الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٧

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي

الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٧

المؤلف:

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي


المحقق: مركز الغدير للدّراسات الإسلاميّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
المطبعة: فروردين
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٥٧

لهفي على حُرَمِ الحسينِ حواسراً

شعثاً وقد رِيعتْ لهنَّ قلوبُ

حتى إذا قطع الكريم بسيفِهِ

لم يثنه خوفٌ ولا ترعيبُ

للهِ كم لطمتْ خدودٌ عندَهُ

جزعاً وكم شُقّت عليه جيوبُ

ما أنس إن أنسَ الزكيّةَ زينباً

تبكي له وقناعُها مسلوبُ

تدعو وتندبُ والمصابُ تكظُّها

بين الطفوفِ ودمعُها مسكوبُ (١)

أَأُخيَّ بعدكَ لا حييتُ بغبطةٍ

واغتالني حتفٌ إليَّ قريبُ

أَأُخيَّ بعدَكَ من يدافعُ جاهلاً

عنِّي ويسمع دعوتي ويجيبُ

حزني تذوب له الجبالُ وعنده

يسلو وينسى يوسفاً يعقوبُ

الشاعر

الشيخ مغامس بن داغر الحلّي ، طفح بذكر المغامس في حبِّ آل الله صلّى الله عليهم غير واحد من المعاجم المتأخّرة كالحصون المنيعة للعلاّمة الشيخ علي آل كاشف الغطاء ، والطليعة للعلاّمة السماوي ، والبابليّات للخطيب اليعقوبي (٢) ، وذكر شطراً من شعره شيخنا فخر الدين الطريحي في المنتخب (٣) ، والأديب الأصبهاني في التحفة الناصريّة ، وتضمّن غير واحد من المجاميع قريضه المتدفِّق بمدح أهل بيت الوحي أئمّة الهدى ورثائهم صلوات الله عليهم حتى جمع منها الشيخ السماوي ديواناً باسم المترجم يربو على ألف وثلاثمائة وخمسين بيتاً ولعلّ التالف منها أكثر وأكثر.

فهو من شعراء أهل البيت المكثرين المتفانين في حبّهم وولائهم غير أنَّ الدهر أنسى ذكره الخالد ، ولعلّ هذا الانقطاع عن غيرهم عليهم‌السلام هو الذي قطع اطّراد ذكره في جملة من الموسوعات أو المعاجم لمن لا يألف إلى ودِّهم كما فعلوا ذلك بالنسبة إلى

__________________

(١) تكظّها من كظّ الأمر كظّا : غمّ وبهظ. الطفوف جمع الطف : ما أشرف من الأرض. (المؤلف)

(٢) البابليّات : ١ / ١٣٢ رقم ٤٤.

(٣) المنتخب : ٢ / ٢٨٤ و ٢٩٢ و ٣٠٠ و ٣٢٣.

٤١

كثيرين من أمثال المترجم فتركوا ذكره أو أثبتوه بصورة مصغّرة ، وعندهم مكبّرات لذكريات أُناس هم دون أولئك في الفضيلة والأدب ، وكم للتاريخ من جنايات في الخفض والرفع والجرّ والنصب لا تستقصى!

كان الشيخ مغامس من إحدى القبائل العربيّة في ضواحي الحلّة الفيحاء فهبطها للدراسة ، ولم يبارحها حتى قضى بها نحبه شاعراً خطيباً في أواسط القرن التاسع ، ويعرب شعره عن أنَّه كان له شوط في مضمار الخطابة كما كان يركض في كلِّ حلبة من حلبات القريض ، قال :

فتارةً أنظمُ الأشعارَ ممتدحاً

وتارةً أنثرُ الأقوالَ في الخطبِ

وكان أبوه داغر شاعراً موالياً وهو الذي علّمه قرض الشعر ومرّنه على ولاء العترة الطاهرة كما يأتي في قوله :

أعملتُ في مدحِكمْ فكري فعلّمني

نظمَ المديحِ وأوصاني بذاك أبي

فحيّى الله الوالد والولد. وإليك فهرست قصائده التي وقفنا عليها في مجاميع الأدب :

عدد القصائد

المطلع

عدد الأبيات

محبُّ الليالي في مساعيه متعبُ

يساق إليه حتفُه وهو يدأبُ

(٩٣) (٢) تذكّرَ ما أحصى الكتابُ فتابا

وحاذرَ من مسِّ العذابِ عقابا (٩٢) (٣)

أصبحتَ للتقوى بجهلِكَ تدّعي

دعواك باطلةٌ إذا لم تقلعِ (٨١) (٤)

هل حين عمّمه المشيبُ وقنّعا

أتراه يصنعُ في الهدايةِ مصنعا (٩٠) (٥)

أتطلب دنياً بعد شيب قذالِ (١)

وتذكر أيّاماً مضت وليالي (٩٢)

توجد جملة من هذه القصيدة في المنتخب (٢) (٢ / ٤٥) طبع بمبي.

__________________

(١) القذال بفتح القاف : ما بين الأذنين من مؤخر الرأس. (المؤلف)

(٢) المنتخب : ٢ / ٣٠٠.

٤٢

فصلتْ صروفُ الحادثاتِ مفاصلي

وأصاب سهمُ النائباتِ مقاتلي

قطع الزمان عرى قواي وكلّ ما

قطعَ الزمانُ فما له من واصلِ (٧٧)

هذه القصيدة ذكرها شيخنا الطريحي في المنتخب (١) (٢ / ٣٦)

لغيرِكِ يا دنيا ثنيتُ عناني

وذاك لأمر عن غناكِ عناني (٩٩)

توجد هذه القصيدة برمّتها في المنتخب (٢) (٢ / ٥٨).

