهر ، وإليك جملة ممّا ورد في المسألة :

١ ـ عن مطرف بن عبد الله قال : صلّيت خلف عليّ بن أبي طالب رضى الله عنه أنا وعمران بن حصين ، فكان إذا سجد كبّر ، وإذا رفع رأسه كبّر ، وإذا نهض من الركعتين كبّر ، فلمّا قضى الصلاة أخذ بيدي عمران بن حصين ، فقال : قد ذكّرني هذا صلاة محمد ، أو قال : لقد صلّى بنا صلاة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وفي لفظ لأحمد : قال عمران : ما صلّيت منذ حين. أو قال : منذ كذا كذا أشبه بصلاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من هذه الصلاة ، صلاة عليّ.

وفي لفظ آخر له : عن مطرف عن عمران قال : صلّيت خلف عليّ صلاةً ذكّرني صلاةً صلّيتها مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والخليفتين ، قال : فانطلقت فصلّيت معه ، فإذا هو يكبّر كلّما سجد وكلّما رفع رأسه من الركوع ، فقلت : يا أبا نجيد من أوّل من تركه؟

٢٨٨

قال : عثمان بن عفّان رضى الله عنه حين كبر وضعف صوته تركه.

صحيح البخاري (٢ / ٥٧ ، ٧٠) ، صحيح مسلم (٢ / ٨) ، سنن أبي داود (١ / ١٣٣) ، سنن النسائي (٢ / ٢٠٤) ، مسند أحمد (٤ / ٤٢٨ ، ٤٢٩ ، ٤٣١ ، ٤٤٠ ، ٤٤٤) ، البحر الزخّار (٢ / ٢٥٤) (١).

٢ ـ عن أبي هريرة : أنّه كان يصلّي بهم فيكبّر كلّما خفض ورفع ، فإذا انصرف قال : إنّي لأشبهكم صلاة برسول الله. وفي لفظ للبخاري : فلم تزل تلك صلاته حتى لقي الله.

راجع (٢) : صحيح البخاري (٢ / ٥٧ ، ٥٨) ، صحيح مسلم (٢ / ٧) ، بعدّة طرق وألفاظ ، سنن النسائي (٢ / ١٨١ ، ٢٣٥) ، سنن أبي داود (١ / ١٣٣) ، سنن الدارمي (١ / ٢٨٥) المدوّنة الكبرى (١ / ٧٣) ، نصب الراية (١ / ٣٧٢) ، البحر الزخّار (٢ / ٢٥٥).

٣ ـ عن عكرمة قال : رأيت رجلاً عند المقام يكبّر في كلّ خفض ورفع وإذا قام وإذا وضع ، فأخبرت ابن عبّاس رضى الله عنه قال : أو ليس تلك صلاة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا أُمّ لك؟

وفي لفظ عن عكرمة : صلّيت خلف شيخ بمكة ، فكبّر ثنتين وعشرين تكبيرة فقلت لابن عبّاس : إنّه أحمق ، فقال : ثكلتك أُمّك سنّة أبي القاسم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

صحيح البخاري (٢ / ٥٧ ، ٥٨) ، مسند أحمد (١ / ٢١٨) ، البحر الزخّار (٢ / ٢٥٥) (٣).

قال الأميني : يظهر من هذه الرواية أنّ تغيير الأمويّين هذه السنّة الشريفة وفي

__________________

(١) صحيح البخاري : ١ / ٢٧٢ ح ٧٥٣ و ٢٨٤ ح ٧٩٢ ، صحيح مسلم : ١ / ٣٧٤ ح ٣٣ كتاب الصلاة ، سنن أبي داود : ١ / ٢٢١ ح ٨٣٥ ، السنن الكبرى للنسائي : ١ / ٢٢٧ ح ٦٦٩ ، مسند أحمد : ٥ / ٥٩٠ ح ١٩٣٣٩ و ٥٩٣ ح ١٩٣٥٩ و ٥٩٧ ح ١٩٣٨٠ و ٦٠٩ ح ١٩٤٥٠ و ٦١٦ ح ١٩٤٩٣.

