البهجة المرضيّة على ألفيّة ابن مالك

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي

البهجة المرضيّة على ألفيّة ابن مالك

المؤلف:

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة اسماعيليان للطباعة والنشر والتوزيع
المطبعة: وفا
الطبعة: ١٩
ISBN: 978-964-6397-13-2
الصفحات: ٥٩٠

نحو «يا أعشى» (١) و «هذه مدينة الرّسول صلّى الله عليه وآله وسلّم» (٢) (وفي غيرهما) أي غير النّداء والإضافة (قد تنحذف) أل بقلّة نحو «هذا عيّوق (٣) طالعا».

__________________

(١) أصله : الأعشي علم لرجل ، وفي الأصل وصف لكل من لا يبصر ليلا.

(٢) فحذف أل من المدينة لإضافتها إلى الرسول.

(٣) أصله العيوق اسم لنجم حذف منه اللام من دون سبب من نداء أو إضافة.

٨١

هذا باب الإبتداء

وقدّم أحكام المبتدأ على الفاعل تبعا لسيبويه. وبعضهم يقدّم الفاعل وذلك (١) مبنيّ على القولين في أنّ أصل المرفوعات هل هو المبتدأ أو الفاعل؟

وجه الأوّل (٢) أنّ المبتدأ مبدوّية الكلام ، وأنّه لا يزول عن كونه مبتدأ وإن تأخّر ، والفاعل يزول فاعليّته إذا تقدّم وأنّه عامل ومعمول ، والفاعل معمول ليس غيره. ووجه الثّاني (٣) أنّ عامله لفظيّ ، وهو أقوى من عامل المبتدأ المعنويّ وأنّه إنّما رفع للفرق بينه وبين المفعول وليس المبتدأ كذلك والاصل في الإعراب أن يكون للفرق بين المعاني.

__________________

(١) يعني : تقديم أي من المبتداء والفاعل في الذكر.

(٢) أي : وجه كون المبتدا أصلا في المرفوعات أمور ثلاثة :

الأول : إنه يقع في أول الكلام فله الشرف المكاني.

والثاني : إنه ثابت على الابتدائية سواء تقدّم على الخبر أو تأخر عنه نحو زيد في الدار وفي الدار زيد.

والثالث : إنه عامل ومعمول في آن واحد لأنه عامل في الخبر ومعمول للابتدائية بخلاف الفاعل في الأمور الثلاثة لعدم جواز تقدّمه على عامله ، وأنه إذا تقدّم على عامله يزول فاعليته ويصير مبتداء ، وأنه معمول فقط وليس بعامل.

(٣) أى : وجه كون الفاعل أصلا أمران :

الأول : ان عامله لفظى ، وهو الفعل وشبهه ، والأصل في العامل أن يكون لفظيّا.

والثانى : ان الفاعل انّما رفع للفرق بينه وبين المفعول ، والأصل في الإعراب أن يكون للفرق بين المعانى.

٨٢

ثمّ المبتدأ اسم مجرّد عن العوامل اللّفظيّة غير المزيدة مخبر عنه أو وصف رافع لمكتفى به (١) فالاسم يعمّ الصّريح والمأوّل (٢) والقيد الأوّل (٣) يخرج الإسم في باب كان ، وإنّ ، والمفعول الأوّل في باب ظنّ والثاني (٤) يدخل نحو «بحسبك درهم» على أنّ (٥) شيخنا العلّامة الكافجي يرى أنّه خبر مقدّم وأنّ المبتدأ درهم نظرا إلى المعنى والثالث (٦) يخرج أسماء الأفعال وبقيد الوصف بكونه رافعا لمكتفي به يخرج قائما من «أقائم أبوه زيد». (٧) إذا علمت ذلك فنزّل المثال (٨) على هذا الحدّ وقل :

مبتدأ زيد وعاذر خبر

إن قلت زيد عاذر من اعتذر

وأوّل مبتدأ والثّاني

فاعل اغني في أسار ذان

مبتدأ زيد وعاذر خبر) عنه (إن قلت زيد عاذر من اعتذر) لانطباق الحدّ عليه (٩)

__________________

(١) أي : رافع لاسم يغني عن الخبر.

(٢) فالأوّل كزيد قائم ، والثاني : نحو «أن تصوموا خير لكم» فأن تصوموا فعل مؤوّل بالاسم إذ التأويل صومكم خير لكم.

(٣) يعني : قوله «مجرد عن العوامل اللفظية» لأن اسم كان والمفعول لظن وإن كانا اسمين مخبرا عنهما لكنهما ليسا مجردين عن العامل اللفظي.

(٤) يعني غير المزيدة ، فإنّ بحسبك مبتداء وهو مجرد عن العامل غير المزيد فأن عامله وهو الباء زائدة.

(٥) على هنا للاستدراك يعني مضافا إلى أنّ عامله زائدة ولا مانع من كونه مبتداء يري شيخنا الكافجي أنه خبر مقدم لأن المبتدا كما ذكر مخبر عنه والمخبر عنه في هذه الجملة هو الدرهم لأن المقصود من هذه الجملة هو بيان حال الدرهم أنه كاف بيان حال بحسبك.

(٦) وهو قوله مخبر عنه لأن أسماء الأفعال وإن كأنت أسماء مجردة عن العوامل اللفظية إلا أنها مخبر لكونها بيانا لحال فاعلها.

(٧) لأن مرفوع الوصف وهو أبوه لا يكتفي به لنقص الكلام بدون زيد فقائم ليس بمبتدا وأنما هو خبر مقدم.

(٨) أي : فطبّق أنت مثال المصنف وهو زيد عاذر على هذا التعريف للمبتداء.

(٩) فإن «زيد» اسم مجرد عن العوامل اللفظية غير المزيدة مخبر عنه بقوله عاذر.

