الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٧

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي

الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٧

المؤلف:

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي


المحقق: مركز الغدير للدّراسات الإسلاميّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
المطبعة: فروردين
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٥٧

أبا بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعليّا ـ إلاّ مؤمن تقيّ ، ولا يبغضكم إلاّ منافق شقيّ.

من موضوعات إبراهيم الأنصاري كما مرّ في (٥ / ٣٢٦).

١١ ـ عن عليّ مرفوعاً في أبي بكر : من أحبّني فليحبّه ، ومن أراد كرامتي فليكرمه. مرّ في الجزء الخامس (ص ٣٥٥).

١٢ ـ عن أنس مرفوعاً : إنّ لعرش الرحمن ثلاثمائة وستّين قائمة ، كلّ قائمة كطباق الدنيا ستّين ألف مرّة ، بين كلّ قائمتين ستّون ألف صخرة ، كلّ صخرة مثل الدنيا ستّون ألف مرّة ، في كلّ صخرة ستّون ألف عالم ، كلّ عالم مثل الثقلين ستّون ألف مرّة. قد ألهمهم الله تعالى الاستغفار لمن يحبّ أبا بكر وعمر ، ويلعنون مبغضهما إلى يوم القيامة (١).

كأنّ لعدد ستّين ألف خاصّة عند واضع هذه الخرافة فجعل سلسلة الأكوان الخياليّة على ذلك العدد ، ليست هذه كلّها إلاّ حلقة بلاء جاءت بها رماة القول على عواهنه المغالون في الفضائل تجاه الحقائق الراهنة ، غير أنّا لا نخدش العواطف ببسط القول في متونها ، ونكل القضاء فيها إلى ضمير الباحث النابه الحرّ.

ـ ٢١ ـ

النبيّ مؤيّد بالشيخين

عن أبي أروى الدوسي ، قال : كنت جالساً عند النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاطّلع أبو بكر وعمر فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الحمد لله الذي أيّدني بكما.

قال الأميني : أخرجه الحاكم في المستدرك (٢) (٣ / ٧٤) من طريق ابن أبي فديك ،

__________________

(١) عمدة التحقيق للعبيدي المالكي : ص ١٨٣ [ ص ٣٠٧ ] نقلاً عن كتاب العقائق. (المؤلف)

(٢) المستدرك على الصحيحين : ٣ / ٧٧ ح ٤٤٤٧.

٤٠١

وهو وإن وثّقه ابن معين (١) غير أنّ ابن سعد (٢) قال : ليس بحجّة.

عن : عاصم بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطّاب : ضعّفه أحمد وابن معين (٣) وأبو حاتم (٤) ، وابن عدي (٥) ، وقال الفروي : ليس بقويّ ، وقال الجوزجاني : يضعف حديثه ، وقال البخاري (٦) : منكر الحديث ، وقال الترمذي : متروك ليس بثقة ، وقال ابن حبّان (٧) : يخطي ويخالف ، وقال أيضا (٨) : منكر الحديث جدّا يروي عن الثقات ما لا يشبه حديث الأثبات ، لا يجوز الاحتجاج به إلاّ فيما وافق الثقات ، وقال ابن الجارود : ليس حديثه بحجّة. وتكلّم النسائي على أحمد بن صالح حيث وثّقه.

عن سهيل بن أبي صالح : قال ابن معين (٩) : حديثه ليس بحجّة. وقال أبو حاتم (١٠) : حديثه لا يُحتجّ به ، وقال ابن حبّان : يخطئ ، وقال ابن أبي خيثمة عن يحيى : لم يزل أهل الحديث يتّقون حديثه. وذكر العقيلي (١١) عن يحيى أنّه قال : هو صويلح وفيه لين.

عن محمد بن إبراهيم بن الحارث المدني : وثّقه غير واحد ، غير أنّ إمام الحنابلة

__________________

(١) التاريخ : ٣ / ١٥٨ رقم ٦٧١.

(٢) الطبقات الكبرى : ٥ / ٤٣٧.

(٣) التاريخ : ٣ / ٢١٠ رقم ٩٧٠.

(٤) الجرح والتعديل : ٦ / ٣٤٧ رقم ١٩١٥.

(٥) الكامل في ضعفاء الرجال : ٥ / ٢٢٨ رقم ١٣٨٢.

(٦) التاريخ الكبير : مج ٦ / ص ٤٩٢ رقم ٣٠٨٢.

(٧) الثقات : ٧ / ٢٥٩.

(٨) كتاب المجروحين : ٢ / ١٢٧.

(٩) التاريخ : ٣ / ٢٣٠ رقم ١٠٧٧.

(١٠) الجرح والتعديل : ٤ / ٢٤٧ رقم ١٠٦٣.

(١١) الضعفاء الكبير : ٢ / ١٥٥ رقم ٦٥٩.

٤٠٢

أحمد (١) قال : في حديثه شيء يروي أحاديث مناكير أو منكرة (٢). والحديث ذكره ابن حجر في الإصابة (٤ / ٥) وضعّفه.

هذا مجمل القول في رجال سند الرواية ، وأمّا متنه فكما ترى آية في الغلوّ.

ـ ٢٢ ـ

الأشباح الخمسة من ذريّة آدم

عن أنس بن مالك قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : أخبرني جبريل أنّ الله تعالى لمّا خلق آدم وأدخل الروح في جسده أمرني أن آخذ تفّاحةً من الجنّة فأعصرها في حلقه فعصرتها في فمه فخلقك الله من النقطة الأولى أنت يا محمد ، ومن الثانية أبا بكر ، ومن الثالثة عمر ، ومن الرابعة عثمان ، ومن الخامسة عليّ. فقال آدم : من هؤلاء الذين كرّمتهم؟ فقال الله تعالى : هؤلاء خمسة أشباح من ذرّيتك ، وقال : هؤلاء أكرم عندي من جميع خلقي. قال : فلمّا عصى آدم ربّه. قال : ربّ بحرمة أُولئك الأشباح الخمسة الذين فضّلتهم إلاّ تبت عليّ فتاب الله عليه.

