الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ١٠

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي

الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ١٠

المؤلف:

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي


المحقق: مركز الغدير للدّراسات الإسلاميّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
المطبعة: فروردين
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٣٠

١ ـ أبو عليّ الهروي هو أحمد بن عبد الله الجويباري (١) ، قال ابن عدي (٢) : كان يضع الحديث لابن كرام (٣) على ما يريده ، فكان ابن كرام يخرجها في كتبه عنه. وقال ابن حبّان (٤) : دجّال من الدجاجلة ، روى عن الأئمّة أُلوف حديث ما حدّثوا بشيء منها. وقال النسائي (٥) : كذّاب. وقال الذهبي : ممّن يُضرب المثل بكذبه ، وقال البيهقي : إنّي أعرفه حقّ المعرفة بوضع الأحاديث على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقد وضع عليه أكثر من ألف حديث ، وسمعت الحاكم يقول : هو كذّاب خبيث ، ووضع كثيراً في فضائل الأعمال لا تحلّ رواية حديثه من وجه ، وقال الخليلي : كذّاب يروي عن الأئمّة أحاديث موضوعة ، وكان يضع لابن كرام أحاديث مصنوعة ، وكان ابن كرام يسمعها وكان مغفّلاً. وقال أبو سعيد النقاش : لا نعرف أحداً أكثر وضعاً منه ، إلى كلمات أخرى لدة هذه.

ميزان الاعتدال (١ / ٥٠) ، لسان الميزان (١ / ١٩٣) ، اللآلئ المصنوعة (١ / ٢١) (٦) ، الغدير (٥ / ٢١٤).

٢ ـ المأمون بن أحمد السلمي الهروي ، يروي عنه الجويباري ، قال ابن حبّان (٧) : دجّال : وقال ابن حبّان أيضاً : سألته : متى دخلت الشام؟ قال : سنة خمسين ومائتين ،

__________________

(١) الجويبار : من أعمال هراة ويعرف بستوق [معجم البلدان : ٢ / ١٩١]. (المؤلف)

(٢) الكامل في ضعفاء الرجال : ١ / ١٧٧ رقم ١٧.

(٣) هو محمد بن كرام السجستاني شيخ الكرامية ، له أتباع ومريدون ، ساقط الحديث على بدعته ، ومن بدعه قوله في المعبود تعالى إنّه جسم لا كالأجسام ، وإنّ الإيمان قول باللسان وإن اعتقد الكفر بقلبه فهو مؤمن. سُجن بنيسابور لأجل بدعته ثمانية أعوام ثمّ أُخرج وسار إلى بيت المقدس ، ومات بالشام في سنة ٢٥٥ ه‍. لسان الميزان : ٥ / ٤٠٠ رقم ٧٩٤٣.

(٤) كتاب المجروحين : ١ / ١٤٢.

(٥) الضعفاء والمتروكين : ص ٥٩ رقم ٦٩.

(٦) ميزان الاعتدال : ١ / ١٠٦ رقم ٤٢١ ، لسان الميزان : ١ / ٢٠٦ رقم ٦١٢ ، اللآلئ المصنوعة : ١ / ٣٩ ، ٤٠.

(٧) كتاب المجروحين : ٣ / ٤٥.

١٤١

قلت : فإنّ هشاماً الذي تروي عنه مات سنة خمس وأربعين ومائتين ، فقال : هذا هشام بن عمّار آخر. وممّا وضع على الثقات ـ فذكر حديثاً ـ ثم قال : وإنّما ذكرته ليُعرَف كذبه لأنّ الأحداث كتبوا عنه بخراسان. وقال أبو نعيم : خبيث وضّاع يأتي عن الثقات مثل هشام ودحيم بالموضوعات ، ومثله يستحقّ من الله تعالى ومن الرسول ومن المسلمين اللعنة. وقال الحاكم في المدخل بعد ذكر حديث عنه : ومثل هذه الأحاديث يشهد من رزقه الله أدنى معرفة بأنّها موضوعة على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو كما قال. وقال الذهبي : أتى بطامّات وفضائح.

ميزان الاعتدال (٣ / ٤) ، لسان الميزان (٥ / ٧) (١).

٣ ـ أحمد بن سعد العبادي ، لا أعرفه ولم أجد له ذكراً في الكتب والمعاجم.

٤ ـ عبد الأعلى بن مسافر (٢) ـ الصحيح : ابن أبي المساور ـ الزهري أبو مسعود الجرّار الكوفي ، نزيل المدائن. قال ابن معين (٣) : ليس بشيء. زاد إبراهيم : كذّاب ، وعن ابن معين أيضاً ليس بثقة. وعن عليّ بن المديني : ضعيف ليس بشيء. وقال ابن عمّار الموصلي : ضعيف ليس بحجّة. وقال أبو زرعة : ضعيف جدّا ، وقال أبو حاتم (٤) : ضعيف الحديث يشبه المتروك ، وقال البخاري (٥) : منكر الحديث ، وقال أبو داود : ليس بشيء. وقال النسائي (٦) : متروك الحديث. وقال في موضع آخر : ليس بثقة ولا مأمون. وقال ابن نمير : متروك الحديث. وقال الدارقطني (٧) : ضعيف. وقال الحاكم

__________________

(١) ميزان الاعتدال : ٣ / ٤٢٩ رقم ٧٠٣٦ ، لسان الميزان : ٥ / ١١ رقم ٦٨١٢.

(٢) في زين الفتى للعاصمي : عبد الأعلى بن مسافر ، وفي بقية المصادر كتهذيب التهذيب ، كتاب الضعفاء والمتروكين للنسائي : عبد الأعلى بن أبي المساور.

(٣) التاريخ : ٤ / ٣٧٩ رقم ٤٨٥٩.

(٤) الجرح والتعديل : ٦ / ٢٦ رقم ١٣٥.

(٥) التاريخ الكبير : ٦ / ٧٤ رقم ١٧٥٣.

(٦) كتاب الضعفاء والمتروكين : ص ١٦٥ رقم ٤٠١.

(٧) الضعفاء والمتروكون : ص ٢٨٠ رقم ٣٤٧.

١٤٢

أبو أحمد : ليس بالقويّ عندهم وقال الساجي : منكر الحديث. وقال أبو نعيم الأصبهاني : ضعيف جدّا ليس بشيء.

تهذيب التهذيب (١) (٦ / ٤٨).

