البهجة المرضيّة على ألفيّة ابن مالك

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي

البهجة المرضيّة على ألفيّة ابن مالك

المؤلف:

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة اسماعيليان للطباعة والنشر والتوزيع
المطبعة: وفا
الطبعة: ١٩
ISBN: 978-964-6397-13-2
الصفحات: ٥٩٠

(صرف ذو المنع) بلا خلاف. أمّا الضّرورة فنحو :

تبصّر خليلي هل ترى من ظعائن (١)

[سوالك ثقبا بين حزمي شعبعب]

وأمّا التّناسب فلم يصرّحوا بمرادهم به. ويؤخذ من كلام النّاظم في شرح الكافية والرّضي أنّ المراد تناسب كلمة معه مصروفة (٢) إمّا بوزنه ك (سَبَإٍ بِنَبَإٍ)(٣)(٤) ، قريبا منه ك سلاسلا (وَأَغْلالاً)(٥)(٦) أولا ، لكن تعدّدت الألفاظ المصروفة واقترنت اقترانا متناسبا (٧) منسجما ك (وَدًّا وَلا سُواعاً وَلا) يغوثا ويعوقا (وَنَسْراً)(٨)(٩) وآخر الفواصل والأسجاع ك (قَوارِيرَا)(١٠)(١١).

فرع : إذا اضطرّ إلى تنوين مجرور بالفتحة (١٢) فهل ينوّن بالنّصب أو بالجرّ؟

__________________

(١) فنّون وكسر (ظغائن) مع أنّه غير منصرف ، لأنّه جمع منتهي الجموع لضرورة الشعر والبيت من قصيدة لامرء القيس ومعناه انظر يا خليلي هل تري من هوادج تسلك في مضيق من الجبل بين موضعين غليظين من الأرض في وادي شعبعب.

(٢) صفة كلمة و (بوزنه) متعلق بتناسب.

(٣) فنّون سبأ بالكسر مع أنّه غير منصرف للعجمة والعلمية لكونه مع مناسبه المنصرف وهو (نباء).

(٤) النمل ، الآية : ٢٢.

(٥) نوّن سلاسل مع أنه جمع منتهي الجموع لكونه مع ما هو قريب منه وهو (أغلال) فإنّ (سلاسل) لا يكون مناسبا وموازنا لأغلال لكنه قريب منه لكونهما جمعين.

(٦) الانسان ، الآية : ٤.

(٧) أي : بنسبة واحدة متعاقبة ومتحدة السياق ومنسجما أي : متصلا.

(٨) على قراءة (يغوث ويعوق) بالتنوين وهما غير منصرفين للعجمة والعلمية.

(٩) نوح ، الآية : ٢٣.

(١٠) غير منصرف لكونه جمعا وقرء منونا لتنا سبه مع أواخر الفواصل قبله وبعده فقبله (حريرا زمهريرا تذليلا) وبعده (تقديرا).

(١١) الانسان ، الآية : ١٥.

(١٢) يعني إذا اقتضي ضرورة الشعر مثلا إن ينوّن اسم يجر بالفتحة كغير المنصرف فهل ينوّن بالنصب لأنّه

٤٢١

صرّح الرّضيّ بالثّاني ، ولو قيل بالوجهين كالمنادى (١) لم يبعد.

(والمصروف قد لا ينصرف) لذلك (٢) عند الكوفيّين والأخفش ، وإن أباه سيبويه ، ومنه :

وممّن ولدوا عام

ر ذو الطّول وذو العرض (٣)

__________________

قبل التنوين كان مفتوحا والضرورة إنما هي في التنوين ولا موجب لتغيير الحركة أو بالجر ، لأنه الأصل في إعراب المجرور.

(١) يعني المنادي المبني على الضم ، وقد مرّ أنه إذا اضطرّ إلى تنوينه جاز فيه الأمران النصب والرفع.

(٢) أي : لاضطرار وتناسب.

(٣) فاستعمل (عامر) بغير تنوين مع أنّه منصرف والبيت فى مقام الذمّ يعنى من جملة أولادهم عامر الطويل العريض أي : عظيم الجثّة.

٤٢٢

هذا باب إعراب الفعل

إرفع مضارعا إذا يجرّد

من ناصب وجازم كتسعد

وبلن أنصبه وكي كذا بأن

لا بعد علم والّتي من بعد ظنّ

فانصب بها والرّفع صحّح واعتقد

تخفيفها من أنّ فهو مطّرد

(إرفع) فعلا (مضارعا إذا يجرّد من ناصب وجازم كتسعد وبلن) وهي حرف نفي بسيط (١) (انصبه) نحو (فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ)(٢) (وكي) المصدريّة نحو (لِكَيْلا تَأْسَوْا)(٣)(٤) (كذا) ينتصب (بأن) المصدريّة نحو (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ)(٥) (لا) بغيرها (٦) كالواقعة (بعد) فعل (علم) خالص (٧) نحو (عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ)(٨)(٩).

__________________

(١) خلافا لمن قال إنّه مركب من (لا) و (أن).

(٢) يوسف ، الآية : ٨٠.

(٣) فحذف نون الرفع من (تأسوا) نصبا.

(٤) الحديد ، الآية : ٢٣.

(٥) البقرة ، الآية : ١٨٤.

(٦) أي : لا بأن غير المصدرية.

(٧) أي : من غير شائبة احتمال الخلاف ، وهذا في مقابل الظنّ لإطلاق العلم عليه أيضا لكنه غير خالص من احتمال الخلاف.