ذكره الحافظ محبّ الدين الطبري في الرياض النضرة (٣) (١ / ٣٠) ، وابن حجر في الصواعق (٤) (ص ٥٠) نقلاً عن رياض المحبّ الطبري وقال : عهدته عليه.

قال الأميني : ما أبعد المسافة بين من يجوّز توسّل آدم أوّل الأنبياء إلى الله تعالى بأُناس عاديّين في سياق توسّله بأفضل الرسل وسيّد الأوصياء عليهما وآلهما السلام ،

__________________

(١) العلل ومعرفة الرجال : ١ / ٥٦٦ رقم ١٣٥٥.

(٢) راجع ميزان الاعتدال : ٢ / ٤ ، ١ / ٤٣٢ [ ٣ / ٤٤٥ رقم ٧٠٩٧ ، ٢ / ٢٤٣ رقم ٣٦٠٤ ] ، تهذيب التهذيب : ٩ / ٦ ، ٦١ / [ ٩ / ٦ ، ٥٢ ] ، و ٤ / ٢٦٣ [ ٤ / ٢٣١ ] و ٥ / ٥١ [ ٥ / ٤٥ ] وبهذا الطريق أخرجه البزّار كما في الصواعق : ص ٤٧ [ ص ٧٩ ]. (المؤلف)

(٣) الرياض النضرة : ١ / ٤٤.

(٤) الصواعق المحرقة : ص ٨٣.

٤٠٣

وبين من ينكر التوسّل لأيّ أحد بأيّ أحد ، ولا يرى لتوسّل آدم بالنبيّ الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيّ قيمة وكرامة ، فيعتقد الأوّل صحّة مثل هذه الرواية التي حكم السيوطي بأنّها كذب موضوع ، وارتضاه ابن حجر في نقله عنه كما في كشف الخفاء ، وإن عدّه في صواعقه من الفضائل زعماً منه بأنّ الدهر لم يأتِ بعده بمن يناقشه في الحساب ، وصافقهما على التكذيب والوضع العجلوني ، فقال في كشف الخفاء (١) (١ / ٢٣٣) : قال ابن حجر الهيثمي نقلاً عن السيوطي : كذب موضوع.

ومتن الرواية أوضح شاهد على ذلك ، غير أنّ المغالاة في الفضائل اختلقتها لمعارضة ما ورد في قوله تعالى : (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ) (٢).

أخرج الديلمي في مسند الفردوس كما في الدرّ المنثور (٣) (١ / ٦٠) بإسناده عن عليّ قال : «سألت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن قول الله : (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ)؟ فقال : إنّ الله أهبط آدم بالهند وحوّاء بجدّة ـ إلى أن قال ـ : حتى بعث الله إليه جبريل ، وقال : يا آدم ألم أخلقك بيدي؟ ألم أنفخ فيك من روحي؟ ألم أُسجِد لك ملائكتي؟ ألم أزوّجك حوّاء أمتي؟ قال : بلى. قال : فما هذا البكاء. قال : وما يمنعني من البكاء وقد أُخرجت من جوار الرحمن؟ قال : فعليك بهؤلاء الكلمات ، فإنّ الله قابل توبتك وغافر ذنبك. قل : اللهمّ إنّي أسألك بحقّ محمد وآل محمد سبحانك لا إله إلاّ أنت ، عملت سوءاً ، وظلمت نفسي فاغفر لي إنّك أنت الغفور الرحيم. فهؤلاء الكلمات التي تلقّى آدم».

وأخرج ابن النجّار عن ابن عبّاس قال : سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الكلمات التي تلقّاها آدم من ربّه فتاب عليه؟ قال : «سأل بحقّ محمد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين إلاّ تبت عليّ ، فتاب عليه». الدرّ المنثور (١ / ٦٠).

__________________

(١) كشف الخفاء : ١ / ٢٤٩ ح ٧٦٢.

(٢) البقرة : ٣٧.

(٣) الدرّ المنثور : ١ / ١٤٧.

٤٠٤

وأخرجه الفقيه ابن المغازلي في المناقب (١) كما في ينابيع المودّة (٢) (ص ٢٣٩).

وروى أبو الفتح محمد بن علي النطنزي المولود (٤٨٠) في كتاب الخصائص : عن ابن عبّاس أنّه قال : لمّا خلق الله آدم ونفخ فيه من روحه عطس فقال : الحمد لله. فقال له ربّه : يرحمك ربّك. فلمّا أسجد له الملائكة فقال : يا ربّ خلقت خلقاً هو أحبّ إليك منّي؟ قال : نعم ، ولولاهم ما خلقتك. قال : يا ربّ فأرِنيهم.

فأوحى الله إلى ملائكة الحجب : أن ارفعوا الحجب. فلمّا رفعت إذا آدم بخمسة أشباح قدّام العرش قال : يا ربّ من هؤلاء؟ قال : يا آدم هذا محمد نبيّي ، وهذا عليّ أمير المؤمنين ابن عمّ نبيّي ووصيّه ، وهذه فاطمة بنت نبيّي ، وهذان الحسن والحسين ابنا علي وولدا نبيّي. ثمّ قال يا آدم هم ولدك ، ففرح بذلك. فلمّا اقترف الخطيئة قال : يا ربّ أسألك بمحمد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين لمّا غفرت لي ، فغفر الله له. فهذا الذي قال الله تعالى : (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ). إنّ الكلمات التي تلقّاها آدم من ربّه : اللهمّ بحقّ محمد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين إلاّ تبت عليّ. فتاب الله عليه.

