الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٧

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي

الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٧

المؤلف:

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي


المحقق: مركز الغدير للدّراسات الإسلاميّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
المطبعة: فروردين
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٥٧

(٣ / ١٢٥) ، تذكرة السبط (ص ٦) ، نهاية الطلب للشيخ إبراهيم الحنفي كما في الطرائف (ص ٨٦) ، الإصابة (٤ / ١١٦) ، شرح شواهد المغني (ص ١٣٦) (١).

وقال اليعقوبي في تاريخه (٢) (٢ / ٢٦): لمّا قيل لرسول الله : إنّ أبا طالب قد مات عظم ذلك في قلبه واشتدّ له جزعه ، ثمّ دخل فمسح جبينه الأيمن أربع مرّات وجبينه الأيسر ثلاث مرّات ، ثمّ قال : «يا عمّ ربّيت صغيراً ، وكفلت يتيماً ، ونصرت كبيراً ، فجزاك الله عنّي خيراً ، ومشى بين يدي سريره وجعل يعرضه ويقول : وصلتك رحم ، وجُزيت خيراً».

٤ ـ عن إسحاق بن عبد الله بن الحارث قال : قال العبّاس : يا رسول الله أترجو لأبي طالب؟ قال : «كلّ الخير أرجو من ربّي».

أخرجه ابن سعد في الطبقات (٣) (١ / ١٠٦) بسند صحيح رجاله كلّهم ثقات رجال الصحاح وهم : عفّان بن مسلّم ، وحمّاد بن سلمة ، وثابت البنائي (٤) ، وإسحاق ابن عبد الله.

وأخرجه ابن عساكر (٥) كما في الخصائص الكبرى (٦) (١ / ٨٧) ، والفقيه الحنفي

__________________

(١) دلائل النبوّة : ٢ / ٣٤٩ ، البداية والنهاية : ٣ / ١٥٥ ، تذكرة الخواص : ص ٨ ، الطرائف : ص ٣٠٥ ح ٣٩٣ ، شرح شواهد المغني : ١ / ٣٩٧ رقم ١٩٧.

(٢) تاريخ اليعقوبي : ٢ / ٣٥.

(٣) الطبقات الكبرى : ١ / ١٢٤.

(٤) في الخصائص الكبرى : البناني ، كذا ذكره ابن سعد في الطبقات الكبرى : ٧ / ٢٣٢ ، والذهبي في سير أعلام النبلاء : ٥ / ٢٢٠ ، وفي تذكرة الحفاظ : ١ / ١٢٥.

(٥) مختصر تاريخ مدينة دمشق : ٢٩ / ٣٢.

(٦) الخصائص الكبرى : ١ / ١٤٧.

٥٠١

الشيخ إبراهيم الدينوري في نهاية الطلب كما في الطرائف (١) (ص ٦٨) ، وذكره ابن أبي الحديد في شرحه (٢) (٣ / ٣١١) ، والسيوطي في التعظيم والمنّة (ص ٧) نقلاً عن ابن سعد.

٥ ـ وعن أنس بن مالك قال : أتى أعرابيّ إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : يا رسول الله لقد أتيناك وما لنا بعير يئط ، ولا صبيّ يصطبح (٣) ، ثمّ أنشد :

أتيناك والعذراءُ يدمى لبانُها

وقد شُغلتْ أمّ الصبيِّ عن الطفلِ

وألقى بكفّيه الصبيُّ استكانةً

من الجوع ضعفاً ما يمرُّ ولا يحلي

ولا شيءَ ممّا يأكلُ الناسُ عندنا

سوى الحنظلِ العامي والعِلْهِز الفسلِ (٤)

وليس لنا إلاّ إليك فرارُنا

وأين فرارُ الناس إلاّ إلى الرُّسلِ

فقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يجرّ رداءه حتى صعد المنبر فحمد الله تعالى وأثنى عليه ثمّ قال : «اللهمّ اسقنا غيثاً مغيثاً سحّا طبقاً غير رائث ، تنبت به الزرع وتملأ به الضرع ، وتحيي به الأرض بعد موتها ، وكذلك تخرجون».

فما استتمّ الدعاء حتى التقت السماء بروقها ؛ فجاء أهل البطانة يضجّون : يا رسول الله الغرق ، فقال : «حوالينا ولا علينا». فانجاب السحاب عن المدينة كالإكليل ، فضحك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى بدت نواجذه وقال : «لله درّ أبي طالب لو كان حيّا لقرّت عيناه ، من الذي ينشدنا شعره؟ فقال عليّ بن أبي طالب كرّم الله

__________________

(١) الطرائف : ص ٣٠٥ ح ٣٩٤.

(٢) شرح نهج البلاغة : ١٤ / ٦٨ كتاب ٩.

(٣) أطّت الإبل : أنّت تعباً أو حنيناً. يصطبح : يشرب اللبن صباحاً.

(٤) العِلْهِز : وَبَر الإبل يُخلط بالدم ثم يشوى بالنار ، وكان أهل الجاهلية يتخذونه طعاماً في سنيّ المجاعة. الفسل : الحقير الذي لا قيمة له.

٥٠٢

وجهه : يا رسول الله كأنّك أردت قوله :

وأبيضُ يُستسقى الغمام بوجهه

ثمالُ اليتامى عصمةٌ للأراملِ

قال : أجل» فأنشده أبياتاً من القصيدة ورسول الله يستغفر لأبي طالب على المنبر ، ثمّ قام رجل من كنانة وأنشد :

لك الحمدُ والحمدُ ممّن شكر

سُقينا بوجه النبيِّ المطرْ

دعا اللهَ خالقَه دعوةً

وأشخصَ معْها إليه البصرْ

فلم يك إلاّ كإلقاء الردا

وأسرع حتى رأينا الدَّررْ

دفاق العزاليّ جمّ البعاق (٥)

أغاثَ به اللهُ عليا مضرْ

فكان كما قاله عمُّه

أبو طالب أبيض ذو (٦) غررْ

به الله يسقي صيوب الغمام

وهذا العيانُ لذاك الخبرْ

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إن يك شاعراً يحسن فقد أحسنت».