٢٧ ـ أخرج البخاري في تاريخه الكبير (٤ / ق ٢ / ٤٤٢) عن إسحاق بن إبراهيم ، عن عمرو بن الحارث الزبيدي ، عن ابن سالم ، عن الزبيدي ، قال حميد بن عبد الله ، عن عبد الرحمن بن أبي عوف ، عن ابن عبد ربّه ، عن عاصم بن حميد ، قال : كان أبو ذر يقول : التمست النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بعض حوائط المدينة فإذا هو قاعد تحت نخلة ، فسلّم على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : ما جاء بك؟ فقال : جئت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأمره أن يجلس ، وقال : ليأتينا رجل صالح ، فسلّم أبو بكر ، ثم قال : ليأتينا رجل صالح ، فجاء عمر فسلّم ، وقال : ليأتينا رجل صالح فأقبل عثمان بن عفان ، ثم جاء عليّ فسلّم فردّ عليه مثله ، ومع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حصيات فسبّحن في يده ، فناولهنّ أبا بكر فسبّحن في يده ، ثم عمر فسبّحن في يده ، ثم عثمان فسبّحن في يده.

رجال الإسناد :

١ ـ إسحاق بن إبراهيم الحمصي المعروف بابن زبريق ، قال النسائي : ليس بثقة وقال محمد بن عون : ما أشكّ أنّ إسحاق بن زبريق يكذب (٢).

٢ ـ عمرو بن الحارث الحمصي ، قال الذهبي (٣) : لا تُعرف عدالته (٤).

٣ ـ عبد الله بن سالم الشامي الحمصي ، كان يذمّه أبو داود لقوله : أعان عليّ

__________________

(١) تهذيب التهذيب : ٦ / ٨٩.

(٢) تهذيب التهذيب : ١ / ٢١٦ [١ / ١٨٩]. (المؤلف)

(٣) ميزان الاعتدال : ٣ / ٢٥١ رقم ٦٣٤٧.

(٤) تهذيب التهذيب : ٨ / ١٤ [٨ / ١٣]. (المؤلف)

١٤٣

على قتل أبي بكر وعمر (١) فالرجل ناصبيّ لا يُصغى إلى قيله ، وأحسب أنّه آفة الرواية ، وهي كما ترى يطفح النصب من جوانبها.

٤ ـ حميد بن عبد الله أو حميد بن عبد الرحمن ، مجهول لا يعرف.

٥ ـ ابن عبد ربّه ، إن كان هو محمد المروزي فهو ضعيف كما في لسان الميزان (٢) (٥ / ٢٤٤) ، وإن كان غيره فهو مجهول ، ونفس البخاري الذي ذكره لا يعرف منه إلاّ أنّه ابن عبد ربّه ، ولا يسمّيه ولا يذكر له غير روايته هذه.

٦ ـ عاصم بن حميد الحمصي الشامي ، قال البزار : لم يكن له من الحديث ما نعتبر به حديثه ، وقال ابن القطّان : لا نعرف أنّه ثقة (٣).

٧ ـ أبو ذر الغفاري ، أنا لا أدري أنّ أبا ذر هذا هل هو الذي يقول فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ما أظلّت الخضراء ولا أقلّت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر» أو الذي يقول فيه عثمان : إنّه شيخ كذّاب ، ورآه أهلاً لأن يهلك في المنفى؟ ولست أدري من الحكم هاهنا ، هل الذي يخضع لقول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟ أو الذي يبرّر موقف عثمان ويبرّئه عن كلّ شية؟ وعلى كلّ ففي من قبله من رواة السوء كفاية في تفنيد الحديث.

ولعلّ الباحث بعد قراءة ما سردناه من حديث أبي ذر ومواقفه ونقمته على عثمان ، وما جرى بينهما لا يذعن قطّ لهذه الأفيكة ، ولا يصدّق أن يكون أبو ذر الصادق المصدّق هو صاحب هذه الرواية المختلقة.

وهذا الإسناد الملفّق من رجال حمص (٤) يذكّرني قول ياقوت الحموي في

__________________

(١) تهذيب التهذيب : ٥ / ٢٢٨ [٥ / ٢٠٠]. (المؤلف)

(٢) لسان الميزان : ٥ / ٢٧٥ رقم ٧٦٣١.

(٣) تهذيب التهذيب : ٥ / ٤٠ [٥ / ٣٦]. (المؤلف)

(٤) بالكسر ثم السكون والصاد المهملة بلد كبير بين الشام وحلب في نصف الطريق ، يذكّر ويؤنّث [معجم البلدان : ٢ / ٣٠٢]. (المؤلف)

١٤٤

معجم البلدان (١) (٣ / ٣٤١) قال : ومن عجيب ما تأمّلته من أمر حمص فساد هوائها وتربتها اللذين يفسدان العقل حتى يضرب بحماقتهم المثل ، إنّ أشدّ الناس على عليّ رضى الله عنه بصفين مع معاوية كان أهل حمص ، وأكثرهم تحريضاً عليه وجدّا في حربه ، فلمّا انقضت تلك الحروب ومضى ذلك الزمان صاروا من غلاة الشيعة ، حتى إنّ في أهلها كثيراً ممّن رأى مذهب النُصيريّة ، وأصلهم الإماميّة الذين يسبّون السلف ، فقد التزموا الضلال أوّلاً وأخيراً ، فليس لهم زمان كانوا فيه على الصواب.

لفظ آخر بإسناد آخر :

أخرج البيهقي (٢) عن أبي الحسن عليّ بن أحمد بن عبدان ، عن أحمد بن عبيد الصفّار ، عن محمد بن يونس الكديمي ، عن قريش بن أنس ، عن صالح بن أبي الأخضر ، عن الزهري ، عن رجل يقال له : سويد بن يزيد السلمي ـ أو : الوليد بن سويد ـ قال : سمعت أبا ذر يقول : لا أذكر عثمان إلاّ بخير بعد شيء رأيته ، كنت رجلاً أتتبّع خلوات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فرأيته يوماً جالساً وحده ، فاغتنمت خلوته ، فجئت حتى جلست إليه ، فجاء أبو بكر فسلّم عليه ثم جلس عن يمين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم جاء عمر فسلّم وجلس عن يمين أبي بكر ، ثم جاء عثمان فسلّم ثم جلس عن يمين عمر ، وبين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سبع حصيّات ، أو قال تسع حصيّات ، فأخذهنّ في كفّه فسبّحن حتى سمعت لهنّ حنيناً كحنين النحل ، ثم وضعهنّ فخرسن ، ثم أخذهنّ فوضعهنّ في كفّ أبي بكر فسبّحن حتى سمعت لهنّ حنيناً كحنين النحل ، ثم وضعهنّ فخرسن ، ثم تناولهنّ فوضعهنّ في يد عمر فسبّحن حتى سمعت لهنّ حنيناً كحنين النحل ، ثم وضعهن فخرسن ، ثم تناولهنّ فوضعهنّ في يد عثمان فسبّحن حتى سمعت لهنّ حنيناً كحنين النحل ، ثم وضعهنّ فخرسن ، فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : هذه خلافة النبوّة (٣).

