البهجة المرضيّة على ألفيّة ابن مالك

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي

البهجة المرضيّة على ألفيّة ابن مالك

المؤلف:

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة اسماعيليان للطباعة والنشر والتوزيع
المطبعة: وفا
الطبعة: ١٩
ISBN: 978-964-6397-13-2
الصفحات: ٥٩٠

وعلّله (١) ابن كيسان بأنّ المشار إليه بذا مفرد مضاف إلى المخصوص حذف وأقيم هو مقامه ، فتقدير «حبّذا هند» حبّذا حسنها مثلا ، وفهم من قوله «وأول» إلى آخره أنّ مخصوصها لا يتقدّم عليها وهو كذلك لما ذكر (٢). وقال ابن بابشاذ : لئلّا يتوهّم أنّ في «حبّ» ضميرا و «ذا» مفعول (٣).

وما سوي ذا ارفع بحبّ أو فجرّ

بالبا ودون ذا انضمام الحاكثر

(وما سوى) لفظ (ذا ارفع بحبّ) إذا وقع بعده علي أنّه فاعله نحو «حبّ زيد رجلا» (أو فجرّ بالباء) نحو :

[فقلت اقتلوها عنكم بمزاجها]

وحبّ بها مقتولة حين تقتل (٤)

(ودون) وجود (ذا انضمام الحاء) بضمّة منقولة من العين (٥) (كثر) كالبيت السّابق ، وفتحها ندر كقوله «وحبّ دينا» ، ومع ذا وجب. (٦)

__________________

(١) أى : عدم تغيره بأن المشار إليه بذا دائما مفرد مذكر وهو مضاف محذوف وليس المشار إليه بذا هذا المخصوص المذكور فى الكلام ليتغيّر بتغيّره.

(٢) أي : لأنه يضاهي المثل والمثل لا يتغيّر.

(٣) لأنّ الفعل إذا تقدم عليه فاعله الواقعي يستتر ضميره في الفعل والمخصوص فاعل لحبّ حقيقة فيتوّهم ذلك.

(٤) فالضمير المؤنث (ها) فاعل لحبّ مجرور بالباء.

(٥) أي : الباء الأول إذ الأصل حبّب على شرف نقل ضمة الباء الأول إلى الحاء فأدغم.

(٦) أي : إذا كان حبّ مع ذا وجب فتح الحاء.

٣٢١

هذا باب أفعل التّفضيل

صغ من مصوغ منه للتّعجب

أفعل للتّفضيل وأب اللّذ أبي

(صغ من) فعل (مصوغ منه) صيغة (للتّعجّب (١) أفعل للتّفضيل) نحو «هذا أفضل من زيد وأعلم منه» (وأب) أن يصوغ أفعل للتّفضيل من (اللّذ أبي) صوغ التّعجب منه ، فلا تصغه من غير فعل ولا من زائد علي ثلاثة إلي آخر ما تقدّم ، (٢) وشذّ «هو أقمن بكذا» و «أخصر منه» و «أبيض من اللّبن». (٣)

وما به إلي تعجّب وصل

لمانع به إلي التّفضيل صل

وأفعل التّفضيل صله أبدا

تقديرا او لفظا بمن إن جرّدا

(وما به إلى تعجّب (٤) وصل لمانع) من أشدّ (٥) وما جرى مجراه (به إلي التّفضيل

__________________

(١) أي : صغ أفعل التفضيل من فعل يصاغ منه فعل التعجّب بالشروط المذكورة في قول الناظم :

وصغهما من ذي ثلاث صرّفا

قابل فضل تم غير ذي انتفا

وفي البيت بعده.

(٢) في البيت الخامس والسادس من باب التعجّب.

(٣) أي : شذ صوغه من غير الفعل كاقمن فأنه مأخوذ من القمين ومن الزائد عن الثلاثة كأخصر فأنه مأخوذ من اختصر وكذا من فعل له وصف على أفعل كأبيض فإن وصفه الذي بمعني اسم الفاعل أبيض.

(٤) متعلق بوصل ، أي : ما توصّل به فيما لا يصلح صوغ فعل التعجّب منه لمانع مثل أن يكون اسما أو غير ثلاثي أو ناقصا فتوصّل به في أفعل التفضيل إذا أردت صوغه منها وما توصل به هناك (أشدّ وأكثر وما شابههما).

(٥) بيان لما.

٣٢٢

صل) لمانع (١) وأت بمصدر الفعل الممتنع الصّوغ منه بعده (٢) منصوبا علي التّمييز نحو «هذا أشدّ احمرارا من الدّم» (٣).

(وأفعل التّفضيل صله أبدا تقديرا أو لفظا بمن) الّتي لابتداء الغاية (٤) (إن جرّدا) من أل والإضافة نحو (أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً وَأَعَزُّ نَفَراً)(٥) أي أعزّ منك ، فإن لم يجرّد فلا ، (٦) وقوله :

ولست بالأكثر منهم حصى (٧)

[وإنّما العزّة للكاثر]

من فيه (٨) لبيان الجنس لا لابتداء الغاية.

وإن لمنكور يضف أو جرّدا

ألزم تذكيرا وأن يوحّدا

(وإن لمنكور يضف) أفعل التّفضيل (أو جرّدا) من أل والإضافة (ألزم تذكيرا

__________________

(١) أي : إن كان مانع من صوغ أفعل التفضيل منه.

(٢) الضمير في منه يعود إلى المصدر وفي بعده إلى أشدّ ، أي ائت بمصدر الفعل الذي لم يمكن صوغه من ذلك المصدر بعد أشدّ على التمييز.

(٣) هذا مثالان في مثال واحد لوجود ما نعين فيه أحدهما كونه زائدا على ثلاثة وثانيهما وجود وصف له على أفعل وهو أحمر.