وهذا الرجل يُروى له بسند صحيح توسّل عمر ـ أحد الاشباح المزعومة ـ بالعبّاس عمّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الاستسقاء ، خرج يستسفي به وقد أجدب الناس فقال : اللهمّ إنّا نستشفع إليك بعمّ نبيّك أن تذهب عنّا المحل ، وأن تسقينا الغيث. فقال العبّاس : اللهمّ إنّه لم ينزل بلاء من السماء إلاّ بذنب ، ولا يكشف إلاّ بتوبة ، وقد توجّه بي القوم إليك لمكاني من نبيّك ، وهذه أيدينا إليك بالذنوب ، ونواصينا بالتوبة ، وأنت الراعي لا تهمل الضالّة ، ولا تدع الكسير بدار مضيعة ، فقد ضرع الصغير ، ورقّ الكبير ، وارتفعت الشكوى ، وأنت تعلم السرّ وأخفى ، اللهمّ فأغثهم بغياثك قبل أن

__________________

(١) المناقب : ص ٦٣ ح ٨٩.

(٢) ينابيع المودّة : ٢ / ٦٣.

٤٠٥

يقنطوا فيهلكوا ، فإنّه لا ييأس من رحمتك إلاّ القوم الكافرون.

فما تمّ كلامه حتى أرخت السماء مثل الحبال ، فنشأت السحاب ، وهطلت السماء ، فطفق الناس بالعبّاس يمسحون أركانه ويقولون : هنيئاً لك ساقي الحرمين. فقال حسّان بن ثابت :

سأل الإمامُ وقد تتابعَ جدبُنا

فسُقي الغمامَ بغرّةِ العبّاسِ

عمِّ النبيِّ وصنوِ والدِهِ الذي

ورثَ النبيَّ بذاك دون الناسِ

أحيا الإلهُ به البلادَ فأصبحتْ

مخضرّةَ الأجنابِ بعد الياسِ

وقال ابن عفيف النصري :

ما زال عبّاسُ بن شيبةَ غايةً

للناسِ عند تنكّر الأيّامِ

رجلٌ تفتّحتِ السماءُ لصوتِهِ

لمّا دعا بدعاوةِالإسلامِ

فتحت له أبوابَها لمّا دعا

فيها بجندٍ معلمينَ كرامِ

عمُّ النبيِّ فلا كمن هو عمُّهُ

ولدٌ ولا كالعمِّ في الأقوامِ

عرفت قريشٌ يوم قام مقامَهُ

فبهِ له فضلٌ على الأقوامِ (١)

وقال شاعر بني هاشم :

رسولُ اللهِ والشهداءُ منّا

وعبّاسُ الذي بعجَ الغماما

وقال العبّاس بن عتبة بن أبي لهب :

بعمّي سقى اللهُ الحجازَ وأهلَهُ

عشيّةَ يستسقي بشيبتهِ عمرْ

توجّه بالعباسِ في الجدبِ دائماً (٢)

إليه فما إن رام حتى أتى المطرْ

__________________

(١) في تاريخ مدينة دمشق ، وتهذيبه : ... في الأعمام.

(٢) في الطبعة المحققة من تاريخ دمشق : راغباً ، بدلاً من : دائماً.

٤٠٦

ومنّا رسولُ اللهِ فينا تراثُه

فهل فوق هذا للمفاخرِ مفتخرْ (١)

فهلاّ هذا الرجل هو المتوسّل به في حديث الأشباح ـ المختلق ـ الواقع في رديف صاحب الرسالة وسيد الوصيّين صلّى الله عليهما وآلهما ، وهو ومن معه أكرم خلق الله جميعاً باعتراف ممّن خلقهم وفي خلقه سبحانه الأنبياء وأولو العزم من الرسل والأوصياء والملائكة والمقرّبون؟

فهلاّ هذا الرجل دعا الله بنفسه؟ وما محلّ توسّله بالعبّاس وهو أكرم عند الله منه ومن أبيه آدم وولده وهلمّ جرّا؟ أو أنّه وجد استثناء في العبّاس فحسب ، فهو أكرم على الله منه ومن كلّ من هو أكرم على الله منه؟

أنا لا أدري ما ذا أقول ، ولك الفسحة والمجال لأن تقول الحقّ وما يحدوك إليه ضميرك الحرّ وتقول : كيف يكون المذكورون في الحديث ـ غير محمد وصنوه ـ أكرم على الله من جميع خلقه وفيهم من ذكرناهم من الأنبياء والرسل والأوصياء والأولياء والملائكة؟ وكيف يتوسّل أبو البشر النبيّ المعصوم بمثل أبي بكر وصاحبيه وهم هم؟ وسيرتهم بين يديك ، وكيف يكونون رديف النبيّ الأعظم وصنوه المعصوم بنصّ الكتاب العزيز ونفسه المطهّر الناطق به القرآن الكريم؟ وكيف يشاركونهما في فضيلة الخلقة ، وكرامة التوسّل؟ ولا أحسب أنّ أحداً من شيعة القوم يصافق رواة هذه الأفيكة على هذه المزاعم ، ولعلّهم يصافقونهم ويجعلونها على عهدتهم كما فعل

__________________

(١) صحيح البخاري كتاب الصلاة باب سؤال الناس الإمام الاستسقاء [ ١ / ٣٤٢ ح ٩٦٤ ] ، صحيح مسلم كتاب الصلاة ، الأغاني : ١٢ / ٨١ ، أعلام الماوردي : ص ٧٨ [ ص ١٣٢ ] ، تاريخ ابن عساكر : ٧ / ٢٤٥ ـ ٢٤٨ [ ٢٦ / ٣٥٥ ـ ٣٦١ ] ، مستدرك الحاكم : ٣ / ٣٣٤ [ ٣ / ٣٧٧ ح ٥٤٣٨ ] ، تاريخ ابن كثير : ٧ / ٩٢ [ ٧ / ١٠٤ حوادث سنة ١٨ ه‍ ] ، مرآة الجنان : ١ / ٧٢ ، طرح التثريب : ١ / ٦٣ ، فتح الباري : ٢ / ٣٩٨ [ ٢ / ٤٩٧ ] وقال : يستفاد من القصّة استحباب الاستشفاع بأهل الخير والصلاح وأهل بيت النبوّة ، عمدة القاري : ٣ / ٤٣٨ [ ٧ / ٣٢ ] ، شذرات الذهب : ١ / ٢٩ [ ١ / ١٦٤ حوادث سنة ١٧ ه‍ ]. (المؤلف)

٤٠٧

ابن حجر إذ غلوّهم في الفضائل غير محدود.

