الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٧

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي

الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٧

المؤلف:

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي


المحقق: مركز الغدير للدّراسات الإسلاميّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
المطبعة: فروردين
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٥٧

وأن لا يوليهم إلاّ الخير والسعادة ، فعليه أن يختار لهم من ينوء بذلك العبء الثقيل ويمثّل مخلّفه الرسول في الوظائف كلّها ، فينصّ عليه بلسان ذلك النبيّ المبعوث ، ولا يجوز أن يخلي سربهم ، ويتركهم سُدى ، ألا ترى أنّ عبد الله بن عمر قال لأبيه : إنّ الناس يتحدّثون أنّك غير مستخلف ، ولو كان لك راعي إبل أو راعي غنم ثمّ جاء وترك رعيّته رأيت أن قد فرّط ـ لرأيت أن قد ضيّع ـ ورعيّة الناس أشدّ من رعية الإبل والغنم ، ما ذا تقول لله إذ لقيته ولم تستخلف على عباده (١)؟

وقالت عائشة لابن عمر : يا بنيّ أبلغ عمر سلامي وقل له : لا تدع أمّة محمد بلا راعٍ ، استخلف عليهم ولا تدعهم بعدك هملاً ، فإنّي أخشى عليهم الفتنة (٢) ، فترك الناس مهملين فيه خشية الفتنة عليهم.

وقال عبد الله بن عمر لأبيه : لو استخلفت. قال : من؟ قال : تجتهد فإنّك لست لهم بربّ تجتهد (٣) ، أرأيت لو أنّك بعثت إلى قيّم أرضك ألم تكن تحبّ أن يستخلف مكانه حتى يرجع إلى الأرض؟ قال : بلى. قال : أرأيت لو بعثت إلى راعي غنمك ألم تكن تحبّ أن يستخلف رجلاً حتى يرجع (٤)؟

وهذا معاوية بن أبي سفيان يتمسّك بهذا الحكم العقليّ المسلّم في استخلاف يزيد ويقول : إنّي أرهب أن أدع أمّة محمد بعدي كالضأن لا راعي لها (٥).

__________________

(١) سنن البيهقي : ٨ / ١٤٩ عن صحيح مسلم [ ٤ / ١٠٢ ح ١٢ كتاب الإمارة ] ، سيرة عمر لابن الجوزي : ص ١٩٠ [ ص ١٩٥ ] ، الرياض النضرة : ٢ / ٧٤ [ ٢ / ٣٥٣ ] ، حلية الأولياء : ١ / ٤٤ ، فتح الباري : ١٣ / ١٧٥ [ ١٣ / ٢٠٦ ] عن مسلم. (المؤلف)

(٢) الإمامة والسياسة : ١ / ٢٢ [ ١ / ٢٨ ]. (المؤلف)

(٣) كذا في المصدر.

(٤) طبقات ابن سعد : ٣ / ٢٤٩ [ ٣ / ٣٤٣ ]. (المؤلف)

(٥) تاريخ الطبري : ٦ / ١٧٠ [ ٥ / ٣٠٤ حوادث سنة ٥٦ ه‍ ] ، الإمامة والسياسة : ١ / ١٥١ [ ١ / ١٥٩ ]. (المؤلف)

١٨١

ليت شعري هذا الدليل العقليّ المتسالم عليه لِمَ أهملته الأمّة في استخلاف النبيّ الأعظم واتّهمته بالصفح عنه؟ أنا لا أدري.

ولا يجوز أيضاً توكيل الأمر إلى أفراد الأمّة ، أو إلى أهل الحلّ والعقد منهم لأنّ ممّا أوجبه العقل السليم أن يكون الإمام مكتنفاً بشرائط بعضها من النفسيّات الخفيّة والملكات التي لا يعلمها إلاّ العالم بالسرائر (١) كالعصمة والقداسة الروحيّة ، والنزاهة النفسيّة لتبعده عن الأهواء والشهوات ، والعلم الذي لا يضلّ معه في شيء من الأحكام إلى كثير من الأوصاف التي تقوم بها النفس ، ولا يظهر في الخارج منها إلاّ جزئيّات من المستصعب الحكم باستقرائها على ثبوت كليّاتها : (وَرَبُّكَ يَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَما يُعْلِنُونَ) (٢) و (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) (٣).

فالأمّة المنكفئ علمها عن الغيوب لا يمكنها تشخيص من تحلّى بتلك الصفات ، فالغالب على خيرتها الخطأ ، فإذا كان نبيّ كموسى على نبيّنا وآله وعليه‌السلام تكون وليدة اختياره من الآلاف المؤلّفة سبعين رجلاً ، وأنّهم لمّا بلغوا الميقات قالوا : أرنا الله جهرة فما ظنّك بأفراد عاديّين واختيارهم؟ وأناس ماديّين وانتخابهم؟ وما عساهم أن ينتخبوا غير أمثالهم ممّن هو وإيّاهم سواسية كأسنان المشط في الحاجة إلى المسدّد؟ وليس من المأمون أن يقع انتخابهم على عائث ، أو يكون التياثهم (٤) بمشاغب ، أو يكون انثيالهم وراء من يسرّ على الأمّة حسواً في ارتغاء (٥) أو يقع

__________________

(١) وقد أشبعنا القول في البرهنة على لزوم هذه الملكات الفاضلة في الإمامة في غير هذا المورد. (المؤلف)

(٢) القصص : ٦٩.

(٣) الأنعام : ١٢٤.

(٤) الالتياث : الاختلاط والالتفاف.

(٥) مثل يضرب لمن يظهر أمراً ويريد غيره. تاج العروس : ١٠ / ١٥٣ [ ومجمع الأمثال : ٣ / ٥٢٥ رقم ٤٦٨٠ ]. (المؤلف)

١٨٢

اختيارهم على جاهل يرتبك في الأحكام فيرتكب العظام ، ويأتي بالجرائم ، ويقترف المآثم وهو لا يعلم ، أو يعلم ولا يكترث لأن يقول زوراً ، ويحكم غروراً ، فيفسدوا من حيث أرادوا أن يصلحوا ، ويقعوا في الهلكة وهم لا يشعرون ، كما وقعت أمثال ذلك في البيعة لمعاوية ويزيد وخلفاء الأمويّين.