أعلام النبوّة للماوردي (ص ٧٧) ؛ بدائع الصنائع (١ / ٢٨٣) ، شرح ابن أبي الحديد (٣ / ٣١٦) ، السيرة الحلبيّة ، عمدة القاري (٣ / ٤٣٥) ، شرح شواهد المغني للسيوطي (ص ١٣٦) ، سيرة زيني دحلان (١ / ٨٧) ، أسنى المطالب (ص ١٥) ، طلبة الطالب (ص ٤٣) (٧).

قال البرزنجي كما في أسنى المطالب : فقول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لله درّ أبي طالب»

__________________

(٥) راجع ص ٤ من الجزء الثاني من هذا الكتاب. (المؤلف)

(٦) كذا في المصدر بالواو وحقّه النصب بالألف لأنّه خبر (كان).

(٧) أعلام النبوّة : ص ١٣٠ ، شرح نهج البلاغة : ١٤ / ٨١ كتاب ٩ ، السيرة الحلبيّة : ١ / ١١٦ ، عمدة القاري : ٧ / ٣١ ، شرح شواهد المغني : ١ / ٣٩٨ رقم ١٩٧ ، السيرة النبوية : ١ / ٤٣ ، أسنى المطالب : ص ٢٦.

٥٠٣

يشهد له بأنّه لو رأى النبيّ وهو يستسقي على المنبر لسرّه ذلك ، ولقرّت عيناه ، فهذا من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شهادة لأبي طالب بعد موته أنّه كان يفرح بكلمات النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتقرّ عينه بها ، وما ذلك إلاّ لسرّ وقر في قلبه من تصديقه بنبوّته وعلمه بكمالاته. انتهى.

قال الأميني : وذكر جمع هذا الحديث في استسقاء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحذف منه كلمة : «لله درّ أبي طالب». وأنت أعرف منّي بالغاية المتوخّاة في هذا التحريف ، ولا يفوتنا عرفانها.

٦ ـ قال ابن أبي الحديد في شرحه (١) (٣ / ٣١٦) : ورد في السير والمغازي أنّ عتبة ابن ربيعة أو شيبة لمّا قطع رجل أبي عبيدة بن الحارث بن المطّلب يوم بدر أشبل (٢) عليه عليّ وحمزة فاستنقذاه منه وخبطا عتبة بسيفهما حتى قتلاه ، واحتملا صاحبهما من المعركة إلى العريش فألقياه بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإنّ مخّ ساقه ليسيل ، فقال : يا رسول الله لو كان أبو طالب حيّا لعلم أنّه قد صدق في قوله :

كذبتم وبيتِ اللهِ نُخلي محمداً

ولمّا نطاعن دونه ونناضلِ

وننصره حتى نصرّع حوله

ونذهل عن أبنائنا والحلائلِ

فقالوا : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم استغفر له ولأبي طالب يومئذٍ.

٧ ـ عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال لعقيل بن أبي طالب : «يا أبا يزيد إنّي أحبّك حبّين حبّا لقرابتك منّي ، وحبّا لما كنت أعلم من حبّ عمّي أبي طالب إيّاك».

__________________

(١) شرح نهج البلاغة : ١٤ / ٨٠ كتاب ٩.

(٢) أشبل : عطف.

٥٠٤

أخرجه (١) أبو عمر في الاستيعاب (٢ / ٥٠٩) ، والبغوي ، والطبراني كما في ذخائر العقبى (ص ٢٢٢) ، وتاريخ الخميس (١ / ١٦٣) ؛ وعماد الدين يحيى العامري في بهجة المحافل (١ / ٣٢٧) ، وذكره ابن أبي الحديد في شرحه (٣ / ٣١٢) وقال : قالوا : اشتهر واستفاض هذا الحديث ، والهيثمي في مجمع الزوائد (٩ / ٢٧٣) وقال : رجاله ثقات.

هذا شاهد صدق على أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يعتقد إيمان عمّه ، وإلاّ فما قيمة حبّ كافر لأيّ أحد حتى يكون سبباً لحبّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أولاده؟

وقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هذا لعقيل كان بعد إسلامه كما نصّ عليه الإمام العامري في بهجة المحافل وقال : وفيها إسلام عقيل بن أبي طالب الهاشمي ، ولمّا أسلم قال له النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا أبا يزيد. إلى آخره.

وقال جمال الدين الأشخر اليمني في شرح البهجة عند شرح الحديث : ومن شأن المحبّ محبّة حبيب الحبيب.

ألا تعجب من حبّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبا طالب إن لم يك معتنقاً لدينه ـ العياذ بالله ـ ومن إعرابه عنه بعد وفاته. ومن حبّه عقيلاً لحب أبيه إيّاه؟

٨ ـ أخرج أبو نعيم (٢) وغيره عن ابن عبّاس وغيره قالوا : كان أبو طالب يحبّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حبّا شديداً لا يحبّ أولاده مثله ، ويقدمه على أولاده ؛ ولذا كان لا ينام إلاّ إلى جنبه ، ويخرجه معه حين يخرج.

__________________

(١) الاستيعاب : القسم الثالث / ١٠٧٨ رقم ١٨٣٤ ، المعجم الكبير : ١٧ / ١٩١ ح ٥١٠ ، شرح نهج البلاغة : ١٤ / ٧٠ كتاب ٩.

(٢) دلائل النبوّة : ١ / ٢٠٩ و ٢١٢.

