الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٧

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي

الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٧

المؤلف:

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي


المحقق: مركز الغدير للدّراسات الإسلاميّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
المطبعة: فروردين
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٥٧

١٣ ـ الحافظ أبو محمد أحمد بن محمد العاصمي في زين الفتى شرح سورة هل أتى.

١٤ ـ الحافظ أبو نعيم الأصبهاني : المتوفّى (٣٤٠) ، روى عنه الخطيب إملاءً.

١٥ ـ الحافظ أبو بكر البيهقي : المتوفّى (٤٥٨) ، روى من طريقه الخوارزمي (١).

١٦ ـ الحافظ الخطيب البغدادي : المتوفّى (٤٦٣) ، في تاريخه (١٣ / ٣٠٢).

١٧ ـ الفقيه أبو الحسن ابن المغازلي : المتوفّى (٤٨٣) ، في مناقبه من طريق أبي هريرة (٢).

١٨ ـ الحافظ أبو عبد الله الفراوي : المتوفّى (٣٥٠) ، كما في كفاية الكنجي (٣).

١٩ ـ أخطب خطباء خوارزم : المتوفّى (٥٦٨) ، في المناقب (٤) (ص ٧٣) من طريق الحافظين : البيهقي والحاكم.

٢٠ ـ الحافظ أبو الفرج ابن الجوزي : المتوفّى (٥٩٧) ، في صفة الصفوة (٥) (١ / ١١٩).

٢١ ـ الحافظ رضي الدين أبو الخير الحاكمي في أربعينه في فضائل عليّ عليه‌السلام (٦).

٢٢ ـ الحافظ أبو عبد الله ابن النجّار : المتوفّى (٦٤٣) ، كما في الكفاية (٧).

٢٣ ـ أبو سالم بن طلحة الشافعي : المتوفّى (٦٥٢) ، في مطالب السؤول (ص ١٢).

٢٤ ـ أبو المظفر يوسف سبط ابن الجوزي : المتوفّى (٦٥٤) ، في التذكرة (٨).

__________________

(١) المناقب : ص ١٢٣ ح ١٣٩.

(٢) مناقب عليّ بن أبي طالب : ص ٢٠٢.

(٣) كفاية الطالب : ص ٢٥٧ باب ٦٢.

(٤) المناقب : ص ١٢٣ ـ ١٢٤ ح ١٣٩.

(٥) صفة الصفوة : ١ / ٣١٠ رقم ٥.

(٦) الأربعين في فضائل علي عليه‌السلام : ص ١٢٧ باب ٤٠ ح ٦٣.

(٧) كفاية الطالب : ص ٢٥٧ باب ٦٢.

(٨) تذكرة الخواص : ص ٢٧.

٢١

٢٥ ـ الحافظ أبو عبد الله الكنجي : المتوفّى (٦٥٨) ، في الكفاية (ص ١٢٨) (١). وقال : رواه الحاكم والبيهقي ، وهو حديث حسن ثابت عند أهل النقل.

٢٦ ـ الحافظ الصالحاني ، كما في تاريخ الخميس.

٢٧ ـ الحافظ محبّ الدين الطبري : المتوفّى (٦٩٤) ، في الرياض النضرة (٢) (٢ / ٢٠٠) نقلاً عن أحمد وابن الجوزي والحاكمي.

٢٨ ـ جمال الدين أبو عبد الله ابن النقيب المتوفّى (٦٩٨) ، في تفسيره والعبر.

٢٩ ـ شيخ الإسلام الحمّوئي : المتوفّى (٧٢٢) ، في فرائد السمطين (٣).

٣٠ ـ الحافظ شمس الدين الذهبي : المتوفّى (٧٤٨) ، في تلخيص المستدرك (٤)

وقال : إسناده نظيفٌ والمتن منكرٌ.

قال الأميني : لم يك يعرف أيّ حافظ هذه النكارة في تلكم القرون الخالية إلى أن جاد الدهر بالذهبي ، وكوى الحديث بعينه ، فكوّه نار حقده ، غير أنّ تلك النكارة الموهومة دفنت معه ولم يتّبع أثره فيها أيّ محدّث بعده.

٣١ ـ الحافظ الزرندي : المتوفّى بضع و (٧٥٠) في نظم درر السمطين (٥).

٣٢ ـ الحافظ جلال الدين السيوطي : المتوفّى (٩١١) ، في الجامع الكبير كما في ترتيبه (٦) (٦ / ٤٠٧) عن ابن أبي شيبة ، وعبد الرزّاق ، وأحمد ، وابن جرير ، والخطيب

__________________

(١) كفاية الطالب : ص ٢٥٧ ـ ٢٥٨ باب ٦٢.

(٢) الرياض النضرة : ٣ / ١٥٠.

(٣) فرائد السمطين : ١ / ٢٤٩ ح ١٩٣.

(٤) تلخيص المستدرك : ٢ / ٣٩٨ ح ٣٣٨٧.

(٥) نظم درر السمطين : ص ١٢٥.

(٦) كنز العمّال : ١٣ / ١٧١ ح ٣٦٥١٦.

٢٢

والحاكم وقال : صحّحه. وذكره في الخصائص الكبرى (١) (١ / ٢٦٤).

٣٣ ـ الحافظ أبو العبّاس القسطلاني : المتوفّى (٩٢٣) ، في المواهب اللدنيّة (٢) (١ / ٢٠٤) نقلاً عن ابن النقيب.

٣٤ ـ القاضي الدياربكري المالكي : المتوفّى (٩٦٦ ، ٩٨٢) ، في تاريخ الخميس (٣) (٢ / ٩٥) نقلاً عن الطبراني والزرندي والصالحاني وابن النقيب المقدسي والمحبّ الطبري وصاحب شواهد النبوّة فقال : ثمّ إنّ عليّا أراد أن ينزل فألقى نفسه من صوب الميزاب تأدّباً وشفقةً على النبيِّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولمّا وقع على الأرض تبسّم فسأله النبيُّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن تبسّمه ، قال : «لأنِّي ألقيت نفسي من هذا المكان الرفيع وما أصابني ألم». قال : «كيف يصيبك ألم وقد رفعك محمد وأنزلك جبريل؟» وقال الشاعر :

قيل لي قل في عليٍّ مِدحَاً

ذكرُه يخمدُ ناراً موصده

قلت لا أُقدم في مدحِ امرئ

ضلّ ذو اللبِّ إلى أن عبده

والنبيُّ المصطفى قال لنا

ليلةَ المعراجِ لمّا صعده

وضعَ اللهُ بظهري يدَهُ

فأحسَّ القلبُ أن قد برده

وعليٌّ واضعٌ أقدامَهُ

في محلٍّ وضعَ اللهُ يده

٣٥ ـ نور الدين الحلبي الشافعي : المتوفّى (١٠٤٤) ، في السيرة الحلبيّة (٣ / ٩٧) (٤).