فعلى البارئ الذي يكره كلّ ذلك في خلقه أن لا يجعل لأحد من خلقه الخيرة فيها وقد خلقه ظلوماً جهولاً (١) (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (٢) ، (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) (٣) في الأمر (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ، وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) (٤).

وقد أخبر به النبيّ الأعظم من أوّل يومه يوم عرض نفسه على القبائل فبلغ بني عامر بن صعصعة ودعاهم إلى الله ، فقال له قائلهم : أرأيت إن نحن تابعناك على أمرك ثمّ أظهرك الله على من خالفك ، أيكون لنا الأمر من بعدك؟ قال : «إنّ الأمر إلى الله يضعه حيث يشاء» (٥).

أنّى تسوغ أن تكون للخلق خيرة في الأمر مع شيوع الغايات والأغراض والدعاوي والميول والشهوات في الناس حول الانتخاب ، مع اختلاف الأنظار وتضارب الآراء والمعتقدات في تحليل نفسيّات الرجال والشخصيّات البارزة ، مع كثرة

__________________

(١) راجع الأحزاب : ٧٢. (المؤلف)

(٢) الملك : ١٤.

(٣) القصص : ٦٧.

(٤) الأحزاب : ٣٦.

(٥) سيرة ابن هشام : ٢ / ٣٢ [ ٢ / ٦٦ ] ، الروض الأُنف : ١ / ٢٦٤ [ ٤ / ٣٨ ـ ٣٩ ] ، بهجة المحافل لعماد الدين العامري : ١ / ١٣٨ ، السيرة الحلبيّة : ٢ / ٣ ، سيرة زيني دحلان : ١ / ٣٠٢ [ ١ / ١٤٧ ] هامش الحلبيّة ، حياة محمد لهيكل : ص ١٥٢ [ ص ٢٠١ ـ ٢٠٢ ]. (المؤلف)

١٨٣

الأحزاب والفرق والأقوام والطوائف المتشاكسة ، مع شقاق القوميّة والطائفية والشعوبيّة الذائع الشائع في المسكين ابن آدم من أوّل يومه.

وقد اقترن الانتخاب من بدء بدئه بالتحارش والتلاكم والتكالم والتشازر والتصاخب والتخاصم حتى قدّت برود يمانيّة (١) ووقع البرح براحاً (٢) وكم بالانتخاب هُتكت حرمات وأهينت مقدّسات ، وأضيعت حقائق ، ودُحض الحقّ الثابت ، ودُحس الصالح العالم ، واختلّ الوئام ، وأقلق السلام ، وسفحت دماء زكيّة ، وتشلشلت أشلاء الإسلام الصحيح ، فجاء يطمع في الأمر من لا خلاق له من سوقي برديّ ، أو مبرطش ألهاه الصفق بالأسواق ، أو بزّاز يحمل بني أبيه على رقاب الناس ، أو حفّار قبور لا يعرف عرضه من طوله ، أو طليق غاشم ، أو خمّار سكّير ، أو مستهتر مشاغب ، من الذين اتّخذوا عباد الله خولاً ، ومال الله نحلاً ، وكتاب الله دغلاً ، ودين الله حولاً.

ومقتضى هذا البيان الضافي أن يكون الخليفة أفضل الخليقة أجمع في أمّته ، لأنّه لو كان في وقته من يماثله في الفضيلة أو من ينيف عليه استلزم تعيينه الترجيح بلا مرجّح أو التطفيف في كفّة الرجحان.

على أنّ الإمام لو قصر في شيء من تلك الصفات لأمكن حصول حاجته إلى المورد الذى نبا عنه علمه ، أو تضاءلت عنه بصيرته ، أو ضعفت عنه منّته ، فعندئذٍ الطامّة الكبرى من الفتيا المجرّدة ، والرأي لا عن دليل ، أو الأخذ عمّن يسدّده ، وفي الأوّل العيث والفشل ، وفي الثاني سقوط المكانة ، وقد أخذ في الإمام مثل النبي أن يكون بحيث يُطاع (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللهِ) (٣) وقرنت طاعة الإمام بطاعة الله ورسوله في قوله تعالى : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) (٤)

__________________

(١) مثل يضرب في شدة الخصومة ، أي تخاصموا حتى تشاقّوا الثياب الغالية. (المؤلف)

(٢) البرح : الشدة والأذى والشرّ ، والبراح : الصراح البيّن. (المؤلف)

(٣) النساء : ٦٤.

(٤) النساء : ٥٩.

١٨٤

وذلك ليمكنه إقامة الحدود الإلهيّة ، ودحض الأباطيل ، وربما تسرّبت الشبهة عن جهله إلى نفس الدعوة وحقيقة الدين إن كان عميده الداعي إليه يقصر عن الدفاع عنه وإزاحة الشكوك المتوجّهة إليه.

فكلّ هذا يستدعي كماله في الصفات الكماليّة كلّها فيفضل على الأمّة جمعاء ، (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) (١) (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ) (٢) (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) (٣).

الخلافة عند القوم :

نعم ؛ الخلافة التي تقول بها الجماعة لا تستدعي كلّ ما ذكرنا ، فإنَّهم يحسبون الخليفة أيّ مستحوذٍ على الأمّة يقطع السارق ، ويقتصّ القاتل ، ويكلأ الثغور ، ويحفظ الأمن العام إلى ما يشبه هذه ، ولا يخلع بفسق ، ولا ينتقد بفاحشة مبيّنة ، ولا يعاب بجهل ، ولا يُؤاخذ بعثرة ، ولا يُشترط فيه أيّ من الملكات الكريمة ، وله العتبى في كلّ ذلك ، وليس عليه من عتب.

كلمة الباقلانيّ :

قال الباقلانيّ في التمهيد (ص ١٨١) باب الكلام في صفة الإمام الذي يلزم العقد له : فإن قال قائل : فخبِّرونا ما صفة الإمام المعقود له عندكم؟ قيل لهم : يجب أن يكون على أوصاف : منها أن يكون قرشيّا من الصميم ، ومنها : أن يكون من العلم بمنزلة من يصلح أن يكون قاضياً من قضاة المسلمين ، ومنها : أن يكون ذا بصيرة بأمر

__________________

(١) الزمر : ٩.

(٢) الرعد : ١٦.

(٣) يونس : ٣٥.