(٨) برفع (سيكون) لكون (أن) غير مصدرية لوقوعها بعد الظن لأن حسب بمعني ظنّ.

(٩) المزمّل ، الآية : ٢٠.

٤٢٣

(و) أمّا (الّتي من بعد) فعل (ظنّ فانصب بها) على الأرجح نحو (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا)(١)(٢) (والرّفع) أيضا (صحّح) نحو (وَحَسِبُوا) أن لا (تَكُونَ فِتْنَةٌ)(٣)(٤) (واعتقد) إذا رفعت (تخفيفها من أنّ) الثّقيلة (٥) (وهو مطّرد) كثير الورود (٦).

وبعضهم أهمل أن حملا على

ما أختها حيث استحقّت عملا

(وبعضهم) أي العرب (أهمل أن) فلم ينصب بها (حملا على ما أختها) أي المصدريّة (حيث استحقّت عملا) (٧) نحو :

أبي علماء النّاس أن يخبرونني

بناطقة خرساء مسواكها الحجر (٨)

ونصبوا بإذن المستقبلا

إن صدّرت والفعل بعد موصلا

(ونصبوا بإذن المستقبلا إن صدّرت والفعل بعد موصلا) بها (٩) كقولك لمن قال :

__________________

(١) فحذف النون من (يتركون) نصبا.

(٢) العنكبوت ، الآية : ٢.

(٣) برفع (تكون) على بعض القراءات.

(٤) المائدة ، الآية : ٧١.

(٥) يعني إذا رفعت المضارع بعد أن فاعتقد أنّ (أن) الداخلة عليه مخففة من أنّ المثقلة المشبهة بالفعل لا المصدرية.

(٦) بيان للمراد من (مطرد).

(٧) يعني أن بعض العرب اهملت (أن) في مورد حقّها أن تعمل وإنّما أهملوها لحملها على (ما) المصدريّة لاشتراكهما في أنهما مصدريتان.

(٨) البيت من الالغاز (معمّي) يعني امتنع علماء السوء عن جواب سؤالي وهو (إنّه أي فم ناطق وهو أخرس وله مسواك من الحجر) ومرادهم منه دبر الإنسان والمسواك الحجري هي الأحجار المستعملة في الاستنجاء والنطق مع كونه أخرس ظاهر ، الشاهد في إهمال (أن) من العمل في (يخبرونني) مع استحقاقه العمل حملا على ما المصدرية.

(٩) فيشترط في عمل (إذن) ثلاثة شروط :

٤٢٤

أزورك «إذن أكرمك».

أو قبله اليمين وانصب وارفعا

إذا إذن من بعد عطف وقعا

(أو قبله (١) اليمين) فاصلا نحو :

إذن والله نرميهم بحرب (٢)

[يشيب الطّفل من قبل المشيب]

ولا تنصب الحال ، (٣) كقولك لمن قال : «أنا أحبّك» «إذن تصدق» (٤) ولا غير مصدّرة نحو :

لئن عادلي عبد العزيز بمثلها

وأمكنني منها إذن لا أقيلها (٥)

ولا مفصولا بينها وبين الفعل بغير القسم ، نحو «إذن أنا أكرمك».

(وانصب وارفعا إذا إذن من بعد) حرف (عطف وقعا) (٦) نحو وإذن (لا يَلْبَثُونَ

__________________

الأول : أن يقصد بالمضارع الواقع بعدها زمان الاستقبال لا الحال.

الثانى : أن تكون إذن في صدر الكلام.

الثالث : أن يكون متّصلا بالفعل لا منفصلا.

(١) أي : قبل الفعل فيكون اليمين فاصلا بين اذن والفعل.

(٢) وبعده (يشيب الطفل من قبل المشيب) يشيب بضمّ الياء يعني إذا والله نوقعهم في حرب عظيم يجعل الطفل شايبا قبل أوان مشيبه.

الشاهد في نصب (نرميهم) مع الفصل بينه وبين إذن باليمين (والله).

(٣) أي : لا تنصب المضارع إذا أريد به زمان الحال.

(٤) فلم ينتصب (تصدق) لأن معناه تصدق الآن.

(٥) يعني حلفت لأن كرر لي (الخليفة) عبد العزيز مقالته وهي (اسئل حاجتك) وأمكنني من حاجتى ، فإذن لا أترك تلك الجارية.

الشاهد في أنّ إذن لم تعمل في (أقيلها) لعدم تصدرها.

(٦) يعني إذا وقع (إذن) بعد حرف العطف فيجوز في الفعل بعدها الرفع والنصب ، أما الرفع فلعدم وقوع إذن في الصدر وأما النصب فباعتبار كون ما بعد العاطف جملة مستقلة وعدم اعتماد ما بعد إذن على ما قبلها.

٤٢٥

خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلاً ،)(١) وقرئ (٢) شاذّا بالنّصب.

وبين لا ولام جرّ التزم

إظهار أن ناصبة وإن عدم

لا فأن أعمل مظهرا أو مضمرا

وبعد نفي كان حتما اضمرا

(وبين لا) النّافية (ولام جرّ التزم إظهار أن (٣) ناصبة) نحو (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ)(٤) (وإن عدم لا) مع وجود لام الجرّ (فأن اعمل مظهرا) كان (أو مضمرا) (٥) نحو : «إعص الهوي لتظفر ولأن تظفر».

(و) أن (بعد نفي كان حتما أضمرا) نحو (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ)(٦).

