البهجة المرضيّة على ألفيّة ابن مالك

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي

البهجة المرضيّة على ألفيّة ابن مالك

المؤلف:

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة اسماعيليان للطباعة والنشر والتوزيع
المطبعة: وفا
الطبعة: ١٩
ISBN: 978-964-6397-13-2
الصفحات: ٥٩٠

الرّفع ومستوي الأمرين ، وعدم التّقدير أولى منه (١) نحو «زيد ضربته» (٢) ومنع بعضهم (٣) النّصب وردّ (٤) بقوله تعالى : (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها)(٥) (فما أبيح) لك (افعل ودع) أي أترك (ما لم يبح) (٦) لك ، وتقديمه (٧) واجب النّصب ثمّ مختاره (٨) ثمّ جائزه (٩) على السّواء ثمّ مرجوحه. (١٠).

أحسن (١١) كما قال من صنع (١٢) ابن الحاجب ، لأنّ الباب (١٣) لبيان المنصوب

__________________

فالراجح حينئذ الرفع لأن الرفع لا يستلزم التقدير لكونه مبتداء ولا يحتاج إلى عامل لفظي وأما النصب فيحتاج إلى التقدير لكونه مفعولا فيجب معه تقدير الفعل وعدم التقدير أولى من التقدير.

(١) من التقدير.

(٢) فرفع زيد أرحج من نصبه ، لأن رفعه على الابتداء ولا يلزم فيه تقدير فعل وأما النصب فعلي المفعولية والمفعول يحتاج إلى فعل مقدّر أي ضربت زيدا ضربته.

(٣) أي : وقال بعضهم أن الرفع ليس براحج فقط ، بل هو واجب ولا يجوز النصب في هذه الموارد.

(٤) أي : القول بوجوب الرفع لأنه ورد منصوبا في قوله تعإلى إذ قرء جنات بكسر التاء والكسر علامة النصب في الجمع المؤنث مع عدم موجب لشىء.

(٥) الرّعد ، الآية : ٢٣.

(٦) يعني ما بينا لك وفصلنا من الوجوه الخمسة المذكورة في إعراب الاسم المشتغل عنه هو المعيار الصحيح في مواردها وليس لك أن تتخلّف عن ذلك.

(٧) أي : المصنف.

(٨) أي : مختار النصب وراجحه في قوله واختير نصب إلى قوله مستقر أولا.

(٩) أي : جايز النصب مساويا مع الرفع من غير ترجيح لأحدهما من قوله وان تلا إلى آخر البيت.

(١٠) أي : مرجوح النصب وراجح الرفع في قوله والرفع في غير الذي مرّ رجح.

(١١) يعني تقديمه النصب ورعاية هذا الترتيب ابتداءا من الواجب وختما بالمرجوح أحسن وأصحّ كما فعل المصنف في أرجوزته هذه مما صنع ابن الحاجب فأنه قدم في الكافية مختار الرفع ثم مختار النصب ثم المتساوي فيه الأمران ثم واجب النصب وأنت تعلم أن باب الاشتغال أنما انعقد لبيان أحكام نصب المشتغل عنه وأنه لو لا اشتغال الفعلي بضميره لنصبه فحق الأولوية هنا للنصب ، والرفع أنما يؤتي به طردا للباب فتقديمه في كلام ابن الحاجب غير وجيه.

(١٢) متعلق بأحسن.

(١٣) أي : باب الاشتغال.

١٨١

منه (١) إنتهى. (٢) وكان ينبغي (٣) أن يؤخّر واجب الرّفع عنها (٤) لما ذكر. (٥)

وفصل مشغول بحرف جرّ

أو بإضافة كوصل يجرى

(وفصل) ضمير (مشغول) به عن الفعل (بحرف جرّ أو بإضافة) أي بمضاف (كوصل) (٦) فيما مضى (٧) (يجري) فيجب النّصب (٨) في نحو «إن زيدا مررت به أو رأيت أخاه أكرمك» والرّفع (٩) في نحو «خرجت فإذا زيد مرّ به عمرو أو رأى (١٠) أخوه» ، ويختار النّصب في نحو (١١) «زيدا أمرر به أو أنظر أخاه» والرّفع في نحو (١٢) «زيد مررت به أو رأيت أخاه» ، ويجوز الأمران على السّواء في نحو (١٣) «هند أكرمتها وزيد مررت به أو رأيت أخاه في دارها» (١٤) نعم (١٥) يقدّر الفعل من معنى

__________________

(١) يعنى أن الباب خاص لبيان القسم المنصوب من الاسم المشتغل عنه فينبغى تقديم النصب.

(٢) أي : انتهى كلامنا في بيان أحسنيه صنع المصنف من صنع ابن الحاجب.

(٣) أي : نعم يرد على المصنف في صنعه هذا أنه أدخل واجب الرفع بين صور النصب ولو أخّره عنها كان أحسن.

(٤) عن أقسام النصب.

(٥) من أن الباب لبيان المنصوب منه.

(٦) أي : لا فرق بين أن يكون الضمير المشتغل به متصلا بالفعل المشتغل نحو زيدا ضربته أو منفصلا عنه ، كما في مررت به ورأيت أخاه للفصل في الأول بحرف الجر والثاني بالمضاف.

(٧) من الصور الخمسة أي واجب النصب ومختاره ومتساوي الأمرين ومرجوح النصب وواجب الرفع.

(٨) لوقوع الاسم المشتغل عنه بعد ما يختص بالفعل وهو إن الشرطية.

(٩) أي : يجب الرفع لوقوع الاسم بعد ما يختص بالمبتدا وهو إذا الفجائية.

(١٠) يعنى أو تقول فإذا زيد رأى أخوه مثال للفصل بالمضاف.

(١١) لوقوع الاسم قبل فعل ذي طلب.

(١٢) لعدم وجود ما يوجب الصور الأربعة.

(١٣) لوقوع الاسم معطوفا بعد فعل هو خبر عن اسم حسب قوله وإن تلا المعطوف.

(١٤) مثال لما كان الفاصل مضافا.

(١٥) يعني أن هنا فرقا بين ما إذا كان الضمير متصلا بالفعل نحو زيدا ضربته وما إذا فصل بينها بحرف جر نحو

١٨٢

الظّاهر لا لفظه.

