الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ١٠

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي

الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ١٠

المؤلف:

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي


المحقق: مركز الغدير للدّراسات الإسلاميّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
المطبعة: فروردين
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٣٠

وعن قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «شارب الخمر كعابد وثن». وفي لفظ : «مدمن الخمر كعابد وثن» (١).

وعن قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ثلاثة حرّم الله تبارك وتعالى عليهم الجنّة : مدمن الخمر ، والعاق ، والديّوث الذي يقرّ في أهله الخبث» (٢).

وعن قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ثلاثة لا يدخلون الجنّة أبداً : الديّوث ، والرجلة من النساء ، ومدمن الخمر» (٣).

وعن قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من شرب الخمر خرج نور الإيمان من جوفه».

وعن قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من شرب الخمر سقاه الله من حميم جهنّم».

وعن قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ عند الله عهداً لمن يشرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال» ، قالوا : يا رسول الله وما طينة الخبال؟ قال : «عرق أهل النار. أو : عصارة أهل النار».

وعن قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من شرب حسوة من خمر لم يقبل الله منه ثلاثة أيّام صرفاً ولا عدلاً ، ومن شرب كأساً لم يقبل الله صلاته أربعين صباحاً ، ومدمن الخمر حقّا على الله أن يسقيه من نهر الخبال» ، قيل : يا رسول الله وما نهر الخبال؟ قال : «صديد

__________________

(١) أخرجه ابن ماجة [في سننه : ٢ / ١١٢٠ ح ٣٣٧٥] ، وابن حبّان [في صحيحه : ١٢ / ١٦٧ ح ٥٣٤٧] ، والبزّار وغيرهم ، راجع الترغيب والترهيب : ٣ / ١٠٤ [٣ / ٢٥٥] ، نصب الراية : ٤ / ٢٩٨. (المؤلف)

(٢) أخرجه أحمد [في مسنده : ٢ / ١٨١ ح ٥٣٤٩] ، والنسائي [في سننه : ٢ / ٤٢ ح ٢٣٤٣] ، والبزّار ، والحاكم وصحّحه [في المستدرك : ٤ / ١٦٣ ح ٧٢٣٥] ، راجع الترغيب والترهيب : ٣ / ١٠٤ [٣ / ٢٥٦]. (المؤلف)

(٣) أخرجه الطبراني [في الأوسط : ٣ / ٢٢٠ ح ٢٤٦٤] ، وابن المنذر في الترغيب والترهيب : ٣ / ١٠٤ [٣ / ٢٥٧] وقال : رواته لا أعلم فيهم مجروحاً. (المؤلف)

٢٦١

أهل النار» (٤). إلى أحاديث كثيرة في الترهيب من هذا الرجس الذي كان يشربه معاوية ووالده وولده.

ـ ٢ ـ

معاوية يأكل الربا

١ ـ أخرج مالك والنسائي وغيرهما من طريق عطاء بن يسار : أنّ معاوية رضى الله عنه باع سقاية من ذهب أو ورِق بأكثر من وزنها ، فقال له أبو الدرداء رضى الله عنه ، سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم [ينهى] (٥) عن مثل هذا إلاّ مثلاً بمثل. فقال معاوية : ما أرى بهذا بأساً ، فقال له أبو الدرداء رضى الله عنه : من يعذرني من معاوية؟ أنا أُخبره عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يخبرني عن رأيه ، لا أساكنك بأرض أنت بها. ثم قدم أبو الدرداء رضى الله عنه على عمر بن الخطّاب رضى الله عنه فذكر له ذلك ، فكتب عمر إلى معاوية : أن لا تبع ذلك إلاّ مثلاً بمثل ، وزناً بوزن.

راجع (٦) : موطّأ مالك (٢ / ٥٩) ، اختلاف الحديث للشافعي هامش كتابه الأُمّ (٧ / ٢٣) ، سنن النسائي (٧ / ٢٧٩) ، سنن البيهقي (٥ / ٢٨٠).

٢ ـ وأخرج مسلم وغيره من طريق أبي الأشعث قال : غزونا غزاةً وعلى الناس معاوية ، فغنمنا غنائم كثيرة ، فكان فيما غنمنا آنية من فضّة ، فأمر معاوية رجلاً أن يبيعها في أعطيات الناس ، فتسارع الناس في ذلك ، فبلغ عبادة بن الصامت ، فقام فقال : إنّي سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ينهى عن بيع الذهب بالذهب ، والفضّة بالفضّة ، والبُرّ بالبُرّ ، والشعير بالشعير والتمر بالتمر ، والملح بالملح ، إلاّ سواء بسواء ، عيناً بعين ،

__________________

(٤) راجع الترغيب والترهيب : ٣ / ١٠١ ـ ١١٠ [٣ / ٢٤٨ ـ ٢٦٧ وانظر السنن الكبرى للنسائي : ٤ / ١٨٦ ح ٦٨١٨ ، والمعجم الأوسط للطبراني : ١ / ٢٢٦ رقم ٣٤٣]. (المؤلف)

(٥) الزيادة من المصادر.

(٦) موطّأ مالك : ٢ / ٦٣٤ ح ٣٣ ، اختلاف الحديث : ص ٤٨٠ ، السنن الكبرى للنسائي : ٤ / ٣٠ ح ٦١٦٤.

٢٦٢

فمن زاد أو ازداد فقد أربى ، فردّ الناس ما أخذوا ، فبلغ ذلك معاوية فقام خطيباً ، فقال : ألا ما بال رجال يتحدّثون عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحاديث قد كنّا نشهده ونصحبه فلم نسمعها منه؟ فقام عبادة بن الصامت فأعاد القصّة ، ثم قال : لنحدّثنّ بما سمعنا من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإن كره معاوية ، أو قال : وإن رغم ، ما أُبالي أن لا أصحبه في جنده ليلة سوداء.

راجع (١) : صحيح مسلم (٥ / ٤٣) ، سنن البيهقي (٥ / ٢٧٧) ، تفسير القرطبي (٣ / ٣٤٩).

٣ ـ وأخرج البيهقي وغيره من طريق حكيم بن جابر عن عبادة بن الصامت رضى الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «الذهب الكفّة بالكفّة ، والفضة الكفّة بالكفّة حتى خصّ أن [قال :] (٢) الملح بالملح ، فقال معاوية : إنّ هذا لا يقول شيئاً ، فقال عبادة رضى الله عنه أشهد أنّي سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول ذلك.