كذاك بعد أو إذا يصلح فى

موضعها حتّي أو إلّا أن خفي

(كذاك بعد أو إذا يصلح في موضعها) أي موضع أو (حتّى) الّتي بمعنى إلى (٧) (أو إلّا) لفظة (أن) النّاصبة (خفي) (٨) نحو :

لأستسهلنّ الصّعب أو أدرك المنى (٩)

[فما انقادت الآمال إلّا لصابر]

__________________

(١) الإسراء ، الآية : ٧٦.

(٢) أي : قرء هذا الفعل في الآية شاذّا بالنصب أي : قرء (لا يلبثوا) بحذف النون.

(٣) ولا يجوز إضمارها لقبح اتّصال حرف الجر بحرف غير مصدرية وأما المصدرية فلا قبح فيه لكونها مع ما بعدها في تأويل الاسم.

(٤) الحديد ، الآية : ٢٩.

(٥) يعني إن كان اللام وحدها من دون (لا) فالفعل بعد منصوب بأن ظاهرا أو مقدّرا.

(٦) الأنفال ، الآية : ٣٣.

(٧) أي : حتي التي لانتهاء الغاية فقط وهو المعني المشترك بينها وبين إلى من دون رعاية ما هو خاص بحتي وهو اتصال ما بعدها بما قبلها.

(٨) يعني (ان) مقدر.

(٩) أي : حتي أدرك المنى.

٤٢٦

[وكنت إذا غمزت قناة قوم]

كسرت كعوبها أو تستقيما (١)

وبعد حتّي هكذا إضمار أن

حتم كجد حتّي تسرّذا حزن

وتلو حتّي حالا او مؤوّلا

به ارفعنّ وانصب المستقبلا

(وبعد حتّي هكذا (٢) إضمار أن حتم كجد) بالمال (حتّى تسرّ ذا حزن).

(وتلو حتّى) إن كان (حالا (٣) أو مؤوّلا به ارفعنّ) نحو «سرت البارحة حتّى أدخلها» ، (٤)(وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ)(٥) في قراءة نافع (٦).

(وانصب) تلو حتّى (المستقبلا) أو المؤوّل به نحو (فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ)(٧)(٨). (وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ)(٩) في قراءة السّتّة (١٠).

__________________

(١) أي : إلا أن تستقيما.

(٢) يعني كما أن اضمار (أن) بعد (أو) حتم فكذا بعد حتى.

(٣) المراد بالحال إتحاد زمان وقوع ما بعد حتي مع ما قبلها.

(٤) إذا كان الدخول حال السير والتكلّم ب (أدخلها) حال الدخول.

(٥) البقرة ، الآية : ٢١٤.

(٦) معني الآية على قراءة نافع ان الذين خلوا (أي : الأمم السالفة) أصابتهم المصائب وزلزلوا في عقايدهم ونحن (أي : الله) نحكي هذه الحكاية حتّي يعتبر بها الرسول محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم والذين آمنوا معه ويقول صلّى الله عليه وآله وسلّم الآن حزنا عليهم متي نصر الله ففاعل يقول على هذه القراءة هو رسول الاسلام ومعني التأويل بالحال أنّ (يقول) وإن كان مستقبلا لكونه متأخّرا عن زمان الزلزال لكن بتأويل أنّ الرسول تصوّر الزلزال عند قوله (متي نصر الله) يكون حالا.

(٧) لأن فىء الباغى عن بغيه ورجوعه الى أمر الله إنما يكون بعد القتال لا حينه فيكون مستقبلا.

(٨) الحجرات ، الآية : ٩.

(٩) البقرة ، الآية : ٢١٤.

(١٠) معني الآية على قراءتهم إن الذين خلوا أصيبوا وزلزلوا حتّي يقول رسولهم الذي في زمانهم متي نصر الله.

٤٢٧

وبعد فاجواب نفي أو طلب

محضين أن وسترها حتم نصب

(وبعد فاجواب نفي أو طلب) أمرا كان (١) [ذلك الطّلب] أو دعاء أو استفهاما أو عرضا أو تحضيضا أو تمنّيا ، بشرط أن يكونا (٢) (محضين أن وسترها حتم

نصب) (٣) نحو (لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا)(٤)(٥).

يا ناق سيري عنقا فسيحا

إلى سليمان فنستريحا (٦)

(وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي)(٧)(٨).

ربّ وفّقني فلا أعدل عن

سنن السّاعين في خير سنن (٩)

(فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا)(١٠).

يا بن الكرام ألا تدنوا فتبصر ما

قد حدّثوك فما راء كما سمعا (١١)

__________________

فالزلزال والقول قد وقعا في الماضي ولكن بالنظر إلى أنّ الآية حكاية وفي الحكاية يجعل الحاكي نفسه في زمان وقوع الواقعة ومعلوم انّ قول الرسول في ذلك الوقت إنما وقع بعد الزلزال (فيقول) مستقبل بالنسبة إلى ما قبل حتي وهو الزلزال فالماضي مؤوّل إلى المستقبل بتأويل الحكاية.

(١) الطلب.

(٢) أي : النفي والطلب.

(٣) فتقدير البيت (نصب أن بعد فاجواب أو طلب محضين وستر (أن) حينئذ حتم).

(٤) مثال لجواب النفى ، وعلامة النصب حذف نون الرفع أي : فأن يموتوا.

(٥) فاطر ، الآية : ٣٦.

(٦) لجواب الأمر (سيري) أي : فأن تستريحا يعني يا ناقة أسرعي في مشيك وسيري إلى سليمان لتستريح.