١٨٥

الحرب ، وتدبير الجيوش والسرايا ، وسدّ الثغور ، وحماية البيضة ، وحفظ الأمّة ، والانتقام من ظالمها ، والأخذ لمظلومها ، وما يتعلّق به من مصالحها.

ومنها : أن يكون ممّن لا تلحقه رقّة ولا هوادة في إقامة الحدود ولا جزع لضرب الرقاب والأبشار.

ومنها : أن يكون من أمثلهم في العلم وسائر هذه الأبواب التي يمكن التفاضل فيها ، إلاّ أن يمنع عارض من إقامة الأفضل فيسوغ نصب المفضول ، وليس من صفاته أن يكون معصوماً ، ولا عالماً بالغيب ، ولا أفرس الأمّة وأشجعهم ، ولا أن يكون من بني هاشم فقط دون غيرهم من قبائل قريش.

وقال في صفحة (١٨٥) : فإن قالوا : فهل تحتاج الأمّة إلى علم الإمام وبيان شيء خُصّ به دونهم ، وكشف ما ذهب علمه عنهم؟ قيل لهم : لا ؛ لأنّه هو وهم في علم الشريعة وحكمها سيّان. فإن قالوا : فلما ذا يقام الإمام؟ قيل لهم : لأجل ما ذكرناه من قبل من تدبير الجيوش ، وسدّ الثغور ، وردع الظالم ، والأخذ للمظلوم ، وإقامة الحدود ، وقسم الفيء بين المسلمين والدفع بهم في حجّهم وغزوهم ، فهذا الذي يليه ويُقام لأجله ، فإن غلط في شيء منه ، أو عدل به عن موضعه كانت الأمّة من ورائه لتقويمه والأخذ له بواجبه.

وقال في (ص ١٨٦) : قال الجمهور من أهل الإثبات وأصحاب الحديث : لا ينخلع الإمام بفسقه وظلمه بغصب الأموال ، وضرب الأبشار ، وتناول النفوس المحرّمة ، وتضييع الحقوق ، وتعطيل الحدود ، ولا يجب الخروج عليه ، بل يجب وعظه وتخويفه وترك طاعته في شيء ممّا يدعو إليه من معاصي الله ، واحتجّوا في ذلك بأخبار كثيرة متظافرة عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعن الصحابة في وجوب طاعة الأئمّة وإن جاروا واستأثروا بالأموال ، وأنّه قال عليه‌السلام : اسمعوا وأطيعوا ولو لعبد أجدع ، ولو لعبد حبشيّ ، وصلّوا وراء كلّ برّ وفاجر. وروي أنّه قال : أطعهم وإن أكلوا مالك ، وضربوا

١٨٦

ظهرك ، وأطيعوهم ما أقاموا الصلاة. في أخبار كثيرة وردت في هذا الباب ، وقد ذكرنا ما في هذا الباب في كتاب إكفار المتأوّلين ، وذكرنا ما روي في معارضتها وقلنا في تأويلها بما يغني الناظر فيه إن شاء الله.

وقال في (ص ١٨٦) : وليس ممّا يوجب خلع الإمام حدوث فضل في غيره ويصير به أفضل منه ، وإن كان لو حصل مفضولاً عند ابتداء العقد لوجب العدول عنه إلى الفاضل ، لأنّ تزايد الفضل في غيره ليس بحدث منه في الدين ، ولا في نفسه يوجب خلعه ، ومثل هذا ما حكيناه عن أصحابنا أنّ حدوث الفسق في الإمام بعد العقد له لا يوجب خلعه ، وإن كان ما لو حدث فيه عند ابتداء العقد لبطل العقد له ووجب العدول.

قال الأميني : وممّا أوعز إليه الباقلانيّ من الأخبار الكثيرة الدالّة على وجوب طاعة الأئمّة وإن جاروا واستأثروا بالأموال ، ولا ينعزل الإمام بالفسق ما يلي :

١ ـ عن حذيفة بن اليمان قال : قلت : يا رسول الله إنّا كنّا بشرٍّ ، فجاء الله بخير فنحن فيه ، فهل من وراء هذا الخير شرّ؟ قال : نعم. قلت : وهل وراء هذا الشرّ خير؟ قال : نعم. قلت : فهل وراء ذلك الخير شرّ؟ قال : نعم. قلت : كيف يكون؟ قال : يكون بعدي أئمّة لا يهتدون بهداي ولا يستنّون بسنّتي ، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس. قلت : كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك؟ قال : تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع!

صحيح مسلم (١) (٢ / ١١٩) ، سنن البيهقي (٨ / ١٥٧).

٢ ـ عن عوف بن مالك الأشجعي قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : خيار أئمّتكم الذين تحبّونهم ويحبّونكم ، وتصلّون عليهم ويصلّون عليكم ، وشرار أئمّتكم

__________________

(١) صحيح مسلم : ٤ / ١٢٤ ح ٥٢ كتاب الإمارة.

١٨٧

الذين تبغضونهم ويبغضونكم ، وتلعنونهم ويلعنونكم ، قال : قلنا : يا رسول الله أفلا ننابذهم عند ذلك؟ قال : لا ، ما أقاموا فيكم الصلاة ، ألا ومن ولي عليه وال فرآه يأتي شيئاً من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله ولا ينزعنّ يداً من طاعة.

صحيح مسلم (١) (٢ / ١٢٢) ، سنن البيهقي (٨ / ١٥٩).

٣ ـ سأل سلمة بن يزيد الجعفي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : يا رسول الله إن قامت علينا أمراء يسألوننا حقّهم ويمنعوننا حقّنا فما تأمرنا؟ قال : فأعرض عنه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم سأله فأعرض عنه ، ثم سأله فقال : اسمعوا وأطيعوا فإنّما عليهم ما حمّلوا وعليكم ما حمّلتم. صحيح مسلم (٢ / ١١٩) (٢) ، سنن البيهقي : (٨ / ١٥٨).

٤ ـ عن المقدام : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : أطيعوا أمراءكم ما كان ، فإن أمروكم بما حدّثتكم به فإنّهم يؤجرون عليه وتؤجرون بطاعتكم ، وإن أمروكم بشيء ممّا لم آمركم به فهو عليهم وأنتم منه برآء ، ذلك بأنّكم إذا لقيتم الله قلتم : ربّنا لا ظلم. فيقول : لا ظلم. فتقولون : ربّنا أرسلت إلينا رسلاً فأطعناهم بإذنك. واستخلفت علينا خلفاء (٣) فأطعناهم بإذنك. وأمّرت علينا أُمراء فأطعناهم. قال : فيقول : صدقتم هو عليهم وأنتم منه برآء. سنن البيهقي (٨ / ١٥٩).

