الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٧

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي

الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٧

المؤلف:

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي


المحقق: مركز الغدير للدّراسات الإسلاميّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
المطبعة: فروردين
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٥٧

أنت الذي دقَّ معناه لمعتبرِ

يا آيةَ اللهِ بل يا فتنةَ البشرِ

وحجّةَ اللهِ بل يا منتهى القَدَرِ

عن كشفِ معناه ذو الفكر الدقيقِ وَهنْ

وفيك ربُّ العلى أهلَ العقولِ فتنْ

أنَّى بحدِّكَ يا نورَ الإله فطنْ

يا من إليه إشارات العقولِ ومنْ

فيه الألبّاءُ تحت العجزِ والخطرِ

ففي حدوثِكَ قومٌ في هواك غووا

إن أبصروا منك أمراً معجزاً فغَلوا

حيّرتَ أذهانَهمْ يا ذا العلى فعَلوا

هيّمتَ أفكارَ ذي الأفكارِ حين رأوا

آياتِ شأنِكَ في الأيّامِ والعصرِ

أوضحتَ للناسِ أحكاماً محرَّفةً

كما أتيت أحاديثاً مصحّفةً

أنت المقدّمُ أسلافاً وسالفةً

يا أوّلاً آخراً نوراً ومعرفةً

يا ظاهراً باطناً في العينِ والأثرِ

يا مطعمَ القرصِ للعافي الأسيرِ وما

ذاقَ الطعامَ وأمسى صائماً كرما

ومُرجع القرصِ إذ بحرُ الظلام طما

لك العبارةُ بالنطقِ البليغِ كما

لك الإشارةُ في الآيات والسورِ

أنوارُ فضلِك لا تطفى لهنَّ عدا

ممّا يكتّمه أهلُ الضلال بدا

تخالفت فيك أفكارُ الورى أبدا

كم خاض فيك أناس وانتهى فغدا

معناك محتجباً عن كلِّ مقتدرِ

لولاك ما اتّسقت للطُهرِ ملَّتُهُ

كلاّ ولا اتّضحت للناسِ شرعتُهُ

ولا انتفت عن أسيرِ الشكِّ شبهتُهُ

أنت الدليلُ لمن حارتْ بصيرتُهُ

في طيِّ مشتبكاتِ القولِ واعبرِ

أدركت مرتبةً ما الوهمُ يدركُها

وخضتَ من غمراتِ الحرب مهلكَها

مولاي يا مالكَ الدينا وتاركَها

أنت السفينةُ مَن صِدقاً تمسّكَها

نجا ومن حادَ عنها خاض في الشررِ

٦١

من نورِ فضلِكَ ذو الأفكارِ مقتبسُ

ومن معالمِ ربِّ العلمِ مختلسُ

لو لا بيانُكَ أمرُ الكلِّ ملتبسُ

فليس قبلكَ للأفكارِ ملتمسُ

وليس بعدك تحقيقٌ لمعتبرِ

جاءت بتأميرِكَ الآياتُ والصحفُ

فالبعضُ قد آمنوا والبعضُ قد وقفوا

لولاك ما اتّفقوا يوماً ولا اختلفوا

تفرّق الناس إلاّ فيك وائتلفوا

فالبعضُ في جنّةٍ والبعضُ في سقرِ

خيرُ الخليقةِ قومٌ نهجَكَ اتَّبعتْ

وشرُّها من على تنقيصِك اجتمعتْ

وفرقةٌ أوّلت جهلاً لما سمعتْ

فالناسُ فيك ثلاثٌ فرقةٌ رفعتْ

وفرقةٌ وقعت بالجهلِ والقذرِ

يا ويحَها فرقةً ما كان يمنعُها

لو أنَّها اتَّبعت ما كان ينفعُها

يا فرقةً غيُّها بالشوم موقِعُها

وفرقةٌ وقعتْ لا النورُ يرفعُها

ولا بصائرُها فيها بذي غورِ

بعظمِ شأنِك كلُّ الصحفِ تعترفُ

ومن علومِك ربُّ العلمِ يقترفُ

لولاك ما اصطلحوا يوماً وما اختلفوا

تصالحَ الناسُ إلاّ فيك واختلفوا

إلاّ عليك وهذا موضعُ الخطرِ

جاءت بتعظيمِكَ الآياتُ والسورُ

فالبعضُ قد آمنوا والبعضُ قد كفروا

والبعض قد وقفوا جهلاً وما اختبروا

وكم أشاروا وكم أبدوا وكم ستروا

والحقّ يظهر من بادٍ ومستترِ

أقسمتُ بالله باري خلقِنا قسما

لولاك ما سمَكَ الله العليُّ سما

يا من له اسمٌ بأعلى العرشِ قد رُسِما

أسماءك الغرُّ مثل النيّرات كما

صفاتك السبع كالأفلاك ذي الأكرِ

أنت العليمُ إذا ربُّ العلومِ جهلْ

إذ كلُّ علمٍ فشا في الناس عنك نقلْ

وأنت نجمُ الهدى تهدي لكلِّ مضلْ

وولدك الغرُّ كالأبراج في فلك الْ

معنى وأنتَ مثالُ الشمسِ والقمرِ

٦٢

أئمّةٌ سورُ القرآن قد نطقتْ

بفضلِهمْ وبهم طرقُ الهدى اتَّسقتْ

طوبى لنفسٍ بهم لا غيرهم وثقتْ

قومٌ هم الآلُ آلُ اللهِ من علقتْ

بهم يداه نجا من زلّة الخطرِ

عليهمُ محكمُ القرآنِ قد نزلا

مفصّلاً من معاني فضلهمْ جملا

هم الهداةُ فلا تبغي لهم بدلا

شطر الأمانة معراج النجاة إلى

أوجِ العلومِ وكم في الشطرِ من غيرِ

بلطف سرِّك موسى فجّرَ الحجرا

وأنت صاحبُه إذ صاحبَ الخضرا

وفيك نوحٌ نجا والفُلْكُ فيه جرى

يا سرَّ كلِّ نبيٍّ جاءَ مشتهرا

وسرَّ كلِّ نبيٍّ غيرِ مشتهرِ

يلومني فيك ذو جهلٍ أخو سفهِ

ولا يضرُّ محقّا قولُ ذي شُبَهِ

ومن تنزَّه عن ندٍّ وعن شَبهِ

أُجلُّ وصفَكَ عن قدرٍ لمشتبهِ

وأنت في العينِ مثلُ العينِ في الصورِ

ولهُ قوله يمدح به أمير المؤمنين عليه‌السلام :

يا منبعَ الأسرارِ يا

سرَّ المهيمن في الممالكْ

يا قطبَ دائرةِ الوجو

د وعين منبعِهِ كذلكْ

والعينَ والسرَّ الذي

منه تلقّنتِ الملائكْ

ما لاح صبحٌ في الدجى (١)