٨٣

(وأوّل مبتدأ والثّاني فاعل) أو نائب عنه (١) (أغنى) المبتدأ (٢) عن الخبر (في) كلّ وصف إعتمد على استفهام ورفع ظاهرا أو مضمرا بارزا نحو (أسار ذان).

وقس وكاستفهام النّفي وقد

يجوز نحو فائز أولو الرّشد

(وقس) على هذا المثال نحو «كيف جالس الزّيدان» و «أمضروب العمروان» ولا يجوز كونه مبتدءا إذا رفع ضميرا مستترا نحو قاعد في «ما زيد قائم ولا قاعد» (٣) (وكاستفهام) في اعتماد الوصف عليه (النّفى) نحو :

خليليّ ما واف بعهدي أنتما (٤)

[إذا لم تكونا لي على من أقاطع]

و «غير قائم الزّيدان» (٥) و «ما مضروب العمروان» (٦) (وقد) قال الأخفش والكوفيّون (يجوز) كون الوصف مبتدءا وله فاعل يغني عن الخبر من غير اعتماد على نفي ولا استفهام (نحو فائز) أي ناج (أولو الرّشد) بفتحتين (٧) أي أصحاب الهدى

والثّان مبتدأ وذا الوصف خبر

إن في سوي الافراد طبقا استقر

(والثّان) وهو ما بعد الوصف (مبتدأ) مؤخّر (وذا الوصف) بالرفع (خبر) عنه (٨) مقدّم عليه (إن في سوى الإفراد) وهو التّثنية والجمع السّالم (طبقا) أي مطابقا لما بعده

__________________

(١) إذا كان الوصف اسم مفعول.

(٢) المبتدا مفعول لأغني وفاعله ضمير يعود إلى فاعل.

(٣) لأن فاعله ضمير مستتر يعود إلى زيد.

(٤) «فواف» اسم فاعل مبتدا وأنتما فاعل له سد مسدّ الخبر مثال للنفي الحرفي.

(٥) مثال للنفي الاسمي فالمبتدا في الحقيقة هو قائم ، لأن غير يعرب بإعراب المضاف إليه.

(٦) مثال لما كان الوصف المبتدا اسم مفعول.

(٧) فتح الراء والشين.

(٨) عن الثاني.

٨٤

(استقرّ) هذا الوصف نحو «أقائمان الزّيدان» و «أقائمون الزّيدون».

ولا يجوز كون الوصف مبتدءا وما بعده خبره ، لأنّه (١) إذا أسند إلى الظاهر تجرّد من علامة التّثنية والجمع كالفعل فإن تطابقا في الإفراد نحو «أقائم زيد» جاز (٢) كون ما بعد الوصف فاعلا سدّ مسدّ الخبر وكونه (٣) مبتدأ مؤخّرا والوصف خبرا مقدّما ، والجمع المكسّر كالمفرد (٤) وكذا الوصف المطلق (٥) على المفرد والمثنّى والجمع بصيغة واحدة نحو «أجنب الزّيدان».

ورفعوا مبتدأ بالابتدا

كذاك رفع خبر بالمبتدا

(ورفعوا مبتدأ بالابتدا) وهو (٦) كونه معرّى من العوامل اللّفظية ، وقيل : جعل الإسم أوّلا ليخبر عنه (كذاك رفع خبر بالمبتدا) وحده ـ وهو الصحيح الّذي نصّ عليه

__________________

(١) فإن شرط ابتدائية الوصف رفعه للظاهر وعند التطابق هو رافع للضمير ، لأن الوصف حين يرفع الاسم الظاهر خال عن الضمير نحو أقائم الزيدان؟ كما أن الفعل إذا كان فاعله اسما ظاهرا يخلو عن الضمير فتقول قام الزيدان وقام الزيدون ولا تقول ق أما الزيدان فلذلك إذا تطابق مع ما بعده يدل على إنه رفع الضمير يصلح للابتداء.

(٢) لاحتمال خلوّه عن الضمير وإسناده إلى الظاهر.

(٣) أي : ما بعد الوصف مبتدا إذا قدر ضمير في الوصف فلا يصح الوصف للابتداء لرفعه الضمير.

(٤) في جواز الأمرين نحو أقائم الرجال؟ فلك أن تقول أنّ «قائم» مبتدا و «الرجال» فاعله قائم مقام الخبر أو أنّ «الرجال» مبتدء مؤخّر و «قائم» خبره لتقدير ضمير فيه.

(٥) أي : الوصف الذي يطلق على الثلاثة من دون تغيير تقول : أجنب زيد وأجنب الزيدان وأجنب الزيدون فيجوز فيه الوجهان الّذان ذكرا في المفرد والجمع المكسّر أي أن يكون الوصف مبتداء وأن يكون خبرا مقدما.

(٦) لا يخفي عليك أن الابتداء هو فعل المتكلّم فمن قال زيد قائم يصح أن تقول أنه ابتداء بزيد ، لأنه أخلا وعرّاه عن العامل اللفظي لم يبتدء بعامل لفظي وابتداء بزيد كما يصح أن تقول أنه ابتدء بزيد لأنه جعله أول كلامه ، وهذا معني الوجهين في كلام الشارح.

٨٥

سيبويه ـ لأنّه طالب له (١) وقيل : بالابتداء لأنّه اقتضاهما (٢) فعمل فيهما. وردّ بأنّ أقوى العوامل ـ وهو الفعل ـ لا يعمل رفعين فما ليس أقوى (٣) أولى وقيل بالابتداء والمبتدأ ، وقال الكوفيون ترافعا ، أي كلّ واحد منهما رفع الآخر وله نظائر في العربيّة (٤).