٥ ـ عن سويد بن غفلة ، قال : قال لي عمر بن الخطّاب رضى الله عنه : يا أبا أميّة لعلّك أن تخلف بعدي ، فأطع الإمام وإن كان عبداً حبشيّا ، إن ضربك فاصبر ، وإن أمرك بأمر فاصبر ، وإن حرمك فاصبر ، وإن ظلمك فاصبر ، وإن أمرك بأمر ينقص دينك فقل : سمع وطاعة ، دمي دون ديني (٤).

__________________

(١) صحيح مسلم : ٤ / ١٢٩ ح ٦٦ كتاب الإمارة.

(٢) صحيح مسلم : ٤ / ١٢٢ ح ٤٩. وأنظر أيضاً أُسد الغابة : ٥ / ٤٩٤ رقم ٥٥٥٤.

(٣) هذا افتراء على الله ، إنّ الله قطّ لم يستخلف ولم يُؤَمّر على الأمّة أولئك الخلفاء والأمراء وإنما هم خيرة أمّتهم ، والشكر والعتب عليها مهما صلحوا أو جاروا. (المؤلف)

(٤) سنن البيهقي : ٨ / ١٥٩. (المؤلف)

١٨٨

وأخذاً بهذه الأحاديث قال الجمهور بعدم عزل الإمام بالفسق ، قال النووي في شرح مسلم (١) هامش إرشاد الساري (٨ / ٣٦) في ذيل هذه الأحاديث المذكورة عن صحيح مسلم : ومعنى الحديث : لا تنازعوا ولاة الأمور في ولايتهم ، ولا تعترضوا عليهم إلاّ أن تروا منهم منكراً محقّقاً تعلمونه من قواعد الإسلام ، فإذا رأيتم ذلك فأنكروه عليهم ، وقولوا بالحقّ حيث ما كنتم ، وأمّا الخروج عليهم وقتالهم فحرام بإجماع المسلمين وإن كانوا فسقةً ظالمين ، وقد تظاهرت الأحاديث بمعنى ما ذكرته ، وأجمع أهل السنّة أنّه لا ينعزل السلطان بالفسق ـ إلى أن قال ـ : فلو طرأ على الخليفة فسق قال بعضهم : يجب خلعه إلاّ أن تترتّب عليه فتنة وحرب ، وقال جماهير أهل السنّة من الفقهاء والمحدّثين والمتكلّمين : لا ينعزل بالفسق والظلم وتعطيل الحقوق ، ولا يخلع ، ولا يجوز الخروج عليه بذلك ، بل يجب وعظه وتخويفه.

قال الأميني : فما عذر عائشة وطلحة والزبير ومن تبعهم من الناكثين والمارقين في الخروج على مولانا أمير المؤمنين؟ هبه صلوات الله عليه آوى قتلة عثمان ، وعطّل الحدود معاذ الله فأين العمل بهذه الأحاديث التي أخذتها الأمّة المسكينة سنّة ثابتة مشروعة؟ أنا لا أدري.

كلمة التفتازاني :

وقال التفتازاني في شرح المقاصد (٢) (٢ / ٢٧١) : ولا يشترط أن يكون الإمام هاشميّا ولا معصوماً ولا أفضل من يولّى عليهم.

وقال في (ص ٢٧٢) : إذا مات الإمام وتصدّى للإمامة من يستجمع شرائطها من غير بيعة واستخلاف وقهر الناس بشوكته انعقدت الخلافة له ، وكذا إذا كان فاسقاً أو جاهلاً على الأظهر إلاّ أنّه يُعصى فيما فعل ، ويجب طاعة الإمام ما لم يخالف حكم

__________________

(١) شرح صحيح مسلم : ١٢ / ٢٢٩.

(٢) شرح المقاصد : ٥ / ٢٣٣.

١٨٩

الشرع ، سواء كان عادلاً أو جائراً.

كلمة القاضي الإيجي (١) :

قال في المواقف (٢) : الجمهور على أنّ أهل الإمامة مجتهد في الأصول والفروع ليقوم بأمور الدين ، ذو رأي ليقوم بأمور الملك ، شجاع ليقوى على الذبّ عن الحوزة ، وقيل : لا يشترط هذه الصفات لأنّها لا توجد فيكون اشتراطها عبثاً أو تكليفاً بما لا يطاق ، ومستلزماً للمفاسد التي يمكن دفعها بنصب فاقدها.

نعم ؛ يجب أن يكون عدلاً لئلاّ يجور ، عاقلاً ليصلح للتصرفات ، بالغاً لقصور عقل الصبيّ ، ذكراً إذ النساء ناقصات عقل ودين ، حرّا لئلاّ يشغله خدمة السيّد ، ولئلاّ يُحتقر فيعصى ، فهذه الصفات مشروطة بالإجماع.

وهاهنا صفات في اشتراطها خلاف :

الأولى : أن يكون قرشيّا.

الثانية : أن يكون هاشميّا ، شرطه الشيعة.

الثالثة : أن يكون عالماً بجميع مسائل الدين ، وقد شرطه الإماميّة.

الرابعة : ظهور المعجزة على يده إذ به يعلم صدقه في دعوى الإمامة ، والعصمة وبه قال الغلاة. ويبطل الثلاثة أنّا ندلّ على خلافة أبي بكر ولا يجب له شيء ممّا ذكر (٣).

الخامسة : أن يكون معصوماً شرطها الإماميّة والإسماعيليّة ، ويبطله أنّ أبا بكر لا تجب عصمته اتّفاقاً (٤).

__________________

(١) إمام الشافعية القاضي عبد الرحمن الإيجي ، المتوفّى ٧٥٦. (المؤلف)

(٢) المواقف : ص ٣٩٨.

(٣) دليل يضحك الثكلى ؛ لأنّه لا يعدوه أن يكون مصادرة بالمطلوب ، وأخذ المدّعى دليلاً. (المؤلف)

(٤) اقرأ واضحك أو اعطفه على ما قبله. (المؤلف)

١٩٠

كلمة أبي الثناء (١) :

قال في مطالع الأنظار (ص ٤٧٠) : صفات الأئمّة هي تسع :

الأولى : أن يكون الإمام مجتهداً في أصول الدين وفروعه.