__________________

(١) معجم البلدان : ٢ / ٣٠٤.

(٢) دلائل النبوّة : ٦ / ٦٤.

(٣) تاريخ ابن كثير : ٦ / ١٣٢ [٦ / ١٤٦] ، الخصائص الكبرى : ٢ / ٧٤ [٢ / ١٢٤]. (المؤلف)

١٤٥

قال الأميني : هذا الإسناد مضافاً إلى ما في رجاله من المجهول والضعيف ومن تغيّر عقله (١)وأسنده إليه من سمع عنه بعد اختلاطه،كما في تهذيب التهذيب (٢)(٨ / ٣٧٥).

فيه : محمد بن يونس الكديمي ، وقد عرّفناك ترجمته في الجزء التاسع (٣) (ص ٣١١ الطبعة الأولى) ، وأنّه كذّاب وضّاع من بيت عُرف بالكذب. كان يكذب على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلى العلماء ، ولعلّه وضع على الثقات أكثر من ألف حديث.

اقرأ وأعجب من خلافة تدعم بمثل هذه الخزاية ، ثم اعجب من حفّاظ أخرجوها في تآليفهم محتجّين بها ساكتين عنها وهم يعلمون ما فيها من العلل ، وإنّ ربّك ليعلم ما تكنّ صدورهم وما يعلنون.

لفت نظر :

من عجيب ما نراه في هذه الرواية وأمثالها من الموضوعات في مناقب الثلاثة أو الأربعة تنظيم هذا الصفّ المنضّد كالبنيان المرصوص الذي لا اختلاف فيه. فلا يأتي قطّ أوّلاً إلاّ أبو بكر ؛ وثانياً إلاّ عمر ، وثالثاً إلاّ عثمان ، ورابعاً إن كان لهم رابع إلاّ عليّ عليه‌السلام سبحان الله فكأنّهم متبانون على هذا الترتيب ، فلا يتقدّم أحد أحداً ، ولا يتأخر أحد عن أحد ، ففي حديث التسبيح : جاء أبو بكر فسلّم ، ثم جاء عمر فسلّم ، ثم جاء عثمان فسلّم ، ثم جاء عليّ فسلّم.

وفي حديث البستان ، عن أنس : جاء أبو بكر ، ثم جاء عمر ، ثم جاء عثمان (٤).

وفي حديث بئر أريس ، عن أبي موسى : جاء أبو بكر ، ثم جاء عمر ، ثم جاء

__________________

(١) هو قريش بن أنس ، المترجم في تهذيب التهذيب لابن حجر. (المؤلف)

(٢) تهذيب التهذيب : ٨ / ٣٣٥.

(٣) أنظر : ٩ / ٣١٣ من هذه الطبعة.

(٤) راجع الجزء الخامس : ص ٣٣٣. (المؤلف)

١٤٦

عثمان (١).

وفي حديث استئذانهم على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو مضطجع على فراشه ، عن عائشة : استأذن أبو بكر ، ثم جاء عمر فاستأذن ، ثم جاء عثمان فاستأذن. راجع (ص ٢٧٤) من الجزء التاسع.

وفي حديث الفخذ والركبة : استأذن أبو بكر ، ثم جاء عمر فاستأذن ، ثم جاء عثمان فاستأذن. كما مرّ في الجزء التاسع (ص ٢٧٤ ، ٢٧٥).

وفي حديث جابر بالأسواف (٢) : يطلع عليكم رجل من أهل الجنّة فطلع أبو بكر ، ثم طلع عمر ، ثم طلع عثمان.

مجمع الزوائد (٩ / ٥٧).

وفي حديث حائط من حوائط المدينة ، عن بلال : جاء أبو بكر يستأذن ، ثم جاء عمر ، ثم جاء عثمان.

فتح الباري (٣) (٧ / ٣٠).

وفي حديث التبشير بالجنّة ، عن عبد الله بن عمر : جاء أبو بكر فاستأذن ، ثم جاء عمر فاستأذن ، ثم جاء عثمان فاستأذن (٤).

وفي حديث خطبة الزهراء فاطمة ـ سلام الله عليها ـ : جاء أبو بكر ، ثم عمر ، ثم عليّ.

__________________

(١) راجع الصحيحين [صحيح البخاري : ٣ / ١٣٤٣ ح ٣٤٧١ ، وصحيح مسلم : ٥ / ٢٠ ح ٢٩ كتاب فضائل الصحابة] وغيرهما ، وحسبك تاريخ ابن كثير : ٦ / ٢٠٤ [٦ / ٢٢٢]. (المؤلف)

(٢) موضع بالمدينة.

(٣) فتح الباري : ٧ / ٣٧.

(٤) تاريخ ابن كثير : ٧ / ٢٠٢ [٧ / ٢٢٦ حوادث سنة ٣٥ ه‍]. (المؤلف)

١٤٧

ذخائر العقبى (ص ٢٧).

وفي حديث بناء مسجد المدينة عن عائشة : جاء أبو بكر بحجر فوضعه ، ثم جاء عمر بحجر فوضعه ، ثم جاء عثمان بحجر فوضعه (١).

فهل هذا حكم القدر يأتي بهم متتابعين؟ أو قضيّة التباني طيلة حياة النبيّ الأقدس صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلا يقبلون إلاّ بهذا الترتيب؟ أو هو من حكم الطبيعة فلا يختلف ولا يتخلّف؟ أو أنّه من ولائد الاتّفاق لكنّه لم يتفاوت في أيّ من الموارد؟ أو أنّه من مشتهيات الوضّاعين الذين يتحرّون ترتيب الفضيلة هكذا؟ ولعلّ القول بالأخير هو المتعيّن فحسب.

