الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٧

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي

الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٧

المؤلف:

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي


المحقق: مركز الغدير للدّراسات الإسلاميّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
المطبعة: فروردين
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٥٧

وعلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) نزلت في أبي بكر.

ويروون عن عليّ أمير المؤمنين وابن عبّاس أنّ الآية نزلت في أبي بكر الصدّيق ، وكان حمله وفصاله ثلاثين شهراً ، حملته أُمّه تسعة أشهر وأرضعته واحداً وعشرين شهراً ، أسلم أبواه جميعاً ولم يجتمع لأحد من المهاجرين أن أسلم أبواه غيره ، فأوصاه الله بهما ولزم ذلك من بعده. فلمّا نُبّئ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو ابن أربعين سنة صدّق أبو بكر رضى الله عنه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو ابن ثمانٍ وثلاثين سنة ، فلمّا بلغ أربعين سنة قال : (رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَ) ، واستجاب الله له فأسلم والداه وأولاده كلّهم.

الكشّاف (٣ / ٩٩) ، تفسير القرطبي (١٦ / ١٩٣ ، ١٩٤) ، الرياض النضرة (١ / ٤٧) ، مرقاة الوصول (ص ١٢١) ، تفسير الخازن (٤ / ١٣٢) ، تفسير النسفي هامش الخازن (٤ / ١٣٢) ، تفسير الشوكاني (٥ / ١٨) (١).

ألا مسائل هؤلاء الأعلام المغفّلين عن أنّ كون مدّة الحمل والفصال ثلاثين شهراً هل يخصّ بأبي بكر فحسب حتى يُخصّ بالذكر؟ أم هو مطّرد في خلق الله ، إمّا بكون مدّة الحمل ستة أشهر ومدّة الإرضاع حولين كاملين ، وإمّا بكون الحمل تسعة أشهر والإرضاع واحداً وعشرين شهراً؟ وإنّ الحريّ بالذكر هو الأوّل لشذوذه عن العادة المطّردة.

ثمّ إن كان هذا من خاصّة أبي بكر وحكاية لحمله وفصاله فكيف يصحّ لمولانا أمير المؤمنين وابن عبّاس الاستدلال بالآية مع ما في سورة لقمان على كون أقل الحمل

__________________

(١) الكشّاف : ٤ / ٣٠٣ ، الجامع لأحكام القرآن : ١٦ / ١٢٩ ، الرياض النضرة : ١ / ٦٨ ، تفسير الخازن : ٤ / ١٢٥ ، تفسير النسفي : ٤ / ١٤٣ ، فتح القدير : ٥ / ٢٠.

٤٤١

ستة أشهر؟ كما مرّ في الجزء السادس (ص ٩٣ ـ ٩٥) ، فالآية الكريمة لا تبيّن إلاّ ما هو السائر الدائر بين البشر بأحد الوجهين المذكورين وبهذا يتمّ الاستدلال. وفيه قال ابن كثير في تفسيره (٤ / ١٥٧) : وهو استنباط قويّ صحيح ووافقه عليه عثمان وجماعة من الصحابة. وابن كثير مع إكثاره بنقل الموضوعات لم يوعز إلى نزول الآية في أبي بكر لما يرى في نقله من الفضيحة على نفسه.

ثمّ إنّ في نصّ الآية أنّ ذلك الانسان قال ما قاله وقد بلغ أشدّه وبلغ من عمره أربعين عاما. وأبو بكر لم يكن مسلماً يوم ذاك لا هو ولا أبوه ولا أُمّه ، أمّا هو فقد قدّمنا أنّه أسلم بعد سبع من البعثة بنصوص مرّت في الجزء الثالث (ص ٢٢٠ ـ ٢٢٣).

وأمّا أبوه فقد أسلم ـ إن أسلم ـ يوم الفتح في السنة الثامنة من الهجرة ، وكان لأبي بكر يومئذ ستّ وخمسون سنة أو أكثر.

وأمّا أُمّه فقد أسلمت ـ إن أسلمت ـ في السنة السادسة من البعثة ، وأبو بكر يوم ذاك ابن أربع وأربعين سنة أو أكثر منها.

فبما ذا أنعم الله عليه وعلى والديه يوم قال : ربّ أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت عليّ وعلى والديّ ، وكلّهم غير مسلمين؟ والجملة دُعائيّة بالنسبة إلى إلهام الشكر على ما أنعم الله به عليه وعلى والديه فحسب ، وأمّا بالنسبة إلى كونهم من المنعم عليهم فخبريّة تقتضي سبق تلك النعمة على ظرف الدعاء ، فالقول بأنّ الله سبحانه استجاب له فأسلم والداه وأولاده كلّهم ، مهزأة غير مدعومة بشاهد.

على أنّ أخبار إسلام والديه ـ بعد تسليمها والغضّ عمّا فيها ـ تدلّ على أنّ إسلام أُمّه كان بدعاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لها بالإسلام ، وإسلام أبيه من بركة مسحه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يده على صدره ، فأين دعاء أبي بكر؟.

وأمّا ما في ذيل الرواية ممّا عزي إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام من أنّه لم يجتمع لأحد

٤٤٢

من المهاجرين أن أسلم أبواه غير أبي بكر. فحاشا أمير المؤمنين يقول مثل ذلك ، وقد عرّفناك (ص ٣١٠ ـ ٣١٢) زرافات من المهاجرين أسلموا هم وآباؤهم وأُمّهاتهم ويقدّمهم هو سلام الله عليه بالأوّليّة والأولويّة.

آية أخرى في أبي بكر وأبيه :

وردت في قوله تعالى من سورة المجادلة (٢٢) (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)

من طريق ابن جريج : أنَّ أبا قحافة سبّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فصكّه أبو بكر ابنه صكّة فسقط منها على وجهه ، ثمّ أتى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فذكر ذلك له ، فقال : أو فعلته لا تعد إليه ، فقال : والذي بعثك بالحقّ نبيّا لو كان السيف منّي قريباً لقتلته. فنزلت قوله : لا تجد قوماً. الآية.

