البهجة المرضيّة على ألفيّة ابن مالك

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي

البهجة المرضيّة على ألفيّة ابن مالك

المؤلف:

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة اسماعيليان للطباعة والنشر والتوزيع
المطبعة: وفا
الطبعة: ١٩
ISBN: 978-964-6397-13-2
الصفحات: ٥٩٠

(و) كذلك يجوز الوجهان إذا كان المثلان تائين في افتعل نحو (استتر) فالفكّ واضح (١) ومن أدغم نقل حركة الأولي إلى الفاء (٢) وأسقط الهمزة فقال : «ستّر يستّر».

وما بتاءين ابتدي قد يقتصر

فيه علي تا كتبيّن العبر

(وما بتائين) من فعل مضارع (ابتدي قد يقتصر فيه على تاء) واحدة وهي الأولى وتحذف الثّانية ـ كما قال في شرح الكافية ـ تخفيفا ، فخصّت (٣) بالحذف لدلالة الأولى علي معني وهو المضارعة دونها (كتبيّن العبر) أصله تتبيّن.

وفكّ حيث مدغم فيه سكن

لكونه بمضمر الرّفع اقترن

نحو حللت ما حللنه وفي

جزم وشبه الجزم تخيير قفي

(وفكّ) الإدغام من المضاعف وجوبا (حيث) حرف (مدغم فيه سكن (٤) لكونه بمضمر الرّفع اقترن) لئلّا يلتقي السّاكنان (٥) (نحو حللت ما حللنه) بالنّون وأصله قبل الفكّ : حلّ (وفي جزم) أي مجزوم من المضارع (وشبه الجزم) وهو الأمر (تخيير) بين الفكّ والإدغام (قفي) نحو (وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ)(٦) ،

فغضّ الطّرف إنّك من نمير

فلا كعبا بلغت ولا كلابا

__________________

(١) لأنّ الإدغام يستلزم التقاء الساكنين السين والتاء الأول.

(٢) أي : إلى السين ليتخلّص من التقاء الساكنين وأما حذف الهمزة لاغناء حركة الفاء عن وجود الهمزة.

(٣) يعني إنّما اختصّت الثانية بالحذف ، دون الأولى ، لأن الأولي علامة على معني المضارعة والعلامة لا تحذف ، وأما الثانية فلا معني لها.

(٤) أي : في مورد يكون الحرف المدغم فيه ، أي : الحرف الثاني ساكنا لاتصاله بضمير الرفع.

(٥) لأنّ الثاني ساكن باتصاله بالضمير فلو أدغم فيه الأول لزم إسكانه أيضا فيلتقي الساكنان.

(٦) لقمان ، الآية : ١٩.

٥٨١

وفكّ أفعل في التّعجّب التزم

والتزم الإدغام أيضا في هلمّ

(وفكّ أفعل) بكسر العين (في التّعجّب التزم) لئلّا تتغيّر صيغته المعهودة نحو :

[وقال نبيّ المسلمين تقدّموا]

وأحبب إلينا أن يكون المقدّما (١)

(والتزم الإدغام أيضا في هلمّ) وهي اسم فعل بمعنى أحضر ، أو فعل أمر لا يتصرّف ، (٢) مركّبة من : ها ولمّ (٣) من قولهم «لمّ الله شعثه» أي جمعه فحذف الألف تخفيفا ، وكأنّه قيل اجمع نفسك إلينا (٤).

ولمّا انتهى كلام المصنّف على ما أراده من علم النّحو والتّصريف قال :

وما بجمعه عنيت قد كمل

نظما علي جلّ المهمّات اشتمل

أحصي من الكافية الخلاصة

كما اقتضي غني بلا خصاصة

(وما بجمعه عنيت) بضمّ العين (٥) وحكى ابن الأعرابي فتحها (قد كمل) بتثليث الميم (٦) (نظما) أي منظوما (على جلّ المهمّات) أي معظم المقاصد النّحويّة (اشتمل).

__________________

(١) من قصيدة لعباس ابن مرداس السلمي يمدح بها النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول دعانا نبيّ المسلمين إلى الإسلام ، ونعم المقدّم (بكسر الدال) رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أي : نعم الداعي.

الشاهد : في (أحبب) أنه بفكّ الإدغام لكونه للتعجب.

(٢) أى : لا يأتي منه غير الأمر.

(٣) فأصله (ها لمّ).