وسوّ في ذا الباب وصفا ذا عمل

بالفعل إن لم يك مانع حصل

(وسوّ في ذا الباب (١) وصفا ذا عمل بالفعل) فيما تقدّم (إن لم يك مانع حصل) (٢) نحو «أزيدا أنت ضاربه الآن أو غدا» ، بخلاف الوصف غير العامل كالّذي بمعنى الماضي أو العامل غير الوصف كاسم الفعل أو الحاصل فيه مانع كصلة الألف واللّام.

وعلقة حاصلة بتابع

كعلقة بنفس الاسم الواقع

(وعلقة حاصلة بتابع) (٣) للاسم الشّاغل للفعل (كعلقة) (٤) حاصلة (بنفس الاسم الواقع) الشّاغل للفعل ، فقولك «أزيدا ضربت عمرا وأخاه» كقولك «أزيدا ضربت أخاه» ، وشرط في التّسهيل أن يكون التّابع عطفا بالواو كما مثّلناه أو نعتا كـ «إنّ زيدا رأيت رجلا محبّه» (٥) وزاد في الارتشاف أن يكون عطف بيان كـ «أزيدا ضربت عمرا أخاه».

__________________

زيدا مررت به فإن الفعل المقدر في الأول بلفظ الفعل الظاهر وهو ضربت وأما في الثاني فالمقدر فعل بمعني الفعل الظاهر وهو جاوزت لأن الفعل الظاهر وهو مررت لازم فلا ينصب الاسم السابق.

(١) أي : باب الاشتغال لا فرق في أن يكون العامل فعلا كما مرّ أو وصفا عاملا.

(٢) كما إذا دخل عليه الألف واللام.

(٣) المراد بالعلقة هنا هو الرابط الحاصل بسبب الضمير بين الاسم السابق والفعل الواقع بعده ، والضمير الذي يحصل به العلقة قد يكون متصلا بالفعل نحو زيدا ضربته فالعلقة حاصلة بالفعل نفسه لاتصال الضمير الرابط به وقد تكون بالاسم الواقع بعد الفعل نحو زيدا ضربت أخاه وقد تكون حاصلة بتابع ذلك الاسم نحو زيدا ضربت عمروا وأخاه فالعلقة حصلت بأخاه وهو تابع للاسم الواقع بعد الفعل.

(٤) أي : لا فرق بين العلقتين ولا مانع من وجود الفصل بين العامل والضمير الرابط.

(٥) بشرط أن يكون الوصف بمعنى الحال أو الاستقبال لتكون الإضافة لفظية ولا يتعرف بالإضافة ، ولو كان بمعني الماضي فلا لعدم تطابق الصفة مع الموصوف.

١٨٣

هذا باب تعدّي الفعل ولزومه

وفيه رتب المفاعيل

علامة الفعل المعدّي أن تصل

ها غير مصدر به نحو عمل

(علامة الفعل المعدّى) أي المجاوز إلى المفعول به (أن تصل هاء) تعود على (غير مصدر) لذلك الفعل (به نحو عمل) فإنّك تقول : «الخير عملته» فتصل به هاء تعود على غير مصدره ، (١) واحترز بها (٢) عن هاء المصدر فإنّها توصل بالمتعدّي نحو «ضربته زيدا» أي الضّرب ، وباللّازم نحو «قمته» أي القيام.

تتمة : ومن علامته أيضا أن يصلح لأن يصاغ منه اسم مفعول تامّ كمقت فهو ممقوت. قال في شرح الكافية : «والمراد بالتّمام الاستغناء عن حرف جرّ ، فلو صيغ منه اسم مفعول مفتقر إلى حرف جرّ يسمّى لازما كـ «غضبت على عمرو فهو مغضوب عليه».

فانصب به مفعوله إن لم ينب

عن فاعل نحو تدبّرت الكتب

ولازم غير المعدّي وحتم

لزوم أفعال السّجايا كنهم

كذا افعللّ والمضاهي اقعنسسا

وما اقتضي نظافة أودنسا

__________________

(١) فإن الضمير في المثال عائد إلى الخبر.

(٢) أي : بهاء غير مصدر.

١٨٤

أو عرضا أو طاوع المعدّى

لواحد كمدّه فامتدّا

(فانصب به مفعوله) الّذي تجاوز إليه (إن لم ينب عن فاعل نحو تدبّرت الكتب) ومعلوم أنّه إن ناب عن فاعل رفع (و) فعل (لازم غير) (١) الفعل (المعدّى) وهو الّذي لا يتّصل به ضمير غير مصدر ويقال له أيضا «قاصر» و «غير متعدّ» و «متعدّ بحرف جرّ».

(وحتم لزوم أفعال السّجايا) جمع سجيّة وهي الطّبيعة (٢) (كنهم) إذا كثر أكله وظرف وكرم وشرف و (كذا) حتم لزوم ما كان على وزن (افعللّ) بتخفيف اللّام الأولى وتشديد الثّانية ، كاقشعرّ (٣) واطمأنّ (و) كذا افعنلل (المضاهي اقعنسسا) وهو احرنجم (٤) ، وكذا ما ألحق بافعللّ وافعنلل كاكوهد (٥) وهو احرنبأ (٦) (و) كذا حتم لزوم (ما اقتضى نظافة) كطهر ونظف (أو دنسا) كدنس ووسخ ونجس (أو) اقتضى (عرضا) أى معنى غير لازم كمرض وبرئ وفرح (أو طاوع) فاعله فاعل الفعل (المعدّى لواحد كمدّه فامتدّا) ودحرجته فتدحرج (٧) والمطاوعة قبول المفعول فعل الفاعل (٨) فإن

__________________

(١) يعني بعد ما بيّنا علامة الفعل المتعدي فلا حاجة إلى تعريف الفعل اللازم فما لم تكن فيه علامة المعدي فهو لازم.

(٢) الصفات الذاتية التي لا تستلزم حركة الجسم.

(٣) اقشعر جلده أي أخذته قشعر يرة وهي ارتفاع شعره واطمئن أي سكن.

(٤) يقال حرجمت الإبل فإحر نجمت أي رددت بعضها على بعض فارتدت ومعنى اقعنسس تأخر ورجع إلى خلف.