(٢) صحيح البخاري : ١ / ٢٧٢ ح ٧٥٢ و ٢٧٦ ح ٧٧٠ ، صحيح مسلم : ١ / ٣٧٢ ح ٢٧ ، السنن الكبرى للنسائي : ١ / ٢٤٧ ح ٧٤١ ، سنن أبي داود : ١ / ٢٢١ ح ٨٣٦ ، المدوّنة الكبرى : ١ / ٧١.

(٣) صحيح البخاري : ١ / ٢٧٢ ح ٧٥٤ و ٧٥٥ ، مسند أحمد : ١ / ٣٦١ ح ١٨٨٩.

٢٨٩

مقدّمهم معاوية كان مطّرداً بين الناس ، حتى كادوا أن ينسوا السنّة ، فحسبوا من ناء بها أحمق ، أو تعجّبوا منه كأنّه أدخل في الشريعة ما ليس منها ، كلّ ذلك من جرّاء ما اقترفته يدا معاوية وحزبه الأثيمتان ، وجنحت إليه ميولهم وشهواتهم ، فبُعداً لأولئك القصيّين عمّا جاء به محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

٤ ـ عن عليّ ، وابن مسعود ، وأبي موسى الأشعري ، وأبي سعيد الخدري ، وغيرهم : أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يكبّر عند كلّ خفض ورفع.

صحيح البخاري (٣ / ٧٠) ، سنن الدارمي (١ / ٢٨٥) ، سنن النسائي (٢ / ٢٠٥ ، ٢٣٠ ، ٢٣٣) ، المدوّنة الكبرى (١ / ٧٣) ، نصب الراية (١ / ٣٧٢) ، بدائع الصنائع (١ / ٢٠٧) ، منتقى الأخبار لابن تيميّة ، البحر الزخّار (٢ / ٢٥٤) (١).

٥ ـ أخرج أحمد (٢) وعبد الرزّاق (٣) والعقيلي (٤) ، من طريق عبد الرحمن بن غنم قال : إنّ أبا مالك الأشعري ـ الصحابي الشهير بكنيته ـ قال لقومه : قوموا حتى أصلّي بكم صلاة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فصففنا خلفه وكبّر. إلى آخر الحديث المذكور بطوله في (٨ / ١٧٦) وفيه : أنّه كبّر في كلّ خفض ورفع.

٦ ـ عن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يكبّر كلّما خفض ورفع ، فلم تزل تلك صلاته حتى قبضه الله.

المدوّنة الكبرى (٥) (١ / ٧٣) ، نصب الراية (١ / ٣٧٢).

__________________

(١) صحيح البخاري : ١ / ٢٧١ ح ٧٥١ ، السنن الكبرى للنسائي : ١ / ٢٢٨ ح ٦٧٠ و ٢٤٤ ح ٧٢٨ و ٢٤٥ ح ٧٣٥ ، المدوّنة الكبرى : ١ / ٧١.

(٢) مسند أحمد : ٦ / ٤٦٨ ح ٢٢٣٩١.

(٣) مصنّف عبد الرزاق : ٢ / ٦٣ ح ٢٤٩٩.

(٤) أنظر كنز العمّال : ٨ / ١٦٢ رقم ٢٢٣٨٩ ، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد : ٢ / ١٣٠.

(٥) المدوّنة الكبرى : ١ / ٧١.

٢٩٠

٧ ـ في المدوّنة الكبرى (١) (١ / ٧٢) : أنّ عمر بن عبد العزيز كتب إلى عمّاله يأمرهم أن يكبّروا كلّما خفضوا ورفعوا في الركوع والسجود ، إلاّ في القيام من التشهّد بعد الركعتين ، لا يكبّر حتى يستوي قائماً مثل قول مالك.