إلاّ وأسفرَ عن جمالكْ

يا ابن الأطايبِ والطوا

هرِ والفواطم والعواتِكْ

أنت الأمانُ من الردى

أنت النجاةُ من المهالكْ

أنت الصراطُ المستقي

م قسيمُ جنّاتِ الأرائكْ

والنارُ مفزعُها إلي

ك وأنت مالكُ أمرِ مالكْ

__________________

(١) ما لاح صبحٌ للهدى. كذا في بعض النسخ. (المؤلف)

٦٣

يا من تجلّى بالجمالِ

فشقَّ بردةَ كلِّ حالكْ

صلّى عليكَ اللهُ من

هادٍ إلى خيرِ المسالكْ

والحافظ البرسيّ لا

يخشى وأنت له هنالكْ

وله أبيات في أهل البيت خمّسها الشاعر المفلق الشيخ أحمد بن الحسن النحوي نذكرها مع تخميسها :

ولائي لآلِ المصطفى وبنيهمُ

وعترتهم أزكى الورى وذَويهمُ

بهم سمةٌ من جدِّهم وأبيهمُ

همُ القومُ أنوارُ النبوّةِ فيهمُ

تلوحُ وآثارُ الإمامةِ تُلمَحُ

نجومُ سماءِ المجدِ أقمارُ تمِّهِ

معالمُ دينِ اللهِ أطوادُ حلمهِ

منازلُ ذكرِ اللهِ حكّامُ حكمهِ

مهابطُ وحيِ اللهِ خزّانُ علمهِ

وعندهمُ سرُّ المهيمن مودعُ

مديحُهمُ في محكمِ الذكرِ محكمُ

وعندَهمُ ما قد تلقّاه آدمُ

فدَع حكمَ باقي الناسِ فهو تحكّمُ

إذا جلسوا للحكم فالكلُّ أبكمُ

وإن نطقوا فالدهرُ أُذنٌ ومسمعُ

بحبِّهمُ طاعاتُنا تُتَقبّلُ

وفي فضلِهمْ جاءَ الكتابُ المنزَّلُ

يعمُّ شذاهمُ كلَّ أرضٍ ويشملُ

وإن ذكروا فالكون نَدٌّ ومندلُ (١)

لهم أرجٌ من طيبهم يتضوعُ

دعا بهمُ موسى ففُرِّجَ كربُهُ

وكلّمه من جانب الطور ربُّهُ

إذا حاولوا أمراً تسهّلَ صعبُهُ

وإن برزوا فالدهرُ يخفقُ قلبُهُ

لسطوتِهمْ والأُسدُ في الغابِ تفزعُ

فلولاهمُ ما سار فلكٌ ولا جرى

ولا ذرأَ اللهُ الأنامَ ولا برا

__________________

(١) الندّ بفتح المعجمة وكسرها : عود يُتبخّر به. المندل : العود الطيّب الرائحة. (المؤلف)

٦٤

كرامٌ متى مازرتهم عجّلوا القِرى

وإن ذُكر المعروفُ والجودُ في الورى

فبحرُ نداهم زاخرٌ يتدفَّعُ

أبوهم أخو المختار طه ونفسُهُ

وهم فرعُ دوحٍ في الجلالةِ غرسُهُ

وأُمّهمُ الزهراءُ فاطمُ عرسُهُ

أبوهم سماءُ المجدِ والأُمُّ شمسُهُ

نجومٌ لها برجُ الجلالةِ مطلعُ

لهم نسبٌ أضحى بأحمدَ مُعرِقا

رقا منه للعلياءِ أبعدَ مرتقى

وزادهمُ من رونقِ القدسِ رونقا

فيا نسباً كالشمسِ أبيضَ مشرقا

ويا شرفاً من هامةِ النجمِ أرفعُ

كرامٌ نماهم طاهرٌ متطهِّرُ

وبُثَّ بهم من أحمد الطهرِ عنصرُ

وأُمُّهمُ الزهراءُ والأبُ حيدرُ

فمن مثلُهم في الناس إن عُدّ مفخرُ

أعد نظراً يا صاح إن كنت تسمعُ

عليٌّ أميرُ المؤمنين أميرُهمْ

وشُبّرُهمْ أصلُ التُقى وشبيرُهمْ

بَهاليلُ صوّامون فاحَ عبيرُهمْ

ميامينُ قوّامون عزَّ نظيرُهمْ

هداةٌ ولاةٌ للرسالةِ منبعُ

مناجيبُ ظلُّ اللهِ في الأرضِ ظلُّهمْ

وهم معدنٌ للعلم والفضلِ كلُّهمْ

وفضلهمُ أحيا البرايا وبذلهمْ

فلا فضلَ إلاّ حين يُذكر فضلُهمْ

ولا علم إلاّ علمُهم حين يرفعُ

إليهم يفرُّ الخاطئون بذنبهمْ

وهم شفعاءُ المذنبين لربِّهمْ

فلا طاعةٌ ترضى لغيرِ محبّهمْ

ولا عملٌ ينجي غداً غيرُ حبِّهم

إذا قام يومُ البعثِ للخلقِ مجمعُ

حلفتُ بمن قد أمّ مكّةَ وافدا

لقد خابَ من قد كان للآلِ جاحدا

ولو أنّه قد قطّع العمرَ ساجدا

ولو أنَّ عبداً جاء للهِ عابدا

بغيرِ ولا أهلِ العبا ليس ينفعُ

٦٥

بني أحمدٍ مالي سواكم أرى غدا

إذا جئتُ في قيدِ الذنوبِ مقيَّدا

أُناديكمُ يا خيرَ من سمعَ الندا

أيا عترةَ المختارِ يا رايةَ الهدى

إليكم غداً في موقفي أتطلّعُ

فو الله لا أخشى من النارِ في غدِ

وأنتم وُلاةُ الأمرِ يا آلَ أحمدِ

وها أنا قد أدعوكمُ رافعاً يدي

خذوا بيدي يا آلَ بيتِ محمدِ

فمن غيرُكم يوم القيامة يشفعُ

وهذه القصيدة خمّسها الشيخ هادي المتوفّى (١٢٣٥) ، ابن الشيخ أحمد النحوي المخمِّس المذكور أوّل تخميسه :

بنو أحمدٍ قد فاز من يرتضيهمُ

أئمّةُ حقٍّ للنجا يرتضيهمُ

وطوبى لمن في هديه يقتضيهمُ

همُ القومُ أنوارُ النبوّةِ فيهمُ

تلوح وآثارُ الإمامة تلمعُ

وله في العترة الطاهرة صلوات الله عليهم قوله :