(٤) الغاية هي طول المسافة أو الزمان أو ما نزّل منزلتهما ، والمراد بها هنا هو الأخير ، فإذا قلنا زيد أفضل من عمرو ، فقد فرضنا للفضل طولا وحدين يبتدء من عمرو وينتهي إلى زيد ، فمراد القائل أن الفضل حدّه الأدني في عمرو والأقصي في زيد.

(٥) الكهف ، الآية : ٣٤.

(٦) أي : فلا تصله بمن التي لابتداء الغاية.

(٧) فوصل (من) بأفعل مع عدم تجرّده.

(٨) أي : في قول الشاعر للجنس وعليه فضمير منهم يعود إلى قوم المخاطب وليس مفضّلا عليه ، ومن لبيان فاعل أكثر ، والمعني لست بالأكثر الذي هو قومك لا أنت وحدك وحصي بمعني إحصاءا وعددا وهو تمييز فلا يرد على المصنف لأن «من» التي لا تجتمع مع «أل» ، والإضافة التي لابتداء الغاية لا التي لبيان الجنس.

٣٢٣

وأن يوحّدا) وإن كان صاحب الصّفة بخلاف ذلك (١) نحو (لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا)(٢)(٣) «قل إن كان آبائكم وأبنائكم» إلي أن قال : (أَحَبَّ إِلَيْكُمْ)(٤)(٥).

وتلو أل طبق وما لمعرفة

أضيف ذو وجهين عن ذي معرفة

(وتلو أل) أي المعرّف بها (طبق) أي مطابق لموصوفه في الإفراد والتّذكير وفروعهما (٦) نحو : «زيد الأفضل» و «الزّيدان الأفضلان» و «الزّيدون الأفضلون» و «هند الفضلى» و «الهندان الفضليان» و «الهندات الفضليات والفضل». (٧)

(وما لمعرفة أضيف) فهو (ذو وجهين) مرويّين (عن ذي معرفة) وجه يجريه مجري المجرّد (٨) نحو (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ)(٩) وآخر يجريه مجري المعرّف بأل (١٠) نحو (أَكابِرَ مُجْرِمِيها)(١١).

هذا إذا نويت معني من وإن

لم تنوفهو طبق ما به قرن

__________________

(١) بأن يكون الموصوف مؤنّثا أو تثنية أو جمعا.

(٢) فأحبّ مفرد مذكر مع أن موصوفه أعني يوسف وأخوه متعدد.

(٣) يوسف ، الآية : ٨.

(٤) أحبّ مفرد مذكر مع أن موصوفه كما ترى جموع.

(٥) التوبة ، الآية : ٢٤.

(٦) فرع الإفراد التثنية والجمع ، وفرع التذكير التأنيث.

(٧) جمع ثان ، لفضلي مؤنث أفضل.

(٨) فيأتي مفردا مذكرّا ، وأن كان الموصوف بخلافه فأحرص مفرد مع أن موصوفه ضمير جمع وهو مضاف إلى المعرفة.

(٩) البقرة ، الآية : ٩٦.

(١٠) فيتبع موصوفه كما أن مجرمي المضاف إلى المعرفة تبع (أكابر) في الجمع والتذكير.

(١١) الأنعام ، الآية : ١٢٣.

٣٢٤

وإن تكن بتلو من مستفهما

فلهما كن أبدا مقدّما

كمثل ممّن أنت خير ولدى

إخبار التّقديم نزرا وردا

(هذا) الحكم (١) (إذا) قصدت بأفعل المذكور التّفضيل بأن (نويت معني من وإن) لم تقصده به بأن (لم تنو) معناها (فهو طبق ما به قرن) أي مطابق له كقولهم : «النّاقص والأشجّ أعدلا بني مروان» ولمّا كان لأفعل التّفضيل مع «من» شبه بالمضاف مع المضاف إليه (٢) كان حقّه أن لا يتقدّم عليه (و) لكن (إن تكن بتلو من مستفهما فلهما) أي لـ «من» وتلوها (كن أبدا مقدّما) على أفعل وجوبا لأنّ الاستفهام له الصّدر (كمثل ممّن أنت خير) أصله أخير ، ولا يكاد يستعمل ، (٣) وممّا جاء منه «بلال أخير النّاس وابن الأخير» وكذا شرّ (٤) وممّا جاء منه علي الأصل علي قراءة أبي قلابة (سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ)(٥).

(ولدي إخبار) (٦) بتلو «من» (التّقديم) لهما (نزرا وردا) كقوله :

__________________

(١) يعني جواز الوجهين في المضاف إلى المعرفة أنما هو فيما إذا قصد المتكلّم بأفعل تفضيل موصوفه على المضاف إليه كما في الآيتين ، فإن الناس فيهم صفة الحرص ، لكنّ اليهود أحرص منهم ، والمجرمين فيهم كبر ، ولكن بعضهم أكبر من بعض ، فتقدير الأولي (أحرص من الناس) والثانية (أكابر من مجرميها) وأما إن لم يكن مراد المتكلّم التفضيل كما في (أعد لابني مروان) إذ ليس في بني مروان عدل ليكونا أعدل منهم ، بل المراد هما عاد لابني مروان ، ففي مثل هذه الموارد تتبع الصفة موصوفها دائما.

(٢) فأفعل بمنزلة المضاف ومن بمنزلة المضاف إليه ، لأن (من) متمّم لأفعل ، كما أن المضاف إليه متمّم للمضاف.

(٣) أي : لا يستعمل أغير.

(٤) أي : أصله أشر ، ولا يكاد يستعمل.

(٥) القمر ، الآية : ٢٦.

(٦) مقابل الاستفهام ، فأن الاستفهام إنشاء ، والمراد أن مدخول «من» إذا لم يكن استفهاما لا يتقدّم على أفعل إلّا قليلا.