٣٦ ـ أبو عبد الله الزرقاني المالكي : المتوفّى (١١٢٢) ، في شرح المواهب (٢ / ٣٣٦) عن ابن أبي شيبة والحاكم فقال : قد أجاد القائل :

يا ربِّ بالقدمِ التي أوطأتَها

من قابِ قوسينِ المحلَّ الأعظما

__________________

(١) الخصائص الكبرى : ١ / ٤٣٨.

(٢) المواهب اللدنيّة : ١ / ٥٨٦.

(٣) تاريخ الخميس : ٢ / ٨٦.

(٤) السيرة الحلبية : ٣ / ٨٦.

٢٣

وبحرمةِ القدمِ التي جُعِلتْ لها

كتفُ المؤيّد بالرسالةِ سلّما

ثبِّت على متنِ الصراطِ تكرّماً

قدمي وكن لي منقذاً ومسلّما

واجعلهما ذخري فمن كانا له

ذخراً فليس يخاف قطّ جهنّما

٣٧ ـ السيّد أحمد زيني دحلان المكي : المتوفّى (١٢٣٢) ، في السيرة النبويّة (١) هامش الحلبيّة (٢ / ٢٩٣) فقال : وقد أجاد القائل :

يا ربّ بالقدم التي أوطأتها

إلى آخر الأبيات المذكورة.

٣٨ ـ شهاب الدين الآلوسي : المتوفّى (١٢٧٠) ، في شرح العينيّة (ص ٧٥) وقد مرّت كلمته في (٦ / ٢٢).

٣٩ ـ خواجه كلان القندوزيّ : المتوفّى (١٢٩٣) ، في ينابيع المودّة (٢) (ص ١٩٣) عن البزّار وأبي يعلى الموصلي.

٤٠ ـ الشيخ أبو بكر بن محمد الحنفي : المتوفّى (١٢٧٠) ، في قرّة العيون المبصرة (١ / ١٨٥).

٤١ ـ السيّد محمود القراغولي الحنفي ، في جوهرة الكلام (ص ٥٥ ، ٥٩).

الشاعر

الشيخ صالح بن عبد الوهاب بن العرندس الحلّي الشهير بابن العرندس ، أحد أعلام الشيعة ومن مؤلِّفي علمائها في الفقه والأصول ، وله مدائح ومراثٍ لأئمة

__________________

(١) السيرة النبويّة : ٢ / ١٠٢.

(٢) ينابيع المودّة : ١ / ١٣٨ باب ٤٨.

٢٤

أهل البيت عليهم‌السلام تنمُّ عن تفانيه في ولائهم ومناوأته لأعدائهم ، ذكر شطراً منها شيخنا الطريحي في المنتخب (١) ، وجملة منها مبثوثة في المجاميع والموسوعات ، وعقد له العلاّمة السماوي في الطليعة ترجمة أطراه فيها بالعلم والفضل والتقى والنسك والمشاركة في العلوم. وأشفع ذلك الخطيب الفاضل اليعقوبي في البابليات (٢) ، وأثنى عليه ثناءً جميلاً ، وذكر في الطليعة أنّه توفّي حدود (٨٤٠) بالحلّة الفيحاء ودفن فيها وله قبر يزار ويتبرّك به.

كان ابن العرندس يحاول في شعره كثيراً الجناس على نمط الشيخ علاء الدين الشفهيني المترجم في الجزء السادس (ص ٣٥٦) وتعلوه القوّة والمتانة ، ويعرب عن تضلّعه من العربيّة واللغة ، ولولا تهالكه على ما تجده في شعره من الجناس الكثير لكان ما ينظمه أبلغ وأبرع ممّا هو الآن.

ومن شعر شيخنا الصالح رائية اشتهر بين الأصحاب أنَّها لم تقرأ في مجلس إلاّ وحضره الإمام الحجّة المنتظر عجّل الله تعالى فرجه ، توجد برمّتها في منتخب شيخنا الطريحي (٣) (٢ / ٧٥) وهي :

طوايا نظامي في الزمان لها نشر (٤)

يعطِّرها من طيب ذكراكمُ نشرُ

قصائدُ ما خابت لهنَّ مقاصد

بواطنُها حمدٌ ظواهرُها شكرُ

مطالعُها تحكي النجومَ طوالعاً

فأخلاقها زُهرٌ وأنوارُها زَهرُ

عرائس تجلي حين تُجلى قلوبَنا

أكاليلُها درٌّ وتيجانُها تبرُ

حسانٌ لها حسّانُ بالفضلِ شاهدٌ

على وجهها تبرٌ يُزان بها التِّبرُ

__________________

(١) المنتخب : ٢ / ٢٥٤.

(٢) البابليات : ١ / ١٤٤ رقم ٤٧.

(٣) المنتخب : ٢ / ٣٥٢.

(٤) في المصدر : نثر.

