البهجة المرضيّة على ألفيّة ابن مالك

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي

البهجة المرضيّة على ألفيّة ابن مالك

المؤلف:

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة اسماعيليان للطباعة والنشر والتوزيع
المطبعة: وفا
الطبعة: ١٩
ISBN: 978-964-6397-13-2
الصفحات: ٥٩٠

واغن بكلتا في مثنّي وكلا

عن وزن فعلاء ووزن أفعلا

(واغن (١) بكلتا في مثنّي وكلا عن وزن فعلاء) أي جمعاء في المؤنّث (ووزن أفعلا) أي أجمع في المذكّر ، وأجاز الكوفيّون استعمال ذلك (٢) قياسا.

وإن تؤكّد ألضّمير المتّصل

بالنّفس والعين فبعد المنفصل

عنيت ذا الرّفع وأكّدوا بما

سواهما والقيد لن يلتزما

(وإن تؤكّد الضّمير المتّصل بالنّفس والعين فبعد) أن يؤكّده (المنفصل عنيت) بهذا (٣) الضّمير (ذا الرّفع) ، نحو «قوموا أنتم أنفسكم» بخلاف «قوموا أنفسكم» ، ويجوز تأكيد ذا النّصب والجرّ بهما وإن لم يؤكّد بمنفصل (٤).

(وأكّدوا) الضّمير المتصل المرفوع (بما سواهما (٥) والقيد) المذكور (٦) حينئذ (لن يلتزما) فيجوز تركه.

وما من التّوكيد لفظي يجيء

مكرّرا كقولك أدرجي ادرجي

(وما من التّوكيد لفظىّ) (٧) هو الّذي (يجيء مكرّرا) ويكون في المفرد والجملة ، فالأوّل إمّا بلفظه (كقولك ادرجي ادرجي) (٨) أو بمرادفه كقوله «أنت بالخير

__________________

(١) أي : لا يجوز تأكيد التثنية المذكر بأجمع ولا المؤنث بجمعاء بل أكّدهما بكلا وكلتا فقط.

(٢) أي : تأكيد التثنية بأجمع وجمعاء.

(٣) أى : باتيان المنفصل فيما إذا كان المتبوع المتّصل مرفوعا.

(٤) نحو رأيته نفسه ومررت به نفسه.

(٥) أي : سوي النفس والعين.

(٦) أي : التأكيد بالمنفصل فيجوز تركه نحو جاؤا كلّهم أجمعون

(٧) أي : قسم من التأكيد لفظى.

(٨) المقصود تأكيد الفعل فقط وإن تكرّر معه الفاعل أيضا فلا يرد عليه أنه من تأكيد الجملة.

٣٤١

حقيق قمين» ، (١) والثاني إمّا يقترن بحرف عطف وهو الأكثر كقوله تعالى : (أَوْلى لَكَ فَأَوْلى ثُمَّ أَوْلى لَكَ فَأَوْلى)(٢) أولا ، كقوله :

أيا من لست أقلاه

ولا في البعد أنساه

لك الله علي ذلك

لك الله لك الله (٣)

ولا تعد لفظ ضمير متّصل

إلّا مع اللّفظ الّذي به وصل

(ولا تعد لفظ ضمير متّصل) إذا أكّدته تأكيدا لفظيّا (إلّا مع اللّفظ الّذي به وصل) نحو «مررت بك بك» و «رأيتك رأيتك» ، ولوضوح أمر المنفصل (٤) سكت عنه.

كذا الحروف غير ما تحصّلا

به جواب كنعم وكبلى

(كذا) أي كالضّمير المتّصل (الحروف غير ما تحصّلا به جواب) فيجب إعادة ما اتّصل بها ، نحو (أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ)(٥)(٦). وشذّ :

حتّي تراها وكأنّ وكأن (٧)

[أعناقها مشدّدات بقرن]

واشذّ منه (٨) :

[فلا والله لا يلفي لما بي]

«ولا للما بهم» ابدا دواء

__________________

(١) فأكد (حقيق) بمرادفه في المعني وهو قمين وإن لم يتّحدا لفظا.

(٢) القيامة ، الآية : ٣٤ و ٣٥.

(٣) فلك الله جملة مبتدء وخبر كرّر للتأكيد بغير عطف.

(٤) لأن معني المنفصل أنه غير متصل بشيء ليذكر مع التأكيد.

(٥) فأكد (أنّ) مع ما اتّصل بها (كم).

(٦) المؤمنون ، الآية : ٣٥.

(٧) كرّر الحرف من غير ذكر متّصل به.

(٨) لاتّصال التابع بما لم يتّصل بالمتبوع.

٣٤٢

أمّا الحروف الجوابيّة (كنعم وكبلى) فيجوز أن يؤكّد بإعادتها وحدها.

ومضمر الرّفع الّذي قد أنفصل

أكّد به كلّ ضمير اتّصل

(ومضمر الرّفع الّذي قد انفصل أكّد به كلّ ضمير أتّصل) مرفوعا أو غيره ، نحو (اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ)(١) و «قمت أنت» و «أكرمتك أنت» و «مررت بك أنت».

__________________

(١) البقرة ، الآية : ٣٥.

٣٤٣

الثالث من التوابع العطف

العطف إمّا ذو بيان أو نسق

والغرض الآن بيان ما سبق

فذو البيان تابع شبه الصّفة

حقيقة القصد به منكشفة

 (ألعطف إمّا ذو بيان أو نسق ، والغرض الآن بيان ما سبق ، (١) فذو البيان تابع شبه الصّفة) في أنّ (حقيقة القصد به منكشفة) لكنّه مخالف لها في أنّه لا يكون مشتقّا ولا مؤوّلا.