فرضي ونفلي وحديثي أنتمُ

وكلُّ كلّي منكمُ وعنكمُ

وأنتمُ عندَ الصلاةِ قبلتي

إذا وقفتُ نحوكم أُيمّمُ

خيالُكم نصبٌ لعيني أبداً

وحبُّكم في خاطري مخيِّمُ

يا سادتي وقادتي أعتابكم

بجفنِ عيني لثراها ألثمُ

وقفاً على حديثِكم ومدحِكم

جعلتُ عمري فاقبلوه وارحموا

مُنّوا على الحافظ من فضلِكمْ

واستنقذوه في غدٍ وأنعموا

وله في أهل البيت الطاهر سلام الله عليهم قوله :

يا آل طه أنتمُ أملي

وعليكمُ في البعث متّكلي

إن ضاق بي ذنبٌ فحبُّكمُ

يوم الحساب هناك يوسع لي

٦٦

بولائكم وبطيبِ مَدحِكمُ

أرجو الرضا والعفوَ عن زللي

رجبُ المحدّثُ عبد عبدِكمُ

والحافظ البرسيّ لم يزلِ

لا يختشي في الحشرِ حرَّ لظى

إذ سيِّداه محمدٌ وعلي

سيثقلان وزان صالحه

ويُبيِّضان صحيفة العملِ

لم ينشعبْ فيكون منطلقاً

من ضلّةٍ للشعبِ ذي الظللِ

وله مسمِّطاً فيهم صلوات الله عليهم قوله :

سرُّكمُ لا تنالُه الفِكَرُ

وأمرُكُم في الورى خطرُ

مستصعبٌ فكُّ رمزِه خطرُ

ووصفُكم لا يطيقُه البشرُ

ومدحُكم شرُفت به السورُ

وجودُكم للوجودِ علّتُه

ونورُكم للظُهورِ آيتُه

وأنتمُ للوجودِ قبلتُه

وحبُّكم للمحبِّ كعبتُه

يسعى بها طائفاً ويعتمرُ

لولاكمُ ما استدارت الأكرُ

ولا استنارت شمسٌ ولا قمرُ

ولا تدلّى غصنٌ ولا ثمرُ

ولا تندّى ورقٌ ولا خضرُ

ولا سرى بارقٌ ولا مطرُ

عندكمُ في الإيابِ مجمعُنا

وأنتمُ في الحسابِ مفزعُنا

وقولُكم في الصراطِ مرجعُنا

وحبُّكم في النشورِ ينفعُنا

به ذنوبُ المحبِّ تُغتفرُ

يا سادةً قد زكت معارفهمْ

وطاب أصلاً وساد عارفُهمْ

وخاف في بعثِه مخالفهمْ

إن يختبرْ للورى صيارفُهمْ

فأصلُهم بالولاءِ يُختبرُ

أنتم رجائي وحبُّكم أملي

عليه يوم المعاد متَّكلي

٦٧

فكيف يخشى حرَّ السعير ولي

وشافعاه محمدٌ وعلي

أو يعتريه من شرِّها شررٌ

عبدُكمُ الحافظُ الفقيرُ على

أعتابِ أبوابِكمْ يروم فلا

تخيّبوه يا سادتي أملا

وأقسموه يوم المعاد إلى

ظلٍّ ظليلٍ نسيمُه عَطرُ

صلّى عليكم ربُّ السماء كما

أصفاكمُ واصطفاكمُ كرما

وزاد عبداً والاكمُ نعما

ما غرّد الطير في الغصونِ وما

ناح حمامٌ وأورق الشجرُ

وله في العترة الطاهرة وسيّدهم صلوات الله عليه وعليهم قوله :

إذا رمتَ يومَ البعثِ تنجو من اللظى

وَيُقبلُ منك الدينُ والفرضُ والسننْ

فوالِ عليّا والأئمّةَ بعدَه

نجومَ الهدى تنجو من الضيقِ والمحنْ

فهم عترةٌ قد فوّضَ اللهُ أمرَه

إليهم لما قد خصّهم منه بالمننْ

أئمّةُ حقٍّ أوجبَ اللهُ حقَّهمْ

وطاعتُهم فرضٌ بها الخلقُ تمتحنْ

نصحتُكَ أن ترتاب فيهم فتنثني

إلى غيرهم من غيرهم في الأنام منْ

فحبُّ عليٍّ عدّةٌ لوليِّه

يلاقيه عند الموتِ والقبر والكفنْ

كذلك يومَ البعثِ لم ينجُ قادمٌ

من النارِ إلاّ من تولّى أبا الحسنْ

وله في رثاء الإمام السبط الشهيد صلوات الله عليه قوله :

يميناً بنا حادي السرى إن بدت نجدُ

يميناً فللعاني العليل بها نجدُ

وعُج فعسى من لاعجِ الشوقِ يشتفي

غريمُ غرامٍ حشوُ أحشائِه وقدُ

وسر بي لسربٍ فيه سربُ جآذر

لسربيَ من جهد العهاد بهم عهدُ

ومُر بي بليلٍ في بَليلِ عراصها

لأروى بريّا تربةٍ تربُها نَدُّ

وقف بي أُنادي واديَ الأيكِ علّني

هناك أرى ذاك المساعدَ يا سعدُ

٦٨

فبالربع لي من عهد جَيرون جيرةٌ

يُجيرون إن جارَ الزمانُ إذا استعدوا

همُ الأهلُ إلاّ أنَّهم لي أهلّةٌ

سوى أنَّهم قصدي وأنّي لهم عبدُ

عزيزون رُبعُ العمر في ربعِ عزِّهمْ

تقضّى ولا روعٌ عراني ولا جهدُ

وربعيَ مُخضرٌّ وعيشيَ مُخضِلُ

ووجهيَ مُبيضٌّ وفودي مُسودُّ

وشمليَ مَشمولٌ وبُردُ شبيبتي

قشيبٌ وبردُ العيش ما شانه نكدُ

معالمُ كالأعلامِ معلمةُ الربى

فأنهارُها تجري وأطيارها تشدو

طوت حادثات الدهر منشور حسنها

كما رسمت في رسمها شمألٌ تغدو

وأضحت تجرُّ الحادثاتُ ذيولَها

عليه ولا دَعدٌ هناك ولا هِندُ

ولا غروَ إن جارت ومارت صروفها

وغارت وأغرت واعتدت واغتدت تشدو

فقد غدرتْ قِدماً بآل محمدٍ

وطاف عليهم بالطفوفِ لها جندُ

وجاشت بجيشٍ جاش طامٍ عرمرمٍ

خميسٍ لهامٍ حامَ يحمومه أسدُ (١)