٢٥

أُنظِّمها نظم اللآلي وأسهر الليال

ي ليحيى لي بها وبكم ذكرُ

فيا ساكني أرضِ الطفوفِ عليكمُ

سلامُ مُحبٍّ ما له عنكمُ صبرُ

نشرتُ دواوينَ الثنا بعد طيِّها

وفي كلِّ طرسٍ من مديحي لكمْ سطرُ

فطابق شعري فيكمُ دمع ناظري

فمبيضُّ ذا نظمٌ ومحمرُّ ذا نثرُ

فلا تتهموني بالسلوِّ فإنّما

مواعيدُ سلواني وحقّكمُ الحشرُ

فذلّي بكم عزٌّ وفقري بكم غنىً

وعسري بكم يسرٌ وكسري بكم جبرُ

ترقُّ بروقُ السحبِ لي من ديارِكمْ

فينهلُّ من دمعي لبارقِها القطرُ

فعيناي كالخنساءِ (١) تجري دموعُها

وقلبي شديدٌ في محبَّتكم صخرُ

وقفت على الدار التي كنتمُ بها

فمغناكمُ من بَعد معناكمُ فقرُ

وقد درست منها الدروس وطالما

بها درّس العلمُ الإلهيّ والذكرُ

وسالت عليها من دموعي سحائبٌ

إلى أن تروّى البانُ بالدمعِ والسدرُ

فَراقَ فِراقُ الروحِ لي بَعد بُعدِكمْ

ودارَ برسمِ الدارِ في خاطري الفكرُ

وقد أقلعت عنها السحابُ ولم يَجُد

ولا درَّ من بعد الحسين لها دَرُّ

إمامُ الهدى سبطُ النبوّةِ والد الأئمّ

ة ربّ النهي مولىً له الأمرُ

إمامٌ أبوه المرتضى علم الهدى

وصيُّ رسولِ اللهِ والصنوُ والصهرُ

إمامٌ بكته الإنسُ والجنُّ والسما

ووحش الفلا والطيرُ والبرُّ والبحرُ

له القبّةُ البيضاءُ بالطفِّ لم تزل (٢)

تطوفُ بها طوعاً ملائكةٌ غرُّ

وفيه رسولُ اللهِ قال وقولُه

صحيحٌ صريحُ ليس في ذلكمْ نكرُ

حُبي بثلاثٍ ما أحاطَ بمثلِها

وليٌّ فمن زيدٌ هناك ومن عمرو

__________________

(١) هي الخنساء بنت عمرو بن الحارث شاعرة صحابيّة شهيرة ، لها شعر كثير في رثاء أخيها لأبيها صخر وقد قتله بنو أسد. (المؤلف)

(٢) تلك القبّة المقدّسة كانت بيضاء في تلكم القرون ، وأمّا اليوم فقد تغشّتها صفائح النضار ، فهي صفراء لونها تسرّ الناظرين كما أنّ باطنها صرح ممرّد من قوارير. (المؤلف)

٢٦

له تربةٌ فيها الشفاءُ وقبّةٌ

يجابُ بها الداعي إذا مسّه الضرُّ

وذُريّةٌ دريَّةٌ منه تسعةٌ

أئمّةُ حقِّ لا ثمانٍ ولا عشرُ

أيُقتَلُ ظمآناً حسينٌ بكربلا

وفي كلّ عضوٍ من أناملِهِ بحرُ

ووالدُه الساقي على الحوضِ في غدٍ

وفاطمةٌ ماءُ الفراتِ لها مهرُ

فوا لهفَ نفسي للحسينِ وما جنى

عليه غداة الطفِّ في حربِهِ الشمرُ

رماهُ بجيشٍ كالظلامِ قسيُّه الأ

هلّةُ والخرصانُ أنجمُه الزهرُ (١)

لراياتِهمْ نصبٌ وأسيافُهم جزمٌ

وللنقعِ رفعٌ والرماحُ لها جرُّ

تجمّع فيها من طغاةِ أُميّةٍ

عصابةُ غدرٍ لا يقوم لها عذرُ

وأرسلها الطاغي يزيدُ ليملكَ ال

عراقَ وما أغنته شامٌ ولا مصرُ

وشدَّ لهم أزراً سليلُ زيادِها

فحلَّ به من شدِّ أزرِهمُ الوزرُ

وأمّرَ فيهم نجلَ سعدٍ لنحسِهِ

فما طال في الريِّ اللعينِ له عُمرُ

فلمّا التقى الجمعانِ في أرضِ كربلا

تباعد فعلُ الخيرِ واقترب الشرُّ

فحاطوا به في عشرِ شهرِ محرّمٍ

وبيضُ المواضي في الأكفِّ لها شَمرُ

فقام الفتى لمّا تشاجرتِ القنا

وصال وقد أودى بمهجته الحَرُّ

وجال بطرفٍ في المجالِ كأنَّه

دجى اللّيلِ في لألاءِ غرَّتِهِ الفجرُ

له أربعٌ للريحِ فيهنَّ أربعٌ

لقد زانه كرٌّ وما شانه الفرُّ

ففرّقَ جمَع القومِ حتى كأنَّهم

طيوُر بُغاثٍ (٢) شتَّ شملَهمُ الصقرُ

فأذكرَهمْ ليلَ الهريرِ فأجمعَ الكلا

بُ على الليثِ الهزبرِ وقد هرّوا (٣)

__________________

(١) الخرصان والمخارص : الأسنّة.

(٢) البغاث بتثليث الباء : طائر أبغث أصغر من الرخم بطيء الطيران والجمع بغثان. (المؤلف)

(٣) ليلة الهرير من ليالي صفين ؛ قتل فيها ما يقرب من سبعين ألف قتيل ، ولمولانا أمير المؤمنين ولأصحابه في تلك الليلة مواقف شجاعة تذكر مع الأبد. الهرير ـ كأمير ـ : هرير الكلب صوته دون نباحه من قلّة صبره على البرد. (المؤلف)

٢٧

هناك فدتْهُ الصالحون بأنفسٍ

يُضاعَفُ في يومِ الحسابِ لها الأجرُ

وحادوا عن الكفّارِ طوعاً لنصرِهِ

وجاد له بالنفسِ من سَعدِه الحُرُّ (١)

ومدّوا إليه ذُبّلاً سمهريّةً (٢)

لطولِ حياةِ السبطِ في مدِّها جزرُ

فغادره في مارق (٣) الحرب مارقٌ

بسهمٍ لنحرِ السبط من وقعه نحرُ

فمالَ عن الطرفِ الجواد أخو الندى

الجوادُ قتيلاً حوله يصهلُ المهرُ (٤)

سِنانُ سنانٍ خارقٌ منه في الحشا

وصارمُ شمرٍ في الوريدِ له شَمرُ (٥)

تجرّ عليه العاصفاتُ ذيولَها

ومن نسجِ أيدي الصافناتِ له طمرُ (٦)