والخبر الجزء المتمّ الفائدة

كالله برّ والأيادي شاهدة

ومفردا يأتي ويأتي جملة

حاوية معني الّذي سيقت لة

(والخبر) هو (الجزء المتمّ الفائدة) مع مبتدأ غير الوصف (كالله برّ) أي محسن لعباده (والايادى) أي النّعم (شاهدة) له.

(ومفردا يأتى) الخبر ، والمراد به (٥) ما للعوامل تسلّط على لفظه فيشمل (٦) ما لا معمول له كـ «هذا زيد» ، وما عمل الجرّ كـ «زيد غلام عمرو» أو الرّفع كـ «زيد قائم أبوه» ، أو النّصب كـ «هذا ضارب أبوه عمرا» (ويأتي جملة بشرط أن تكون (حاوية معنى) المبتدأ (الّذي سيقت له) (٧) أي اسما بمعناه (٨) يربطها به لاستقلال

__________________

(١) أي : لأن المبتدا محتاج إلى الخبر فيطلبه ويؤثر فيه الرفع.

(٢) أي : الابتداء يطلب المبتدا والخبر كليهما فأن المتكلم الذي يبتداء باسم أنما يفعل ذلك ليخبر عنه بشيء فكما أن ابتدائه يقتضي المبتدا يقتضي الخبر أيضا فالابتداء يؤثر فيهما فيرفعهما.

(٣) وهو الابتداء مع أنه معنوي وضعيف في العمل أولى بأن لا يعمل رفعين.

(٤) منها قوله تعالى : (أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) (الإسراء ، الآية : ١١٠) فأيا منصوب بتدعو على المفعولية وتدعو معمول لأي لكونه أداة الشرط وتدعو فعل الشرط.

(٥) أي : بالمفرد هنا ما للعوامل تسلّط على لفظه فليس المراد منه ما يقابل المركب ليخرج المضاف والمضاف اليه واسم الفاعل وفاعله ، بل ما يقابل الجملة ، وهي التي لا يؤثّر العامل في لفظها ، نعم قد يتسلّط العامل على محلها كما إذا كانت خبرا للمبتدا أو نواسخه.

(٦) أي : بناء على ما ذكرنا من المراد بالمفرد فالمفرد بهذا المعني يشمل هذه الأمور لتسلّط العامل عليها.

(٧) أي : سيقت هذه الجملة لذلك المبتدا.

(٨) بمعني المبتدا يربط الجملة بالمبتدا.

٨٦

الجملة (١) وهو (٢) إمّا ضمير موجود كـ «زيد قام أبوه» أو مقدّر كـ «ألبرّ قفيز بدرهم» أي منه ، أو اسم أشير به إليه (٣) نحو (وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ)(٤) ويغني عن الرّابطة تكرار المبتدأ بلفظه ك (الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ)(٥)(٦) أو عموم في الخبر (٧) يدخل المبتدأ تحته نحو (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً)(٨).

وإن تكن إيّاه معنى اكتفى

بها كنطقي الله حسبي وكفى

والمفرد الجامد فارغ وإن

يشتقّ فهو ذو ضمير مستكن

(وإن تكن) الجملة (٩) (إيّاه معنى اكتفى) المبتدأ بها (كنطقى) أي منطوقي (الله حسبي وكفى).

(و) الخبر (المفرد الجامد) والمراد به (١٠) ـ كما قال في شرح الكافية ـ ما ليس صفة يتضمّن معنى فعل وحروفه (١١) (فارغ) أي خال من الضّمير عند البصريّين لأنّ تحمّل

__________________

(١) علة لاحتياج الجملة إلى الرابط ، فإن استقلال الجملة يوهم أنها جنبية عن ذلك المبتدا فيحتاج إلى رابط ليفهم أنها خبر له.

(٢) أي : الاسم الذي بمعناه.

(٣) أي : أشير بذلك الاسم إلى المبتدا فذلك في الآية إشارة إلى المبتدا وهو لباس.

(٤) الاعراف ، الآية : ٢٦.

(٥) فما الحاقة جملة لكون ما مبتدأ والحاقة خبرا له والجملة خبر للحاقة الأولى ، والرابط هي الحاقة الثانية لكونها تكرارا للمبتدا بلفظه.

(٦) الحاقّة ، الآية : ١ و ٢.

(٧) فالمبتدا في الآية هو الموصول اسم أنّ وجملة الخبر إنّا لا نضيع أجر من أحسن عملا ، ومعلوم أن المؤمن الذي يعمل الصالحات من جملة من أحسن عملا والخبر أعم من المبتدا وشامل له.

(٨) الكهف ، الآية : ٣٠.

(٩) أي : جملة الخبر نفس المبتدا في المعني فجملة الله حسبي عين منطوق المتكلّم أي كلامه.

(١٠) أي : بالجامد.

(١١) كرجل وحجر نحو هذا حجر ومقابله المشتق نحو ضارب ومضروب ففيهما معني الفعل وحروفه.

٨٧

الضمير فرع عن كون المتحمّل صالحا لرفع ظاهر على الفاعلية ، وذلك (١) مقصور على الفعل أو ما هو بمعناه. وذهب الكوفيّون إلى أنّه يتحمّله.

(وإن يشتقّ) الخبر المفرد أو يأوّل بمشتقّ كـ «هذا أسد» أي شجاع (٢) (فهو ذو ضمير مستكن) أي مستتر فيه. هذا إذا لم يرفع ظاهرا (٣) فإن رفعه (٤) لم يتحمّل وإن جرى على من هوله (٥) وإلّا فله حكم ذكره بقوله :

وأبرزنه مطلقا حيث تلا

ما ليس معناه له محصّلا

(وأبرزنه) أي الضمير وجوبا (مطلقا) سواء أمن من اللّبس أم لم يؤمن (حيث تلى) وقع ذلك الوصف بعد (ما) أي مبتدأ (ليس معناه) أي معنى ذلك الوصف (له) أي للمبتدأ (محصّلا) بل كان محصّلا لغيره (٦) أي كان وصفا جاريا على غير من هوله

__________________

(١) أي : صلاحية رفع الظاهر على الفاعلية منحصر بالفعل ، وما هو بمعناه من مشتقّاته.