وزاد النسائي : قال عبادة : إنّي والله ما أُبالي أن لا أكون بأرض يكون بها معاوية ، وفي لفظ ابن عساكر : إنّي والله ما أُبالي [إلاّ] (٣) أن أكون بأرضكم هذه.

راجع (٤) : مسند أحمد (٥ / ٣١٩) ، سنن النسائي (٧ / ٢٧٧) ، سنن البيهقي (٥ / ٢٧٨) ، تاريخ ابن عساكر (٧ / ٢٠٦).

٤ ـ وأخرج ابن عساكر في تاريخه (٥) (٧ / ٢١٢) : من طريق الحسن ، قال : كان عبادة بن الصامت بالشام فرأى آنية من فضّة ، يباع الإناء بمثلي ما فيه ، أو نحو ذلك

__________________

(١) صحيح مسلم : ٣ / ٣٩٨ ح ٨٠ كتاب المساقاة ، الجامع لأحكام القرآن : ٣ / ٢٢٦.

(٢) من سنن البيهقي.

(٣) من المصدر.

(٤) مسند أحمد : ٦ / ٤٣٦ ح ٢٢٢١٧ ، السنن الكبرى للنسائي : ٤ / ٢٩ ح ٦١٥٩ ، تاريخ مدينة دمشق : ٢٦ / ١٧٦ رقم ٣٠٧١ ، وفي مختصر تاريخ دمشق : ١١ / ٣٠٢.

(٥) تاريخ مدينة دمشق : ٨ / ٨٦٦ ، وفي مختصر تاريخ دمشق : ١١ / ٣٠٧.

٢٦٣

فمشى إليهم عبادة ، فقال : أيّها الناس من عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني فأنا عبادة ابن الصامت ، ألا وإنّي سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مجلس من مجالس الأنصار ليلة الخميس في رمضان ولم يصم رمضان بعده ، يقول : «الذهب بالذهب ، مثلاً بمثل ، سواءً بسواء ، وزناً بوزن ، يداً بيد ، فما زاد فهو ربا ، والحنطة بالحنطة ، قفيز بقفيز ، يد بيد ، فما زاد فهو ربا ، والتمر بالتمر قفيز بقفيز ، يد بيد ، فما زاد فهو ربا». قال : فتفرّق الناس عنه. فأُتي معاوية فأُخبر بذلك ، فأرسل إلى عبادة فأتاه ، فقال له معاوية : لئن كنت صحبت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسمعت منه لقد صحبناه وسمعنا منه ، فقال له عبادة : لقد صحبته وسمعت منه ، فقال له معاوية : فما هذا الحديث الذي تذكره؟ فأخبره به ، فقال له معاوية : اسكت عن هذا الحديث ولا تذكره ، فقال له : بلى ، وإن رغم أنف معاوية ، ثم قام فقال له معاوية : ما نجد شيئاً أبلغ فيما بيني وبين أصحاب محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الصفح عنهم.

٥ ـ عن قبيصة بن ذؤيب : أنّ عبادة أنكر على معاوية شيئاً فقال : لا أساكنك بأرض ، فرحل إلى المدينة ، فقال له عمر : ما أقدمك؟ فأخبره ، فقال له عمر : ارحل إلى مكانك ، فقبّح الله أرضاً لست فيها وأمثالك ، فلا إمرة له عليك.

تاريخ ابن عساكر كما في كنز العمّال (٧ / ٧٨) ، والاستيعاب (٢ / ٤١٢) ، أُسد الغابة (٣ / ١٠٦) (١).

قال الأميني : إنّ من ضروريّات الدين الحنيف الثابتة كتاباً وسنّة وإجماعاً حرمة الربا ، وأنّه من أكبر الكبائر ، قال الله تعالى : (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلاَّ كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا) (٢).

__________________

(١) تاريخ مدينة دمشق : ٢٦ / ١٩٦ رقم ٣٠٧١ ، وفي مختصر تاريخ دمشق : ١١ / ٣٠٦ ، كنز العمّال : ١٣ / ٥٥٤ ح ٣٧٤٤٢ ، الاستيعاب : القسم الثاني / ٨٠٨ رقم ١٣٧٢ ، أُسد الغابة : ٣ / ١٦٠ رقم ٢٧٨٩.

(٢) البقرة : ٢٧٥.

٢٦٤

وقال عزّ وجلّ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ* فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ) (١).

وتواترت السنّة الشريفة في المسألة وبلغت حدّا لا يسع لأيّ مسلم ولو كان قرويّا أن يدّعي الجهل به ، فضلاً عمّن يدّعي إمرة المؤمنين. ومنها :

١ ـ جاء من غير طريق أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعن آكل الربا ، ومؤكله ، وشاهديه ، وكاتبه (٢).

٢ ـ صحّ عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «اجتنبوا السبع الموبقات. قيل : يا رسول الله وما هنّ؟ قال : الشرك بالله ، والسحر ، وقتل النفس التي حرّم الله إلاّ بالحقّ ، وأكل مال اليتيم ، وأكل الربا». الحديث (٣).

٣ ـ أخرج البزّار من طريق أبي هريرة مرفوعاً : «الكبائر سبع : أوّلهن الشرك بالله ، وقتل النفس بغير حقّها ، وأكل الربا».

٤ ـ أخرج البخاري (٤) وأبو داود ، عن أبي جحيفة : لعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الواشمة والمستوشمة ، وآكل الربا ومؤكله.

٥ ـ أخرج الحاكم (٥) بإسناد صحيح ، عن أبي هريرة مرفوعاً : «أربعة ، حقّ

__________________

(١) البقرة : ٢٧٨ ـ ٢٧٩.

(٢) صحيح مسلم : ٥ / ٥٠ [٣ / ٤٠٧ ح ١٠٥ و ١٠٦] ، سنن أبي داود : ٢ / ٨٣ [٣ / ٢٤٤ ح ٣٣٣٣] ، جامع الترمذي [٣ / ٥١٢ ح ١٢٠٦] ، المحلّى : ٨ / ٤٦٨ [مسألة ١٤٧٩] ، سنن ابن ماجة : ٢ / ٤٠ [٢ / ٧٦٤ ح ٢٢٧٧] ، سنن البيهقي : ٥ / ٢٧٥ ، ٢٨٥ ، الترغيب والترهيب : ٢ / ٢٤٧ [٣ / ٤] ، تيسير الوصول : ١ / ٦٨ [١ / ٨٣ ح ١]. (المؤلف)

(٣) صحيح مسلم : ١ / ٢٧١ ، وفي طبعة : ٥ / ٥٠ [١ / ١٢٨ ح ١٤٥] ، المحلّى لابن حزم : ٨ / ٤٦٨ [مسألة ١٤٧٩] ، الترغيب والترهيب : ٢ / ٢٤٧ [٣ / ٣]. (المؤلف)

(٤) صحيح البخاري : ٥ / ٢٢١٩ ح ٥٦٠١.