تفسير القرطبي (١) (١٧ / ٣٠٧) ، تفسير الزمخشري (٢) (٣ / ١٧٢) ، مرقاة الوصول حاشية نوادر الأصول (ص ١٢١) ، تفسير الآلوسي (٢٨ / ٣٦).

قال الأميني : أصفق رجال التفسير على أنّ سورة الأحقاف التي مرّت فيها الآية الأولى مكيّة ، وعلى أنّ سورة المجادلة مدنيّة ، وعلى أنّ هذه الآية نزلت بعد ردح من الزمن من نزول الأحقاف ، ويظهر من تفسير القرطبي وابن كثير (٣) والرازي (٤) أنّها

__________________

(١) الجامع لأحكام القرآن : ١٧ / ١٩٩.

(٢) الكشّاف : ٤ / ٤٩٧.

(٣) تفسير ابن كثير : ٤ / ٣٣٠.

(٤) التفسير الكبير : ٢٩ / ٢٧٦.

٤٤٣

نزلت بعد بدر وأحد فيقع نزولها على هذا في السنة الرابعة من الهجرة تقريباً ، فما وجه الجمع بين الآيتين على تقدير تسليم نزولهما في أبي بكر؟ والأولى منهما كما مرّ نصّ على أنّ أبا قحافة ممّن أنعم الله عليه يوم كان لأبي بكر أربعون سنة ، ولمّا بلغ أشدّه وبلغ أربعين سنة قال : (رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَ) ، وهذه الآية كما ترى نصّ في أنّ أبا قحافة يوم نزولها ـ وكان يوم ذاك لأبي بكر ثلاث وخمسون سنة تقريباً ـ كان ممّن حادّ الله ورسوله.

والذي يهوّن الخطب أنّ متن هذه الرواية ـ كالرواية السابقة الواردة في الآية الأولى ـ يكذّب نفسها. إذ الآية كما سمعت نزلت بالمدينة ، وظاهر الرواية وقوع القصّة بها ، ويوم ذاك كان أبو قحافة بمكّة ، فأين وأنّى اجتمع أبو بكر مع أبيه وصكّه؟

ثمّ هل يشترط وجوب قتل من سبّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقرب السيف ممّن سمعه؟ أو شُرّع هذا الحكم بعد القضيّة؟ أو خُصّ أبو قحافة منه بالدليل؟ سل من أعماه الغلوّ في الفضائل وأصمّه : (إِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً) (١) ، (وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (٢).

الغاية للقالة

أحسب أنّ القوم لم ينسجوا هذا الإفك على نول الجهل بتراجم الرجال فحسب ، ولا أنّ لهم مأرباً في آباء المهاجرين أسلموا أو لم يسلموا ، أو أنّ لهم غاية في إسلام أبوي أبي بكر ، لكنّهم زمّروا لِما لم يزل لهم فيه مكاء وتصدية من تكفير سيّد الأباطح شيخ الأئمّة أبي طالب والد مولانا أمير المؤمنين سلام الله عليهما ، وذلك بعد أن عجزوا عن الوقيعة في الولد فوجّهوها إلى الوالد أو إلى الوالدين كما فعله الحافظ

__________________

(١) المجادلة : ٢.

(٢) آل عمران : ٧٨.

٤٤٤

العاصمي في زين الفتى. وكان من تهويلهم في تخفيف تلكم الوطأة أن جرّوا ذلك إلى والدي النبيّ المعظّم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعليهما حتى قال العاصمي في زين الفتى عند بيان وجه الشبه بين النبيّ والمرتضى صلى الله عليهما وآلهما : أمّا تشبيه الأبوين في الحكم والتسمية ، فإنّ النبيّ في كثرة ما أنعم الله تعالى عليه ووفور إحسانه إليه لم يرزقه إسلام أبويه ، وعلى هذا جمهور المسلمين (١) إلاّ شرذمة قليلين لا يلتفت إليهم ، فكذلك المرتضى فيما أكرمه الله به من الأخلاق والخصال وفنون النعم والأفعال لم يرزقه إسلام أبويه. انتهى.

فلم تفتأ لهم في ذلك جلبة ولغط مكابرين فيهما المعلوم من سيرة شيخ الأبطح وكفالته لصاحب الرسالة ، ودرئه عنه كلّ سوء وعادية ، وهتافه بدينه القويم ، وخضوعه لناموسه الإلهيّ في قوله وفعله وشعره ونثره ، ودفاعه عنه بكلّ ما يملكه من حول وطول.

ولولا أبو طالبٍ وابنه

لما مَثُلَ الدينُ شخصاً وقاما

فذاك بمكة آوى وحامى

وهذا بيثرب جسَّ الحماما

تكفّل عبد منافٍ بأمرٍ

وأودى فكان عليٌّ تماما

فقل في ثبير مضى بعد ما

قضى ما قضاه وأبقى شماما (٢)

فَلِلّه ذا فاتحاً للهدى

ولله ذا للمعالي ختاما

وما ضرّ مجدَ أبي طالبٍ

جهولٌ لغا أو بصيرٌ تعامى

كما لا يضرُّ إياب (٣) الصبا

حِ مَن ظنَّ ضوء النهار الظلاما (٤)

__________________

(١) أفك الرجل على جمهور المسلمين ، فانّ الإمامية والزيدية على بكرة أبيهم ومن حذا حذوهم من محقّقي أهل السنّة ذهبوا إلى إسلام والدي النبيّ الأقدس ، ومن شذّ عنهم فلا يؤبه به ولا يلتفت إليه. (المؤلف)

(٢) ثبير وثَمام : اسما جبلين.

(٣) في شرح النهج : إياة ، ومعناه الضوء.

(٤) ذكرها ابن أبي الحديد لنفسه في شرحه : ٣ / ٣١٧ [ ١٤ / ٨٤ كتاب ٩ ]. (المؤلف)

٤٤٥

وهناك طرق لا يمكن التوصّل إلى الإذعان بنفسيّات أيّ أحد إلاّ بها ، ألا وهي :

١ ـ استنباطها ممّا يلفظ به من قول.

٢ ـ أو ممّا ينوء به من عمل.

٣ ـ أو ممّا يروي عنه آله وذووه. فإنّ أهل البيت أدرى بما فيه.

٤ ـ أو ممّا أسنده إليه من لاث به وبخع له.