هذه سنّة الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في تكبير الصلوات عند كلّ هوي وانتصاب ، وبها أخذ الخلفاء ، وإليها ذهبت أئمّة المذاهب ، وعليها استقرّ الإجماع ، غير أنّ معاوية يقابلها بخلافها ، ويغيّرها برأيه ، ويتّخذ الأمويّون أُحدوثته سنّة متّبعة تجاه ما جاء به نبيّ الإسلام.

قال ابن حجر في فتح الباري (٢) (٢ / ٢١٥) : استقرّ الأمر على مشروعيّة التكبير في الخفض والرفع لكلّ مصلٍّ ، فالجمهور على ندبيّة ما عدا تكبيرة الإحرام ، وعن أحمد وبعض أهل العلم بالظاهر يجب كلّه.

وقال في (ص ٢١٦) : أشار الطحاوي إلى أنّ الاجماع استقرّ على أنّ من تركه فصلاته تامّة (٣) ، وفيه نظر لما تقدّم عن أحمد ، والخلاف في بطلان الصلاة بتركه ثابت في مذهب مالك ، إلاّ أن يريد إجماعاً سابقاً.

وقال النووي في شرح مسلم (٤) : اعلم أنّ تكبيرة الإحرام واجبة وما عداها سنّة لو تركه صحّت صلاته ، لكن فاتته الفضيلة وموافقة السنّة ، هذا مذهب العلماء كافّة إلاّ أحمد بن حنبل في إحدى الروايتين عنه : أنّ جميع التكبيرات واجبة.

وقال الشوكاني في نيل الأوطار (٥) (٢ / ٢٦٥) : حُكِي مشروعيّة التكبير في كلّ

__________________

(١) المدوّنة الكبرى : ١ / ٧٠.

(٢) فتح الباري : ٢ / ٢٧٠ و ٢٧١.

(٣) شرح معاني الآثار : ١ / ٢٢٨ ح ١٣٦٦.

(٤) شرح صحيح مسلم : ٤ / ٩٨.

(٥) نيل الأوطار : ٢ / ٢٦٨.

٢٩١

خفض ورفع عن الخلفاء الأربعة ، وغيرهم ومن بعدهم من التابعين قال : وعليه عامّة الفقهاء والعلماء ، وحكاه ابن المنذر عن أبي بكر الصدّيق ، وعمر بن الخطّاب ، وابن مسعود ، وابن عمر ، وجابر ، وقيس بن عباد ، والشافعي ، وأبي حنيفة ، والثوري ، والأوزاعي ، ومالك ، وسعيد بن عبد العزيز ، وعامّة أهل العلم ، وقال البغوي في شرح السنّة (١) : اتّفقت الأُمّة على هذه التكبيرات.

وعن ابن عبد البرّ في شرح الموطّأ للزرقاني (٢) (١ / ١٤٥) : وقد اختلف في تاركه ، فقال ابن القاسم : إن أسقط ثلاث تكبيرات سجد لسهوه وإلاّ بطلت ، وواحدة أو اثنتين سجد أيضاً ، فإن لم يسجد فلا شيء عليه ، وقال عبد الله بن عبد الحكم وأصبغ : إن سها سجد ، فإن لم يسجد فلا شيء عليه ، وعمداً أساء وصلاته صحيحة ، وعلى هذا فقهاء الأمصار من الشافعيّين ، والكوفيّين ، وأهل الحديث ، والمالكيّين ، إلاّ من ذهب منهم مذهب ابن القاسم.

ـ ٩ ـ

ترك التلبية خلافاً لعليّ عليه‌السلام

أخرج النسائي في سننه (٣) (٥ / ٢٥٣) ، والبيهقي في السنن الكبرى (٥ / ١١٣) من طريق سعيد بن جبير ، قال : كان (٤) ابن عبّاس بعرفة ، فقال : يا سعيد مالي لا أسمع الناس يلبّون؟ فقلت : يخافون معاوية. فخرج ابن عبّاس من فسطاطه ، فقال : لبّيك اللهمّ لبّيك ، وإن رغم أنف معاوية ، اللهمّ العنهم فقد تركوا السنّة من بغض عليّ.