الثانية : أن يكون ذا رأي وتدبير ، يدير الوقائع ، أمر الحرب والسلم وسائر الأمور السياسيّة.

الثالثة : أن يكون شجاعاً قويّ القلب لا يجبن عن القيام بالحرب ، ولا يضعف قلبه عن إقامة الحدّ ولا يتهوّر بإلقاء النفوس في التهلكة. وجمع تساهلوا في الصفات الثلاث وقالوا : إذا لم يكن الإمام متّصفاً بالصفات الثلاث ينيب من كان موصوفاً بها.

الرابعة : أن يكون الإمام عدلاً ؛ لأنّه متصرّف في رقاب الناس وأموالهم وأبضاعهم ، فلو لم يكن عدلاً لا يؤمن تعدّيه.

الخامسة : العقل.

السادسة : البلوغ.

السابعة : الذكورة.

الثامنة : الحريّة.

التاسعة : أن يكون قرشيّا.

ولا يشترط فيه العصمة خلافاً للإسماعيليّة والاثني عشريّة. دليلنا إمامة أبي بكر (٢) والأمّة اجتمعت على كونه غير واجب العصمة ، لا أقول إنّه غير معصوم!

__________________

(١) شمس الدين بن محمود الأصبهاني المتوفّى ٧٤٩. (المؤلف)

(٢) ما أتقنها من برهنة ويا للعجب! (المؤلف)

١٩١

ما تنعقد به الإمامة :

قال القاضي عضد الإيجي في المواقف (١) : المقصد الثالث فيما تثبت به الإمامة : أنّها تثبت بالنص من الرسول ، ومن الإمام السابق بالإجماع ، وتثبت ببيعة أهل الحلّ والعقد خلافاً للشيعة ؛ دليلنا ثبوت إمامة أبي بكر رضى الله عنه بالبيعة (٢).

وقال : إذا ثبت حصول الإمامة بالاختيار والبيعة ، فاعلم أنّ ذلك لا يفتقر إلى الإجماع (٣) إذ لم يقم عليه دليل من العقل أو السمع ، بل الواحد والاثنان من أهل الحلّ والعقد كافٍ لعلمنا أنّ الصحابة مع صلابتهم في الدين اكتفوا بذلك كعقد عمر لأبي بكر ، وعقد عبد الرحمن بن عوف لعثمان ، ولم يشترطوا اجتماع من في المدينة فضلاً عن إجماع الأمّة. هذا ولم ينكر عليهم أحد ، وعليه انطوت الأعصار إلى وقتنا هذا.

وقال بعض الأصحاب : يجب كون ذلك بمشهد بيّنة عادلة كفّا للخصام في ادّعاء من يزعم عقد الإمامة له سرّا قبل من عقد له جهراً ، وهذا من المسائل الاجتهاديّة.

ثمّ إذا اتّفق التعدد تفحص عن المتقدّم فأُمضي ، ولو أصرّ الآخر فهو من البغاة ، ولا يجوز العقد لإمامين في صقع متضايق الأقطار ، أمّا في متّسعها بحيث لا يسع الواحد تدبيره فهو محل الاجتهاد. انتهى ما في المواقف. وقد أقرّه شرّاحه وهم : السيّد الشريف الجرجاني ، والمولى حسن چلبي ، والشيخ مسعود الشيرواني. راجع شرح المواقف (٤) (٣ / ٢٦٥ ـ ٢٦٧).

__________________

(١) المواقف : ص ٣٩٩.

(٢) أُنظر إلى هذا النول الذي تشابهوا في النسج عليه. (المؤلف)

(٣) قال السيد الشريف الجرجاني : يعني من جميع أهل الحلّ والعقد. (المؤلف)

(٤) شرح المواقف : ٨ / ٣٥٢.

١٩٢

كلمة الماوردي :

وقال الماوردي في الأحكام السلطانيّة (١) (ص ٤) : اختلفت العلماء في عدد من تنعقد به الإمامة منهم على مذاهب شتّى ، فقالت طائفة : لا تنعقد إلاّ بجمهور أهل العقد والحلّ من كلّ بلد ليكون الرضاء به عامّا ، والتسليم لإمامته إجماعاً ، وهذا مذهب مدفوع ببيعة أبي بكر رضى الله عنه على الخلافة باختيار من حضرها ولم ينتظر ببيعته قدوم غائب عنها.

وقالت طائفة أخرى : أقلّ من تنعقد به منهم الإمامة خمسة يجتمعون على عقدها أو يعقدها أحدهم برضى الأربعة استدلالاً بأمرين :

أحدهما : أنّ بيعة أبي بكر رضى الله عنه انعقدت بخمسة اجتمعوا عليها ثمّ تابعهم الناس فيها ، وهم : عمر بن الخطّاب ، وأبو عبيدة بن الجرّاح ، وأُسيد بن حضير ، وبشير بن سعد ، وسالم مولى أبي حذيفة.

الثاني : أنّ عمر رضى الله عنه جعل الشورى في ستّة ليعقد لأحدهم برضى الخمسة وهذا قول أكثر الفقهاء والمتكلّمين من أهل البصرة.

وقال آخرون من علماء الكوفة : تنعقد بثلاثة يتولاّها أحدهم برضى الاثنين ليكونوا حاكماً وشاهدين كما يصحّ عقد النكاح بوليّ وشاهدين.

وقالت طائفة أُخرى : تنعقد بواحد ؛ لأنّ العبّاس قال لعليّ : امدد يدك أُبايعك فيقول الناس : عمّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بايع ابن عمّه فلا يختلف عليك اثنان ، ولأنّه حُكم وحكم الواحد نافذ.

__________________

(١) الأحكام السلطانيّة : ٢ / ٦ ، ٧.