(٤) فإن معني هلّم إلينا أسرع في المجيء إلينا ومن يسرع في المجيء يجمع نفسه عادة فيناسب معني اللّم وهو الجمع.

(٥) أي : اهتممت بجمعه وتعبت في سبيله ويستعمل هذا الفعل مجهولا غالبا ، ويقال في وجهه أن العناية والقصد يأتيان من جانب الله سبحانه ، والمخلوق لا يبدء له القصد إلا منه سبحانه فالفاعل للعناية هو الله والمخلوق مفعول ومعني فنسبته إلى الخلق نسبه إلى المفعول.

ولكن الظاهر مجيء هذا الفعل على خلاف القياس المعهود في الماضي المعلوم.

(٦) يعني يأتي مادة كمل بثلاث وجوه فتح الميم وضمه وكسره.

٥٨٢

ثمّ قال ملتفتا (١) من التّكلّم إلى الغيبة (أحصى) هو فعل بمعني جمع مختصرا (من الكافية) الشّافية (الخلاصة) أى النّقاوة منها وترك كثيرا من الأمثلة والخلاف وجعله كتابا مستقلّا نحو ثلثها حجما ، وعلّة ذلك ما ذكره بقوله : (كما اقتضى) أي لأجل اقتضاء النّاظم ، أي طلبه (غنى) لجميع الطّالبين (بلا خصاصة) أي بغير فقر يحصل لبعضهم وذلك لا يحصل إلّا بما فعل ، إذ الكافية بكبرها تقصر عنها همم كثير من النّاس فلا يشتغلون بها فلا يحصل لهم حظّ من العربيّة ، فشبّه الجهل بالفقر من المال ، وقد قيل : «العلم محسوب من الرّزق». هذا ما ظهر لي في شرح هذا البيت ولم أرمن تعرّض له.

فأحمد الله مصلّيا على

محمّد خير نبيّ أرسلا

وآله الغرّ الكرام البررة

وصحبه المنتخبين الخيره

(فأحمد الله) وأشكره عود علي ما بدأ (٢) (مصلّيا) ومسلّما (علي محمّد خير نبي أرسلا) أي أرسله الله إلى النّاس ليدعوهم إلي دينه مؤيّدا بالمعجزة (وآله الغرّ) جمع أغرّ ، وهو من الخيل الأبيض الجبهة ، أي إنّهم لشرفهم علي سائر الأمّة من غير من يستثني من الصّحابة (٣) بمنزلة الفرس الأغرّبين الخيل لشرفه علي غيره منها ، ويجوز أن يكون أراد بآله أمّته ـ كما هو بعض الأقوال فيها. وفي الحديث : «أنتم الغرّ المحجّلون يوم القيامة من آثار الوضوء» (الكرام) جمع كريم ، أي الطّيّبي الأصول والنّعوت والطّاهريها (البررة) جمع بارّ ، أي ذوي الإحسان ، وهو المفسّر (٤) في حديث

__________________

(١) الالتفات باب من أبواب البلاغة وجاء في الكتاب العزيز منه سورة الفاتحة حيث التفت سبحانه من الغيبة إلى الخطاب بقوله إيّاك نعبد.

(٢) يعني ربط المصنف آخر أرجوزته بأولها برابطة الحمد لقوله أول الكتاب (أحمد ربي الله).

(٣) لكن الحق أن قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم إني مخلّف فيكم الثقلين المتّفق بين الفريقين لا يقبل الاستثناء.

(٤) يعني البارّ فسر في صحيح مسلم وصحيح البخاري بأن تعبد الله ...

٥٨٣

الصّحيحين «بان تعبد الله كأنّك تراه فإن لم تكن تراه فإنّه يراك» (وصحبه) اسم جمع لصاحب بمعني الصّحابىّ ، وهو (١) من اجتمع به مؤمنا (المنتخبين) من الأمّة ، أي المفضّلين علي غيرهم منها كما ورد ذلك في أحاديث (الخيرة) بفتح الياء ويجوز التّسكين كما في الصّحاح. قال : وهو الإسم (٢) من قولك «إختاره الله تعالى» يقال «فلان خيرة الله من خلقه».