(٥) المستدرك على الصحيحين : ٢ / ٤٣ ح ٢٢٦٠.

٢٦٥

على الله أن لا يدخلهم الجنّة ولا يذيقهم نعيمها : مدمن الخمر ، وآكل الربا ، وآكل مال اليتيم بغير حقّ ، والعاقّ لوالديه».

٦ ـ أخرج (٦) الحاكم والبيهقي بإسناد صحيح ، من طريق ابن مسعود مرفوعاً : «الربا ثلاث وسبعون باباً أيسرها مثل أن ينكح الرجل أُمّه».

٧ ـ أخرج البزّار (٧) بإسناد صحيح مرفوعاً : «الربا بضع وسبعون باباً ، والشرك مثل ذلك».

٨ ـ أخرج البيهقي (٨) بإسناد لا بأس به من طريق أبي هريرة مرفوعاً : «الربا سبعون باباً ، أدناها كالذي يقع على أُمّه».

٩ ـ أخرج الطبراني في الكبير ، عن عبد الله بن سلام مرفوعاً : «الدرهم يصيبه الرجل من الربا أعظم عند الله من ثلاث وثلاثين زنية يزنيها في الإسلام» (٩).

وعن عبد الله موقوفاً : «الربا اثنان وسبعون حوباً ، أصغرها حوباً كمن أتى أُمّه في الإسلام. ودرهم من الربا أشدّ من بضع وثلاثين زنية. قال : ويأذن الله بالقيام للبرّ والفاجر يوم القيامة إلاّ آكل الربا فإنّه لا يقوم إلاّ كما يقوم الذي يتخبّطه الشيطان من المسّ».

١٠ ـ أخرج (١٠) أحمد والطبراني في الكبير ، ورجال أحمد رجال الصحيح ، من طريق عبد الله بن حنظلة غسيل الملائكة مرفوعاً : «درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم ، أشدّ (١١) من ست وثلاثين زنية».

__________________

(٦) المستدرك على الصحيحين : ٢ / ٤٣ ح ٢٢٥٩ ، شعب الإيمان : ٤ / ٣٩٤ ح ٥٥١٩.

(٧) مسند البزّار (البحر الزخّار) : ٥ / ٣١٨ ح ١٩٣٥.

(٨) شعب الإيمان : ٤ / ٣٩٤ ح ٥٥٢٠.

(٩) أنظر : مجمع الزوائد : ٤ / ١١٧.

(١٠) أنظر : المعجم الأوسط : ٣ / ٣٣٠ ح ٢٧٠٣.

(١١) كذا في مجمع الزوائد ، وفي المعجم الأوسط : درهم من ربا ... أعظم عند الله.

٢٦٦

١١ ـ أخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي (١) من طريق أنس بن مالك ، قال : خطبنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فذكر أمر الربا وعظّم شأنه وقال : «إنّ الدرهم يصيبه الرجل من الربا أعظم عند الله في الخطيئة من ستّ وثلاثين زنية يزنيها الرجل».

١٢ ـ أخرج الطبراني في الصغير والأوسط من طريق ابن عبّاس مرفوعاً : «من أكل درهماً من ربا فهو مثل ثلاث وثلاثين زنية».

وفي لفظ البيهقي (٢) : «إنّ الربا نيّف وسبعون باباً أهونهنّ باباً مثل من أتى أُمّه في الإسلام ، ودرهم من ربا أشدّ من خمس وثلاثين زنية».

١٣ ـ أخرج الطبراني في الأوسط (٣) ، من طريق البراء بن عازب مرفوعاً : «الربا اثنان وسبعون باباً : أدناها مثل إتيان الرجل أُمّه».

١٤ ـ أخرج (٤) ابن ماجة والبيهقي وابن أبي الدنيا من طريق أبي هريرة مرفوعاً : «الربا سبعون حوباً ، أيسرها أن ينكح الرجل أُمّه».

١٥ ـ أخرج الحاكم (٥) بإسناد صحيح عن ابن عبّاس مرفوعاً : «إذا ظهر الزنا والربا في قرية فقد أحلّوا بأنفسهم عذاب الله».

وفي لفظ أبي يعلى (٦) بإسناد جيّد ، من طريق ابن مسعود : «ما ظهر في قوم الزنا والربا إلاّ أحلّوا بأنفسهم عذاب الله».

__________________

(١) شعب الإيمان : ٤ / ٣٩٥ ح ٥٥٢٣.

(٢) شعب الإيمان : ٥ / ٢٩٩ ح ٦٧١٥.

(٣) المعجم الأوسط : ٨ / ٧٤ ح ٧١٤٧ ، وليس فيه كلمة : مثل.

(٤) سنن ابن ماجة : ٢ / ٧٦٤ ح ٢٢٧٤ ، شعب الإيمان : ٤ / ٣٩٣ ح ٥٥١٧.

(٥) المستدرك على الصحيحين : ٢ / ٤٣ ح ٢٢٦١ وفيه : عقاب الله ، بدل : عذاب الله.

(٦) مسند أبي يعلى : ٨ / ٣٩٦ ح ٤٩٨١.

٢٦٧

١٦ ـ أخرج أحمد (١) من طريق عمرو بن العاص مرفوعاً : «ما من قوم يظهر فيهم الربا إلاّ أُخذوا بالسنة (٢)».

١٧ ـ أخرج أحمد وابن ماجة (٣) مختصراً ، والأصبهاني من طريق أبي هريرة مرفوعاً : «رأيت ليلة أُسري بي لمّا انتهينا السماء السابعة ، فنظرت فوقي فإذا أنا برعد وبروق وصواعق ، فأتيت على قوم بطونهم كالحيّات ترى من خارج بطونهم ، قلت : يا جبريل : من هؤلاء؟ قال : هؤلاء أكلة الربا». وأخرج الأصبهاني من طريق أبي سعيد الخدري بلفظ قريب من هذا.