فرجّت له السبعُ الطباقُ وزلزلتْ

رواسي جبالِ الأرضِ والتطمَ البحرُ

فيا لكَ مقتولاً بكته السما دماً

فمغبرُّ وجه الأرض بالدمِ محمرُّ

ملابسُه في الحربِ حمرٌ من الدما

وهنَّ غداةَ الحشرِ من سندسٍ خضرُ

ولهفي لزينِ العابدينَ وقد سرى

أسيراً عليلاً لا يفكُّ له أسرُ

وآلُ رسولِ اللهِ تسبى نساؤهم

ومن حولهنَّ السترُ يهتَكُ والخدرُ

سبايا بأكوارِ المطايا حواسراً

يلاحظُهنَّ العبدُ في الناسِ والحرُّ

ورملةُ (٧) في ظلّ القصورِ مصونةٌ

يُناطُ على أقراطِها الدرُّ والتِّبرُ

__________________

(١) الحرّ بن يزيد الرياحي التميمي اليربوعي ؛ كان سلام الله عليه شريف قومه جاهلية وإسلاماً كما قاله ابن الأثير. (المؤلف)

(٢) الذبّل ـ بضم المعجمة ثمّ الموحّدة المفتوحة ـ جمع الذابل : الرقيق. السمهري : الرمح الصلب. (المؤلف)

(٣) في المنتخب : في مأزق الحرب. (المؤلف)

(٤) الطرف ـ كما مرّ ـ من الخيل : الكريم الطرفين : الأب والأم. المهر : ولد الفرس. (المؤلف)

(٥) الشمر ـ بفتح المعجمة ـ من شمر تشميراً : مرّ مسرعاً. وأشمره بالسيف : أدرجه. (المؤلف)

(٦) العاصفات : الأرياح الشديدة. الصافنات ـ راجع ص ٥ [١٣] ـ الطمر : الثوب البالي. (المؤلف)

(٧) رملة بنت معاوية بن أبي سفيان ، شبّب بها عبد الرحمن بن حسان بأبيات أولها :

رملُ هل تذكرين يومَ غزالِ

إذ قطعنا مسيرَنا بالتمنّي

 ولهذا التشبيب قصّة توجد في معاجم التراجم. (المؤلف)

٢٨

فويلُ يزيدٍ من عذابِ جهنّم

إذا أقبلتْ في الحشرِ فاطمةُ الطُهرُ

ملابسُها ثوبٌ من السمِّ أسودٌ

وآخرُ قانٍ من دمِ السبطِ محمرُّ

تنادي وأبصارُ الأنامِ شواخصٌ

وفي كلِّ قلبِ من مهابتها ذُعرُ (١)

وتشكو إلى الله العليِّ وصوتُها

عليٌّ ومولانا عليٌّ لها ظهرُ

فلا ينطقُ الطاغي يزيدُ بما جنى

وأنّى له عذرٌ ومن شأنه الغدرُ

فيؤخذُ منه بالقصاصِ فيحرم النع

يم ويُخلى في الجحيم له قصرُ

ويشدو له الشادي فيطربُه الغنا

ويسكبُ في الكاسِ النضارِ له خمرُ

فذاك الغنا في البعثِ تصحيفُه العَنا

وتصحيفُ ذاك الخمرِ في قلبِه الجمرُ

أيُقرع جهلاً ثغرُ سبطِ محمدٍ

وصاحبُ ذاك الثغرِ يُحمى به الثغرُ

فليس لأخذِ الثارِ إلاّ خليفةٌ

يكونُ لكسرِ الدينِ من عدلِهِ جبرُ

تحفُّ به الأملاكُ من كلِّ جانبٍ

ويقدمُه الإقبال والعزُّ والنصرُ

عوامله في الدارعين شوارعٌ

وحاجبه عيسى وناظره الخضرُ

تظلّله حقّا عمامة جدِّه

إذا ما ملوكُ الصيدِ ظلّلها الجبرُ

محيطٌ على علمِ النبوّةِ صدرُه

فطوبى لعلمٍ ضمّه ذلك الصدرُ

هو ابنُ الإمامِ العسكريِّ محمدُ الت

قيُّ النقيُّ الطاهرُ العلَمُ الحَبرُ

سليلُ علي الهادي ونجلُ محمدِ ال

جواد ومن في أرضِ طوسٍ له قبرُ

عليّ الرضا وهو ابن موسى الذي قضى

ففاح على بغدادَ من نشرِهِ عطرُ

وصادقُ وعدٍ إنّه نجلُ صادقٍ

إمامٌ به في العلمِ يفتخرُ الفخرُ

وبهجة مولانا الإمام محمد

إمام لعلمِ الأنبياء له بَقرُ

سلالةُ زينِ العابدين الذي بكى

فمن دمعِهِ يُبس الأعاشيبِ مُخضرُّ

سليل حسينِ الفاطمي وحيدر ال

وصيِّ فمن طُهرٍ نمى ذلك الطهرُ

__________________

(١) الشواخص من شخص البصر ، أي : فتح عليه عينيه فلم يطرف. الذعر : الفزع والخوف. (المؤلف)