ـ ١ ـ

أمّا أقوال أبي طالب سلام الله عليه : فإليك عقوداً عسجديّة من شعره الرائق مثبتة في السير والتواريخ وكتب الحديث.

أخرج الحاكم في المستدرك (١) (٢ / ٦٢٣) بإسناده عن ابن إسحاق قال : قال أبو طالب أبياتاً للنجاشي يحضّه على حسن جوارهم والدفع عنهم ـ يعني عن المهاجرين إلى الحبشة من المسلمين :

ليعلمْ خيارُ الناسِ أنّ محمداً

وزيرٌ لموسى والمسيحِ ابنِ مريمِ

أتانا بهديٍ مثل ما أَتيا بهِ

فكلٌّ بأمرِ اللهِ يهدي ويعصم (٢)

وإنَّكمُ تتلونه في كتابِكمْ

بصدقِ حديثٍ لا حديثِ المبرجِمِ

وإنَّك ما تأتيك منها عصابةٌ

بفضلِكَ إلاّ أُرجعوا بالتكرُّمِ

وقال سلام الله عليه من قصيدة :

فبلّغ عن الشحناء أفناء غالبٍ

لويّا وتيماً عند نصر الكرائمِ

لأنّا سيوفُ اللهِ والمجدُ كلُّه

إذا كان صوتُ القومِ وجي الغمائمِ

ألم تعلموا أنّ القطيعة مأثمٌ

وأمر بلاء قاتم غير حازمِ

وأنّ سبيلَ الرشدِ يُعلَمُ في غدٍ

وأنّ نعيمَ الدهرِ ليس بدائمِ

__________________

(١) المستدرك على الصحيحين : ٢ / ٦٨٠ ح ٤٢٤٧.

(٢) في البيت إقواء.

٤٤٦

فلا تسفَهَنْ أحلامُكمْ في محمدٍ

ولا تتبعوا أمر الغواةِ الأشائمِ

تمنّيتمُ أن تقتلوه وإنَّما

أمانيُّكم هذي كأحلام نائمِ

وإنَّكمُ واللهِ لا تقتلونه

ولمّا تروا قطف اللحى والغلاصمِ (١)

ولم تبصروا والأحياءَ منكم ملاحماً

تحوم عليها الطيرُ بعد ملاحمِ

وتدعو بأرحامٍ أواصر بيننا

فقد قطّع الأرحامَ وقعُ الصوارمِ

زعمتم بأنّا مسلمون محمداً

ولمّا نقاذفْ دونه ونزاحمِ

من القومِ مفضالٌ أبيٌ على العدى

تمكّن في الفرعينِ من آل هاشمِ

أمينٌ حبيبٌ في العباد مسوَّمٌ

بخاتم ربٍّ قاهرٍ في الخواتمِ

يرى الناسُ برهاناً عليه وهيبةً

وما جاهلٌ في قومه مثلُ عالمِ

نبيٌّ أتاه الوحي من عند ربِّه

ومن قال لا يقرعْ بها سنّ نادمِ

تطيف به جرثومةٌ هاشميّةٌ

تُذبِّب عنه كل عاتٍ وظالمِ

ديوان أبي طالب (ص ٣٢) ، شرح ابن أبي الحديد (٣ / ٣١٣) (٢).

ومن شعره في أمر الصحيفة التي سنوقفك على قصّتها قوله :

ألا أبلغا عنّي على ذاتِ بينِها

لويّا وخُصّا من لويّ بني كعبِ

ألم تعلموا أنّا وجدنا محمداً

رسولاً كموسى خُطَّ في أوّل الكتبِ

وأَنَّ عليه في العبادِ محبّةً

ولا حيفَ فيمن خصَّه اللهُ بالحبّ

وأَنَّ الذي رقّشتمُ في كتابِكمْ

يكون لكم يوماً كراغية السقبِ (٣)

__________________

(١) في رواية : والجماجم. الغلاصم جمع الغلصمة : اللحم بين الرأس والعنق. (المؤلف)

(٢) ديوان أبي طالب : ٨٤ ـ ٨٥ ، شرح نهج البلاغة : ١٤ / ٧٣ كتاب ٩.

(٣) في رواية ابن هشام :

وإنّ الذي ألصقتمُ من كتابِكمْ

لكم كائنٌ نحساً كراغية السقب

 رقش : كتب وسطر. الراغية من الرغاء : أصوات الإبل. السقب : ولد الناقة. (المؤلف)

٤٤٧

أفيقوا أفيقوا قبل أن تحفر الزُّبى (١)

ويصبحَ من لم يجنِ ذنباً كذي ذنبِ

ولا تتبعوا أمر الغواة وتقطعوا

أواصرَنا بعد المودّةِ والقربِ

وتستجلبوا حَرباً عواناً (٢) وربّما

أمرّ على مَن ذاقه حَلَبُ الحربِ

فلسنا وبيتِ اللهِ نُسلمُ أحمداً

لعزّاء من عضِّ الزمان ولا كربِ (٣)

ولَمّا تبِنْ منّا ومنكم سوالفٌ

وأيدٍ أترّت (٤) بالمهنّدة الشهبِ

بمُعتركٍ ضنكٍ ترى كِسَرَ القنا

به والضباعَ العرجَ تعكفُ كالشربِ (٥)

كأنَّ مجالَ الخيلِ في حجراتِهِ

ومعمعةَ الأبطالِ معركةُ الحربِ

أليس أبونا هاشمٌ شدَّ أزره

وأوصى بنيه بالطعانِ وبالضربِ

ولسنا نملُّ الحرب حتى تملّنا

ولا نشتكي ممّا ينوب من النكبِ

ولكنّنا أهلُ الحفائظِ والنُّهى

إذا طار أرواحُ الكماةِ من الرعبِ

سيرة ابن هشام (١ / ٣٧٣) ، شرح ابن أبي الحديد (٣ / ٣١٣) ، بلوغ الأرب (١ / ٣٢٥) ، خزانة الأدب للبغدادي (١ / ٢٦١) ، الروض الأُنف (١ / ٢٢٠) ، تاريخ ابن كثير (٣ / ٨٧) ، أسنى المطالب (ص ٦ ، ١٣) ، طلبة الطالب (ص ١٠) (٦).