١٨ ـ أخرج الطبراني بإسناد رواته رواة الصحيح ، عن ابن مسعود مرفوعاً : «بين يدي الساعة يظهر الربا ، والزنا ، والخمر».

١٩ ـ أخرج الطبراني (٤) والأصبهاني من طريق عوف بن مالك مرفوعاً : «إيّاك والذنوب التي لا تغفر ، ـ إلى أن قال : ـ وآكل الربا ، فمن أكل الربا بعث يوم القيامة مجنوناً يتخبّط ثم قرأ : (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلاَّ كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِ)».

٢٠ ـ روى عبد الله بن أحمد في زوائده (٥) ، من طريق عبادة بن الصامت مرفوعاً : «والذي نفسي بيده ليبيتنَّ أُناس من أُمّتي على أشر وبطر ولعب ولهو ، فيصبحوا قردة وخنازير باستحلالهم المحارم واتّخاذهم القينات ، وشربهم الخمر ، وبأكلهم الربا».

__________________

(١) مسند أحمد : ٥ / ٢٣٣ ح ١٧٣٦٧.

(٢) السنة : العام المقحط. (المؤلف)

(٣) سنن ابن ماجة : ٢ / ٧٦٣ ح ٢٢٧٣.

(٤) المعجم الكبير : ١٨ / ٦٠ ح ١١٠.

(٥) مسند أحمد : ٦ / ٤٥٠ ح ٢٢٢٨٤.

٢٦٨

هذه جملة من أحاديث الباب جمعها وغيرها الحافظ المنذري في الترغيب والترهيب (١) (٢ / ٢٤٧ ـ ٢٥١).

٢١ ـ صحّ عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من خطبة له في حجّة الوداع قوله : «ألا وإنّ كلّ شيء من أمر الجاهليّة موضوع تحت قدميَّ هاتين ، وربا الجاهليّة موضوع ، وأوّل ربا أضعه ربا العبّاس بن عبد المطّلب ، وإنّه موضوع كلّه» (٢).

٢٢ ـ وروى أئمّة الحديث واللفظ لمسلم عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً : «الذهب بالذهب ، والفضّة بالفضّة ، والبُرّ بالبُرّ ، والشعير بالشعير ، والتمر بالتمر ، والملح بالملح مثلاً بمثل ، يداً بيد ، فمن زاد واستزاد فقد أربى ، والآخذ والمعطي فيه سواء».

راجع (٣) : صحيح مسلم (٥ / ٤٤) ، سنن النسائي (٧ / ٢٧٧ ، ٢٧٨) ، سنن البيهقي (٥ / ٢٧٨).

٢٣ ـ ومن طريق أبي سعيد مرفوعاً : «لا تبيعوا الذهب بالذهب إلاّ مثلاً بمثل ، ولا تشفوا (٤) بعضها على بعض ، ولا تبيعوا الورِق بالورِق إلاّ مثلاً بمثل». الحديث.

راجع (٥) : صحيح مسلم (٥ / ٤٢) ، صحيح البخاري (٣ / ٢٨٨) ، كتاب الأُمّ للشافعي (٣ / ٢٥) ، سنن النسائي (٧ / ٢٧٨) ، سنن البيهقي (٥ / ٢٧٦ ، ٢٧٨) ، بداية المجتهد (٢ / ١٩٥).

__________________

(١) الترغيب والترهيب : ٣ / ٣ ـ ١٤.

(٢) صحيح مسلم : ٤ / ٤١ [٣ / ٥٨ ح ١٤٧ كتاب الحج] ، سنن البيهقي : ٥ / ٢٧٤ ، سنن أبي داود : ٢ / ٨٣ [٢ / ١٨٥ ح ١٩٠٥]. (المؤلف)

(٣) صحيح مسلم : ٣ / ٣٩٩ ح ٨٢ كتاب المساقاة ، السنن الكبرى : ٤ / ٢٨ ، ٢٩ ح ٦١٥٧ ، ٦١٥٨.

(٤) لا تشفوا : لا تفضّلوا.

(٥) صحيح مسلم : ٣ / ٣٩٥ ح ٧٥ ، صحيح البخاري : ٢ / ٧٦٢ ح ٢٠٦٨ ، كتاب الأُم : ٣ / ٢٩ ، السنن الكبرى : ٤ / ٣٠ ح ٦١٦٢.

٢٦٩

٢٤ ـ من طريق ابن عمر : الذهب بالذهب لا فضل بينهما ، بهذا عهد صاحبنا إلينا وعهدنا إليكم.

كتاب الأُمّ للشافعي (١) ، سنن البيهقي (٥ / ٢٧٩).

٢٥ ـ من طريق أبي هريرة مرفوعاً : «الذهب بالذهب وزناً بوزن مثلاً بمثل ، والفضّة بالفضّة وزناً بوزن مثلاً بمثل ، فمن زاد أو ازداد (٢) فقد أربى».

صحيح مسلم (٥ / ٤٥) ، سنن النسائي (٧ / ٢٧٨) ، سنن ابن ماجة (١ / ٣٤) (٣).

٢٦ ـ من طريق عبادة بن الصامت مرفوعاً : «الذهب بالذهب تبرها وعينها ، والفضّة بالفضّة تبرها وعينها ، والبرّ بالبرّ مدي بمدي ، والشعير بالشعير مدي بمدي ، والتمر بالتمر مدي بمدي ، والملح بالملح مدي بمدي ، فمن زاد أو ازداد فقد أربى».

سنن أبي داود (٤) (٢ / ٨٥) ، وبلفظ قريب من هذا عن عبادة في كتاب الأُمّ للشافعي (٥) (٣ / ١٢).

وعلى هذه السنّة الثابتة جرت الفتاوى ، قال القرطبي في تفسيره (٦) (٥ / ٣٤٩) : أجمع العلماء على القول بمقتضى هذه السنّة ، وعليها جماعة فقهاء المسلمين إلاّ في البُرّ والشعير ، فإنّ مالكاً جعلهما صنفاً واحداً.

وقال ابن رشد في بداية المجتهد (٢ / ١٩٥) : أجمع العلماء على أنّ بيع الذهب

__________________

(١) كتاب الأُمّ : ٣ / ٣٠.

(٢) كذا في سنن النسائي ، وفي صحيح مسلم : استزاد.