(٧) لجواب النهي أي : فأن يحلّ.

(٨) طه ، الآية : ٨١.

(٩) مثال لجواب الدعاء ، أي : فأن لا أعدل ، و (فيشفعوا) جواب الاستفهام أي : فإن شفعوا يعني ربّ وفّقني أن لا أعدل عن سنن الذين سعوا إليك وعملوا بأحسن السنن.

(١٠) الأعراف ، الآية : ٥٣.

(١١) مثال للعرض أي : فأن تبصر ومعني البيت (يابن الرجال الكرام ألا تقرب منا لتري ما سمعت بإذنك فأنّ الذي يري ليس كمن سمع).

٤٢٨

لو لا تعوجين يا سلمي على دنف

فتخمدي نار وجد كاد يفنيه (١)

(يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ)(٢)(٣).

فإن كانت الفاء لغير الجواب بان كانت لمجرّد العطف نحو :

ألم تسأل الرّبع القواء فينطق (٤)

[وهل يخبرنك اليوم بيداء سملق]

أو النّفي غير محض (٥) نحو «ما تزال تأتينا فتحدّثنا» ، (٦) «وما تأتينا إلّا فتحدّثنا» ، (٧) الطّلب غير محض ـ بأن كانت بصورة الخبر (٨) أو باسم الفعل (٩) كما سيأتي وجب الرّفع.

والواو كالفا إن تفد مفهوم مع

كلا تكن جلدا وتظهر الجزع

(والواو كالفاء) فيما ذكر (إن تفد مفهوم مع كلا تكن جلدا وتظهر الجزع) (١٠)(وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ)(١١)(١٢).

__________________

(١) فتخمدي حذف منه النون المؤنثة نصبا لكونه جوابا للولا التحضيضية.

(٢) مثال للتمنّى.

(٣) النساء ، الآية : ٣٧.

(٤) الفاء هنا لمجرد العطف ، إذ ليس النطق مسببا عن السؤال لتكون الفاء الداخلة على (ينطق) جوابا عن الاستفهام ، والمعني ألم تسئل الربع الفواء (أي : المنزل الخالي) فينطق بعد سؤالك فالنطق وإن كان متأخّرا عن السؤال لكنه ليس مسبّبا عنه ، إذ لا يوجب سؤال الجماد نطقه.

(٥) بأن ينتقض النفي بنفي بعده فيصير إثباتا بنفي النفي ، أو ينتقض بالاستثناء.

(٦) فهنا انتقض نفي (ما) بنفي (تزال) لأنّ تزال فعل نفي.

(٧) مثال لانتقاض النفي بإلّا.

(٨) نحو حسبك الكلام فينم الناس ، أي : أترك الكلام لينم الناس فهنا أمر بصورة الجملة الخبريّة فالفاء التي في جوابه لم تعمل ولم تقدر بعدها (أن) لعدم كون الطلب محضا.

(٩) نحوصه فأحدثك بضم الثاء.

(١٠) فالمعني (مع أن تظهر الجزع) مثال لجواب الطلب (النهي).

(١١) والتقدير (مع أن يعلم الصابرين) مثال لجواب النفي (لمّا).

(١٢) آل عمران ، الآية : ١٤٢.

٤٢٩

فقلت أدعي وأدعو إنّ اندى (١)

[لصوت أن ينادي داعيان]

ألم أك جاركم ويكون بيني

وبينكم المودّة والإخاء (٢)

و (يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)(٣)(٤) فإن لم تكن الواو بمعنى مع وجب الرّفع ، نحو «لا تأكل السّمك وتشرب اللّبن» (٥).

وبعد غير النّفي جزما اعتمد

إن تسقط الفا والجزاء قد قصد

(وبعد غير النّفي جزما) به (٦) (اعتمد إن تسقط الفاء والجزاء قد قصد) (٧) نحو قوله تعالى : (قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ)(٨)(٩) ، بخلافه (١٠) بعد النّفي نحو «ما تأتينا تحدّثناء» وما

__________________

(١) أي : أدعي مع أن أدعو ، وهذا مثال لجواب الأمر.

(٢) من قصيدة لجرول بن أوس يخاطب بها الزرقان ابن بدر يعني ألم أكن جارا لكم مع وجود المودّة والأخوّة التي كانت بيننا.

الشاهد في نصب (يكون) بتقدير أن بعد الواو بمعني مع في جواب الاستفهام أي : (مع أن يكون).

(٣) الشاهد في (لا نكذب) و (نكون) إنهما نصبا بأن المقدّرة بعد الواو بمعني مع في جواب التمنّى.

(٤) الأنعام ، الآية : ٢٧.

(٥) هذا على فرض أن يكون معني الجملة النهي عن أكل السمك والأمر بشرب اللبن ، فتكون الواو عطفا ، وأما إذا كان معناها النهي عن الجمع بينهما فالواو بمعني مع ولا يكون شاهدا على المدّعى ، كما لا يخفى.

(٦) أي : بغير النفي وهو الطلب بأقسامه ، ومعني الاعتماد في الجزم على الطلب أن الجزم مسبّب عنه لتضمنّه ، معني إن الشرطيّة.

(٧) يعني إذا وقع فعل المضارع بعد الطلب وحذف منه فاء الجزاء وقصد منه الجزاء عن الطلب بتقدير شرط فهذا الفعل يجزم اعتمادا على الطلب الذي قبله.