٥٠٥

ولمّا مات أبو طالب نالت قريش منه من الأذى ما لم تكن تطمع فيه في حياة أبي طالب ، حتى اعترضه سفيه من سفهاء قريش فنثر على رأسه تراباً ، فدخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيته والتراب على رأسه ؛ فقامت إليه إحدى بناته تغسل عنه التراب وتبكي ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول لها : «يا بنيّة لا تبكي فإنّ الله مانع أباك ، ما نالت منّي قريش شيئاً أكرهه حتى مات أبو طالب» (١).

وفي لفظ : «ما زالت قريش كاعّين ـ أي جبناء ـ حتى مات أبو طالب».

وفي لفظ : «ما زالت قريش كاعّة حتى مات أبو طالب».

تاريخ الطبري (٢ / ٢٢٩) ، تاريخ ابن عساكر (١ / ٢٨٤) ، مستدرك الحاكم (٢ / ٦٢٢) ، تاريخ ابن كثير (٣ / ١٢٢ ، ١٣٤) ، الصفوة لابن الجوزي (١ / ٢١) ، الفائق للزمخشري (٢ / ٢١٣) ، تاريخ الخميس (١ / ٢٥٣) ، السيرة الحلبيّة (١ / ٣٧٥) ، فتح الباري (٧ / ١٥٣ ، ١٥٤) ، شرح شواهد المغني (ص ١٣٦) نقلاً عن البيهقي ، أسنى المطالب (ص ١١ ، ٢١) ، طلبة الطالب (ص ٤ ، ٥٤).

٩ ـ عن عبد الله قال : لمّا نظر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم بدر إلى القتلى وهم مصرّعون قال لأبي بكر : «لو أنّ أبا طالب حيّ لعلم أنّ أسيافنا قد أخذت بالأماثل» يعني قول أبي طالب :

كذبتم وبيت الله إن جدَّ ما أرى

لتلتبسنْ أسيافُنا بالأماثلِ.

__________________

(١) تاريخ الأمم والملوك : ٢ / ٣٤٤ ، مختصر تاريخ دمشق : ٢٩ / ٣٣ ، المستدرك على الصحيحين : ٢ / ٦٧٩ ح ٤٢٤٣ ، البداية والنهاية : ٣ / ١٠٦ و ١٥١ ، صفة الصفوة : ١ / ٦٦ و ١٠٥ رقم ١ ، الفائق : ٣ / ٢٩٠ ، السيرة الحلبيّة : ١ / ٣٥٣ ، فتح الباري : ٧ / ١٩٤ ، شرح شواهد المغني : ١ / ٣٩٧ رقم ١٩٧ ، دلائل النبوّة : ٢ / ٣٥٠ ، أسنى المطالب : ص ١٩ و ٣٨.

٥٠٦

الأغاني (١) (١٧ / ٢٨) ، طلبة الطالب (ص ٣٨) نقلاً عن دلائل الإعجاز (٢).

١٠ ـ أخرج الحافظ الكنجي في الكفاية (٣) (ص ٦٨) : من طريق الحافظ ابن فنجويه عن ابن عبّاس في حديث مرفوعاً قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليّ : لو كنت مستخلفاً أحداً لم يكن أحد أحقّ منك لقدمتك في الإسلام ، وقرابتك من رسول الله ، وصهرك وعندك فاطمة سيّدة نساء المؤمنين وقبل ذلك ما كان من بلاء أبي طالب ، إياي حين نزل القرآن وأنا حريص أن أرعى ذلك في ولده بعده.

قال الأميني : إنّ شيئاً من مضامين هذه الأحاديث لا يتّفق مع كفر أبي طالب ، فهو صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يأمر خليفته الإمام عليه‌السلام بتكفين كافر ولا تغسيله ، ولا يستغفر له ولا يترحّم عليه ، كما في الحديث الثاني ، ولا يُجزّيه خيراً كما في الحديث الثالث ، ولا يرجو له بعض الخير ـ فضلاً عن كلّه ـ كما في الحديث الرابع ، ولا يستدرّ له الخير كما في حديث الاستسقاء ، ولا يستغفر له كما في الحديث السادس ، ولا يحبّ عقيلاً لحبّه إيّاه ؛ فإنّ الكفر يزع المسلم عن بعض هذه ، فكيف بكلّها فضلاً عن نبيّ الإسلام صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟ وهو الصادع بقول الله العزيز : (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) (٤).

وقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِ) (٥).

__________________

(١) الأغاني : ١٨ / ٢١٤.

(٢) دلائل الإعجاز : ص ١٥.

(٣) كفاية الطالب : ص ١٦٦. وانظر الدر المنثور : ٨ / ٦٦١.

(٤) المجادلة : ٢٢.

(٥) الممتحنة : ١.

٥٠٧

وقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ أَوْلِياءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (١).

وقوله تعالى : (وَلَوْ كانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالنَّبِيِّ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِياءَ) (٢). إلى آيات أخرى.

الكلم الطيّب :

أخرج تمام الرازي في فوائده ؛ بإسنادهِ عن عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إذا كان يوم القيامة شفعت لأبي وأُمّي وعمّي أبي طالب وأخٍ لي كان في الجاهليّة».

ذخائر العقبى (ص ٧) ، الدرج المنيفة للسيوطي (ص ٧) ، مسالك الحنفا (ص ١٤) ، وقال فيه : أخرجه أبو نعيم وغيره وفيه التصريح بأنّ الأخ من الرضاعة ، فالطرق عدّة يشدّ بعضها بعضاً ؛ فإنّ الحديث الضعيف يتقوّى بكثرة طرقه ، وأمثلها حديث ابن مسعود فإنّ الحاكم صحّحه.

وفي تاريخ اليعقوبي (٣) (٢ / ٢٦) روي عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «إنّ الله عزّ وجلّ وعدني في أربعة : في أبي وأُمّي وعمّي وأخٍ كان لي في الجاهليّة».