٢٩

له الحسنُ المسموم عمٌّ فحبّذا الإ

مامُ الذي عمَّ الورى جودهُ الغمرُ

سميُّ رسولِ الله وارثُ علمِهِ

إمامٌ على آبائه نزلَ الذِكرُ

هم النورُ نورُ اللهِ جلَّ جلالُه

همُ التينُ والزيتونُ والشفعُ والوترُ

مهابطُ وحيِ اللهِ خزّانُ علمِهِ

ميامينُ في أبياتِهم نزلَ الذِكرُ

وأسماؤهم مكتوبةٌ فوقَ عرشِهِ

ومكنونةٌ مِن قبلِ أن يُخلَقَ الذرُّ

ولولاهمُ لم يخلقِ اللهُ آدماً

ولا كان زيدٌ في الأنامِ ولا عمرو

ولا سُطِحتْ أرضٌ ولا رُفعت سما

ولا طلعت شمسٌ ولا أشرقَ البدرُ

ونوحٌ به في الفلك لمّا دعا نجا

وغيض به طوفانُه وقضي الأمرُ

ولولاهمُ نارُ الخليلِ لما غدتْ

سلاماً وبرداً وانطفى ذلك الجمرُ

ولولاهمُ يعقوبُ ما زالَ حزنُهُ

ولا كان عن أيّوبَ ينكشفُ الضرُّ

ولانَ لداودَ الحديدُ بسرِّهمْ

فقدَّر في سردٍ يحير به الفكرُ

ولمّا سليمانُ البساطُ به سرى

أُسيلت له عينٌ يفيض له القطرُ

وسخّرتِ الريحُ الرخاءُ بأمرِه

فغدوتُها شهرٌ وروحتُها شهرُ

وهم سرُّ موسى والعصا عندما عصى

أوامرَه فرعونُ والتقف السحرُ

ولولاهمُ ما كان عيسى بنُ مريمٍ

لعازر من طيِّ اللحودِ له نشرُ

سرى سرّهمْ في الكائناتِ وفضلُهمْ

وكلُّ نبيٍّ فيه من سرِّهم سرُّ

علا بهمُ قدري وفخري بهم غلا

ولولاهمُ ما كان في الناسِ لي ذكرُ

مصابكمُ يا آلَ طه مصيبةٌ

ورزءٌ على الإسلامِ أحدثَه الكفرُ

سأندبُكمْ يا عدّتي عند شدّتي

وأبكيكمُ حزناً إذا أقبل العَشرُ

وأبكيكمُ ما دمتُ حيّا فإن أمت

ستبكيكُم بعدي المراثي والشعرُ

عرائسُ فكرِ الصالحِ بنِ عرندسٍ

قبولكمُ يا آل طه لها مهرُ

وكيف يحيطُ الواصفون بمدحِكمْ

وفي مدحِ آياتِ الكتابِ لكم ذكرُ

ومولدُكمْ بطحاءُ مكةَ والصفا

وزمزمُ والبيتُ المحرَّمُ والحجرُ

٣٠

جعلتكُمُ يومَ المعادِ وسيلتي

فطوبى لمن أمسى وأنتمْ له ذخرُ

سيُبلي الجديدانِ الجديدَ وحبُّكمْ

جديدٌ بقلبي ليس يُخلِقُه الدهرُ

عليكم سلامُ اللهِ ما لاح بارقٌ

وحلّت عقودُ المزنِ وانتشر القطرُ

وله من قصيدة يرثي بها الحسين عليه‌السلام :

باتَ العذولُ على الحبيبِ مسهّدا

فأقام عذري في الغرامِ ومهّدا

ورأى العذار بسالفيه مُسلسلاً

فأقامَ في سجنِ الغرامِ مقيّدا

هذا الذي أمسى عذولي عاذري

فيه وراقدُ مقلتيه تسّهدا

ريمٌ (١) رمى قلبي بسهمِ لحاظِهِ

عن قوسِ حاجبِه أصابَ المقصدا

قمرٌ هلالُ الشمسِ فوق جبينِه

عالٍ تغارُ الشمسُ منه إذا بدا

وقوامُهُ كالغصنِ رنّحه الصبا

فيه حمامُ الحيِّ بات مغرِّدا

فإذا أرادَ الفتكَ كان قوامُهُ

لدناً وجرَّدتِ اللحاظُ مُهنّدا

تلقاه منعطفاً قضيباً أمْيَداً

وتراه ملتفتاً غزالاً أغيدا (٢)

في طاء طرّته وجيم جبينه

ضدّانِ شأنُهما الضلالُة والهدى

ليلٌ وصبحٌ أسودٌ في أبيضٍ

هذا أضلَّ العاشقين وذا هدى

لا تحسبوا داودَ قدّرَ سردَهُ

في سين سالفِهِ فبات مُسرَّدا

لكنَّما ياقوتُ خاءِ خدودِهِ

نمَ (٣) العذارُ به فصار زبرجدا

يا قاتلَ العشّاقِ يا من طرفُهُ

الرشّاقُ يرشُقنا سهاماً من ردى (٤)

__________________

(١) الريم : الظبي الخالص البياض. (المؤلف)

(٢) منعطفاً : منثنياً. القضيب : السيف القطّاع ، القوس عملت من قضيب أو غصن غير مشقوق. الأميد من ماد يميد ميداً : تحرّك واضطرب. الأغيد من غيد يغيد غيداً : مالت عنقه لانت أعطافه فهو أغيد وهى غيداء. (المؤلف)

(٣) نمَّ نماً : زين [ ونمَّ : ظهر ]. (المؤلف)

(٤) الرشق : الرمي. الردى : الهلاك. (المؤلف)

٣١

قسماً بثاءِ الثغرِ منك لأنَّه

ثغرٌ به جيمُ الجمان تنضّدا (١)

وبراءِ ريقٍ كالمدامِ مزاجُه

شهدٌ به تروى القلوبُ من الصدى

إنِّي لقد أصبحت عبدَك في الهوى

وغدوتُ في شرح المحبّةِ سيّدا

فاعدل بعبدِك لا تجُرْ واسمحْ ولا

تبخلْ بقربٍ من وفاكَ الأبعدا

وابدِ الوفا ودَعِ الجفا وذَرِ العفا

فلقد غدوتُ أخا غرامٍ مُكْمدا

وفجعت قلبي بالتفرُّقِ مثلما

فجعت أُميّةُ بالحسينِ محمدا

سبط النبيِّ المصطفى الهادي الذي

أهدى الأنامَ من الضلالِ وأرشدا

وهو ابن مولانا عليِّ المرتضى

بحرِ الندى مُروي الصدا مُردي العدا

أسمى الورى نسباً وأشرفُهم أباً

وأجلُّهم حسباً وأكرمُ محتدا

بحرٌ طما ليثٌ حمى غيثٌ همى

صبحٌ أضا نجمٌ هدى بدرٌ بدا

السيّد السندُ الحسينُ أعمُّ أه

لِ الخافقينِ ندىً وأسمحُهم يدا

لم أنسه في كربلا متلظّيا

في الكرب لا يلقى لماءٍ موردا

والمقنب الأمويُّ حول خبائه

النبويِّ قد ملأ الفدافدَ فُدفدا (٢)