ومن شعره قوله :

ألا ما لهمٍّ آخرَ الليل معتمِ

طواني وأخرى النجم لمّا تقحّمِ

__________________

(١) في سيرة ابن هشام [ ١ / ٣٧٧ ] : الثرى ، بدل الزبى. (المؤلف)

(٢) الحرب العوان : التي قوتل فيها مرّة بعد أخرى. أشدّ الحروب. (المؤلف)

(٣) العزّاء : السنة الشديدة. عضّ الزمان : شدته وكلبه. (المؤلف)

(٤) تَبِنْ : تنفصل. السوالف : صفحات الاعناق. أَترّت : قطعت. (المؤلف)

(٥) ضنك : ضيق. الضباع العرج مرّ ص ٥٨. الشرب : الجماعة من القوم يشربون. والشطر الثاني في سيرة ابن هشام [ ١ / ٣٧٩ ] : به والنسور الطخم يعكفن كالشرب. (المؤلف)

(٦) السيرة النبويّة : ١ / ٣٧٧ ـ ٣٧٩ ، شرح نهج البلاغة : ١٤ / ٧٢ كتاب ٩ ، خزانة الأدب : ٢ / ٧٦ ، الروض الأُنف : ٣ / ٢٨٣ ، البداية والنهاية : ٣ / ١٠٨.

٤٤٨

طواني وقد نامت عيونٌ كثيرة

وسامَرَ أخرى قاعدٌ لم يُنوِّمِ

لأحلامِ أقوامٍ أرادوا محمداً

بظلمٍ ومن لا يتّقي البغي يُظلمِ

سعوا سفهاً واقتادهم سوءُ أمرِهمْ

على خائلٍ من أمرهم غير محكمِ

رجاة أمورٍ لم ينالوا نظامها

وإن نشدوا في كلِّ بدوٍ وموسمِ

يرجُّون منّا خطّة دون نيلها

ضرابٌ وطعنٌ بالوشيج المقوَّمِ (١)

يرجُّون أن نسخي بقتل محمدٍ

ولم تختضب سمرُ العوالي من الدمِ

كذبتم وبيتِ اللهِ حتى تُفَلَّقوا

جماجمَ تُلقى بالحميم وزمزمِ (٢)

وتُقطعَ أرحامٌ وتنسى حليلةٌ

حليلاً ويغشى محرمٌ بعد محرمِ

وينهضَ قومٌ بالحديد إليكمُ

يذبّون عن أحسابهم كلَّ مجرمِ

هم الأُسدُ أُسد الزأرتينِ إذا غدتْ

على حنقٍ لم تخشَ إعلامَ معلمِ

فيا لِبَني فهرٍ أفيقوا ولم تُقَمْ

نوائحُ قتلى تدَّعي بالتسدّمِ (٣)

على ما مضى من بغيِكم وعقوقِكمْ

وغشيانِكم في أمرِنا كلّ مأتمِ

وظلم نبيٍّ جاء يدعو إلى الهدى

وأمرٍ أتى من عند ذي العرش قيِّمِ (٤)

فلا تحسبونا مسلميهِ ومثلُهُ

إذا كان في قومٍ فليس بمسلمِ

فهذي معاذيرٌ وتقدمةٌ لكم

لكيلا تكون الحربُ قبل التقدُّمِ

ديوان أبي طالب (٥) (ص ٢٩) ، شرح ابن أبي الحديد (٣ / ٣١٢) (٦).

وله قوله مخاطباً للنبيِّ الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

__________________

(١) الوشيج : الرماح.

(٢) في الديوان : تفرّقوا. بدلاً من : تفلّقوا. و: بالحطيم. بدلاً من : بالحميم.

(٣) التسدّم من السدم : الهمّ مع الندم ، الغيظ مع الحزن. (المؤلف)

(٤) في رواية شيخ الطائفة : مبرم. (المؤلف)

(٥) ديوان أبي طالب : ص ٨٢ ـ ٨٣.

(٦) شرح نهج البلاغة : ١٤ / ٧١ كتاب ٩.

٤٤٩

والله لن يصلوا إليك بجمعهم

حتى أُوَسَّد في التراب دفينا

فاصدعْ بأمرِكَ ما عليك غضاضةٌ

وابشر بذاك وقرّ منك عيونا

ودعوتني وعلمتُ أنَّك ناصحي

ولقد دعوتَ وكنتَ ثمّ أمينا (١)

ولقد علمتُ بأنَّ دينَ محمدٍ

من خير أديانِ البريّة دينا

رواها الثعلبي في تفسيره وقال : قد اتّفق على صحّة نقل هذه الأبيات عن أبي طالب : مقاتل ، وعبد الله بن عبّاس ، والقسم بن محضرة ، وعطاء بن دينار.

راجع : (٢) خزانة الأدب للبغدادي (١ / ٢٦١) ، تاريخ ابن كثير (٣ / ٤٢) ، شرح ابن أبي الحديد (٣ / ٣٠٦) ، تاريخ أبي الفدا (١ / ١٢٠) ، فتح الباري (٧ / ١٥٣ ، ١٥٥) ، الإصابة (٤ / ١١٦) ، المواهب اللدنيّة (١ / ٦١) ، السيرة الحلبيّة (١ / ٣٠٥) ، ديوان أبي طالب (ص ١٢) ، طلبة الطالب (ص ٥) ، بلوغ الأرب (١ / ٣٢٥) ، السيرة النبويّة لزيني دحلان هامش الحلبيّة (١ / ٩١ ، ٢١١) ، وذكر البيت الأخير في أسنى المطالب (ص ٦) فقال : عدّه البرزنجي من كلام أبي طالب المعروف.

لفت نظر :

زاد القرطبي وابن كثير في تاريخه على الأبيات :

لو لا الملامةُ أو حذاري سُبّةً

لوجدتني سمحاً بذاك مبينا

__________________

(١) وفي رواية القسطلاني :

ودعوتني وزعمت أنك ناصحي

ولقد صدقت وكنتَ ثمّ أمينا

 (المؤلف)

(٢) خزانة الأدب : ٢ / ٧٦ ، البداية والنهاية : ٣ / ٥٦ ، شرح نهج البلاغة : ١٤ / ٥٥ كتاب ٩ ، فتح الباري : ٧ / ١٩٤ ، ١٩٦ ، المواهب اللدنيّة : ١ / ٢٢٣ ، السيرة الحلبيّة : ١ / ٢٨٧ ، ديوان أبي طالب : ص ٤١ ، السيره النبويّة لزيني دحلان : ١ / ٤٥ ، أسنى المطالب : ص ١٠.