أخرج ابن الجوزي بإسناده عن عليّ عليه‌السلام مرفوعاً : «هبط جبرئيل عليه‌السلام عليّ فقال : إنّ الله يقرئك السلام ويقول : حرِّمت النار على صلب أنزلك ، وبطن حملك ، وحجر كفلك» ، أمّا الصلب فعبدالله ، وأمّا البطن فآمنة ، وأمّا الحجر فعمّه ـ يعني أبا طالب ـ

__________________

(١) التوبة : ٢٣.

(٢) المائدة : ٨١.

(٣) تاريخ اليعقوبي : ٢ / ٣٥.

٥٠٨

وفاطمة بنت أسد. التعظيم والمنّة للحافظ السيوطي (ص ٢٥).

وفي شرح ابن أبي الحديد (١) (٣ / ٣١١) : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «قال لي جبرائيل : إنّ الله مشفّعك في ستّة : بطن حملتك آمنة بنت وهب ، وصلب أنزلك عبد الله ابن عبد المطّلب ، وحجر كفلك أبو طالب ، وبيت آواك عبد المطّلب ، وأخ كان لك في الجاهليّة» إلى آخرهِ.

رثاء أمير المؤمنين والده العظيم :

ذكر سبط ابن الجوزي في تذكرته (٢) (ص ٦) : أنّ عليّا عليه‌السلام قال في رثاء أبي طالب :

أبا طالبٍ عصمةَ المستجيرِ

وغيثَ المحولِ ونور الظلَمْ

لقد هدَّ فقدُك أهل الحفاظِ

فصلّى عليك وليُّ النعمْ

ولقّاك ربُّك رضوانه

فقد كنت للطهر من خير عمْ

هذه الأبيات توجد في ديوان أبي طالب أيضاً (ص ٣٦) ، وذكرها أبو عليّ الموضح كما في كتاب الحجّة (٣) (ص ٢٤) للسيّد فخار ابن معد المتوفّى (٦٣٠) ، وقال ابن أبي الحديد : قال أيضاً :

أرقتُ لِطيرٍ آخرَ الليلِ غرّدا

يذكّرني شجواً عظيماً مجدَّدا

أبا طالبٍ مأوى الصعاليكِ ذا الندى

جواداً إذا ما أصدر الأمرَ أوردا

فأمستْ قريشٌ يفرحون بموتِهِ

ولست أرى حيّا يكون مخلّدا

أرادوا أموراً زيّنتها حُلومُهم

ستوردُهم يوماً من الغيِّ موردا

__________________

(١) شرح نهج البلاغة : ١٤ / ٦٧ كتاب ٩.

(٢) تذكرة الخواص : ص ٩.

(٣) الحجّة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب : ص ١٢٢.

٥٠٩

يُرجُّون تكذيبَ النبيِّ وقتلَهُ

وأن يُفترى قِدما عليه ويجحدا

كذبتمْ وبيتِ اللهِ حتى نذيقَكمْ

صدورَ العوالي والحسامَ المهنّدا

فإمّا تبيدونا وإمّا نبيدُكم

وإمّا تروا سلمَ العشيرةِ أرشدا

وإلاّ فإنَّ الحيَّ دون محمدٍ

بني هاشم خير البريّة محتدا (١)

هذه الأبيات توجد في الديوان المنسوب إلى مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام مع تغيير يسير وزيادة وإليك نصّها :

أرقت لنوح آخر الليل غرّدا

يُذكّرني شجواً عظيماً مجدَّداً

أبا طالب مأوى الصعاليك ذا الندى

وذا الحلم لا خُلفاً ولم يك قُعددا

أخا الملك خلّى ثلمةً سيسدّها

بنو هاشم أو يستباح فيهمدا

فأمست قريشٌ يفرحون بفقدِهِ

ولست أرى حيّا لشيء مُخلّدا

أرادت أموراً زيّنتها حلومهم

ستوردهم يوماً من الغيِّ موردا

يُرجُّون تكذيبَ النبيِّ وقتلَه

وأن يفتروا بهتاً عليه ويُجحدا

كذبتم وبيتِ اللهِ حتى نذيقَكمْ

صدورَ العوالي والصفيحَ المهنّدا

ويبدوَ مِنّا منظرٌ ذو كريهةٍ

إذا ما تسربلنا الحديدَ المسرَّدا

فإمّا تبيدونا وإمّا نبيدُكمْ

وإمّا تروا سلمَ العشيرةِ أرشدا

وإلاّ فإنَّ الحيَّ دون محمدٍ

بنو هاشم خيرُ البريّة محتدا

وإنَّ له فيكم من اللهِ ناصراً

ولست بلاقٍ صاحب الله أوحدا

نبيٌّ أتى من كلِّ وحيٍ بحظّهِ

فسمّاه ربِّي في الكتاب محمدا

أغرُّ كضوء البدر صورة وجهه

جلا الغيمَ عنه ضوؤه فتوقّدا

أمينٌ على ما استودع اللهُ قلبَه

وإن كان قولاً كان فيه مسدَّدا

__________________

(١) هذه الأبيات لم نعثر عليها في شرح ابن أبي الحديد ، وهي موجودة بتمامها في تذكرة الخواص : ص ٩.

٥١٠

كلمة الإمام السجّاد :

قال ابن أبي الحديد في شرحه (١) (٣ / ٣١٢) : روي أنّ عليّ بن الحسين عليه‌السلام سئل عن هذا ـ يعني عن إيمان أبي طالب ـ فقال : «وا عجبا إنّ الله تعالى نهى رسوله أن يقرّ مسلمة على نكاح كافر وقد كانت فاطمة بنت أسد من السابقات إلى الإسلام ولم تزل تحت أبي طالب حتى مات».