__________________

(١) شرح السنّة : ٢ / ٢٢٦ ح ٦١٤.

(٢) شرح الموطّأ : ١ / ١٦٠ ح ١٦٣.

(٣) السنن الكبرى : ٢ / ٤١٩ ح ٣٩٩٣ ، وفيه : كنا مع ابن عباس.

(٤) في السنن الكبرى للبيهقي : كنّا عند ابن عباس.

٢٩٢

وقال السندي في تعليق سنن النسائي : ـ من بغض عليّ ـ أي لأجل بغضه ، أي وهو كان يتقيّد بالسنن فهؤلاء تركوها بغضاً له.

وفي كنز العمّال (١) ، عن ابن عبّاس قال : لعن الله فلاناً إنّه كان ينهى عن التلبية في ذا اليوم ـ يعني يوم عرفة ـ لأنّ عليّا كان يلبّي فيه. ابن جرير.

وفي لفظ أحمد في المسند (٢) (١ / ٢١٧) عن سعيد بن جبير ، قال : أتيت ابن عبّاس بعرفة وهو يأكل رمّاناً ، فقال : أفطر رسول الله بعرفة ، وبعثت إليه أُمّ الفضل بلبن فشربه. وقال : لعن الله فلاناً عمدوا إلى أعظم أيّام الحجّ فمحوا زينته ، وإنّما زينة الحجّ التلبية. وحكاه في كنز العمّال (٣) عن ابن جرير الطبري.

وفي تاريخ ابن كثير (٤) (٨ / ١٣٠) من طريق صحيح ، عن سفيان ، عن حبيب ، عن سعيد ، عن ابن عبّاس : أنّه ذكر معاوية ، وأنّه لبّى عشيّة عرفة ، فقال فيه قولاً شديداً ، ثم بلغه أنّ عليّا لبّى عشيّة عرفة فتركه.

وقال ابن حزم في المحلّى (٧ / ١٣٦) : كان معاوية ينهى عن ذلك.

قال الأميني : إنّ السنّة المسلّمة عند القوم استمرار التلبية إلى رمي جمرة العقبة ، أوّلها أو آخرها على خلاف فيه. وإليك ما يؤثر منها عندهم :

١ ـ عن الفضل : أَفَضتُ مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من عرفات ، فلم يزل يلبّي حتى رمى جمرة العقبة ، ويكبّر مع كلّ حصاة ، ثم قطع التلبية مع آخر حصاة. وفي لفظ : لم يزل

__________________

(١) كنز العمّال : ٥ / ١٥٢ ح ١٢٤٢٨.

(٢) مسند أحمد : ١ / ٣٥٨ ح ١٨٧٣.

(٣) كنز العمال : ٥ / ١٥٢ ح ١٢٤٣٠.

(٤) البداية والنهاية : ٨ / ١٣٩ حوادث سنة ٦٠ ه‍.

٢٩٣

يلبّي حتى بلغ (١) الجمرة.

صحيح البخاري (٣ / ١٠٩) ، صحيح مسلم (٤ / ٧١) ، صحيح الترمذي (٤ / ١٥٠) ، قال : وفي الباب عن عليّ ، وابن مسعود ، وابن عبّاس ، سنن النسائي (٥ / ٢٦٨ ، ٢٧٥ ، ٢٧٦) ، سنن ابن ماجة (٢ / ٢٤٤) ، سنن أبي داود (١ / ٢٨٧) ، سنن الدارمي (٢ / ٦٢) ، سنن البيهقي (٥ / ١١٢ ، ١١٩) ، كتاب الأُمّ (٢ / ١٧٤) وقال : وروى ابن مسعود عن النبيّ مثله. انتهى. مسند أحمد (١ / ٢٢٦) (٢).