٤٥٠

قال السيّد أحمد زيني دحلان في أسنى المطالب (١) (ص ١٤) : فقيل : إنّ هذا البيت موضوع أدخلوه في شعر أبي طالب وليس من كلامه.

قال الأميني : هب أنّ البيت الأخير من صُلب ما نظمه أبو طالب عليه‌السلام فإنّ أقصى ما فيه أنّ العار والسبّة ، اللذين كان أبو طالب عليه‌السلام يحذرهما خيفة أن يسقط محلّه عند قريش فلا تتسنّى له نصرة الرسول المبعوث صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إنّما منعاه عن الإبانة والإظهار لاعتناق الدين ، وإعلان الإيمان بما جاء به النبيّ الأمين ، وهو صريح قوله : لوجدتني سمحاً بذاك مبينا. أي مظهراً ، وأين هو عن اعتناق الدين في نفسه ، والعمل بمقتضاه من النصرة والدفاع؟ ولو كان يريد به عدم الخضوع للدين لكان تهافتاً بيّناً بينه وبين أبياته الأولى التي ينصّ فيها بأنّ دين محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من خير أديان البريّة دينا ، وأنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صادق في دعوته أمين على أُمّته.

ومن شعره قوله قد غضب لعثمان بن مظعون حين عذّبته قريش ونالت منه :

أمن تذكّرِ دهرٍ غيرِ مأمونِ

أصبحتَ مكتئباً تبكي كمحزونِ

أم مِن تذكّرِ أقوامٍ ذوي سفهٍ

يغشون بالظلمِ من يدعو إلى الدينِ

ألا ترون أذلَّ اللهُ جمعَكمُ

إنَّا غضبنا لعثمانَ بنِ مظعونِ

ونمنع الضيم من يبغي مضيّمنا

بكلِّ مطَّردٍ في الكفِّ مسنونِ

ومرهفاتٍ كأنَّ الملحَ خالطها

يُشفى بها الداءُ من هام المجانينِ

حتى تقرّ رجالٌ لا حلومَ لها

بعد الصعوبةِ بالأسماح واللينِ

أو تؤمنوا بكتابٍ مُنزلٍ عجبٍ

على نبيٍّ كموسى أو كذي النونِ (٢)

ومن شعره يمدح النبيّ الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله :

__________________

(١) أسنى المطالب : ص ٢٥.

(٢) شرح ابن أبي الحديد : ٣ / ٣١٣ [ ١٤ / ٧٣ كتاب ٩ ]. (المؤلف)

٤٥١

لقد أكرمَ اللهُ النبيَّ محمداً

فأكرمُ خلقِ اللهِ في الناسِ أحمدُ

وشقَّ له من اسمه لِيجلّه

فذو العرشِ محمودٌ وهذا محمدُ

أخرجه (١) البخاري في تاريخه الصغير من طريق علي بن يزيد ، وأبو نعيم في دلائل النبوّة (١ / ٦) ، وابن عساكر في تاريخه (١ / ٢٧٥) ، وذكره له ابن أبي الحديد في شرحه (٣ / ٣١٥) ، وابن كثير في تاريخه (١ / ٢٦٦) ، وابن حجر في الإصابة (٤ / ١١٥) ، والقسطلاني في المواهب اللدنيّة (١ / ٥١٨) نقلاً عن تاريخ البخاري ، والديار بكري في تاريخ الخميس (١ / ٢٥٤) فقال : أنشأ أبو طالب في مدح النبيّ أبياتاً منها هذا البيت :

وشقّ له من اسمه ليجلّه

حسّان بن ثابت ضمّن شعره هذا البيت فقال :

ألم ترَ أنّ اللهَ أرسلَ عبده

بآياتِهِ واللهُ أعلى وأمجدُ

وشقَّ له من اسمه ليجلّه

والزرقاني في شرح المواهب (٣ / ١٥٦) وقال : توارد حسّان معه أو ضمّنه شعره وبه جزم في الخميس ، أسنى المطالب (٢) (ص ١٤).

ومن شعره المشهور كما قاله ابن أبي الحديد في شرحه (٣) (٣ / ٣١٥):

أنت النبيُّ محمدُ

قرمٌ أغرُّ مسوَّدُ

لمسوّدينَ أكارمٍ

طابوا وطاب المولدُ

نعم الأُرومةُ أصلُها

عمرو الخضمّ الأوحدُ

__________________

(١) التاريخ الصغير : ١ / ٣٨ ، دلائل النبوّة : ١ / ٤٤ ح ٢ ، تاريخ مدينة دمشق : ٣ / ٣٢ ـ ٣٣ ، شرح نهج البلاغة : ١٤ / ٧٨ كتاب ٩ ، البداية والنهاية : ٢ / ٣٢٥ ، المواهب اللدنيّة : ٢ / ٢٥.

(٢) أسنى المطالب : ص ٢٤.

(٣) شرح نهج البلاغة : ١٤ / ٧٧ كتاب ٩.