فأولينه من وفاق الأوّل

ما من وفاق الأوّل النّعت ولي

فقد يكونان منكّرين

كما يكونان معرّفين

(فأولينه من وفاق الأوّل) (٢) أي المتبوع (ما من وفاق الأوّل النّعت ولي) من تذكير وإفراد وغير ذلك.

إذا علمت ذلك (فقد يكونان) أي العطف ومتبوعه (منكّرين) نحو «إسقني شربا

__________________

(١) أي : ما سبق في البيت وهو البيان.

(٢) (من) للبيان ، أي : أعط عطف البيان من موافقة متبوعه ما أعطيت النعت من وفاق متبوعه وهو أربعة من عشرة فواحدا من التذكير والتأنيث وواحدا من الإفراد والتثنية والجمع ، وواحدا من التعريف والتنكير ، وواحدا من الرفع والنصب والجرّ.

٣٤٤

حليبا» (كما يكونان معرّفين) نحو «ذكرت الله في الواد المقدّس طوى» ، (١)

وأشار بإتيانه بكاف التّشبيه المفهمة للقياس الشّبهيّ (٢) بل الأولويّ لأنّ احتياج النّكرة إلى البيان أشدّ من غيرها ـ إلى خلاف من منع إتيانهما (٣) نكرتين كالزّمخشري ، أو ذهب إلي اشتراط زيادة تخصيصه. (٤)

فائدة : جعل أكثر النّحويّين التّابع المكرّر به لفظ المتبوع (٥) كقوله :

__________________

(١) فطوي بيان للمقدس ، وهما معرفتان المعطوف بالعلمية والمعطوف عليه بأل ، والتبس الأمر على بعض الأساطين من الشراح حيث توهم أن المقدس عطف بيان للوادي ، وغفل من أن عطف البيان لا يكون مشتقا ولا مؤولا ، كما مرّ من الشارح قبل أسطر.

(٢) القياس إعطاء حكم شيء لشيء آخر لمشابهتهما في علة الحكم وهو على قسمين شبهيّ وأولويّ ، إذ قد تكون العلة في المشبه أقوي من المشبه به فأولويّ ، وقد يكون مساويا معه فشبهيّ.

مثلا إذا ورد دليل على أن الخمر نجس لأنه مسكر ، وكان مايع غير الخمر مسكرا بمقدار إسكار الخمر فيقاس على الخمر ، ويقال : هذا المايع نجس كما أن الخمر نجس لكونه مثل الخمر في الإسكار ، فهذا قياس شبهي وأما إذا كان الإسكار في ذلك المايع أشد من الإسكار في الخمر فالقياس أولويّ ، وهو أقوي دليلا من الشبهيّ. ففيما نحن فيه نعلم أن عطف البيان أنما يؤتي به لبيان المعطوف عليه وإيضاحه وعطف البيان في المعرفة مسلم عند النحاة ، وأما النكرة وإن لم يرد من أقوال النحاة دليل على مجيئه عطف بيان إلا أن قياسه علي المعرفة دليل عليه. فاستدلّ المصنف بهذا الدليل لمجيء النكرة عطف بيان لتشبيهه النكرة بالمعرفة ، وفي هذا إشارة إلى خلاف من منع من إتيان عطف البيان ، ومعطوفه نكرتين كالزمخشري أو خلاف من أجاز عطف البيان في النكرة لكن بشرط أن يكون في المعطوف زيادة تخصيص للمعطوف عليه.

فدفع الخلافين بدليل القياس وحاصله أنه لا معني لإتيان المعرفة بيانا ولا نجوّز ذلك في النكرة مع أن العلّة موجودة في النكرة.

(٣) أي : المعطوف والمعطوف عليه.

(٤) نحو جائني انسان رجل.

(٥) لا معناه ، فإن (نصر) التابع أي : الثاني مصدر ، والمتبوع علم لشخص ، فكأنه قال يا نصر الذي هو نصر للناس نصرا ، والثالث مفعول مطلق معمول لنصر الثاني ، والمراد أنه إذا كان التابع تكرار اللفظ المتبوع

٣٤٥

[إنّي وأسطار سطرن سطرا]

لقائل يا نصر نصر نصرا

عطف بيان. قال المصنف : والأولي عندي جعله توكيدا لفظيّا ، لأنّ عطف البيان حقّه أن يكون للأوّل به زيادة وضوح ، وتكرير اللّفظ لا يتوصّل به إلى ذلك.

وصالحا لبدليّة يرى

في غير نحو يا غلام يعمرا

(وصالحا لبدليّة يرى) (١) عطف البيان (فى) جميع المسائل (غير) مسألتين :

الأولي أن يكون التّابع مفردا معربا والمتبوع منادي (نحو يا غلام يعمرا) (٢) فيجب في هذه الحالة كونه عطف بيان ، ولا يجوز أن يكون بدلا لأنّه لو كان [بدلا] لكان في تقديره حرف النّداء ، (٣) فيلزم ضمّه.

ونحو بشر تابع البكريّ

وليس أن يبدل بالمرضيّ

(و) الثّانية ـ أن يكون المعطوف خاليا من لام التّعريف والمعطوف عليه معرّفا بها مجرورا بإضافة صفة مقترنة بها (٤) (نحو بشر) الّذي هو (تابع البكريّ) في قوله :

أنا ابن التّارك البكري بشر

[عليه الطّير ترقبه وقوعا]

فيجب في هذه الحالة أن يكون عطفا (وليس أن يبدل بالمرضىّ) عندنا ، لأنّه حينئذ يكون في تقدير إعادة العامل ، فيلزم إضافة الصّفة المعرفة باللّام إلي الخالي عنها ،

__________________

دون معناه جعله أكثر النحويّين عطف بيان ، وأما إذا كان تكرارا لفظا ومعني فلا خلاف في أنه تأكيد ، فتدبّر.