وأخرجه ابن خزيمة (٣) ، وقال : هذا حديث صحيح مفسّراً لما أبهم في الروايات الأخرى (٤) ، وقال الترمذي (٥) : والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وغيرهم.

٢ ـ عن جابر بن عبد الله وأسامة وابن عبّاس : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لزم التلبية ولم يقطعها حتى رمى جمرة العقبة.

راجع (٦) : صحيح البخاري (٣ / ١١٤) ، سنن ابن ماجة (٢ / ٢٤٤) ، المحلّى (٧ / ١٣٦) ، بدائع الصنائع (٢ / ١٥٦).

__________________

(١) كذا في صحيح مسلم ، وفي المصادر الباقية : رمى.

(٢) صحيح البخاري : ٢ / ٦٠٥ ح ١٦٠١ ، صحيح مسلم : ٣ / ١٠٤ ح ٢٦٦ ـ ٢٦٧ كتاب الحج ، سنن الترمذي : ٣ / ٢٦٠ ح ٩١٨ ، السنن الكبرى للنسائي : ٢ / ٤٣٥ ح ٤٠٦١ ، ٤٤٠ ح ٤٠٨٥ ، ص ٤٤١ ح ٤٠٨٧ ، ٤٠٨٨ ، سنن ابي ماجة : ٢ / ١٠١١ ح ٣٠٤٠ ، سنن أبي داود : ٢ / ١٦٣ ح ١٨١٥ ، كتاب الأُمّ للشافعي : ٢ / ٢٠٥ ، مسند أحمد ١ / ٣٧٤ ح ١٩٨٧.

(٣) صحيح ابن خزيمة : ٤ / ٢٦٠ ح ٢٨٣٢.

(٤) نيل الأوطار : ٥ / ٥٥ [٤ / ٣٦١]. (المؤلف)

(٥) سنن الترمذي : ٣ / ٢٦٠ ح ٣٥٥٢.

(٦) صحيح البخاري : ٢ / ٦٠٥ ح ١٦٠٢ ، سنن ابن ماجة : ٢ / ١٠١١ ح ٣٠٣٩.

٢٩٤

٣ ـ عن عبد الرحمن بن يزيد : أنّ عبد الله بن مسعود لبّى حين أفاض من جمع ، فقيل له : عن أيّ هذا؟ ـ وفي لفظ مسلم : فقيل : أعرابيّ هذا ـ فقال : أنسي الناس أم ضلّوا؟ سمعت الذي أُنزلت عليه سورة البقرة يقول في هذا المكان : لبّيك اللهمّ لبّيك.

راجع (١) : صحيح مسلم (١ / ٣٦٣ وفي طبعة ٤ / ٧١ ، ٧٢) ، سنن البيهقي (٥ / ١١٢) ، المحلّى (٧ / ١٣٥) وصحّحه ، ورواه الطحاوي (٢) بإسناد صحيح كما في فتح الباري (٣ / ٤٢٠) ، بدائع الصنائع (٢ / ١٥٤).

٤ ـ عن كُريب مولى ابن عبّاس : أنّ ميمونة أُمّ المؤمنين لبّت حين رمت الجمرة.

كتاب الأُمّ (٣) (٢ / ١٧٤) ، سنن البيهقي (٥ / ١١٣) ، المحلّى (٧ / ١٣٦)

٥ ـ عن ابن عبّاس : تلبّي حتى تأتي حرمك إذا رميت الجمرة.

سنن البيهقي (٥ / ١١٣).

٦ ـ عن ابن عبّاس أيضاً : سمعت عمر يلبّي غداة المزدلفة.

المحلّى لابن حزم (٧ / ١٣٦).

٧ ـ عن ابن عبّاس أيضاً : سمعت عمر بن الخطّاب يهلّ وهو يرمي جمرة العقبة ، فقلت له : فيما الإهلال يا أمير المؤمنين؟ فقال : وهل قضينا نسكنا بعد؟

كتاب الأُمّ (٤) مختصراً (٢ / ١٧٤) ، سنن البيهقي (٥ / ١١٣) ، المحلّى (٧ / ١٣٦).