٣٢٥

[فقالت لنا أهلا وسهلا وزوّدت

جن ي النّخل] بل ما زوّدت منه أطيب(١)

تتمة : لا يفصل بين «أفعل» و «من» بأجنبيّ لما ذكر (٢) وجاء الفصل في قوله :

لأكلة من أقط بسمن

ألين مسّا في حشايا البطن

من يثر بيّات قذاذ خشن (٣)

ورفعه الظّاهر نزر ومتى

عاقب فعلا فكثيرا ثبتا

فصل : يرفع أفعل التّفصيل الضّمير المستتر في كلّ لغة (٤) (ورفعه الظّاهر نزر) لضعف شبهه باسم الفاعل (٥) ومنه حكاية سيبويه «مررت برجل أفضل منه أبوه» (٦)

(ومتي عاقب) أفعل التّفضيل (فعلا) بأن صلح إحلاله محلّه ، وذلك إذا سبقه نفي وكان مرفوعه أجنبيّا مفضّلا علي نفسه باعتبارين (٧) (فكثيرا) رفعه الظّاهر (ثبتا) نحو «ما من أيّام أحبّ إلي الله فيها الصّوم منه في عشر ذي حجّة» (٨) و «ما رأيت رجلا

__________________

(١) فتقدم منه على أطيب مع أن تلو «من» غير الاستفهام.

(٢) من شبههما بالمضاف والمضاف إليه ، فكما لا يفصل بين المضاف والمضاف إليه فكذا بين أفعل ومن.

(٣) ففصل بين ألين ومن يثر بيات.

(٤) فقولنا زيد أفضل من عمرو في (أفضل) ضمير مستتر يعود إلى زيد وهو فاعل له.

(٥) لاختلافه مع اسم الفاعل في المعنى ، لأن اسم الفاعل يدلّ على الحدث وصاحبه وأفعل يدلّ على أزيد من ذلك وهو التفاضيل.

(٦) فأبوه اسم ظاهر مرفوع بأفضل.

(٧) فهنا أربع شروط :

الأول : أن يصحّ من حيث المعني وقوع فعل محل أفعل في تلك الجملة.

والثانى : أن يكون مسبوقا بالنفى.

والثالث : أن يكون مرفوعه أجنبيّا.

والرابع : أن يكون المرفوع مفضلا على نفسه ، باعتبارين.

(٨) حاصل معني الجملة أن الصوم في سائر الأيام ليس بأحبّ عند الله من الصوم في عشر ذيحجة ، فالصّوم

٣٢٦

أحسن في عينه الكحل منه في عين زيد» ، (١) والأصل أن يقع هذا الظّاهر بين ضميرين أوّلهما للموصوف وثانيهما للظّاهر كما تقدّم ، (٢) وقد يحذف الضّمير الثّاني وتدخل «من» إمّا علي الظّاهر نحو «من كحل عين زيد» ، أو محلّه نحو «من عين زيد» أو ذي المحلّ نحو «من زيد».

كلن تري في النّاس من رفيق

أولي به الفضل من الصّدّيق

وممّا جاء من كلامهم (٣) «ما أحد أحسن به الجميل من زيد» (٤) والأصل «من حسن الجميل بزيد» (٥) أضيف الجميل إلى زيد (٦) ثمّ حذف.

__________________

في ساير الأيام مفضّل على الصوم في عشر ذيحجّة ولكن هذا التفضيل منفي بما.

وأما من جهة وقوع الفعل موقعه فبأن يقال ما من يوم يحبّ الله فيه الصوم أكثر من الصوم في عشر ذيحجّة ، والظاهر أي الصوم أجنبي عن الموصوف وهو (أيّام) لعدم اتصّال الصوم بضمير يعود إلى أيّام.

(١) فالظاهر المرفوع هو الكحل وهو أجنبي عن موصوفه (رجلا) وهو مفضّل حالكونه في عين أي رجل على كونه في عين زيد والتفضيل منفي بما ومعني الجملة أن الكحل في عين غير زيد ليس بأحسن من الكحل في عين زيد.

(٢) في المثالين فضمير (فيها) يعود إلى أيّام و (منه) إلى الصوم وضمير (عينه) إلى رجلا و (منه) إلى الكحل.

(٣) أي : من الموارد التي جاء رفع الاسم الظاهر بأفعل مع حذف الضمير الثاني من كلام النحاة.

(٤) فالظاهر المرفوع الجميل والضمير الثاني محذوف ، إذ الأصل الجميل منه بزيد ، وأصله بالنظر إلى المعني ووقوع الفعل مقامه (ما أحد يكون الجميل به أي الإحسان إليه أحسن من الجميل بزيد) فالجميل بأحد مفضّل وأحسن من الجميل بزيد لكن هذا التفضيل نفي بما.

(٥) زاد الشارح كلمة (حسن) ليكون متعلّقا للجار والمجرور (بزيد) ولذا حذف لما حذف الباء حين إضافة جميل إلى زيد.

(٦) هنا أمران على الطالب أن يسأل عنهما :

الأول : أنه كيف أضيف جميل إلى زيد ، مع أنّ الجميل ليس بزيد ، بل المراد جميل الغير بزيد ، أي : إحسان الناس إليه؟

والجواب : أنّ هذه الإضافة من باب إضافة اسم المصدر إلى مفعوله كقولنا عطاء الفقير المراد به عطاء

٣٢٧

ونظيره (١) قول المصنف : (كلن تري في النّاس من رفيق) أي صاحب (أولى (٢) به الفضل من) أبي بكر (الصّدّيق) إذ الأصل «أولي به الفضل من ولاية (٣) الفضل بالصّدّيق ثمّ من فضل الصّدّيق ثمّ من الصّدّيق.

خاتمة : أجمعوا على أنّ أفعل التفضيل يعمل في التّمييز والحال والظّرف (٤) وعلي أنّه لا يعمل في المفعول المطلق ولا في المفعول به وأمّا قوله تعالى (٥) : (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ)(٦) فـ «حيث» مفعول به لفعل مقدّر دلّ عليه «أعلم» (٧) أو مفعول به علي السّعة (٨) كذا قالوه.