(١) يعني : كل تابع يصلح لأن يكون عطف بيان يصلح لأن يكون بدلا ، إلّا في موردين.

(٢) فيعمر مفرد معرب وغلام منادي مبني على الضم لكونه نكرة مقصودة.

(٣) لأن البدل في نية تكرار العامل ولو تكرر العامل وهو حرف النداء لصار يعمر مبنيا على الضم ، لأنه يصير بذلك منادي مفرد معرفة.

(٤) أي : بلام التعريف.

٣٤٦

وهو غير جائز ، كما تقدّم ، (١) وهو مرضي عند الفرّاء لتجويزه ما يلزم عليه ، (٢) وقد تقدّم تأييده.

تنبيه : استشكل ابن هشام في حاشية التّسهيل ما علّلنا به هاتين المسألتين بأنّهم يغتفرون في الثّواني [أي التّوابع] ما لا يغتفرون في الأوائل ، (٣) وقد جوّزوا في «إنّك أنت» كون أنت تأكيدا [للكاف] وكونه بدلا مع أنّه لا يجوز «إنّ أنت».

__________________

(١) في باب الإضافة.

(٢) الضمير يعود إلى تقدير إعادة العامل ، يعني لتجويز الفراء ما يلزم على هذا التقدير ، وهو إضافة الصفة المعرّفة باللام إلى الخالي عنها وقد تقدم تأييد قول الفرّاء باستعمال الإمام الشافعي له في خطبته بقوله : (الجاعلنا) في باب الإضافة.

(٣) يعني عدم جواز إضافة الصفة المعرف باللام إلى الخالي عنه أنما هو في الأوائل ، أي : غير التوابع ، وأما في الثوانى ، أي : التوابع فلا بأس ، والدليل على ذلك أنهم جوزوا في (إنك أنت) أن يكون (أنت) بدلا مع انّه لا يجوز دخول إن على أنت.

٣٤٧

القسم الثاني من قسمى العطف عطف النّسق

وهو بفتح السّين : اسم مصدر «نسقت الكلام أنسقه» أي عطفت بعضه علي بعض ، والمصدر بالتّسكين.

تال بحرف متبع عطف النّسق

كاخصص بودّ وثناء من صدق

(تال بحرف متبع) بكسر الباء (عطف النّسق (١) كأخصص بودّ وثناء من صدق).

فالعطف مطلقا بواو ثمّ فا

حتّي أم أو كفيك صدق ووفا

(فالعطف مطلقا) أي لفظا ومعنى (٢) (بواو) و (ثمّ) و (فاء) و (حتّى) بالإجماع ، و

__________________

(١) عطف النسق مبتدء وتال خبره المقدم وباء بحرف بمعني مع والجار والمجرور ومتعلّق بتال ومتبع صفة لتال والمعنى : عطف النسق تابع مع حرف معقّب.

فتال بحرف يخرج التوابع الآخر من النعت والبيان والبدل ، سوي التابع الذي مع بعض الحروف كالنعت في قولنا جائني زيد العالم ، لأنّ العالم مع حرف التعريف فأخرجه بقوله متبع لأنّ حرف التعريف ليست من الحروف المتبعة أي : المعقّبة لشيء عقيب شيء.

(٢) فإن هذه الحروف كما تعطف لفظا أي إعرابا كذلك تعطف معني أيضا ، بمعني أنّها تعطي للمعطوف حكم المعطوف عليه مثلا الواو في قلنا جاء زيد وعمرو ، كما أنها تعطي لعمرو إعراب زيد ، تعطيه حكم زيد ، أي : المجىء أيضا بخلاف لا العاطفة مثلا ففي قولنا جاء زيد لا عمرو المجيء ثابت لزيد ، ومنفي عن عمرو.

٣٤٨

كذا (أم) و (أو) علي الصّواب (١) (كفيك صدق ووفا).

وأتبعت لفظا فحسب بل ولا

لكن كلم يبد امرؤ لكن طلا

(وأتبعت لفظا فحسب) أي لا معني (بل) عند سيبويه (٢) (ولا) و (لكن) عند الجميع وليس عند الكوفيّين (٣) (كلم يبد أمرؤ لكن طلا) أي ولد بقر الوحش.

فاعطف بواو لاحقا أو سابقا

في الحكم أو مصاحبا موافقا

(فاعطف بواو لا حقا) في الحكم ، نحو (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ)(٤)(٥).

أو سابقا في الحكم) نحو (كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ(٦)

__________________

(١) اختلفوا في أن (أم وأو) عاطفان مطلقا لفظا ومعني أو لفظا فقط فذهب بعضهم ومنهم المصنف والشارح إلى الأول ، لأنّ زيدا وعمرا في قولنا في الدار زيد أو عمرو وكذا قولنا في الدار زيد أم عمرو متساويان عند المتكلّم في صلاحيّة كونهما في الدار وكذا في الشكّ في تعيّن كل واحد منهما وذهب بعض إلى الثاني ودليلهم عدم اجتماعهما في الحكم عند المتكلّم ففي المثال يري المتكلّم أنه إن كان في الدار زيد فعمرو خارج عنها وبالعكس فحكم المتبوع غير ثابت للتابع.