عُصَبٌ عصت غصّت بخيلهمُ الفضا

غصبت حقوقَ بني الوصيِّ وأحمدا

حمّت كتائبه وثارَ عجاجه

فحكى الخضمَّ المدلهمَّ المزبدا

للنصب فيه زماجرٌ مرفوعةٌ

جزمت بها الأسماء من حرف الندا

صامت صوافنُه وبيضُ صفاحِه

صلّت فصيّرتِ الجماجمَ سجّدا

نسج الغبارُ على الأُسود مدارعاً

فيه فجسّدت النجيعَ وعسجدا

والخيلُ عابسةُ الوجوهِ كأنَّها

العقيانُ تخترقُ العجاجَ الأربدا

حتى إذا لمعتْ بروقُ صفاحِها

وغدا الجبانُ من الرواعدِ مُرعدا

__________________

(١) الثغر : مقدم الأسنان. الجمان : اللؤلؤ. (المؤلف)

(٢) المقنب : الجماعة من الخيل تجتمع للغارة. الفدافد ـ بفتح الفاء ـ : الفلاة. فدفد بضم الفاء الجافي الكلام المرتفع الصوت. (المؤلف)

٣٢

صال الحسينُ على الطغاةِ بعزمِهِ

لا يختشي من شربِ كاساتِ الردى

وغدا بلامِ اللدن يطعن أنجلاً

وبغينِ غربِ العضبِ يضرب أهودا (١)

فأعاد بالضربِ الحسامَ مفلَّلا

وثنى السنانَ من الطعانِ مقصّدا (٢)

فكأنَّما فتكاتُهُ في جيشِهمْ

فتكاتُ حيدر يوم أُحدٍ في العدى

جيشٌ يريدُ رضا يزيدَ عصابةٌ

غصبتْ فأغضبتِ العليَّ وأحمدا

جحدوا العليَّ مع النبيِّ وخالفوا

الهادي الوصيَّ ولم يخافوا الموعدا

وغواهمُ شيطانُهمْ فأضلّهمْ

عمداً فلم يجدوا وليّا مُرشدا

ومن العجائبِ أنَّ عذب فراتِها

تسري مسلسلةً ولن تتقيّدا

طامٍ وقلبُ السبطِ ظامٍ نحوه

وأبوه يسقي الناسَ سَلسلَه غدا

وكأنَّه والطرف والبتّار والخر

صان في ظُللِ العجاج وقد بدا (٣)

شمسٌ على فلكٍ وطوع يمينه

قمرٌ يقابل في الظلام الفرقدا (٤)

والسيّدُ العباسُ قد سلبَ العدا

عنه اللباسَ وصيّروه مجرّدا

وابنُ الحسينِ السبطِ ظمآنُ الحشا

والماءُ تنهلهُ الذئاب مُبرّدا

كالبدرِ مقطوعُ الوريدِ له دمٌ

أمسى على تربِ الصعيد مُبدّدا

والسادةُ الشهداء صرعى في الفلا

كلٌّ لأحقافِ (٥) الرمال توسّدا

__________________

(١) الأنجل : الواسع الطويل العريض ، يقال : طعنه طعنة نجلاء ، أي واسعة. الأهود من الهوادة : اللين والرفق. (المؤلف)

(٢) المقصدة من القصدة بالكسر : القطعة مما يكسر. يقال : رمح قصد وقصيد وأقصاد : أي متكسّر.(المؤلف)

(٣) الطرف ـ راجع ص ٥ [١٣] ـ البتّار : السيف القاطع. الخرصان ، جمع الخرص : الرمح القصير السنان. (المؤلف)

(٤) هذه البداعة مأخوذة من علاء الدين الشفهيني كما مرّت في ٦ / ٣٦٢ ومرّت لابن العرندس أيضاً في هذا الجزء : ص ٥ [١٥]. (المؤلف)

(٥) الأحقاف جمع الحقف : ما اعوجّ من الرمح واستطال. (المؤلف)

٣٣

فأولئك القومُ الذين على هدىً

من ربِّهم فمن اقتدى بهمُ اهتدى

والسبطُ حرّانُ الحشا لمصابِهمْ

حيرانُ لا يلقى نصيراً مُسعدا

حتى إذا اقتربت أباعيد الردى

وحياتُه منها القريبُ تبعّدا

دارت عليه علوجُ آل أُميّةٍ

من كلّ ذي نقص يزيد تمرّدا

فرموه عن صُفر القسيِّ بأسهمٍ (١)

من غير ما جُرم جناهُ ولا اعتدا

فهوى الجوادُ عن الجوادِ فرجّت

السبع الشداد وكان يوماً أنكدا

واحتزَّ منه الشمرُ رأساً طالما

أمسى له حجرُ النبوّةِ مرقدا

فبكته أملاكُ السمواتِ العلى

والدهرُ بات عليه مشقوقَ الردا

وارتدَّ كفُّ الجود مكفوفاً وطر

فُ العلمِ مطروفاً (٢) عليه أرمدا

والوحشُ صاحَ لما عراه من الأسى

والطيرُ ناحَ على عزاه وعدّدا (٣)

وسروا بزينِ العابدينَ الساجدِ

الباكي الحزينِ مُقيّداً ومُصفّدا

وسكينةٌ سكنَ الأسى في قلبِها

فغدا بضامرها (٤) مُقيماً مُقعدا

وأسال قتلُ الطفِّ مدمعَ زينبٍ

فجرى ووسطَ الخدِّ منها خدّدا

ورأيت ساجعةً تنوحُ بأيكةٍ (٥)

سجعتْ فأخرستِ الفصيحَ المنشدا

بيضاءُ كالصبحِ المضيءِ أكفُّها

حمرٌ تطوّقت الظلامَ الأسودا

ناشدتها يا وِرقُ ما هذا البكا

ردِّي الجوابَ فجعتِ قلبي المكمدا

والطوقُ فوقَ بياضِ عنقكِ أسودٌ

وأكفُّكِ حمرٌ تحاكي العسجدا

لمّا رأت ولهي وتسآلي لها

ولهيبَ قلبي نارُه لن تخمدا

__________________

(١) الصفر : الدائرة. القسي جمع القوس : آلة معروفه ترمى بها السهام. (المؤلف)

(٢) المطروفة من العين : التي أصابها شيء فدمعت. (المؤلف)

(٣) عدّد الميت : عدّ مناقبه ووصفها. (المؤلف)

(٤) ضمر فهو ضامر : هزل ودقّ وقلّ لحمه. (المؤلف)

(٥) الأيكة : الشجر الكثير الملتفّ. (المؤلف)