وقد منّ الله تعالي بإكمال هذا الشّرح المحرّر موشّحا من التّحقيق والتّنقيح بالوشي المحبّر ، (٣) محرزا لدلائل هذا الفنّ ، مظهرا لدقائق إستعملنا الفكر فيها إذا ما اللّيل جنّ ، (٤) متحرّيا أوجز العبارة ، وخير الكلام ما قلّ ودلّ معتمدا في دفع الإيراد علي ألطف الإشارة ليتنبّه أولو الألباب لما له انتحل ، فربّما خالفت الشّرّاح في بيان حكم تأويل أو تعليل ، فحسبه (٥) من لا إطّلاع له ولا فهم سهوا أو عدولا عن السّبيل ، ومادري أنّا فعلنا ذلك عمدا لأمر مهمّ جليل ، وربّما نقصت حرفا أوزدت حرفا فحسبه الغبىّ (٦) إخلالا أو توضيحا وكشفا ، ومادري أنّ ذلك لنكتة مهمّة تدقّ عن نظره وتخفى ، فلذلك قلت :

يا سيّدا طالع هذا الّذى

فاق نظام الدّرّ والجوهر

لا تعد حرفا منه أو كلمة

وللخبيئات به أظهر

__________________

(١) أي : الصحابي هو من اجتمع مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم مؤمنا بالله سبحانه.

(٢) يعني اسم مصدر اختار.

(٣) أي : قد منّ الله على با كمال هذا الشرح المرتّب مزّينا بالتحقيق والتخليص من الزوائد بخطوط مزّينه.

(٤) المراد منه أما انّ تحرير هذا الشرح وقع في الليل لكون الليل معدّ التحرير العلوم الدقيقة أو كناية علي انّي حرّرتها حينما كانت العلوم الادبيّة في أفق الظلمة.

(٥) فعل ماض يعني تخيّل من لا اطلاع له ولا فهم ان هذه المخالفة في البيان والتأويل سهو مني أو عدول عن قول الحق ولم يدر اني فعلت ذلك لغرض مهمّ.

(٦) يعني تخيّل من لا فهم له ولا ذكاء ان هذا النقص أو الزيادة اخلال.

٥٨٤

وروّض الذّهن إذا مشكل

يبدو وبالإنكار لا تبدر

فليس بالشّائن شيئا له

فقد أتي المصنف في أعصر (١)

فدونك مؤلّفا (٢) كأنّه سبيكة عسجد أو درّ منضّد برز في إبّان الشّباب وتميّز عند صدور أولي الألباب ، وقد قال ابن عبّاس : «وما أوتي عالم علما إلّا وهو شابّ».

فالحمد لله الّذي هذانا لهذا وما كنّا لنهتدي لو لا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربّنا بالحقّ. اللهمّ صلّ علي سيّدنا محمّد عبدك ورسولك النّبي الأمّي وعلي آله وأصحابه وأزواجه وذرّيّاته ، كما صلّيت علي إبراهيم وعلي آل إبراهيم في العالمين إنّك حميد مجيد.

__________________

(١) يعني يا سيّد المطالع هذا الكتاب الذي تفوق نظمه على نظم الدرّ والجوهر.

لا تغفل عن حرف منه أو كلمة واكشف ما خفي فيه.

وروّض (من الرياضة) ذهنك ذا بدا لك شكل في حلّه ولا تعجل بالانكار والتخطئة فما شيء في هذا الشرح يشين ويلوم به الشائن المستشكل الّا ويصحّحه المصنف في الأعصر الآتية.

(٢) أي : فخذ كتابا مرتّبا كأنه صيغ من ذهب أو درّ متنسّق توفّقت له في أول شبابى.

والحمد لله والصلاة على رسوله وآله ، آل الله.

٥٨٥
٥٨٦

الفهرس

الكلام وما يتألّف منه............................................................ ٩

هذا باب المعرب والمبنيّ.......................................................... ١٩

هذا باب النكرة والمعرفة.......................................................... ٤٢

الثّاني من المعارف العلم.......................................................... ٥٣

الثالث من المعارف اسم الإشارة.................................................. ٥٩

الرابع من المعارف الموصول....................................................... ٦٢

الخامس من المعارف المعرّف بأداة التعريف أي بآلته.................................. ٧٧

هذا باب الإبتداء............................................................... ٨٢

الأول ـ كان وأخواتها........................................................... ١٠٠

الثاني من النواسخ............................................................. ١٠٩

ما ولا ولات وإن المشبهات بليس................................................ ١٠٩

الثالث من النواسخ............................................................ ١١٣

أفعال المقاربة................................................................. ١١٣