__________________

الغير للفقير.

الأمر الثانى : أنه لم أضيف ثم حذف؟

والجواب : انّ الموجب للاضافة لزوم حذف الباء ، اذ لو لم يحذف البا لم يجز دخول من على زيد ، لعدم دخول من على الحرف ولو لا الإضافة لما حذف الباء.

(١) أي : نظير المثال السابق ، وهو ما أحد ... في جميع الخصوصيّات من رفع الظاهر وحذف الضمير والتقديرات.

(٢) (أولي) من الولاية ، وهي القرب ، والفضل الدرجة الرفيعة والمعني (لن تري من رفيق يكون الفضل أقرب إليه من قرب الفضل بالصّديق) فالمرفوع الفضل ، وهو مفضّل وأولى (حالكونه في الصديق) على الفضل في أبي بكر الصدّيق ، ونفي هذا التفضيل بإن ، فالمعنى ليس الفضل بأي صديق أولي من الفضل بأبي بكر.

(٣) زيادة كلمة ولاية لتعلّق الجار به كما مرّ ، والتقديرات عين التقديرات في مثال جميل فراجع.

(٤) فالأول نحو أنت أحسن الناس وجها.

والثانى : نحو زيد أشجع من عمرو راكبا.

والثالث : نحو فلان أصبر الناس عند الحوادث.

(٥) يعني بعد ما علمنا أن أفعل لا يعمل في المفعول به ليكون حيث مفعولا به ولا يصحّ أيضا أن يكون ظرفا لأعلم فأن الظرف يقتضي إحاطته بمظروفه وعلم الله لا يحاط بظرف لقوله تعالى ولا يحيطون بشيء من علمه ، فلذلك تخلّصوا من ذلك بتقدير فعل من مادّة (أعلم) ليكون مفعولا به لذلك الفعل.

(٦) الأنعام ، الآية : ١٢٤.

(٧) أي : يعلم.

(٨) يعني أن أفعل التفصيل وإن كان لا يعمل في المفعول به لكنّ (حيث) ظرف والظرف موسّع فيه فيجوز

٣٢٨

قال أبو حيّان : وقواعد النّحو تأباه ، (١) لنصّهم على أنّ «حيث» لا يتصرّف ، وأنّه لا يتوسّع إلّا في الظّرف المتصرّف.

قال : والظّاهر إقرارها (٢) علي الظّرفية المجازيّة (٣) وتضمين (٤) «أعلم» معني ما يتعدّي إلى الظّرف ، فالتّقدير : الله أنفذ علما حيث يجعل رسالته ، أي هو نافذ العلم (٥) في هذه المواضع.

__________________

أن يكون مفعولا به في مورد لا يجوز لغيره.

(١) أي : تمنع أن يكون حيث مفعولا به على السعة ، لأن الظروف التي يتوسّع فيها أنما هي الظروف المتصرفة مثل يوم وشهر ودار التي تثنّي وتجمع فتوسّع فيها بمعني أنّها تقع ظرفا وغير ظرف وتقع فيما لا يقع غيره وأما حيث فليست من الظروف المتصرفة فلا سعة فيها ليجوز وقوعها مفعولا به.

(٢) أي : إبقائها على الظرفيّة لا تغييرها إلى المفعول به.

(٣) الظرفية الحقيقيّة أن يكون العامل في الظرف هو الواقع فيه نحو جلست حيث جلس زيد ، فجلست عامل في حيث وواقع فيه أيضا ، والمجازية أن يكون العامل في الظرف شيئا والواقع فيه شيئا آخر ، كما نحن فيه ، فأن العامل في الظرف أعلم والواقع فيه انفذ.

وفي بعض النسخ (المجارية) بالراء المهملة وعليه فالمعني إبقائها على الظرفيّة الأصليّة المتعارفة لا الموسعّة المتسامحة ، فحيث ظرف حقيقي ولرفع الإشكال المذكور نتصرف في (أعلم) ونضّمّنها فعلا يمكن تعديته إلى الظرف وهو انفذ.

(٤) التضمين أن نذكر كلمة من فعل أو غيره ونقصد معها كلمة أخرى ، ونأتي مع المذكورة بما لا يلائمها ، بل يختصّ بتلك الكلمة كقوله سبحانه في من يأكل مال اليتيم : (انما يأكلون في بطونهم نارا) فالمذكور يأكلون ، ولكنّ تعديته إلى النار تدل على فعل آخر يلائم النار ، وهو (يجزون) والتقدير يأكلون مال اليتيم ويجزون نارا.

فهنا المذكور (أعلم) والمقصود في ضمنه انفذ بدليل حيث ، فأن حيث ظرف وأعلم لا يقع في الظرف ، فالمناسب أن نقدر (انفذ) في ضمن أعلم ليمكن وقوعه في الظرف.

(٥) إنّما أول انفذ بنافذ ، إذ لو بقى أفعل على معناه التفضيليّ للزم تصوّر وجود نفوذ علم لغير الله بجنب نفوذ علمه مع أن صفات المخلوقين لا تقاس بصفات الله ولا وجود لها دون وجودها ، لأنّ صفاته سبحانه موجودة بالذات وصفات غيره موجودة في ظلّ صفاته لا في عرضه وبجنبه وقوله هذه المواضع أي : مواضع جعل الرسالة.

٣٢٩

هذا باب النّعت

هو والوصف بمعنى ، ولمّا كان (١) أحد التّوابع بدأ بذكرها إجمالا ثمّ فصّل فقال :

يتبع في الإعراب الأسماء الأول

نعت وتوكيد وعطف وبدل

فالنّعت تابع متمّ ما سبق

بوسمه أو وسم ما به اعتلق

(يتبع في الإعراب الأسماء الأول) (٢) أربعة أشياء : (نعت ، وتوكيد وعطف ، وبدل) وسيأتي بيان كلّ.