لبني الهادي مناحي

في غدوّي ورواحي

صاحِ ما قلبي بصاحِ

ما لحزني من براحِ (١٠٥) (٩)

هجر الغمضَ وسادي

وكوى الحزنُ فؤادي

فحياتي في نكادي

لقتيلِ ابن زيادِ (٦٢) (١٠)

ليتني كنت فداءً للحسينْ

وهو بالطفِّ قطيعُ الودجينْ

ينظرُ الشمرَ بعينٍ وبعينْ

ينظر النسوةَ بين العسكرينْ

(١٠٦) (١١) بكيت وما لريعان الشبابِ

ولا لدروسِ منزلةٍ خرابِ

ولا لفوات عيش مستطابِ

ولا لفراق زينب والربابِ (٨٠) (١٢)

صحبتكِ لا أنِّي بودِّك مغرمُ

فبيني فغيري في هواكِ المتيَّمُ

(٨٨) (١٣) رحل الشبابُ وإنّه لكريمُ

وفراغُه عند النفوسِ عظيمُ (٨١) (١٤)

أزال الشباب الغضَّ عنك مزيلُ

فهل أنت للبيض الحسان خليلُ (٧٥)

(١٥) يمدح بها النبيّ الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله :

عرّج على المصطفى يا سائق النجبِ

عرِّج على خيرِ مبعوثٍ وخيرِ نبي

عرّج على السيّد المبعوثِ من مُضرٍ

عرِّج على الصادقِ المنعوتِ في الكتبِ

عرّج على رحمةِ الباري ونعمتِهِ

عرِّج على الأبطحيِّ الطاهرِ النسبِ

__________________

(١) المنتخب : ٢ / ٢٨٤.

(٢) المنتخب : ٢ / ٣٢٣.

٤٣

رآه آدمُ نوراً بين أربعةٍ

لألاؤها فوق ساقِ العرشِ من كثبِ

فقال يا ربّ من هذا فقيل له

قولَ المحبِّ وما في القولِ من ريبِ

هم أوليائي وهم ذرّيةٌ لكما

فقرَّ عيناً ونفساً فيهمُ وطبِ

أما وحقِّهمُ لو لا مكانُهمُ

منِّي لما دارتِ الأفلاكُ بالقطبِ

كلاّ ولا كان من شمسٍ ولا قمرٍ

ولا شهابٍ ولا أُفقٍ ولا حجبِ

ولا سماءٍ ولا أرضٍ ولا شجرٍ

للناس يهمي عليه واكفُ السحبِ (١)

ولا جنانٍ ولا نارٍ مؤجَّجةٍ

جعلت أعداءهم فيها من الحطبِ

وقال للملإ الأعلى ألا أحدٌ

يُنبي بأسمائِهمْ صدقاً بلا كذبِ

فلم يجيبوا فأنبا آدمٌ بهمُ

لها بعلمٍ من الجبّارِ مُكتسبِ

فقال للملإ الأعلى اسجدوا كملاً

لآدمٍ وأطيعوا واتّقوا غضبي

وصيّر اللهُ ذاك النورَ ملتمعاً

في الوجهِ منه بوعدٍ منه مرتقبِ

وخاف نوحٌ فناجى ربَّه فنجا

بهم على دُسُر الألواحِ والخشبِ

وفي الجحيمِ دعا اللهَ الخليلُ بهمْ

فأُخمدتْ بعد ذاك الحرّ واللهبِ

وقد دعا اللهَ موسى إذ هوى صَعِقاً

بحقِّهمْ فنجا من شدّة الكربِ

فظَلَّ منتقلاً واللهُ حافظُه

على تنقّلِهِ من حادثِ النُوبِ

حتى تقسّم في عبدِ الإلهِ معاً

وفي أبي طالبٍ عن عبد مُطّلبِ

فأودعَ اللهُ ذاك القسمَ آمنةً

يوماً إلى أجلٍ بالحملِ مقتربِ

حتى إذا وضعتْه انهدَّ من فزعٍ

ركنُ الضلالِ ونادى الشركُ بالحربِ

وانشقَّ إيوانُ كسرى وانطفت حذراً

نيرانُهمْ وأقرَّ الكفرُ بالغلبِ

تساقطت أنجمُ الأملاكِ مؤذنةً

بالرجمِ فاحترقَ الأصنامُ باللهبِ

حتى إذا حاز سنَّ الأربعين دعا

ربِّي به في لسانِ الوحي بالكتبِ

فقال لبّيك من داعٍ وأرسلَهُ

إلى البريّةِ من عُجمٍ ومن عربِ

__________________

(١) همى الماء يهمي همياً : سال لا يثنيه شيء. الواكف : المطر المنهلّ. (المؤلف)

٤٤

فأظهر المعجزاتِ الواضحاتِ لهم

بالبيِّنات ولم يحذرْ ولم يهبِ

أراهمُ الآيةَ الكبرى فوا عجباً

ما بالهم خالفوا من أعجب العجبِ

رامت بنو عمِّهِ تبييتَهُ سحراً

فعاذ منهم رسولُ اللهِ بالهربِ

وبات يفديه خيرُ الخلقِ حيدرةٌ (١)

على الفراشِ وفي يُمناه ذو شطبِ (٢)