وأمّا الرجل الثاني الذي أربكه التفريط وأسفّ به إلى هوّة الجهل فكالقصيمي الذي أنكر ما جاء في الصحيح عن عمر بن الخطّاب رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لمّا اقترف آدم الخطيئة قال : يا ربّ أسألك بحقّ محمد لمّا غفرت لي ، فقال الله : يا آدم وكيف عرفت محمداً ولم أخلقه؟ قال : يا ربّ لأنّك لمّا خلقتني بيدك ونفخت فيّ من روحك رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوباً : لا إله إلاّ الله ، محمد رسول الله ، فعلمت أنّك لم تضف إلى اسمك إلاّ أحبّ الخلق إليك. فقال الله : صدقت يا آدم إنّه لأحبّ الخلق إليّ ، ادعني بحقّه قد غفرت لك ، ولولا محمد ما خلقتك».

أخرجه (١) : البيهقي في دلائل النبوّة (٢) ، والحاكم في المستدرك (٢ / ٦١٥) وصحّحه ، والطبراني في المعجم الصغير ، وأبو نعيم في الدلائل ، وابن عساكر كما في الخصائص ، وأقرّ صحته السبكي في شفاء السقام (ص ١٢٠) ، والقسطلاني في المواهب (١ / ١٦) ، والسمهودي في وفاء الوفا (٢ / ٤١٩) ، والزرقاني في شرح المواهب (١ / ٦٢) ، والعزّامي في فرقان القرآن (ص ١١٧) ، وذكره السيوطي في الخصائص الكبرى عن عدّة من الحفّاظ (١ / ٦).

فقال القصيمي في الصراع (٢ / ٥٩٣) تبعاً أثر ابن تيميّة في الردّ على هذه المأثرة النبويّة الصحيحة : والسؤال بحقّ النبيّ أو بحقّ غيره من الأنبياء والصالحين ليس له من القيمة العمليّة الدينيّة ما يوجب أن يكون عملاً صالحاً مبروراً فضلاً عن أن يكون أداة غفران وعفو تامّ ، وما ذا في قول القائل : أسألك يا الله بحقّ فلان أو فلانة من عمل صالح يؤهّل قائله لأن يكون من المغفور لهم؟ وإنّما يغفر للمستغفر.

__________________

(١) دلائل النبوّة : ٥ / ٤٨٩ ، المستدرك على الصحيحين : ٢ / ٦٧٢ ح ٤٢٢٨ ، المعجم الصغير : ٢ / ٨٢ ، شفاء السقام : ص ١٦١ ، المواهب اللدنيّة : ١ / ٨٢ ، وفاء الوفا : ٤ / ١٣٧١ ، الخصائص الكبرى : ١ / ١٢.

(٢) قال الذهبي في الثناء عليه : عليك به فكلّه هدىً ونور. (المؤلف)

٤٠٨

وقال : وأمّا الألفاظ المجرّدة فلا وزن لها عند الله ولا ينظر إليها فضلاً عن أن تكون عملا تحطّ به الذنوب والخطايا الثقيلة ، فما في قول القائل : أسألك بحقّ محمد لمّا غفرت لي من الشأن والقيمة؟ حتى يُقال له : وإذ سألتني بحقّه فقد غفرت لك. وأجهل الناس وأرقّهم ديناً وتقوى وفضيلة وأشدّهم بعداً عن الله وعن رضاه يقولون ذلك ، ويلهجون به ، وهم على رغمهم لا يجدر بهم الغفران ولا التجاوز والعفو والرضا بل وهم خليقون بالانتقام والطرد والعذاب الأليم الموجع ، ولن تجديهم هذه المقالة ولا هذا التوسل قليلاً ولا كثيراً ، فنحن لا نشكّ في أنّ آدم ما غفر له ذنبه إلاّ لتوبته ولرجوعه إلى ربّه ولإقلاعه عن ذنبه ، ولاعتذاره واستغفاره الصادرين عن جميع نفسه وقلبه وعقله ، أمّا السؤال بالحقّ فلا قيمة ولا وزن له عند الله البتة. انتهى.

نحن لا نقابل هذا المغفّل المستهتر البذي إلاّ بالسلام ، حذا في هذيانه هذا حذو شيخه ابن تيميّة ، وقد ردّ عليه جمع من أئمّة الحديث وحفّاظه بكلمات ضافية نقتصر منها بكلام السبكي ، قال في شفاء السقام (١) (ص ١٢١) : قال ابن تيميّة : أمّا ما ذكر في قصّة آدم من توسّله فليس له أصل ، ولا نقله أحد من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بإسناد يصلح للاعتماد عليه ولا الاعتبار ولا الاستشهاد. ثمّ ادّعى ابن تيميّة أنّه كذب وأطال الكلام في ذلك جدّا بما لا حاصل تحته بالوهم والتخرّص ، ولو بلغه أنّ الحاكم صحّحه لما قال ذلك ، أو لتعرّض للجواب عنه ، وكأنّي به إن بلغه بعد ذلك يطعن في عبد الرحمن بن يزيد راوي الحديث ، ونحن نقول : قد اعتمدنا في تصحيحه على الحاكم ، وأيضاً عبد الرحمن بن يزيد لا يبلغ في الضعف إلى الحد الذي ادّعاه ، وكيف يحلّ لمسلم أن يتجاسر على منع هذا الأمر العظيم الذي لا يردّه عقل ولا شرع؟ وقد ورد فيه هذا الحديث ، وأمّا ما ورد من توسّل نوح وإبراهيم وغيرهما من الأنبياء فذكره المفسّرون واكتفينا عنه بهذا الحديث لجودته وتصحيح الحاكم له ، ولا فرق في هذا المعنى بين أن

__________________

(١) شفاء السقام : ص ١٦٢.

