الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٧

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي

الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٧

المؤلف:

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي


المحقق: مركز الغدير للدّراسات الإسلاميّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
المطبعة: فروردين
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٥٧

فيها ، قال ابن عبّاس كنت آخر الناس عهداً بعمر بن الخطّاب قال : اختلفت أنا وأبو بكر في الكلالة والقول ما قلت (١) ، وفي صحيحة البيهقي والحاكم والذهبي وابن كثير (٢) عن ابن عبّاس قال : كنت آخر الناس عهداً بعمر فسمعته يقول : القول ما قلت. قلت : وما قلت؟ قال : قلت : الكلالة ما لا ولد له.

هذا القول كان من عمر لمّا طعن بعد قوله لمّا استخلف : إنّي لاستحيي أن أُخالف فيه أبا بكر كما مرّ. وبعد قوله : أتى عليّ زمان لا أدري ما الكلالة ، وإذا الكلالة من لا أب له ولا ولد (٣) ، وبعد هذه كلّها قال ما قال وهو على ما يقول بصير.

أنا لا أدري أين ولّت تلك الحائطة التي التزمها الخليفة الأوّل في معنى الأبّ لتلك الحدّة والشدّة؟ وأيّ سماء أظلّته؟ وأيّ أرض أقلّته؟ وأين ذهب؟ وكيف صنع لمّا قال في دين الله برأي لا يعرف غيّه من رشده ، ولا يعلمه أمن الله أم منه ومن الشيطان؟ وكيف خفيت عليه آية الصيف؟ وقد رأى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيها الكفاية في عرفان الكلالة كما مرّ (٦ / ١٢٧) ، وكيف عزب عنه قوله تعالى (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (٤) ولِم لم يسأل ولم يتعلّم ولم يعبأ بأهل الذكر وهو يعرفه لا محالة؟ فكأنّ الأحكام ليست بتوقيفيّة ، وكأنَّها منوطة بالحظّ والنصيب ولكلّ إنسان ما رأى ، ولو صدقت هذه الأحلام فيسع كلّ امرئ أن يُفتي برأيه فيما يُسأل عنه من الكتاب والسنّة ويقول : إن كان صواباً فمن الله ، وإن كان خطأ فمنّي ومن الشيطان.

نعم هذا الإفتاء بالرأي يفتقر إلى جرأة على الله وعلى رسوله ، وتلك لا تتأتّى

__________________

(١) تفسير ابن كثير : ١ / ٥٩٥. (المؤلف)

(٢) المستدرك للحاكم : ٢ / ٣٠٤ وصحّحه [ ٢ / ٣٣٢ ح ٣١٨٧ ، وكذا في تلخيصه ] ، تلخيص المستدرك للذهبي وأقرّ تصحيح الحاكم ، السنن الكبرى للبيهقي : ٦ / ٢٢٥ ، تفسير ابن كثير : ١ / ٥٩٥ وذكر تصحيح الحاكم وأقرّه. (المؤلف)

(٣) السنن الكبرى : ٦ / ٢٢٤. (المؤلف)

(٤) النحل : ٤٣.

١٤١

لأيّ أحد فتخصّ لا محالة بجماعة دون أخرى ، وكأنّ هذا هو معنى الاجتهاد عند القوم لا استنباط الأحكام من أدلّتها التفصيليّة من الكتاب والسنّة. ومن هنا يرون نظراء عبد الرحمن بن ملجم قاتل مولانا أمير المؤمنين (١).

وأبي الغادية قاتل الصحابيِّ العظيم عمّار بن ياسر سلام الله عليه (٢).

ومعاوية بن أبي سفيان قاتل آلاف من الأبرياء والأزكياء (٣).

وعمرو بن النابغة ، العاصي ابن العاصي (٤).

وخالد بن الوليد ، قاتل مالك ظلماً والزاني بامرأته (٥).

وطلحة والزبير (٦) ، الخارجين على الإمام الحقّ الثابت إمامته بالنصّ والاختيار. ويزيد الخمور والفجور صاحب الطامّات والصحائف السوداء (٧).