فأدبروا إذ رأوا غيرَ الذي طلبوا

وأوغلوا لرسولِ اللهِ في الطلبِ

فرابهمْ عنكبٌ في الغارِ إذ جعلتْ

تسدي وتلحم في أبرادِها القُشبِ

حتى إذا ردّهم عنه الإلهُ مضى

ذاك النجيبُ على المهريّة النُّجبِ

فحلَّ دارَ رجالٍ بايعوه على

أعدائه فدماء القوم في صَببِ

في كلِّ يومٍ لمولى الخلق واقعةٌ

منه على عابدي الأوثان والصلبِ

يمشي إلى حربِهمْ واللهُ ناصرُهُ

مشيَ العفرناة في غابِ القنا السلبِ (٣)

في فتيةٍ كالأسودِ المحذراتِ لها

براثنٌ (٤) من رماح الخطِّ والقضبِ

عافوا المعاقلَ للبيضِ الحسانِ فما

معاقلُ القومِ غيرُ البيض واليلبِ (٥)

فالحقُّ في فرحٍ والدينُ في مَرَحٍ

والشركُ في ترحٍ والكفرُ في نصبِ

حتى استراح نبيُّ الله قاضيةً

بهم وراحتُهمْ في ذلك التعبِ

يا من به أنبياءُ اللهِ قد خُتِموا

فليس من بعدِهِ في العالمين نبي

إن كنتَ في درجاتِ الوحيِ خاتمَهم

فأنت أوّلُهم في أوّلِ الرُتبِ

قد بشّرت بك رسلُ اللهِ في أُممٍ

خلتْ فما كنتَ فيما بينهم بغبي (٦)

__________________

(١) مرّ حديث ليلة المبيت في الجزء الثاني : ص ٤٧. (المؤلف)

(٢) الشطب جمع الشطبة بضم الأول وكسره : الخط في متن السيف. (المؤلف)

(٣) يقال : أسد عفرنى ولبوة عفرناة : أي قوية.

(٤) البرثن من السباع والطير بمنزلة الإصبع من الانسان. والجمع : براثن. (المؤلف)

(٥) المعقل : الملجأ. البيض جمع بيضاء : السيف. اليلب : الترس أو الدروع اليمانية من الجلود ، خالص الحديد. (المؤلف)

(٦) المستور ، المجهول. (المؤلف)

٤٥

شهدتُ أنَّك أحسنتَ البلاغَ فما

تكون في باطلٍ يوماً بمنجذبِ

حتى دعاك إلهي فاستجبتَ له

حبّا ومن يدْعُهُ المحبوبُ يستجبِ

وقد نصبتَ لهم في دينِهمْ خلفاً

وكان بعدَكَ فيهم خيرَ منتصبِ

لكنّهم خالفوهُ وابتغوا بدلاً

تخيّروه وليس النبعُ كالغربِ (١)

ويقول فيها :

يا راكبَ الهوجلِ المحبوكِ تحملهُ (٢)

إلى زيارةِ خيرِ العجمِ والعربِ

إذا قضيتَ فروضَ الحجِّ مكتملاً

ونلتَ إدراكَ ما في النفسِ من إربِ

وزرتَ قبرَ رسولِ اللهِ سيَّدِنا

وسيّدِ الخلقِ من ناءٍ ومقتربِ

قِف موقفي ثمّ سلّم لي عليه معاً

حتى كأنِّيَ ذاك اليومَ لم أغِبِ

واثنِ السلامَ إلى أهلِ البقيعِ فلي

بها أحبّةُ صبٍّ دائمِ الوصبِ

وبثّهم صبوتي طولَ الزمانِ لهم

وقل بدمعٍ على الخدّين منسكبِ

يا قدوةَ الخلقِ في علمٍ وفي عملٍ

وأطهرَ الخلقِ في أصلٍ وفي نسبِ

وصلتُ حبلَ رجائي في حبائلِكمْ

كما تعلّق في أسبابِكمْ سببي

دنوتُ في الدينِ منكم والودادِ فلو

لا دان لم يدنُ من أحسابِكم حسبي

مديحُكمْ مكسبي والدينُ مكتسبي

ما عشتُ والظنُّ في معروفِكمْ نشبي

فإن عدَتني الليالي عن زيارتِكمْ

فإنَّ قلبيَ عنكم غيرُ منقلبِ

قد سيط لحمي وعظمي في محبّتِكمْ

وحبُّكم قد جرى في المخِّ والعَصبِ

هجري وبغضي لمن عاداكمُ ولكمْ

صدقي وحبّي وفي مدحي لكم طربي

فتارةً أنظمُ الأشعارَ ممتدحاً

وتارةً أنثرُ الأقوالَ في الخطبِ

حتى جعلتُ مقال الضدِّ من شبهٍ

إذ صغتُ فيكم قريضَ القولِ من ذهبِ

__________________

(١) النبع : خروج الماء من العين. الغرب : الماء المقطّر من الدلو بين الحوض والبئر. (المؤلف)

(٢) الهوجل : الناقة التي بها هوج من سرعتها. المحبوك : مشدود الوسط. (المؤلف)

٤٦

أعملتُ في مدحِكمْ فكري فعلّمني

نظمَ المديحِ وأوصاني بذاك أبي

فهل أنالُ مفازاً في شفاعتِكمْ

ممّا أحتقبتُ له في سائرِ الحقبِ

فيا مغامس احبس في مدائحِهمْ

تلك القوافي وأجرَ اللهِ فاحتسبِ

٤٧
٤٨

ـ ٧٤ ـ

الحافظ البرسي الحلّي

هو الشمسُ أم نورُ الضريح يلوحُ

هو المسكُ أم طيبُ الوصيِّ يفوحُ

وبحرُ ندى أم روضةٌ حوتِ الهدى

وآدمُ أم سرُّ المهيمنِ نوحُ

وداودُ هذا أم سليمانُ بعدَه

وهارونُ أم موسى العصا ومسيحُ

وأحمدُ هذا المصطفى أم وصيُّه

عليٌّ نماه هاشمٌ وذبيحُ

محيطُ سماءِ المجدِ بدرُ دجنّةٍ

وفلكُ جمالٍ للأنام ويوحُ (١)