(٢) وشجاع مشتق لأنه صفة مشبّهة.

(٣) نحو زيد قائم فقائم متحمل لضمير يعود إلى المبتد ، لأنه لم يرفع ظاهرا.

(٤) أي : إن رفع الخبر المشتق اسما ظاهرا فلا يمكنه أن يتحمّل الضمير نحو زيد قائم أبوه فقائم فارغ عن الضمير لرفعه أبوه وأنما الرابط هو الضمير البارز.

(٥) كما في مثال زيد قائم أبوه ، فقائم جار على أبوه ، ومعني جريإنه عليه استناده لفظا إليه ، وهو كذلك لأنّ أبوه فاعل له وهو له يعني قائم لأبوه لأن أبوه هو القائم لا غيره ، فقائم جار أي مسند إلى من هوله ومع ذلك لم يتحمّل ضميرا فكيف به إذا لم يجر على من هوله كما يأتي.

(٦) أي : لغير المبتدا مع أنه جار على المبتدا لفظا لأنه خبره فضاربه في المثال جار على عمرو ، لأنه خبر لعمرو ، مع ان الضارب في الواقع هو زيد بارادة المتكلم ولما كان ظاهر اسناد ضارب إلى عمرو يوهم ان عمروا هو الضارب والواقع خلافه لزم إبراز الضمير والمراد به في المثال هو ليعود إلى الضارب الحقيقي أعني زيد وأما فيما لا يتوهم فيه ذلك لعدم اللبس كما في المثال الثاني للعلم بأن ضارب ليس لهند لتأنيث هند وتذكير ضارب فالإبراز هناك طردا للباب.

٨٨

كـ «زيد عمرو ضاربه هو» (١) و «زيد هند ضاربها هو» وأجاز الكوفيّون الاستتار إذا أمن من اللّبس (٢) واختاره المصنف في الكافية.

وأخبروا بظرف أو بحرف جرّ

ناوين معني كائن أو استقرّ

(وأخبروا) عن المبتدأ (بظرف) نحو (وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ)(٣) (أو بحرف جرّ) مع مجروره كـ «الحمد لله» حالكونهم (ناوين) أي مقدّرين له متعلّقا إسم فاعل أو فعلا هو الخبر في الحقيقة ولا يكون إلّا كائنا أو استقرّ أو ما فيه (معنى كائن أو استقرّ) كثابت ووجد ونحوهما.

فرع : يجب حذف هذا المتعلّق ، وشذّ التّصريح به في قوله :

[لك العزّ إن مولاك عزّ وإن يهن]

فأنت لدى بحبوحة الهون كائن (٤)

ثمّ إن قدّر (٥) اسم فاعل وهو اختيار المصنف لوجوب تقديره اتّفاقا بعد أمّا وإذا

__________________

ولا يخفي عليك أنه كيف يمكن جريان وصف على غير من هو له أليس إسناد شيء إلى شىء اتحادهما معنى؟ وأ ليس الألفاظ في خدمة المعانى؟ فالصحيح أن يقال : ان الوصف في المثالين وما ماثلهما جار على من هو له ببيان أن ضاربه وهو مبتداء وخبر وهما متحدان في مراد المتكلم فالوصف جار على من هو له والجملة خبر لعمرو ويشهد لذلك مثاله الثاني إذ لو كان ضاربه خبرا للهند لكان مطابقا لمبتدئه أعني هند في التذكير والتأنيث والعجب من ذهول الفحول والجواد قد يكبو.

(١) فضارب في المثالين جار على عمرو في المثال الأول وعلى هند في الثاني لأنه خبرهما على قولهم مع انّ الضارب واقعا في المثالين هو زيد وعلى ما قلنا فضاربه او ضاربها مبتدا وهو خبره وهو يعود إلى زيد فضارب جار على من هو له.

(٢) كما في المثال الثانى.

(٣) الانفال ، الآية : ١٤٢.

(٤) الشاهد في التصريح بمتعلق لدي وهو كائن.

(٥) اختلفوا في أن الأصل في المتعلق للظرف والجار والمجرور هل هو اسم الفاعل أو الفعل فاختار ـ ـ المصنف الأول بدليل وجوب تقديره باتفاق النحاة بعد إذا المفاجاة وأما لعدم دخولهما على الفعل واختار ابن الحاجب الثانى أي الفعل بدليل وجوب تقديره في الصلة للزوم أن تكون جملة وعلى الأول فالخبر مفرد وعلى الثاني جملة.

٨٩

المفاجأة لامتناع إيلائهما الفعل ، فهو من قبيل المفرد وإن قدّر فعلا وهو اختيار ابن الحاجب لوجوب تقديره في الصّلة فواضح أنّه من قبيل الجملة ولا يخفى (١) أنّ إجراء الباب على سنن واحد أولي من الإلحاق بباب آخر.

واعلم أنّ اسم الزّمان يكون خبرا عن الحدث (٢) نحو «القتال يوم الجمعة» لأنّ الأحداث متجدّدة ، ففي الإخبار عنها به (٣) فائدة ، وهي تخصيصها (٤) بزمان دون زمان.

ولا يكون اسم زمان خبرا

عن جثّة وإن يفد فأخبرا

ولا يكون اسم زمان خبرا عن) مبتدأ (جثّة) (٥) فلا يقال «زيد يوم الجمعة» (وإن يفد) الإخبار به (٦) بأن كان المبتدأ عامّا والزّمان خاصا أو كان إسم الذّات مثل اسم

__________________

(١) ردّ للقولين يعني أنه إذا جعلنا باب الظرف وشبهه بابا مستقلا وقلنا بجواز تعلقهما بكل من الفعل واسم الفاعل حسبما يقتضي المقام كان الباب على سنن واحد وطريقة واحدة وهو خير من أن نلحقه بباب إما وإذا أو بباب الموصول فالأصل في المتعلق اقتضاء المقام.