(٨) والتقدير تعالوا أن أتيتم أتل فأتل واقع بعد الطلب وهو تعالوا (اسم فعل أمر) وحذف منه الفاء ، وقصد به الجزاء ، لأنّ المراد أنّ التلاوة مترتّبة على مجيئكم.

(٩) الأنعام ، الآية : ١٥١.

(١٠) أي : بخلاف الجزاء الواقع بعد النفى ، يعني أنّ الفعل الواقع بعد النفي لا يجزم وإن قصد به الجزاء كما في المثال ، فإن (تحدثنا) جزاء لتأتينا لأن الحديث سبب عن الإتيان ومع ذلك لم تجزم.

٤٣٠

إذا لم يقصد الجزاء نحو «تصدّق تريد وجه الله» (١).

وشرط جزم بعد نهي أن تضع

إن قبل لا دون تخالف يقع

(وشرط جزم بعد نهي) إذا اسقطت الفاء (أن تضع إن) الشّرطيّة (قبل لا دون تخالف) في المعني (يقع) (٢) كقولك «لا تدن من الأسد تسلم» بخلاف «لا تدن منه يأكلك» فلا يجزم (٣) خلافا للكسائي (٤).

والأمر إن كان بغير افعل فلا

تنصب جوابه وجزمه اقبلا

(والأمر إن كان بغير افعل) بأن كان بلفظ الخبر أو باسم الفعل (فلا تنصب جوابه) خلافا للكسائيّ (وجزمه اقبلا) (٥) للإجماع عليه ، نحو «حسبك الحديث ينم النّاس» (٦) و «صه أحدّثك».

والفعل بعد الفاء في الرّجا نصب

كنصب ما إلي التمنّي ينتسب

(والفعل بعد الفاء في الرّجاء نصب) عند الفرّاء والمصنّف (كنصب ما إلى

__________________

(١) فإن إرادة وجه الله ليس مسبّبا عن التصدّق ليكون جزاء له.

(٢) يعني شرط جزم المضارع بعد النهي أن تقدّر إن الشرطيّة قبل لا الناهيّة ولا يقع خلل في المعني كما في قولنا لا تدن من الأسد تسلم فإن قلنا (ألا تدن من الأسد تسلم) كان المعني صحيحا.

(٣) لعدم صحة المعني بقولنا (أن لا تدن من الأسد يأكلك) وكيف يأكلك وأنت بعيد عنه.

(٤) فجوّز نصب المضارع في جواب الأمر وإن كان الأمر بلفظ الخبر أو اسم فعل.

(٥) بشرط حذف الفاء وقصد الجزاء.

(٦) بتخفيف الميم من النوم يعني اترك الحديث والتكلّم لينام الناس ، فجزم ينم في جواب الأمر بلفظ الخبر ، وكذا احدثك جواب لاسم فعل الأمر ، وأما النصب فلا ، لان شرطه أن يكون جوابا للامر الصريح.

٤٣١

التّمنّي ينتسب) (١) نحو (لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ أَسْبابَ السَّماواتِ فَأَطَّلِعَ)(٢)(٣).

وإن علي اسم خالص فعل عطف

تنصبه أن ثابتا أو منحذف

(وإن على اسم خالص) من شبه الفعل (٤) (فعل عطف) بالواو والفاء أو أو ، أو ثمّ (تنصبه أن ثابتا) كان (أو منحذف) نحو (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً)(٥)(٦).

ولبس عباءة وتقرّ عينى (٧)

[أحبّ إليّ من لبس الشّفوف]

لو لا توقّع معترّ فأرضيه (٨)

[ما كنت أوثر أترابا علي ترب]

إنّي وقتلي سليكا ثمّ أعقله (٩)

[كالثّور يضرب لمّا عافت البقر]

__________________

(١) يعني كما أن الفعل بعد الفا ينتصب إذا وقع جوابا عن التمنّي نحو ليت زيدا أتاني فأكرمه كذا ينتصب إذا وقع جوابا عن الترجّي.

(٢) فنصب (اطّلع) لوقوعه جوابا عن (لعلّ) والتقدير (أن ابلغ اطّلع).

(٣) غافر ، الآية : ٣٦ و ٣٧.

(٤) بأن لا يكون اسم فاعل أو مفعول أو صفة مشبّهة.

(٥) فنصب (يرسل) بأن المقدرة لعطفه بأو على (وحيا) وهو اسم خالص.

(٦) الشورى ، الآية : ٥١.

(٧) نصب (تقرّ) لعطفه بالواو على (لبس) وهو اسم خالص ـ وآخره ـ (أحبّ إليّ من لبس الشفوف) يعني أن ألبس الملابس الخشنة وتكون عيني قريرة بأهلي ووطني أحبّ إليّ من لبس الملابس الفاخرة الرقيقة وأكون في بلد غريب.

(٨) وآخره (ما كنت أوثر أترابا على ترب) الأتراب جمع ترب وهو من كان مساويا معه في العمر ، يعني لو لا توقع المحتاج المضطر وإني أريد أن أرضيه وأكشف الضرّ عنه لما قمت بعض أترابي على بعض ، بل سوّيت بينهم.

الشاهد في نصب (أرضي) وهو متكلم مضارع لعطفه بالفاء على (توقع) وهو مصدر.

(٩) بعده (كالثور يضرب لما عافت البقر) يعني مثلي في قتلي سليكا (اسم رجل) ثم أعطائي الدية له كمثل

٤٣٢

بخلاف المعطوف على غير الخالص ، نحو «الطّائر فيغضب زيد الذّباب» (١).

