الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٧

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي

الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٧

المؤلف:

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي


المحقق: مركز الغدير للدّراسات الإسلاميّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
المطبعة: فروردين
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٥٧

أو بقوله : إنّي ولّيت عليكم ولست بخيركم ، فإن رأيتموني على الحقّ فأعينوني وإن رأيتموني على الباطل فسدّدوني (١).

وفي لفظ ابن الجوزي في صفة الصفوة (٢) (١ / ٩٨) : قد وُلّيت أمركم ولست بخيركم ، فإن أحسنت فأعينوني ، وإن زغت فقوّموني.

وهل الخليفة حريّ بأن ترعاه أمّته ورعيّته فتعينه وتسدّده وتقوّمه عند الخطأ والزيغ؟ وكيف لا يؤاخذ الخليفة بالسنّة وهو وارث علم النبيّ وحامل سنّته؟ وقد أكمل الله دينه وأوحى إلى نبيّه ما تحتاج إليه أمّته ، وبلّغ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كلّ ما جاء حتى حقّ له أن ينهى عن الرأي والقياس في دين الله ، أو يقول : «ما تركت شيئاً ممّا أمركم الله به إلاّ وقد أمرتكم به ، ولا تركت شيئاً ممّا نهاكم عنه إلاّ وقد نهيتكم عنه» (٣).

وقد فتح الخليفة لقصر باعه في علوم الكتاب والسنّة باب القول بالرأي بمصراعيه بعد ما سدّه النبيّ الأعظم على أمّته ، ولم تكن عند الخليفة مندوحة سواه ، قال ابن سعد في الطبقات (٤) ، وأبو عمر في كتاب العلم (٥) (٢ / ٥١) ، وابن القيّم في أعلام

__________________

(١) طبقات ابن سعد : ٣ / ١٣٩ [ ٣ / ١٨٣ ] ، المجتنى لابن دريد : ص ٢٧ [ ص ١٥ ] ، عيون الأخبار لابن قتيبة : ٢ / ٢٣٤ [ مج ١ / ج ٥ / ٢٣٤ ] ، تاريخ الطبري : ٣ / ٢٠٣ [ ٣ / ٢١٠ حوادث سنة ١١ ه‍ ] ، سيرة ابن هشام : ٤ / ٣٤٠ [ ٤ / ٣١١ ] ، تهذيب الكامل : ١ / ٦ ، العقد الفريد : ٢ / ١٥٨ [ ٣ / ٢٣٨ ] ، إعجاز القرآن : ص ١١٥ [ للباقلاّني : ص ٢٠٩ ] ، الرياض النضرة : ١ / ١٦٧ ، ١٧٧ [ ٢ / ٢٠٧ ، ٢١٨ ـ ٢١٩ ] ، تاريخ ابن كثير : ٥ / ٢٤٧ [ ٥ / ٢٦٩ حوادث سنة ١١ ه‍ ] وصحّحه ، شرح ابن أبي الحديد : ١ / ١٣٤ [ ٢ / ٥٦ خطبة ٢٦ ] ، تاريخ الخلفاء للسيوطي : ص ٤٧ ، ٤٨ [ ص ٦٦ و ٦٧ ] ، السيرة الحلبيّة : ٣ / ٣٨٨ [ ٣ ص ٣٥٩ ]. (المؤلف)

(٢) صفة الصفوة : ١ / ٢٦٠ رقم ٢.

(٣) كتاب العلم لأبي عمر [ ص ٤٢٨ ح ٢٠٦٧ ] ، وفي مختصره : ص ٢٢٢ [ ص ٣٨٤ ح ٢٤٩ ]. (المؤلف)

(٤) الطبقات الكبرى : ٣ / ١٧٨.

(٥) جامع بيان العلم : ص ٢٧٠ ح ١٣٩٨.

١٦١

الموقّعين (١) (ص ١٩) : إنّ أبا بكر نزلت به قضيّة فلم يجد في كتاب الله منها أصلاً ، ولا في السنّة أثراً ، فاجتهد رأيه ثمّ قال : هذا رأيي فإن يكن صواباً فمن الله ، وإن يكن خطأً فمنّي وأستغفر الله. وذكره السيوطي في تاريخ الخلفاء عن ابن سعد (٢) (ص ٧١).

وقال ميمون بن مهران : كان أبو بكر إذا ورد عليه الخصم فإن وجد في الكتاب أو علم من رسول الله ما يقضي بينهم قضى به ، فإن أعياه خرج فسأل المسلمين وقال : أتاني كذا وكذا فهل علمتم أنّ رسول الله قضى في ذلك بقضاء؟ فربما اجتمع إليه النفر كلّهم يذكر من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيه قضاءً ، فيقول أبو بكر : الحمد لله الذي جعل فينا من يحفظ على نبيّنا ، فإن أعياه أن يجد فيه سنّة من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جمع رءوس الناس وخيارهم فاستشارهم فإذا اجتمع رأيهم على أمر قضى به (٣).

هكذا كان شأن الخليفة في القضاء ، وهذا مبلغ علمه ، وهذه سيرته في العمل بالرأي المجرّد وقد قال عمر بن الخطّاب : أصبح أهل الرأي أعداء السنن أعيتهم الأحاديث أن يعوها ، وتفلّتت منهم أن يرووها ، فاشتقّوا الرأي ، أيّها الناس إنّ الرأي إنما كان من رسول الله مصيباً ؛ لأنّ الله كان يريه ، وإنّما هو منّا الظنّ والتكلّف (٤).

ثمّ ما المسوّغ لمن سدّ فراغ النبيّ وأشغل منصّته أن يسأل الناس عن السنّة الشريفة ، ويأخذها ممّن هو خليفة عليه؟ ولما ذا خالف سيرته هذه لمّا سُئل عن الأبّ

__________________

(١) أعلام الموقّعين : ١ / ٥٤.

(٢) تاريخ الخلفاء : : ص ٩٨.