(٢) لا خلاف بينهم في أنّ (بل) في النفي والنهي لعطف اللفظ فقط دون المعنى ، وإنما الخلاف فيما إذا وقعت في الإثبات والأمر نحو جاء زيد بل عمرو أو أضرب زيدا بل عمرا فالأكثر على أنها للعطف لفظا ومعنى ، فإن المعني جاء زيد بل عمرو أيضا جاء ، وأضرب زيدا بل عمرا أيضا أضربه.

وقال سيبويه : أنها في الإثبات والأمر أيضا للعطف اللفظي فقط فإنها للإضراب والإضراب رفع اليد عن الحكم السابق وإثباته للّاحق فالمعطوف والمعطوف عليه ليسا مشتركين في الحكم.

(٣) الخلاف في ليس في أنها تستعمل للعطف أم لا ، فذهب الكوفيون إلى جوازه نحو جاء زيد ليس عمرو برفع عمرو ومنعه الآخرون وقالوا أنها لا تستعمل إلّا فعلا ناسخا للمبتدا والخبر ، وليس الخلاف في أنّها لمطلق العطف أو اللفظ فقط كما يوهمه ظاهر العبارة.

(٤) فإن إرسال إبراهيم لاحق ومتأخّر عن إرسال نوح.

(٥) الحديد ، الآية : ٢٦.

(٦) فإن الوحي للذين من قبل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم سابق ومتقدم على الوحي للرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم.

٣٤٩

اللهُ)(١) (أو مصاحبا موافقا) فيه ، نحو (فَأَنْجَيْناهُ وَأَصْحابَ السَّفِينَةِ)(٢)(٣).

واخصص بها عطف الّذي لا يغني

متبوعه كاصطف هذا وابني

(و) على هذا (٤) (اخصص بها عطف الّذي لا يغني متبوعه) عنه كفاعل ما يقتضي الإشتراك (كاصطف هذا وابني) و «تخاصم زيد وعمرو» (٥).

والفاء للتّرتيب باتّصال

وثمّ للتّرتيب بانفصال

(والفاء للتّرتيب باتّصال) وتعقيب ، نحو (الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ)(٦)(٧).

وأمّا قوله تعالى : (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً)(٨)(٩) ، فمعناه أردنا

__________________

(١) الشورى ، الآية : ٣.

(٢) فالمعطوف أي : أصحاب السفينة موافق للمعطوف عليه ، وهو الضمير العائد إلى نوح في الانجاء لانهم انجوا في وقت واحد.

(٣) العنكبوت ، الآية : ١٥.

(٤) أي : على ما ذكر من أن الواو يعطف بها المصاحب الموافق اختص عطف التابع الذي لا يغني متبوعه بالواو ، لأن الذي لا يغني متبوعه عنه أي : يحتاج إليه مصاحب لمتبوعه وليس في حروف العطف ما يصلح لعطف المصاحب غير الواو فيختص عطفه بالواو لا بغيره من العواطف.

(٥) إنما مثل بمثالين لأن اقتضاء الاشتراك قد يكون ذاتيا كالاصطفاف ، إذا لا يمكن حصول الصف بواحد ، وقد يكون نوعيا كالتخاصم لإمكان أن يكون شخص خصما لآخر ، ولا يكون الآخر خصما له ، لكن نوع الفعل الذي هو باب التفاعل يقتضي أن يكون بين اثنين.

(٦) فإن تسوية أجزاء البدن بعد الخلقة ومتصلة بها.

(٧) الانفطار ، الآية : ٧.

(٨) ظاهر الآية تقدم المعطوف وهو مجيء البأس ، أي : الغضب على المعطوف عليه أي : الإهلاك على خلاف ما ذكر أن الفاء للتعقيب فأجاب بأنّ المعطوف مقدّر ، وهو أردنا ومعلوم أن مجيء البأس عقيب إرادة الله عزّ وجلّ.

(٩) الأعراف ، الآية : ٤.

٣٥٠

إهلاكها فجاءها ، وقوله تعالى : (وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى)(١)(٢) فمعناه فمضت مدّة فجعله.

(وثمّ للتّرتيب) لكن (بانفصال) ومهلة ، نحو (فَأَقْبَرَهُ ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ)(٣)(٤) وتأتي بمعني الفاء ، نحو :

[كهز الرّديني تحت العجاج]

جري في الأنابيب ثمّ اضطرب (٥)

واخصص بفاء عطف ما ليس صلة

علي الّذي استقرّ أنّه الصّلة

(واخصص بفاء عطف ما ليس صلة) بأن خلا من العائد (علي الّذي أستقرّ أنّه الصّلة) نحو «الّذي يطير فيغضب زيد الذّباب» (٦) ولا يجوز عطفه بغيرها لأنّ شرط ما عطف علي الصّلة أن يصلح لوقوعه صلة. وإنّما لم يشترط ذلك في العطف بالفاء لجعلها ما بعدها مع ما قبلها في حكم جملة واحدة لإشعارها بالسّببيّة.

بعضا بحتّى اعطف على كلّ ولا

يكون إلّا غاية الّذي تلا

وأم بها اعطف إثر همز التّسوية

أو همزة عن لفظ أي مغنية

__________________

(١) هذا إشكال على قيد الاتصال ، فإن جعل المرعي غثاءا أي باليا يقع بعد إخراج المرعي بمدة طويلة ، ولا يكون متصلا به ، فأجاب بأن المعطوف عليه هنا أيضا مقدّر ، وليس المذكور والتقدير أخرج المرعى ، فمضت مدة فجعله غثاء أحوى ، ومعلوم أنّ جعله غثاء متصل بمضي المدة.

(٢) الاعلى ، الآية : ٤ و ٥.

(٣) ومشيئة النشر ، أي : القيامة منفصل عن الإقبار أي الدفن بمدة طويلة.