حبيبُ حبيبِ اللهِ بل سرُّ سرِّه

وجثمانُ أمرٍ للخلائقِ روحُ

له النصُّ في يومِ الغديرِ ومدحُه

من اللهِ في الذكرِ المبينِ صريحُ

إمامٌ إذا ما المرءُ جاءَ بحبِّه

فميزانُه يومَ المعادِ رجيحُ

له شيعةٌ مثلُ النجومِ زواهرٌ

لها بين كلِّ العالمينَ وضوحُ

إذا قاولتَ فالحقُّ فيما تقولهُ

به النورُ بادٍ واللسانُ فصيحُ

وإن جاولتَ أو جادلتَ عن مرامِها

تولّى العدوُّ الجَلْدُ وهو طريحُ

عليك سلامُ اللهِ يا رايةَ الهدى

سلامُ سليمٍ يغتدي ويروحُ

وتأتي له قصيدة منها قوله :

مولىً له بغديرِ خمِّ بيعةٌ

خضعتْ لها الأعناق وهي طوائحُ

__________________

(١) يوح : الشمس. (المؤلف)

٤٩

الشاعر

الحافظ الشيخ رضي الدين رجب بن محمد بن رجب البرسي الحلّي ، من عرفاء علماء الإماميّة وفقهائها المشاركين في العلوم ، على فضله الواضح في فنِّ الحديث ، وتقدّمه في الأدب وقرض الشعر وإجادته ، وتضلّعه من علم الحروف وأسرارها واستخراج فوائدها ، وبذلك كلّه تجد كتبه طافحة بالتحقيق ودقّة النظر ، وله في العرفان والحروف مسالك خاصّة ، كما أنَّ له في ولاء أئمّة الدين عليهم السلام آراء ونظريّات لا يرتضيها لفيف من الناس ، ولذلك رموه بالغلوِّ والارتفاع ، غير أنّ الحقّ أنّ جميع ما يثبته المترجم لهم عليهم‌السلام من الشؤون هي دون مرتبة الغلوِّ وغير درجة النبوّة ، وقد جاء عن مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام قوله : «إيّاكم والغلوّ فينا ، قولوا : إنّا عبيد مربوبون ، وقولوا في فضلنا ما شئتم» (١) ، وقال الإمام الصادق عليه‌السلام : «اجعل لنا ربّا نئوب إليه وقولوا فينا ما شئتم». وقال عليه‌السلام : «اجعلونا مخلوقين وقولوا فينا ما شئتم فلن تبلغوا» (٢).

وأنّى لنا البلاغ مدية ما منحهم المولى سبحانه من فضائل ومآثر؟ وأنّى لنا الوقوف على غاية ما شرّفهم الله به من ملكات فاضلة ، ونفسيّات نفيسة ؛ وروحيّات قدسيّة ، وخلائق كريمة ، ومكارم ومحامد ؛ فمن ذا الذي يبلغ معرفة الإمام؟ أو يمكنه اختياره؟ هيهات هيهات ضلّت العقول ، وتاهت الحلوم ، وحارت الألباب ، وخسئت العيون ، وتصاغرت العظماء ، وتحيّرت الحكماء ، وتقاصرت الحلماء ، وحصرت الخطباء ، وجهلت الألبّاء ، وكلّت الشعراء ، وعجزت الأدباء ، وعييت البلغاء عن وصف شأن من شأنه ، وفضيلة من فضائله ، وأقرّت بالعجز والتقصير ؛ وكيف يوصف

__________________

(١) الخصال لشيخنا الصدوق [ ص ٦١٤ ]. (المؤلف)

(٢) بصائر الدرجات للصفّار [ ص ٢٣٦ ، ٥٠٧ ]. (المؤلف)

٥٠

بكلّه؟ أو ينعت بكنهه؟ أو يفهم شيء من أمره؟ أو يوجد من يقوم مقامه ويغني غناه؟ لا. كيف؟ وأنّى؟ فهو بحيث النجم من يد المتناولين ووصف الواصفين ، فأين الاختيار من هذا؟ وأين العقول عن هذا؟ وأين يوجد مثل هذا؟ (١).

ولذلك تجد كثيراً من علمائنا المحقّقين في المعرفة بالأسرار يثبتون لأئمة الهدى صلوات الله عليهم كلّ هاتيك الشؤون وغيرها ممّا لا يتحمّله غيرهم ، وكان في علماء قم من يرمي بالغلوّ كلّ من روى شيئاً من تلكم الأسرار ، حتى قال قائلهم : إنَّ أوّل مراتب الغلوّ نفي السهو عن النبيِّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى أن جاء بعدهم المحقِّقون وعرفوا الحقيقة فلم يقيموا لكثير من تلكم التضعيفات وزناً ، وهذه بليّة مُني بها كثيرون من أهل الحقائق والعرفان ومنهم المترجم ، ولم تزل الفئتان على طرفي نقيض ، وقد تقوم الحرب بينهما على أشدِّها ، والصلح خير.