(٣) صحيح مسلم : ٣ / ٤٠٠ ح ٨٤ ، السنن الكبرى : ٤ / ٢٩ ح ٦١٦١ ، سنن ابن ماجة : ٢ / ٧٥٨ ح ٢٢٥٥.

(٤) سنن أبي داود : ٣ / ٢٤٨ ح ٣٣٤٩.

(٥) كتاب الأُمّ : ٣ / ١٥.

(٦) الجامع لأحكام القرآن : ٣ / ٢٢٦.

٢٧٠

بالذهب ، والفضّة بالفضّة ، لا يجوز إلاّ مثلاً بمثل.

وفي الفقه على المذاهب الأربعة (٢ / ٢٤٥) : لا خلاف بين أئمّة المسلمين في تحريم ربا النسيئة ، فهو كبيرة من الكبائر بلا نزاع ، وقد ثبت [ذلك] (١) بكتاب الله تعالى ، وسنّة رسوله ، وإجماع المسلمين. إلى آخره.

وفي (ص ٢٤٧) : أمّا ربا الفضل وهو أن يبيع أحد الجنسين بمثله بدون تأخير في القبض ، فهو حرام في المذاهب الأربعة.

هذا ما عند الله وعند رسوله وعند المسلمين أجمع ، لكن معاوية بلغت به الرفعة مكاناً يقول فيه : قال الله ورسوله وقلت ، هما يحرّمان الربا بأشدّ التحريم ، ويستحلّه معاوية ، وينهى عن رواية سنّة جاءت فيه ، ويُشدّد النكير عليها وعلى من رواها ، حتى يغادر الصحابيّ الصالح من جرّائه عقر داره ، فما ذا للقائل أن يقول فيمن يحادّ الله ورسوله ، ويستحلّ ما حرّماه ، ويتعدّى حدودهما؟ أو يقول فيمن يسمع آيات الله تُتلى عليه ثم يصرّ مستكبراً كأن لم يسمعها.

ولئن صحّ للجاحظ إكفار معاوية لمحض مخالفته للسنّة الثابتة باستلحاق زياد ، كما سيوافيك شرحه فهو بما ذكرناه هنا وفي غير واحد من موارده ومصادره ، أكفر كافر.

ولنا حقّ النظر إلى ناحية أخرى من هذه القصّة ، وهي بيع آنية الفضّة من دون كسرها المحرّم في شريعة الإسلام تحريماً باتّا لا خلاف فيه. راجع المحلّى لابن حزم (٨ / ٥١٤) ، نعم ، هذا حكم الإسلام ، ومعاوية لا يبالي به ، فيبيع ما يشاء كيف يشاء ، وسيرى وبال أمره يوم يقوم الناس لربّ العالمين ، يوم لا تملك نفس لنفس شيئاً والأمر يومئذٍ لله.

__________________

(١) من المصدر.

٢٧١

ـ ٣ ـ

معاوية يتمّ في السفر

أخرج الطبراني ، وأحمد (١) ، بإسناد صحيح من طريق عباد بن عبد الله بن الزبير ، قال : لمّا قدم علينا معاوية حاجّا ، قدمنا معه مكة قال : فصلّى بنا الظهر ركعتين ثم انصرف إلى دار الندوة ، قال : وكان عثمان حين أتمّ الصلاة ، فإذا قدم مكة صلّى بها الظهر والعصر والعشاء الآخرة أربعاً أربعاً ، فإذا خرج إلى منى وعرفات قصّر الصلاة ، فإذا فرغ من الحجّ وأقام بمنى أتمّ الصلاة حتى يخرج من مكة ، فلمّا صلّى بنا الظهر ركعتين ، نهض إليه مروان بن الحكم وعمرو بن عثمان ، فقالا له : ما عاب أحد ابن عمّك بأقبح ما عبته به ، فقال لهما : وما ذاك؟ قال : فقالا له : ألم تعلم أنّه أتمّ الصلاة بمكة. قال : فقال لهما : ويحكما وهل كان غير ما صنعت؟ قد صلّيتهما مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومع أبي بكر وعمر. قالا : فإنّ ابن عمّك قد أتمّها وإنّ خلافك إيّاه له عيب ، قال : فخرج معاوية إلى العصر فصلاّها بنا أربعاً (٢).

قال الأميني : انظر إلى مبلغ هؤلاء الرجال أبناء بيت أُميّة من الدين ، ولعبهم بطقوس الإسلام ، وجرأتهم على الله وتغيير سنّته ، وإحداثهم في الصلاة وهي أفضل ما بُنيت عليه البيضاء الحنيفية ، وانظر إلى ابن هند حلف الخمر والربا وكيف يترك ما جاء به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ووجد هو عمله عليه ، ووافقه هو مع أبي بكر وعمر ، ثم يعدل عنه لمحض أنّ ابن عمّه غيّر حكم الشريعة فيه ، وأنّ مروان بن الحكم طريد رسول الله وابن طريده ، الوزغ ابن الوزغ ، اللعين ابن اللعين على لسان النبيّ العظيم ،

__________________

(١) مسند أحمد : ٥ / ٥٨ ح ١٦٤١٥.

(٢) مرّ تفصيل الكلام حول ما أحدثه عثمان في صلاة المسافر خلاف سنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الجزء الثامن : ص ٩٨ ـ ١١٩ ، وأسلفنا الحديث في : ٨ / ٢٦٢. (المؤلف)

٢٧٢

وصاحبه عمرو بن عثمان ما راقهما اتّباعه السنّة ، فاستهان مخالفتها دون أن يعيب ابن عمّه بعمله ، فأحيا أُحدوثة ذي قرباه ، وأمات سنّة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، غير مكترث لما سمعته أذن الدنيا عن ابن عمر : الصلاة في السفر ركعتان من خالف السنّة فقد كفر (١) ، فزهٍ به من خليفة المسلمين وألف زه!!

ـ ٤ ـ

أُحدوثة الأذان في العيدين

أخرج الشافعي في كتاب الأُمّ (٢) (١ / ٢٠٨) من طريق الزهري قال : لم يؤذّن للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولأبي بكر ولا لعمر ولا لعثمان في العيدين ، حتى أحدث ذلك معاوية بالشام ، فأحدثه الحجّاج بالمدينة حين أُمّر عليها.

وفي المحلّى لابن حزم (٥ / ٨٢) : أحدث بنو أُميّة تأخير الخروج إلى العيد ، وتقديم الخطبة قبل الصلاة والأذان والإقامة.