(فالنّعت تابع) أي تال لا يتقدّم أصلا ، (٣) ، وهو جنس (متمّ) أي مكمل (٤) [ومبين] (ما سبق) (٥) فصل مخرج عطف النّسق والبدل

__________________

(١) أي : لأجل أنّ النعت كان واحدا من التوابع الأربعة اقتضي ذلك أن يبدء المصنف بذكر التوابع إجمالا ثمّ يشرع في ذكر كلّ واحد تفصيلا.

(٢) أي : الأسماء المتبوعة لها.

(٣) إشارة إلى أن قول المصنف (تابع) يستفاد منه أنه لا يتقدّم على متبوعه ، لأن معني التبعية التأخرّ.

(٤) فإن النعت وضع للدلالة على معني في متبوعه أو متعلق متبوعه فعالم في قولنا رجل عالم يزيد على رجل صفة العلم وكذا رجل عالم أبوه يخصّص الرجل بعلم أبيه بخلاف عطف النسق ، فإن التابع فيه مغاير ومباين للمتبوع ، وكذا البدل.

نعم قد يكون البدل متمّما للمبدل منه نحو أعجبني زيد علمه لكنه غير مراد للمتكلّم أصالة ، بل يستفاد منه التتميم عرضا.

(٥) أي : المتبوع.

٣٣٠

(بوسمه) (١) أي ما سبق ويسمّي نعتا حقيقتا (أو وسم ما به اعتلق) ـ ويسمّي سببيّا ـ وهذا فصل ثان (٢) يخرج التّأكيد والبيان.

وشمل قوله «متمّ (٣) ما سبق» ما يخصّصه نحو : (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ)(٤) وما يوضّحه نحو : «مررت بزيد الكاتب».

ويلحق به (٥) ما يمدحه أو يذمّه أو يرحّم عليه أو يؤكّده نحو (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ)(٦) ، «أعوذ بالله من الشّيطان الرّجيم» ، «أللهمّ أنا عبدك المسكين» ، «لا تتّخذوا إلهين اثنين» (٧).

__________________

(١) متعلّق بقوله متمّ يعني أن النعت يتمّ متبوعه إما بسبب كونه علامة لنفس المتبوع ، أو لكونه علامة لمتعلّق المتبوع ، فالأول نحو رأيت رجلا عالما والثاني نحو رأيت رجلا عالما أبوه ، فعالما في الثاني وإن كان في الواقع صفة للأب لكنه وسم لرجل إذ جعله ابن العالم ، ويسمي الثاني سببيّا لانّه يصير سببا لحصول صفة في متبوعه كابن العالم في المثال ونحو جائني رجل واسع داره ، فإن واسع وإن كان صفة حقيقة للدار لكنه تسّبب صفة لرجل أيضا وهو كونه (صاحب دار واسع).

(٢) يعني قوله (أو وسم ما به اعتلق) يخرج التأكيد والبيان لأنهما لا يأتيان لمتعلق متبوعهما.

(٣) يعني أن إتمام الصفة موصوفة قد يكون بتخصيصه إيّاه ، كما إذا كان الموصوف عامّا وأراد المتكلم نوعا خاصّا منه فيتم مراده بصفة فقوله سبحانه (تحرير رقبة) ناقص ، لأنّ الرقبة عامّة ، وليس المراد عمومه فأتمّه بمؤمنة ليخصّصه بالنوع المراد منها.

وقد يكون الإتمام بتوضيح الصفة موصوفها ، كما إذا كان الموصوف خاصّا ومعرفة لا يحتاج إلى التخصيص ، لكنّه باشتراكه بين متعدّد وضعا أوجب إبهاما للسامع فاحتاج إلى توضيح ، فإن زيد في المثال الثاني علم وخاص لكن المسمّي بزيد متعدّد ومشترك بين الكاتب وغيره ، فالكاتب موضح ورافع للإبهام.

(٤) النساء ، الآية : ٩٢.

(٥) الضمير يعود إلى (متم) وأنما كان النعت في هذه الموارد ملحقا بمتمّ ، لأنّ المنعوت فيها تام لا يحتاج تخصيص أو توضيح وأنما أتي بالنعت لأغراض أخر.

(٦) الحمد ، الآية : ٢.

(٧) (فربّ) مدح ، و (الرجيم) ذمّ ، و (المسكين) ترحّم ، و (اثنين) تأكيد لدلالة اللهين على اثنين.

٣٣١

وليعط في التّعريف والتّنكيرما

لما تلا كامرر بقوم كرما

(وليعط) أي النّعت سواء كان حقيقيّا أو سببيّا (في التّعريف والتّنكير ما) ثبت (لما تلا) أي لمتبوعه ، ويجب حينئذ (١) أن يكون المتبوع أعرف من النّعت أو مساويا له (كامرر بقوم كرما) و «بالرّجل الفاضل» (٢).

وهو لدي التّوحيد والتّذكير أو

سواهما كالفعل فاقف ماقفوا

(وهو) أي النّعت (لدي التّوحيد والتّذكير) أي عند ثبوتهما للمتبوع (أو سواهما) وهو التّثنية والجمع والتّأنيث (كالفعل) ، فإن رفع (٣) ضمير المنعوت المستتر وافقه في التّثنية والجمع أو الظّاهر أو الضّمير البارز فلا إلّا على لغة «أكلوني البراغيث» ، (٤) ويوافقه أيضا في التّأنيث إذا رفع ضميره ، (٥) وإلّا فعلي التّفضيل السّابق في باب الفاعل (٦) ، (فاقف ما قفوا) كـ «ابنين برّين شج قلبا هما» و «امرأتين

__________________

(١) بعد ما علم أن تعريف الصفة مأخوذ من تعريف المتبوع لقوله (ما ثبت لما تلا) فلا يجوز أن يكون التابع أعرف من متبوعه ، لكون تعريفه فرعا لتعريف المتبوع ، فيجب أن يكون المتبوع أعرف أو مساويا للنعت.