٤٠٩

يعبّر عنه بالتوسّل أو الإستعانة أو التشفّع أو التجوّه (١). والداعي بالدعاء المذكور ما في معناه متوسّل بالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأنّه جعله وسيلة لإجابة الله دعاءه ، أو مستغيث به ، والمعنى أنّه استغاث الله به على ما يقصده.

وقد أسلفنا الكلام حول الموضوع في الجزء الخامس (ص ١٤٣ ـ ١٥٦) راجع.

ـ ٢٣ ـ

أبو بكر خير أهل السموات والأرض

عن أبي هريرة : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : أبو بكر وعمر خير أهل السموات والأرض ، وخير الأوّلين والآخرين ، إلاّ النبيّين والمرسلين.

ذكره ابن حجر في الصواعق (٢) (٤٥) نقلاً عن الحاكم وابن عدي (٣) ، وأخرجه الخطيب في تاريخه (٥ / ٢٥٣) وسكت عمّا في سنده من العلل ـ على عادته الجارية في مناقب الشيخين ـ وفيه : جبرون بن واقد الإفريقي والراوي عنه محمد بن داود القنطري ، قال الذهبي في الميزان (٤) : جبرون متّهم فانّه روى بقلّة حياء عن سفيان ، وروى عنه محمد بن داود القنطري ، عن أبي هريرة مرفوعاً : أبو بكر وعمر خير الأوّلين. الحديث تفرّد به وبالذي قبله وهما موضوعان. وزاد ابن حجر في اللسان (٥) (٢ / ٩٤) عن ابن عدي (٦) أنّه قال : لا أعرف له غير هذين الحديثين ولا أعلم يرويهما عنه غير محمد بن داود وهما منكران.

__________________

(١) التجوّه : التوسل بالجاه.

(٢) الصواعق المحرقة : ص ٧٦.

(٣) الكامل في ضعفاء الرجال : ٢ / ١٨٠ رقم ٣٦٨.

(٤) ميزان الاعتدال : ١ / ٣٨٧ رقم ١٤٣٥.

(٥) لسان الميزان : ٢ / ١٢١ رقم ١٩٠٠.

(٦) تقدم تخريجه آنفاً.

٤١٠

وقال الذهبي (١) في ترجمة محمد بن داود : عن جبرون الإفريقي بحديثين باطلين ذكرهما ابن عدي في ترجمة جبرون ، وقال : تفرّد بهما محمد.

وقال ابن حجر في اللسان (٢) (٥ / ١٦١) : أحسب الآفة في الحديث من جبرون ، وقد ساق المؤلّف الحديثين في ترجمته وصرّح بأنّهما موضوعان وأشار إلى أنّ المشتهر بهما جبرون.

قال الأميني : ومن الحريّ لمثل هذين المبطلين أن يرويا باطلاً كمثل هذا الذي يرتئي مفتعله تفضيل الرجلين على الملائكة المقرّبين المعصومين من أهل السموات وفيهم سيّدهم أمين الوحي جبرئيل ، وعلى من ثبتت زلفتهم وقربهم من أولياء الله وأصفيائه وأوصياء الأنبياء ، أنا لا أدري بما ذا فضّلا عليهم : أبعلمهما المتدفّق وقد عرفت مبلغهما منه؟ أم بالعصمة عن الخطايا والذنوب وأنت لا تقول بها؟ أو أنّ ما حفظه التاريخ من سيرتهما لا يدع أن تقول بها ، لكن عصمة الملائكة ثابتة لا ريب فيها ، وعصمة الأوصياء واجبة بالبرهنة الصحيحة ، وزلفى المقرّبين كلقمان والخضر وذي القرنين من القضايا التي قياساتها معها ، أم ببأسهما المرهب في ذات الله وعنائهما في سبيل الدين وجهودهما الجبّارة؟

لا يخفى على أحد حقّ القول في ذلك كلّه ، ضع يدك هاهنا على أيّ فضيلة فإنّك لا تجد فيهما منها ما يربي بهما على كثير من الصحابة والتابعين هلمّ جرّا فضلاً عن من ذكرناهم ، غير أنّ الغلوّ في الفضائل حدا صاحبه إلى أن يقول بذلك ، فدعه يقل ؛ فإنّ الحقائق الثابتة غير قابلة للزوال والأصول الموضوعة يركن إليها على كلّ حال.

__________________

(١) ميزان الاعتدال : ٣ / ٥٤٠ رقم ٧٥٠٠.

(٢) لسان الميزان : ٥ / ١٨١ رقم ٧٣٢٩.

٤١١

ـ ٢٤ ـ

ثواب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبي بكر

عن عليّ بن أبي طالب قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول لأبي بكر : يا أبا بكر إنّ الله أعطاني ثواب من آمن به منذ خلق آدم إلى أن بعثني ، وإنّ الله أعطاك ثواب من آمن بي منذ بعثني إلى أن تقوم الساعة.

أخرجه الخلعي والملاّ كما في الرياض النضرة (١) (١ / ١٢٩) ، والخطيب البغدادي في تاريخه (٥ / ٥٣) من طريق أحمد بن محمد بن عبيد الله أبي الحسن التمّار المقرئ فقال : كان غير ثقة روى أحاديث باطلة ، ذاكرت أبا القاسم الأزهري حال هذا الشيخ وقلت : أراه ضعيفاً لأنّ في حديثه مناكير. فقال : نعم هو مثل أبي سعيد العدوي.

قال الأميني : أبو سعيد العدوي هو الحسن بن علي العدوي البصري شيخ قليل الحياء كذّاب يضع الحديث ، أسلفنا ترجمته في سلسلة الكذّابين في الجزء الخامس (ص ٢٢٤) ، فقول الأزهري في أبي الحسن التمّار إنّه مثل أبي سعيد يومي إلى أنّه أيضاً كذّاب وضّاع.

وفي الإسناد أبو معاوية الضرير وقد اشتهر عنه الغلوّ غلوّ التشيّع ، وقال يعقوب بن شيبة : ثقة ربّما يدلّس. ميزان الاعتدال (٢) (٣ / ٣٨٢):

وفيه : أبو البختري عن عليّ. قال سلمة بن كهيل : ما كان من حديث أبي البختري [ سماعاً ] (٣) فهو حسن ، وما كان عن (٤) فهو ضعيف. ميزان الاعتدال (٥) (٣ / ٣٤٤)

__________________

(١) الرياض النضرة : ١ / ١٦٢.