(٤) عبس ، الآية : ٢١ و ٢٢.

(٥) المعطوف ، وهو اضطرب متصل بالمعطوف عليه (جري في الأنابيب) لأن اضطراب الرمح يقع بعد جريه في الأنابيب بغير فصل.

(٦) عطف بالفاء (يغضب) وهو خال من الضمير لرفعه الظاهر (زيد) على (يطير) وهو متحمل للضمير ، والذباب خبر للّذي.

٣٥١

(بعضا) تحقيقا أو تأويلا (بحتّي اعطف علي كلّ) نحو «أكلت السّمكة حتّي رأسها» (١).

ألقي الصّحيفة كي يخفّف رحله

والزّاد حتّى نعله ألقاها (٢)

(ولا يكون) المعطوف بها (إلّا غاية الّذي تلا) (٣) رفعة أو خسّة ،

نحو :

قهرناكم حتّي الكماة فأنتم

تهابوننا حتّي بنينا الأصاغر (٤)

فرع : حتّي في عدم التّرتيب كالواو (٥).

(وأم) باتّصال (٦) (بها اعطف بعد همز التّسوية) وهي الهمزة الدّاخلة علي جملة في محلّ المصدر ، نحو (سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا)(٧).

وربّما أسقطت الهمزة إن

كان خفا المعني بحذفها أمن

[ولست أبالي بعد فقدي مالكا]

أموتي ناء أم هو الآن واقع (٨)

__________________

(١) بنصب رأس مثال للبعض الحقيقي ، فإن المعطوف (رأس) بعض السمكة حقيقة.

(٢) المعطوف وهو نعله بعض المعطوف عليه أي الزاد تأويلا لأن النعل ليس بعضا من الزاد حقيقة ، بل بعض مجازي.

(٣) غاية الشيء نهايته وآخره.

(٤) فالكماة غاية (كم) في قهرناكم رفعة إذ المعني غلبناكم حتى شجعانكم و (بنينا الأصاغر) غاية (نا) في تهابوننا في الخسة والضعف ، لأن المعني تخافون منا حتي من أطفالنا الصغار.

(٥) فيعطف بها المتقدّم على المتأخر وبالعكس.

(٦) أم المتصلة ما وقع بين جملتين مرتبطتين بحيث يتمّ إحداها بالأخرى ، كارتباط جملتي الشرط والجزاء والمنفصلة ما وقع بين جملتين مستقلتين ولهذا تسمي المنفصله كما يظهر ذلك في أمثلة القسمين.

(٧) إبراهيم ، الآية : ٢١.

(٨) هذا مثال لما كانت الجملتان اسميّتين كما أن الذي قبله للفعليتين ، وكلاهما مؤولان بالمصدر ، فالأول تقديره سواء علينا الجزع والصبر ، والثاني تقديره لست أبالي بنأي موتي ووقوعه الآن.

٣٥٢

(سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ)(١)(٢). (أو همزة عن لفظ أي مغنية) بأن طلب بها وبأم التّعيين ، (٣) نحو : (وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ)(٤) ، (أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ)(٥).

[لعمرك ما أدري وإن كنت داريا]

شعيث بن سهم أم شعيث بن منقر

فقمت للطّيف مرتاعا فأرّقني

فقلت أهي سرت أم عادني حلم

(أَقَرِيبٌ ما تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ)(٦).

وربّما اسقصت الهمزة إن كان خفا المعني بحذفها أمن) نحو (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ)(٧)(٨).

__________________

(١) مثال لاختلاف الجملتين ، فإن المعطوفة اسمية والمعطوف عليها فعلية.

(٢) الأعراف ، الآية : ١٩٣.

(٣) وهذا معني أي ، لأن الاستفهامية لطلب التعيين.

واعلم أن أم الواقعة بعد همزة التسوية لا تقع إلّا بين جملتين ، كما مر في الأمثلة ، وأما التي تقع بعد همزة الاستفهام فيجوز عندهم أن يقع بين مفردين أو جملتين ، والمفردان قد يكونان مسندين كالمثال الأول ، فإن بعيد وقريب خبران لمبتدء مقدّر ، أي : هو قريب أم هو بعيد ، وقد يكونان مسندا إليهما كالمثال الثاني لأن المعطوف والمعطوف عليه أعني أنتم والسماء مبتدآن ، أي : أنتم أشدّ أم السماء أشدّ؟

والجملتان قد تكونان مبدوّتين بالمسند إليه كما في البيت الأول ، لأن شعيب في الجملتين مبتدأ ، وبعده خبره.

وقد تكون الأولي مبدوّة بالمسند إليه والثانية بالمسند ، كما في البيت الثاني ، فالأولي مبدوّة بهي و (هي) مبتدء ، والثانية مبدوّة (بعاد) وهو فعل فاعله (حلم).

وقد تكونان مبدوّتين بالمسند كما في الآية ، فقريب خبر لما و (يجعل) فعل و (ربّي) بعده فاعله ، والصحيح أن المعطوف والمعطوف عليه في الموارد الخمسة جملتان.

(٤) الأنبياء ، الآية : ١٠٩.

(٥) النازعات ، الآية : ٢٧.

(٦) الجن ، الآية : ٢٥.

(٧) على قراءة من حذف همزة الاستفهام.

(٨) البقرة ، الآية : ٦.

٣٥٣

وبانقطاع وبمعني بل وفت

إن تك ممّا قيّدت به خلت

[فو الله ما أدري وإن كنت داريا]

بسبع رمين الجمر أم بثمان (١)

(وبانقطاع و) هي الّتي (بمعني بل وفت) (٢) مع اقتضاء الإستفهام كثيرا (إن تك ممّا قيّدت به) من تقدّم إحدي الهمزتين عليها (خلت) نحو (لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ)(٣) ، (أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها)(٤)(٥) ، وقد لا يقتضي الإستفهام نحو (أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ)(٦)(٧).