وعمّت بأشرارٍ عن الرشدِ قد عَموا

وهل يسمع الصمُّ الدعاءَ إذا صدّوا

فيا أمّةً قد أدبرتْ حين أقبلتْ

فرافقَها نحسٌ وفارقَها سعدُ

أبت إذ أتت تنأى وتنهى عن النهى

وولّت وألوتْ حين مال بها الجدُّ

سرت وسرت بغياً وسرّت بِغيِّها

بغيّا دعاها إذ عداها به الرشدُ

عصابة عصبٍ (٢) أوسعت إذ سعت إلى

خطاء خطاها والشقاءُ بها يحدو

أثاروا وثاروا ثارَ بدرٍ وبادروا

لحربِ بُدورٍ من سناها لهم رشدُ

بغت فبغت عمداً قتالَ عميدِها

صدورُ طغاةِ في الصدورِ لها حقدُ

__________________

(١) طام من طمى يطمي الفرس : أي أسرع. ويقال : البحر الطامي : أي الغزير. العرمرم : الجيش الكثير. الخميس : الجيش ذو الخمس فرق : المقدمة ، القلب ، الميمنة ، الميسرة ، الساقة. اللهام : الجيش العظيم. حام : أي دار به. اليحموم : اسم فرس الإمام السبط الحسين عليه‌السلام ، وفرس هشام ابن عبد الملك ، وفرس حسّان الطائي ، وفرس النعمان بن المنذر. (المؤلف)

(٢) العصابة : الجماعة من الرجال أو الخيل. العصب : الطي واللي ، والقبض على الشيء. (المؤلف)

٦٩

وساروا يسنّون العنادَ وقد نسوا ال

معادَ فهم من قومِ عادٍ إذا عُدّوا

فيا قلبُ قلب الدينِ في يوم أقبلوا

إلى قتلِ مأمولٍ هو العَلَمُ الفردُ

فركنَ الهدى هدّوا وقدَّ العلى قدّوا

وأزرَ الهوى شدّوا ونهجَ التقى سدّوا

كأنِّي بمولاي الحسينِ ورهطِهِ

حيارى ولا عونٌ هناك ولا عضدُ

بكربِ البلا في كربلاء وقد رُمي

بعادٍ وشطّت دارُهمْ وسطتْ جندُ

وقد حدقتْ عينُ الردى حين أحدقت (١)

عتاةُ عداةٍ ليس يُحصى لهم عدُّ

وقد أصبحوا حِلاّ لهم حين أصبحوا

حُلولاً ولا حَلٌّ لديهم ولا عقدُ

فنادى ونادى الموتُ بالخطب خاطب

وطير الفنا يشدو وحادي الردى يحدو

يسائلهم هل تعرفوني مسائلاً

وسائل دمع العين سالَ به الخدُّ

فقالوا نعم أنت الحسين بن فاطمٍ

وجدّك خير المرسلين إذا عُدّوا

وأنت سليل المجد كهلاً ويافعاً

إليك إذا عُدّ العلى ينتهي المجدُ

فقال لهم إذ تعلمون فما الذي

دعاكم إلى قتلي فما عن دمي بُدُّ

فقالوا إذا رمتَ النجاة من الردى

فبايع يزيداً إنَّ ذاك هو القصدُ

وإلاّ فهذا الموت عبّ عبابه (٢)

فخض ظامياً فيه تروحُ ولا تغدو

فقال ألا بُعداً بما جئتمُ به

ومن دونه بيضٌ وخطِّيةٌ مَلدُ (٣)

فضربٌ لهشمِ الهامِ تترى بنظمِه

فمن عقدِه حَلٌّ وفي حلِّه عقدُ

فهل سيّدٌ قد شيّدَ الفخرُ بيتَهُ

حذارَ الردى يشقى لعبدٍ له عبدُ

وما عذرُ ليثٍ يرهبُ الموتُ بأسَهُ

يذلُّ ويضحى السيد يرهبه الأُسدُ

إذا سام منّا الدهرُ يوماً مذلّةً

فهيهات يأبى ربُّنا وله الحمدُ

وتأبى نفوسٌ طاهراتٌ وسادةٌ

مواضيهمُ هامُ الكماةِ لها غمدُ

__________________

(١) حدق : فتح عينيه وطرف بهما. أحدقت : أحاطت. (المؤلف)

(٢) عبّ عبابه : كثر موجه وارتفع. (المؤلف)

(٣) الملد ـ بالفتح ـ : الناعم الليّن. (المؤلف)

٧٠

لها الدمُ وردٌ والنفوسُ قنائصٌ

لها القَدم قِدمٌ والنفوس لها جندُ (١)

ليوثُ وغىً ظِلُّ الرماح مقيلُها

مغاويرُ طعمُ الموتِ عندهمُ شهدُ (٢)

حماةٌ عن الأشبالِ يومَ كريهةٍ

بدور دجىً سادوا الكهولَ وهم مُردُ

إذا افتخروا في الناس عزَّ نظيرُهم

ملوكٌ على أعتابِهم يسجدُ المجدُ

أيادي عطاهم لا تُطاوَلُ في الندى

وأيدي علاهم لا يطاقُ لها ردُّ

مَطاعيمُ للعافي مَطاعينُ في الوغى

مُطاعينَ (٣) إن قالوا لهم حججٌ لُدُّ (٤)

مفاتيح للداعي مصابيح للهدى

معاليمُ للساري بها يهتدي النجدُ (٥)

نزيلهمُ حرمٌ مُنازلهم لقىً

مَنازلهمْ أمنٌ بهم يُبلَغُ القصدُ

فضائلُهمْ جلّتْ فواضلُهمْ جلتْ

مدائحُهمْ شهدٌ منائحهمْ نَدُّ (٦)

مَرابعُهم تسقى مُرابعُهم تُلقى

مُطالعُهم يُكفى مَطالعهم سعدُ

كرامٌ إذا عافٍ عفى منه معهدٌ

وصَوّحَ من خضرائِه السَّبط والجَعدُ (٧)

وآملُهم راجٍ وأمَّ لهم رجاً

وحلَّ بناديهم أحلّ له الرفدُ

زكوا في الورى أُمّا وجدّا ووالداً

وطابوا فطاب الأُمُّ والأب والجدُّ

بأسمائِهم يُستجلب البرُّ والرضا

بذكرِهمُ يُستدفعُ الضرُّ والجهدُ

__________________

(١) الورد : الماء الذي يورد. قنائص : الصيود. القدم بفتح القاف : الشرف القديم. القدم بكسر القاف : الزمان القديم. (المؤلف)

(٢) الوغى : الحرب. المقيل : موضع النوم والراحة. مغاوير جمع المغوار : كثير الغارة. (المؤلف)

(٣) كذا في أعيان الشيعة أيضاً ، فإن كان جمعاً سالماً ل (مُطاع) فهو منصوب بالياء ، ولا أرى وجهاً لنصبه ، وإن كان جمعاً ل (مطعان) فهو مرفوع بالضمة معطوف على (مطاعين) قبله.