(٥) يقال اكوهد الفرخ إذا ارتعد.

(٦) يقال احرنبأ الديك إذا انتفش وتهيأ للقتال.

(٧) دحرجته حركته على نحو الاستدارة.

(٨) فدائما يكون أوّل مفعول في الفعل المطاوع بالفتح فاعلا في الفعل المطاوع بالكسر فإن كان للمطاوع بالفتح مفعول ثان كان المطاوع بالكسر متعديا وإلا فلازم فاكتسا متعدّ لأن كسي ذو مفعولين وتدحرج لازم لان دحرج ذو مفعول واحد.

١٨٥

طاوع المعدّى لاثنين كان متعدّيا لواحد نحو «كسوت زيدا جبّة فاكتساها».

وعدّ لازما بحرف جرّ

وإن حذف فالنّصب للمنجرّ

(وعدّ) فعلا (لازما) إلى المفعول به (بحرف جرّ) نحو «عجبت من أنّك قادم» و «فرحت بقدومك» ، وعدّه (١) أيضا بالهمزة نحو «أذهبت زيدا» وبالتّضعيف نحو «فرّحته».

(وإن حذف) حرف الجرّ (فالنّصب) ثابت (للمنجرّ). (٢)

ثمّ هذا الحذف ليس قياسا.

نقلا وفي أنّ وأن يطّرد

مع أمن لبس كعجبت أن يدوا

بل (نقلا) عن العرب يقتصر فيه على السماع كقوله :

تمرّن الدّيار (٣) [ولم تعوجوا

كلامكم علىّ إذا حرام]

وقد يحذف (٤) ويبقى الجرّ كقوله :

[إذا قيل أي النّاس شرّ قبيلة]

أشارت كليب (٥) بالأكفّ الاصابع

(و) حذف حرف الجرّ (في أنّ وأن) المصدريّتين (يطّرد) ويقاس عليه (مع أمن لبس كعجبت أن يدوا) (٦) أي يعطوا الدّية ، و «عجبت أنّك قائم» أي من أن يدوا ومن

__________________

(١) أي : الفعل اللازم.

(٢) أي : للاسم المجرور.

(٣) أي : تمرون بالديار ويسمي منصوبا بنزع الخافض.

(٤) يعني حرف الجر.

(٥) أي : إلى كليب فحذف الجار وبقي الجر.

(٦) جمع مذكر من مضارع ودي حذف نونه للنصب.

١٨٦

أنّك قائم. ومحلّ أنّ وأن حينئذ (١) نصب عند سيبويه والفرّاء وجرّ عند الخليل والكسائي ، قال المصنّف : ويؤيّد قول الخليل ما أنشده الأخفش :

وما زرت ليلى أن تكون حبيبة

إلىّ ولا دين بها أنا طالبه

بجرّ المعطوف (٢) على : «أن تكون» ، فعلم أنّها (٣) في محلّ جرّ ، فإن لم يؤمن اللّبس ، لم يطّرد الحذف (٤) نحو «رغبت في أنّك تقوم» إذ يحتمل (٥) أن يكون المحذوف «عن» ولا يلزم من عدم الإطّراد ـ أي القياس ـ عدم الورود فلا يشكل بقوله تعالى (وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَ)(٦) فتأمّل. (٧)

فصل : في رتب المفاعيل وما يتعلّق بذلك

والأصل سبق فاعل معنى كمن

من ألبسن من زاركم نسج اليمن

(والأصل سبق) مفعول هو (فاعل معنى) مفعولا ليس كذلك (٨)

__________________

(١) أي : حين حذف الجار نصب لنزع الخافض وجرّ لتقدير حرف الجرّ كما في أشارت كليب ويظهر أثر هذا الخلاف في التابع.

(٢) وهو دين أي لان تكون.

(٣) أي : (أن تكون) في محل جرّ فإن تابعها مجرور.

(٤) أي : ليس الحذف على القاعدة والقياس بل لو وقع حذف حينئذ فهو سماع.

(٥) يعني إذا حذف الجار وهو (في) احتمل أن يكون المحذوف (عن) مع التباعد بين معنييهما إذ الرغبة في شىء هي التعلق به وحبّه والرغبة عنه هو التنفر عنه فيجب ذكر الجار ليؤمن اللبس.

(٦) النساء ، الآية : ١٢٧.

(٧) الظاهر في وجه التأمّل أن الآية ليست من موارد الالتباس لوجود القرينة فيها على أن المحذوف هو عن لا في وذلك لأنها في مقام توبيخ من يترك الضعفاء محرومين عن المزايا الاجتماعية بذنب أنهم ضعفاء فأن يتامي النساء هي الأرامل اللاتي لا وإلي لهنّ فالتقدير والله العالم وترغبون عن أن تنكحوهن أي تتنفرون عن نكاحهن ويشهد لذلك عطف المستضعفين من الولدان عليها.

(٨) أي : ليس فاعلا معني.

١٨٧

(كمن (١) من) قولك (ألبسن من زاركم نسج اليمن) ومن ثمّ (٢) جاز «ألبسن ثوبه زيدا» وامتنع (٣) «أسكن ربّها الدّار».

ويلزم الأصل لموجب عرى

وترك ذاك الأصل حتما قديرى

(ويلزم) هذا (الأصل (٤) لموجب عرى) أي وجد ، كأن خيف لبس الأوّل بالثاني نحو «أعطيت زيدا عمرا» (٥) أو كان الثانى (٦) محصورا نحو «ما أعطيت زيدا إلّا درهما» ، أو ظاهرا (٧) والأوّل مضمرا نحو «أعطيتك درهما». (وترك ذاك الأصل (٨) حتما قد يرى) لموجب ، كأن كان الأوّل محصورا نحو «ما أعطيت الدّرهم إلّا زيدا» وظاهرا (٩) والثاني ضميرا نحو «الدّرهم أعطيته زيدا» ، أو فيه (١٠) ضمير يعود على الثاني كما تقدّم. (١١)

__________________

(١) فإنه فاعل من المعنى في المثال لان من لابس ونسج اليمن ملبوس.

(٢) أي : من أجل تقدم المفعول الذي هو فاعل معني على المفعول الذي ليس كذلك جاز عود الضمير إلى المتأخّر في البسن ثوبه زيدا لأن مرجع الضمير وهو زيد وإن كان متاخرا لفظا إلّا أنه متقدم رتبة لكونه فاعلا في المعني.