وفي البحر الزخّار (٣ / ٥٨) : لا أذان ولا إقامة لها ـ لصلاة العيدين ـ لما مرّ ، ولا خلاف أنّه محدث (يب) (٣) ، أحدثه معاوية (ابن سيرين) بل مروان وتبعه الحجّاج (أبو قلابة) بل ابن الزبير ، والمحدث بدعة لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فهو ردّ وشرّها محدثاتها. وينادى لها : الصلاة جامعة.

وفي فتح الباري لابن حجر (٤) (٢ / ٣٦٢) : اختُلف في أوّل من أحدث الأذان فيها ، فروى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح ، عن سعيد بن المسيّب أنّه معاوية ، وروى

__________________

(١) راجع : ٨ / ١١٦. (المؤلف)

(٢) كتاب الأُمّ : ١ / ٢٣٥.

(٣) إشارة إلى سعيد بن المسيّب. (المؤلف)

(٤) فتح الباري : ٢ / ٤٥٣ و ٣٥٢.

٢٧٣

الشافعي عن الثقة ، عن الزهري مثله ، وروى ابن المنذر عن حصين بن عبد الرحمن ، قال : أوّل من أحدثه زياد بالبصرة. وقال الداودي : أوّل من أحدثه مروان ، وكلّ هذا لا ينافي أنّ معاوية أحدثه كما تقدّم في البداءة بالخطبة.

وقال فيما أشار إليه في البداءة بالخطبة : لا مخالفة بين هذين الأثرين وأثر مروان ، لأنّ كلاّ من مروان وزياد كان عاملاً لمعاوية ، فيحمل على أنّه ابتدأ ذلك وتبعه عمّاله (١)

وقال القسطلاني في إرشاد الساري (٢) (٢ / ٢٠٢) ، أوّل من أحدث الأذان فيها معاوية. رواه ابن أبي شيبة (٣) بإسناد صحيح ، زاد الشافعي (٤) في روايته : فأخذ به الحجّاج حين أمّر على المدينة ، أو زياد بالبصرة ، رواه ابن المنذر ، أو مروان قاله الداودي ، أو هشام قاله ابن حبيب ، أو عبد الله بن الزبير ، رواه ابن المنذر أيضا. ويوجد في شرح الموطّأ للزرقاني (٥) (١ / ٣٢٣) نحوه.

وفي أوائل السيوطي (ص ٩) : أوّل من أحدث الأذان في الفطر والأضحى بنو مروان. أخرجه ابن أبي شيبة ، عن أبي سيرين (٦) ، وأخرج أيضاً عن ابن المسيّب قال : أوّل من أحدث الأذان في العيدين معاوية ، وأخرج عن حصين قال : أوّل من أذّن في العيد زياد.

وفي نيل الأوطار للشوكاني (٧) (٣ / ٣٦٤) : قال ابن قدامة في المغني (٨) : روي عن

__________________

(١) راجع ما أسلفناه في الجزء الثامن : ص ١٦٠ ، ١٦٤ ، ١٦٥. (المؤلف)

(٢) إرشاد الساري : ٢ / ٧٣٧ ح ٩٦٠.

(٣) المصنّف لابن أبي شيبة : ٢ / ١٦٩.

(٤) كتاب الأُمّ : ١ / ٢٣٥.

(٥) شرح الموطّأ للزرقاني : ١ / ٣٦٢ ح ٤٢٧.

(٦) كذا في النسخ والصحيح : ابن سيرين. (المؤلف)

(٧) نيل الأوطار : ٣ / ٣٣٦.

(٨) المغني : ٢ / ٢٣٥.

٢٧٤

ابن الزبير : أنّه أذّن وأقام ، وقيل : إنّ أوّل من أذّن في العيدين زياد. وروى ابن أبي شيبة في المصنّف (١) بإسناد صحيح عن ابن المسيّب قال : أوّل من أحدث الأذان في العيد معاوية.

قال الأميني : إنّ من المتسالم عليه عند أئمّة المذاهب عدم مشروعيّة الأذان والإقامة إلاّ للمكتوبة فحسب ، قال الشافعي في كتابه الأُمّ (٢) (١ / ٢٠٨) : لا أذان إلاّ للمكتوبة ، فإنّا لم نعلمه أُذّن لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلاّ للمكتوبة ، وأحبّ أن يأمر الإمام المؤذّن أن يقول في الأعياد وما جمع الناس له من الصلاة : الصلاة جامعة. أو : إن الصلاة. وإن قال : هلمّ إلى الصلاة ، لم نكرهه وإن قال : حيّ على الصلاة. فلا بأس ، وإن كنت أُحبّ أن يتوقّى ذلك لأنّه من كلام الأذان ... إلخ.

ومن مالك في الموطّأ (٣) (١ / ١٤٦) : أنّه سمع غير واحد من علمائهم يقول : لم يكن في عيد الفطر ولا في الأضحى نداء ولا إقامة منذ زمان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى اليوم ، قال مالك : وتلك السنّة التي لا اختلاف فيها عندنا.

وقال الشوكاني في نيل الأوطار (٤) (٣ / ٣٦٤) : أحاديث الباب تدلّ على عدم شرعيّة الأذان والإقامة في صلاة العيدين ، قال العراقي : وعليه عمل العلماء كافّة. وقال ابن قدامة في المغني (٥) : ولا نعلم في هذا خلافاً ممّن يعتدّ بخلافه.

وقد تضافرت الأخبار الدالّة على هدي الرسول الأعظم في صلاة العيدين ، وأنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلاّها بغير أذان ولا إقامة ، وإليك جملة منها :

__________________

(١) المصنّف : ٢ / ١٦٩.

(٢) كتاب الأُمّ : ١ / ٢٣٥.

(٣) موطّأ مالك : ١ / ١٧٧.

(٤) نيل الأوطار : ٣ / ٣٣٦.

(٥) المغني : ٢ / ٢٣٥.

٢٧٥

١ ـ عن جابر بن عبد الله : شهدت مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم العيد فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة ، تم قام متوكّئاً على بلال فأمر بتقوى الله ، وحثّ على الطاعة ووعظ الناس وذكّرهم ، ثم مضى حتى أتى النساء فوعظهنّ وذكّرهنّ.