٢٨ ـ عن زيد بن أبي أوفى قال : دخلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مسجده. وفي لفظ : خرج علينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونحن في مسجد المدينة ، فجعل يقول : أين فلان؟ أين فلان؟ فلم يزل يبعث إليهم ويتفقّدهم حتى اجتمعوا عنده ، فلمّا توافوا عنده حمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : إنّي محدّثكم حديثاً فاحفظوه وعوه وحدّثوا به من بعدكم ، إنّ الله عزّ وجلّ اصطفى من خلقه خلقاً ثم تلا : (اللهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ) (٢) خلقاً يدخلهم الجنّة ، وإنّي أصطفي منكم من أحبّ أن أصطفيه ، ومؤاخٍ بينكم كما آخى الله عزّ وجلّ بين ملائكته ، فقم يا أبا بكر ، فقام فجثا بين يديه فقال : إنّ لك عندي يداً الله يجزيك بها ، فلو كنت متّخذاً خليلاً لاتّخذتك خليلاً ، فأنت منّي بمنزلة قميصي من جسدي ، وحرّك قميصه بيده. ثم قال : ادن يا عمر ، فدنا منه فقال : لقد كنت شديد الشغب علينا يا أبا حفص ، فدعوت الله أن يعزّ الإسلام بك أو بأبي جهل ، ففعل الله ذلك بك ، وكنت أحبّهما إلى الله ، فأنت معي في الجنّة ثالث ثلاثة من هذه الأُمّة ، ثم آخى بينه وبين أبي بكر.

__________________

(١) راجع الجزء الخامس : ص ٣٣٥. (المؤلف)

(٢) الحجّ : ٧٥.

١٤٨

ثم دعا عثمان فقال : ادن يا أبا عمرو ، فلم يزل يدنو منه حتى ألصق ركبتيه بركبتيه ، فنظر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى السماء فقال : سبحان الله العظيم ـ ثلاث مرّات ـ ثم نظر إلى عثمان وكانت أزراره محلولة فزرّها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيده ، ثم قال : اجمع عطفي ردائك على نحرك ، إنّ لك شأناً في أهل السماء ، أنت ممّن يرد عليّ حوضي ـ وفي لفظ : يرد عليّ يوم القيامة ـ وأوداجك تشخب دماً ، فأقول لك : من فعل بك هذا؟ فتقول : فلان وفلان ، وذلك كلام جبرئيل إذا هتف من السماء ، فقال : ألا إنّ عثمان أمير على كلّ مخذول. ثم دعا عبد الرحمن بن عوف فقال : ادن يا أمين الله ، أنت أمين الله ، وتسمّى في السماء : الأمين ، يسلّطك الله على مالك بالحقّ ، أما إنّ لك عندي دعوة وعدتكها وقد أخّرتها. فقال : خر لي يا رسول الله ، قال : حمّلتني يا عبد الرحمن أمانة ، ثم قال : إنّ لك شأناً يا عبد الرحمن ، أما إنّه أكثر الله مالك ، وجعل يقول بيده : هكذا وهكذا ، ثم آخى بينه وبين عثمان.

ثم دعا طلحة والزبير فقال : ادنوا منّي ، فدنَوَا منه فقال لهما : أنتما حواريّ كحواري عيسى بن مريم ، ثم آخى بينهما.

ثم دعا عمّار بن ياسر وسعداً ، فقال : يا عمّار تقتلك الفئة الباغية ، ثم آخى بينهما ، ثم دعا عويمر بن زيد أبا الدرداء وسلمان الفارسي وقال : يا سلمان ، أنت منّا أهل البيت وقد آتاك الله العلم الأوّل والآخر ، والكتاب الأوّل والكتاب الآخر ، ثم قال : ألا أرشدك يا أبا الدرداء؟ قال : بلى بأبي أنت وأُمّي يا رسول الله ، قال : إن تفتقدهم تفقّدوك ، وإن تركتهم لا يتركوك ، وإن تهرب منهم يدركوك ، فأقرضهم عرضك ليوم فقرك ، واعلم أنّ الجزاء أمامك. ثم آخى بينهما.

ثم نظر في وجوه أصحابه فقال : أبشروا وقرّوا عيناً ، أنتم أوّل من يرد عليّ الحوض ، وأنتم في أعلى الغرف ، ثم نظر إلى عبد الله بن عمر وقال : الحمد لله يهدي من الضلالة من يحبّ ، ويلبس الضلالة على من أحبّ ، فقال عليّ : يا رسول الله ، لقد

١٤٩

ذهبت روحي وانقطع ظهري حين رأيتك فعلت بأصحابك ما فعلت ، غيري ، فإن كان هذا من سخط عليّ فلك العتبى والكرامة ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : والذي بعثني بالحقّ ما أخّرتك إلاّ لنفسي ، وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى غير أنّه لا نبيّ بعدي ، وأنت أخي ووارثي ، قال : يا رسول الله ، وما أرث منك؟ قال : ما ورثت الأنبياء من قبلي. قال : ما ورثته الأنبياء من قبلك؟ قال : كتاب ربّهم وسنّة نبيّهم ، وأنت معي في قصري في الجنّة مع فاطمة ابنتي (وأنت أخي ورفيقي) (١) ، ثم تلا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ) (٢) ، الأخلاّء في الله ينظر بعضهم إلى بعض.

قال الأميني : قال أبو عمر في الاستيعاب (٣) (١ / ١٩١) في ترجمة زيد بن أبي أوفى : روى حديث المؤاخاة بتمامه ، إلاّ أنّ في إسناده ضعفاً.

وقال ابن حجر في الإصابة (١ / ٥٦٠) : روى حديثه ابن أبي حاتم (٤) ، والحسن ابن سفيان ، والبخاري في التاريخ الصغير (٥) من طريق ابن شرحبيل ، عن رجل من قريش ، عن زيد بن أبي أوفى ، قال : دخلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مسجد المدينة فجعل يقول : أين فلان؟ أين فلان؟ فلم يزل يتفقّدهم ويبعث إليهم حتى اجتمعوا عنده. فذكر الحديث في إخاء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولحديثه طرق عن عبد الله بن شرحبيل ، وقال ابن السكن : روي حديثه من ثلاث طرق ليس فيها ما يصحّ ، وقال البخاري : لا يعرف سماع بعضهم من بعض ، ولا يتابع عليه ، رواه بعضهم عن ابن أبي خالد ، عن عبد الله بن أبي أوفى ، ولا يصحّ.

__________________

(١) هذه الزيادة في بعض الألفاظ [في ترجمة الإمام علي بن أبي طالب عليه‌السلام من تاريخ دمشق]. (المؤلف)

(٢) الحجر : ٤٧.

(٣) الاستيعاب : القسم الثاني / ٥٣٧ رقم ٨٣٩.

(٤) الجرح والتعديل : ٣ / ٥٥٤ رقم ٢٥١٠.

(٥) التاريخ الصغير : ١ / ٢٥٠.

١٥٠

وقفنا من طرق الرواية الثلاث المعزوّة على طريقين.