٣٤

رفعت بمنصوبِ الغصونِ لها يداً

جزمت به نوح النوائح سرمدا

قُتِلَ الحسينُ بكربلا يا ليته

لاقى النجاةَ بها وكنتُ له الفدا

فإذا تطوّق ذاك دمعي أحمرٌ

قانٍ مسحتُ به يديّ تورّدا

ولبستُ فوق بياضِ عنقي من أسىً

طوقاً بسينِ سوادِ قلبي أسودا

فالآن ها ذي قصّتي يا سائلي

ونجيعُ دمعي سائلٌ لن يجمدا

فاندب معي بتقرّحٍ وتحرّقٍ

وابكي وكن لي في بكائي مُسعدا

فلألعننَّ بني أُميّةَ ما حدا

حادٍ وما غار الحجيجُ وأنجدا (١)

ولألعننَّ يزيدَها وزيادَها

ويزيدُها ربِّي عذاباً سرمدا

ولأبكينَّ عليك يا ابن محمدٍ

حتى أُوسَّدَ في التراب مُلحّدا

ولأحلينَّ على عُلاك مدائحاً

من درِّ ألفاظي حساناً خُرَّدا

عُرُباً فصاحاً في الفصاحةِ جاوزت

قُسّا (٢) وبات لها لبيد (٣) مُبلّدا

قلّدتُها بقلائدٍ من جودِكمْ

أضحى بها جيدُ الزمان مُقلَّدا

يرجو بها نجلُ العرندسِ صالحٌ

في الخلدِ مع حورِ الجنانِ تخلّدا

وسقى الطفوف الهامرات من الحيا

سُحباً تسحُّ عيونها دمع الندى (٤)

ثمّ السلام عليك يا ابن المرتضى

ما ناح طيرٌ في الغصون وغرّدا

وله قصيدة تناهز (٥٦) بيتاً يرثي بها الإمام السبط الشهيد صلوات الله عليه ، توجد في المنتخب لشيخنا الطريحي (٥) (٢ / ١٩) طبع بمبي مطلعها :

نوحوا أيا شيعةَ المولى أبي حسنِ

على الحسين غريبِ الدارِ والوطنِ

__________________

(١) غار الرجل : سار. أنجد الرجل : أتى نجداً ، قرب من أهله. (المؤلف)

(٢) قسّ بن ساعدة الايادي خطيب العرب قاطبة والمضروب به المثل في البلاغة. (المؤلف)

(٣) لبيد بن ربيعة العامري توفّي في أوّل خلافة معاوية وهو ابن مائة وسبع وخمسين سنة. (المؤلف)

(٤) الهامرات من همر الماء : انصبَّ. والهمّار من السحاب : السيّال. الحيا : المطر. سحّ الماء : صبّه صبّا متتابعاً غزيراً. الندى : المطر. (المؤلف)

(٥) المنتخب : ٢ / ٢٥٤.

٣٥
٣٦

ـ ٧٣ ـ

ابن داغر الحلّي

حيّا الإلهُ كتيبةً مرتادُها

يطوى له سهلُ الفلا ووهادُها

قصدت أميرَ المؤمنين بقبّةٍ

يُبنى على هامِ السماك عمادُها

وفدت على خيرِ الأنامِ بحضرةٍ

عند الإلهِ مكرّمٌ وُفّادُها

فيها الفتى وابن الفتى وأخو الفتى

أهلُ الفتوّةِ ربُّها مقتادُها

فله الفخارُ قديمُه وحديثُه

والفاضلاتُ طريفُها وتلادُها (١)

مولى البريّةِ بعد فقد نبيِّها

وإمامُها وهمامُها وجوادُها

وإذا القرومُ تصادمت في معركٍ

والخيلُ قد نسج القتامَ طرادُها

وترى القبائلَ عند مختلفِ القنا

منه يحذِّر جمعَها آحادُها

والشوسُ تعثرُ في المجالِ وتحتَها

جردٌ تجذُّ إلى القتالِ جيادُها (٢)

فكأنَّ منتشرَ الرعالِ لدى الوغى

زجلٌ تنشّر في البلادِ جرادُها

ورماحُهمْ قد شظِّيتْ عيدانُها (٣)

وسيوفُهم قد كسِّرت أغمادُها

__________________

(١) الطريف : المكتسب حديثاً. التلاد والتليد : ما كان من قديم. (المؤلف)

(٢) الشوس جمع أشوس : الشديد الجري في القتال. تعثّر : يقال : عثر الرجل عثوراً إذا هجم على أمر لم يهجم عليه غيره. المجال : محل الجولان أي الميدان. جرد جمع الأجرد : السباق من الخيل. يجذ من جذَّ في سيره : أسرع. الجياد جمع الجواد : السريع من الفرس. (المؤلف)

(٣) شظى تشظية : فرق. تشظى العود : تطاير شظايا. عيدان وأعود وأعواد جمع العود : الخشب. (المؤلف)

٣٧

والشهب تُغمَدُ في الرؤوس نصولُها

والسمرُ تصعد في النفوسِ صعادُها (١)

فترى هناك أخا النبيِّ محمدٍ

وعليه من جهدِ البلاءِ جلادُها

متردِّياً عند اللقا بحسامِهِ

متصدِّياً لكماتِها يصطادُها

عضَدَ النبيَّ الهاشميَّ بسيفِهِ

حتى تقطّعَ في الوغى أعضادُها

واخاهُ دونهمُ وسدَّ دُوينَه

أبوابَهمْ فتّاحُها سدّادُها

وحباه في يومِ الغديرِ ولايةً

عام الوداع وكلُّهم أشهادُها

فغدا به يومَ الغدير مفضّلاً

بركاتُه ما تنتهي أعدادُها

قبلت وصيّة أحمد وبصدرها

تخفى لآل محمدٍ أحقادُها

حتى إذا مات النبيُّ فأظهرت

أضغانها في ظلمِها أجنادُها

منعوا خلافةَ ربِّها ووليِّها

ببصائرٍ عميت وضلَّ رشادُها

واعصوصبوا في منعِ فاطمَ حقَّها

فقضتْ وقد شاب الحياةَ نكادُها (٢)

وتوفّيت غصصاً وبعد وفاتِها

قُتلَ الحسينُ وذُبِّحت أولادُها

وغدا يُسَبُّ على المنابرِ بعلُها

في أمّةٍ ضلّت وطالَ فسادُها

ولقد وقفتُ على مقالةِ حاذقٍ

في السالفين فراقَ لي إنشادُها

(أعلى المنابرِ تعلنون بسبِّهِ

وبسيفِهِ نُصبتْ لكم أعوادُها) (٣)