(٣) لأن الضمير في ربها يعود إلى الدار والدار متأخر لفظا ورتبة لكونها مفعولا في المعني لأنها مسكونة تقول سكنت الدار.

(٤) وهو تقدم المفعول الذي هو فاعل معني.

(٥) لا مكان أن يكون كل منهما معطيا ومعطي فيقدم المفعول الذي هو معط ليعرف بتقدمه المكاني تقدمه الرتبي.

(٦) أي : الذي هو مفعول معني.

(٧) يعني أو كان الثاني اسما ظاهرا والأوّل الذي هو فاعل معني ضميرا.

(٨) فيجب تقديم المفعول الذي هو مفعول على الذي فاعل معني.

(٩) أي : الأوّل.

(١٠) أي : في الأول إذ لو تقدم الأول لعاد الضمير إلى المتأخر لفظا ورتبة كما في مثال اسكن ربها الدار فاللازم تقديم الدار مع أنها مفعول ثان.

(١١) يعني قوله وامتنع اسكن ربها الدار.

١٨٨

وحذف فضلة أجز ان لم يغر

كحذف ما سيق جوابا أو حصر

(وحذف) مفعول (فضلة) (١) بأن لم يكن أحد مفعولي ظنّ ، لغرض (٢) إمّا لفظيّ كتناسب الفواصل (٣) والإيجاز ، (٤) وإمّا معنويّ (٥) كاحتقاره (أجز) نحو (ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى)(٦)(٧) ، (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا)(٨)(٩) ، (كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي)(١٠)(١١) ، وهذا (١٢) (إن لم يضر) بفتح أوّله (١٣) وتخفيف الرّاء فإن ضار أي ضرّ (كحذف (١٤) ما سيق جوابا) للسّائل (أو) ما (حصر) لم يجز كقوله زيدا لمن قال «من ضربت» ونحو «ما ضربت إلّا زيدا» فلو حذف في الأوّل لم يحصل جواب (١٥) ولو

__________________

(١) أي : ليس ركنا في الكلام بأن يكون مبتدا في الأصل أو خبرا.

(٢) أي : الحذف لا بد أن يكون لغرض.

(٣) جمع الفاصلة وهي أواخر الآيات.

(٤) أي : الاختصار كما مثل بقوله سبحانه فإن لم تفعلوا.

(٥) أي : الحذف لغرض معنوي كاحتقاره بأن يريد المتكلم أن يبيّن أن المفعول من جهة حقارته غير قابل للذكر كما مثل بقوله تعإلى لأغلّبن فإن الأصل لأغلبن الكافرين حذف المفعول وهو الكافرين لغرض تحقيرهم.

(٦) مثال للحذف لتناسب الفواصل فأن الأصل وما قلاك حذف المفعول وهو الكاف لتناسب الفاصلة قبلها وهو سجي.

(٧) الضحى ، الآية : ٣.

(٨) مثال للايجاز.

(٩) البقرة ، الآية : ٢٤.

(١٠) مثال للحذف احتقارا.

(١١) المجادلة ، الآية : ٢١.

(١٢) أي : جواز حذف المفعول مشروط بأن لا يضر.

(١٣) أي : فتح الياء من ضار يضير ومنه قولهم لا ضير أي لا ضرر.

(١٤) قيد للمنفي في لم يضر يعني الذي يصير كحذف مفعول أتي به جوابا للسائل.

(١٥) للسائل فيبقي سؤاله بلا جواب.

١٨٩

حذف في الثّاني (١) لزم نفي الضّرب مطلقا (٢) ، والمقصود نفيه مقيّدا.

ويحذف النّاصبها إن علما

وقد يكون حذفه ملتزما

(ويحذف) الفعل (النّاصبها) أي النّاصب الفضلة (٣) جوازا (إن علما) كأن كان ثمّة قرينة حاليّة (٤) كانت كقولك لمن تأهّب (٥) للحجّ «مكّة» أي تريد مكّة أو مقاليّة (٦) كـ «زيدا» لمن قال «من ضربت».

(وقد يكون حذفه ملتزما) كأن فسّره (٧) ما بعد المنصوب كما في باب الاشتغال أو كان نداء (٨) أو مثلا (٩) كـ «الكلات على البقر» أي أرسل أو جاريا مجراه (١٠) ك (انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ)(١١) أي وائتوا.

__________________

(١) وهو ما ضربت إلا زيدا.

(٢) فالباقي بعد حذف المفعول ما ضربت ومعناه إني لم أضرب مطلقا لا زيدا ولا غيره مع أن المراد نفي الضرب عن غير زيد لا مطلقا بحيث يشمل زيدا أيضا.

(٣) أي : الفعل الذي مفعوله فضلة لا ما يكون مفعوله مبتدا وخبرا كأفعال القلوب.

(٤) بمشاهدة وغيرها.

(٥) أي : تهيأ تقول له مكة فالفعل المحذوف وهو تريد معلوم للمخاطب لأنه بتهيوئه مريد لها.

(٦) أي : القرينة متخذة من القول لا من الحال فأن (ضربت) المحذوف معلوم من قول القائل من ضربت.

(٧) أي : فسر الفعل المحذوف الفعل الذي ما بعد المفعول نحو زيدا ضربته لعدم جواز الجمع بين المفسّر والمفسّر.

(٨) نحو يا عبد الله لأن حرف النداء عوض عن ادعوا المحذوف ولا يجوز الجمع بين العوض والمعوّض.

(٩) المثل هو الجملة المعروفة بين الناس يستعملونها في المورد المناسب لها والمثل لا يجوز تغييره كقولهم في الصيف ضيّعت اللبن بكسر التاء ولو كان المخاطب مذكرا فالمحذوف في مثال الكلاب على البقر وهو أرسل لا يجوز ذكره لعدم ذكره في الأصل فلا يجوز تغييره.

(١٠) بأن يكون المحذوف عامله في جملة ليست بمثل ولكن يستفاد منها ويصح الاستشهاد بها كما يستفاد من المثل لكونها جملة معتبرة قوية من حيث المعني وتقدير الآية على ما يقال ، وأتوا خيرا لكم.