مجتهدين في دين الله متأوّلين في تلكم الآراء الشاذّة عن حكم الإسلام وشرعة الحقّ ، مأجورين في تلك المظالم العادية. وقال ابن حجر في الإصابة (٤ / ١٥١) : والظنّ بالصحابة في تلك الحروب أنّهم كانوا فيها متأوّلين وللمجتهد المخطئ أجر ، وإذا ثبت هذا في حقّ آحاد الناس فثبوته للصحابة بالطريق الأَولى. انتهى.

مرحباً مرحباً بهذا الدين ، وبخٍ بخٍ ما أكثر المجتهدين من أمّة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى

__________________

(١) راجع الجزء الأوّل من كتابنا هذا : ص ٣٢٣. (المؤلف)

(٢) راجع الجزء الأوّل من الكتاب : ص ٣٢٨. (المؤلف)

(٣) الفِصَل لابن حزم : ٤ / ٨٩ ، تاريخ ابن كثير : ٧ / ٢٧٩ [ ٧ / ٣١٠ حوادث سنة ٣٧ ه‍ ].(المؤلف)

(٤) تاريخ ابن كثير : ٧ / ٢٨٣ [ ٧ / ٣١٤ حوادث سنة ٣٧ ه‍ ]. (المؤلف)

(٥) تاريخ ابن كثير : ٦ / ٢٢٣ [ ٦ / ٣٥٥ حوادث سنة ١١ ه‍ ] ، روضة المناظر لابن شحنة ـ هامش الكامل ـ : ٧ / ١٦٧ [ ١ / ١٩٠ ـ ١٩٢ حوادث سنة ١١ ه‍ ] وسيأتي تفصيله. (المؤلف)

(٦) التمهيد للباقلاّني : ص ٢٣٢. (المؤلف)

(٧) تاريخ ابن كثير : ٨ / ٢٢٣ [ ٨ / ٢٤٥ حوادث سنة ٦٣ ه‍ ]. (المؤلف)

١٤٢

أصبحت غوغاء الشام ، وطغام الأمّة ، وحثالة الأعراب ، وأجلاف الأحزاب ، وأبناء الطلقاء مجتهدين متأوّلين.

وزهٍ زهٍ بأولئك المتحلّين بأبراد الاجتهاد جراثيم الفساد ، قتلة الصفوة الأبرار ، الهاجمين على ناموس الإسلام ، وقدس صاحب الرسالة ، الخارجين عن طوع الكتاب والسنّة ، الفئة الباغية الطاغية ، المدرّبين بالشرّ والفساد وبغض العترة الطاهرة تحت راية الطليق ابن الطليق ، اللعين ابن اللعين بلسان النبيّ الأعظم (١) ، صدق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في قوله : «آفة الدين ثلاثة : فقيه فاجر ، وإمام جائر ، ومجتهد جاهل» (٢).

وحسب الإسلام عاراً وشناراً أولئك الأعلام أصحاب هذه الآراء المضلّة والأقلام المسمومة التي تنزّه ساحة المجرمين عن دنس الفجور والنفاق ، وتجعل المحسن والمسيء والمبطل والمحق ، والطيّب والخبيث ، عكمَي (٣) بعير ، وتضلّ الأمّة عن رشدها بأمثال هذه الكلم التافهة ، والدعاوى الفارغة ، والآراء الساقطة ، وتصغّر في عين المجتمع الديني تلكم الجنايات العظيمة على الله وعلى رسوله وكتابه وسنّته وخليفته وعترته ومواليهم. (كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً) (٤). (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ* وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) (٥).