(٤) لُدّ بضم اللام جمع الألد : الخصم الشديد الخصومة. (المؤلف)

(٥) النجد : الدليل الماهر. (المؤلف)

(٦) الند ـ بفتح النون وكسرها ـ عود يُتبخّر به. (المؤلف)

(٧) العافي : الوارد ، الضيف ، كلّ طالب فضل أو رزق. عفى : درس وبلى. صوّح : جفف يبس. السبط : ضدّ الجعد. الجعد : القبض خلاف المسترسل. (المؤلف)

٧١

ومال إلى فتيانهِ ورجالِه

يقول لقد طاب الممات ألا اشتدّوا

فسارَ لأخذِ الثارِ كلُّ شمردلٍ

إذا هاج قدحٌ للهياج له زندُ (١)

وكلُّ كميٍّ أريحيٍّ غشمشمٍ (٢)

تجمّعَ فيه الفضلُ وانعدمَ الضدُّ

إذا ما غدا يوم الندا أسر العدى

ولمّا بدا يوم الندى أُطلق الوعدُ

ليوثُ نزالٍ بل غيوثٌ نوازلٌ

سراةٌ كأُسدِ الغابِ لا بل هم الأُسدُ

إذا طُلبوا راموا وإن طَلبوا رموا

وإن ضُربوا صَدّوا وإن ضَربوا قدّوا (٣)

فوارس أُسد الغيل منها فرائسٌ

وفتيان صدقٍ شأنها الطعن والطردُ

وجوهُهُمُ بيضٌ وخضرٌ ربُوعهمْ

وبيضُهمُ (٤) حمرٌ إذا النقعُ مُسودُّ

إذا ما دُعوا يوماً لدفعِ مُلمّةٍ

غدا الموتُ طوعاً والقضاءُ هو العبدُ

بها كلُّ ندبٍ يسبق الطرفَ طِرفُه

جوادٌ على ظهرِ الجوادِ له أفدُ (٥)

كأنّهمُ نبتُ الربى في سروجِهمْ

لشدّة حزمٍ لا بحُزمٍ لها شُدّوا (٦)

لباسُهمُ نسجُ الحديدِ إذا بدوا

جبالاً وأقيالاً تقلُّهمُ الجردُ (٧)

إذا لبسوا فوقَ الدروعِ قلوبَهمْ

وصالوا فَحرُّ الكرِّ عندهمُ بَردُ

__________________

(١) الشمردل بالمهملة والشمرذل بالمعجمة : الفتيّ السريع من الإبل وغيره. هاج : ثار وتحرك. القدح : الفولاذة التي تقدح بها النار. الهياج : الحرب. زند النار : قدحها وأخرجها من الزند. (المؤلف)

(٢) الكميّ : الشجاع أو لابس السلاح. الغشمشم : المغشّم وهو الشجاع الذي يركب رأسه فلا يثنيه شيء عمّا يريد. (المؤلف)

(٣) في أعيان الشيعة : وإن ضربوا جدّوا.

(٤) البيض : السيوف.

(٥) الندب : السريع إلى الفضائل ، الظريف النجيب. الطرف بكسر المهملة مرّ [ الكريم الطرفين ، الأب والأم ] : ص ١٦. الأفد : العجلة والسرعة. (المؤلف)

(٦) الربى جمع الربوة : ما ارتفع من الأرض. الحزم بفتح المهملة : ضبط الأمر. الحزم بضم الأوّل والثاني جمع الحزام بالكسر : ما يشدّ به وسط الدابّة. (المؤلف)

(٧) أقيال جمع القيل : الرئيس. تقلّهم من قلّ الشيء قلاّ : أي حمله. وقلّه عن الأرض : رفعه. الجرد ؛ جمع الأجرد : السبّاق من الخيل. (المؤلف)

٧٢

يخوضون تيّارَ الحِمام ظوامياً

وبحرُ المنايا بالمنايا لها مدُّ

يرون المنايا نيلُها غايةُ المنى

إذا استشهدوا مُرُّ الردى عندهم شَهدُ

إذا فُلّلتْ أسيافُهمْ في كريهةٍ

غدا في رءوسِ الدارعين لها حَدُّ

فمن أبيضٍ يلقى الأعادي بأبيضٍ

ومن أسمرٍ في كفّه أسمرٌ صلدُ

يذبّون عن سبط النبي محمدٍ

وقد ثارَ عالي النقعِ واصطخب الوقدُ

يُخال بَريقُ البيضِ برقاً سجالُه ال

دماءُ وأصواتُ الكماةِ لها رعدُ

إلى أن تدانى العمرُ واقترب الردى

وشأنُ الليالي لا يدومُ لها عهدُ

أعدّوا نفوساً للفناء وما اعتدوا

فطوبى لهم نالوا البقاءَ بما عَدّوا

أحلّوا جسوماً للمواضي وأحرموا

فحلّوا جنانَ الخلدِ فيها لهم خلدُ

أمامَ الإمامِ السبطِ جادوا بأنفسٍ

بها دونه جادوا وفي نصرِهِ جدّوا

شروا عندما باعوا نفوساً نفائساً

ففي هجرِها وصلٌ وفي وصلِها نقدُ

قضوا إذ قضوا حقَّ الحسينِ وفارقوا

وما فرّقوا بل وافقوا السعدَ يا سعدُ

فلمّا رأى المولى الحسينُ رجالَه

وفتيانَه صرعى وشادي الردى يشدو

غدا طالباً للموتِ كالليثِ مغضباً

يُحامي عن الأشبالِ يشتدُّ إن شدّوا

وإن جمعوا سبعين ألفاً لقتلِه

فيحملُ فيهم وهو بينهمُ فردُ

إذا كرَّ فرّوا من جريحٍ وواقعٍ

ذبيحٍ ومهزومٍ به طوّح الهدُّ (١)

ينادي ألا يا عصبةً عصت الهدى

وخانت فلم يُرعَ الذمامُ ولا العهدُ

فبعداً لكم يا شيعةَ الغدرِ إنَّكمْ

كفرتم فلا قلبٌ يلين ولا وُدُّ

ولايتنا فرضٌ على كلِّ مسلمٍ

وعصيانُنا كفرٌ وطاعتنا رشدُ

فهل خائفٌ يرجو النجاةَ بنصرنا

ويخشى إذا اشتدّت سعيرٌ لها وَقدُ

ويرنو لنحوِ الماء يشتاقُ وردَه

إذا ما مضى يبغي الورودَ له رَدُّ

فيحملُ فيهم حملةً علويّةً

بها للعوالي في أعالي العدى قصدُ

__________________

(١) طوّح به : حمله على ركوب المهالك وقذفه. الهدّ : الكسر ، الصوت الغليظ. (المؤلف)