(١١) النساء ، الآية : ١٧١.

١٩٠

هذا باب التّنازع في العمل

ويسمّى أيضا باب الإعمال (١) وهو ـ كما يؤخذ (٢) ممّا سيأتي أن يتوجّه عاملان ليس أحدهما مؤكّدا للآخر (٣) إلى معمول واحد (٤) متأخّر عنهما نحو «ضربت وأكرمت زيدا» وكلّ واحد من ضربت واكرمت يطلب زيدا بالمفعولية.

إن عاملان اقتضيا في اسم عمل

قبل فللواحد منهما العمل

(إن عاملان) فعلان أو اسمان أو اسم وفعل (اقتضيا) أي طلبا (في اسم عمل) رفعا أو نصبا أو طلب أحدهما رفعا والآخر نصبا ، وكانا (قبل (٥) فللواحد منهما العمل) بالاتّفاق ، إمّا الأوّل أو الثّاني ، مثال ذلك على إعمال الأوّل (٦) «قام وقعدا أخواك» ، «رأيت

__________________

(١) بكسر الهمزة.

(٢) يستفاد.

(٣) نحو قعد قعد زيد فليس من التنازع بل العمل للأول والثاني تكرار للعامل.

(٤) فخرج بذلك نحو ضربت زيدا وأكرمت عمرا لتوجه كل عامل إلى معمول غير ما يتوجه اليه الآخر وقوله إلى معمول متعلق بيتوجه.

(٥) أي : قبل ذلك الاسم.

(٦) هنا أربعة أمثلة :

الأول : لما إذا كان العاملان كلاهما يطلبان الرفع.

١٩١

وأكرمتهما أبويك» (١) «ضربني وضربتهما الزيدان» ، «ضربت وضربوني الزّيدين» ، ومثاله على إعمال الثّاني (٢) «قاما وقعد أخواك» ، «رأيت وأكرمت أبويك» ، «ضرباني وضربت الزّيدين» «ضربت وضربني الزّيدون». وهذا في غير فعل التّعجّب ، أمّا هو فيتعيّن فيه إعمال الثّاني كما اشترطه (٣) المصنّف في شرح التّسهيل في جواز التّنازع فيه خلافا لمن منعه كـ «ما أحسن وأعقل زيدا». (٤)

والثّان أولى عند أهل البصرة

واختار عكسا غيرهم ذا أسرة

(و) إعمال (الثّاني أولى) من إعمال الأوّل (عند أهل البصرة) لقربه (٥) (واختار عكسا) وهو إعمال الأوّل لسبقه (٦) (غيرهم) أي أهل الكوفة حال كونهم (ذا أسرة) أي صاحب جماعة قويّة.

__________________

والثاني : لما يطلبان النصب.

والثالث : فيما طلب الأول الرفع والثاني النصب.

والرابع : عكس الثالث وفي الأمثلة الأربعة تري الفعل الثاني متحملا للضمير ليعلم أنه لم يعمل في الاسم الظاهر والأول خال عن الضمير ليعمل في الظاهر.

(١) لا يقال أن الضمير في أكرمتهما يعود إلى المتأخر لفظا وربتة لأن المرجع وهو أبويك معمول للعامل المتقدم فهو متقدم على الضمير لتقدم عامله.

(٢) الأمثلة بعينها على النسق الأول إلّا أن العامل المتحمل للضمير هنا هو الأول وأمّا الثاني فهو فارغ ليعمل في الظاهر نعم في المثال الثاني كلاهما فارغان وذلك لما يأتي قريبا في قول الناظم (ولا تجىء مع أول قد أهملا) والسر فيه الاجتناب من عود الضمير إلى المتأخر لفظا ورتبة ويجوز حذف الفضلة كما تعلم.

(٣) أي : اشترط المصنف إعمال الثاني في جواز تنازع التعجب بمعني أنه لا تنازع في فعل التعجب إلّا بشرط إعمال الثاني خلافا لمن منع النتازع في التعجب مطلقا.

(٤) هنا أيضا الفعل المهمل وهو الأول فارغ عن الضمير لقوله فيما بعد (ولا تجىء ...)

(٥) أي : لقرب العامل الثاني من الاسم الظاهر لاتصاله به.

(٦) أي : لأنه اقتضي العمل في الظاهر قبل أن يأتي العامل الثاني فالأوّل سبق الثاني في العمل.

١٩٢

وأعمل المهمل في ضمير ما

تنازعاه والتزم ما التزما

كيحسنان ويسىء ابناكا

وقد بغي واعتديا عبداكا

(وأعمل المهمل) من العمل في الاسم الظّاهر (١) (في ضمير ما تنازعاه) وجوبا إن كان ما يضمر ممّا يلزم ذكره ، كالفاعل (٢) (والتزم ما التزما) من مطابقة الضّمير (٣) للظّاهر في الإفراد والتّذكير وفروعهما (٤) (كيحسنان ويسيء ابناكا) فابناكا تنازع فيه يحسن ويسيء فأعمل يسيء فيه (٥) وأضمر في يحسن الفاعل (٦) ولم يبال بالإضمار قبل الذّكر (٧) للحاجة إلّيه. (٨) كما في «ربّه رجلا (٩) زيد».

ومنع جواز مثل هذا (١٠) الكوفيّون ، وجوّز الكسائي (١١) «يحسن ويسيء ابناك» بناء على مذهبه من جواز حذف الفاعل وجوّزه (١٢) الفرّاء بناء على مذهبه من توجّه العاملين معا إلى الاسم الظاهر وجوّز الفرّاء أيضا أن يؤتى بضمير الفاعل مؤخّرا نحو

__________________

(١) متعلق بالعمل وفي ضمير متعلق بأعمل.

(٢) نحوق أما وقعد الزيدان بخلاف ما لا يلزم كالمفعول نحو رأيت واكرمت ابويك.

(٣) الذي أعمل المهمل فيه.

(٤) أي : فروع الأفراد والتذكير وهي التثنية والجمع والتأنيث.

(٥) أي : في ابناكا.

(٦) أي : أضمر فيه ضمير الفاعل وهو ألف التثنية.

(٧) أي : أضمر فيه ضمير الفاعل وهو ألف التثنية.