وفذلكة المقام أنَّ النفوس تتفاوت حسب جبلاّتها واستعداداتها في تلقّي الحقائق الراهنة ، فمنها ما تبهظه المعضلات والأسرار ، ومنها ما ينبسط لها فيبسط إليها ذراعاً ويمدُّ لها باعاً ، وبطبع الحال إنّ الفئة الأولى لا يسعها الرضوخ لما يعلمون ، كما أنّ الآخرين لا تبيح لهم المعرفة أن يذروا ما حقّقوه في مدحرة البطلان ، فهنالك تثور المنافرة ، وتحتدم الضغائن ، ونحن نقدِّر للفريقين مسعاهم لما نعلم من نواياهم الحسنة وسلوكهم جَدَد السبيل في طلب الحقِّ ونقول :

على المرء أن يسعى بمقدار جهده

وليس عليه أن يكون موفّقا

ألا إنَّ الناس لمعادن كمعادن الذهب والفضّة (٢) وقد تواتر عن أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام : «إنَّ أمرنا ، أو حديثنا صعب مستصعب لا يتحمّله إلاّ نبيٌّ مرسل أو ملك

__________________

(١) من قولنا : فمن ذا الذي يبلغ. إلى هنا مأخوذ من حديث رواه شيخنا الكليني ثقة الإسلام في أصول الكافي : ص ٩٩ [ ١ / ٢٠١ ] عن الإمام الرضا صلوات الله عليه. (المؤلف)

(٢) حديث ثابت عند الفريقين. (المؤلف)

٥١

مقرّب ، أو مؤمنٌ امتحن الله قلبه بالإيمان» (١). إذن فلا نتحرّى وقيعة في علماء الدين ولا نمسُّ كرامة العارفين ، ولا ننقم من أحد عدم بلوغه إلى مرتبة من هو أرقى منه ، إذ لا يكلّف الله نفساً إلاّ وسعها. وقال مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام : «لو جلست أحدِّثكم ما سمعت من فم أبي القاسم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لخرجتم من عندي وأنتم تقولون : إنَّ عليّا من أكذب الكاذبين» (٢).

وقال إمامنا السيّد السجاد عليه‌السلام : «لو علم أبو ذرّ ما في قلب سلمان لقتله ، ولقد آخى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بينهما فما ظنّكم بسائر الخلق» (٣) (وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً) (٤).

وإلى هذا يشير سيّدنا الإمام السجّاد زين العابدين عليه‌السلام بقوله :

إنِّي لأكتمُ من علمي جواهرَهُ

كي لا يرى الحقَّ ذو جهلٍ فيفتتنا

وقد تقدّم في هذا أبو حسنٍ

إلى الحسينِ وأوصى قبله الحسنا

فرُبَّ جوهر علمٍ لو أبوح به

لقيل لي أنت ممّن يعبد الوثنا

ولاستحلَّ رجال مسلمون دمي

يرون أقبح ما يأتونه حسنا (٥)

ولسيّدنا الأمين في أعيان الشيعة (٦) (٣١ / ١٩٣ ـ ٢٠٥) في ترجمة الرجل كلمات لا تخرج عن حدود ما ذكرناه ، وممّا نقم عليه به اعتماده على علم الحروف والأعداد

__________________

) بصائر الدرجات للصفّار : ص ٦ [ ص ٢٠ ] ، أصول الكافي : ص ٢١٦ [ ١ / ٤٠١ ]. (المؤلف)

(٢) منح المنّة للشعراني : ص ١٤. (المؤلف)

) بصائر الدرجات للصفّار : ص ٧ [ ص ٢٥ ] آخر الباب الحادي عشر من الجزء الأوّل. أصول الكافي لثقة الإسلام الكليني : ص ٢١٦ [ ١ / ٤٠١ ]. (المؤلف)

(٤) النساء : ٩٥.

) تفسير الآلوسي : ٦ / ١٩٠. (المؤلف)

) أعيان الشيعة : ٦ / ٤٦٥ ـ ٤٦٨.

٥٢

الذي لا تتمّ به برهنة ولا تقوم به حجّة ، ونحن وإن صافقناه على ذلك ، إلاّ أنّ للمترجم له ومن حذا حذوه من العلماء كابن شهرآشوب ومن بعده عذراً في سرد هاتيك المسائل ؛ فإنَّها أشبه شيء بالجدل تجاه من ارتكن إلى أمثالها في أبواب أخرى من علماء الحروف من العامّة كقول العبيدي المالكي في عمدة التحقيق (١) (ص ١٥٥) : قال بعض علماء الحروف : يؤخذ دوام ناموس آل الصدِّيق وقيام عزّته إلى انتهاء الدنيا من سرِّ قوله تعالى : في (ذُرِّيَّتِي). فإنَّ عدّتها بالجمل الكبير ألف وأربعمائة وعشرة وهي مظنّة تمام الدنيا كما ذكره بعضهم فلا يزالون ظاهرين بالعزّة والسيادة مدّة الدنيا ، وقد استنبط تلك المدّة عمدة أهل التحقيق مصطفى لطف الله الرزنامجي بالديوان المصري من قوله تعالى : (لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً) (٢) قال ما لفظه : إذا أسقطنا مكرّرات الحروف كان الباقي (ل ا ي ب ث و ن خ ف ك‍ ق) أحد عشر حرفاً عددهم بالجمل الكبير ألف وثلاثمائة وتسعة وتسعين زدنا عليه عدد الحروف وهو أحد عشر صار المجموع وهو ألف وأربعمائة وعشرة وهو مطابق لقوله تعالى : ذريّتي. وسمعت ختام الأعلام شيخنا الشيخ يوسف الفيشي رحمه‌الله يقول : قال محمد البكري الكبير : يجلس عقبنا مع عيسى بن مريم على سجّادة واحدة وهذا يقوّي تصحيح ذلك الاستنباط. انتهى.