١٩٣

كلمة الجويني :

قال إمام الحرمين الجويني المتوفّى (٤٧٨) في الإرشاد (١) (ص ٤٢٤) : باب في الاختيار وصفته وذكر ما تنعقد الإمامة به :

اعلموا أنّه لا يشترط في عقد الإمامة الإجماع ، بل تنعقد الإمامة وإن لم تجمع الأُمّة على عقدها ، والدليل عليه أنّ الإمامة لمّا عقدت لأبي بكر ابتدر لإمضاء أحكام المسلمين ، ولم يتأنّ لانتشار الأخبار إلى من نأى من الصحابة في الأقطار ، ولم ينكر عليه منكر ، ولم يحمله على التريّث حامل ، فإذا لم يشترط الإجماع في عقد الإمامة ، لم يثبت عدد معدود ، ولا حدّ محدود ، فالوجه الحكم بأنّ الإمامة تنعقد بعقد واحد من أهل الحلّ والعقد.

ثمّ قال بعض أصحابنا : لا بدّ من جريان العقد بمشهد من الشهود ، فإنّه لو لم يشترط ذلك لم نأمن أن يدّعي مدّع عقداً سراً متقدّماً على الحق المظهر المعلن ، وليست الإمامة أحطّ رتبة من النكاح ، وقد شرط فيه الإعلان ، ولا يبلغ القطع ، إذ ليس يشهد له عقل ، ولا يدلّ عليه قاطع سمعيّ ، وسبيله سبيل سائر المجتهدات. انتهى.

وقال الإمام ابن العربي المالكي في شرح صحيح الترمذي (١٣ / ٢٢٩) : لا يلزم في عقد البيعة للإمام أن تكون من جميع الأنام ، بل يكفي لعقد ذلك اثنان أو واحد على الخلاف المعلوم فيه.

كلمة القرطبي :

وقال القرطبي في تفسيره (٢) (١ / ٢٣٠) : فإن عقدها واحد من أهل الحلّ والعقد

__________________

(١) كتاب الإرشاد : ص ٣٥٧

(٢) الجامع لأحكام القرآن : ١ / ١٨٦

١٩٤

فذلك ثابت ويلزم الغير فعله ، خلافاً لبعض الناس حيث قال : لا تنعقد إلاّ بجماعة من أهل الحلّ والعقد ، ودليلنا أنّ عمر رضى الله عنه عقد البيعة لأبي بكر ولم ينكر أحد من الصحابة ذلك (١) ، ولأنّه عقد فوجب ألاّ يفتقر إلى عدد يعقدونه كسائر العقود ، قال الإمام أبو المعالي : من انعقدت له الإمامة بعقد واحد فقد لزمت ، ولا يجوز خلعه من غير حدث وتغيّر أمر ، قال : وهذا مجمع عليه.

قال الأميني : فما المبرّر عندئذٍ لتخلّف عبد الله بن عمر ، وأسامة بن زيد ، وسعد ابن أبي وقاص ، وأبي موسى الأشعري ، وأبي مسعود الأنصاري ، وحسّان ابن ثابت ، والمغيرة بن شعبة ، ومحمد بن مسلمة وبعض آخر من ولاة عثمان على الصدقات وغيرها عن بيعة مولانا أمير المؤمنين بعد إجماع الأمّة عليها؟ وما عذر تأخّرهم عن طاعته في حروبه ، وقد عُرفوا بين الصحابة وسمّوا المعتزلة لاعتزالهم بيعة عليّ (٢)؟

رأي الخليفة الثاني في الخلافة وأقواله فيها :

عن عبد الرحمن بن أبزي قال : قال عمر : هذا الأمر في أهل بدر ما بقي منهم أحد ، ثمّ في أهل أحد ما بقي منهم أحد ، وفي كذا وكذا ، وليس فيها لطليق ولا لولد طليق ولا لمسلمة الفتح شيء. طبقات ابن سعد (٣) (٣ / ٢٤٨). وفي كلمة له ذكرها ابن

__________________

(١) كأنّ بني هاشم كلّهم ، والأنصار بأجمعهم إلاّ رجلين ، والزبير وعمّار وسلمان ومقداداً وأبا ذر وآخرين كثيرين من المهاجرين والمتخلّفين عن بيعه أبي بكر المنكرين إيّاها كما فصّل في محلّه لم يكونوا من الصحابة عند القرطبي ، وإلاّ فلا يجوز للمفسّر أن يكذب وهو يعلم أنّ التاريخ الصحيح سيكشف الستر عن دَجَله. (المؤلف)

(٢) المستدرك للحاكم : ٣ / ١١٥ [ ٣ / ١٢٤ ح ٤٥٩٦ ] ، تاريخ الطبري : ٥ / ١٥٥ [ ٤ / ٤٣١ حوادث سنة ٣٥ ه‍ ] ، الكامل لابن الأثير : ٣ / ٨٠ [ ٢ / ٣٠٣ حوادث سنة ٣٥ ه‍ ] ، تاريخ أبي الفداء : ١ / ١١٥ ، ١٧١. (المؤلف)

(٣) الطبقات الكبرى : ٣ / ٣٤٢.

١٩٥

حجر في الإصابة (٢ / ٣٠٥) : إنّ هذا الأمر لا يصلح للطلقاء ولا لأبناء الطلقاء.

وقال : لو أدركني أحد رجلين فجعلت هذا الأمر إليه لوثقت به : سالم مولى أبي حذيفة ، وأبي عبيدة الجرّاح. ولو كان سالم حيّا ما جعلتها شورى (١).

وقال لمّا طُعن : إن ولّوها الأجلح سلك بهم الطريق الأجلح المستقيم ، يعني عليّا. فقال له ابن عمر : ما يمنعك أن تقدّم عليّا؟ قال : أكره أن أحملها حيّا وميّتاً.

الأنساب للبلاذري (٥ / ١٦) ، الاستيعاب لأبي عمر (٢) (٢ / ٤١٩).

وقال : لو ولّيتها عثمان لحمل آل أبي معيطٍ على رقاب الناس ، والله لو فعلت لفعل ، ولو فعل لأوشكوا أن يسيروا إليه حتى يجزّوا رأسه. فقالوا : عليّ؟ قال : رجل قُعدد (٣) ، قالوا : طلحة؟ قال : ذاك رجل فيه بأو (٤) ، قالوا : الزبير؟ قال : ليس هناك ، قالوا : سعد؟ قال : صاحب فرس وقوس ، فقالوا : عبد الرحمن بن عوف؟ قال : ذاك فيه إمساك شديد ، ولا يصلح لهذا الأمر إلاّ معط في غير سرف ، وممسك في غير تقتير.