(٣) سنن الدارمي : ١ / ٥٨ ، وأخرجه البغوي كما في الصواعق : ص ١٠ [ ص ١٨ ]. (المؤلف)

(٤) كتاب العلم لأبي عمر : ٢ / ١٣٤ [ ص ٣٥١ ح ١٧٠٠ و ٣٦٣ ح ١٧٥٩ ] ، وفي مختصره : ص ١٨٥ [ ص ٣٢١ ح ٢٣١ ] ، أعلام الموقّعين : ص ١٩ [ ١ / ٥٤ ]. (المؤلف)

١٦٢

والكلالة وترك سؤال الصحابة واستشارتهم فأفتى برأيه ما أفتى ، وقال بحريّته ما قال.

وفيما اتّفق لأبي بكر من القضايا غير ما مرّ مع قلّته غنية وكفاية في عرفان مبلغ علمه ، وإليك منها :

ـ ١ ـ

رأي الخليفة في الجدّة

عن قبيصة بن ذؤيب قال : جاءت الجدّة إلى أبي بكر الصدّيق رضى الله عنه تسأله عن ميراثها ، فقال لها أبو بكر : مالك في كتاب الله شيء ، وما علمت لك في سنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شيئاً فارجعي حتى أسأل الناس. فقال المغيرة بن شعبة : حضرت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعطاها السدس. فقال أبو بكر : هل معك غيرك؟ فقام محمد بن مسلمة الأنصاري فقال مثل ما قال المغيرة. فأنفذه لها أبو بكر رضى الله عنه. الحديث (١).

فانظر إلى ما عزب عنه علم الخليفة في مسألة تكثر بها البلوى ويطّرد الحكم فيها ، حتى اضطرّته الحاجة إلى الركون إلى رواية مثل المغيرة أزنى ثقيف وأكذب الأمّة (٢) ، وكان من تغييره للسنّة ولعبه بها أنّه صلّى صلاة العيد يوم عرفة مخافة أن يعزل سنة أربعين (٣) ، وكان ينال من أمير المؤمنين عليه‌السلام كلّما رقى صهوة المنبر (٤).

__________________

(١) موطّأ مالك : ١ / ٣٣٥ [ ٢ / ٥١٣ ح ٤ ] ، سنن الدارمي : ٢ / ٣٥٩ ، سنن أبي داود : ٢ / ١٧ [ ٣ / ١٢١ ح ٢٨٩٤ ] ، سنن ابن ماجة : ٣ / ١٦٣ [ ٢ / ٩٠٩ ح ٢٧٢٤ ] ، مسند أحمد : ٤ / ٢٢٤ [ ٥ / ٢٦٥ ح ١٧٥١٩ ] ، سنن البيهقي : ٦ / ٢٣٤ ، بداية المجتهد : ٢ / ٣٤٧ ، مصابيح السنّة : ٢ / ٢٢ [ ٢ / ٣٩١ ح ٢٢٧٣ ]. (المؤلف)

(٢) راجع الجزء السادس من كتابنا هذا : ص ١٤١. (المؤلف)

(٣) الأغاني : ١٤ / ١٤٢ [ ١٦ / ٩٦ ]. (المؤلف)

(٤) مرّ في الجزء السادس : ص ١٤٣ ، ١٤٤. (المؤلف)

١٦٣

ـ ٢ ـ

رأي الخليفة في الجدّتين

عن القاسم بن محمد أنّه قال : أتت الجدّتان إلى أبي بكر الصدّيق رضى الله عنه فأراد أن يجعل السدس للتي من قبل الأُمّ ، فقال له رجلٌ من الأنصار : أما إنّك تترك التي لو ماتت وهو حيّ كان إيّاها يرث ، فجعل أبو بكر السدس بينهما.

لفظ آخر :

إنّ جدّتين أتتا أبا بكر الصدّيق رضى الله عنه أُمّ الأُمّ وأُمّ الأب ، فأعطى الميراث أُمّ الأُمّ دون أُمّ الأب ، فقال له عبد الرحمن بن سهيل ـ سهل ـ أخو بني حارثة : يا خليفة رسول الله لقد أعطيت التي لو أنّها ماتت لم يرثها. فجعله أبو بكر بينهما يعني ، السدس.

راجع (١) موطّأ مالك (١ / ٣٣٥) ، سنن البيهقي (٦ / ٢٣٥) ، بداية المجتهد (٢ / ٣٤٤) ، الاستيعاب (٢ / ٤٠٠) ، الإصابة (٢ / ٤٠٢) وقال : رجاله ثقات ، كنز العمّال (٦ / ٦) نقلاً عن مالك ، وسعيد بن منصور ، وعبد الرزّاق ، والدارقطني ، والبيهقي.

قال الأميني : أوَلا تعجب من جهل الرجل بحكم إرث الجدّتين ، وسرعة انقلابه عمّا ارتآه أوّلاً بنقد رجل من الأنصار أو أخي بني حارثة؟ وكان ذلك النقد يستدعي حرمان الجدّة من قبل الأمّ لكنّه شركهما في الميراث واتّخذته الفقهاء مصدراً لحكمهم ، وأصل الحكم مأخوذ من رواية المغيرة المخصوصة بالجدّة الواحدة فانظر واعتبر.

__________________

(١) موطّأ مالك : ٢ / ٥١٣ ح ٥ ، بداية المجتهد : ٢ / ٣٤٨ ، الاستيعاب : ٢ / ٨٣٦ رقم ١٤٢٤ ، كنز العمّال : ١١ / ٢٢ ح ٣٠٤٦٦ ، سنن سعيد بن منصور : ١ / ٥٥ ح ٨١ ، ٨٢ ، المصنّف لعبد الرزاق : ١٠ / ٢٧٥ رقم ١٩٠٨٤ ، سنن الدارقطني : ٤ / ٩٠ ـ ٩١ ح ٧٢ و ٧٣.

١٦٤

وأمّا رأي الرجل الأنصاري في الجدّة الذي زحزح الخليفة عن حكمه فلم يكن أخذاً بالكتاب والسنّة بل كان مخالفاً لهما وفقاً لقول الشاعر :

بنونا بنو أبنائنا وبناتُنا

بنوهنّ أبناء الرجال الأباعدِ

فخصّ القوم به قول الله تعالى : (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) (١) لعقب الأبناء دون من عقبته البنات ، وذهبوا إلى عدم شمول أحكام الأولاد في الفروض وغيرها على وليد بنت الرجل محتجّين بقول الشاعر.