(٢) يعني أنّ ظرف الزمان يناسب أن يكون خبرا عن الحدث أي المصدر لأن الأحداث متجددة لأنها بمعني وقوع فعل وحدوثه بعد العدم فتوجد وتنعدم بخلاف الذوات مثل الإنسان والحيوان وزيد فأنها ثابتة والزمان أيضا غير ثابت مثل يوم الجمعة أو شهر كذا وبمقتضي الاتحاد بين المبتدا والخبر يناسب أن يكون اسم الزمان خبرا للحدث نحو القتال يوم الجمعة.

(٣) أي : عن الأحداث باسم الزمان.

(٤) يعني أن الفائدة المرادة للمتكلم هنا تخصيص الأحداث بزمان دون زمان ففائدة قولنا القتال يوم الجمعة تخصيص القتال بيوم الجمعة دون غيره من الأيّام.

(٥) أي : ذات كزيد وعمرو فأن إسناد شىء إلى شىء يقتضي الوحدة بينهما ولا يمكن اتحاد الذات الثابت الوجود مع الزمان المتجدد الوجود.

(٦) أي : باسم الزمان عن الذات.

٩٠

المعنى في وقوعه وقتا دون وقت (فأخبرا) كنحن في شهر كذا (١) والورد في أيّار (٢)

ولا يجوز الابتدا بالنّكره

ما لم تفد كعند زيد نمره

وهل فتى فيكم فما خلّ لنا

ورجل من الكرام عندنا

(ولا يجوز الابتدأ بالنّكرة ما) دام الابتدأ بها (لم يفد) لأنّه لا يخبر إلّا عن معروف (٣) فإن أفاد جاز الابتداء. وتحصيل الفائدة بأمور :

أحدها ـ أن يتقدّم الخبر وهو ظرف أو مجرور مختصّ (٤) (كعند زيد نمره) و «في الدّار رجل».

(و) الثّاني أن يتقدّمها استفهام نحو (هل فتى فيكم).

والثّالث ـ أن يتقدّمها نفي نحو «إن تكن خليلنا (٥) (فما خلّ لنا).

(و) الرّابع ـ أن تكون موصوفة بوصف إمّا مذكور ، نحو (رجل من الكرام عندنا) (٦) أو مقدّر ، نحو «شرّ أهرّ ذا ناب» أي عظيم على أحد التّقديرين (٧) وكذا إن كان

__________________

(١) كذا إشارة إلى شهر من الشهور كشعبان مثلا وهذا مثال لما إذا كان المبتدا عامّا والزمان خاصا فإن الإنسان المتكلم مع غيره ذوات ثابتة باقية في كل شهر وشهر شعبان مثلا خاص بمدة معينة.

(٢) مثال للقسم الثاني إذ الورد مثل الزمان في كونه متجددا لأنه يأتي في فصل وينعدم بعده كما أن شهر أيّار كذلك.

(٣) أي : أن المخبر عادة لا يخبر عن حال أحد أو شيء إلّا أن يكون ذلك الشيء معروفا عند السامع لا عن مجهول لعدم الفائدة في الإخبار عن المجهول.

(٤) بأن يكون الظرف مضافا إلى المعرفة كعند زيد نمرة أو كان المجرور معرفة نحو في الدار رجل فلا يصح عند رجل نمرة أو في دار رجل.

(٥) الشاهد في خل أنه نكرة وجاز الابتداء به لوقوعه بعد النفي.

(٦) فمن الكرام صفة الرجل.

(٧) أي : على تقدير أن يكون القائل لهذا المثل في مقام بيان أهمية الشر الذي أهرّ الكلب وخطره فالتقدير شر

٩١

فيها (١) معني الوصف نحو «رجيل عندنا» أي رجل حقير عندنا أو كانت خلفا من موصوف كـ «مؤمن خير من كافر». (٢)

ورغبة في الخير خير وعمل

برّ يزين وليقس ما لم يقل

(و) الخامس ـ أن تكون عاملة فيما بعدها نحو (رغبة في الخير خير) (٣)

(و) السّادس ـ أن تكون مضافة نحو (عمل برّ يزين).

(وليقس) على ما ذكر (ما لم يقل) بأن يجوز كلّ ما وجد فيه الإفادة كأن يكون فيها معنى التّعجّب كـ «ما أحسن زيدا» (٤) أو تكون دعاء نحو (سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ)(٥) ، و (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ)(٦)(٧) أو شرطا كـ «من يقم أقم (٨) معه» أو جواب سؤال كرجل لمن قال «من عندك» ، أو عامّة (٩) كـ «كلّ يموت» أو تالية لإذا الفجائيّة نحو «خرجت فإذا أسد بالباب» أو لواو الحال (١٠) كقوله :

سرينا ونجم قد أضاء فمذبدا

[محيّاك أخفي ضوؤه كلّ شارق]

__________________

عظيم وأما على تقدير أن يكون في مقام بيان إن الذي أهره لم يكن خيرا كقدوم الضيف بل كان شرا فالتقدير شراهر ذاناب لأخير ولا تقدير للصفة فيه.

(١) أي في النكرة.

(٢) إذا التقدير رجل مؤمن فمؤمن خلف من موصوفه وهو رجل.

(٣) فرغبة مصدر وعامل في الجار والمجرور لكونه متعلقه مفعوله بالواسطة.

(٤) ما هنا نكرة لكونها بمعني شىء عظيم وليست موصولة والمجوز للابتداء لها كونه للتعجب.