كلمة الإمام الباقر :

سُئل عليه‌السلام عمّا يقول الناس إنّ أبا طالب في ضحضاح من نار فقال : «لو وضع إيمان أبي طالب في كفّة ميزان وإيمان هذا الخلق في الكفّة الأخرى لرجح إيمانه» ثمّ قال : «ألم تعلموا أنّ أمير المؤمنين عليّا عليه‌السلام كان يأمر أن يحجّ عن عبد الله وابنه (٢) وأبي طالب في حياته ثمّ أوصى في وصيّته بالحجّ عنهم».

شرح ابن أبي الحديد (٣) (٣ / ٣١١).

كلمة الإمام الصادق :

روي عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عليهما‌السلام أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «إنّ أصحاب الكهف أسرّوا الإيمان وأظهروا الكفر فآتاهم الله أجرهم مرّتين ، وإنّ أبا طالب أسرّ الإيمان وأظهر الشرك فآتاه الله أجرهُ مرّتين». شرح ابن أبي الحديد (٤) (٣ / ٣١٢)

قال الأميني : هذا الحديث أخرجه ثقة الإسلام الكليني في أصول الكافي (٥)

__________________

(١) شرح نهج البلاغة : ١٤ / ٦٩ و ٦٨ كتاب ٩.

(٢) كذا في الطبعة التي اعتمدها العلاّمة رحمه‌الله من شرح النهج ، وفي الطبعة المحقّقه : وأبيه أبي طالب.

(٣) شرح نهج البلاغة : ١٤ / ٦٨ كتاب ٩.

(٤) شرح نهج البلاغة : ١٤ / ٧٠ كتاب ٩.

(٥) أصول الكافي : ١ / ٤٤٨ ح ٢٨.

٥١١

(ص ٢٤٤) عن الإمام الصادق غير مرفوع ولفظه : «إنّ مثل أبي طالب مثل أصحاب الكهف أسرّوا الإيمان وأظهروا الشرك فآتاهم الله أجرهم مرّتين».

وبلفظ ابن أبي الحديد ذكره السيّد ابن معد في كتابه الحجّة (١) (ص ١٧) من طريق الحسين بن أحمد المالكي وزاد فيه : «وما خرج من الدنيا حتى أتته البشارة من الله تعالى بالجنّة».

كلمة الإمام الرضا :

كتب أبان بن محمود إلى عليّ بن موسى الرضا عليه‌السلام : جعلت فداك إنّي قد شككت في إسلام أبي طالب.

فكتب إليه : (وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ) (٢). الآية ، وبعدها «إنّك إن لم تقرّ بإيمان أبي طالب كان مصيرك إلى النار» شرح ابن أبي الحديد (٣) ٣ / ٣١١.

قصارى القول في سيّد الأبطح عند القوم :

إنّ كلاّ من هذه العقود الذهبيّة بمفرده كافٍ في إثبات الغرض فكيف بمجموعها ، ومن المقطوع به أنّ الأئمّة من ولد أبي طالب عليه‌السلام أبصر الناس بحال أبيهم ، وأنّهم لم ينوّهوا إلاّ بمحض الحقيقة ، فإنّ العصمة فيهم رادعة عن غير ذلك ، ولقد أجاد مفتي الشافعيّة بمكّة المكرّمة في أسنى المطالب ، حيث قال (٤) في (ص ٣٣):

هذا المسلك الذي سلكه العلاّمة السيّد محمد بن رسول البرزنجي في نجاة أبي

__________________

(١) الحجّة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب : ص ٨٤.

(٢) النساء : ١١٥.

(٣) شرح نهج البلاغة : ١٤ / ٦٨ كتاب ٩.

(٤) أسنى المطالب : ص ٥٩ ـ ٦٠.

٥١٢

طالب لم يسبقه إليه أحد فجزاه الله أفضل الجزاء ، ومسلكه هذا الذي سلكه يرتضيه كلّ من كان متّصفاً بالإنصاف من أهل الإيمان ، لأنّه ليس فيه إبطال شيء من النصوص ولا تضعيف لها ، وغاية ما فيه أنّه حملها على معانٍ مستحسنة يزول بها الإشكال ويرتفع الجدال ، ويحصل بذلك قرّة عين النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والسلامة من الوقوع في تنقيص أبي طالب أو بغضه ، فإنّ ذلك يؤذي النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد قال الله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً) (١) وقال تعالى : (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (٢).

وقد ذكر الإمام أحمد بن الحسين الموصلي الحنفي المشهور بابن وحشي في شرحه على الكتاب المسمّى بشهاب الأخبار للعلاّمة محمد بن سلامة القضاعي المتوفّى (٤٥٤) : أنّ بغض أبي طالب كفر. ونصّ على ذلك أيضاً من أئمّة المالكيّة العلاّمة عليّ الأجهوري في فتاويه ، والتلمساني في حاشيته على الشفاء ، فقال عند ذكر أبي طالب : لا ينبغي أن يذكر إلاّ بحماية النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأنّه حماه ونصره بقوله وفعله ، وفي ذكره بمكروه أذيّة للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومؤذي النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كافر ، والكافر يقتل ، وقال أبو طاهر : من أبغض أبا طالب فهو كافر.

وممّا يؤيّد هذا التحقيق الذي حقّقه العلاّمة البرزنجي في نجاة أبي طالب أنّ كثيراً من العلماء المحقّقين وكثيراً من الأولياء العارفين أرباب الكشف قالوا بنجاة أبي طالب ، منهم : القرطبي والسبكي والشعراني وخلائق كثيرون ، وقالوا : هذا الذي نعتقده وندين الله به ، وإن كان ثبوت ذلك عندهم بطريق غير الطريق الذي سلكه البرزنجي ، فقد اتّفق معهم على القول بنجاته ، فقول هؤلاء الأئمّة بنجاته أسلم للعبد عند الله تعالى لا سيّما مع قيام هذه الدلائل والبراهين التي أثبتها العلاّمة البرزنجي. انتهى.