قال ابن كثير في تفسيره (٢ / ١٥٥) : قالوا : إذا أعطى الرجل بنيه أو وقف عليهم فإنّه يختص بذلك بنوه لصلبه وبنو بنيه واحتجّوا بقول الشاعر :

بنونا بنو أبنائنا وبناتُنا

بنوهنّ أبناء الرجال الأباعدِ

وقال البغدادي في خزانة الأدب (٢) (١ / ٣٠٠) : هذا البيت لا يُعرف قائله مع شهرته في كتب النحاة وغيرهم. قال العيني : هذا البيت استشهد به النحاة على جواز تقديم الخبر ، والفرضيّون على دخول أبناء الأبناء في الميراث ، وأنّ الانتساب إلى الآباء ، والفقهاء كذلك في الوصيّة ، وأهل المعاني والبيان في التشبيه ، ولم أرَ أحداً منهم عزاه إلى قائله.

وقال : رأيت في شرح الكرماني في شواهد شرح الكافية للخبيصي (٣) أنّه قال : هذا البيت قائله أبو فراس همام الفرزدق بن غالب (٤) ثمّ ترجمه والله أعلم بحقيقة الحال. انتهى.

__________________

(١) النساء : ١١.

(٢) خزانة الأدب : ١ / ٤٤٥.

(٣) شمس الدين أبو بكر الخبيصي أسمى شرحه بالمرشح. (المؤلف)

(٤) نسبه صاحب جامع الشواهد إلى عمر في صفحة : ٩١ [ ١ / ٣١٧ ] فقال : هو من أبيات لعمر بن الخطّاب. وهذا أقرب إلى ما يشاهد فيه من الإلمام بالسياسة. (المؤلف)

١٦٥

سبحانك اللهمّ ما أجرأهم على هذا الرأي ـ السياسي ـ في دين الله لإخراج آل الله عن بنوّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم! ما قيمة قول الشاعر تجاه قول الله تعالى (فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ) (١) فهو نصّ صريح على أنّ الحسنين السبطين ابني النبيّ الأقدس.

وقد سمّى الله سبحانه أسباط نوح ذريّة له ، وليست الذريّة إلاّ ولد الرجل كما في القاموس (٢) (٢ / ٣٤) فقال سبحانه : (وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ) ـ إلى قوله ـ : (وَيَحْيى وَعِيسى) (٣) فعدّ عيسى من ذريّة نوح وهو ابن بنته مريم.

قال الرازي في تفسيره (٤) ، (٢ / ٤٨٨) : هذه الآية ـ يعني آية قل تعالوا ـ دالّة على أن الحسن والحسين عليهما‌السلام كانا ابني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعد أن يدعو أبناءه ، فدعا الحسن والحسين ، فوجب أن يكونا ابنيه ، وممّا يؤكّد هذه قوله تعالى في سورة الأنعام : (وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ) إلى قوله : (وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى) ، ومعلوم أنّ عيسى عليه‌السلام إنّما انتسب إلى إبراهيم عليه‌السلام بالأمّ لا الأب ، فثبت أنّ ابن البنت قد يُسمّى ابناً والله أعلم.

وقال القرطبي في تفسيره (٥) (٤ / ١٠٤) : فيها ـ يعني آية تعالوا ـ دليل على أنّ أبناء البنات يسمّون أبناءً. وقال (٦) (٧ / ٣١) : عُدّ عيسى من ذريّة إبراهيم وإنّما هو ابن البنت ، فأولاد فاطمة ذريّة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وبهذا تمسّك من رأى أنّ ولد البنات يدخلون في اسم الولد. قال أبو حنيفة والشافعي : من وقف وقفاً على ولده وولد ولده

__________________

(١) آل عمران : ٦١.

(٢) القاموس المحيط : ص ٥٠٧.

(٣) الأنعام : ٨٤ و ٨٥.

(٤) التفسير الكبير : ٨ / ٨١.

(٥) الجامع لأحكام القرآن : ٤ / ٦٧.

(٦) الجامع لأحكام القرآن : ٧ / ٢٢ ـ ٢٣.

١٦٦

أنّه يدخل فيه ولد ولده ، وولد بناته ما تناسلوا. وكذلك إذا أوصى لقرابته يدخل فيه ولد البنت ، والقرابة عند أبي حنيفة كلّ ذي رحم مَحْرَم. إلى أن قال :

وقال مالك : لا يدخل في ذلك ولد البنات ، وقد تقدّم نحو هذا عن الشافعي (١) (٤ / ١٠٤) ، والحجّة لهما قوله سبحانه : (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ) فلم يعقل المسلمون (٢) من ظاهر الآية إلاّ ولد الصلب وولد الابن خاصّة. إلى أن قال : وقال ابن القصّار : وحجّة من أدخل البنات في الأقارب قوله عليه‌السلام للحسن بن عليّ : «إنّ ابني هذا سيّد». ولا نعلم أحداً يمتنع أن يقول في ولد البنات لأنّهم ولد لأبي أُمّهم. والمعنى يقتضي ذلك ؛ لأنّ الولد مشتقّ من التولّد وهم متولّدون عن أبي أمّهم لا محالة ، والتولّد من جهة الأمّ كالتولّد من جهة الأب ، وقد دلّ القرآن على ذلك ، قال الله تعالى : (وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ) إلى قوله : (مِنَ الصَّالِحِينَ) فجعل عيسى من ذريّته وهو ابن بنته. انتهى.

وأخرج ابن أبي حاتم ؛ بإسناده عن أبي حرب بن الأسود قال : أرسل الحجّاج إلى يحيى بن يعمر فقال : بلغني أنّك تزعم أنّ الحسن والحسين من ذريّة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. تجده في كتاب الله؟ وقد قرأته من أوّله إلى آخره فلم أجده. قال : أليس تقرأ سورة الأنعام : (وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ) حتى بلغ : (وَيَحْيى وَعِيسى)؟ قال بلى. قال : أليس عيسى من ذرّية إبراهيم وليس له أب؟ قال : صدقت.

فلهذا إذا أوصى الرجل لذريّته أو وقف على ذريّته أو وهبهم دخل أولاد البنات فيهم. إلخ. تفسير ابن كثير (٢ / ١٥٥).