صحيح البخاري مختصراً (٢ / ١١١) ، صحيح مسلم (٣ / ١٨) ، سنن النسائي (٣ / ١٦٣) ، سنن الدارمي مختصراً ومفصّلاً (١ / ٣٧٥ ، ٣٧٧) ، وأخرجه بلفظ قريب من هذا من طريق ابن عباس في (ص ٣٧٦ ، ٣٧٨) ، زاد المعاد لابن القيّم (١ / ١٧٣) (١).

٢ ـ عن جابر بن سمرة : صلّيت مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم العيد غير مرّة ولا مرّتين بغير أذان ولا إقامة.

صحيح مسلم (٣ / ٢٩) ، سنن أبي داود (١ / ١٧٩) ، جامع الترمذي (٣ / ٤) ، مسند أحمد (٥ / ٩٢ ، ٩٤ ، ٩٥ ، ٩٨ ، ١٠٧) بألفاظ شتّى ، سنن البيهقي (٣ / ٢٨٤) ، فتح الباري (٢ / ٣٦٢) (٢).

٣ ـ عن ابن عبّاس وجابر قالا : لم يكن يؤذّن يوم الفطر ولا يوم الأضحى.

صحيح البخاري (٢ / ١١١) ، صحيح مسلم (٣ / ١٩) ، جامع الترمذي (٣ / ٤) ، المحلّى لابن حزم (٥ / ٨٥) ، سنن النسائي (٣ / ١٨٢) ، سنن البيهقي (٣ / ٢٨٤) (٣).

٤ ـ عن ابن عباس : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلّى العيد بلا أذان ولا إقامة ،

__________________

(١) صحيح البخاري : ١ / ٣٣٢ ح ٩٣٥ ، صحيح مسلم : ٢ / ٢٨٤ ح ٤ كتاب صلاة العيدين ، السنن الكبرى للنسائي : ١ / ٥٤٩ ح ١٧٨٤ ، زاد المعاد : ١ / ١٢٢.

(٢) صحيح مسلم : ٢ / ٢٨٥ ح ٧ ، سنن أبي داود : ١ / ٢٩٨ ح ١١٤٨ ، سنن الترمذي : ٢ / ٤١٣ ح ٥٣٢ ، مسند أحمد : ٦ / ٩٦ ح ٢٠٣٣٦ ، ص ١٠١ ح ٢٠٣٧٤ ، ص ١٠٢ ح ٢٠٣٨٤ ، ص ١٠٨ ح ٢٠٤٢٥ ، ص ١٢١ ح ٢٠٥٢٤ ، فتح الباري : ٢ / ٤٥٢.

(٣) صحيح البخاري : ١ / ٣٢٧ ح ٩١٧ ، صحيح مسلم : ٢ / ٢٨٥ ح ٥ ، سنن الترمذي : ٢ / ٤١٣ ح ٥٣٢ ، السنن الكبرى للنسائي : ١ / ٥٤٤ ح ١٧٦٢.

٢٧٦

وأبا بكر ، وعمر أو عثمان. شكّ يحيى (١).

سنن أبي داود (١ / ١٧٩) ، سنن ابن ماجة (١ / ٣٨٦) ، قال الزرقاني في شرح الموطّأ (١ / ٣٢٣) : إسناده صحيح.

٥ ـ عن عبد الرحمن بن عابس قال : سأل رجل ابن عبّاس : أشهدت العيد مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟ قال : نعم ولولا منزلتي منه ما شهدته من الصغر ، فأتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الْعَلَمَ الذي عند دار كثير بن الصلت ، فصلّى ثم خطب ، ولم يذكر أذاناً ولا إقامة.

سنن أبي داود (٢) (١ / ١٧٩).

٦ ـ عن عطاء ، أخبرني جابر : أن لا أذان لصلاة يوم الفطر حين يخرج الإمام ، ولا بعد ما يخرج ، ولا إقامة ولا نداء ولا شيء ، لا نداء يومئذٍ ولا إقامة.

صحيح مسلم (٣) (٣ / ١٩).

٧ ـ عن عبد الله بن عمر : خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في يوم عيد فصلّى بغير أذان ولا إقامة.

سنن النسائي حكاه عنه ابن حجر في فتح الباري (٢ / ٣٦٢) ، والزرقاني في شرح الموطّأ (١ / ٣٢٣) (٤).

٨ ـ عن سعد بن أبي وقّاص : أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلّى بغير أذان ولا إقامة.

__________________

(١) سنن أبي داود : ١ / ٢٩٨ ح ١١٤٧ ، سنن ابن ماجة : ١ / ٤٠٦ ح ١٢٧٤ ، شرح الموطأ : ١ / ٣٦٢ ح ٤٢٧.

(٢) سنن أبي داود : ١ / ٢٩٨ ح ١١٤٦.

(٣) صحيح مسلم : ٢ / ٢٨٥ ح ٥ كتاب صلاة العيدين.

(٤) السنن الكبرى : ١ / ٥٤٤ ح ١٧٦٣ ، فتح الباري : ٢ / ٤٥٢ ، شرح الموطّأ : ١ / ٣٦٢ ح ٤٢٧.

٢٧٧

أخرجه (١) : البزّار في مسنده كما في فتح الباري (٢ / ٣٦٢) ، ونيل الأوطار (٣ / ٣٦٣).

٩ ـ عن البراء بن عازب : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلّى في يوم الأضحى بغير أذان ولا إقامة.

أخرجه : الطبراني في الأوسط (٢) كما في الفتح (٢ / ٣٦٢) ، ونيل الأوطار (٣ / ٣٦٣).

١٠ ـ عن أبي رافع : أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يخرج إلى العيد ماشياً بغير أذان ولا إقامة.

أخرجه الطبراني في الكبير كما في نيل الأوطار (٣ / ٣٦٤) (٣).

١١ ـ عن عطاء : أنّ ابن عبّاس أرسل إلى ابن الزبير أوّل ما بويع له ، أنّه لم يكن يؤذّن للصلاة يوم الفطر ، فلا تؤذّن لها ، قال : فلم يؤذّن لها ابن الزبير يومه.

صحيح مسلم (٣ / ١٩) ، صحيح البخاري (٢ / ١١١) (٤).