أخرجه القاضي أبو يوسف الأنصاري المتوفّى (١٨٢) في كتابه الآثار (٥) نقلاً

__________________

(١) طبقات ابن سعد : ٣ / ٢٤٨ [ ٣ / ٣٤٣ ] ، التمهيد للباقلاّني : ص ٢٠٤ ، الاستيعاب لأبي عمر : ٢ / ٥٦١ [ القسم الثاني / ٥٦٨ رقم ٨٨١ ] ، طرح التثريب : ١ / ٤٩ ، أُسد الغابة : ٢ / ٢٤٦ [ ٢ / ٣٠٨ رقم ١٨٩٢ ]. (المؤلف)

(٢) الاستيعاب : القسم الثالث / ١١٥٤ رقم ١٨٧٨.

(٣) القعدد : الجبان الخامل. كأنّ الخليفة نسي سوابق مولانا أمير المؤمنين في المغازي والحروب وعزمه الماضي وبسالته المشهودة إلى غيرها من صفاته الكمالية ، وتغافل عن أنّ الذي أقعده عن مناجزته بعد وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو خوف الردّة من الناس بوقوع الفتنة لا حذار بارقة عمر وراعدته وشجاعته التي هو سلام الله عليه جدّ عليم بكمّها وكيفها ، نعم ؛ الجوّ الخالي يبعث الإنسان على أن يقول هكذا. (المؤلف)

(٤) البأو : الكبر والتعظيم فيه. (المؤلف)

(٥) الآثار : ص ٢١٧ ح ٩٦٠.

١٩٦

عن شيخه إمام الحنفيّة أبي حنيفة.

هذه الكلمات وما يتلوها سلسلة بلاء تشذّ عن الحقّ والمنطق غير أنّا نمرّ بها كراماً.

وعن ابن عبّاس قال : قال عمر : لا أدري ما أصنع بأمّة محمد؟ وذلك قبل أن يُطعن ، فقلت : ولِمَ تهتمّ وأنت تجد من تستخلفه عليهم؟ قال : أصاحبكم؟ يعني عليّا ، قلت : نعم ، هو أهل لها في قرابته برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصهره وسابقته وبلائه. فقال عمر : إنّ فيه بطالة وفكاهة. قلت : فأين أنت عن طلحة؟ قال : أين الزهو والنخوة؟ قلت : عبد الرحمن بن عوف؟ قال : هو رجل صالح على ضعف. قلت : فسعد؟ قال : ذاك صاحب مقنب وقتال ، لا يقوم بقرية لو حمّل أمرها. قلت : فالزبير؟ قال : لقيس مؤمن الرضى كافر الغضب شحيح. إنّ هذا الأمر لا يصلح إلاّ لقويّ في غير عنف ، رفيق في غير ضعف ، جواد في غير سرف. قلت : فأين عن عثمان؟ قال : لو وليها لحمل بني أبي معيط على رقاب الناس ، ولو فعلها لقتلوه.

ذكره البلاذري في الأنساب (٥ / ١٦) ، وفي لفظ آخر له (ص ١٧) : قيل : طلحة؟ قال : أنفه في السماء واسته في الماء.

نظرة في الخلافة التي جاء بها القوم :

قال الأميني : هذا ما جاء به القوم من الخلافة الإسلاميّة والإمامة العامّة ، فهي عندهم ليست إلاّ رئاسة عامّة لتدبير الجيوش ، وسدّ الثغور ، وردع الظالم ، والأخذ للمظلوم ، وإقامة الحدود ، وقسم الفيء بين المسلمين ، والدفع بهم في حجّهم وغزوهم ، ولا يشترط فيها نبوغ في العلم زائداً على علم الرعيّة ، بل هو والأمّة في علم الشريعة سيّان ، ويكفي له من العلم ما يكون عند القضاة ، وهؤلاء القضاة بين يديك وأنت جدّ عليم بعلمهم ويسعك إمعان النظر فيه من كثب ، ولا ينخلع الإمام بفسقه وظلمه

١٩٧

وجوره وفجوره ، ويجب على الأمّة طاعته على كلّ حال برّا كان أو فاجراً ، ولا يسوغ لأحد مخالفته ولا القيام عليه والتنازع في أمره.

فعلى هذا الأساس كان يزحزح خلفاء الانتخاب الدستوري في القضاء والإفتاء عن حكم الكتاب والسنّة ولم يكن هناك أيّ وازع ، ولم يكن يوجد قطّ أحد يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ؛ خوفاً ممّا افتعلته يد السياسة ؛ وجعلت به على الأفواه أوكية (١).

من حديث عرفجة مرفوعاً : ستكون هنات وهنات ؛ فمن أراد أن يفرّق أمر هذه الأمّة وهي جميع فاضربوه بالسيف كائناً من كان (٢).

ورواية عبد الله مرفوعاً : ستكون بعدي أثرة وأمور تنكرونها. قالوا : يا رسول الله كيف تأمر من أدرك منّا ذلك؟ قال : تؤدّون الحقّ الذي عليكم ، وتسألون الله الذي لكم. صحيح مسلم (٣) (٢ / ١١٨)

وعلى هذا الأساس تمكّن معاوية بن أبي سفيان من أن يجلس بالكوفة للبيعة ويبايعه الناس على البراءة من عليّ بن أبي طالب. البيان والتبيين (٤) (٢ / ٨٥).

وعلى هذا الأساس أقرّ عبد الله بن عمر بيعة يزيد الخمور ، قال نافع : لمّا خلع أهل المدينة يزيد بن معاوية جمع ابن عمر حشمه ومواليه. وفي رواية سليمان : حشمه وولده وقال : إنّي سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «ينصب لكلّ غادر لواء يوم القيامة». زاد الزهراني : قال : وإنّا قد بايعنا هذا الرجل على بيعة الله ورسوله ، وإنّي لا أعلم غدراً أعظم من أن تبايع رجلاً على بيعة الله ورسوله ثمّ تنصب له القتال ، وإنّي لا أعلم أحداً منكم خلع ولا بايع في هذا الأمر إلاّ كانت الفيصل فيما بيني وبينه.

__________________

(١) جمع وكاء ، وهو ما يشدّ به الكيس وغيره.