(٢) فالأول لتوافق النعت متبوعه في التنكير ، والثاني للتعريف وتراهما مساويين في التعريف لكونهما معرّفين بأل ولأعرفيّة المنعوت نحو رأيت زيدا الفاضل فإن تعريف زيد بالعلمية وهو أقوي من التعريف بأل.

(٣) أي : إن رفع النعت ضمير المنعوت المستتر نحو رجلا فاضلا ورجلين فاضلين ورجالا فضلاء ، وافق الصفة موصوفه ، وأن رفع الاسم الظاهر أو الضمير البارز لم يوافق فالأول نحو رأيت رجلين عالما أبوهما ، والثاني نحو جائني غلام رجلين ضاربه هما بجرّ ضارب صفة لرجلين وجائني غلام رجال ضار به هم ونحو رأيت زيدا والرجلين الضاربهما هو والمثال الأخير أمثل.

(٤) فإنّهم يتبعون الصفة الرافعة للظاهر موصوفها في التثنية والجمع فيقولون رأيت رجلين قائمين أبواهما كما يثنون ويجمعون الفعل الرافع للظاهر فيقولون أكلوني البراغيث.

(٥) أي : ضمير المنعوت المستتر ، نحو رأيت رجلا قائما وامرأة قائمة.

(٦) أي : إن رفع الظاهر أو الضمير البارز فعلى التفصيل السابق في اسم الفاعل فإن كان المرفوع مؤنّثا حقيقيّا

٣٣٢

حسن مرآهما» (١).

وانعت بمشتقّ كصعب ودرب

وشبهه كذا وذي والمنتسب

(وانعت بمشتقّ) وهو ما دلّ على حدث وصاحبه (٢) ، كأسماء الفاعل والمفعول والتّفضيل والصّفة المشبّهة (كصعب ودرب) بالدّال المهملة ، وهو الخبير بالأشياء المجرّب لها (وشبهه) وهو ما أقيم مقامه (٣) من الأسماء العارية عن الاشتقاق (كذا) (٤) المشار بها (وذي) بمعني صاحب (والمنتسب) نحو «رجل تميمي جاءني».

ونعتوا بجملة منكّرا

فأعطيت ما أعطيته خبرا

(ونعتوا بجملة) اسما (منكّرا) لفظا ، نحو : (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ)(٥)(٦) ، أو معني نحو :

__________________

وجب متابعة الصفة مرفوعه نحو رأيت رجلا أو امرأة عالمة أمّه أو أمّها وإن كان مجازيّا جاز الوجهان نحو رأيت رجلا أو امرأة طالعة يداه أو يداها أو طالعا يداه أو يداها ، والموافقة هنا بين الصفة ومرفوعها لا بينها وبين موصوفها فلا معني لتفصيل الشارح ، بل الصحيح أن يقال : وإلا فلا يوافق.

(١) فبريّن نعت لابنين موافق له لرفعه الضمير المستتر وشج أصله شجي كخشن حذفت الضمّة عن الياء لثقلها عليها ثم حذف الياء بالتقاء الساكنين وهو أيضا نعت لابنين لم يوافق الموصوف في التثنية لرفعه الظاهر (قلبا هما) وحسن نعت لامرأة لم يوافقها في التأنيث لرفعه الظاهر (مرآهما).

(٢) لم يقل وفاعله ليشمل اسم المفعول فإن صاحب الحدث يطلق على القائم به ، والواقع عليه.

(٣) أي : مقام المشتقّ.

(٤) أى : مثل ذا الذي ليس بمشتقّ ، ولكنه شبهه ، لأنه في تأويل المشتقّ (مشاربها) فيكون في تأويل اسم المفعول وذي في تأويل (صاحب) اسم فاعل وتميميّ المؤول بالمنتسب إلى تميم.

(٥) فترجعون جملة وهي صفة ليوما وهو نكرة لفظا.

(٦) البقرة ، الآية : ٢٨١.

٣٣٣

ولقد أمرّ علي اللّئيم يسبّني (١)

[فمضيت ثمّة قلت لا يعنيني]

(فأعطيت) حينئذ (٢) (ما أعطيته) حال كونها (خبرا) من الرّابط ومن تعلّقها بمحذوف وجوبا إذا كانت ظرفا أو جارّا ومجرورا أو غير ذلك (٣) ممّا سبق ذكره.

وامنع هنا إيقاع ذات الطّلب

وإن أتت فالقول أضمر تصب

(وامنع هنا إيقاع) الجملة (ذات الطّلب) (٤) وإن لم يمنع إيقاعها خبرا (وإن أتت) من كلامهم (٥) أي العرب (فالقول أضمر) نعتا (تصب) نحو :

[حتّي إذا جنّ الظّلام واختلط]

جاؤوا بمذق هل رأيت الذّئب قطّ (٦)

أي مقول فيه هل رأيت الذّئب قطّ.

ونعتوا بمصدر كثيرا

فالتزموا الإفراد والتّذكيرا

(ونعتوا بمصدر كثيرا) علي تقدير مضاف (فالتزموا) لذلك (الإفراد والتّذكيرا) له (٧)

__________________

(١) فيسبّني صفة للئيم واللئيم معرفة لفظا لدخول أل عليه لكنه نكرة معني لكون أل الداخلة عليه جنسا وليس المراد لئيما معيّنا.

(٢) أي : أعطيت الجملة حين وقوعها صفة كل ما أعطيته حين وقوعها خبرا.

(٣) كجواز حذف الرابط إذا كان معلوما نحو واتّقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس أي : لا تجزي فيه وكصحة تأويلها بالمفرد.

(٤) من أمر أو نهي أو استفهام فلا يقال مررت برجل أضربه.