وشذّ حذف أن ونصب في سوى

ما مرّ فاقبل منه ما عدل روى

(وشذّ حذف أن ونصب في سوي ما مرّ) (٢) كقولهم «خذ اللّصّ قبل يأخذك» (٣) (فاقبل منه (٤) ما عدل روى) ولا تقس عليه.

__________________

من يضرب الثور حينما تمتنع البقرة من شرب الماء ، لأنهم أن ضربوا البقرة قلّ لبنها الشاهد في نصب (أعقله) لعطفه بثم على الاسم الخالص وهو قتلى.

(١) معناه (الذي يطير ويغضب منه زيد هو الذباب) فلم ينتصب (يغضب) مع عطفه على الاسم (الطائر) لعدم كونه اسما خالصا ، بل صفة.

(٢) أي : شذّ أن تنصب أنّ المحذوفة في غير ما ذكر.

(٣) أي : قبل أن يأخذك فنصب (يأخذ) بأن المقدرة من غير أن يكون جوابا لنفي أو طلب.

(٤) أي : من النصب في سوي ما مرّ يعني أن النصب في غير ما ذكر سماعي لا يقاس عليه.

٤٣٣

فصل في عوامل الجزم

بلا ولام طالبا ضع جزما

في الفعل هكذا بلم ولمّا

(بلا ولام طالبا (١) ضع جزما في الفعل) سواء كانتا للدّعاء (٢) نحو (لا تُؤاخِذْنا)(٣)(لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ)(٤) ، أم لا (٥) بأن كانت «لا» للنّهي نحو (لا تُشْرِكْ)(٦) ، واللّام للأمر نحو (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ)(٧) (هكذا بلم ولمّا) النّافيّتين نحو (وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ)(٨) ، (لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ)(٩) ، قيل : وقد تنصبه (١٠) «لم» في لغة ، ومنه قراءة (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ)(١١).

__________________

(١) يعني أن كانتا للطلب لا للتعليل أو النفى.

(٢) الدعاء هو الطلب من الداني إلى العالي من دون استعلاء.

(٣) البقرة ، الآية : ٢٨٦.

(٤) الزّخرف ، الآية : ٧٧.

(٥) أي : أم لا تكونا للدعاء ، بل للنهي والأمر.

(٦) لقمان ، الآية : ١٣.

(٧) الطلاق ، الآية : ٧.

(٨) المائدة ، الآية : ٦٧.

(٩) ص ، الآية : ٤٨.

(١٠) أي : قد تنصب الفعل (لم) في بعض اللغات ومنه قراءة (ألم نشرح) بالفتح.

(١١) الانشراح ، الآية : ١.

٤٣٤

واجزم بإن ومن وما ومهما

أي متي أيّان أين إذ ما

(واجزم بإن) نحو (إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ)(١) (ومن) نحو (مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ)(٢) (وما) نحو (وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ)(٣) (ومهما) نحو (مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ)(٤) و (أىّ) نحو (أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى)(٥) و (متى) نحو :

[ولست بحلال التّلاع مخافة

ولكن] متي يسترفد القوم أرفد

و (أيّان) نحو «أيّان تفعل أفعل» ولم يذكر هذه [أيّان] في الكافية ولا في شرحها.

و (اين) نحو (أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ)(٦) و (إذ ما) نحو :

إذ ما أتيت على الرّسول فقل له (٧)

[حقّا عليك إذا اطمأنّ المجلس]

وحيثما أنّي وحرف إذ ما

كإن وباقي الأدوات أسما

(وحيثما) نحو «حيثما يك أمر صالح فكن» و (أنّى) نحو :

فأصبحت أنّي تأتها تلتبس بها

[كلا مركبيها تحت رجلك شاجر]

وزاد الكوفيّون «كيف» فجزموا بها. ويجزم بإذا في الشّعر كثير كما قال في شرح

__________________

(١) الإسراء ، الآية : ٥٤.

(٢) النّساء ، الآية : ١٢٣.

(٣) البقرة ، الآية : ١٩٧.

(٤) الأعراف ، الآية : ١٢٣.

(٥) الإسراء ، الآية : ١١٠.

(٦) النّساء ـ ٧٨.

(٧) وبعده حقا عليك إذا اطمئنّ المجلس) ومنه :

(يا خير من ركب المطي ومن مشى

فوق التراب إذا تعدّ الأنفس

بك أسلم الطاغوت واتّبع الهدى

وبك انجلي عنّا الظلام الحندس)

من أبيات لعباس ابن مرداس السلمي يخاطب بها رجلا يريد زيارة النبى صلّى الله عليه وآله وسلّم ، والأبيات واضحة المعنى.

الشاهد في مجيء إذ ما للشرط.

٤٣٥

الكافية ، ومنه :

[إستغن ما أغناك ربّك بالغنى]

وإذا تصبك خصاصة فتجمّل (١)

قال : والأصحّ منع ذلك في النّثر لعدم وروده.

(وحرف إذ ما كإن) لأنّ إذ سلب معناه الأصليّ (٢) واستعمل مع ما الزّائدة (وباقي الأدوات أسما) بلا خلاف إلّا «مهما» ، فعلي الأصحّ ، (٣) لعود الضّمير عليها في الآية السّابقة (٤).

ثمّ ما كان منها (٥) للزّمان أو المكان فموضعه نصب بفعل الشّرط ، (٦) وما كان لغيره (٧) فموضعه رفع على الإبتداء إن اشتغل عنه الفعل بضميره (٨) وإلّا فينصب به (٩).