__________________

(١) الأحزاب : ٥٧.

(٢) التوبة : ٦١.

٥١٣

وذكر السيّد زيني دحلان في أسنى المطالب (١) (ص ٤٣) قال : ولله درّ القائل :

قفا بمطلعِ سعدٍ عزّ ناديه

وأمليا شرحَ شوقي في مغانيه

واستقبلا مطلعَ الأنوار في أُفق ال

حجون واحترسا أن تبهرا فيه

مغنىً به وابلُ الرضوانِ منهمرٌ

ونائراتُ الهدى دلّت مناديه

قفا فذا بلبلُ الأفراحِ من طربٍ

يروي بديعَ المعاني في أماليه

واستمليا لأحاديث العجائب عن

بحرٍ هناك بديعٍ في معانيه

حامي الذمارِ مجير الجارِ من كرمت

منه السجابا فلم يفخرْ مباريه

عمّ النبيِّ الذي لم يُثنِهِ حسدٌ

عن نصرِه فتغالى في مراضيه

هو الذي لم يزل حصناً لحضرته

موفَّقاً لرسول الله يحميه

وكلُّ خير ترجّاه النبيُّ له

وهو الذي قطُّ ما خابت أمانيه

فيا من أمَّ العلى في الخالدات غدا

أغث لِلَهفانه واسعف مناديه

قد خصّك اللهُ بالمختارِ تكلؤه

وتستعزُّ به فخراً وتطريه

عُنيتَ بالحبِّ في طه ففزت به

ومن ينل حبَّ طه فهو يكفيه

كم شمتَ آياتِ صدقٍ يستضاء بها

وتملأُ القلبَ إيماناً وترويه

من الذي فاز في الماضين أجمعِهمْ

بمثل ما فزت من طه وباريه

كفلتَ خيرَ الورى في يتمِهِ شغفاً

وبتَّ بالروحِ والأبناءِ تفديه

عضدته حين عادته عشيرتهُ

وكنت حائطَه من بغيِ شانيه

نصرتَ من لم يَشمَّ الكونُ رائحةَ ال

وجودِ لو لم يقدَّر كونُه فيه

إنَّ الذي قمتَ في تأييدِ شوكتِه

هو الذي لم يكن شيءٌ يساويه

إنَّ الذي أنت قد أحببتَ طلعتَهُ

حبيبُ مَن كلُّ شيء في أياديه

لله درُّك من قنّاص فرصتِهِ

مذشمت برق الأماني من نواحيه

__________________

(١) أسنى المطالب : ٧٧ ـ ٧٩.

٥١٤

يهنيك فوزُكَ أن قدّمت منك يداً

إلى مليٍّ وفيٍّ في جوازيه

من يُسْدِ أحسنَ معروفٍ لأحسنِ من

جازى ينلْ فوق ما نالت أمانيه

ومن سعى لسعيدٍ في مطالبِهِ

فهو الحريُّ بأن تحظى أماليه

فيا سعيد المساعي في متاجره

قد جئتُ ربعَكَ أستهمي غواديه

مستمطراً منك مزنَ الخيرِ معترفاً

بأنَّ غرسَ المنى يعنى بصافيه

إلى آخره.

ثمّ قال (١) في (ص ٤٤) وقيل أيضاً :

إنَّ القلوبَ لتبكي حين تسمعُ ما

أبدى أبو طالبٍ في حقِّ من عظما

فإن يكن أجمعَ الأعلامُ أنَّ له

ناراً فلله كلُّ الكون يفعل ما (٢)

أمّا إذا اختلفوا فالرأي أن نردا

موارداً يرتضيها عقلُ من سلما

نتابع المثبتي الإيمان من زمرٍ

في معظم الدين تابعناهمُ فكما (٣)

وهم عدولٌ خيارٌ في مقاصدِهم

فلا نقل إنَّهم لن يبلغوا عظما

لا تزدريهم أتدري من همو فهمو

همو عرى الدين قد أضحوا به زُعَما

هم السيوطيُ (٤) والسبكيُّ مع نفرٍ

كعدّة النقبا حفّاظٍ اهل حمى

وأهل كشف وشعرانيُّهم وكذا

القرطبي والسحيمي الجميع كما (٥)

__________________

(١) أسنى المطالب : ص ٨١.

(٢) أي يفعل ما يشاء. (المؤلف)

(٣) أي كما تابعناهم في معظم الدين نتابعهم في هذا. (المؤلف)

(٤) للسيوطي كتاب : بغية الطالب لإيمان أبي طالب وحسن خاتمته. توجد نسخته في مكتبة (قوله) بمصر ضمن مجموعة رقم ١٦ ، وهي بخطّ السيّد محمود ، فرغ من الكتابة : سنة ١١٠٥. راجع الذريعة لشيخنا الطهراني : ٢ / ٥١١. (المؤلف)

(٥) أي كما ترى في الوثاقة. (المؤلف)

٥١٥

ـ ٤ ـ

ما أسنده إليه من لاث به وبخع له

هؤلاء شيعة أهل البيت عليهم‌السلام لا يشكّ أحد منهم في إيمان أبي طالب عليه‌السلام ويرونه في أسمى مراقيه وعلى صهوته العليا آخذين ذلك يداً عن يد حتى ينتهي الدور إلى الصحابة منهم والتابعين لهم بإحسان ، ومذعنين في ذلك بنصوص أئمّتهم عليهم‌السلام بعد ما ثبت عن جدّهم الأقدس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال المعلّم الأكبر شيخنا المفيد في أوائل المقالات (١) (ص ٤٥) : اتّفقت الإماميّة على أنّ آباء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من لدن آدم إلى عبد الله مؤمنون بالله موحّدون. إلى أن قال : وأجمعوا على أنّ عمّه أبا طالب مات مؤمناً ، وأنّ آمنة بنت وهب كانت على التوحيد. إلخ.