أحدهما طريق أبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن سفيان المجهول :

عن محمد بن يحيى بن إسماعيل السهمي التمّار ، قال الدارقطني : ليس بالمرضيّ. عن نصر بن عليّ الثقة إن كان هو الجهضمي كما هو الظاهر ، عن عبد المؤمن بن عباد ، ضعّفه أبو حاتم (١) ، وقال البخاري (٢) : لا يتابع على حديثه ، وذكره الساجي وابن الجارود في الضعفاء (٣).

عن يزيد بن سفيان ، قال الذهبي : ضعّفه ابن معين (٤). وقال النسائي (٥) : متروك. وقال شعبة : لو يُعطى درهماً لوضع حديثاً. له نسخة منكرة تكلّم فيه ابن حبّان. وقال ابن حبّان (٦) : نسخة مقلوبة لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد لكثرة خطئه ، ومخالفة الثقات في الروايات ، وقال العقيلي في الضعفاء (٧) : لا يعرف بالنقل ولا يُتابع على حديثه (٨).

عن عبد الله بن شرحبيل ، عن رجل من قريش ـ الله يعلم من الرجل ، وهل ولد هو أو لم يُخلق بعد؟! ـ عن زيد بن أبي أوفى.

__________________

(١) الجرح والتعديل : ٦ / ٦٦ رقم ٣٤٦.

(٢) التاريخ الكبير : ٦ / ١١٧ رقم ١٨٨٨.

(٣) ميزان الاعتدال : ٢ / ١٥٦ [٤ / ٦٥ رقم ٨٣١٢] ، لسان الميزان : ٤ / ٧٦ [٥ / ٤٨٣ رقم ٨١٨١]. (المؤلف)

(٤) معرفة الرجال : ١ / ٥٤ رقم ٣٧.

(٥) كتاب الضعفاء والمتروكين : ص ٢٥٥ رقم ٦٧٩.

(٦) كتاب المجروحين : ٣ / ١٠١.

(٧) الضعفاء الكبير : ٤ / ٣٨٤ رقم ١٩٩٧.

(٨) ميزان الاعتدال : ٣ / ٣١٢ [٤ / ٤٢٦ رقم ٩٧٠١] ، لسان الميزان : ٦ / ٢٨٨ [٦ / ٣٥٢ رقم ٩٢٥٨]. (المؤلف)

١٥١

رجال الطريق الثاني :

عبد الرحمن بن واقد الواقدي الخراساني الراوي ، عن شعيب الأعرابي ، قال الخطيب في تاريخه (١١ / ٨٥) : في حديثه مناكير ، لأنّها عن الضعفاء والمجاهيل.

عن شعيب بن يونس الأعرابي من أولئك الضعفاء أو المجاهيل الذين أوعز إليهم الخطيب في عبد الرحيم الواقدي.

عن موسى بن صهيب. قال ابن حجر في اللسان (١) : لا يكاد يُعرف.

عن يحيى بن زكريّا (٢) ، قال ابن عدي : كان يضع الحديث ويسرق ، وذكر ابن الجوزي حديثاً باطلاً ، وقال : هذا حديث موضوع بلا شكّ ، والمتّهم به يحيى ، قال يحيى بن معين : هو دجّال هذه الأُمّة (٣).

عن عبد الله بن شرحبيل عن رجل من قريش ، هذا الإنسان الذي تنتهي إليه أسانيد الرواية ولعلّه هو آفتها ، لم يُعرف من هو ، إن كان قد خُلق.

هذه طرق الرواية ، وتلك نصوص البخاري ، وابن السكن ، وأبي عمر ، وابن حجر على بطلانها ، وأنّها ليس فيها ما يصحّ ، على أنّ المؤاخاة بين المهاجرين وقعت بمكة قبل الهجرة ، والتي حدثت بالمدينة بعد الهجرة بخمسة أشهر ، هي المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار ، فأبو بكر فيها أخو خارجة بن زيد الأنصاري ، وعمر أخو عتبان بن مالك ، وعثمان أخو أوس بن ثابت ، والزبير أخو سلمة بن سلامة ، وطلحة

__________________

(١) لسان الميزان : ٦ / ١٤١ رقم ٨٦٥٧.

(٢) كذا ذكره البغوي ، والذهبي في ميزان الاعتدال : ٤ / ٣٧٤ رقم ٩٥٠٦ ، وعقّب بقوله : وصوابه يحيى أبو زكريا.

(٣) لسان الميزان : ٦ / ٢٥٣ [٦ / ٣١٢ رقم ٩١٣٦]. (المؤلف)

١٥٢

أخو كعب بن مالك ، وعبد الرحمن بن عوف أخو سعد بن الربيع (١).

فقول مختلق الرواية : دخلت على رسول الله مسجده. أو قوله : خرج علينا رسول الله ونحن في مسجد المدينة. أقوى شاهد على اختلاقها.

وإن تعجب فعجب إخراج غير واحد من الحفّاظ هذه الرواية ، بين من أرسلها إرسال المسلّم محذوف الإسناد كالمحبّ الطبري في الرياض النضرة (٢) (١ / ١٣) ، وبين من أسندها بهذه الطرق الوعرة من دون أيّ غمز فيها ، كابن عساكر في تاريخه (٣) ، والعاصمي في زين الفتى ، وأعجب من ذلك تدعيم الحجّة على الخصم بها ، والركون إليها في تشييد الأحداث والمبادئ الساقطة. قال العاصمي : في هذا الحديث من العلم : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أثنى على أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وطلحة ، والزبير ، وآخى بينهم ، وأشار إلى ما يصيب عثمان من القوم ، ولم يجعله في ذلك مليما ولا سمّاه ذميماً ، فلا ينبغي لمسلم أن يبسط لسانه فيهم بما كان من بعضهم إلى بعض لأنّه عليه‌السلام لم يؤاخِ بينهم في الدنيا إلاّ وهم يكونون أخوة في الآخرة ، وفيه من العلم أيضاً : أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سمّى المرتضى أخاً ووارثاً ، ثم بيّن إرثه وجعله كتاب الله وسنّة الرسول ، ولم يجعل فدك وخيبر إرثاً منه ، تبيّن من ذلك بطلان قول الرافضة والله المستعان. انتهى.