٧٣

كفعلِ أبيه حيدرٍ يومَ خيبرٍ

كذلك في بدرٍ ومن بعدِها أُحدُ

إذا ما هوى في لبّةِ الليثِ عضبُه

فمن نحرِه بحرٌ ومن جزرِه مَدُّ

وعادَ إلى أطفالهِ وعياله

وغربُ المنايا لا يُفلُّ لها حَدُّ (١)

يقول عليكنَّ السلام مودِّعاً

فها قد تناهى العمر واقترب الوعدُ

ألا فاسمعي يا أُخت إن مسّني الردى

فلا تلطمي وجهاً ولا يُخمش الخدُّ

وإن برحت فيك الخطوبُ بمصرعي

وجلَّ لديك الحزنُ والثكلُ والفقدُ

فأرضي بما يرضى إلهكِ واصبري

فما ضاع أجرُ الصابرين ولا الوعدُ

وأوصيكِ بالسجّاد خيراً فإنَّه

إمامُ الهدى بعدي له الأمرُ والعهدُ

فضجَّ عيالُ المصطفى وتعلّقوا

به واستغاثَ الأهلُ بالندبِ والولدُ

فقالَ وكربُ الموتِ يعلو كأنَّه

ركامٌ ومن عظمِ الظما انقطع الجهدُ (٢)

ألا قد دنا الترحالُ فاللهُ حسبُكمْ

وخيرُ حسيبٍ للورى الصمَدُ الفردُ

وعاد إلى حربِ الطغاةِ مجاهداً

وللبيضِ والخرصانِ في قَدِّه قَدُّ

إلى أن غدا مُلقىً على الترب عارياً

يُصافح منه إذ ثوى للثرى خدُّ

وشمّر شِمرُ الذيلَ في حزّ رأسه

ألا قُطعتْ منه الأناملُ والزندُ

فوا حزنَ قلبي للكريمِ علا على

سِنانِ سنانٍ والخيولُ لها وَخدُ (٣)

تزلزلت السبعُ الطباقُ لفقدِهِ

وكادت لهُ شمُّ الشماريخِ تنهدُّ (٤)

__________________

(١) الغرب يوصف به السيف أي قاطع حديد. المنايا جمع المنية : الموت. الفلّ : الثلمة في حدّ السيف. الحدّ من السيف : مقطعه. (المؤلف)

(٢) الركام : المتراكم بعضه فوق بعض. الجهد : الطاقة. (المؤلف)

(٣) الوخد من وخد البعير : أي أسرع وصار يرمي بقوائمه كالنعام. وهذا البيت في نسخة :

فوا لهفَ نفسي للمحيا علا على

سنانِ سنانٍ والخيولُ به تعدو

(المؤلف)

(٤) الشمراخ : رأس الجبل. تنهدّ : تقع وتنهدم. الأوصاب جمع الوصب : المرض والوجع الدائم ونحول الجسم. (المؤلف)

٧٤

وأرجف عرشُ اللهِ من ذاك خيفةً

وضجّت له الأملاكُ وانفجرَ الصلدُ

وناحت عليه الطيرُ والوحشُ وحشةً

وللجنِّ إذ جنَّ الظلامُ به وَجدُ

وشمسُ الضحى أمستْ عليه عليلةً

علاها اصفرارٌ إذ تروحُ وإذ تغدو

فيا لك مقتولاً بكته السما دماً

وثُلّ سريرُ العزِّ وانهدمَ المجدُ

شهيداً غريباً نازحَ الدارِ ظامياً

ذبيحاً ومن قاني الوريدِ له وردُ

بروحي قتيلاً غسله من دمائِهِ

سليباً ومن سافي الرياح له بُردُ

ترضُّ خيولُ الشركِ بالحقدِ صدرَه

وترضخ منه الجسم في ركضها جردُ (١)

ومذ راحَ لمّا راحَ للأهلِ مهرُه

خليّا يخدُّ الأرضَ بالوجهِ إذ يعدو

برزن حيارى نادباتٍ بذلّةٍ

وقلبٍ غدا من فارطِ الحزن ينقدُّ

فحاسرةٌ بالردنِ تستر وجهَها

وبرقعُها وَقدٌ ومدمعُها رفدُ

ومن ذاهلٍ لم تدرِ أين مُعزُّها

تضيقُ عليها الأرضُ والطرقُ تنسدُّ

وزينب حسرى تندبُ الندبَ عندها

من الحزنِ أوصابٌ يضيق بها العدُّ

تنادي أخي يا واحدي وذخيرتي

وعوني وغوثي والمؤمّلُ والقصدُ

ربيعَ اليتامى يا حسينُ وكافلُ ال

أيامى رمانا بعد بُعدكم البعدُ

أخي بعد ذاك الصونِ والخدرِ والخبا

يُعالجنا علجٌ ويسلبُنا وَغدُ

بناتك يا ابن الطهر طه حواسرٌ

ورحلُكَ منهوبٌ تقاسمه الجندُ

لقد خابتِ الآمالُ وانقطع الرجا

بموتك مات العلمُ والدينُ والزهدُ

وأضحت ثغورُ الكفرِ تبسمُ فرحةً

وعينُ العلى ينخدُّ من سحِّها الخدُّ (٢)

وصوّح نبتُ الفضلِ بعد اخضرارِه

وأصبح بدرُ التمِّ قد ضمّه اللحدُ

تُجاذبنا أيدي العدا فضلةَ الرِّدا

كأن لم يكن خير الأنام لنا جَدُّ

فأين حصوني والأُسود الأُلى بهمْ

يُصالُ على ريبِ الزمان إذا يعدو

__________________

(١) الرضّ : الدقّ والجرش. الرضخ : الكسر. الجرد ، راجع : ص ٢٤. (المؤلف)

(٢) ينخدّ : ينشقّ. السحُّ : الصبّ المتتابع الغزير. (المؤلف)

٧٥

إذا غربت يا ابن النبيِّ بدورُكمْ

فلا طلعتْ شمسٌ ولا حلّها سعدُ

ولا سحبت سحبٌ ذيولاً على الربى

ولا ضحكَ النوّارُ وانبعق الرعدُ (١)