فبعد كون ذريّة الرجل ولده على الإطلاق ودخل فيهم أولاد البنات لا ينبغي

__________________

(١) أنظر الجامع لأحكام القرآن : ٤ / ٦٧.

(٢) هذه فرية على المسلمين وحاشاهم أن يعقلوا من الآية خلاف ظاهرها من دون أي دليل صارف. (المؤلف)

١٦٧

التفكيك في الأحكام عندئذٍ بين الذريّة والأولاد ، ولا يسع لأيّ أحد أن يرى أبناء البنات أبناء الرجال الأباعد خارجين عن ولد الرجل على الحقيقة ، ويصحّ له مع ذلك عدُّهم من ذريّته ، وليست إلاّ ولد الرجل.

ويشهد على لغة القرآن المجيد ، وأنّ ولد البنت ابن أبيها على الحقيقة ، قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

١ ـ «أخبرني جبريل : أنّ ابني هذا ـ يعني الحسين ـ يُقتل. وفي لفظ : إنّ أمّتي ستقتل ابني هذا» (١).

طبقات ابن سعد ، مستدرك الحاكم (٣ / ١٧٧) ، أعلام النبوّة للماوردي (ص ٨٣) ، ذخائر العقبى (ص ١٤٨) ، الصواعق (ص ١١٥).

٢ ـ وقوله : «ابني هذا يُقتل بأرض من العراق».

دلائل النبوّة لأبي نعيم (٢) (٣ / ٢٠٢) ، ذخائر العقبى (ص ١٤٦).

٣ ـ وقوله للحسن السبط : «ابني هذا سيّد».

المستدرك (٣ / ١٧٥) ، أعلام الماوردي (٣) (ص ٨٣) ، تفسير ابن كثير (٢ / ١٥٥).

٤ ـ وقوله لعلي : «أنت أخي وأبو ولدي».

ذخائر العقبى (ص ٦٦).

٥ ـ وقوله : «إنّ جبريل أخبرني أنّ الله قتل بدم يحيى بن زكريّا سبعين ألفاً وهو قاتل بدم ولدك الحسين سبعين ألفاً».

ذخائر العقبى (ص ١٥٠).

__________________

(١) ترجمة الإمام الحسين من طبقات ابن سعد غير المطبوع : ص ٤٤ ح ٢٦٨ ، المستدرك على الصحيحين : ٣ / ١٩٤ ح ٤٨١٨ ، أعلام النبوّة : ص ١٣٧ ، الصواعق المحرقة : ص ١٩٢.

(٢) دلائل النبوّة : ٢ / ٧١٠ ح ٤٩٣.

(٣) المستدرك على الصحيحين : ٣ / ١٩١ ح ٤٨٠٩ ، أعلام النبوّة ص ١٣٧.

١٦٨

٦ ـ وقوله : «المهدي من ولدي وجهه كالكوكب الدرّي».

ذخائر العقبى (ص ١٣٦).

٧ ـ «هذان ابناي من أحبّهما فقد أحبّني» (١) الحسن والحسين.

المستدرك (٣ / ١٦٦) ، تاريخ ابن عساكر (٤ / ٢٠٤) ، كنز العمّال (٦ / ٢٢١).

٨ ـ وقوله لفاطمة الصدّيقة : «ادعي لي ابنيَّ».

تاريخ ابن عساكر (٢) (٤ / ٣١٦).

٩ ـ وقوله لأنس : «ادع لي ابني».

تاريخ ابن كثير (٣) (٨ / ٢٠٥).

١٠ ـ وقوله : «ادعوا ابني» ، فأتى الحسن بن عليّ.

ذخائر العقبى (ص ١٢٢).

١١ ـ وقوله : «اللهم إنّ هذا ابني ـ الحسن ـ وأنا أحبّه فأحبّه وأحبّ من يحبّه»

تاريخ ابن عساكر (٤) (٤ / ٢٠٣).

١٢ ـ وقوله لعليّ : «أيّ شيء سمّيت ابني؟ قال : ما كنت لأسبقك بذلك ، فقال : وما أنا السابق ربّي فهبط جبريل فقال : يا محمد إنّ ربّك يقرئك السلام ويقول لك : عليّ منك بمنزلة هارون من موسى لكن لا نبيّ بعدك ، فسمّ ابنك هذا باسم ولد هارون».

ذخائر العقبى (ص ١٢٠).

__________________

(١) المستدرك على الصحيحين : ٣ / ١٨١ ح ٤٧٧٦ ، تاريخ مدينة دمشق : ١٣ / ١٩٩ رقم ١٣٨٣ ، وفي مختصر تاريخ دمشق : ٧ / ١٢ ، كنز العمّال : ١٢ / ١٢٠ ح ٣٤٢٨٦.

(٢) تاريخ مدينة دمشق : ١٤ / ١٥٣ رقم ١٥٦٦ ، وفي مختصر تاريخ دمشق : ٧ / ١٢٠.

(٣) البداية والنهاية : ٨ / ٢٢٣ حوادث سنة ٦١ ه‍.

(٤) تاريخ مدينة دمشق : ١٣ / ١٩٧ رقم ١٣٨٣ ، وفي مختصر تاريخ دمشق : ٧ / ١٠.

١٦٩

١٣ ـ وقوله : «أروني ابني ما سمّيتموه» (١). قاله لمّا ولد الحسن ، وفي ولادة الحسين ، وكذلك في ولادة محسن بن عليّ.

المستدرك (٣ / ١٨٠) ، كنز العمّال (٧ / ١٠٧ ، ١٠٨) عن الدارقطني ، وأحمد ، وابن أبي شيبة ، وابن جرير ، وابن حبّان ، والدولابي ، والبيهقي ، والحاكم والخطيب.

١٤ ـ وقوله : «اطلبوا ابنيَّ» لمّا ضلّ الحسن والحسين.

كنز العمّال (٢) (٧ / ١٠٨).

١٥ ـ وقوله : «إنّ ابنيَّ هذين ريحانتاي من الدنيا» (٣) ، يعني الحسنين.

الصواعق (ص ١١٤) ، كنز العمّال (٦ / ٢٢٠ ، ٧ / ١٠٩).

١٦ ـ وقوله : «ابني ارتحلني» (٤).