يا آلَ بيتِ محمدٍ يا سادةً

ساد البريّةَ فضلُها وسدادُها

أنتم مصابيحُ الظلامِ وأنتمُ

خيرُ الأنامِ وأنتمُ أمجادُها

فضلاؤها علماؤها حلماؤها

حكماؤها عبّادُها زهّادُها

__________________

(١) الشهب جمع الشهاب : السنان ، سمّي به لما فيه من بريق. نصولٍ جمع النصل : حديدة الرمح والسهم. السمر : الرمح. صعاد جمع الصعدة : القناة المستوية. (المؤلف)

(٢) اعصوصبوا : اجتمعوا وصاروا عصائب. شاب : خلط وغش. النكاد : الكدر. (المؤلف)

(٣) هذا البيت من قصيدة لأبي محمد عبد الله بن محمد بن سنان الخفاجي الحلبي رحمه‌الله المتوفّى ٤٦٦. (المؤلف)

٣٨

أمّا العبادُ فأنتمُ ساداتُها

أمّا الحروبُ فأنتمُ آسادُها

تلك المساعي للبريّة أوضحتْ

نهجَ الهدى ومشت به عبّادُها

وإليكمُ من شارداتِ (مغامسٍ)

بكراً يقرُّ بفضلِها حسّادُها

كملت بوزنِ كمالِكمْ وتزيّنتْ

بمحاسنٍ من حسنِكمْ تزدادُها

ناديتها صوتاً فمذ أسمعتها

لبّتْ ولم يصلدْ عليَّ زنادُها

نفقتْ لديّ لأنّها في مدحِكمْ

فلذاك لا يخشى عليَّ كسادُها

رحمَ الإلهُ مُمِدَّها أقلامَهُ

ورجاؤه أن لا يخيب مدادُها

فتشفّعوا لكبائرٍ أسلفتها

قلقتْ لها نفسي وقلّ رقادُها

جرماً لو انَّ الراسياتِ حملنَه

دكّتْ وذاب صخورُها وصلادُها

هيهات تُمنعُ عن شفاعةِ جدِّكمْ

نفسٌ وحبُّ أبي ترابٍ زادُها

صلّى الإلهُ عليكمُ ما أرعدتْ

سحبٌ وأسبلَ ممطراً أرعادُها

وله قوله من قصيدة تناهز الاثنين والتسعين بيتاً :

كيف السلامةُ والخطوبُ تنوبُ

ومصائبُ الدنيا الغَرورُ تصوبُ

إنَّ البقاءَ على اختلافِ طبائعٍ

ورجاء أن ينجو الفتى لعصيبُ

العيشُ أهونُه وما هو كائنٌ

حتمٌ وما هو واصلٌ فقريبُ

والدهر أطوارٌ وليس لأهلِهِ

إن فكّروا في حالتيه نصيبُ

ليس اللبيب من استغرّ بعيشِهِ

إنَّ المفكّرَ في الأمورِ لبيبُ

يا غافلاً والموتُ ليس بغافلٍ

عِش ما تشاءُ فإنّكَ المطلوبُ

أبديتَ لهوكَ إذ زمانُك مقبلٌ

زاهٍ وإذ غصنُ الشبابِ رطيبُ

فمن النصيرُ على الخطوبِ إذا أتت

وَعلا على شرخِ الشباب مشيبُ

علل الفتى من علمِه مكفوفةٌ

حتى الممات وعمرُه مكتوبُ

وتراه يكدحُ في المعاشِ ورزقُه

في الكائناتِ مقدّرٌ محسوبُ

٣٩

إنَّ الليالي لا تزال مجدَّةً

في الخلقِ أحداثٌ لها وخطوبُ

من سرَّ فيها ساءه من صرفِها

ريبٌ له طولُ الزمانِ مريبُ

عصفت بخيرِ الخلقِ آلِ محمدٍ

نكباءُ إعصارٌ لها وهبوبُ (١)

أمّا النبيُّ فخانه من قومِهِ

في أقربيه مجانبٌ وصحيبُ

من بعد ما ردُّوا عليه وصاتَه

حتى كأنَّ مقالَه مكذوبُ

ونسوا رعاية حقِّه في حيدرٍ

في خمّ وهو وزيرُه المصحوبُ

فأقام فيهم برهةً حتى قضى

في الغيظِ وهو بغيظِهمْ مغضوبُ

ومنها قوله في رثاء الإمام السبط عليه‌السلام :

بأبي الإمامَ المستضامَ بكربلا

يدعو وليس لما يقولُ مجيبُ

بأبي الوحيدَ وما له مِن راحمٍ

يشكو الظما والماءُ منه قريبُ

بأبي الحبيبَ إلى النبيِّ محمدٍ

ومحمدٌ عند الإله حبيبُ

يا كربلاءُ أفيك يُقتلُ جهرةً

سبطُ المطهّرِ إنّ ذا لعجيبُ

ما أنتِ إلاّ كربةٌ وبليّةٌ

كلُّ الأنامِ بهولِها مكروبُ

لهفي عليه وقد هوى متعفِّراً

وبه أُوامٌ فادحٌ ولغوبُ (٢)

لهفي عليه بالطفوفِ مجدّلاً

تسفي عليهِ شمألٌ وجنوبُ

لهفي عليه والخيولُ ترضُّهُ

فلهنَّ ركضٌ حوله وخبيبُ (٣)

لهفي له والرأسُ منه مميّزٌ

والشيبُ من دمه الشريفِ خضيبُ

لهفي عليه ودرعُه مسلوبةٌ

لهفي عليه ورحلُهُ منهوبُ

__________________

(١) الإعصار : ريح ترتفع بالتراب. الهبوب من الرياح : المثيرة للغبرة. (المؤلف)

(٢) الأوام : العطش. الفادح : الصعب المثقل. اللغوب : المتعب المعيى. (المؤلف)

(٣) الخبيب من خبّ الفرس في عدوه : راوح بين يديه ورجليه ؛ أي قام على إحداهما مرّة وعلى الأخرى مرّة. (المؤلف)

٤٠