(٥) الصافات ، الآية : ١٣٠.

(٦) دعاء عليهم كما انّ سلام على الياسين دعاء لهم.

(٧) المطفّفين ، الآية : ١٠.

(٨) من هنا نكرة جاز الابتداء بها لكونه بمعني الشرط.

(٩) أي : شاملة لجميع الأفراد شمولا جميعا لا بدليا كشمول النكرات المتعارفة.

(١٠) أي : تالية لواو الحال.

٩٢

وقد توجد الإفادة دون شيء ممّا ذكر كقوله : «شجره سجدت» و «تمره خير من جرادة». (١)

والأصل في الأخبار أن تؤخّرا

وجوّزوا التّقديم إذ لا ضررا

فامنعه حين يستوي الجزآن

عرفا ونكرا عادمى بيان

(والأصل في الأخبار أن تؤخّرا) لأنّها وصف في المعنى للمبتدآت فحقّها التأخير كالوصف (٢) (وجوّزو التّقديم) لها على المبتدآت (إذ لا ضررا) حاصل بذلك (٣). وفهم من كلامه (٤) أنّ الأصل في المبتدآت التّقديم (فامنعه) أي تقديم الخبر (حين يستوي الجزآن عرفا ونكرا) بشرط أن يكونا (عادمي بيان) نحو «زيد صديقك» للالتباس ، (٥) فإن كان ثمّة قرينة جاز كقوله : (٦)

بنونا بنو أبنائنا [وبناتنا

بنوهنّ أبناء الرّجال الأباعد]

كذا إذا ما الفعل كان خبرا

أو قصد استعماله منحصرا

أو كان مسندا لذي لام ابتدا

أو لازم الصّدر كمن لي منجدا

ونحو عندي درهم ولي وطر

ملتزم فيه تقدّم الخبر

(كذا) يمتنع تقديم الخبر (إذا ما الفعل) الرّافع لضمير المبتدأ المستتر (كان) هو

__________________

(١) فإن المخبر في المثالين أتي بخبر عجيب يستفيد السامع اطلاعا جديدا وهو المراد بالفائدة.

(٢) الاصطلاحي التابع.

(٣) أي : بالتقديم.

(٤) لأنه قال الأصل في الخبر التأخير ومفهومه أن الأصل في المبتدا التقديم.

(٥) بين المبتدا والخبر لصلاحية كل واحد منهما أن يكون مبتدءا وخبرا.

(٦) لظهور أن القائل في مقام بيان حال أحفاده وأسباطه أعني بني أبنائه وبني بناته وأنهم كبنيه في الحب لهم فبنو أبنائنا مبتداء وبنونا خبر.

٩٣

(خبرا) نحو «زيد قام» لالتباس المبتدأ بالفاعل (١) فإن رفع ضميرا بارزا جاز التقديم (٢) نحو «قاما الزّيدان» ، و «أسرّ النّجوي الّذين ظلموا (٣)» الانبياء ـ ٣. كذا قيل ، واعترضه والدي في حاشيته على شرح ابن النّاظم بأنّ الألف (٤) تحذف لالتقاء السّاكنين فيقع اللّبس بالفاعل.

(او قصد استعماله) أي الخبر (منحصرا) يعني محصورا فيه كـ «إنّما زيد شاعر» و «ما زيد إلّا شاعر» أي ليس غيره (٥) فلا يجوز التّقديم لئلّا يتوهّم عكس المقصود وشذّ : (٦)

[فيا ربّ هل إلّا بك النّصر يرتجى

عليهم] وهل إلّا عليك المعوّل

وإن لم يوهم عكس المقصود (أو كان) الخبر (مسندا لذى) أي لمبتدأ فيه (لام ابتدا) نحو «لزيد قائم» فلا يجوز التّقديم لأنّ لها صدر الكلام ولو تركه (٧) لفهم ممّا بعده (أو) كان مسندا لمبتدأ (لازم الصّدر) بنفسه أو بسبب (كمن لى منجدا) وفتى

__________________

(١) إذا تأخر المبتدا.

(٢) لعدم الالتباس يكون الفاعل وهو الضمير البارز مشخّصا معلوما فيعلم أن الاسم الظاهر مبتدا وليس بفاعل.

(٣) تقدم الخبر وهو فعل أعني (اسروا) على المبتدا وهو (الذى) لرفع الفعل ضمير الجمع البارز.

(٤) أي : ألف التثنية في قاما عند التلفظ لعدم الفرق بين قولنا قام الزيدان وق أما الزيدان في اللفظ وإن اختلفا في الكتابة.

(٥) أي : ليس زيد غير الشاعر بمعنى أنه لا عمل له غير الشعر فإذا قدم الخبر وقيل أنما شاعر زيد أو قيل ما شاعر إلّا زيد توهم عكس المقصود أي توهم أن الشاعر منحصر في زيد ولا يوجد شاعر غير زيد والحال أن القائل لا يريد ذلك.

(٦) أي : تقدم الخبر المحصور فيه على المبتدا وإن كان المقصود معلوما لوقوع المحصور فيه بعد إلّا.

(٧) أي : المسند لذي لام ابتدا لفهم مما بعده وهو قوله لازم الصدر لأن المبتداء الذي عليه لام الابتداء لازم الصدر وقد بين المصنف حكمه في البيت الآتي ويمكن الفرق بينهما بأنّ مراده هناك لزوم الصدر بنفسه لا بحرف.

٩٤

من وافد (١).

(و) إذا كان المبتدأ نكرة والخبر ظرفا أو مجرورا أو جملة ـ كما قال في شرح التسهيل (نحو عندي درهم ولي وطر) وقصدك غلامه رجل (٢) فاعلم إنّه (ملتزم فيه تقدّم الخبر) لأنّه المسوّغ (٣) للابتداء بالنّكرة.