(٢) صحيح مسلم : ٢ / ١٢١ [ ٤ / ١٢٧ ح ٥٩ ] ، سنن أبي داود : ٢ / ٢٨٣ [ ٤ / ٢٤٢ ح ٤٧٦٢ ]. (المؤلف)

(٣) صحيح مسلم : ٤ / ١٢٠ ح ٤٥ كتاب الإمارة.

(٤) البيان والتبيين : ٢ / ٧٢.

١٩٨

وفي لفظ : إنّ عبد الله بن عمر جمع أهل بيته حين انتزى أهل المدينة مع عبد الله ابن الزبير ، وخلعوا يزيد بن معاوية ، فقال : إنّا بايعنا هذا الرجل على بيعة الله ورسوله ، وإنّي سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : إنّ الغادر ينصب له لواء يوم القيامة فيقال : هذه غدرة فلان ، وإنّ من أعظم الغدر بعد الإشراك بالله أن يبايع رجل رجلاً على بيع الله ورسوله ، ثمّ ينكث بيعته ، ولا يخلعن أحد منكم يزيد ، ولا يشرفن أحد منكم في هذا الأمر فيكون صيلماً بيني وبينه (١).

وعلى هذا الأساس جاء عن حميد بن عبد الرحمن أنّه قال : دخلت على يُسَير الأنصاري الصحابيّ حين استخلف يزيد بن معاوية فقال : إنّهم يقولون : إنّ يزيد ليس بخير أمّة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنا أقول ذلك ، ولكن لَأن يجمع الله أمر أمّة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحبّ إليّ من أن يفترق ، قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا يأتيك في الجماعة إلاّ خير (٢).

وعلى هذا الأساس تكلّمت عائشة فيما رواه الأسود بن يزيد قال : قلت لعائشة : ألا تعجبين من رجل من الطلقاء ينازع أصحاب محمد في الخلافة؟ قالت : وما تعجب من ذلك؟ هو سلطان الله يؤتيه البرّ والفاجر ، وقد ملك فرعون أهل مصر أربعمائة سنة (٣).

وعلى هذا الأساس يوجّه قول مروان بن الحكم ، قال : ما كان أحد أدفع عن عثمان من عليّ ، فقيل له : ما لكم تسبّونه على المنابر؟ قال : إنّه لا يستقيم لنا الأمر إلاّ بذلك (٤)

__________________

(١) صحيح البخاري : ١ / ١٦٦ [ ٦ / ٢٦٠٣ ح ٦٦٩٤ ] ، سنن البيهقي : ٨ / ١٥٩ ، ١٦٠ ، مسند أحمد : ٢ / ٩٦ [ ٢ / ٢٢٨ ح ٥٦٧٦ ]. (المؤلف)

(٢) الاستيعاب : ٢ / ٦٣٥ [ القسم الرابع / ١٥٨٤ رقم ٢٨١٢ ] ، أُسد الغابة : ٥ / ١٢٦ [ ٥ / ٥٢٠ رقم ٥٦٣٣ ]. (المؤلف)

(٣) أخرجه ابن أبي حاتم كما في الدرّ المنثور : ٦ / ١٩ [ ٧ / ٣٨٣ ]. (المؤلف)

(٤) الصواعق المحرقة : ص ٣٣ [ ص ٥٥ ]. (المؤلف)

١٩٩

وعلى هذا الأساس صحّ قتل معاوية عبد الرحمن بن خالد لمّا أراد البيعة ليزيد ، أنّه خطب أهل الشام وقال لهم : يا أهل الشام إنّه قد كبرت سنّي ، وقرب أجلي ، وقد أردت أن أعقد لرجل يكون نظاماً لكم ، إنّما أنا رجل منكم فروا رأيكم ؛ فأصقعوا واجتمعوا وقالوا : رضينا عبد الرحمن بن خالد (١) فشقّ ذلك على معاوية وأسرّها في نفسه ، ثمّ إنّ عبد الرحمن مرض فأمر معاوية طبيباً عنده يهوديّا وكان عنده مكيناً أن يأتيه فيسقيه سقية يقتله بها ، فأتاه فسقاه فانخرق بطنه فمات ، ثمّ دخل أخوه المهاجر ابن خالد دمشق مستخفياً هو وغلام له فرصدا ذلك اليهودي فخرج ليلاً من عند معاوية فهجم عليه ومعه قوم هربوا عنه ، فقتله المهاجر.

ذكره أبو عمر في الاستيعاب (٢) (٢ / ٤٠٨) فقال : وقصّته هذه مشهورة عند أهل السير والعلم بالآثار والأخبار اختصرناها. ذكرها عمر بن شبّه في أخبار المدينة ، وذكرها غيره ، وذكرها ابن الأثير في أُسد الغابة (٣) (٣ / ٢٨٩).

وعلى هذا الأساس يتمّ اعتذار شمر بن ذي الجوشن قاتل الإمام السبط في ما رواه أبو إسحاق ، قال : كان شمر بن ذي الجوشن يصلّي معنا ثمّ يقول : اللهم إنّك شريف تحبّ الشرف ، وإنّك تعلم أنّي شريف فاغفر لي. قلت : كيف يغفر الله لك وقد أعنت على قتل ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟ قال : ويحك فكيف نصنع؟ إنّ أُمراءنا هؤلاء أمرونا بأمر فلم نخالفهم ، ولو خالفناهم كنّا شرّا من هذه الحمر الشقاة (٤) (٥).

__________________

(١) صحابي من فرسان قريش له هدي حسن وفضل وكرم إلاّ أنّه كان منحرفاً عن عليّ وبني هاشم. أُسد الغابة : ٣ / ٢٨٩ [ ٣ / ٤٤٠ رقم ٣٢٨٧ ]. (المؤلف)

(٢) الاستيعاب : القسم الثاني / ٨٢٩ رقم ١٤٠٢.

(٣) أُسد الغابة : ٣ / ٤٤٠ رقم ٣٢٨٧.

(٤) تاريخ ابن عساكر : ٦ / ٣٣٨ [ ٢٣ / ١٨٩ رقم ٢٧٦٢ ، وفي مختصر تاريخ دمشق : ١٠ / ٣٣٢ ] ، ميزان الاعتدال للذهبي : ١ / ٤٤٩ [ ٢ / ٢٨٠ رقم ٣٧٤٢ ]. (المؤلف)

(٥) في المصادر الثلاثة المتقدمة : السقاة.

٢٠٠