أخرجه أحمد. والبغوي. والطبراني. والحاكم. والبيهقي. وسعيد بن منصور. وابن عساكر في تاريخه (٤ / ٣١٧) ، وابن كثير في تاريخه (٨ / ٣٦) ، وراجع كنز العمّال (٦ / ٢٢٢ و ٧ / ١٠٩).

__________________

(١) المستدرك على الصحيحين : ٣ / ١٨٠ ح ٤٧٧٣ ، كنز العمّال : ١٣ / ٦٦٠ و ٦٦٤ ح ٣٧٦٧٦ و ٣٧٦٩٢ ، مسند أحمد : ١ / ١٩٠ ح ٩٥٦ ، الإحسان في تقريب صحيح ابن حبّان : ١٥ / ٤٠٩ ح ٦٩٥٨ ، الذريّة الطاهرة : ص ٩٩ ح ٩١ ، سنن البيهقي : ٦ / ١٦٦.

(٢) كنز العمّال : ١٣ / ٦٦٢ ح ٣٧٦٨٥.

(٣) الصواعق المحرقة : ص ١٩١ ، كنز العمّال : ١٢ / ١١٣ ح ٣٤٢٥٢ و ١٣ / ٦٦٧ ح ٣٧٦٩٩.

(٤) مسند أحمد : ٧ / ٦٢٢ ح ٢٧١٠٠ ، المعجم الكبير : ٧ / ٢٧٠ ح ٧١٠٧ ، المستدرك على الصحيحين : ٣ / ٧٢٦ ح ٦٦٣١ ، تاريخ مدينة دمشق : ١٤ / ١٦٠ رقم ١٥٦٦ ، وفي مختصر تاريخ دمشق : ٧ / ١٥ و ١٢١ ، البداية والنهاية : ٨ / ٤٠ حوادث سنة ٤٩ ه‍ ، كنز العمّال : ١٢ / ١٢٤ ح ٣٤٣٠٨ و ١٣ / ٦٦٨ ح ٣٧٧٠٣.

١٧٠

١٧ ـ وقوله : «هاتوا ابنيَّ أعوّذهما بما عوّذ به إبراهيم ابنيه».

تاريخ ابن عساكر (١) (٤ / ٢٠٩).

١٨ ـ وقوله لأنس : «ويحك يا أنس دع ابني وثمرة فؤادي ـ يعني الحسن».

كنز العمّال (٢) (٦ / ٢٢٢).

١٩ ـ وقوله : «ابناي هذان : الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة».

الصواعق لابن حجر (٣) (ص ١١٤).

٢٠ ـ وقوله في عليّ : «هذا أخي وابن عمّي وصهري وأبو ولدي».

كنز العمّال (٤) (٦ / ١٥٤).

٢١ ـ وقوله : «سمّيت ابنيَّ هذين باسم ابني هارون شبّر وشبير» (٥).

الصواعق (ص ١١٥) ، كنز العمّال (٦ / ٢٢٢).

٢٢ ـ وقوله : «لو لم يبقَ من الدنيا إلاّ يوم واحد لطوّل الله ذلك اليوم حتى يبعث رجلاً من ولدي اسمه كاسمي».

فقال سلمان : من أيّ ولدك يا رسول الله؟ قال : «من ولدي هذا ، وضرب بيده على الحسين».

ذخائر العقبى (ص ١٣٦).

__________________

(١) تاريخ مدينة دمشق : ١٣ / ٢٢٤ رقم ١٣٨٣ ، وفي مختصر تاريخ دمشق : ٧ / ١٨.

(٢) كنز العمّال : ١٢ / ١٢٥ ح ٣٤٣١٠.

(٣) الصواعق المحرقة : ص ١٩١.

(٤) كنز العمّال : ١١ / ٦٠٩ ح ٣٢٩٤٧.

(٥) الصواعق المحرقة : ص ١٩٢ ، كنز العمّال : ١٢ / ١١٨ ح ٣٤٢٧٥.

١٧١

٢٣ ـ وقول الحسن السبط سلام الله عليه في خطبة له : «أنا الحسن بن علي ، وأنا ابن النبيّ ، وأنا ابن البشير ، وأنا ابن النذير ، وأنا ابن الداعي إلى الله بإذنه والسراج المنير» (١).

المستدرك (٣ / ١٧٢) ، ذخائر العقبى (ص ١٣٨ ، ١٤٠) ، شرح ابن أبي الحديد (٤ / ١١) ، مجمع الزوائد (٩ / ١٤٦) ، إتحاف الشبراوي (ص ٥).

٢٤ ـ وقوله لأبي بكر وهو في منبر جدّه الأقدس : «إنزل عن مجلس أبي». فقال أبو بكر : صدقت إنّه مجلس أبيك. وفي لفظ : «إنزل عن منبر أبي». فقال أبو بكر : منبر أبيك لا منبر أبي (٢).

الرياض النضرة (١ / ١٣٩) ، شرح ابن أبي الحديد (٢ / ١٧) ، الصواعق (ص ١٠٨) ، تاريخ الخلفاء للسيوطي (ص ٥٤) ، كنز العمّال (٣ / ١٣٢).

٢٥ ـ وقوله في وصيّته : «ادفنوني عند أبي» ـ يعني المصطفى.

إتحاف الشبراوي (٣) (ص ١١).

٢٦ ـ وقول الحسين السبط عليه‌السلام لعمر : «إنزل عن منبر أبي». فقال عمر : منبر أبيك لا منبر أبي ، من أمرك بهذا؟

تاريخ ابن عساكر (٤) (٤ / ٣٢١).

__________________

(١) المستدرك على الصحيحين : ٣ / ١٨٨ ـ ١٨٩ ح ٤٨٠٢ ، شرح نهج البلاغة ١٦ / ٣٠ كتاب ٣١ ، الإتحاف بحب الأشراف : ص ١٨.

(٢) الرياض النضرة : ١ / ١٧٥ ، شرح نهج البلاغة : ٦ / ٤٢ خطبة ٦٦ ، الصواعق المحرقة : ص ١٧٧ ، تاريخ الخلفاء : ص ٧٥ ، كنز العمّال : ٥ / ٦١٦ ح ١٤٠٨٤ و ١٤٠٨٥.