__________________

(١) صحيح مسلم : ٣ / ١٠٥ ح ٢٧٠ كتاب الحج ، فتح الباري : ٣ / ٥٣٢.

(٢) شرح معاني الآثار : ٢ / ١٢٤ ح ٣٥٥٢.

(٣) كتاب الأُمّ للشافعي : ٢ / ٢٠٥.

(٤) كتاب الأُمّ للشافعي : ٢ / ٢٠٥.

٢٩٥

٨ ـ عن ابن عبّاس أيضاً : حججت مع عمر إحدى عشرة حجّة وكان يلبّي حتى يرمي الجمرة.

أخرجه سعيد بن منصور ، كما في فتح الباري (١) (٣ / ٤١٩).

٩ ـ عن ابن عبّاس أيضاً : التلبية شعار الحجّ ، فإن كنت حاجّا فلبّ حتى بدء حلّك ، وبدء حلّك أن ترمي جمرة العقبة.

أخرجه ابن المنذر بإسناد صحيح ، كما في فتح الباري (٣ / ٤١٩).

١٠ ـ عن ابن مسعود : لا يمسك الحاجّ عن التلبية حتى يرمي جمرة العقبة.

المحلّى لابن حزم (٧ / ١٣٦).

١١ ـ عن الأسود بن يزيد : أنّه سمع عمر بن الخطّاب يلبّي بعرفة.

المحلّى (٧ / ١٣٦).

١٢ ـ أخرج ابن أبي شيبة (٢) من طريق عكرمة ، يقول : أهلّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى رمى الجمرة ، وأبو بكر ، وعمر. المحلّى (٧ / ١٣٦).

١٣ ـ عن أنس بن مالك في الجواب عن التلبية يوم عرفة : سرت هذا المسير مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصحابه فمنّا المكبّر ، ومنا المهلّ ، ولا يعيب أحدنا على صاحبه.

صحيح مسلم (٣) (٤ / ٧٣).

١٤ ـ عن عائشة ، كانت تلبّي بعد عرفة.

المحلّى (٧ / ١٣٦).

__________________

(١) فتح الباري : ٣ / ٥٣٣.

(٢) المصنّف : ٤ / ٣٤٢ ح ١٤.

(٣) صحيح مسلم : ٣ / ١٠٦ ح ٢٧٥.

٢٩٦

١٥ ـ عن عبد الرحمن بن الأسود : أنّ أباه صعد إلى ابن الزبير المنبر يوم عرفة ، فقال له : ما يمنعك أن تهلّ؟ فقد رأيت عمر في مكانك هذا يهلّ ، فأهلّ ابن الزبير.

سنن البيهقي (٥ / ١١٣) ، المحلّى لابن حزم (٧ / ١٣٦).

١٦ ـ عن مولانا أمير المؤمنين : أنّه لبّى حتى رمى جمرة العقبة.

المحلّى (٧ / ١٣٦).

١٧ ـ عن مولانا عليّ أيضاً : أنّه لبّى في الحجّ ، حتى إذا زاغت الشمس من يوم عرفة قطع التلبية.

أخرجه مالك في الموطّأ (١) (١ / ٢٤٧) وقال : وذلك الأمر الذي لم يزل عليه أهل العلم ببلدنا. وذكره صاحب البحر الزخّار (٣ / ٣٤٢).

١٨ ـ عن عكرمة : كنت مع الحسين بن عليّ عليهما‌السلام فلبّى حتى رمى جمرة العقبة (٢).

هذه هي السنّة المتسالم عليها عند القوم ، وبها أخذت أئمّة الفقه والفتوى ، قال ابن حزم في المحلّى (٧ / ١٣٥) : لا يقطع التلبية إلاّ مع آخر حصاة من جمرة العقبة ، فإنّ مالكاً قال : يقطع التلبية إذا نهض إلى عرفة ، ثم زيّف أدلّة مالك ، وأنت سمعت قول مالك قُبيل هذا ، وأنّه يخالف ما عزاه إليه ابن حزم.