ونحن لا ندري ما ذا يعني سيّدنا الأمين بقوله : وفي طبعه شذوذ وفي مؤلّفاته خبط وخلط وشيء من المغالاة لا موجب له ولا داعي إليه وفيه شيء من الضرر إن أمكن أن يكون له محل صحيح. ليت السيّد يوعز إلى شيء من شذوذ طبع شاعرنا الفحل حتى لا يبقى قوله دعوى مجرّدة. وبعد اعترافه بإمكان محمل صحيح لما أتى به المترجم له فأيّ داعٍ إلى حمله على الخبط والخلط ، ونسيان حديث : ضع أمر أخيك

__________________

(١) عمدة التحقيق : ص ٢٦٢.

(٢) الإسراء : ٧٦.

٥٣

على أحسنه؟ وأيّ ضرر فيه على ذلك التقدير؟ على أنّا سبرنا غير واحد من مؤلّفات البرسي فلم نجد فيه شاهداً على ما يقول ، وستوافيك نبذ ممتعة من شعره الرائق في مدائح أهل البيت عليهم‌السلام ومراثيهم وليس فيها إلاّ إشادة إلى فضائلهم المسلّمة بين الفريقين أو ثناء جميل عليهم هو دون مقامهم الأسمى ، فأين يقع الارتفاع الذي رماه به بعضهم؟ وأين المغالاة التي رآها السيّد؟ والبرسي لا يحذو في كتبه إلاّ حذو شعره المقبول ، فأين مقيل الخبط والضرر والغلو التي حسبها سيّد الأعيان؟

وأمّا ما نقم به عليه من اختراع الصلوات والزيارة بقوله : واختراع صلاة عليهم وزيارة لهم لا حاجة إليه بعد ما ورد ما يغني عنه ولو سلّم أنَّه في غاية الفصاحة كما يقول صاحب الرياض ، فإنّه لا مانع منه إلاّ ما يوهم المخترع أنَّها مأثورة ، وأيّ وازع من إبداء كلِّ أحد تحيّته بما يجريه الله تعالى على لسانه وهو لا يقصد وروداً ولا يريد تشريعاً؟ وقد فعله فطاحل العلماء من الفريقين ممّن هو قبل المترجم وبعده ، ولا تسمع أُذن الدنيا الغمز عليهم بذلك من أيِّ أحد من أعلام الأمّة. وأمّا قول سيّدنا : وإنَّ مؤلّفاته ليس فيها كثير نفع وفي بعضها ضرر ولله في خلقه شئون سامحه الله وإيّانا. فإنَّه من شطفة القلم صدر عن المشطف (١) ، سامحه الله وإيّانا.

تآليفه القيّمة :

١ ـ مشارق أنوار اليقين في حقائق أسرار أمير المؤمنين.

٢ ـ مشارق الأمان ولباب حقائق الإيمان ألّفه سنة (٨١٣).

٣ ـ رسالة في الصلوات على النبيّ وآله المعصومين.

٤ ـ رسالة في زيارة أمير المؤمنين طويلة ، قال شيخنا صاحب الرياض (٢) : في

__________________

(١) المشطف كمنبر : من يعرض بالكلام على غير القصد. (المؤلف)

(٢) رياض العلماء : ٢ / ٣٠٥.

٥٤

نهاية الحسن والجزالة واللطافة والفصاحة [ وهي ] (١) معروفة.

٥ ـ رسالة اللمعة من أسرار الأسماء والصفات والحروف والآيات والدعوات ، فيها فوائد ولا تخلو من غرابة كما قاله شيخنا صاحب الرياض (٢).

٦ ـ الدرّ الثمين ، في خمسمائة آية نزلت في مولانا أمير المؤمنين باتّفاق أكثر المفسّرين من أهل الدين ، ينقل عنه المولى محمد تقي الزنجاني في كتابه : طريق النجاة.

٧ ـ أسرار النبيّ وفاطمة والأئمّة عليهم‌السلام.

٨ ـ لوامع أنوار التمجيد وجوامع أسرار التوحيد ، في أصول العقائد.

٩ ـ تفسير سورة الإخلاص.

١٠ ـ رسالة مختصرة في التوحيد والصلوات على النبيِّ وآله.

١١ ـ كتاب في مولد النبيّ وعليّ وفاطمة وفضائلهم.

١٢ ـ كتاب في فضائل أمير المؤمنين غير المشارق.

١٣ ـ كتاب الألفين في وصف سادة الكونين.

شعره الرائق :

للحافظ البرسي شعر رائق وجلّه بل كلّه في مدائح النبيّ الأقدس وأهل بيته الطاهر صلوات الله عليهم ويتخلّص في شعره ب : (الحافظ). ومن شعره يمدح به النبيّ الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله :

أضاءَ بك الأُفُقُ المشرقُ

ودان لمنطقِكَ المنطقُ

وكنتَ ولا آدمٌ كائناً

لأنَّك من كونه أسبقُ

__________________

(١) الزيادة من المصدر.

(٢) رياض العلماء : ٢ / ٣٠٥.

٥٥

أشار بهذا البيت إلى ما جاء عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من قوله : «كنت أوّل الناس في الخلق وآخرهم في البعث».

أخرجه (١) ابن سعد في الطبقات ، والطبري في تفسيره (٢١ / ٧٩) ، وأبو نعيم في الدلائل (١ / ٦) ، وذكره ابن كثير في تاريخه (٢ / ٣٠٧) ، والغزالي في المضنون الصغير هامش الإنسان الكامل (٢ / ٩٧) والسيوطي في الخصائص الكبرى (١ / ٣) ، والزرقاني في شرح المواهب (٣ / ١٦٤).