__________________

(١) هو من قصيدة لعبد ابن قيس ابن خفاف يوصي بها ابنه حبيل ـ وقبله ـ :

فإذا افتقرت فلا تكن متخشّعا

ترجو الفواضل عند غير المفضل

وإذا لقيت القوم فاضرب فيهم

حتي يروك ظلال حزب مهمل

استغن ما أغناك ربّك بالغنى

وإذا تصبك خصاصة فتجمل

واستأن حلمك في أمورك كلّها

وإذا عزمت على الهوي فتوكل

وإذا تشاجر في فؤادك مرّة

أمران فاعدد للأعز الأجمل

معني البيت أن لا تظهر الفقر عند المخلوق أبدا ، فإن كنت غنيّا بغني الله فهو وإلّا فتظاهر بالغنى.

الشاهد في مجيء إذا للشرط.

(٢) إشارة إلى ردّ من استدل على اسميتها بأن أصلها (إذ) وهو اسم كما مرّ في باب الإضافة ، فأجاب بأنه اسم إذا كان بمعناه الأصلي وهو الظرفية في الماضى ، والآن سلب عنه ذلك المعني فصار حرفا ، ويدل على ذلك استعماله مع (ما) الزائدة.

(٣) أي : على الأصحّ أنه اسم.

(٤) وهي قوله تعالى (مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ) فعاد ضمير به إلى مهما ولو كان حرفا لما عاد إليه الضمير.

(٥) أي من أدوات الشرط فالزمان كمتي وأيّان والمكان كأين وحيثما والمشترك كأنّى.

(٦) على أن يكون مفعولا فيه.

(٧) أى : لغير الزمان أو المكان كمن وما وكيف.

(٨) نحو من تضربه أضربه.

(٩) أي : إن لم يكن الفعل مشتغلا بضميره نحو من تضرب أضرب ، فمن منصوب بفعل الشرط مفعولا به.

٤٣٦

فعلين يقتضين شرط قدّما

يتلو الجزاء وجوابا وسما

وماضيين أو مضارعين

تلفيهما أو متخالفين

(فعلين يقتضين) (١) أي أدوات الشّرط وهي إن وما بعدها (شرط قدّما) (٢) و (يتلو الجزاء وجوابا وسما) (٣) أيضا (وماضيين أو مضارعين تلفيهما) (٤) أى الشّرط وجزائه ، ومحلّ الماضي حينئذ جزم ، نحو (وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا)(٥)(٦)(إِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ)(٧)(٨).

(أو متخالفين) بأن يكون الشّرط مضارعا والجزاء ماضيا أو عكسه ، نحو :

إن تصرمونا وصلناكم وإن تصلوا

ملأتم أنفس الأعداء إرهابا (٩)

ونحو :

دسّت رسولا بأنّ القوم إن قدروا

عليك يشفوا صدورا ذات توغير (١٠)

__________________

(١) قوله (فعلين) مفعول لا جزم في أول البيت السابق قبل ببتين والتقدير (أجزم بأن و...) فعلين يقتضينها أدوات الشرط.

(٢) أي : يجب أن يكون الشرط مقدما على الجزاء.

(٣) أي : يسمي الجزاء جوابا أيضا.

(٤) أي : تجدهما.

(٥) فالشرط والجزاء كلاهما ماضيان.

(٦) الإسراء ، الآية : ٨.

(٧) مثال لكون الفعلين مضارعين وهما تبدو ويحاسب.

(٨) البقرة ، الآية : ٢٨٤.

(٩) فالشرط في الموردين مضارع وهما (تصرموا) و (تصلوا) والجزاء ماض ، وهو (وصلناكم) في الأول و (ملاتم) في الثاني.

ومعني البيت إنكم إن قطعتم عنّا الصلة فإنّا لا نقطع عنكم ، ولكن أن تصلونا ملاتم قلوب الأعداء رعبا وخوفا.

(١٠) مثال لعكس الأول ، إذ الشرط هنا ماض ، وهو (قدروا) والجزاء مضارع (يشفوا) ومعني البيت إنّها أرسلت في الخفاء رسولا بأن القوم أن تمكنوا عليك يشفوا عليك صدورهم المليئة بالحقد.

٤٣٧

وبعد ماض رفعك الجزا حسن

ورفعه بعد مضارع وهن

(وبعد) شرط (ماض رفعك الجزاء حسن) لكنّه غير مختار ، (١) نحو :

وإن أتاه خليل يوم مسألة

يقول لا غائب مالي ولا حرم (٢)

(ورفعه) أي الجزاء (بعد) شرط (مضارع وهن) أي ضعيف ، نحو :

يا أقرع بن حابس يا أقرع

إنّك إن يصرع أخوك تصرع (٣)

واقرن بفا حتما جوابا لو جعل

شرطا لإن أو غيرها لم ينجعل

(واقرن بفاحتما) للإرتباط (٤) (جوابا لو جعل شرطا لإن أو غيرها) من الأدوات لم يطاوع و (لم ينجعل) (٥) كالماضي غير المتصرّف ، نحو (فَعَسى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ)(٦)(٧) والماضي لفظا ومعنى (٨) نحو (فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ)(٩)(١٠)

__________________

(١) بل المختار هو الجزم.

(٢) برفع (يقول) لكون الشرط (أتاه) ماضيا ، ومعني البيت إنّه إن أتاه صديق محتاج فيتهيّأ لقضاء حاجته ويقول أنّ ما لي حاضر ولا حرمان منه لأحد.