وقال في (ص ١٣٦) : لا يقطعها حتى يرمي الجمرة ، وهو قول أبي حنيفة ، والشافعي وأحمد ، وإسحاق ، وأبي سليمان.

وقال ملك العلماء في البدائع (٢ / ١٥٤) : لا يقطع التلبية وهذا قول عامّة العلماء ، وقال مالك : إذا وقف بعرفة يقطع التلبية ، والصحيح قول العامّة.

__________________

(١) موطّأ مالك : ١ / ٣٣٨ ح ٤٤.

(٢) المحلّى : ٧ / ١٣٦.

٢٩٧

وقال ابن حجر في فتح الباري (١) (٣ / ٤١٩) : وباستمرارها قال الشافعي ، وأبو حنيفة ، والثوري ، وأحمد ، وإسحاق ، وأتباعهم.

وفي نيل الأوطار (٢) (٥ / ٥٥) : أنّ التلبية تستمرّ إلى رمي جمرة العقبة ، وإليه ذهب الجمهور.

هذا ما تسالمت عليه الأُمّة سلفاً وخلفاً ، لكنّ معاوية جاء متهاوناً بالسنّة لمحض أنّ عليّا عليه‌السلام كان ملتزماً بها ، فحدته بغضاؤه إلى مضادّته ولو لزمت مضادّة السنّة ، ومحو زينة الحجّ ، هذه نظريّة خليفة المسلمين فيما حسبوه ، وهذا مبلغه من الدين ومبوّؤه من الأخذ بسنّة نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلهفي على المسلمين من متغلّب عليهم باسم الخلافة.

وإنّي لست أدري أكان من السائغ الجائز لعن ابن عبّاس وهو محرم في ذلك الموقف العظيم ، في مثل يوم عرفة اليوم المشهود معاويةَ مبغض عليّ أمير المؤمنين ومناوئه تارك سنّة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟ هلاّ كان حبر الأُمّة يعلم أنّ الصحابة كلّهم عدول؟ أو أنّ الصحابيّ كائناً من كان لا يجوز سبّه؟ أو أنّ معاوية مجتهد وللمخطئ من المجتهدين أجر واحد؟ أنا لا أدري ، غير أنّ ابن عبّاس لا يقول بالتافه ولا يخبت إلى الخرافة.

وما أظلم معاوية الجاهل بأحكام الله! فإنّه يخالف هاهنا عليّا عليه‌السلام وهو بكلّه حاجة وافتقار إلى علم الإمام الناجع ، قال سعيد بن المسيّب : إنّ رجلاً من أهل الشام وجد رجلاً مع امرأته فقتله وقتلها ، فأشكل على معاوية الحكم فيه ، فكتب إلى أبي موسى ليسأل له عليّ بن أبي طالب ، فقال له عليّ رضى الله عنه : «هذا شيء ما وقع بأرضي عزمت عليك لتخبرنّي». فقال له أبو موسى : إنّ معاوية كتب إليّ به أن

__________________

(١) فتح الباري : ٣ / ٥٣٣.

(٢) نيل الأوطار : ٤ / ٣٦١.

٢٩٨

أسألك فيه. فقال عليّ رضى الله عنه «أنا أبو الحسن إن لم يأتِ بأربعة شهداء فليعط برمّته (١)».

أخرجه (٢) : مالك في الموطّأ (٢ / ١١٧) ، سنن البيهقي (٨ / ٢٣١) ، تيسير الوصول (٤ / ٧٣).