(٥) أي : إن أتت جملة ذات الطلب صفة بحسب الظاهر فقدّر هناك القول ليكون الصفة القول المقدّر لا الجملة الطلبيّة.

(٦) فهل رأيت جملة طلبيّة لأنها استفهام وقعت صفة لمذق ، ولكن الصفة في التقدير مقول فيه لا الطلب (هل رأيت).

(٧) أي : يلزم في المصدر الصفة أن يكون مفردا مذكّرا دائما وإن كان موصوفه تثنية أو جمعا أو مؤنّثا.

٣٣٤

وإن كان المنعوت بخلاف ذلك كـ «امرأة رضى» وعدلين رضى ، (١) ولا ينعت بغير ما ذكر من الجوامد. (٢)

ونعت غير واحد إذا اختلف

فعاطفا فرّقه لا إذا ائتلف

(ونعت غير واحد) (٣) وهو المثنّى والمجموع ، ولا يكون (٤) [النّعت حينئذ] إلّا متعدّدا (إذا اختلف) معناه قطعا (فعاطفا) لبعضه علي بعض (فرّقه) نحو «مررت برجلين عالم وجاهل» و (لا) تفرّقه (إذا ائتلف) (٥) نحو «مررت برجلين عاقلين».

ونعت معمولي وحيدي معنى

وعمل أتبع بغير استثنا

(ونعت معمولى) عاملين (وحيدي معني وعمل أتبع بغير استثنا) نحو «ذهب زيد وانطلق عمرو والعاقلان» (٦) فإن اختلف العاملان معني وعملا أو في أحدهما (٧) وجب القطع.

وإن نعوت كثرت وقد تلت

مفتقرا لذكر هنّ أتبعت

__________________

(١) أي : امرأة ذات رضي وعدلين ذوي رضي فرضي مصدر وقع صفة وهو مفرد مذكر مع أن الموصوف في الأول مؤنّث وفي الثاني تثنية.

(٢) أي : غير شبه المشتق وغير المصدر.

(٣) أي : غير المفرد.

(٤) إذا كان المنعوت غير مفرد فلا محالة يكون النعت متعدّدا بتعدّد المنعوت.

(٥) أي : اتّفق معناه.

(٦) فالعاقلان نعت لزيد وعمرو وهما معمولا لذهب وانطلق وهما بمعني واحد.

(٧) فالمختلفان معني وعملا نحو جائني زيد وضربت عمرا منطلقين والمختلفان معني فقط ، نحو جائني زيد وأكرمني عمرو راكبين والمختلفان عملا فقط نحو مررت بزيد وجاوزت عمرا كاتبين.

٣٣٥

(وإن نعوت كثرت (١) وقد تلت) اسما (مفتقرا) في الإيضاح والتّعيين (لذكرهنّ أتبعت) وجوبا.

واقطع أو اتبع إن يكن معيّنا

بدونها أو بعضها اقطع معلنا

(واقطع أو اتبع إن يكن) المنعوت (معيّنا بدونها) كلّها (أو بعضها اقطع معلنا) إن كان معيّنا به (٢) دون غيره وأتبع الباقي بشرط تقديمه. (٣)

وارفع أو انصب إن قطعت مضمرا

مبتدأ أو ناصبا لن يظهرا

(وارفع أو انصب) النّعت (إن قطعت مضمرا) بكسر الميم (مبتدأ) رافعا له (أو) فعلا (ناصبا) له (لن يظهرا) أبدا. نحو «الحمد لله الحميد» أي هو ، (وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ)(٤) أي أذمّ.

__________________

(١) يعني إذا تعقب نعوت متعدده لمنعوت واحد فقد يكون المنعوت محتاجا في إيضاحه وتعيينه الجمع فهنا لا يجوز قطع أي واحد منها عن الوصفيّة ، بل يجب اتّباع الجميع نحو رأيت رجلا عالما خيّاطا شجاعا فيما إذا كان الرجل العالم متعدّدا ، وكذا العالم الخيّاط وكان العالم الخيّاط الشجاع منحصرا بواحد فالأجل معرفة الرجل يجب اتباعه النعوت الثلاثة ولا يجوز القطع.

وقد يكون المنعوت معيّنا بدون النعوت كلّها فيجوز اتباع الجميع وقطع الجميع ، وقد يكون محتاجا إلى بعض دون بعض فيجب اتّباع البعض المحتاج إليه ، وفي البعض المستغني عنه يجوز الأمران ، ففي المثال السابق أن عرف الرجل ، بدون النعوت جاز قطع الجميع ، وأن احتاج إلى (عالما) فقط وجب اتباعه وفي الأخيرين يجوز الأمران.

(٢) أي : إن كان معيّنا ببعض لا بالبعض المقطوع ليخلّ بالمعني وقوله دون غيره متعلّق بأقطع أي : أقطع البعض الذي يكون المنعوت معيّنا بدونه دون غير هذا البعض أي البعض المحتاج إليه بل اتّبع هذا البعض وهو المراد بالباقي.

(٣) أي : يجب تقديم الباقي وهو البعض المعيّن به وتأخير المقطوع.

(٤) تبّت ، الآية : ٤.

٣٣٦

وما من المنعوت والنّعت عقل

يجوز حذفه وفي النّعت يقلّ

(وما من المنعوت والنّعت عقل) أي علم (يجوز حذفه) (١) نحو (وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ)(٢).

[وقد كنت في الحرب ذا تدرء]

«فلم أعط شيئا ولم أمنع»

أي شيئا طائلا (و) لكنّ الحذف (في النّعت يقلّ) وفي المنعوت يكثر.

__________________

(١) أي : كلّ واحد من المنعوت والنعت إذا كان معلوما عند السامع يجوز حذفه ففي الآية المعلوم هو المنعوت أي (حور) وفي البيت النعت أي : (طائلا).

(٢) الصّافّات ، الآية : ٤٨.