كذا إذا عاد عليه مضمر

ممّا به عنه مبينا يخبر

(كذا) يجب تقديم الخبر (إذا عاد عليه) أي على ملابسه (٤) (مضمر ممّا) أي من مبتدأ (به عنه (٥) مبينا يخبر) ، نحو «في الدّار صاحبها» إذ لو أخّر عاد الضّمير على متأخّر لفظا ورتبة.

تنبيه : عبارة ابن الحاجب في هذه المسألة «أو لمتعلّقه (٦) ضمير في المبتدأ» قال المصنف في نكته على مقدّمة ابن الحاجب : هذه عبارة غلقة على المتعلّم ولو قال «أو كان في المبتدأ ضمير له» كفاه ـ إنتهى. (وأنت ترى ما في عبارة المصنف هنا من الغلاقة وكثرة الضّمائر المقتضية للتّعقيد وعسر الفهم ، وكان يمكنه (٧) أن يقول كما في الكافية :

وان يعد بخبر ضمير

من مبتدا يوجب له (٨) التّأخير

__________________

(١) مثال للمبتدا المضاف إلى لازم الصدر.

(٢) مثال لما كانت الجملة خبرا.

(٣) أي : لأن تقدم الخبر هو المجوز للابتداء بالنكرة هنا.

(٤) الملابس المخالط أي جزئه لأن الجزء مخالط مع الكل.

(٥) أي : كذا يجب تقديم الخبر إذا عاد على جزء الخبر ضمير وذلك الضمير يعود من مبتداء مخبر عنه بذلك الخبر فالضمير في المبتداء ويرجع إلى جزء أي كلمة في الخبر فلو تأخر الخبر عاد الضمير إلى المتأخر فالضمير في به يرجع إلى الخبر وفي عنه يرجع إلى المبتدا.

(٦) بكسر اللام أي متعلق الخبر لأن جزء الخبر متعلق به.

(٧) أي : المصنف.

(٨) أي : يجب للخبر التأخير.

٩٥

كذا إذا يستوجب التّصديرا

كأين من علمته نصيرا

وخبر المحصور قدّم أبدا

كما لنا إلّا اتّباع أحمدا

(كذا) يجب التقديم (إذا) كان الخبر (يستوجب التّصديرا) كالاستفهام (كأين من علمته نصيرا ، وخبر) المبتدأ (المحصور) فيه (قدّم أبدا كما لنا إلّا اتّباع أحمدا) إذ لو أخّر وقيل ما اتّباع أحمد إلّا لنا أوهم الانحصار في الخبر (١).

وحذف ما يعلم جائز كما

تقول زيد بعد من عندكما

وفي جواب كيف زيد قل دنف

فزيد استغنى عنه إذ عرف

(وحذف ما يعلم) من المبتدأ والخبر (جائز) فحذف الخبر (كما تقول زيد بعد) قول السّائل (من عندكما وفي جواب) قول السّائل (كيف زيد) احذف المبتدأ و (قل دنف) أي مريض (فزيد) المبتدأ (استغني عنه إذ عرف).

وبعد لو لا غالبا حذف الخبر

حتم وفي نصّ يمين ذا استقر

(وبعد لو لا) الإمتناعيّة (غ البا) أي في القسم الغالب منها ، إذ هي على قسمين : (٢) قسم يمتنع فيه جوابها بمجرّد وجود المبتدأ بعدها وهو الغالب ، وقسم يمتنع لنسبة الخبر إلى المبتدأ وهو قليل ، فالأوّل (حذف الخبر) منه (حتم) نحو «لو لا زيد لأتيتك»

__________________

(١) أي : وهم أن المراد أنّ اتباع أحمد منحصر بنا فلا يجوز لغير المسلمين اتّباعه وهذا خلاف المراد.

(٢) اعلم إن معني لو لا الامتناع أي امتناع جوابها فتارة يمتنع الجواب لوجود المبتداء الذي بعده لا لشيء أخر نحو لو لا على عليه السّلام لهلك عمر فامتنع هلاك عمر لوجود على عليه السّلام وهذا هو الغالب في استعمال لو لا وأخري يمتنع الجواب لاسناد خبر إلى المبتداء الذي بعدها واستعمالها بهذا النحو قليل نحو لو لا قومك حديثوا عهد بالإسلام لهدمت الكعبة فامتناع هدم الكعبة لكون القوم حديثوا عهد لا لنفس وجود القوم الذي هو المبتدا.

٩٦

أي موجود ، والثاني حذفه جائز إذا دلّ عليه دليل بخلاف ما إذا لم يدلّ نحو «لو لا قومك حديثو عهد بالإسلام لهدمت الكعبة وجعلت لها بابين» (١).

تتمة : ك لو لا فيما ذكر لو ما صرّح به ابن النّحّاس (وفى) المبتدأ الواقع (نصّ يمين ذا) أي حذف الخبر وجوبا (استقرّ) نحو «لعمرك لأفعلنّ كذا» أي قسمي ، فإن لم يكن نصّا (٢) في اليمين لم يجب الحذف.

وبعد واو عيّنت مفهوم مع

كمثل كلّ صانع وما صنع

(و) كذا يجب الحذف إذا وقع المبتدأ (بعد واو) قد (عيّنت مفهوم مع) وهو المصاحبة (كمثل كلّ صانع وما صنع) أي مقترنان ، فإن لم يكن الواو نصّا في المعيّة لم يجب الحذف نحو :

[تمنّوا اليّ الموت الّذي يشعب الفتى]

وكلّ امرىء والموت يلتقيان (٣)

وقبل حال لا يكون خبرا

عن الّذي خبره قد أضمرا

كضربى العبد مسيئا وأتمّ

تبيينى الحقّ منوطا بالحكم

(و) كذا إذا كان المبتدأ مصدرا أو مضافا إلى مصدر وهو (قبل حال لا) يصلح (٤)

__________________

(١) مثال لعدم حذف الخبر لعدم وجود قرينة والمثال للحذف عند وجود القرينة كما إذا أردت أن تضرب رجلا فمنعك زيد فتقول لو لا زيد لضربتك أي لو لا زيد منعني لضربتك.