ومن العجب جدّا حسبان العاصمي انفتاح بابين من العلم له من هذه الرواية الباطلة ، وأيّ علم هذا مصدره شكوك وأوهام وأكاذيب؟ أنا لست أدري كيف راق العاصمي الاحتجاج بمثلها من رواية تافهة فضلاً عن أن يستخرج منها كنز علمه الدفين ، ويرجع إليها في الحكم كأنّه يستند إلى ركن وثيق ، ويغفل أو يتغافل عن أنّه مرتكن إلى شفا جرف هار ، على أنّا فنّدنا في أجزاء كتابنا هذا أكثر ما فيها من

__________________

(١) راجع ما أسلفناه من المصادر في الجزء التاسع : صفحة ٣١٦ الطبعة الأولى. (المؤلف)

(٢) الرياض النضرة : ١ / ٢١.

(٣) ترجمة الإمام علي بن أبي طالب عليه‌السلام من تاريخ دمشق ـ الطبعة المحققة ـ رقم ١٤٨.

١٥٣

الفضائل.

ثم إنّ هذه المقولات التي تضمّنتها الرواية على فرض صدورها كانت بمشهد ومسمع من الصحابة ، أو سمعها على الأقل كثيرون منهم ، ومن أولئك السامعين الذين وعوها طلحة والزبير وعمّار ، فلما ذا لم يرجع إليها أحد منهم يوم تشديد الوطأة على عثمان ، وفي الحصارين ، وحول واقعة الدار؟ فهل اتّخذوها ظهريّا يومئذ مستخفّين بها؟ حاشاهم وهم الصحابة العدول كما يزعمون ، أو أنّهم نسوها كما نسيت مثلهاأمّهم عائشة من حديث الحوأب (١) ، فلم يذكروها حتى وضعت الفتنة أوزارها ، وهذا كما ترى ، ولعلّه لا يفوه به ذو مسكة.

وأمّا العلم الثاني الذي استخرج كنزه العاصمي من حصر إرث أمير المؤمنين عليّ من رسول الله بالكتاب والسنّة ، وفنّد حديث فدك وخيبر ، وشنّع على الشيعة بذلك فأتفه ممّا قبله ، فإنّ الشيعة لا تدّعي لأمير المؤمنين عليه‌السلام الإرث المالي ولا ادّعاه هو ـ صلوات الله عليه ـ لنفسه يوم كان يطالبهم بفدك ، وإنّما كان يبغيها لأنّها حقّ لابنة عمّه الصدّيقة الطاهرة ، سواء كانت نِحلة لها من أبيها كما هو الصحيح أو إرثاً على أصول المواريث التي جاء بها الكتاب والسنّة ، على تفصيل عسى أن نتفرّغ له في غير هذا الموضع من الكتاب ، فمؤاخذة الشيعة بتلك المزعمة المختلقة تقوّل عليهم ، وما أكثر ما افتعلت عليهم الأكاذيب ، فإنّ ما تدّعيه الشيعة من إرث الإمام عليه‌السلام عن مخلّفه ومشرّفه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يشذّ عمّا أَجمعت عليه أهل السنّة ، وهو من براهين الخلافة له عليه‌السلام قال الحاكم (٢) : لا خلاف بين أهل العلم أنّ ابن العمّ لا يرث من العمّ ، فقد ظهر بهذا الإجماع أنّ عليّا ورث العلم من النبيّ دونهم (٣) ، فهذه الوراثة الخاصّة لعليّ عليه‌السلام من بين

__________________

(١) راجع الجزء الثالث : ص ١٨٨ ـ ١٩١. (المؤلف)

(٢) المستدرك على الصحيحين : ٣ / ١٣٦ ح ٤٦٣٤.

(٣) راجع الجزء الثالث : ص ١٠٠. (المؤلف)

١٥٤

الأُمّة عبارة أخرى عن الخلافة عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التي من أجلها كان ترث الأوصياء الأنبياء.

٢٩ ـ في الصحيحين (١) من حديث محمد بن مسكين البصري ، عن يحيى بن حسان البصري ، عن سليمان بن بلال ، عن شريك بن أبي نمر ، عن سعيد بن المسيّب ، عن أبي موسى الأشعري قال :

توضّأت في بيتي ثم خرجت فقلت : لأكوننّ اليوم مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فجئت المسجد فسألت عنه ، فقالوا : خرج وتوجّه هاهنا ، فخرجت في أثره حتى جئت بئر أريس ، فمكث بابها (٢) حتى علمت أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد قضى حاجته وجلس ، فجئته فسلّمت عليه فإذا هو قد جلس على قفّ (٣) بئر أريس (٤) فتوسّطه ، ثم دلّى رجليه في البئر ، وكشف عن ساقيه ، فرجعت إلى الباب وقلت : لأكوننّ بوّاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

فلم أنشب أن دقّ الباب ، فقلت : من هذا؟ قال : أبو بكر : قلت. على رسلك ، وذهبت إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقلت : يا رسول الله هذا أبو بكر يستأذن ، فقال : ائذن له وبشّره بالجنّة ، قال : فخرجت مسرعاً حتى قلت لأبي بكر : ادخل ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يبشّرك بالجنّة ، قال : فدخل حتى جلس إلى جنب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في القفّ على يمينه ، ودلّى رجليه وكشف عن ساقيه كما صنع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ثم رجعت وقد كنت تركت أخي يتوضّأ ، وقد كان قال لي : أنا على إثرك ، فقلت : إن يُرد الله بفلان خيراً يأتِ به.

قال : فسمعت تحريك الباب ، فقلت : من هذا؟ قال : عمر. قلت : على رسلك ، قال : وجئت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسلّمت عليه وأخبرته ، فقال : ائذن له وبشّره بالجنّة ، قال :

__________________

(١) صحيح البخاري : ٥ / ٢٥٠ ، ٢٥١ كتاب المناقب [٣ / ١٣٤٣ ح ٣٤٧١] ، صحيح مسلم : ٧ / ١١٨ ، ١١٩. [٥ / ٢٠ ـ ٢٢ ح ٢٩ كتاب فضائل الصحابة]. (المؤلف)

(٢) في الصحيحين : فجلست عند الباب.

(٣) قفّ البئر : الدكّة التي تجعل حولها. (المؤلف)

(٤) بستان في قباء قرب المدينة المشرفة. (المؤلف)

١٥٥

فجئت وأذنت له وقلت له : رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يبشّرك بالجنّة ، قال : فدخل حتى جلس مع رسول الله على يساره ، وكشف عن ساقيه ودلّى رجليه في البئر كما صنع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبو بكر.