هذه شريعة الله التي شرعها في صلاة العيدين ، واستمرّ عليها العمل في دور النبوّة ، ولم تزل متّبعة على عهد الشيخين ، وهلمّ جرّا ، حتى أحدث رجل النفاق بدعته الشنعاء ، وأدخل في الدين ما ليس منه ، فكان مصيره ومصير بدعته ومن عمل بها إلى النار ، وكان على الأُمّة منه يوم أسود عند حشرها ، كما كان منه عليها يوم أحمر في دنياها ، فأيّ خليفة هذا يجرّ على قومه الويلات في النشأتين جمعاء؟ وهذه وما شابهها من بدع الرجل تنمّ عن تهاونه بالشريعة ، وعدم التزامه بسننها

__________________

(١) فتح الباري : ٢ / ٤٥٢ ، نيل الأوطار : ٣ / ٣٣٥.

(٢) المعجم الأوسط : ٢ / ١٧٤ ح ١٣١٧.

(٣) نيل الأوطار : ٣ / ٣٣٥.

(٤) صحيح مسلم : ٢ / ٢٨٥ ح ٦ ، صحيح البخاري : ١ / ٣٢٧ ح ٩١٦.

٢٧٨

وفروضها ، وإنّما كان يعمل بما يرتئيه وتحبّذ له ميوله ، غير مكترث لمخالفته الدين ، متى وجد فيه حريجة من شهواته ، ومدخلاً من أهوائه ، فحسب أنّ في تقديم الأذان دعوة إلى الاجتماع وملتمحاً للأبّهة ، وعزب عنه أن دين الله لا يقاس بهذه المقاييس ، وإنّما هو منبعث عن مصالح لا يعلم حقائقها إلاّ الله ، ولو كانت لتلك المزعمة مقيل من الحقّ لجاء بها نبيّ العظمة صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فدع معاوية يتورّط في سيّئاته ، ويُهملج في تركاضه إلى الضلال ، والله يعلم منقلبه ومثواه.

ـ ٥ ـ

معاوية يصلّي الجمعة يوم الأربعاء

إنّ رجلاً من أهل الكوفة دخل على بعير له إلى دمشق في حال منصرفهم عن صفّين ، فتعلّق به رجل من دمشق ، فقال : هذه ناقتي أخذت منّي بصفّين. فارتفع أمرهما إلى معاوية ، وأقام الدمشقي خمسين رجلاً بيّنة يشهدون أنّها ناقته ، فقضى معاوية على الكوفي وأمره بتسليم البعير إليه ، فقال الكوفي : أصلحك الله إنّه جمل وليس بناقة ، فقال معاوية : هذا حكم قد مضى ، ودسّ إلى الكوفيّ بعد تفرّقهم فأحضره ، وسأله عن ثمن بعيره فدفع إليه ضعفه ، وبرّه وأحسن إليه ، وقال له : أبلغ عليّا أنّي أقابله (١) بمائة ألف ما فيهم من يفرّق بين الناقة والجمل. ولقد بلغ من أمرهم في طاعتهم له أنّه صلّى بهم عند مسيرهم إلى صفّين الجمعة في يوم الأربعاء ، وأعاروه رءوسهم عند القتال ، وحملوه بها وركنوا إلى قول عمرو بن العاص : إنّ عليّا هو الذي قتل عمّار بن ياسر حين أخرجه لنصرته ، ثم ارتقى بهم الأمر في طاعته إلى أن جعلوا لعن عليّ سنّة ينشأ عليها الصغير ويهلك عليها الكبير (٢).

قال الأميني : اشتملت هذه الصحيفة السوداء على أشياء تجد البحث عن بعضها

__________________

(١) في المصدر : أُقاتله.

(٢) مروج الذهب : ٢ / ٧٢ [٣ / ٤٢]. (المؤلف)

٢٧٩

في طيّات كتابنا هذا كاتّخاذ لعن عليّ أمير المؤمنين سنّة يدأب عليها ، وكتأويل عمرو ابن العاص قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعمّار : تقتلك الفئة الباغية ، بأنّ عليّا عليه‌السلام هو الذي قتل عمّاراً لإلقائه بين سيوف القوم ورماحهم ، وكبيان ما يُعرب عن حال أصحاب معاوية ومبلغهم من العقل والدين ، وهذه كلمة معاوية ومعتقده فيهم ، وهو على بصيرة منهم ، وقد كان يستفيد من أولئك الهمج بضؤولة عقليّتهم ، وخَوَر نفسيّاتهم ، وبعدهم عن معالم الدين ونواميس الشريعة المقدّسة ، فيجمعهم على قتال إمام الحقّ تارة وللشهادة بأنّه عليه‌السلام هو الذي قتل عثمان طوراً ، إلى موارد كثيرة من شهادات الزور التي كان يُغريهم بها ، كقصّة حجر بن عدي وأمثالها.

والذي يهمّنا هاهنا أوّلاً حكمه الباطل على ناقة لم تكن توجد هنالك ، وإنّما الموجود جمل قد شاهده وعلم به وأنّه خارج عن موضوع الشهادة ، لكنّه أنفذ الحكم الباطل المبتني على خمسين شهادة ، زور كلّها ، ويقول بملء فيه : هذا حكم قد مضى. والحقيقة غير عازبة عنه ، ويتبجّح أنّه يقابل إمام الهدى عليه‌السلام بمائة ألف من أولئك الحمر المستنفرة ، لكنّه لم يقابل إمام الحقّ بهم فحسب ، وإنّما كان يقابل النبيّ الأعظم ، ودينه الأقدس ، وكتابه العزيز ، بتلكم الرعرعة الدهماء.

ويهمّنا ثانياً تغييره وقت صلاة الجمعة عند مسيره إلى صفّين ـ في تلك السفرة المحظورة التي أُنشِئت على الضدّ من رضى الله ورسوله ـ إلى يوم الأربعاء ، وإلى الغاية لم يظهر لي سرّ هذا التغيير ، هل نسي يوم الجمعة فحسب يوم الأربعاء أنّه يوم الجمعة؟ ومن العجب أنّه لم يذكره أحد من ذلك الجيش اللجب ، ولا ذكّره منهم أحد. أو أنّه كان يبهضه ما جاء عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في فضل يوم الجمعة ، وفضل ساعاته والأعمال الواردة فيه ، وقد اتّخذه هو صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمسلمون من بعده عيداً تمتاز به هذه الأُمّة عن بقيّة الأُمم؟ وما كان ابن هند يستسهل أن يجري في الدنيا سنّة للنبيّ متّبعة لم يولها إخلالاً وعيثاً ، فبدر إلى ذلك التبديل عتوّا منه ، وما أكثر عبثه بالدين وحيفه بالمسلمين!

٢٨٠