(٣) الإتحاف بحب الأشراف : ص ٣٨.

(٤) تاريخ مدينة دمشق : ١٤ / ١٧٥ رقم ١٥٦٦ ، وفي مختصر تاريخ دمشق : ٧ / ١٢٧.

١٧٢

٢٧ ـ وقول ابن عبّاس : هذان ـ الحسن والحسين ـ ابنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

تاريخ ابن عساكر (١) (٤ / ٢١٢ ، ٣٢٢).

٢٨ ـ وقول زهير بن القين مخاطباً الحسين عليه‌السلام : قد سمعنا يا ابن رسول الله مقالتك. جمهرة خطب العرب (٢) (٢ / ٤٠).

٢٩ ـ وقول الإمام السبط الحسن الزكيّ كما في الإتحاف للشبراوي (٣) (ص ٤٩):

خيرةُ اللهِ من الخلقِ أبي

بعد جدّي وأنا ابن الخيرتين

فضّةٌ قد صُيغت من ذهب

فأنا الفضّة ابن الذهبين

٣٠ ـ وقوله كما في الإتحاف (٤) (ص ٥٧):

أنا ابن الذي قد تعلمون مكانَه

وليس على الحقّ المبينِ طحاءُ

أليس رسولُ اللهِ جدّي ووالدي

أنا البدرُ إن حلّ النجومَ خفاءُ

٣١ ـ وقول الفرزدق في مدح الإمام السجّاد عليّ بن الحسين عليهما‌السلام :

هذا ابنُ خيرِ عبادِ اللهِ كلِّهمُ

هذا التقيُّ النقيُّ الطاهرُ العلَمُ

٣٢ ـ وقول ابن بشر في زيد بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليهما‌السلام يمدحه :

إذا نزل ابنُ المصطفى بطنَ تلعةٍ

نفى جدبَها واخضرّ بالنبتِ عودُها

وزيدٌ ربيعُ الناس في كلّ شتوةٍ

إذا أخلفتْ أبراقُها ورعودُها

__________________

(١) تاريخ مدينة دمشق : ١٣ / ٢٣٩ رقم ١٣٨٣ و ١٤ / ١٧٩ رقم ١٥٦٦ ، وفي مختصر تاريخ دمشق : ٧ / ٢٢ و ١٢٨.

(٢) جمهرة خطب العرب : ٢ / ٤٨ رقم ٣٣.

(٣) الإتحاف بحب الأشراف : ص ١٣٦.

(٤) الإتحاف بحب الأشراف : ص ١٩٣.

١٧٣

٣٣ ـ وقول أبي عاصم بن حمزة الأسلمي يمدح الحسن بن زيد بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليهم‌السلام ، كما في زهر الآداب للحصري القيرواني (١) (١ / ٨٠):

ستأتي مدحتي الحسنَ بنَ زيدٍ

وتشهدُ لي بصفّينَ القبورُ

قبورٌ لم تزلْ مُذ غابَ عنها

أبو حسنٍ تعاديها الدهورُ

قبورٌ لو بأحمدَ أو عليٍ

يلوذُ مجيرُها حُمِي المجيرُ

هما أبواك من وضعا فضعه

وأنت برفعِ من رفعا جديرُ

٣٤ ـ وقول إبراهيم بن عليّ بن هرمة لمّا نصحه الحسن بن زيد المذكور كما في زهر الآداب (٢) (١ / ٨١):

نهاني ابنُ الرسولِ عن المدامِ

وأدّبني بآدابِ الكرامِ

٣٥ ـ وقول أبي تمام الطائي (٣) :

فعلتمْ بأبناءِ النبيِّ ورهطِهِ

أفاعيلَ أدناها الخيانةُ والغدرُ

٣٦ ـ وقول دعبل الخزاعي :

فكيف ومن أنّى بطالبِ زلفةٍ

إلى اللهِ بعد الصومِ والصلواتِ

سوى حبّ أبناءِ النبيِّ ورهطِه

وبغضِ بني الزرقاءِ والعبلاتِ

٣٧ ـ وقوله :

ألم يحزنْكَ أنَّ بني زيادٍ

أصابوا بالترات بني النبيِ (٤)

__________________

(١) زهر الآداب : ١ / ١٢٧.

(٢) زهر الآداب : ١ / ١٢٩.

(٣) راجع فيما يلي من الأبيات تراجم شعرائها في أجزاء كتابنا هذا. (المؤلف)

(٤) الترات : جمع ترة وهي الثأر.

١٧٤

٣٨ ـ وقول الحِمّاني :

قومٌ لماءِ المعالي في وجوههمُ

عند التكرّم تصويبٌ وتصعيدُ

يدعون أحمد إن عُدّ الفخارُ أباً

والعودُ يُنسَبُ في أفنائه العودُ

٣٩ ـ وقول التنوخي :

من ابن رسولِ اللهِ وابنِ وصيِّهِ

إلى مدخلٍ في عقبةِ الدينِ ناصبِ

٤٠ ـ وقول الزاهي :

بنو المصطفى تفنون بالسيف عنوةً

ويسلمني طيفُ الهجوعِ فأهجعُ

٤١ ـ وقول الناشئ :

بني أحمدٍ قلبي بكم يتقطّعُ

بمثل مصابي فيكمُ ليس يُسمعُ

٤٢ ـ وقول الصاحب بن عبّاد :

ما لعليّ العلى أشباهُ

لا والذي لا إله إلاّ هو

مبناه مبنى النبيّ تعرفُه

وابناهُ عند التفاخر ابناهُ

٤٣ ـ وقوله :

أيُجَزُّ رأسُ ابنِ النبيّ وفي الورى

حيٌّ أمام ركابِه لم يقتلِ

٤٤ ـ وقوله :

محمد ووصيّه وابنيهما

وبعابدٍ وبباقرين وكاظمِ

٤٥ ـ وقوله :

بمحمد ووصيِّه وابنيهما

الطاهرين وسيّد العبّادِ

١٧٥

٤٦ ـ وقول الصوري (١) :

فلهذا أبناء أحمد أبنا

ء عليٍّ طرائدُ الآفاقِ

٤٧ ـ وقول مهيار الديلمي (٢) :