(٢) ميزان الاعتدال : ٤ / ٥٧٥ رقم ١٠٦١٨.

(٣) من المصدر.

(٤) كذا في المصدر أيضاً.

(٥) ميزان الاعتدال : ٤ / ٤٩٤ رقم ٩٩٨٦.

٤١٢

هذا شأن سند الرواية ، وأمّا متنه فضميرك الحرّ نعم الحَكَم فيه.

ـ ٢٥ ـ

الحبّ والشكر الواجبان على الأُمّة

عن سهل بن سعد قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : حبّ أبي بكر وشكره واجب على أُمّتي.

أخرجه الخطيب البغدادي في تاريخه (٥ / ٤٥٣) من طريق عمر بن إبراهيم الكردي وقال : تفرّد به عمر ، وهو ذاهب الحديث. وذكره الذهبي في ميزان الاعتدال (١) (٢ / ٢٤٩) فقال : الحديث منكر جدّا.

ورواه الخطيب في تاريخه (٥ / ٧٣) من طريق عمر الكردي. أيضاً بلفظ : إنّ أمنّ الناس عليّ في صحبته وذات يده أبو بكر الصدّيق ، فحبّه وشكره وحفظه واجب على أُمّتي.

قال الأميني : هذه الرواية من موضوعات عمر الكردي ، قال الدارقطني : كذّاب خبيث ، وقال الخطيب (٢) : غير ثقة يروي مناكير من الأثبات. راجع ما مرّ في سلسلة الكذّابين في الجزء الخامس (ص ٢٤٦).

والعجب من الخطيب في تاريخه أنّه ، مع قوله المذكور في ترجمة الكردي ، ترى عقدةً في لسانه لمّا يذكر الرواية ، فيسكت عمّا فيها تارة ولم يتكلّم بذأمة تعرب عن وضعها ، ويقتصر أخرى بقوله : تفرّد بروايته عمر وغير عمر أوثق منه. كما قاله في الموضع الثاني ، وليست هذه كلّها إلاّ لإغفال القرّاء عن جليّة الحال ، والتمويه على الحقائق الراهنة ، فمن جرّائها يأتي الصفوري بعد حين ويذكر الرواية في نزهة

__________________

(١) ميزان الاعتدال : ٣ / ١٧٩ رقم ٦٠٤٤.

(٢) تاريخ بغداد : ١١ / ٢٠٢ رقم ٥٩٠٥.

٤١٣

المجالس (١) (٢ / ١٨٦) مرسلاً إيّاها إرسال المسلّم.

ـ ٢٦ ـ

أبو بكر في كفّة الميزان

أخرج الحكيم الترمذي كما في مرقاة الوصول (ص ١١٢) قال : حدّثنا رزق الله ابن موسى الباجي البصري ، قال : حدّثنا مؤمل بن إسماعيل ـ العدوي البصري ـ قال : حدّثنا حماد بن سلمة ، قال : حدّثنا سعيد بن جمهان البصري عن سفينة مولى أمّ سلمة ، قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا صلّى الصبح أقبل على أصحابه فقال : أيّكم رأى الليلة رؤيا؟ قال : فصلّى ذات يوم الصبح ثمّ أقبل على أصحابه فقال : أيّكم رأى الليلة رؤيا؟ فقال رجل : أنا يا رسول الله ، رأيت كأنّ ميزاناً أدلي من السماء فوضعت في كفّة الميزان ووضع أبو بكر في كفّة أخرى فرجحت بأبى بكر فرفعت ، وتُرك أبو بكر فجيء بعمر فوضع في الكفّة الأخرى فوزن بأبي بكر فرجح أبو بكر بعمر ، ورفع أبو بكر وترك عمر مكانه ، فجيء بعثمان فوضع في الكفّة الأخرى فرجح عمر بعثمان ، ورفع عمر وتُرك عثمان مكانه ، فجيء بعليّ فوضع في الكفّة الأخرى فرجح عثمان بعليّ ورفع الميزان. فتغيّر وجه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثمّ قال : خلافة نبوّة ثلاثين عاماً ثمّ تكون ملكاً.

رجال إسناده :

١ ـ رزق الله البصري المتوفّى (٢٥٦ ، ٢٦٠) : قال الأندلسي : روى أحاديث منكرة وهو صالح لا بأس به. تهذيب التهذيب (٢) (٣ / ٢٧٣).

٢ ـ مؤمّل العدوي البصري المتوفّى (٢٠٦) : قال أبو حاتم (٣) : صدوق شديد في

__________________

(١) نزهة المجالس : ٢ / ١٨٣.

(٢) تهذيب التهذيب : ٣ / ٢٣٥.

(٣) الجرح والتعديل : ٨ / ٣٧٤ رقم ١٧٩.

٤١٤

السنّة كثير الخطأ. وقال البخاري : منكر الحديث. وقال يعقوب بن سفيان : شيخ جليل سنّي سمعت سليمان بن حرب يحسن الثناء ـ عليه ـ كان مشيختنا يوصون به إلاّ أن حديثه لا يشبه حديث أصحابه ، وقد يجب على أهل العلم أنّ يقفوا عن حديثه ، فإنّه يروي المناكير عن ثقات شيوخه ، وهذا أشدّ فلو كانت هذه المناكير عن الضعفاء لكنّا نجعل له عذراً ، وقال الساجي : صدوق كثير الخطأ ، وله أوهام يطول ذكرها ، وقال ابن سعد (١) والدارقطني : كثير الخطأ. وقال المروزي : إذا انفرد بحديث وجب أن يتوقّف ويتثبّت فيه ، لأنّه كان سيّئ الحفظ كثير الغلط.

ميزان الاعتدال (٢) (٢ / ٢٢١) ، تهذيب التهذيب (٣) (١٠ / ٣٨١).