وفي حديث الإسراء : إنَّك عبدي ورسولي وجعلتك أوّل النبيّين خلقاً وآخرهم بعثاً (٢). وجاء عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أوّل ما خلق الله نوري» (٣). وتواتر عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من طرق صحيحة : «كنت نبيّا وآدم بين الماء والطين. أو : بين الروح والجسد. أو : بين خلق آدم ونفخ الروح فيه».

ولولاك لم تخلق الكائنات

ولا بان غربٌ ولا مشرقُ

أشار به إلى ما أخرجه (٤) الحاكم في المستدرك (٢ / ٦١٥) والبيهقي ، والطبراني ، والسبكي ، والقسطلاني ، والعزامي ، والبلقيني ، والزرقاني وغيرهم من طريق ابن عبّاس قال : أوحى الله إلى عيسى عليه‌السلام : يا عيسى آمن بمحمد وأمر من أدركه من أمّتك أن يؤمنوا به ، فلو لا محمد ما خلقت آدم ، ولولا محمد ما خلقت الجنّة ولا النار.

ومن طريق عمر بن الخطّاب قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لمّا اقترف آدم

__________________

(١) الطبقات الكبرى : ١ / ١٤٩ ، جامع البيان : مج ١١ / ج ٢١ / ١٢٥ ، دلائل النبوّة : ١ / ٤٤ ح ٣ ، البداية والنهاية : ٢ / ٣٧٦ ، الخصائص الكبرى : ١ / ٧.

(٢) مجمع الزوائد : ١ / ٧١. (المؤلف)

(٣) السيرة الحلبية : ١ / ١٥٩ [ ١ / ١٤٧ ]. (المؤلف)

(٤) المستدرك على الصحيحين : ٢ / ٦٧١ ح ٤٢٢٧ و ٤٢٢٨ ، شفاء السقام : ص ١٦٢ ، شرح المواهب للزرقاني : ١ / ٤٤.

٥٦

الخطيئة قال : يا رب أسألك بحقِّ محمد لمّا غفرت لي. فقال الله : يا آدم وكيف عرفت محمداً ولم أخلقه؟ قال : يا رب لأنَّك لمّا خلقتني بيدك ونفخت فيَّ من روحك رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوباً لا إله إلاّ الله محمد رسول الله ، فعلمت أنّك لم تضف إلى اسمك إلاّ أحبَّ الخلق إليك. فقال الله : صدقت يا آدم إنَّه لأحبُّ الخلق إليَّ ادعني بحقّه قد غفرت لك. ولولا محمد ما خلقتك».

فميمُكَ مفتاحُ كلِّ الوجودِ

وميمك بالمنتهى يغلقُ

تجلّيتَ يا خاتمَ المرسلين

بشأوٍ من الفضلِ لا يُلحَقُ

فأنت لنا أوّلٌ آخرٌ

وباطنُ ظاهرِكَ الأسبقُ

في هذه الأبيات إشارة إلى أسمائه الشريفة : الفاتح ، الخاتم ، الأوّل ، الآخر ، الظاهر ، الباطن. راجع شرح المواهب للزرقاني (٣ / ١٦٣ ، ١٦٤).

تعاليتَ عن صفةِ المادحين

وإن أطنبوا فيك أو أغمقوا

فمعناكَ حول الورى دارةٌ

على غيبِ أسرارِها تحدقُ

وروحُكَ من ملكوتِ السماءِ

تنزّلُ بالأمرِ ما يُخلقُ

ونشرُكَ يسري على الكائنات

فكلٌّ على قدرِه يعبقُ

إليك قلوبُ جميعِ الأنامِ

تحنُّ وأعناقُها تعنقُ

وفيضُ أياديك في العالمين

بأنهارِ أسرارِها يدفَقُ

وآثارُ آياتِكَ البيِّناتِ

على جبهاتِ الورى تشرقُ

فموسى الكليمُ وتوراتُهُ

يدلاّن عنك إذا استنطقوا

وعيسى وإنجيلُه بشّرا

بأنَّك أحمدُ من يُخلقُ

فيا رحمةَ اللهِ في العالمينَ

ومن كان لولاه لم يُخلَقوا

لأنَّك وجهُ الجلالِ المنير

ووجهُ الجمالِ الذي يشرقُ

وأنت الأمينُ وأنت الأمانُ

وأنت ترتِّق ما يُفتَقُ

٥٧

أتى رجبٌ لك في عاتقٍ

ثقيلِ الذنوبِ فهل تعتقُ؟

وله يمدح الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام قوله :

العقلُ نورٌ وأنت معناهُ

والكونُ سرٌّ وأنت مبداهُ

والخلقُ في جمعِهمْ إذا جمعوا

الكلّ عبدٌ وأنت مولاهُ

أنت الوليُّ الذي مناقبه

ما لعلاها في الخلقِ أشباهُ

يا آيةَ اللهِ في العبادِ ويا

سرَّ الذي لا إله إلاّ هو

تناقض العالمون فيك وقد

حاروا عن المهتدى وقد تاهوا

فقال قومُ بأنَّه بشرٌ

وقال قومٌ بأنَّه اللهُ

يا صاحبَ الحشرِ والمعاد ومن

مولاه حكمَ العبادِ ولاّهُ

يا قاسم النار والجنان غداً

أنت ملاذُ الراجي ومنجاهُ

كيف يخافُ البرسيُّ حرَّ لظىً

وأنت عند الحسابِ غوثاهُ (١)

لا يختشي النارَ عبدُ حيدرةٍ

إذ ليس في النارِ من تولاّهُ

وله في مدح مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه قوله :

أَيّها اللائمُ دعني

واستمع من وصف حالي

كلّما ازددتُ مديحاً

فيه قالوا لا تغالِ

وإذا أبصرتُ في الحقِ

يقيناً لا أُبالي

آيةُ اللهِ التي في

وصفها القول حلا لي

كم إلى كم أيّها العا

ذل أكثرت جدالي

يا عذولي في غرامي

خلّني عنك وحالي

رُح إلى من هو ناجٍ (٢)

واطّرحني وضلالي

__________________

(١) في أعيان الشيعة : ٦ / ٤٦٧ : منجاه.