خيّر أبح قسّم بأو وأبهم

واشكك وإضراب بها أيضا نمي

(خيّر أبح قسم بأو) نحو «تزوّج هندا أو أختها» و «اقرأ فقها أو نحوا» و «الاسم نكرة أو معرفة» ، (٨) والفرق بين الإباحة والتّخيير جواز الجمع في تلك دونه (٩).

__________________

(١) والتقدير أبسبع.

(٢) أي : (أم) التي أتت بمعني بل ، وهي للإضراب ، أي : الانصراف ، ورفع اليد عن المعطوف عليه.

(٣) السّجدة ، الآية : ٢ و ٣.

(٤) لا يتوهّم أنّ (أم) هنا واقعة بعد همزة الاستفهام ، فهي من أقسام المتّصلة فإنّ الاستفهام في المتّصلة لطلب التّعيين ، وهنا لإنكار المعطوف والمعطوف عليه فإنّ المراد بالآية ما يعبد من دون الله وأنّهم لا أرجل لهم فيمشون ولا أيدي لهم فيبطشون.

(٥) الأعراف ، الآية : ١٩٥.

(٦) لأن (هل) للاستفهام ، فإرادة الاستفهام من (أم) تحصيل للحاصل.

(٧) الرعد ، الآية : ١٦.

(٨) فالأول للتخيير ، والثاني للإباحة ، والثالث للتقسيم ، أي : أنت مخيّر ، لأن تتزوج بهند أو أختها ويباح لك قراءة الفقه والنحو والاسم على قسمين نكرة ومعرفة.

(٩) أي : إذا كانت أو للاباحة يجوز الجمع بين المعطوف والمعطوف عليه كجواز الجمع بين الفقه والنحو دون التخيير لعدم جواز الجمع بين الأختين.

٣٥٤

(وأبهم) (١) بها أيضا ، نحو (إِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ)(٢) (واشكك) (٣) نحو (لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ)(٤) (وإضراب (٥) بها أيضا نمي) أي نسب للكوفيّين وأبي علي وابن برهان ، نحو :

ماذا تري في عيال قد برمت بهم

لم أحص عدّتهم إلّا بعدّاد

كانوا ثمانين أو زادوا ثمانية

لو لا رجاؤك قد قتّلت أولادي (٦)

وربّما عاقبت الواو إذا

لم يلف ذو النّطق للبس منفذا

(وربّما عاقبت) أو (الواو) أي جاءت بمعناها (٧) (إذا لم يلف ذو النّطق) أي لم يجد المتكلّم (للبس منفذا) بل أمنه ، نحو

جاء الخلافة أو كانت له قدرا (٨)

[كما أتي ربّه موسي علي قدر]

ومثل أو في القصد إمّا الثّانية

في نحو إمّا ذي وإمّا النّائية

(ومثل أو فى) إفادة (القصد (٩) إمّا الثّانية في نحو) انكح (إمّا ذي وإمّا

__________________

(١) الإبهام أن يجعل المخاطب في الترديد مع علم المتكلم بتعين أحد الامرين ، ففي الآية أخرج الكلام في صورة الاحتمال مع العلم بأن من وحد الله وعبده فهو على هدى ، وانّ من عبد غيره فهو في ضلال.

(٢) السّبأ ، الآية : ٢٤.

(٣) أي : استعمل (أو) في مورد شك المتكلم ، كما في الآية ، فإن الكلام صدر ممن يشك في مقدار لبثه.

(٤) المؤمنون ، الآية : ١١٣.

(٥) الإضراب رفع اليد عن المعطوف عليه إلى المعطوف صاعدا أو نازلا ، والموضوع للإضراب في الأصل (بل) فالأول كالبيت الآتي ، و (الثاني) نحو وفيت ديني فما بقي إلّا مأة ، بل خمسون.

(٦) أي : بل زادوا ثمانية فصرف النظر عن قوله ثمانين إلى الزيادة بثمانية ، فالمعني بل هم ثمانية وثمانون.

(٧) جائت أو بمعني الواو ، لإفادة الجمع بين المعطوف والمعطوف عليه.

(٨) فمعلوم هنا أن المتكلم لم يكن في مقام الترديد ، بل يريد أن الخلافة جائت وأنها بقدر من الله تعالى.

(٩) أي : في معاني (أو) الستة الإباحة والتقسيم والتخيير والإبهام والتشكيك والإضراب.

٣٥٥

النّائية) (١) و «جالس إمّا الحسن وإمّا ابن سيرين» (٢) إلي آخره ، وأكثر النّحويّين علي أنّ إمّا هذه عاطفة وخالفهم ابن كيسان وأبو على ، وتبعهما المصنّف تخلّصا (٣) من دخول عاطف علي عاطف وفتح همزتها لغة تميميّة.

فرع : يستغني عن «إمّا» بأو ، نحو «قام إمّا زيد أو عمرو» ، وعن الأولي بالثّانية ، كقوله :

نهاض بدار قد تقادم عهدها

وإمّا بأموات ألمّ خيالها (٤)

وعن «إمّا» بـ «وإلّا» ، (٥) كقوله :

فإمّا أن تكون أخي بصدق

فأعرف منك غثّي من سميني

وإلّا فاطّرحني واتّخذني

عدوّا أتّقيك وتتّقيني (٦)

وقد يستغني عن «ما» كقوله :

وقد كذّبتك نفسك فاكذبنها

فإن جزعا وإن إجمال صبر (٧)

وقد يجيء «إمّا» عارية (٨) عن الواو ، كرواية قطرب :

__________________

(١) أي : انكح ، إمّا هذه المرأة أو تلك البعيدة فهنا لإفادة التخيير.