قال : ثم رجعت فقلت : إن يُرد الله بفلان خيراً يأتِ به ، يُريد أخاه ، فإذا تحريك الباب ، فقلت : من هذا؟ قال : عثمان بن عفّان ، قلت : على رسلك ، وذهبت إلى رسول الله فقلت : هذا عثمان يستأذن ، فقال : ائذن له وبشّره بالجنّة على بلوى تصيبه ، قال : فجئت فقلت : رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يأذن لك ويبشّرك بالجنّة على بلوى أو بلاء يصيبك ، فدخل وهو يقول : الله المستعان ، فلم يجد في القفّ مجلساً ، فجلس وجاههم من شقّ البئر ، وكشف عن ساقيه ودلاّهما في البئر كما صنع أبو بكر وعمر. قال سعيد بن المسيب : فأوّلتها قبورهم اجتمعت وانفرد عثمان.

قال الأميني : نحن لا نناقش في إسناد هذه الرواية للاضطراب الواقع فيه ، فإنّها تروى عن أبي موسى الأشعري كما سمعت ، وعن زيد بن أرقم وهو صاحب القصّة فيما أخرجه البيهقي في الدلائل (١) ، وعن بلال وهو البوّاب في القضيّة فيما أخرجه أبو داود ، وعن نافع بن عبد الحرث وهو البوّاب ، كما في إسناد أحمد في المسند (٢) (٣ / ٤٠٨).

ولا نضعّفه لمكان البصريّين الذين لهم قدم وقدم في اختلاق الحديث ووضع الطامّات على الرسول الأمين صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولا نؤاخذ من رجاله سليمان بن بلال بقول ابن أبي شيبة : إنّه ليس ممّن يعتمد على حديثه (٣) ، ولا نزيّفها لمكان ابن أبي نمر ، لقول النسائي (٤) وابن الجارود : إنّه ليس بالقويّ ، وقول ابن حبّان (٥) : ربّما أخطأ ، وقول ابن

__________________

(١) دلائل النبوّة : ٦ / ٣٨٨.

(٢) مسند أحمد : ٤ / ٤١٣ ح ١٤٩٤٩.

(٣) تهذيب التهذيب : ٤ / ١٧٩ [٤ / ١٥٥]. (المؤلف)

(٤) كتاب الضعفاء والمتروكين : ص ١٣٣ رقم ٣٠٤.

(٥) الثقات : ٤ / ٣٦٠.

١٥٦

الجارود أيضاً : كان يحيى بن سعيد لا يحدّث عنه. وقول الساجي : كان يرى القدر (١) ، ولا نغمز فيها بمكان سعيد بن المسيّب الذي مرّ الإيعاز إلى ترجمته في الجزء الثامن (ص ٩) ، ولا نتكلّم في منتهى السلسلة أبي موسى الأشعري الصحابي ، إذ الصحابة كلّهم عدول عند القوم ، وإن لا يسعنا الإخبات إلى مثل هذا الرأي البهرج المحدث ، والصفح عن قول الإمام الطاهر أمير المؤمنين عليه‌السلام الوارد في أبي موسى الأشعري وصاحبه عمرو بن العاص : «ألا إنّ هذين الرجلين اللذين اخترتموهما حَكَمين قد نبذا حكم القرآن وراء ظهورهما ، وأحييا ما أمات القرآن ، وأماتا ما أحيا القرآن ، واتّبع كلّ واحد منهما هواه بغير هدى من الله ، فحكما بغير حجّة بيّنة ، ولا سنّة ماضية ، واختلفا في حكمهما ، وكلاهما لم يرشُد ، فبرئ الله منهما ورسوله وصالح المؤمنين» (٢) ، فأيّ جرح أعظم من هذا؟ وأيّ عدل يتصوّر في الرجل عندئذ؟

ولا نقول أيضاً بأنّ عناية القوم بتخصيص الخلفاء الثلاثة من بين الصحابة بالبشارة بالجنّة ، وإكثارهم وضع الرواية واختلاق القصص فيها تنبئنا عن أسرار مستسرّة ونحن لا نميط الستار عنها ، و (لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ) (٣).

وإنّما نقول : إنّ هذه البشارة الصادرة من الصادع الكريم إن سُلّمت ، وكان المبشّر مصدّقاً عند سامعيها ، فلما ذا كان عمر يسأل حذيفة اليماني ـ صاحب السرّ المكنون في تمييز المنافقين ـ عن نفسه ، وينشده الله أمن القوم هو؟ وهل ذُكر في المنافقين؟ وهل عدّه رسول الله منهم (٤). والسائل جدّ عليم بأنّ المنافقين في الدرك

__________________

(١) تهذيب التهذيب : ٤ / ٣٣٨ [٤ / ٢٩٦]. (المؤلف)

(٢) راجع الجزء الثاني : ص ١٣١. (المؤلف)

(٣) المائدة : ١٠١.

(٤) تاريخ ابن عساكر : ٤ / ٩٧ [١٢ / ٢٧٦ رقم ١٢٣١ ، وفي مختصر تاريخ دمشق : ٦ / ٢٥٣] ، التمهيد للباقلاّني : ص ١٩٦ ، بهجة النفوس لابن أبي جمرة : ٤ / ٤٨ [ح ١٨٨] ، إحياء العلوم : ١ / ١٢٩ [١ / ١١٤] ، كنز العمّال : ٧ / ٢٤ [١٣ / ٣٤٤ ح ٣٦٩٦٢]. (المؤلف)

١٥٧

الأسفل من النار ، فهل يمكننا الجمع بين هذا السؤال المتسالم عليه وبين تلك البشارة؟ لاها الله.

وهل يتأتّى الجمع بين تلك البشارة وبين ما صحّ عن عثمان من حديث (١) اعتذاره عن خروجه إلى مكة أيّام حوصر بقوله : إنّي سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «يُلحد بمكة رجل من قريش ، عليه نصف عذاب هذه الأمّة من الإنس والجنّ» فلن أكون ذلك الرجل؟ فهل هذا مقال من وثق بإيمانه بالله وبرسوله واطمأنّ به وعمل صالحاً ثم اهتدى ، فضلاً عمّن بُشّر بالجنّة بلسان النبيّ الصادق الأمين؟

٣٠ ـ أخرج البيهقي في الدلائل (٢) ، من حديث عبد الأعلى بن أبي المساور ، عن إبراهيم بن محمد بن حاطب ، عن عبد الرحمن بن بجيد (٣) ، عن زيد بن أرقم ، قال : بعثني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : انطلق حتى تأتي أبا بكر فتجده في داره جالساً محتبياً ، فقل : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقرأ عليك السلام ويقول : أبشر بالجنّة ، ثم انطلق حتى تأتي الثنيّة فتلقى عمر راكباً على حمار تلوح صلعته ، فقل : إنّ رسول الله يقرأ عليك السلام ويقول : أبشر بالجنّة ، ثم انصرف حتى تأتي عثمان فتجده في السوق يبيع ويبتاع ، فقل : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقرأ عليك السلام ويقول : أبشر بالجنّة بعد بلاء شديد ، فذكر الحديث في ذهابه إليهم فوجد كلاّ منهم كما ذكر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكلاّ منهم يقول : أين رسول الله؟ فيقول : في مكان كذا وكذا ، فيذهب إليه. وإنّ عثمان لمّا رجع قال : يا رسول الله وأيّ بلاء يصيبني؟ والذي بعثك بالحقّ ما تغيّبت ـ وفي لفظ : ما تغنّيت ـ ولا تمنّيت ولا مسست ذكري بيميني منذ بايعتك ، فأيّ بلاء يصيبني؟ فقال : هو ذاك.