وساروا بآلِ المصطفى وعيالِهِ

حيارى ولم يُخش الوعيدُ ولا الوعدُ

وتطوي المطايا الأرض سيراً إذا سرت

تجوبُ بعيد البيدِ فيها لها وَخدُ

تأمُّ يزيداً نجل هندٍ إمامَها

ألا لُعنت هندٌ وما نجلت هندُ

فيا لكَ من رزءٍ عظيمٍ مصابُه

يُشقُّ الحشا منه ويُلتدمُ الخدُّ

أيُقتل ظمآناً حسينٌ بكربلا

ومن نحرِه البيضُ الصقالُ لها وردُ

وتضحى كريماتُ الحسينِ حواسراً

يلاحظُها في سيرِها الحرُّ والعبدُ

فليس لأخذ الثارِ إلاّ خليفةٌ

هو الخلفُ المأمولُ والعَلمُ الفردُ

هو القائم المهديُّ والسيّد الذي

إذا سار أملاكُ السماءِ له جُندُ

يُشيِّد ركنَ الدين عند ظهورِهِ

علوّا وركنُ الشركِ والكفرِ ينهدُّ

وغصنُ الهدى يضحى وريقاً ونبته

أنيقاً وداعي الحقِّ ليس له ضدُّ

لعلَّ العيونَ الرمدَ تحظى بنظرةٍ

إليه فتجلى عندها الأعينُ الرمدُ

إليك انتهى سرُّ النبيّين كلِّهمْ

وأنت ختامُ الأوصياءِ إذا عُدّوا

بني الوحي يا أُمَّ الكتابِ ومن لهم

مناقبُ لا تحصى وإن كثر العدُّ

إليكم عروساً زفّها الحزنُ ثاكلاً

تنوحُ إذا الصبُّ الحزينُ بها يشدو

لها عبرةٌ في عشرِ عاشورَ أرسلت

إذا أنشدتْ حادي الدموع بها تحدو

رجا (رجبٌ) رَحب المقام بها غداً

إذا ما أتى والحشرُ ضاقَ به الحشدُ

بذلت اجتهادي في مديحِكمُ وما

قدارُ مديحي بعد أن مَدح الحمدُ

ولي فيكمُ نظمٌ ونثرٌ غَناؤه

فقيرٌ وهذا جهد من لا له جهدُ

مصابي وصوبُ الدمع فيكم مجدّد

وصبري وسلواني به أخلق الجهدُ

__________________

(١) سحبت ، من السحب : الجرّ على وجه الأرض. النوار : الزهر أو الأبيض منه. انبعق : انبعج المطر. (المؤلف)

٧٦

تذكّرني يا ابن النبيِّ غداً إذا

غدا كلُّ مولىً يستجير به العبدُ

فأنتم نصيبُ المادحين وإنَّني

مدحتُ وفيكم في غدٍ يُنجَزُ الوعدُ

إذا أصبح الراجي نزيلَ ربوعِكمْ

فقد نجحتْ منه المطالبُ والقصدُ

فإن مالَ عنكم يا بني الفضلِ راغبٌ

يظلُّ ويضحى عند من لا له عندُ

فيا عدّتي في شدّتي يوم بعثتي

بكم غلّتي من عِلّتي حرُّها بردُ

عُبَيدكُمُ (البرسيُّ) مولى فخارِكم

كفاه فخاراً أنَّه لكمُ عبدُ

عليكم سلامُ الله ما سكبَ الحيا

دموعاً على روضٍ وفاح لها نَدُّ

وله في رثاء الإمام السبط الشهيد صلوات الله عليه قوله :

دمعٌ يبدّده مقيمٌ نازحُ

ودمٌ يبدِّده مقيمٌ نازحُ

والعين إن أمست بدمعٍ فجّرتْ

فجرت ينابيعٌ هناك موانحُ

أظهرت مكنونَ الشجون فكلّما

شجّ الأمون سجا الحَرون الجامحُ (١)

وعليَّ قد جعل الأسى تجديده

وقفاً يُضاف إلى الرحيبِ الفاسحُ

وشهود ذلِّي مع غريم صبابتي

كتبوا غرامي والسقام الشارحُ

أوهى اصطباري مطلقٌ ومقيّدٌ

غربٌ وقلبٌ بالكآبة بائحُ (٢)

فالجفنُ منسجمٌ غريقٌ سائحٌ

والقلبُ مضطرم حريقٌ قادحُ

والخدُّ خدّده طليقٌ فاترٌ

والوجدُ جدّده مُجدٌّ مازحُ

أصبحتُ تخفضني الهمومُ بنصبِها

والجسمُ مُعتلٌّ مثالٌ لائحُ

حلّتْ له حلل النحولِ فبردُهُ

بُرد الذبولِ تحلُّ فيه صفائحُ

وخطيبُ وجدي فوق منبرِ وحشتي

لفراقِهمْ لهو البليغُ الفاصحُ

__________________

(١) الشج من شجّ المفازة : قطعها. الأمون من الناقة : وثيقة الخلق ، القويّة. سجا يسجو سجواً : مدّحنينه. الحرون من الدابّة : الذي لا ينقاد ، وإذا استدبر جريه وقف. الجامح : المتغلّب على راكبه والذاهب به وهو لا ينثني. (المؤلف)

(٢) بائح من باح يبوح بوحاً بسرّه : أظهره كأباحه. (المؤلف)

٧٧

ومحرّمٌ حزني وشوّال العنا

والعيد عندي لاعجٌ ونوائحُ

ومديد صبري في بسيط تفكّري

هزجٌ ودمعي وافرٌ ومُسارحُ (١)

ساروا فمعناهم ومغناهم عفا

واليومَ فيه نوائحٌ وصوائحُ

درس الجديدُ جديدَها فتنكّرت

ورنا بها للخطبِ طرفٌ طامحُ (٢)

نسج البلى منه محقّق حسنِه

ففناؤه ماحي الرسوم الماسحُ

فطفقتُ أندبه رهينَ صبابةٍ

عدم الرفيقُ وغاب عنه الناصحُ

وأقول والزفراتُ تذكي جذوةً

بين الضلوعِ لها لهيبٌ لافحُ

لاغروَ إن غدر الزمانُ بأهلِهِ

وجفا وحان وخانَ طرفٌ لامحُ

فلقد غوى في ظلمِ آلِ محمدٍ

وعوى عليهم منه كلبٌ نابحُ

وسطا على البازي غرابٌ أسحمٌ

وشبا على الأشبالِ زنجٌ ضابحُ (٣)

وتطاول الكلبُ العقورُ فصاول ال

ليثَ الهصورَ وذاك أمرٌ فادحُ (٤)

وتواثبت عرجُ الضباع وروّعت (٥)

والسيد أضحى للأسود يكافحُ

آلُ النبيِّ بنو الوصيِّ ومنبعُ

الشرفِ العليِّ وللعلومِ مفاتحُ

خزّانُ علمِ اللهِ مهبطُ وحيهِ

وبحارُ علمٍ والأنامُ ضحاضحُ (٦)