وقال شيخ الطائفة أبو جعفر الطوسي في التبيان (٢) (٢ / ٣٩٨) : عن أبي عبد الله وأبي جعفر عليهما‌السلام أنّ أبا طالب كان مسلماً ، وعليه إجماع الإماميّة لا يختلفون فيه ، ولها على ذلك أدلّة قاطعة موجبة للعلم.

وقال شيخنا الطبرسي في مجمع البيان (٣) (٢ / ٢٨٧) : قد ثبت إجماع أهل البيت على إيمان أبي طالب وإجماعهم حجّة ؛ لأنّهم أحد الثقلين اللذين أمر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالتمسّك بهما بقوله : «إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا».

وقال سيّدنا ابن معد الفخار : لقد كان يكفينا من الاستدلال على إيمان أبي طالب عليه‌السلام إجماع أهل بيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعليهم أجمعين وعلماء شيعتهم على إسلامه واتّفاقهم على إيمانه ، ولو لم يرد عنه من الأفعال التي لا يفعلها إلاّ المؤمنون ،

__________________

(١) أوائل المقالات : ص ٥١.

(٢) التبيان : ٨ / ١٦٤.

(٣) مجمع البيان : ٤ / ٤٤٤.

٥١٦

والأقوال التي لا يقولها إلاّ المسلمون ، ما يشهد له بصحّة الإسلام وتحقيق الإيمان ، إذ كان إجماعهم حجّة يعتمد عليها ودلالة يصمد إليها. كتاب الحجّة (١) (ص ١٣).

وقال شيخنا الفتّال في روضة الواعظين (٢) (ص ١٢٠) : اعلم أنّ الطائفة المحقّة قد أجمعت على أنّ أبا طالب ، وعبد الله بن عبد المطّلب ، وآمنة بنت وهب ، كانوا مؤمنين وإجماعهم حجّة.

وقال سيّدنا الحجّة ابن طاووس في الطرائف (٣) (ص ٨٤) : إنّني وجدت علماء هذه العترة مجمعين على إيمان أبي طالب. وقال (٤) في (ص ٨٧) : لا ريب أنّ العترة أعرف بباطن أبي طالب من الأجانب ، وشيعة أهل البيت عليهم‌السلام مجمعون على ذلك ، ولهم فيه مصنّفات ، وما رأينا ولا سمعنا أنّ مسلماً أُحوِجوا فيه إلى مثل ما أُحوِجوا في إيمان أبي طالب ، والذي نعرفه منهم أنَّهم يثبتون إيمان الكافر بأدنى سبب ، وبأدنى خبر واحد وبالتلويح ، وقد بلغت عداوتهم لبني هاشم إلى إنكار إيمان أبي طالب مع ثبوت ذلك عليه بالحجج الثواقب ، إنّ هذا من جملة العجائب.

وقال ابن أبي الحديد في شرحه (٥) (٣ / ٣١١) : اختلف الناس في إيمان أبي طالب ؛ فقالت الإماميّة وأكثر الزيديّة : ما مات إلاّ مسلماً ، وقال بعض شيوخنا المعتزلة بذلك ؛ منهم الشيخ أبو القاسم البلخي وأبو جعفر الإسكافي وغيرهما.

وقال العلاّمة المجلسي في البحار (٦) (٩ / ٢٩) : قد أجمعت الشيعة على إسلامه وأنّه

__________________

(١) الحجّة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب : ص ٦٤.

(٢) روضة الواعظين : ١ / ١٣٨.

(٣) الطرائف : ص ٢٩٨.

(٤) الطرائف : ص ٣٠٦.

(٥) شرح نهج البلاغة : ١٤ / ٦٥ كتاب ٩.

(٦) بحار الأنوار : ٣٥ / ١٣٨ ح ٨٤.

٥١٧

قد آمن بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أوّل الأمر ، ولم يعبد صنماً قطّ ، بل كان من أوصياء إبراهيم عليه‌السلام واشتهر إسلامه من مذهب الشيعة حتى إنّ المخالفين كلّهم نسبوا ذلك إليهم وتواترت الأخبار من طرق الخاصّة والعامّة في ذلك ، وصنّف كثير من علمائنا ومحدّثينا كتاباً مفرداً (١) في ذلك ، كما لا يخفى على من تتبّع كتب الرجال.

ومستند هذا الإجماعات إنّما هو ما جاء به رجالات بيت الوحي في سيّد الأبطح ، وإليك أربعون حديثاً :

١ ـ أخرج شيخنا أبو علي الفتّال وغيره عن أبي عبد الله الصادق عليه‌السلام قال : «نزل جبرئيل عليه‌السلام على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : يا محمد إنّ ربّك يقرئك السلام ويقول : إنّي قد حرّمت النار على صُلب أنزلك ، وبطن حملك ، وحجر كفلك. فالصُلب صُلب أبيه عبد الله بن عبد المطّلب ، والبطن الذي حملك آمنة بنت وهب ، وأمّا حجر كفلك فحجر أبي طالب». وزاد في رواية : «وفاطمة بنت أسد» (٢). روضة الواعظين (٣) (ص ١٢١).

راجع (٤) الكافي لثقة الإسلام الكليني (ص ٢٤٢) ، معاني الأخبار للصدوق ، كتاب الحجّة للسيد فخار بن معد (ص ٨) ، ورواه شيخنا المفسِّر الكبير أبو الفتوح الرازي في تفسيره (٤ / ٢١٠) ولفظه : «إنّ الله عزّ وجلّ حرّم على النار صُلباً أنزلك ، وبطناً حملك ، وثدياً أرضعك ، وحجراً كفلك».