(٢) هذا للإباحة ، وللتقسيم نحو الكلمة إمّا اسم وإمّا فعل وإمّا حرف ، وللإبهام نحو أنا إمّا متزوج أو أعزب إذا أردت إخفاء أمرك على المخاطب والتشكيك كقولك فلان إمّا إلى الجنة وإمّا إلى النار ، والإضراب كقولك إني بلغت إمّا السبعين وإمّا الثمانين.

(٣) أي : مخالفتهم في عاطفية (امّا) هذه لأجل التخلّص من إشكال دخول عاطف على عاطف ، لأن الواو عاطف ، فإذا قلنا ان (إمّا) أيضا عاطف تورّطنا في هذا الإشكال.

(٤) إذا التقدير (إمّا بدار) فاستغني عنها (وإمّا بأموات).

(٥) مركبة من واو العطف وإن الشرطية ولا النافية.

(٦) والتقدير وامّا فاطرحنى.

(٧) في الأصل فإمّا جزعا وإمّا إجمال صبر فحذفت (ما) فإن أصل (إمّا) أن ما أدغمت النون في الميم.

(٨) أي : خالية عن الواو.

٣٥٦

لا تفسدوا آبالكم

أيمالنا أيمالكم (١)

وأول لكن نفيا أو نهيا ولا

نداء أو أمرا أو إثباتا تلا

(وأول لكن) (٢) عارية عن الواو (نفيا أو نهيا) وأتبعها بمفرد ، نحو «ما قام زيد لكن عمرو» و «لا تضرب زيدا لكن عمرا»

(و «لا» (٣) نداء أو أمرا أو إثباتا تلا) كـ «يا ابن أخي لا ابن عمّي» و «اضرب زيدا لا عمرا» و «قام زيد لا عمرو» ، وخالف ابن سعدان في الأوّل ، (٤) و «لا» مبتدأ خبره «تلا» النّاصب لما قبله (٥) مفعولا.

وبل كلكن بعد مصحوبيها

كلم أكن في مربع بل تيها

وانقل بها للثّان حكم الأوّل

في الخبر المثبت والأمر الجلي

(وبل كلكن بعد مصحوبيها ، (٦) كلم أكن في مربع بل تيها) و «لا تضرب زيدا بل عمرا» (وانقل بها للثّان حكم الأوّل) إذا وقعت (في الخبر المثبت والأمر الجلي) نحو «قام زيد بل عمرو» و «اضرب زيدا بل خالدا» ، (٧) وأجاز المبرّد كونها ناقلة في غير ما ذكر (٨).

__________________

(١) والأصل إمّا لنا وإمّا لكم وامّا غير (قطرب) فقرأ و (إما) لا (إيما).

(٢) أي : ضعها بعد نفي أو نهي.

(٣) (لا) عطف على (لكن) و (نداء) مفعول (تلا) أي : ولا تلا نداء أو أمرا أو إثباتا.

(٤) أي : في وقوعها بعد النداء.

(٥) أي : لما قبل تلا وهو (نداء) وما بعده.

(٦) أي : بعد مصحوبي لكن وهما النفي والنهي ، أي : مثل لكن في العطف ، ونفي حكم الأول عن الثاني.

(٧) فالقيام في الجملة الأولي ثابت لعمرو والضرب في الثانية ثابت لخالد.

(٨) أي : في النفي والنهي أيضا ، فيجوز في قولنا لا تضرب زيدا بل عمرا قصد نقل النهي إلى عمرو ، أي : لا تضرب عمرا أيضا وكذا النفى.

٣٥٧

فصل : الضّمير المنفصل والمنصوب المتّصل كالظّاهر في جواز العطف عليه من غير شرط (١).

وإن علي ضمير رفع متّصل

عطفت فافصل بالضّمير المنفصل

أو فاصل مّا وبلا فصل يرد

في النّظم فاشيا وضعفه اعتقد

(وإن علي ضمير رفع متّصل) بارز أو مستتر (عطفت فافصل) بينهما (بالضّمير المنفصل) نحو (كُنْتُمْ أَنْتُمْ) أو (آباؤُكُمْ)(٢)(٣)(اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ)(٤). (أو فاصل مّا) (٥) نحو (يَدْخُلُونَها وَمَنْ صَلَحَ)(٦)(٧)(ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا)(٨)(٩).

(وبلا فصل يرد) العطف (في النّظم فاشيا) وفي النّثر قليلا ، نحو :

[ورجي الأخيطل من سفاهة رأيه]

ما لم يكن وأب له لينالا (١٠)

وحكي سيبويه «مررت برجل سواء والعدم» (١١) (و) مع ذلك (ضعفه اعتقد) (١٢).

__________________

(١) أي : من غير شرط الفصل كما في المرفوع المتصل ، فالمنفصل نحو أنت وزيد عالمان وإياك والشر ، والمنصوب المتصل نحو نصرتك وزيدا.

(٢) عطف آبائكم على (تم) في كنتم وفصل (بأنتم) مثال للبارز ، والمثال الثاني للمستتر ، إذ المعطوف عليه فيه الضمير المستتر في (اسكن).

(٣) الأنبياء ، الآية : ٥٤.

(٤) البقرة ، الآية : ٣٥.

(٥) أي : أي فاصل كان ولو غير الضمير المنفصل.

(٦) عطف (من) على الواو في يدخلون ، والفاصل ضمير المفعول (ها).