لفت نظر : هذه النزعة الأمويّة الممقوتة بقيت موروثة عند من تولّى معاوية جيلاً بعد جيل ، فترى القوم يرفعون اليد عن السنّة الثابتة خلافاً لشيعة أمير المؤمنين عليه‌السلام ، أو إحياءً لما سنّته يد الهوى تجاه الدين الحنيف. كما كان معاوية يفعل ذلك إحياءً لما أحدثه خليفة بيته الساقط تارة ، كما مرّ في الإتمام في السفر ومواضع أخرى ، وخلافاً للإمام آونةً ، كما في التلبية وغيرها.

قال الشيخ محمد بن عبد الرحمن الدمشقي في كتاب رحمة الأُمّة في اختلاف الأئمّة المطبوع بهامش الميزان للشعراني (١ / ٨٨) : السنّة في القبر التسطيح ، وهو أولى على الراجح من مذهب الشافعي. وقال أبو حنيفة ومالك وأحمد : التسنيم أولى ، لأنّ التسطيح صار شعاراً للشيعة.

وقال الغزالي والماوردي : إنّ تسطيح القبور هو المشروع ، لكن لمّا جعلته الرافضة شعاراً لهم ، عدلنا عنه إلى التسنيم.

وقال مصنّف الهداية من الحنفيّة : إنّ المشروع التختّم في اليمين ، ولكن لمّا اتّخذته الرافضة جعلناه في اليسار. انتهى.

وأوّل من اتّخذ التختّم باليسار خلاف السنّة هو معاوية. كما في ربيع الأبرار للزمخشري (٣).

__________________

(١) الرمّة : الحبل الذي يقاد به الجاني. (المؤلف)

(٢) موطّأ مالك : ٢ / ٧٣٧ ح ١٨ ، تيسير الوصول : ٤ / ٨٦.

(٣) ربيع الأبرار : ٤ / ٢٤.

٢٩٩

وقال الحافظ العراقي في بيان كيفيّة إسدال طرف العمامة : فهل المشروع إرخاؤه من الجانب الأيسر كما هو المعتاد أو الأيمن لشرفه؟ لم أر ما يدلّ على تعيين الأيمن إلاّ في حديث ضعيف عند الطبراني ، وبتقدير ثبوته فلعلّه كان يرخيها من الجانب الأيمن ثم يردّها إلى الجانب الأيسر كما يفعله بعضهم ، إلاّ أنّه صار شعاراً للإماميّة ، فينبغي تجنّبه لترك التشبّه بهم.

شرح المواهب للزرقاني (٥ / ١٣).

وقال الزمخشري في تفسيره (١) (٢ / ٤٣٩) : القياس جواز الصلاة على كلّ مؤمن ، لقوله تعالى : (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ) (٢) وقوله تعالى : (وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ) (٣) وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «اللهمّ صلّ على آل أبي أوفى». ولكنّ للعلماء تفصيلاً في ذلك وهو : أنّها إن كانت على سبيل التبع كقولك صلّى الله على النبيّ وآله فلا كلام فيها ، وأمّا إذا أفرد غيره من أهل البيت بالصلاة كما يفرد هو فمكروه ، لأنّ ذلك [صار] (٤) شعاراً لذكر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولأنّه يؤدّي إلى الاتّهام بالرفض ، وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقفنّ مواقف التهم».

وقال ابن تيميّة في منهاجه (٥) (٢ / ١٤٣) عند بيان التشبّه بالروافض : ومن هنا ذهب من ذهب من الفقهاء إلى ترك بعض المستحبّات إذا صارت شعاراً لهم ، فإنّه وإن لم يكن الترك واجباً لذلك لكن في إظهار ذلك مشابهة لهم ، فلا يتميّز السنّي من الرافضي ، ومصلحة التمييز عنهم لأجل هجرانهم ومخالفتهم ، أعظم من مصلحة هذا المستحبّ.

__________________

(١) الكشّاف : ٣ / ٥٥٨.

(٢) الاحزاب : ٤٣.

(٣) التوبة : ١٠٣.

(٤) من المصدر.

(٥) منهاج السنة : ٢ / ١٤٧.

٣٠٠