(٢) في روضات الجنّات : ٣ / ٣٤٠ : رُح إذا ما كنت تأبى.

٥٨

إنَّ حبِّي لوصيِّ ال

مصطفى عينُ الكمالِ (١)

هو زادي في معادي

ومعاذي في مآلي

وبه إكمالُ ديني

وبه ختمُ مقالي

ومن شعره يمدح أمير المؤمنين سلام الله عليه قوله :

بأسمائِك الحسنى أُروِّحُ خاطري

إذا هبَّ من قدسِ الجلالِ نسيمُها

لئن سقمتْ نفسي فأنت طبيبُها

وإن شقيت يوماً فمنك نعيمُها

رضيت بأن ألقى القيامَة خائفاً

دماء نفوسٍ حاربتك جسومُها

أبا حسنٍ لو كان حبُّكَ مُدخلي

جحيماً لكان الفوزَ عندي جحيمُها

وكيف يخافُ النارَ من كان موقناً

بأنَّك مولاهُ وأنت قسيمُها

فوا عجباً من أمّةٍ كيف ترتجي

من اللهِ غفراناً وأنت خصيمُها

ووا عجباً إذ أخّرتك وقدّمت

سواكَ بلا جرمٍ وأنت زعيمُها

وقال في مدح مولانا أبي السبطين سلام الله عليه :

تعالى عليٌّ في الجلال فرائدٌ

يعودُ وفي كفّيهِ منه فرائدُ

وواردُ فضلٍ منه يصدر عزلها

تضيقُ بها منه اللها والأواردُ

تبارك موصولاً وبورك واصلاً

له صلةٌ في كلِّ نفسٍ وعائدُ

روى فضلَه الحسّادُ من عظمِ شأنِه

وأعظمُ فضلٍ جاء يرويه حاسدُ

محبّوه أخفوا فضلَه خيفةَ الهدى

وأخفاه بغضاً حاسدٌ ومعاندُ

فشاعَ له ما بين ذين مناقبٌ

تجلُّ بأن تُحصى إذا عدَّ قاصدُ

إمامٌ له في جبهةِ المجدِ أنجمٌ

علت فعلت إن يدنُ منهنَّ راصدُ (٢)

لها الفرق من فرع السماك منابرٌ

وفي عنق الجوزاء منها قلائدُ

__________________

(١) وفي نسخة بدل : إنّ حبّي لعليّ المرتضى عين الكمال. (المؤلف)

(٢) في أعيان الشيعة والبابليات ورد هذا الشطر هكذا : تعالت فلا يدنو إليهن راصد.

٥٩

مناقب إذ جلَّت جلت كلَّ كربةٍ

وطابت فطابت من شذاها المشاهدُ

إمامٌ يحارُ الفكرُ فيه فعابدٌ

له ومقرٌّ بالولاء وجاهدُ

إمامٌ مبينٌ كلَّ أُكرومةٍ حوى

بمدحتهِ التنزيلُ والذكرُ شاهدُ

عليه سلام الله ما ذكر اسمَهُ

محبٌّ وفي البرسيِّ ذلك خالدُ

وله في سيّد العترة أمير المؤمنين عليه وعليهم‌السلام :

أبديتَ يا رجب الغريبْ

فقيل يا رجب المرجَّبْ

أبديت للسرِّ المصو

ن المضمر الخافي المغيَّبْ

وكشفتَ أستاراً وأس

 ـ راراً عن الأشرارِ تُحجبْ

حلَّ الورى فإذا الظوا

هر فضّةٌ والبطنُ أسربْ

إلاّ قليلاً من رجا

ل أصلهم زاكٍ مهذَّبْ

وكتبتَ ما بالنور منهُ

على خدود الحور يكتبْ

فلذاك أضحى الناس قل

باً من قوى الجهل المركّبْ

رجلٌ يحبُّ ومبغضٌ

قالٍ وحزب الله أغلبْ

وطويلُ أنفٍ إن رآ

نيَ مُقبلاً ولّى وقطّبْ

في أُمِّه شكٌّ بلا

شكّ ولو صدقت لأنجبْ

يزورُّ إن سمع الحدي

إلى أمير النحل يُنسبْ

وتراه إن كرّرت ذك

 ـ ر فضائل الكرّار يغضبْ

وله رائيّة غرّاء رنّانة يمدح بها أمير المؤمنين عليه‌السلام خمّسها ابن السبعي (١) نذكرها معه :

أعيت صفاتُكَ أهلَ الرأيِ والنظرِ

وأوردتْهم حياضَ العجزِ والخطرِ

__________________

(١) العلاّمة الحجّة الشيخ فخر الدين أحمد بن محمد الأحسائي نزيل الهند والمتوفّى بها من تلمذة ابن المتوّج وقرناء ابن فهد الحلّي المتوفّى ٨٤١. (المؤلف)

٦٠