٤٥٢

هشم الربيكةَ في الجفا

نِ وعيشُ مكةَ أنكدُ (١)

فجرت بذلك سنّةٌ

فيها الخبيزة تثردُ

ولنا السقايةُ للحجي

 ـ جِ بها يماث العُنجدُ (٢)

والمأزمان (٣) وما حوت

عرفاتُها والمسجدُ

أنّى تُضامُ ولم أمُتْ

وأنا الشجاعُ العربدُ

وبطاحُ مكةَ لا يُرى

فيها نجيعٌ أسودُ

وبنو أبيك كأنَّهم

أُسد العرين توقّدوا

ولقد عهدتك صادقاً

في القول لا يتزيَّدُ

ما زلتَ تنطق بالصوا

ب وأنت طفلٌ أمردُ

جاء أبو جهل بن هشام إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو ساجد وبيده حجر يريد أن يرميه به ، فلمّا رفع يده لصق الحجر بكفّه فلم يستطع ما أراد ، فقال أبو طالب :

أفيقوا بني غالبٍ وانتهوا

عن الغيِّ من بعض ذا المنطقِ

وإلاّ فإنّي إذن خائفٌ

بوائقَ في داركم تلتقي

تكون لغيركمُ عبرةً

وربِّ المغارب والمشرقِ

كما نال من كان مِن قبلكم

ثمودُ وعادٌ وما ذا بقي

غداة أتاهم بها صرصرٌ

وناقة ذي العرش قد تستقي

فحلَّ عليهم بها سخطه

من الله في ضربةِ الأزرقِ (٤)

__________________

(١) عمرو : اسم هاشم بن عبد مناف. الخضم : كثير العطاء. الربيكة : طعام يعمل من تمر وأقط وسمن.

(٢) ماث الشيء ميثاً : مرسه. وماث الملح في الماء : أذابه. العُنجُد : الزبيب.

(٣) المأزمان : موضع بمكة بين المشعر الحرام وعرفة وهو شعب بين جبلين [ معجم البلدان : ٥ / ٤٠ ]. (المؤلف)

(٤) الأزرق : عاقر ناقة صالح.

٤٥٣

غداة يعضُّ بعرقوبها

حساماً من الهند ذا رونقِ

وأعجب مِن ذاك في أمرِكمْ

عجائبُ في الحجرِ الملصقِ

بكفِّ الذي قام من خبثِهِ

إلى الصابرِ الصادقِ المتَّقي

فأثبته اللهُ في كفِّه

على رغمِه الجائرِ الأحمقِ

أُحيمق مخزومكم إذ غوى

لغيِّ الغواة ولم يصدقِ

ديوان أبي طالب (١) (ص ١٣) ، شرح ابن أبي الحديد (٣ / ٣١٤) (٢).

قال ابن أبي الحديد في شرحه (٣) (٣ / ٣١٤) : قالوا : وقد اشتهر عن عبد الله المأمون رحمه‌الله أنّه كان يقول : أسلم أبو طالب والله بقوله :

نصرتُ الرسولَ رسول المليكِ

ببيضٍ تلألا كلمعِ البروقِ

أذبُّ وأحمي رسول الإلهِ

حمايةَ حامٍ عليه شفيقِ

وما إن أدبّ لأعدائِهِ

دبيبَ البكار حذار الفنيقِ (٤)

ولكن أزير لهم سامياً

كما زار ليث بغيل مضيقِ

وتوجد هذه الأبيات مع بيت زائد في ديوانه (٥) (ص ٢٤).

ولسيّدنا أبي طالب أبيات كتبها إلى النجاشي بعد ما خرج عمرو بن العاص إلى بلاد الحبشة ليكيد جعفر بن أبي طالب وأصحابه عند النجاشي. يحرّض النجاشي على إكرام جعفر والإعراض عن ما يقوله عمرو (٦) ، منها :

__________________

(١) ديوان أبي طالب : ص ٤٢.

(٢) شرح نهج البلاغة : ١٤ / ٧٤ كتاب ٩.

(٣) شرح نهج البلاغة : ١٤ / ٧٤ كتاب ٩.

(٤) الفنيق : الفحل المكرم لا يؤذى ولا يركب لكرامته جمع فنق وأفناق. (المؤلف)

(٥) ديوان أبي طالب : ص ٧٠.

(٦) ديوان أبي طالب ص ١٠٩ وهي مما استدركه محقق الديوان على جامعه.

٤٥٤

ألا ليتَ شعري كيف في الناسِ جعفرٌ

وعمروٌ وأعداءُ النبيِّ الأقاربُ

وهل نالَ إحسانُ النجاشيِّ جعفراً

وأصحابَهُ أم عاقَ عن ذاك شاغبُ

تعلّم أبيت اللعنَ (١) أنَّك ماجدٌ

كريمٌ فلا يشقى إليك المجانبُ

ونعلم أنَّ الله زادك بسطةً

وأسباب خيرٍ كلَّها بك لازبُ

تاريخ ابن كثير (٢) (٣ / ٧٧) ، شرح ابن أبي الحديد (٣ / ٣١٤).

قال ابن أبي الحديد في شرحه (٣) (٣ / ٣١٥) : ومن شعره المشهور أيضاً قوله يخاطب محمداً ، ويسكّن جأشه ، ويأمره باظهار الدعوة :

لا يمنعنّك من حقٍّ تقوم به

أيدٍ تصول ولا سلق بأصواتِ

فإنَّ كفّك كفّي إن بهم مليت (٤)

ودون نفسك نفسي في الملِمّاتِ

قال ابن هشام (٥) : ولمّا خشي أبو طالب دهماء العرب أن يركبوه مع قومه قال قصيدته التي تعوّذ فيها بحرم مكّة وبمكانه منها ؛ وتودّد فيها أشراف قومه وهو على ذلك يخبرهم وغيرهم في ذلك من شعره أنّه غير مسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا تاركه لشيء أبداً ، حتى يهلك دونه ، فقال أبو طالب :

خليليّ ما أُذني لأوّل عاذلٍ

بصغواءَ في حقٍّ ولا عند باطلِ

ولمّا رأيتُ القومَ لا وُدَّ فيهمُ

وقد قطّعوا كلَّ العُرى والوسائلِ

وقد صارحونا بالعداوةِ والأذى

وقد طاوعوا أمرَ العدوِّ المزايلِ

__________________

(١) أبيت اللعن ، كلمة كانت العرب تحيي بها ملوكها في الجاهلية ؛ معناها : أبيت أيها الملك أن تأتي ماتُلعن عليه.

(٢) البداية والنهاية : ٣ / ٩٧.

(٣) شرح نهج البلاغة : ١٤ / ٧٧ كتاب ٩.

(٤) في المصدر : إن بليت بهم.

(٥) السيرة النبويّة : ١ / ٢٩١.