بأيّ حكمٍ بنوهُ يتبعونكمُ

وفخركم أنَّكم صحبٌ له تَبعُ

٤٨ ـ وقوله (٣) :

فيومُ السقيفةِ يا ابن النبيّ

طرَّق يومك في كربلا

٤٩ ـ وقول ابن جابر :

جعلوا لأبناءِ الرسولِ علامةً

إنَّ العلامةَ شأنُ من لم يشهرِ

٥٠ ـ وقال الشبراوي (٤) :

يا ابن الرسول بأمّك الزهرا البتولِ

وجدّك المأمول عند الناسِ

وغدوت في الأشراف يا ابن المصطفى

كالعقل أو كالروح أو كالراسِ

فما المبرّر عندئذٍ للخليفة في صفحه عمّا في كتاب الله وسنّة نبيّه وتلقّيه بالقبول قول الأنصاريّ الشاذّ عن الكتاب والسنّة؟

وما عذر فقيه أو حافظ اتّخذ رأي الأنصاري ديناً محتجّا بقول شاعرٍ لم يُعرف بعدُ ، وبين يديه القرآن والحديث والأدب؟

__________________

(١) ديوان الصوري : ١ / ٣٠٩.

(٢) ديوان مهيار الديلمي : ٢ / ١٨٣.

(٣) ديوان مهيار الديلمي : ٣ / ٥٠.

(٤) الإتحاف بحب الأشراف : ص ١٠٧.

١٧٦

ـ ٣ ـ

رأي الخليفة في قطع السارق

عن صفيّة بنت أبي عبيد : أنَّ رجلاً سرق على عهد أبي بكر رضى الله عنه مقطوعة يده ورجله فأراد أبو بكر رضى الله عنه أن يقطع رجله ويدع يده يستطيب بها ويتطهّر بها ، وينتفع بها ، فقال عمر : لا والذي نفسي بيده لتقطعنّ يده الأخرى. فأمر به أبو بكر رضى الله عنه فقطعت يده. وعن القاسم بن محمد : أنّ أبا بكر رضى الله عنه أراد أن يقطع رجلاً بعد اليد والرجل ، فقال عمر رضى الله عنه : السنّة اليد (١).

إنّ من موارد الحيرة أنّ الخليفة لا يعلم حدّ السارق الذي هو من أهمّ ما تجب عليه معرفته لحفظ الأمن العامّ ، وتهدئة الحالة ، وقطع جرثومة الفساد ، ومن المحيّر أيضاً تسرّعه إلى الحكم قبل ما عزي إليه فيما مرّ (ص ١١٩) من الرجوع إلى الكتاب والسنّة ثم الاستعلام من الصحابة ثمّ المشورة.

ثمّ إنّ الذي سدّده في هذه القضيّة لِمَ نسي الحكم إبّان خلافته فأراد عين ما أراده صاحبه؟ راجع الجزء السادس (ص ١٣٦).

ـ ٤ ـ

رأي الخليفة في الجدّ

عن ابن عبّاس وعثمان وأبي سعيد وابن الزبير قالوا : إنّ أبا بكر جعل الجدّ أباً (٢) ، يعنون أنّه كان يحجب الأخوة بالجدّ ولم يشرك بينهما كما أنّ الأب يحجب الأخوة والأخوات.

__________________

(١) سنن البيهقي : ٨ / ٢٧٣ ـ ٢٧٤. (المؤلف)

(٢) صحيح البخاري باب ميراث الجدّ [ ٦ / ٢٤٧٧ ] ، سنن الدارمي : ٢ / ٣٥٢ ، أحكام القرآن للجصّاص : ١ / ٩٤ [ ١ / ٨٢ ] ، سنن البيهقي : ٦ / ٢٤٦ ، تاريخ الخلفاء للسيوطي : ص ٦٥ [ ص ٩٠ ]. (المؤلف)

١٧٧

قال الأميني : لم يكن رأي الخليفة هذا متّخذاً من الكتاب والسنّة ، ولم يكن يعمل به أحد من الصحابة طيلة حياته ، وما اتّفق لجدّ يرث في أيّامه حتى يؤيّد رأيه ويقال : إنّ أحداً من الصحابة لم يخالف أبا بكر في حياته في رأيه هذا كما قاله البخاري والقرطبي (١). وأوّل جدّ كان في الإسلام وأراد أن يأخذ المال كلّه مال ابن ابنه دون أخوته هو عمر بن الخطّاب ، فأتاه عليّ وزيد فقالا : ليس لك ذلك إنّما كنت كأحد الأخوين ، وقد فصّلنا القول فيه في الجزء السادس (ص ١١٥ ـ ١١٨). فأوّل رجل خالف الخليفة في الجدّ هو خليفته بعده ، وقد اتّفق عليّ وعمر وعثمان وعبد الله بن عمر وزيد بن ثابت وابن مسعود على خلاف الخليفة على توريث الأخوة مع الجدّ (٢) وهو قول مالك والأوزاعي وأبي يوسف ومحمد والشافعي وابن أبي ليلى (٣).

وافتعل القوم للخليفة عذراً بأنّه كان يرى الجدّ أباً لمكان قوله تعالى : (مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ) (٤) وقوله : (يا بَنِي آدَمَ) بتقرير إطلاق الأب على الجدّ على الحقيقة. ولا يخفى على أيّ أحد أنّ صحّة هذا الإطلاق لا توجب اتّحاد الأب والجدّ في جميع الأحكام ، ألا ترى أنّ صحّة إطلاق الأمّ على الجدّة على الحقيقة وقولهم في تعريف الجدّة : إنّها الأمّ العليا (٥) لا تستدعي الاشتراك في النصيب فيرون مع هذه للجدّة السدس بالاتّفاق. وفريضة الأمّ هي الثلث بالكتاب والسنّة.