(٨) أي : إلى الإضمار قبل الذكر.

(٩) فقد عاد الضمير في ربه إلى رجلا وهو متأخر.

(١٠) أي : الإضمار قبل الذكر لعدم تجويزهم الإضمار قبل الذكر مطلقا.

(١١) وهو من الكوفيين فحيث إنه من المانعين للإضمار قبل الذكر حذف الضمير من يحسنان ولا محذور عنده لأن مذهبه جواز حذف الفاعل.

(١٢) الضمير يعود إلى يحسن ويسيء يعني جوز الفراء مثل هذا المثال أي بغير ضمير في أحدهما بناء على مذهبه من توجه عاملين إلى معمول واحد لعدم وجود عامل مهمل حينئذ يتحمل الضمير.

١٩٣

«يحسن ويسيء ابناك هما» (وقد بغى واعتديا عبداكا) (١) فـ «عبداكا» تنازع فيه بغى واعتدى ، فأعمل فيه الأوّل وأضمر في الثّاني (٢) ولا محذور (٣) لرجوع الضّمير إلى متقدّم في الرّتبة ، فأن اعملت الأوّل واحتاج الثاني إلى منصوب وجب أيضا إضماره (٤) [في الثاني] نحو «ضربني وضربته زيد». وندر (٥) قوله :

بعكاظ يغشي النّاظرين

إذا هم لمحوا شعاعه

ولا تجىء مع أوّل قد أهملا

بمضمر لغير رفع أوهلا

بل حذفه الزم إن يكن غير خبر

وأخّرنه إن يكن هو الخبر

(ولا تجيء مع أوّل (٦) قد أهملا) من العمل (بمضمر لغير رفع أوهلا بل حذفه) أي مضمر غير الرّفع (الزم إن يكن) فضلة بأن لم يوقع (٧) حذفه في لبس وكان (غير خبر) (٨) وغير مفعول أوّل لـ «ظنّ» نحو «ضربت وضربني زيد» وندر المجيء

__________________

(١) بإعمال الأول وإهمال الثاني عكس الأول.

(٢) أي : أضمر عبدا كافي العامل الثاني وهو اعتديا.

(٣) أي : لا مانع من عود الضمير في اعتديا إلى المتأخر وهو عبداكا لأنه وإن كان متأخرا لفظا إلّا أنه متقدم رتبة لكونه فاعلا.

(٤) وهنا وإن كان مرجع الضمير متأخرا لفظا ورتبة ظاهرا إلا إنك بعد التأمل تعلم أنه متقدم رتبة لما قلنا فى تعليقتنا على قوله رأيت وأكرمتهما أبويك من تقدم رتبته وإن كان مفعولا وذلك لتقدم عامله.

(٥) إعمال الأول وخلو الثاني من الضمير فأن شعاعه متنازع فيه بين يغشي ولمحوا والعمل ليغشي لرفع شعاع فاعلا له والعامل المهمل وهو لمحوا خال من الضمير وكان من حقه أن يتحمل ضمير شعاعه.

(٦) يعني إذا أهمل الأول وأعمل الثاني وطلب الأول ضميرا منصوبا لكونه فعلا وفاعلا كما مر في مثال رأيت وأكرمت أبويك فلا تأت بذلك الضمير المنصوب فأنه يلزم عود الضمير إلى المتأخر لفظا ورتبة.

(٧) بيان للمراد من الفضلة وأن المراد منها هنا ما أوجب حذفه خللا في الكلام فيشمل ما كان ركنا وما أوجب حذفه لبسا واشتباها للسامع.

(٨) للمبتدا في الأصل كخبر كان او غيره من النواسخ.

١٩٤

به (١) في قوله :

إذا كنت ترضاه ويرضاك صاحب

[جهارا فكن في الغيب أحفظ للودّ]

وأضمرنه (وأخّرنه) وجوبا (إن يكن) ذلك الضّمير عمدة بأن كان (هو الخبر) لكان أو ظنّ أو المفعول الأوّل لظنّ ، أو أوقع حذفه في لبس كـ «كنت وكان زيد صديقا إيّاه» (٢) و «ظنّني وظننت زيدا عالما إيّاه» (٣) و «ظننت منطلقة وظنّتني منطلقا هند إيّاها» (٤) و «استعنت واستعان علىّ زيد به» (٥).

وذهب بعضهم في الخبر والمفعول الأوّل إلى جواز تقديمه كالفاعل وآخر (٦) إلى جواز حذفه إن دلّ عليه دليل ، وابن الحاجب إلى الإتيان به اسما ظاهرا ، والأحسن أنّه إن وجدت قرينة حذف وإلّا أتي به اسما ظاهرا (٧).

__________________

(١) أي : بالضمير غير المرفوع للعامل المهمل المتقدم كهاء ترضاه لتنازعه مع يرضاك في صاحب وأعطي العمل ليرضاك فاعلا له وأعطي ضميره لترضاه.

(٢) تنازع كنت وكان زيد في صديق ليكون خبرا لهما فأعطي العمل للثاني وجيء بضمير منفصل متأخر للأول لكونه عمدة.

(٣) مثال لما كان الضمير مفعولا ثانيا لظن تنازع ظنني وظننت زيدا في عالما لاحتياج كل منهما إلى المفعول الثاني فأعطي العمل لظننت وأعطي ضمير إياه لظنّني.

(٤) مثال للمفعول الثاني من ظنّ النزاع في هند يطلبها ظننت مفعولا أولا له وظنتني فاعلا له والعمل للثاني وأعطي للأول الضمير المنفصل.

(٥) مثال للالتباس ومعني المثال إني استعنت بزيد ليعينني على عدوي وأما زيد فعاد إني واستعان غيره علىّ والنزاع في زيد يطلبه استعنت مجرورا بالباء لأنه لازم ويتعدي إما بالباء أو بعلى وحيث إنّ المتكلم طلب المعاونة من زيد فاللازم تعديته بالباء ، ويطلبه استعان فاعلا له فأعطي العمل للثاني وأعطي ضميره مجرورا بالباء لاستعنت ولو لم يذكر الضمير المجرور بالباء لالتبس الأمر بأن المتكلم استعان بزيد أي طلب العون منه أو استعان عليه بمعني أنه حمل عليه وعاداه.