(٢) أي : صريحا في القسم نحو عهد الله لا فعلنّ لم يجب الحذف لجهل السامع بأن مراده إن عهد الله في ذمتي أو شرط على أو إن عهد الله قسمي فالخبر مجهول عند السامع بخلاف الصريح إذ المعلوم هناك أن الخبر قسمي.

(٣) فذكر الخبر جواز العدم صراحة الواو هنا في المعيّة بل يحتمل العطف.

(٤) في المعني.

٩٧

أن (يكون خبرا عن) المبتدأ (الّذي خبره قد أضمرا) فالمصدر (كضربى العبد مسيئا) (١) فمسيئا حال سدّ مسدّ الخبر المحذوف وجوبا والأصل حاصل إذا كان أو إذ كان مسيئا ، فحذف حاصل ثمّ الظرف. (٢) (و) المضاف إلى المصدر نحو (أتمّ تبييني الحقّ منوطا بالحكم) فأتمّ مبتدأ مضاف إلى مصدر ، ومنوطا حال سدّ مسدّ الخبر ، وتقديره كما تقدّم (٣) وخرج بتقيّد الحال بعدم صلاحيّتها للخبريّة ما يصلح لها فالرّفع فيه واجب نحو «ضربي زيدا شديد».

تنبيه : يجب حذف المبتدأ في مواضع :

أحدها ؛ إذا أخبر عنه (٤) بنعت مقطوع كـ «مررت بزيد الكريم» كما ذكره في آخر النّعت.

الثاني ، إذا أخبر عنه بمخصوص نعم كـ «نعم الرّجل زيد» (٥) كما ذكره في باب نعم.

الثالث إذا أخبر عنه بمصدر بدل من اللّفظ (٦) بفعله كـ «صبر جميل» أي صبري.

الرابع إذا أخبر عنه بصريح القسم نحو «في ذمّتي لأفعلنّ» أي يمين ـ ذكرهما (٧) في الكافية.

__________________

(١) لعدم صلاحية مسيئا أن يكون خبرا عن ضربي لأن الضرب ليس بمسيء وأنما المسيء هو العبد.

(٢) وهو إذا وإذ.

(٣) أي : أتم تبييني الحق حاصل إذا كان منوطا بالحكم.

(٤) أي : عن ذلك المبتدا فالكريم خبر لهو المقدر.

(٥) أي : هو زيد.

(٦) أي : من التلفّظ بفعله فأن الأصل صبرت صبرا جميلا فبدّل بصبري صبر جميل فحذف صبري للعلم به.

(٧) أي : الثالث والرابع.

٩٨

وأخبروا باثنين أو بأكثرا

عن واحد كهم سراة شعرا

(وأخبروا باثنين) أي بخبرين (أو بأكثرا) من إثنين (عن) مبتدأ (واحد) سواء كان الاثنان في المعنى واحدا كـ «الرّمّان حلو حامض» أي مزّ (١) أم لم يكن (كهم سراة شعرا) ونحو :

من يك ذابتّ فهذا بتّي

مقيّظ مصيّف مشتّى (٢)

ويجوز الإخبار باثنين (٣) عن مبتدءين نحو «زيد وعمرو كاتب وشاعر».

ولمّا فرغ المصنف عن ذكر المبتدأ وما يتعلّق به شرع في نواسخه وهي ستّة :

__________________

(١) فحلو وحامض ، وإن كانا كلمتين ولكنهما في المعنى واحد لأن الطعمين إذا اجتمعا في طعام واحد يسمي مزّا بخلاف سراة وشعرا فأنهما بمعنيين.

(٢) فأخبر عن مبتدأ وهو هذا بأخبار ثلاثة.

(٣) فكلا الخبرين خبران عن المبتدا الأول كما أنهما خبران عن الثاني أيضا.

٩٩

الأول ـ كان وأخواتها

ترفع كان المبتدا اسما والخبر

تنصبه ككان سيّدا عمر

(ترفع كان المبتدأ) حال كونه (اسما) لها (والخبر تنصبه) خبرا لها (ككان سيّدا عمر).

ككان ظلّ بات أضحي أصبحا

أمسي وصار ليس زال برحا

فتئ وانفكّ وهذي الأربعه

لشبه نفي أو لنفي متبعة

ككان) فيما ذكر (ضلّ) بمعنى أقام نهارا و (بات) بمعنى أقام ليلا و (أضحى) و (أصبحا) و (أمسى) بمعنى دخل في الضّحى والصّباح والمساء (وصار) بمعنى تحوّل و (ليس) وهو لنفي الحال ، وقيل مطلقا (١) و (زال) بمعنى انفصل ، والمراد بها الّتي مضارعها يزال لا الّتي مضارعها يزول أو يزيل وكذلك (برح ا) بمعنى زال ومنه البارحة (٢) للّيلة الماضية و (فتئ وانفكّ. وهذي الأربعة) الأخيرة شرط إعمالها أن تكون (لشبه نفى) وهو النّهى والدّعاء (٣) (أو لنفي متبعة).

__________________

(١) أي : للماضي والحال والاستقبال.

(٢) أي : من مادة برح فالبارحة اسم فاعل منه ومعناها الليلة الزائلة أي : الماضية.

(٣) مثال الأول لا تزل فاسقا والثاني نحو لا زلت مرزوقا وللنفي نحو ما زال زيد مهموما.

١٠٠