٣٣٧

الثاني من التّوابع التوكيد

ويقال له التأكيد وهو ـ كما في شرح الكافية ـ تابع يقصد به كون المتبوع علي ظاهره (١).

بالنّفس أو بالعين الاسم أكّدا

مع ضمير طابق المؤكّدا

(بالنّفس أو بالعين) بمعني الذّات (ألاسم أكّدا) تأكيدا معنويّا يقتضي التّقرير (٢) (مع ضمير) متّصل بهما (طابق المؤكّدا) ـ بفتح الكاف ـ في إفراده وتذكيره وفروعهما كـ «جاء زيد نفسه متيّما بهند نفسها».

واجمعهما بأفعل إن تبعا

ما ليس واحدا تكن متّبعا

(واجمعهما) أي النّفس والعين (بأفعل إن تبعا ما ليس واحدا) أي مثنّي أو مجموعا ، فقل «جاء الزّيدان أنفسهما وأعينهما» (تكن متّبعا) للّغة الفصيحة ويجوز أن يؤتي بهما مفردين وهو دون الجمع (٣) فتقول «جاء الزّيدان نفسهما» ومثنّيين وهو

__________________

(١) أي : لم يصدر عن سهو وغلط أو تجوّز.

(٢) أي : يوجب تثبيت متبوعه.

(٣) في الفصاحة.

٣٣٨

دون الإفراد ، (١) فتقول «جاء الزّيدان نفساهما».

وكلّا اذكر في الشّمول وكلا

كلتا جميعا بالضّمير موصلا

(وكلا اذكر فى) التّأكيد المقتضي (الشّمول) (٢) أي العموم لجميع أفراد المؤكّد أو أجزائه (٣) (وكلا) و (كلتا) و (جميعا) قال المصنّف وأغفلها أكثر النّحويّين ، ونبّه سيبويه على أنّها (٤) بمنزلة كلّ معني واستعمالا ، ولم يذكر لها شاهدا من كلام العرب.

وائت (بالضّمير) المطابق (موصلا) بهذه الأربعة ، ك :

هم جميعهم لقوهم كلّهم

والدّار صارت كلّها محلّهم (٥)

واستعملوا أيضا ككلّ فاعلة

من عمّ في التّوكيد مثل النّافلة

(واستعملوا أيضا ككلّ) لفظا على وزن (فاعلة) مشتقّا (من عمّ في التّوكيد) فقالوا «جاء النّاس عامّة» ، وهو (مثل النّافلة) تاؤه تصلح للمذكّر والمؤنّث.

وبعد كلّ أكّدوا بأجمعا

جمعاء أجمعين ثمّ جمعا

ودون كلّ قد يجيء أجمع

جمعاء أجمعون ثمّ جمع

(وبعد كلّ أكّدوا بأجمعا) للمذكّر و (جمعاء) للمؤنّث و (أجمعين) للجمع

__________________

(١) فالتثنية في المرتبة الثالثة من الفصاحة.

(٢) مقابل مقتضي التقرير ، أعني النفس والعين.

(٣) فالأول نحو رأيت القوم كلهم ، والثاني نحو اشتريت الدار كلها ، أي : بجميع أجزائها.

(٤) أي : جميعا بمنزلة كل معني لكونها للشمول ككلّ واستعمالا في التبعية واتصال الضمير المطابق للمتبوع.

(٥) فجميعهم بالرفع تأكيد ل (هم) وكلهم بالنصب تأكيد ل (هم) في لقوهم ومعهما الضمير المطابق للمتبوع وكلها بالرفع تأكيد لفاعل (صارت) ومعه الضمير المؤنث المطابق لمتبوعه والأولان لشمول الأفراد والأخير للأجزاء

٣٣٩

المذكّر (ثمّ جمعا) لجمع المؤنّث ، ولا يؤكّد بها قبله عندهم (١).

(و) لكن (دون كلّ قد يجيء) في الشّعر (أجمع) و (جمعاء) و (أجمعون ثمّ جمع) كقوله :

[يا ليتني كنت صبيّا مرضعا

تحملني الذّلفاء حولا أكتعا]

[إذا بكيت قبّلتني أربعا]

إذا ظللت الدّهر أبكي أجمعا

والمختار جوازه في النّثر ، قال صلّي الله عليه وآله : «فله سلبه أجمع».

تتمة : أكّدوا بعد أجمع بأكتع فأبصع فأبتع وبعد جمعاء بكتعاء فبصعاء فبتعاء وبعد أجمعين بأكتعين فأبصعين فأبتعين وبعد جمع بكتع فبصع فبتع وشذّ مجيء ذلك على خلاف ذلك. (٢)

ثمّ إنّ النكرة إذا لم يفد توكيدها ـ بأن كانت غير محدودة كحين وزمان فلا يجوز [تأكيدها] باتّفاق.

وإن يفد توكيد منكور قبل

وعن نحاة البصرة المنع شمل

(وإن يفد توكيد منكور) بأن كان محدودا كيوم وشهر وحول (قبل) عند الكوفيّين. قال المصنف : هو (٣) أولي بالصّواب سماعا وقياسا ، ومنه :

يا ليتني كنت صبيّا مرضعا

تحملني الذّلفاء حولا أكتعا (٤)

(وعن نحاة البصرة المنع) من توكيد النكرة (شمل) لما أفاد أيضا.

__________________

(١) أي : لا يؤكد بهذه الأربعة قبل التأكيد بكل فلا يقال جاء القوم أجمعون كلّهم.

(٢) أي : مجيء هذه التأكيدات على خلاف هذا الترتيب.

(٣) أي : جواز تأكيد النكرة إذا كان مفيدا بأن كان محدودا أولي بالصواب لسماع ذلك من العرب ولكونه مطابقا لقواعد التأكيد.

(٤) فاكتع تأكيد لحول مع أنه نكرة.

٣٤٠