(٦) أي : بعض آخر.

(٧) فيقال ظنني قائما وظننت زيدا قائما وهكذا ساير الأمثلة.

١٩٥

وأظهر ان يكن ضمير خبرا

لغير ما يطابق المفسّرا

(و) لا تضمر بل (أظهر) (١) مفعول الفعل المهمل (إن يكن ضمير) لو أضمر (خبرا) في الأصل (لغير ما يطابق المفسّرا) بكسر السّين وهو المتنازع فيه بأن كان مثنّى والضّمير خبرا عن مفرد (٢).

نحو أظنّ ويظنّاني أخا

زيدا وعمرا أخوين في الرّخا

(نحو أظنّ ويظنّاني أخا زيدا وعمرا أخوين في الرّخا) فأخوين تنازع فيه أظنّ لأنّه يطلبه مفعولا ثانيا إذ مفعوله الأوّل زيدا ، ويظنّاني لأنّه كما قيل (٣) يطلبه مفعولا ثانيا فأعمل فيه الأوّل وهو أظنّ وبقى يظنّاني يحتاج إلى المفعول الثّاني ، فلو أتيت به (٤) ضميرا مفردا فقلت «أظنّ ويظنّاني إيّاه زيدا وعمرا أخوين» لكان مطابقا للياء غير مطابق لما يعود عليه (٥) وهو أخوين ، ولو أتيت به ضميرا مثنّى فقلت «أظنّ ويظنّاني إيّاهما زيدا وعمرا أخوين» لطابقه (٦) ولم يطابق الياء الّذي هو خبر عنه ، فتعيّن

__________________

(١) يعني أنّه إذا اختلف المفعول الأول للفعل المهمل وهو ضمير مع الاسم المتنازع فيه المفسر للضمير في الأفراد والتثنية مثلا فمن جهة أن هذا الفعل مهمل ينبغي أن نأتي له بضمير عوض المتنازع فيه ليكون مفعولا ثانيا للمهمل لكن اختلاف الضمير الأول مع المتنازع فيه يوقعنا بين محذورين إذ لو أتينا به مفردا لكان مطابقا للأول الذي هو مبتداء له في الأصل لكنه غير مطابق مع مفسره المتنازع فيه ولو أتينا به تثنية طابق المفسر ولم يطابق الأول فلزم الإتيان به اسما ظاهرا.

(٢) أي : المفعول الأول المبتدا في الأصل.

(٣) إشارة إلى تمريض القول المذكور وذلك لأنّ المفعول الأوّل ليظناني مفرد فكيف يطلب أخوين مفعولا ثانيا له مع لزوم تطابق المفعولين في باب ظنّ.

(٤) أى : بالمفعول الثاني.

(٥) أي : لما يعود الضمير إليه.

(٦) أي : طابق ما يعود عليه أعني أخوين.

١٩٦

الإظهار (١) وقد علمت (٢) أنّ المسألة حينئذ ليست من باب التّنازع لأنّ كلّا من العاملين قد عمل في ظاهر.

فصل : المفاعيل خمسة :

«أحدها» المفعول به ، وقد سبق حكمه (٣) «الثاني» المفعول المطلق ، وهو ـ كما يؤخذ (٤) ممّا سيأتي المصدر الفضلة (٥) المؤكّد لعامله أو المبيّن لنوعه أو عدده ، ويسمّى مطلقا لأنّه يقع عليه اسم المفعول من غير تقييد بحرف جرّ (٦) ، ولهذه العلّة (٧) قدّمه على المفعول به الزّمخشريّ وابن الحاجب.

المصدر اسم ما سوي الزّمان من

مدلولي الفعل كأمن من أمن

بمثله أو فعل او وصف نصب

وكونه أصلا لهذين انتخب

واعلم (٨) أنّ الفعل يدلّ على شيئين الحدث والزّمان (٩) وأمّا (المصدر) فهو (اسم) يدلّ على (ما سوي الزّمان من مدلولي الفعل) وهو الحدث (كأمن من أمن

__________________

(١) تأتي بأخا.

(٢) من وضع المثال وتطبيق قانون التنازع عليه لأنا إذا أتينا بالاسم الظاهر وهو أخا فقط أعطينا لكل عامل معمولا ظاهرا النزاع بين عاملين على معمول واحد فعمل أظنّ في اخوين ويظناني في أخا.

(٣) في باب تعدي الفعل ولزومه.

(٤) أي : يستفاد من المطالب الآتية.

(٥) أي : ما ليس بمبتدأ ولا خبر ولا فاعل نحو قيامك قيام حسن وأعجبني قيامك.

(٦) كالمفعول به وفيه وله.

(٧) أي : لعلة عدم تقيده بحرف الجر قدمه الزمخشري وابن الحاجب على المفعول به أيضا لأن التقييد بعد الإطلاق.

(٨) شرح قبل المتن لبيان معني المصدر.

(٩) فقولنا ضرب يدل على وقوع حدث وهو الضرب وأنه في الزمان الماضي.

١٩٧

بمثله) (١) أي بمصدر (أو فعل أو وصف نصب) نحو (فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً)(٢)(٣)(وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً)(٤)(٥)(وَالصَّافَّاتِ صَفًّا)(٦)(٧) و «هو مضروب ضربا».

(وكونه) أي المصدر (أصلا لهذين) أي للفعل والوصف وهو مذهب أكثر البصريّين ، وهو الّذي (انتخب) أي أختير لأنّ كلّ فرع يتضمّن الأصل وزيادة ، (٨) والفعل والوصف بالنّصبة إلى المصدر كذلك (٩) دونه. (١٠) وذهب بعض البصريّين إلى أنّ المصدر أصل للفعل والفعل أصل للوصف ، وآخر (١١) إلى أنّ كلّا من المصدر والفعل أصل برأسه (١٢) والكوفيّون إلى أنّ الفعل أصل للمصدر.

توكيدا او نوعا يبين أو عدد

كسرت سيرتين سير ذي رشد

(توكيدا) يبين (١٣) المصدر إذا ذكر مع عامله كاركع ركوعا (أو نوعا يبين) إذا

__________________

(١) متعلق بنصب أي نصب المصد تارة بمصدر مثله وأخري بفعل وثالثة بوصف.