على أنّ الصحابة الأوّلين لم يكن عندهم أيّ إيعاز إلى هذا العذر المنحوت ، ولو

__________________

(١) راجع صحيح البخاري باب ميراث الجدّ [ ٦ / ٢٤٧٨ ] ، وتفسير القرطبي : ٥ / ٦٨ [ ٥ / ٤٦ ]. (المؤلف)

(٢) صحيح البخاري باب ميراث الجدّ [ ٦ / ٢٤٧٨ ] ، سنن الدارمي : ٢ / ٣٥٤ ، بداية المجتهد : ٢ / ٣٤٠ [ ٢ / ٣٤٣ ]. (المؤلف)

(٣) أحكام القرآن للجصّاص : ١ / ٩٤ [ ١ / ٨٢ ] ، تفسير القرطبي : ٥ / ٦٨ [ ٥ / ٤٦ ]. (المؤلف)

(٤) الحج : ٧٨.

(٥) تفسير القرطبي : ٥ / ٦٨ [ ٥ / ٤٦ ]. (المؤلف)

١٧٨

كان لرأي الخليفة قيمة وكرامة لأباحه أحد منهم ، وفاهَ به عندما خالف عليّ وزيد عمر بن الخطّاب ونهياه عن إعمال هذا الرأي.

بل فيما رواه الدارمي عن الحسن من أنّ الجدّ قد مضت سنّته ، وأنّ أبا بكر جعل الجدّ أباً ، ولكن الناس تخيّروا (١). إيعاز إلى أنّ السنّة في الجدّ ماضية ثابتة وقد خالفها الخليفة ، وتخيّر الناس فخالفوه وعملوا بالسنّة الشريفة.

ـ ٥ ـ

رأي الخليفة في تولية المفضول

قال الحلبي في السيرة النبويّة (٢) (٣ / ٣٨٦) : إنّ أبا بكر رضى الله عنه كان يرى جواز تولية المفضول على من هو أفضل منه ، وهو الحقّ عند أهل السنّة لأنّه قد يكون أقدر من الأفضل على القيام بمصالح الدين ، وأعرف بتدبير الأمر ، وما فيه انتظام حال الرعيّة.

أجاب الحلبي بهذا عن تقديم أبي بكر عمر بن الخطّاب وأبا عبيدة الجرّاح على نفسه في الخلافة وقوله : بايعوا أيّ الرجلين إن شئتم.

وقال الباقلانيّ في التمهيد (ص ١٩٥) عند الجواب عن قول أبي بكر : وليتكم ولست بخيركم : يمكن أن يكون قد اعتقد أنّ في الأمّة أفضل منه إلاّ أنّ الكلمة عليه أجمع والأمّة بنظره أصلح ، لكي يدلّهم على جواز إمامة المفضول عند عارض يمنع من نصب الفاضل ، ولهذا قال للأنصار وغيرهم : قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين فبايعوا أحدهما : عمر بن الخطّاب وأبا عبيدة الجرّاح ، وهو يعلم أنّ أبا عبيدة دونه ودون عثمان وعليّ في الفضل ، غير أنّه قد رأى أنّ الكلمة تجتمع عليه ، وتنحسم الفتنة بنظره. وهذا أيضاً ممّا لا جواب لهم عنه.

__________________

(١) سنن الدارمي : ٢ / ٣٥٣. (المؤلف)

(٢) السيرة الحلبيّة : ٣ / ٣٥٨.

١٧٩

قال الأميني : الذي نرتئيه في الخلافة أنَّها إمرة إلهيّة كالنبوّة ، وإن كان الرسول خُصّ بالتشريع والوحي الإلهي ، وشأن الخليفة التبليغ والبيان ، وتفصيل المجمل ، وتفسير المعضل ، وتطبيق الكلمات بمصاديقها ، والقتال دون التأويل (١) كما يُقاتل النبيّ دون التنزيل ، وإظهار ما لم يتسنّ للنبيّ الإشادة به إمّا لتأخّر ظرفه ، أو لعدم تهيّؤ النفوس له ، أو لغير ذلك من العلل ، فكلّ منهما داخل في اللطف الإلهيّ الواجب عليه بمعنى تقريب العباد إلى الطاعة وتبعيدهم عن المعصية ، ولذلك خلقهم واستعبدهم وعلّمهم ما لم يعلموا ، فلم يدع البشر كالبهائم ليأكلوا ويتمتّعوا ويُلهيهم الأمل. ولكن خلقهم ليعرفوه ، وليمكّنهم من الحصول على مرضاته ، وسهّل لهم الطريق إلى ذلك ببعث الرسل ، وإنزال الكتب ، وتواصل الوحي في الفينة بعد الفينة.

وبما أنّ أيّ نبيّ لم يُنط عمره بمنصرم الدنيا ، ولا قُدّر له البقاء مع الأبد ، وللشرائع ظروف مديدة ، كما أنّ للشريعة الخاتمة أمد لا منتهى له ، فإذا مات الرسول ولشريعته إحدى المدّتين وفي كلّ منهما نفوس لم تكمل بعد ، وأحكام لم تُبلّغ وإن كانت مشرّعة ، وأخرى لم تأت ظروفها ، ومواليد قدّر تأخير تكوينها ، ليس من المعقول بعد أن تترك الأمّة سُدى والحالة هذه ، والناس كلّهم في شمول ذلك اللطف الواجب عليه سبحانه شرع سواء ، فيجب عليه جلّت عظمته أن يقيّض لهم من يكمل الشريعة ببيانه ، ويزيح شبه الملحدين ببرهانه ، ويجلو ظلم الجهل بعرفانه ، ويدرأ عن الدين عادية أعدائه بسيفه وسنانه ، ويقيم الأمت والعوج بيده ولسانه.

ومهما كان للمولى جلّت مننه عناية بعبيده ، وقد ألزم نفسه بإسداء البرّ إليهم ،

__________________

(١) وبهذا عرّف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مولانا أمير المؤمنين بقوله : «إنّ فيكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله». قال أبو بكر : أنا هو يا رسول الله؟! قال : «لا». قال عمر : أنا هو يا رسول الله؟! قال «لا ، ولكن خاصف النعل» ، وكان أعطى عليّا نعله يخصفها.

أخرجه جمع من الحفّاظ وصحّحه الحاكم والذهبي [ في المستدرك على الصحيحين : ٣ / ١٣٢ ح ٤٦٢١ ، وكذا في تلخيصه ] ، والهيثمي [ في مجمع الزوائد : ٩ / ١٣٣ ] كما يأتي تفصيله. (المؤلف)

١٨٠