٣ ـ سعيد بن جمهان البصري المتوفّى (١٣٦). قال أبو حاتم (٤) : يكتب حديثه ولا يحتجّ به. وقال الساجي : لا يُتابَع على حديثه.

ميزان الاعتدال (٥) (١ / ٣٧٧) ، تهذيب التهذيب (٦) (٤ / ١٤).

قال الأميني : (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ* الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ* وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ* أَلا يَظُنُّ أُولئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ* لِيَوْمٍ عَظِيمٍ* يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) (٧).

هذه الميزان التي جاء بها البصريّون وأُدليت من سماء البصرة في منجمها عين ،

__________________

(١) الطبقات الكبرى : ٥ / ٥٠١.

(٢) ميزان الاعتدال : ٤ / ٢٢٨ رقم ٨٩٤٩.

(٣) تهذيب التهذيب : ١٠ / ٣٣٩.

(٤) الجرح والتعديل : ٤ / ١٠ رقم ٣٠.

(٥) ميزان الاعتدال : ٢ / ١٣١ رقم ٣١٤٩.

(٦) تهذيب التهذيب : ٤ / ١٣.

(٧) المطففين : ١ ـ ٦.

٤١٥

وفي إحدى كفّتيها شول ، وفي لسانها عوج (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) (١) (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ) (٢).

كيف يوزن في ميزان العدل والنصفة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو هو مع ابن أبي قحافة الذي ليس إلاّ أبو بكر ، أيّ خلائق كريمة؟ أيّ نفسيّات طاهرة؟ أيّ ملكات فاضلة؟ أي حكم علميّة أو عمليّة؟ أي عوارف ومعارف راقية؟ أيّ بصيرة نافذة؟ أيّ علم؟ أيّ شجاعة؟ أيّ عصمة؟ أيّ قداسة؟ أيّ عظمة؟ أيّ عزم؟ أي حزم؟ أيّ أيّ؟ جعلت في كفّة جعل فيها أبو بكر؟ هل هذه الموازنة يقبلها الوجدان والمنطق حتى يقال بالرجحان في إحدى كفّتي الميزان؟ (فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً) (٣).

ثمّ كيف رجح أبو بكر بعمر وإنّهما كانا عكمي بعير في الفضائل كلّها أيّام حياتهما ، غير أنّ فتوحات عمر وأياديه في بسط الإسلام في أرجاء العالم لا تُنسى ، ولم تزل تذكر في صفحات التاريخ ، فله فضيلة الرجحان على أبي بكر إن وزنا بميزان غير معيبة.

وكيف فُصِل بين النبيّ الأعظم وبين أمير المؤمنين في الميزان؟ وهو نفسه بنصّ القرآن الكريم ، وله العصمة بحكم الكتاب العزيز ، وهو وارث علمه ، وباب حكمته ، وهو عدل القرآن وخليفة نبيّ الإسلام بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّي مخلّف فيكم اثنين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي» وأيّ فضيلة رابية لعثمان جعلت في كفّة الميزان ورجح بها على عليّ رديف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في فضائله؟ أنا لا أدري.

ثمّ إن كان التعبير الذي عزوه إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حقّا فهو لا محالة بتقدير من

__________________

(١) الزمر : ٩.

(٢) الرعد : ١٦.

(٣) النساء : ٧٨.

٤١٦

الله تعالى ومشيئة منه رعاية للنظام الأصلح ، فلما ذا تغيّر وجهه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ممّا قدّره المولى سبحانه وشاءه وأحبّه؟ ولم تكن له غاية إلاّ الحصول على مرضاته والدعوة إليها وإيقاف الأمّة عليها أوَليس هذا ممّا ينافي عصمته ويضادّ مقامه الأسمى؟ لكن الغلوّ في الفضائل قد يصحّح أمثال ذلك. فإنّا لله وإنّا إليه راجعون.

ـ ٢٧ ـ

ما أسلم أبو مهاجر إلاّ أبو أبي بكر

أخرج ابن مندة وابن عساكر (١) عن عائشة رضى الله عنها قالت : ما أسلم أبو أحد من المهاجرين إلاّ أبو أبي بكر. تاريخ الخلفاء للسيوطي (٢) (ص ٧٣).

وروى المحبّ الطبري في رياضه (٣) (١ / ٤٧) عن الواحدي مرسلاً بلا إسناد عن عليّ بن أبي طالب أنّه قال في أبي بكر : أسلم أبواه جميعاً ولم يجتمع لأحد من الصحابة المهاجرين أسلم أبواه غيره. وذكره القرطبي في تفسيره (٤) (١٦ / ١٩٤).

وأخذ غير واحد من المتأخرين كالشبلنجي ونظرائه هذين الحديثين فعدّوهما من فضائل أبي بكر المتسالم عليها.

قال الأميني : نحن نقدّس ساحة عليّ وعائشة عن مثل هذا الكذب الفاحش الذي ينادي التاريخ بخلافه ، وتكذّبه سيرة الصحابة المهاجرين ، وإنّما الحبّ الدفين قد أعمى رواة هذه الأفيكة وأصمّهم عمّا في غضون الكتب ، فأسرفوا في القول وتغالوا في الفضائل غير مكترثين لمغبّة قيلهم ، أهذا مبلغهم من العلم؟ أم يقولون على الله الكذِب وهم يعلمون؟

__________________

(١) تاريخ مدينة دمشق : ٣٠ / ٢٤ رقم ٣٣٩٨.

(٢) تاريخ الخلفاء : ص ١٠٠.

(٣) الرياض النضرة : ١ / ٦٨.

(٤) الجامع لأحكام القرآن : ١٦ / ١٢٩.

٤١٧

هاجر بنو مظعون من بني جمح ، وبنو جحش بن رئاب حلفاء بني أُميّة ، وبنو البكير من بني سعد بن ليث حلفاء بني عدي بن كعب بأهليهم وأموالهم ، وغلقت دورهم بمكة هجرةً ليس فيها ساكن كما في سيرة ابن هشام (١) (٢ / ٧٩ ، ١١٧) أكانت نساء تلكم الأُسَرِ الكبيرة أرامل أو عقائم؟ أو كانت أبناؤها أيتاماً من الأبوين أيامى؟ أو كانت آباؤها رجالاً بلا أعقاب؟ قاتل الله الحبّ كيف يُعمي ويُصمّ.