قال الأميني : إنّ الباحث في غنى عن عرفان رجال إسناد الرواية بعد وقوفه

__________________

(١) راجع : ص ١٥٣ من الجزء التاسع. (المؤلف)

(٢) دلائل النبوّة : ٦ / ٣٨٩ ـ ٣٩٠.

(٣) بالباء والجيم الموحّدتين والدال المهملة ، كما في التقريب [١ / ٤٧٣]. (المؤلف)

١٥٨

على ما أسلفناه في هذا الجزء (ص ٩٨) في ترجمة عبد الأعلى بن أبي المساور ، من أنّه كذّاب ، خبيث ، دجّال ، وضّاع ، روى عن الأئمّة آلاف أحاديث ما حدّثوا بشيء منها ، ولا يعرف أحد أكثر وضعاً منه ، وهو ممّن يُضرب المثل بكذبه.

فمثل هذا الإسناد يوصف في مصطلح الفنّ بالوضع لا بالضعف ، كما وصفه البيهقي بذلك. راجع فتح الباري (١) (٧ / ٢٩).

٣١ ـ أخرج ابن عساكر في تاريخه (٢) (٤ / ٣١٢) من طريق أبي عمرو الزاهد (٣) ، عن عليّ بن محمد الصائغ ، عن أبيه أنّه قال : رأيت الحسين وقد وفد على معاوية زائراً ، فأتاه في يوم جمعة وهو قائم على المنبر خطيباً ، فقال له رجل من القوم : يا أمير المؤمنين ائذن للحسين يصعد المنبر ، فقال له معاوية : ويلك دعني أفتخر ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : سألتك بالله يا أبا عبد الله أليس أنا ابن بطحاء مكة ، فقال : إي والذي بعث جدّي بالحقّ بشيراً ، ثم قال : سألتك بالله يا أبا عبد الله أليس أنا خال المؤمنين؟ فقال إي والذي بعث جدّي نبيّا ، ثم قال : سألتك بالله يا أبا عبد الله أليس أنا كاتب الوحي؟ فقال : إي والذي بعث جدّي نذيراً ، ثم نزل معاوية وصعد الحسين بن عليّ فحمد الله بمحامد لم يحمده الأوّلون والآخرون بمثلها ، ثم قال : حدّثني أبي ، عن جدّي ، عن جبرئيل ، عن الله تعالى ، أنّ تحت قائمة كرسيّ العرش ورقة آسٍ خضراء مكتوب عليها : لا إله إلاّ الله محمد رسول الله ، يا شيعة آل محمد لا يأتي أحدكم يوم القيامة يقول : لا إله إلاّ الله إلاّ أدخله الله الجنّة ، فقال له معاوية : سألتك بالله يا أبا عبد الله من شيعة آل محمد؟ فقال : الذين لا يشتمون الشيخين أبا بكر وعمر ،

__________________

(١) فتح الباري : ٧ / ٣٧.

(٢) تاريخ مدينة دمشق : ١٤ / ١١٣ رقم ١٥٦٦ وما بين المعقوفين منه ، ومن تهذيب ابن بدران. وفي تهذيب تاريخ دمشق : ٤ / ٣١٥.

(٣) كذا في تهذيب تاريخ دمشق ، وفي تاريخ مدينة دمشق ، وتاريخ بغداد : ٢ / ٣٥٧ ، ولسان الميزان : ٥ / ٣٠٣ رقم ٧٧٠٧ : أبو عمر الزاهد.

١٥٩

ولا يشتمون عثمان ، ولا يشتمون أبي ، ولا يشتمونك يا معاوية.

قال الأميني : قال ابن عساكر : هذا حديث منكر ، ولا أرى إسناده متّصلا إلى الحسين. ونحن نقول : إنّه كذب صراح وإسناده متفكّك العرى واهي الحلقات. أمّا أبو عمرو الزاهد فهو الكذّاب صاحب الطامّات والبلايا ، الذي ألّف جزءاً في مناقب معاوية من الموضوعات ، كما أسلفناه في الجزء الخامس (ص ٢٦١) توفّي سنة (٣٤٥).

وأمّا شيخه عليّ بن الصائغ فهو ضعيف جدّا وصفه بهذا الخطيب في تاريخه (٣ / ٢٢٢) ، وضعّفه الدارقطني ، كما في لسان الميزان (١) (٢ / ٤٨٩).

وأمّا والده فهو مجهول لا يُذكر بشيء ، وهو في طبقة من يروي عن مالك المتوفّى سنة (١٧٩).

فأين وأنّى رأى سيّدنا الحسين عليه‌السلام المستشهد سنة (٦١)؟ وكيف أدرك معاوية الذي هلك سنة (٦٠)؟ وهل كانت الرؤية والإدراك طيف خيال أو يقظة؟

ثم لو صدّقنا الأحلام فإنّ مقتضى هذه الأسطورة أن لا يكون معاوية من شيعة آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذين يدخلهم الله الجنّة ، لأنّه كان يقنت بلعن عليّ أمير المؤمنين عليه‌السلام وولديه الإمامين سيّدي شباب أهل الجنّة ، إلى جماعة من الصلحاء الأبرار ، وحسبه ذلك مخزاة ، وهذا الأمر فيه وفي الطغام من بني أبيه المقتصّين أثره وأتباعه المتّبعين له على ذلك شرع سواسية.

ومن مقتضياتها أيضاً خروج مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام عن أولئك الزمرة المرحومة ، لأنّه كان يقنت باللعن على معاوية وحثالة من زبانيته (كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ).

ولازم هذا التلفيق إخراج من نال من عثمان ، فضلاً عمّن أجهز عليه وقتله ،

__________________

(١) لسان الميزان : ٢ / ٦٠٣ رقم ٣٤٧٨.

١٦٠