(٧) الرعد ، الآية : ٢٣.

(٨) المعطوف آبائنا ، والمعطوف عليه (نا) في أشركنا والعاطف (لا) والفاصل واو الزائدة.

(٩) الأنعام ، الآية : ١٤٨.

(١٠) عطف (أب) على المرفوع المتصل في يكن من غير فصل.

(١١) عطف العدم على الضمير المستتر في سواء ، أي : سواء هو والعدم.

(١٢) أي : ومع أن سيبويه حكي ذلك عن العرب فهو ضعيف.

٣٥٨

وعود خافض لدي عطف على

ضمير خفض لازما قد جعلا

(وعود خافض لدي عطف علي ضمير خفض لازما قد جعلا) (١) عند جمهور البصريّين ، نحو (فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً)(٢) ، (نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ)(٣) وعلّلوه (٤) بأنّ ضمير الجرّ حينئذ شبيه بالتّنوين ومعاقب له فلم يجز العطف عليه كالتّنوين ، وبأنّ (٥) حقّ المعطوف والمعطوف عليه أن يصلحا لحلول كلّ واحد منهما محلّ الآخر ، وضمير الجرّ لا يصلح لذلك (٦) فامتنع إلّا بإعادة الجارّ. قال المصنف :

وليس عندي لازما إذ قد أتى

في النّظم والنّثر الصّحيح مثبتا

والفاء قد تحذف مع ما عطفت

والواو إذ لا لبس وهي انفردت

بعطف عامل مزال قد بقي

معموله دفعا لوهم اتّقي

(وليس عندي لازما) تبعا ليونس والأخفش والزّجّاج والكوفيّين لأنّ شبه

__________________

(١) يعني إذا عطفت على الضمير المجرور يجب إعادة الجارّ على المعطوف سواء كان الجار مضافا أو حرف جر كما تري في الآيتين الأولي لحرف الجر (ل) والثانية للمضاف (إله).

(٢) فصّلت ، الآية : ١١.

(٣) البقرة ، الآية : ١٣٣.

(٤) هذا التعليل خاص بالمجرور بالإضافة ، وحاصله أن ضمير الجر حين وقوعه مضافا إليه شبيه بالتنوين لاتصاله بالاسم وتمامية الاسم به وأنه خلف ومعاقب للتنوين لحذف التنوين عند الإضافة ، وكما لا يجوز العطف على التنوين بدون المنون فكذا لا يجوز العطف على الضمير المضاف إليه بدون المضاف.

(٥) هذا الدليل مشترك بين المجرور بالإضافة وحرف الجرّ وحاصله أن قاعدة العطف أن يصلح كل من المعطوف والمعطوف عليه وقوعه مقام الآخر ، بأن يتقدم المعطوف على المعطوف عليه ، وضمير الجر لا يصلح لذلك أي : لا يقع مقام المعطوف ، ففي مثل قولنا له ولزيد مال إذا لم نعد اللام صار له وزيد مال فإذا قدمنا المعطوف صار لزيد و (ه) مال فاستعمل الضمير المتصل منفصلا.

(٦) لكونه ضميرا متصلا ، فإن أخّرناه انفصل ولا يستعمل المتصل منفصلا.

٣٥٩

الضّمير بالتنوين ، لو منع من العطف عليه لمنع من توكيده والإبدال منه (١) كالتّنوين ، مع أنّ ذلك جائز بالإجماع ولأنّه لو كان الحلول (٢) شرطا في صحّة العطف لم يجز «ربّ رجل وأخيه» (٣) لامتناع دخول ربّ علي المعرفة ـ كما تقدّم ـ مع جوازه. وأيضا لنا السّماع (إذ قد أتي في النّظم والنّثر الصّحيح مثبتا) كقراءة حمزة وابن عبّاس والحسن ومجاهد وقتادة والنّخعي والأعمش وغيرهم (الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ)(٤)(٥) وحكاية قطرب «ما فيها غيره وفرسه (٦) وأنشأ سيبويه

[فاليوم قرّبت تهجونا وتشتمنا

فاذهب] فما بك والأيّام من عجب

(والفاء قد تحذف مع ما عطفت) إذا أمن اللّبس نحو (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ)(٧) أي فأفطر فعدّة.

(و) كذا (الواو) تحذف مع ما عطفت (إذ لا لبس) نحو (وَجَعَلَ لَكُمْ سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ)(٨) أي والبرد وقد يحذف العاطف [وحده] كقوله صلّي الله عليه وآله «تصدّق رجل من ديناره من درهمه من صاع برّه من صاع تمره» وحكاية أبي عثمان عن أبي زيد (أكلت خبزا لحما تمرا).

(وهى) أي الواو (انفردت بعطف عامل مزال) أي محذوف (وقد بقي معموله)

__________________

(١) أي : من الضمير كما لا يجوز تأكيد التنوين والإبدال منه مع أن تأكيد الضمير المجرور جائز نحو غلامك نفسك ، وكذا الإبدال منه نحو غلامك أنت.

(٢) أي : حلول كل واحد من المتعاطفين محل الآخر.

(٣) فإن مقتضي هذه القاعدة صحة أن تقول ربّ أخيه ورجل فدخل ربّ على المعرفة وهو ممتنع.

(٤) فعطف على الضمير المجرور بدون إعادة الجار ولم يقل (بالأرحام) وهذا مثال لحرف الجر.

(٥) النساء ، الآية : ١.

(٦) أي : وغير فرسه فلم يعد الجار وهو المضاف ، وهذا مثال للجر بالإضافة.

(٧) البقرة ، الآية : ١٨٤.

(٨) النحل ، الآية : ٨١.

٣٦٠