(٣) الشاهد أن الجزاء (تصرع) مرفوع مع إن الشرط (يصرع) مضارع ـ إنك يا أفرع ابن حابس رجل جبان بحيث إن غلب أخوك في المصارعة غلبت أنت من دون صراع خوفا ورعبا.

(٤) أي : ليحصل الارتباط بين الشرط والجزاء بالفاء.

(٥) يعني إذا كان الجزاء لا يصلح أن يكون شرطا يجب أن يقرن بالفاء وقوله (لم يطاوع) أي : لا يقبل و (لم ينجعل) لم يصر.

(٦) فى جواب أن ترن أنا أقلّ منك مالا وولدا.

(٧) الكهف ، الآية : ٤٠.

(٨) فإن الماضي الذي يصلح للشرط ما هو بمعني الاستقبال نحو إن جئتني أكرمك فإن معناه أن تجئني أكرمك وأما إذا كان ماضيا معني أيضا فلا يصلح للشرط فيجب اقترانه بالفاء.

(٩) في جواب (أن يسرق) ف (سرق) في الآية أريد به الزمان الماضي بدليل (من قبل) فلا يصلح للشرط.

(١٠) يوسف ، الآية : ٧٧.

٤٣٨

والمطلوب به فعل أو ترك (١) نحو (إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي)(٢). (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخافُ)(٣)(٤) ، والفعل المقرون بالسّين أو سوف والمنفي بلن أو ما أو إن والجملة الاسميّة. (٥) وقوله :

من يفعل الحسنات الله يشكرها

[والشّرّ بالشّرّ عند الله مثلان]

ضرورة (٦).

وتخلف الفاء إذا المفاجأه

كإن تجد إذا لنا مكافأه

(وتخلف الفاء إذا المفاجأة) (٧) في حصول ارتباط بها (كإن تجد إذا لنا مكافأة) (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ)(٨)(٩).

والفعل من بعد الجزا إن يقترن

بالفا أو الواو بتثليث قمن

__________________

(١) بأن يكون الجواب أمرا أو نهيا لفظ أو معنى.

(٢) آل عمران ، الآية : ٣١.

(٣) (لا يخاف) هنا ، وإن كان إخبارا في الظاهر لكنّه نهي وإنشاء في المعني إذ المعني لا يخف.

(٤) طه ، الآية : ١١٢.

(٥) أمثلة الستة على ما في التصريح والتوضيح للأولي نحو إن تعاسرتم فسترضع له أخرى ، والثانية وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله ، وللثالثة نحو وما تفعلوا من خير فلن تكفروه وللرابعة نحو فإن تولّيتم فما سئلتكم من أجر ، وللخامسة نحو إن تقم فأن أقوم وأصحّ منه نحو إن تنكروني فأن أدري أصدقتم في إنكاركم أم كذبتم ، وللسادسة نحو إن يمسسك بخير فهو على كلّ شيء قدير.

(٦) ولو لا الضرورة لقال فالله يشكرها.

(٧) يعني إنّ إذا لمفاجاة تدخل على الجزء الذي لا يصلح للشرط مثل الفاء إلا أن إذا لا تدخل إلا على الجملة الاسميّة كما مرّ.

(٨) فدخلت إذا على الجزاء الذي هو جملة اسميّة.

(٩) الرّوم ، الآية : ٣٦.

٤٣٩

(والفعل من بعد الجزاء إن يقترن) معطوفا (بالفاء أو الواو بتثليث) له (قمن) (١) بأن يرفع علي الإستيناف ويجزم علي العطف وينصب على إضمار «أن» ، وقري بها (٢)(يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ)(٣) فإن اقترن بثمّ جاز الأوّلان (٤) فقط.

وجزم أو نصب لفعل إثرفا

أو واو إن بالجملتين اكتنفا

(وجزم أو نصب) ثابت (لفعل) واقع (إثرفا أو واو إن بالجملتين) أي جملة الشّرط وجملة الجزاء (اكتنفا) (٥) بأن توسّطهما ، نحو «إن تأتني فتحدّثني أحدّثك» (٦).

ومن يقترب منّا ويخضع نؤوه (٧)

[ولا يخش ظلما ما أقام ولا هضما]

فإن وقع بعد ثمّ لم ينصب ، وأجازه الكوفيّون ، ومنه قراءة الحسن : (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ)(٨)(٩).

__________________

(١) يعني إذا عطف على الجزاء بالفاء أو الواو فيجوز في الفعل المعطوف ثلاث وجوه : الرفع ، والنصب ، والجزم.

(٢) أى : بالوجوه الثلاثة بفتح الباء وضمها وسكونها.

(٣) البقرة ، الآية : ٢٨٤.

(٤) أي : الرفع والجزم فقط دون النصب.

(٥) يعني إذا كان الفعل الداخل عليه الواو أو الفاء مكتنفا بالشرط والجزاء بأن توسط بينهما فذلك الفعل يقراء بالنصب أو الجزم فقط دون الرفع.

(٦) فيجوز في (تحدّثني) النصب والجزم لوقوعه بعد الفاء مكتنفا بجملتي الشرط والجزاء.

(٧) فجاز في (نخضع) الجزم والنصب لكونه بعد الواو مكتنفا بالشرط والجزاء ، ومعني البيت إن من التجأ إلينا خاضعا نعطه الأمان والمأوى ولا يخف ظلما ولا ضياع حق.

(٨) فقرأ الحسن (يدركه) بفتح الكاف.

(٩) النّساء ، الآية : ١٠٠.

٤٤٠