الرابع من النواسخ............................................................. ١١٨

إنّ وأخواتها................................................................... ١١٨

الخامس من النواسخ........................................................... ١٣١

٥٨٧

لا التي لنفي الجنس............................................................ ١٣١

(السادس من النّواسخ ـ ظن وأخواتها)............................................ ١٣٩

فصل : في أعلم وأرى وما جرى مجراهما........................................... ١٥٠

هذا باب الفاعل وفيه المفعول به................................................ ١٥٤

هذا باب النّائب عن الفاعل إذا حذف.......................................... ١٦٦

هذا باب اشتغال العامل عن المعمول............................................. ١٧٥

هذا باب تعدّي الفعل ولزومه................................................... ١٨٤

هذا باب التّنازع في العمل...................................................... ١٩١

الثالث ـ من المفاعيل المفعول له.................................................. ٢٠٥

الرابع ـ من المفاعيل المفعول فيه.................................................. ٢٠٨

الخامس ـ من المفاعيل المفعول معه................................................ ٢١٢

[الاستثناء]................................................................... ٢١٥

هذا باب الحال............................................................... ٢٢٤

هذا باب التّمييز.............................................................. ٢٤٠

هذا باب حروف الجرّ......................................................... ٢٤٥

هذا باب الإضافة (٢)........................................................ ٢٥٧

هذا باب إعمال المصدر وفيه إعمال اسمه........................................ ٢٨٤

هذا باب إعمال اسم الفاعل................................................... ٢٨٨

هذا باب أبنية المصادر......................................................... ٢٩٤

هذا باب إعمال الصّفة المشبهة باسم الفاعل..................................... ٣٠٣

هذا باب التّعجّب............................................................ ٣٠٩

هذا باب نعم وبئس........................................................... ٣١٤

٥٨٨

هذا باب أفعل التّفضيل........................................................ ٣٢٢

هذا باب النّعت.............................................................. ٣٣٠

الثاني من التّوابع التوكيد........................................................ ٣٣٨

الثالث من التوابع العطف...................................................... ٣٤٤

القسم الثاني من قسمى العطف عطف النّسق.................................... ٣٤٨

الرّابع من التّوابع البدل......................................................... ٣٦٣

هذا باب النداء............................................................... ٣٦٨

فصل في أحكام توابع المنادى................................................... ٣٧٣

فصل في المنادي المضاف إلى ياء المتكلم.......................................... ٣٧٧

فصل في الأسماء اللازمة للنّداء.................................................. ٣٧٩

فصل في الاستغاثة............................................................ ٣٨١

فصل في النّدبة............................................................... ٣٨٣

فصل في التّرخيم.............................................................. ٣٨٧

فصل في الاختصاص.......................................................... ٣٩٢

فصل في التّحذير والإغراء...................................................... ٣٩٣

هذا باب أسماء الأفعال والأصوات............................................... ٣٩٦

هذا باب فيه نونا التّاكيد...................................................... ٤٠٠

هذا باب ما لا ينصرف........................................................ ٤٠٧

هذا باب إعراب الفعل......................................................... ٤٢٣

فصل في عوامل الجزم.......................................................... ٤٣٤

فصل في لو.................................................................. ٤٤٣

هذا باب الإخبار بالّذي وفروعه والألف واللّام الموصولة............................ ٤٥١

٥٨٩

هذا باب أسماء العدد.......................................................... ٤٥٨

فصل في كم وكأي وكذا........................................................ ٤٦٧

هذا باب الحكاية............................................................. ٤٦٩

هذا باب التّأنيث............................................................. ٤٧٣

هذا باب المقصور والممدود..................................................... ٤٨٠

تتمة باب المقصور والممدود..................................................... ٤٨٣

هذا باب جمع التّكسير........................................................ ٤٨٩

هذا باب التصغير............................................................. ٥٠٤

هذا باب النسب............................................................. ٥١٣

هذا باب الوقف.............................................................. ٥٢٦

هذا باب الامالة.............................................................. ٥٣٦

هذا باب التّصريف............................................................ ٥٤٤

فصل في زيادة همزة الوصل...................................................... ٥٥٥

هذا باب الابدال............................................................. ٥٥٧

فصل في نوع آخر من الإبدال.................................................. ٥٧٦

هذا باب الإدغام............................................................. ٥٧٩

الفهرس...................................................................... ٥٨٧

٥٩٠