التائبونَ العابدونَ الحامدو

نَ الذاكرونَ وجنحُ ليلٍ جانحُ

__________________

(١) إشارة إلى أنواع الشعر. (المؤلف)

(٢) رنا إليه وله : أدام النظر إليه بسكون الطرف. الطامح من طبع البصر : ارتفع ونظر شديداً. (المؤلف)

(٣) البازي من طيور الصيد وله أنواع كثيرة. الأسحم : الأسود. شبا : علا. الزنج : قوم من السودان. الضابح : المتغيّر اللون كلون الضبح أي الرماد. (المؤلف)

(٤) صاوله : واثبه. الهصور من الأسد : الذي يهصر فريسته أي يكسرها كسراً. الفادح : الصعب المثقل. (المؤلف)

(٥) تواثبت من وثب وثباً : نهض وقام. عُرج جمع الأعرج : المصاب في رجله الماشي مشية غير متساوية. الضباع : جمع الضبع. (المؤلف)

(٦) الضحضاح : الماء اليسير أو القريب القعر. (المؤلف)

٧٨

الصائمون القائمونَ المطعمو

نَ المؤثرونَ لهم يدٌ ومَنائحُ

عند الجدى سحبٌ وفي وقت الهدى

سمتٌ وفي يوم النزال جَحاجحُ (١)

هم قبلةٌ للساجدينَ وكعبةٌ

للطائفينَ ومَشعرٌ وبَطائحُ

طرقُ الهدى سُفنُ النجاة محبُّهمْ

ميزانُه يومَ القيامةِ راجحُ

ما تبلغُ الشعراءُ منهم في الثنا

واللهُ في السبع المثاني مادحُ

نسبٌ كمنبلجِ الصباحِ ومنتمىً

زاكٍ له يعنو السماك الرامحُ (٢)

الجدُّ خيرُ المرسلين محمدُ ال

هادي الأمينُ أخو الختامِ الفاتحُ

هو خاتمٌ بل فاتحٌ بل حاكمٌ

بل شاهدٌ بل شافعٌ بل صافحُ

هو أوّل الأنوارِ بل هو صفوة ال

جبّارِ والنشرُ الأريج الفائحُ

هو سيّدُ الكونين بل

هو أشرف الثقلين حقّا والنذير الناصحُ

لولاك ما خُلقَ الزمانُ ولا بدت

للعالمين مساجدٌ ومصابحُ

والأُمُّ فاطمةُ البتولُ وبضعةُ ال

هادي الرسولِ لها المهيمنُ مانحُ

حوريةٌ إنسيّةٌ لجلالِها

وجمالِها الوحيُ المنزّلُ شارحُ

والوالد الطهر الوصيُّ المرتضى

عَلمُ الهدايةِ والمنارُ الواضحُ

مولىً له النبأُ العظيمُ وحبُّه

النهجُ القويمُ به المتاجرُ رابحُ

مولىً له بغديرِ خمٍّ بيعةٌ

خضعتْ لها الأعناقُ وهي طوامحُ

القسوَرُ البتّاكُ والفتّاكُ والس

فّاكُ في يومِ العراكِ الذابحُ

أسدُ الإلهِ وسيفُهُ ووليُّه

وشقيقُ أحمَد والوصيُّ الناصحُ

وبعضدِهِ وبعضبِه وبعزمهِ

حقّا على الكفّارِ ناحَ النائحُ

__________________

(١) الجدى : العطيّة. السمت : المحجّة والطريق. الجحاجح جمع الجحجح : السيّد المسارع إلى المكارم ، المبادر. (المؤلف)

(٢) يعنو : يذلّ ويخضع. السماك الرامح : نجم معروف يسمّى بذلك لأنّه يقدمه كوكب يقولون : هو رمحه. (المؤلف)

٧٩

يا ناصرَ الإسلامِ يا بابَ الهدى

يا كاسرَ الأصنامِ فهي طوامحُ (١)

يا ليتَ عينَكَ والحسينُ بكربلا

بين الطغاةِ عن الحريمِ يكافحُ

والعادياتُ صواهلٌ وجوائلٌ

بالشوسِ في بحر النجيع سوابحُ (٢)

والبيضُ والسمرُ اللدان بوارقٌ

وطوارقٌ ولوامعٌ ولوائحُ (٣)

يلقى الردى بحرُ الندى بين العدا

حتى غَدا مُلقىً وليس مُنافحُ

أفديه محزوزَ الوريدِ مرمّلاً

ملقىً عليه التربُ سافٍ سافحُ (٤)

والماءُ طامٍ وهو ظامٍ بالعرا

فردٌ غريبٌ مستضامٌ نازحُ

والطاهراتُ حواسرٌ وثواكلٌ

بين العدا ونوادبٌ ونوائحُ

في الطفّ يَسحبنَ الذُيولَ بذلّةٍ

والدهرُ سهمَ الغدرِ رامٍ رامحُ (٥)

يسترنَ بالأردانِ نورَ محاسنٍ

صوناً وللأعداءِ طَرفٌ طامحُ

لهفي لزينبَ وهي تندبُ نَدبَها

في نَدبِها والدمعُ سارٍ سارحُ (٦)

تدعو أخي يا واحدي ومؤمّلي

من لي إذا ما ناب دهرٌ كالحٌ (٧)

من لليتامى راحمٌ من للأيامى

كافلٌ من للجفاة مناصحُ

حزني لفاطمَ تلطمُ الخدّين من

عظمِ المصابِ لها جوىً وتبارحُ (٨)

__________________

(١) مرّ حديث كسره عليه‌السلام الأصنام في صفحة : ٩ ـ ١٣ من هذا الجزء. (المؤلف)

(٢) الشوس جمع الأشوس. راجع : ص ٢٤. النجيع الدم المائل إلى السواد. سوابح جمع سابح : السريع غير المضطرب في جريه. (المؤلف)

(٣) البيض جمع الأبيض : السيف. السمر : الرماح. اللدان جمع لدن بفتح اللام : الليّن. (المؤلف)

(٤) ساف من سفى يسفي سفيا : التراب تذرّى وتبدّد. سافح : المصبوب الذي لا يحبسه شيء. (المؤلف)

(٥) يسحبن من سحب سحباً : جرّ على وجه الأرض. الرامح : الطاعن بالرمح. (المؤلف)

(٦) السارح : الجاري جريا سهلاً. (المؤلف)

(٧) ناب : نزل. الكالح من كلح وجهه : عبس وتكشّر فهو كالح. (المؤلف)

(٨) الجوى : شدّة الوجد من حزن أو عشق ، داء في الصدر. التبارح من البرح : الأذى والعذاب الشديد والمشقّة. (المؤلف)

٨٠