٤٥٥

وقد حالفوا قوماً علينا أظنّةً (١)

يعضّون غيظاً خلفنا بالأناملِ

صبرتُ لهم نفسي بسمراءَ سمحةٍ

وأبيضَ عضبٍ من تراث المقاولِ (٢)

* * *

أعوذُ بربِّ الناسِ من كلِّ طاعنٍ

علينا بسوءٍ أو مُلحٍّ بباطلِ

ومن كاشحٍ يسعى لنا بمعيبةٍ

ومن مُلحقٍ في الدين ما لم نحاولِ

وثورٍ ومن أرسى ثبيراً مكانه

وراقٍ ليرقى في حراءٍ ونازلِ (٣)

وبالبيتِ حقَّ البيتِ من بطنِ مكّةٍ

وباللهِ إنّ اللهَ ليس بغافلِ

وبالحجرِ المسودّ إذ يمسحونه

إذا اكتنفوه بالضحى والأصائلِ

* * *

كذبتم وبيتِ اللهِ نتركُ مكّةً

ونظعن إلاّ أمركم في بلابلِ

كذبتم وبيتِ اللهِ نُبزَى محمداً

ولمّا نُطاعن دونه ونناضلِ (٤)

ونسلمه حتى نُصرَّعَ حوله

ونُذهلَ عن أبنائنا والحلائلِ

وينهضَ قومٌ بالحديد إليكمُ

نهوض الرَّوايا تحت ذاتِ الصلاصلِ (٥)

وحتى نرى ذا الظِّغن يركب ردعه

من الطعن فعل الأنكب المتحاملِ (٦)

وإنّا لعمرُ الله إن جدَّ ما أرى

لتلتبس أسيافنا بالأماثلِ

بكفَّي فتىً مثل الشهاب سميدع

أخي ثقة حامي الحقيقة باسلِ

__________________

(١) أظنّة : جمع ظنين : المتهم. (المؤلف)

(٢) سمراء سمحة : أراد بها قناة لينة تسمح بالانعطاف عند هزها. العضب : القاطع. المقاول : أراد بها السادات. (المؤلف)

(٣) ثور وثبير وحراء : جبال في مكة. (المؤلف)

(٤) نُبزَى : نُسلب.

(٥) الروايا : الإبل التي تحمل الماء ، واحدتها : راوية. الصلاصل جمع الصلصلة : الصوت وذات الصلاصل : المزادات التي فيها بقية من الماء يسمع لها صوت حين تسير الإبل. (المؤلف)

(٦) يقال : ركب ردعه ، أي خرّ صريعاً لوجهه. الأنكب : الذي يمشي على شق. (المؤلف)

٤٥٦

شهوراً وأيّاماً وحولاً مجرَّماً (١)

علينا وتأتي حجّةٌ بعدَ قابلِ

وما ترك قومِ ـ لا أبا لك ـ سيِّداً

يحوط الذمار غير ذربٍ مواكلِ (٢)

وأبيض يُستسقى الغمامُ بوجهه

ثمالُ اليتامى عصمةٌ للأراملِ

يلوذ به الهُلاّكُ من آل هاشمٍ

فهم عنده في رحمةٍ وفواضلِ

* * *

بميزان قسطٍ لا يخيس شعيرةً

له شاهدٌ من نفسه غيرُ عائلِ (٣)

لقد سفِهت أحلامُ قومٍ تبدّلوا

بني خَلَفٍ قيضاً بنا والغياطلِ (٤)

ونحن الصميمُ من ذُؤابة هاشمٍ

وآلِ قصيٍّ في الخطوب الأوائلِ

وسهمٌ ومخزومٌ تمالوا وألّبوا

علينا العدا من كلِّ طملٍ وخاملِ (٥)

فعبد مناف أنتمُ خيرُ قومِكم

فلا تُشركوا في أمرِكم كلَّ واغلِ (٦)

* * *

ألم تعلموا أنَّ ابننا لا مكذَّبٌ

لدينا ولا نعبا بقول الأباطلِ

أشمُّ من الشُمِّ البهاليل ينتمي

إلى حسب في حومة المجدِ فاضِلِ

لعمري لقد كلّفت وجداً بأحمدٍ

وأحببته حبَّ الحبيبِ المواصلِ

__________________

(١) حولا مجرّماً : أي مكملاً. يقال : تجرّمت السنة ، إذا كملت وانقضت. (المؤلف)

(٢) الذمار : ما يلزمك أن تحميه. ذرب : فاسد. مواكل : يتّكل على غيره. (المؤلف)

(٣) لا يخيس من قولهم : خاس بالعهد إذا نقضه وأفسده ، ويروى لا يخسّ أي لا ينقص. عائل : جائر.(المؤلف)

(٤) قيضاً بنا : عوضاً منّا تقول : قاضه بكذا أي عوضه به. الغيطلة : من بني مرة بن عبد مناة إخوة مدلج بن مرّة وهي أُمّ الغياطل ، فقيل لولدها : الغياطل وهم من بني سهم بن عمرو بن هصيص. (المؤلف)

(٥) الطمل : الرجل الفاحش لا يبالي ما صنع. اللئيم ، الأحمق ، اللص الفاسق. (المؤلف)

(٦) كلّ واغل : أراد كل ملصق ليس من صميم ، وأصل الواغل الداخل على القوم وهم يشربون من غير أن يدعى. (المؤلف)

٤٥٧

فلا زال في الدنيا جمالاً لأهلها

وزيناً لمن والاه ربُّ المشاكلِ

فأصبحَ فينا أحمدٌ في أرومةِ

تقصِّر عنه سورةُ المتطاولِ

حدبتُ بنفسي دونه وَحمَيته

ودافعت عنه بالذرى والكلاكلِ (١)

فأيَّده ربُّ العباد بنصره

وأظهر ديناً حقُّه غير باطلِ

هذه القصيدة ذكر منها ابن هشام في سيرته (٢) (١ / ٢٨٦ ـ ٢٩٨) ، أربعة وتسعين بيتاً وقال : هذا ما صحّ لي من هذه القصيدة. وذكر ابن كثير منها اثنين وتسعين بيتاً في تاريخه (٣) (٣ / ٥٣ ـ ٥٧) ، وفي رواية ابن هشام ثلاثة أبيات لم توجد في تاريخ ابن كثير وقال (ص ٥٧) قلت : هذه قصيدة عظيمة بليغة جدّا لا يستطيع يقولها إلاّ من نُسبت إليه ، وهي أفحل من المعلّقات السبع ، وأبلغ في تأدية المعنى فيها جميعها ، وقد أوردها الأمويّ في مغازيه مطوّلة بزيادات أُخر والله أعلم.