(٢) مثال لنصب المصدر بالمصدر.

(٣) الإسراء ، الآية : ٦٣.

(٤) مثال لنصبه بالفعل.

(٥) النّساء ، الآية : ١٦٤.

(٦) لنصبه بالصفة وهي اسم الفاعل كما أن المثال الذي بعده لنصبه باسم المفعول.

(٧) الصّافّات ، الآية : ١.

(٨) فكما أن الإنسان مثلا فرع عن الحيوان لزيادته عنه بالنطق فكذلك الفعل يزيد عن المصدر بالزمان واسم الفاعل والمفعول يزيدان عنه بصاحب الحدث أو معروضه.

(٩) أي : متضمنا للأصل وهو الحدث وزيادة وهي الزمان في الفعل وصاحب الحدث أو معروضه في الوصف.

(١٠) أي : دون المصدر فإنه بالنسبة إلى الفعل والوصف ليس كذلك بأن يكون متضمنا لها وزيادة.

(١١) أي : بعض آخر من البصريين.

(١٢) أى : ليس أحدهما فرعا والآخر أصلا.

(١٣) يعني أن توكيدا مفعول ليبين في شعر المصنف.

١٩٨

وصف (١) أو أضيف أو أضيف إليه (أو عدد كسرت سيرتين سير ذي رشد) ورجعت القهقرى (٢)

وقد ينوب عنه ما عليه دلّ

كجدّ كلّ الجدّ وافرح الجذل

(وقد ينوب عنه ما عليه دلّ) كـ «كلّ» مضاف إليه (٣) (كجدّ كلّ الجدّ) و «بعض» ، كما في الكافية كـ «ضربته بعض الضّرب». (و) كذا مرادفه نحو (افرح الجذل) بالمعجمة الفرح ، ووصفه والدّالّ على نوع منه أو على عدده أو آلته أو ضميره أؤ إشارة إليه (٤) كما في الكافية نحو «سرت أحسن السّير» (٥) «واشتمل الصّمّاء» «ورجع القهقرى» (فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً)(٦) «ضربته سوطا» (لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً)(٧) «ضربت ذلك الضّرب».

__________________

(١) أي : إذا كان المصدر موصوفا بصفة وليس المراد موصوفا بنوعه كما يتضح بأدني تأمّل.

(٢) مثّل للمضاف بمثالين لأنه قد يكون مذكورا كسير ذي رشد وقد يكون مقدرا كرجعت القهقرى إذ التقدير رجوع القهقري.

(٣) مضاف صفة لكل أي ككل الذي يضاف إلى المصدر وكون الكل دإلّا على المصدر لأنّ كل شيء نفس ذلك الشيء لا شيء خارج عنه وكذا بعضه والمرادف أيضا كذلك لأن الجذل يدل على الفرج لأنّه نفسه.

(٤) يعني قد ينوب عن المصدر وصف المصدر والاسم الدال على نوع من المصدر وما يدل على عدده أو يدل على آلة المصدر ، وكذا ينوب عنه ضميره الذي يعود عليه واسم الإشارة الذي يشار به إلى المصدر.

(٥) مثال لوصف المصدر فإن المصدر (سيرا) المقدر وناب عنه وصفه وهو أحسن فنصب والصّمّأ نوع من المصدر المقدر وهو اشتمالا فناب عنه وكذا القهقري أيضا مثال للوصف فأنها نوع من (رجوعا) المقدر وهو الرجوع إلى الخلف وثمانين دال على عدد المصدر المقدر وهو جلدا ، وسوطا دال على آلة المصدر المقدر وهو ضربا وضمير أعذبّه نايب عن عذابا الذي هو المفعول المطلق الأصلي ومرجع للضمير ، وذلك إشارة إلى المصدر إذ التقدير ضربت ضربا ذلك الضرب فناب عنه.

(٦) النور ، الآية : ٤.

(٧) المائدة ، الآية : ١١٥.

١٩٩

وينوب أيضا ما شاركه (١) في مادّته وهو ثلاثة : اسم مصدر ، نحو «إغتسل غسلا» (٢) واسم عين نحو (وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً)(٣)(٤) ومصدر لفعل آخر نحو (وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً)(٥)(٦).

وما لتوكيد فوحّد أبدا

وثنّ واجمع غيره وأفردا

وحذف عامل المؤكّد امتنع

وفي سواه لدليل متّسع

(وما لتوكيد فوحّد (٧) أبدا) لأنّه بمنزلة تكرير الفعل والفعل لا يثنّى ولا يجمع (٨) (وثنّ واجمع غيره (٩) وأفردا).

(وحذف عامل) المصدر (المؤكّد امتنع). قال في شرح الكافية : لأنّه يقصد به تقوية عامله وتقرير معناه ، (١٠) وحذفه مناف لذلك. ونقضه ابنه (١١) بمجيئه في نحو سقيا ورعيا. وردّ بأنّه (١٢) ليس من التّأكيد في شيء ، وإنّما المصدر فيه نائب مناب

__________________

(١) أي : شارك المصدر في حروفه الأصلية كالاغتسال والغسل.

(٢) فالمصدر اغتسلا وغسلا اسم للمصدر لعدم جريانه على الفعل فأن الفعل مزيد وغسلا مجرد.

(٣) المصدر أنباتا وناب عنه نباتا الذي هو اسم ذات لا مصدر ولا اسمه بل مشارك للمصدر في حروفه الأصلية.

(٤) نوح ، الآية : ١٧.

(٥) فتبتيلا مصدر باب التفعيل وناب عن مصدر باب التفعل أي تبتلا.

(٦) المزمّل ، الآية : ٨.

(٧) أي : فأت به مفردا.

(٨) فما يري من تثنية الفعل وجمعه فهو في الحقيقة تثنية وجمع للضمير لا للفعل.

(٩) أي : غير التوكيد من نوع وعدد.

(١٠) أي : تثبيته.

(١١) أي : ابن المصنف نقض قول أبيه من عدم جواز حذف عامل المؤكد بمجيء حذف العامل في سقيا ورعيا.

(١٢) أي : بأن نحو سقيا ورعيا ليس بتوكيد أبدا لأن التوكيد يحتاج إلى مؤكد ومؤكد هنا أمر واحد وهو المصدر

٢٠٠