٢ ـ عن أمير المؤمنين قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «هبط عليّ جبرئيل فقال لي : يا محمد إنّ الله عزّ وجلّ مشفّعك في ستّة : بطن حملتك آمنة بنت وهب ، وصُلب

__________________

(١) ستوافيك عدّة ممّن أفرد التأليف في إيمان أبي طالب عليه‌السلام. (المؤلف)

(٢) راجع ما أسلفناه : ص ٣٧٨. (المؤلف)

(٣) روضة الواعظين : ١ / ١٣٩.

(٤) أصول الكافي : ١ / ٤٤٦ ح ٢١ ، معاني الأخبار : ص ١٣٦ ح ١ ، الحجّة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب : ص ٤٨ ، تفسير أبو الفتوح الرازي : ٨ / ٤٧٠.

٥١٨

أنزلك عبد الله بن عبد المطّلب ، وحجر كفلك أبو طالب ، وبيت آواك عبد المطّلب ، وأخ كان لك في الجاهليّة ، وثدي أرضعك حليمة بنت أبي ذؤيب».

رواه السيد فخار بن معد في كتاب الحجّة (١) (ص ٨).

٣ ـ روى شيخنا المعلّم الأكبر الشيخ المفيد بإسناد يرفعه قال : لمّا مات أبو طالب أتى أمير المؤمنين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فآذنه بموته فتوجّع توجّعاً عظيماً وحزن حزناً شديداً ثمّ قال لأمير المؤمنين عليه‌السلام : «امض يا عليّ فتولَّ أمره ، وتولَّ غسله وتحنيطه وتكفينه ، فإذا رفعته على سريره فأعلمني». ففعل ذلك أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فلمّا رفعه على السرير اعترضه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فرقّ وتحزّن ، وقال : «وصلتك رحم وجُزيت خيراً يا عمّ ، فلقد ربّيت وكفلت صغيراً ، ونصرت وآزرت كبيراً» ، ثمّ أقبل على الناس وقال : «أمَ والله لأشفعنّ لعمّي شفاعة يعجب بها أهل الثقلين».

وفي لفظ شيخنا الصدوق : «يا عم كفلت يتيماً ، وربّيت صغيراً ، ونصرت كبيراً فجزاك الله عنّي خيراً» (٢).

راجع (٣) : تفسير علي بن إبراهيم (ص ٣٥٥) ، أمالي ابن بابويه الصدوق ، الفصول المختارة لسيدنا الشريف المرتضى (ص ٨٠) ، الحجّة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب (ص ٦٧) ، بحار الأنوار (٩ / ١٥) ، الدرجات الرفيعة لسيّدنا الشيرازي ، ضياء العالمين.

٤ ـ عن العبّاس بن عبد المطّلب رضى الله عنه أنّه سأل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : ما ترجو لأبي طالب؟ فقال : «كلّ الخير أرجو من ربّي عزّ وجلّ».

__________________

(١) الحجّة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب : ٤٨.

(٢) راجع ما مرّ في صفحة : ٣٧٣. (المؤلف)

(٣) تفسير عليّ بن إبراهيم القمي : ١ / ٣٨٠ ، الأمالي : ص ٣٣٠ ، الفصول المختارة : ص ٢٢٨ ، الحجّة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب : ص ٢٦٥ ، بحار الأنوار : ٣٥ / ٦٨ ، الدرجات الرفيعة : ص ٦١.

٥١٩

كتاب الحجّة (١) (ص ١٥) الدرجات الرفيعة (٢). راجع ما أسلفناه (ص ٣٧٣).

٥ ـ عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال لعقيل بن أبي طالب : «أنا أحبّك يا عقيل حبّين : حبّا لك وحبّا لأبي طالب لأنّه كان يحبّك» (٣).

علل الشرائع لشيخنا الصدوق. الحجّة (ص ٣٤) ، بحار الأنوار (٩ / ١٦) (٤).

٦ ـ عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «لو قمت المقام المحمود لشفعت في أبي وأمّي وعمّي وأخ [ كان ] (٥) لي مواخياً في الجاهليّة». تفسير علي بن إبراهيم (ص ٣٥٥ ، ٤٩٠) ، تفسير البرهان (٦) (٣ / ٧٩٤). راجع ما أسلفناه في صفحة (٣٧٨).

٧ ـ عن الإمام السبط الحسين بن عليّ عن والده أمير المؤمنين أنّه كان جالساً في الرحبة والناس حوله فقام إليه رجل فقال له : يا أمير المؤمنين إنّك بالمكان الذي أنزلك الله وأبوك معذّب في النار ، فقال له : «مه فضّ الله فاك ، والذي بعث محمداً بالحقّ نبيّا لو شفع أبي في كلّ مذنب على وجه الأرض لشفّعه الله ، أبي معذّب في النار وابنه قسيم الجنّة والنار؟ والذي بعث محمداً بالحقّ إنّ نور أبي طالب يوم القيامة ليطفئ أنوار الخلائق إلاّ خمسة أنوار : نور محمد ونور فاطمة ونور الحسن والحسين ونور ولده من الأئمّة ، ألا إنّ نوره من نورنا ، خلقه الله من قبل خلق آدم بألفي عام».

__________________

(١) الحجّة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب : ص ٧١.

(٢) الدرجات الرفيعة : ص ٤٨.

(٣) راجع ما أسلفناه : ص ٣٧٥. (المؤلف)

(٤) علل الشرائع : ١ / ١٦٢ ، الحجّة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب : ص ١٧٩ ، بحار الأنوار : ٣٥ / ٧٥.

(٥) من المصدر.

(٦) تفسير علي بن إبراهيم : ٢ / ٢٥ ، ١٤٢ ، تفسير البرهان : ٣ / ٢٣.

٥٢٠