وذكرها أبو هفّان العبدي في ديوان أبي طالب (٤) (ص ٢ ـ ١٢) في مائة وأحد عشر بيتاً ولعلّها تمام القصيدة.

وقال ابن أبي الحديد في شرحه (٥) (٣ / ٣١٥) بعد ذكر جملة من شعر أبي طالب : فكلّ هذه الأشعار قد جاءت مجيء التواتر ؛ لأنَّه إن لم تكن آحادها متواترة فمجموعها يدلّ على أمر واحد مشترك وهو تصديق محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومجموعها متواتر كما أنّ كل واحدة من قتلات عليّ عليه‌السلام الفرسان منقولة آحاداً ومجموعها متواتر يفيدنا

__________________

(١) حدبت : عطفت ومنعت. الذرى جمع ذرة : أعلى ظهر البعير. الكلاكل جمع كلكل : معظم الصدر. (المؤلف)

(٢) السيرة النبويّة : ١ / ٢٩١ ـ ٢٩٩.

(٣) البداية والنهاية : ٣ / ٧٠ ـ ٧٤.

(٤) ديوان أبي طالب : ص ٢١ ـ ٣٨.

(٥) شرح نهج البلاغة : ١٤ / ٧٨ كتاب ٩.

٤٥٨

العلم الضروريّ بشجاعته ، وكذلك القول فيما روي من سخاء حاتم وحلم الأحنف ومعاوية وذكاء أياس وخلاعة أبي نواس وغير ذلك. قالوا : واتركوا هذا كلّه جانباً ، ما قولكم في القصيدة اللاميّة التي شهرتها كشهرة قفا نبك؟ وإن جاز الشكّ فيها أو في شيء من أبياتها جاز الشكّ في قفا نبك وفي بعض أبياتها.

وقال القسطلاني في إرشاد الساري (١) (٢ / ٢٢٧) : قصيدة جليلة بليغة من بحر الطويل ، وعدّة أبياتها مائة وعشرة أبيات ، قالها لمّا تمالأ قريش على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونفّروا عنه من يريد الإسلام.

وذكر منها في المواهب اللدنيّة (٢) (١ / ٤٨) ، أبياتاً فقال : هي أكثر من ثمانين بيتاً قال ابن التين : إنّ في شعر أبي طالب هذا دليلاً على أنّه كان يعرف نبوّة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل أن يبعث لِما أخبره به بحيرا وغيره من شأنه. وقال العيني في عمدة القاري (٣) : (٣ / ٤٣٤) قصيدة طنّانة وهي مائة بيت وعشرة أبيات أوّلها :

خليليَّ ما أُذني لأوّل عاذلِ

بصغواءَ في حقٍّ ولا عند باطلِ

ذكر منها البغدادي في خزانة الأدب (٤) (١ / ٢٥٢ ـ ٢٦١) اثنين وأربعين بيتاً مع شرحها ، وقال : أوّلها :

خليليَّ ما أُذني لأوّل عاذلِ

بصغواء في حقٍّ ولا عند باطلِ

خليليّ إنَّ الرأي ليس بشركةٍ

ولا نهنهٍ عند الأُمور البلابلِ (٥)

__________________

(١) إرشاد الساري : ٣ / ٢٦.

(٢) المواهب اللدنيّة : ١ / ١٨٥.

(٣) عمدة القاري : ٧ / ٣٠.

(٤) خزانة الأدب : ٢ / ٥٩ ـ ٧٥.

(٥) النهنه : المضيء ، والنيِّر الشفّاف الذي يظهر الأشياء على جليّتها. البلابل : جمع بلبلة أو بلبال ، وهما بمعنى الهمّ ووساوس الصدر.

٤٥٩

ولمّا رأيت القوم لا ودّ عندهم

وقد قطّعوا كلَّ العرى والوسائلِ

وذكر الآلوسي عدّة منها في بلوغ الأرب (١) (١ / ٢٣٧) وذكر كلمة ابن كثير المذكور وقال : هي مذكورة مع شرحها في كتاب لبّ لباب لسان العرب.

وذكر منها السيّد زيني دحلان أبياتاً في السيرة النبويّة هامش الحلبيّة (٢) (١ / ٨٨) فقال : قال الإمام عبد الواحد السفاقسي (٣) في شرح البخاري : إنّ في شعر أبي طالب هذا دليلاً على أنّه كان يعرف نبوّة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل أن يبعث لما أخبره به بحيرا الراهب وغيره من شأنه ، مع ما شاهده من أحواله ، ومنها الاستسقاء به في صغره ومعرفة أبي طالب بنبوّته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، جاءت في كثير من الأخبار زيادة على أخذها من شعره.

قال الأميني : أنا لا أدري كيف تكون الشهادة والاعتراف بالنبوّة إن لم يكن منها هذه الأساليب المتنوّعة المذكورة في هذه الأشعار؟ ولو وجد واحد منها في شعر أيّ أحد أو نثره لأصفق الكلّ على إسلامه ، لكن جميعها لا يدلّ على إسلام أبي طالب. فاعجب واعتبر

هذه جملة من شعر أبي طالب عليه‌السلام الطافح من كلّ شطره الإيمان الخالص ، والإسلام الصحيح ، قال العلاّمة الأوحد ابن شهرآشوب المازندراني في كتابه متشابهات القرآن عند قوله تعالى : (وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ) (٤) : إنّ أشعار أبي طالب الدالّة على إيمانه تزيد على ثلاثة آلاف بيت يكاشف فيها من يكاشف النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويصحّح نبوّته. ثمّ ذكر جملة ضافية وممّا ذكر له قوله في وصيّته :

__________________

(١) بلوغ الإرب : ١ / ٣٢٦.

(٢) السيرة النبويّة : ١ / ٤٣.

(٣) هو ابن التين المذكور في كلام القسطلاني. (المؤلف)

(٤) الحج : ٤٠.

٤٦٠