وهلمّ معي نقرأ صحيفة من تراجم المهاجرين :

هذا عمّار بن ياسر ، مهاجر عظيم وأبواه في الرعيل الأوّل من المعذّبين في الإسلام. قال مسدّد كما في تهذيب التهذيب (٢) (٧ / ٤٠٨) : لم يكن في المهاجرين من أبواه مسلمان غير عمّار بن ياسر. فهذا ينفي إسلام والدَي أبي بكر ويكذّب ذلك المختلق.

وهذا عبد الله بن جعفر ، هاجر أبوه ومعه عبد الله وأخواه محمد وعون ومعهم أمّهم أسماء بنت عميس.

وهذا عمرو بن أبان بن سعيد الأموي ، من المهاجرين وأبوه شهد خيبراً مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأُمّه فاطمة بنت صفوان مسلمة.

وهذا خالد بن أبان الأموي أخو عمرو بن أبان المذكور.

وهذا إبراهيم بن الحارث بن خالد التميمي ، هاجر مع أبيه وأمّه ريطة بنت الحارث بن جبلة.

وهذا الحاطب بن الحارث الجمحي ، من المهاجرين وهاجر معه أبوه وأُمّه فاطمة بنت المجلّل.

__________________

(١) السيرة النبويّة : ٢ / ١٤٤ ـ ١٤٥.

(٢) تهذيب التهذيب : ٧ / ٣٥٧.

٤١٨

وهذا الحطّاب بن الحارث الجمحي ، هاجر مع أبيه وأُمّه وأخيه الحاطب ومعه امرأته فكيهة بنت يسار.

وهذا حكيم بن الحارث الطائفي ، هاجر مع امرأته وبنيه ومعه أبواه وهما مسلمان.

وهذا خزيمة بن جهم بن قيس العبدري ، هاجر مع أبيه وأخيه عمرو ومعهم أُمّهما أُمّ حرملة بنت عبد الأسود.

وهذا جابر بن سفيان بن معمر الجمحي ، هاجر هو وأبوه وأُمّه حسنة.

وهذا جنادة بن سفيان الجمحي ، هاجر ومعه أُمّه حسنة وأخوه جابر المذكور.

وهذا سلمة بن أبي سلمة بن عبد الأسد المخزومي ، هاجر أبوه وهاجرت بعده أُمّه أُمّ سلمة زوج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع ابنها سلمة.

وهذا جناب بن الحارثة بن صخر العذري ، هاجر إلى المدينة وأبوه قد أسلم.

وهذا الحارث بن قيس السهمي ، هاجر مع بنيه الحارث وبشر ومعمر ، فهم مهاجرون وأبوهم الحارث قد أسلم وهاجر.

وهذا السائب بن عثمان بن مظعون الجمحي ، من المهاجرين وأبوه مهاجر عظيم.

وهذا سليط بن سليط بن عمرو العامري ، قال عمر : دلّوني على فتى مهاجر هو وأبوه. فدلّوه عليه.

وهذا عبد الرحمن بن صفوان بن قدامة ، هاجر هو وأبوه.

وهذا عبد الله بن صفوان بن قدامة ، هاجر هو وأبوه.

وهذا عامر بن غيلان بن سلمة الثقفي ، هاجر إلى رسول الله وأبوه قد أسلم.

٤١٩

وهذا عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي ، من المهاجرين ووالده صحابيّ عظيم.

وهذا عبد الله بن أبي بكر بن أبي قحافة ، مهاجر وهاجر أبوه وأسلم جدّه وجدّته أمّ الخير على زعم القوم ، وسيأتي الكلام في إسلامهما.

وهذا عبد الله بن عمر بن الخطّاب ، مهاجر وأبوه قد أسلم وهاجر.

وهذا محمد بن عبد الله بن جحش ، أحد المهاجرين ومعه أبوه وأُمّه.

وهذا عبد الله بن المطّلب بن أزهر ، أحد المهاجرين وأبوه مهاجر.

وهذا معمر بن عبد الله بن نضلة ، أحد المهاجرين ووالده مهاجر.

وهذا مهاجر بن قنفذ بن عمير القرشي التيمي ، من المهاجرين السابقين إلى الإسلام وأبوه له صحبة.

وهذا موسى بن الحرث بن خالد القرشي التيمي ، مهاجر ابن مهاجر.

وهذا النعمان بن عدي بن نضلة ، مهاجر هو ووالده.

راجع (١) سيرة ابن هشام (ص ٢١) ، طبقات ابن سعد ، تاريخ الطبري ، الاستيعاب ، أُسد الغابة ، كامل ابن الأثير ، تاريخ ابن كثير ، عيون الأثر لابن سيّد الناس ، الإصابة ، تهذيب التهذيب ، السيرة الحلبيّة.

ولعلّ الباحث يقف في غضون السير وكتب التاريخ ومعاجم التراجم كثيراً من نظراء هؤلاء من المهاجرين الذين أسلم آباؤهم أو آباؤهم وأُمّهاتهم. فما جاء به المحبّ

__________________

(١) سيرة ابن هشام : ٢ / ١١٢ ـ ١١٧ ، الطبقات الكبرى : ٤ / ٣٤ ، ١٤٢ ، ٢٠٣ ، ٢٩٤ ، تاريخ الأمم والملوك : ٢ / ٣٦٩ ، الاستيعاب : القسم الثالث / ٩٥٠ رقم ١٦١٢ ، أُسد الغابة : ٣ / ١٩٨ رقم ٢٨٦٢ ، الكامل في التاريخ : ٢ / ٣٦٦ ، البداية والنهاية : ٣ / ٢٠٩ ، عيون الأثر : ١ / ٢٢٧.

٤٢٠