وأوّل من فتح باب التأويل والاجتهاد ، وقدّس ساحة المجرمين بذينك ، وحابى رجال الجرائم والمعرّات بهما هو الخليفة الأوّل ، فقد نزّه بهذا العذر المفتعل ذيل خالد ابن الوليد عن دنس آثامه الخطيرة ، ودرأ عنه الحدّ بذلك كما سنوقفك على تفصيله إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) راجع الجزء الثالث من الكتاب : ص ٢٥١ ، ٢٥٢. (المؤلف)

(٢) كنز العمّال : ٥ / ٢١٢ [ ١٠ / ١٨٣ ح ٢٨٩٥٤ ]. (المؤلف)

(٣) العكمان : عدلان يشدّان على جانبي الهودج بثوب.

(٤) الكهف : ٥.

(٥) الزلزلة : ٧ و ٨.

١٤٣

هذا أنموذج من تقدّم الخليفة في علم التفسير على قلّة ما روي عنه في ذلك. قال الحافظ جلال الدين السيوطي في الإتقان (١) (٢ / ٣٢٨) :

اشتهر بالتفسير من الصحابة عشرة : الخلفاء الأربعة ، وابن مسعود ، وابن عبّاس ، وأُبيّ بن كعب ، وزيد بن ثابت ، وأبو موسى الأشعري ، وعبد الله بن الزبير. أمّا الخلفاء فأكثر من روي عنه منهم عليّ بن أبي طالب ، والرواية عن الثلاثة نزرة جدّا ، وكان السبب في ذلك تقدّم وفاتهم ، كما أنّ ذلك هو السبب في قلّة رواية أبي بكر رضى الله عنه للحديث ، ولا أحفظ عن أبي بكر رضى الله عنه في التفسير إلاّ آثاراً قليلة جدّا لا تكاد تجاوز العشرة.

وأمّا عليّ فروي عنه الكثير ، وقد روى معمر ، عن وهب بن عبد الله ، عن أبي الطفيل قال : شهدت عليّا يخطب وهو يقول : «سلوني فو الله لا تسألون عن شيء إلاّ أخبرتكم ، وسلوني عن كتاب الله ، فو الله ما من آية إلاّ وأنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار ، أم في سهل أم في جبل».

وأخرج أبو نعيم في الحلية (٢) عن ابن مسعود قال : إنّ القرآن أُنزل على سبعة أحرف ما منها حرف إلاّ وله ظهر وبطن ، وإنّ عليّ بن أبي طالب عنده منه الظاهر والباطن.

وأخرج (٣) أيضاً من طريق أبي بكر بن عيّاش ، عن نصير بن سليمان الأحمسي ، عن أبيه ، عن عليّ قال : «والله ما نزلت آية إلاّ وقد علمت فيم أُنزلت وأين أُنزلت ، إنّ ربّي وهب لي قلباً عقولاً ولساناً سؤولاً».

قال الأميني : ما هذا التهافت في كلام السيوطي هذا؟ ألا مسائل الرجل عن أنّ

__________________

(١) الإتقان في علوم القرآن : ٤ / ٢٠٤.

(٢) حلية الأولياء : ١ / ٦٥.

(٣) حلية الأولياء : ١ / ٦٧ ـ ٦٨.

١٤٤

الذي لم يجد له هو نفسه وهو ذلك المتتبّع الضليع عشرة أحاديث في علم التفسير ، كيف عدّه ممّن اشتهر بالتفسير من الصحابة؟ نعم راقه ألاّ يفرّق بينه وبين مولانا أمير المؤمنين وقد روى فيه ما روى ذاهلاً عن قوله تعالى : (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) (١).

تقدّم الخليفة في السنّة :

أمّا تقدّمه في السنّة فكلّ ما أثبته عنه إمام الحنابلة أحمد في المسند (٢) (١ / ٢ ـ ١٤) ثمانون حديثاً ، ويربو المتكرّر منها على العشرين ، فلم يصف منها إلاّ ما يقرب الستّين حديثاً ، وقد التقط ما في مسنده من أكثر من سبعمائة وخمسين ألف حديث ، وكان يحفظ ألف ألف حديث (٣).

وجمع ابن كثير بعد جهود جبّارة أحاديثه في اثنين وسبعين حديثاً وسمّى مجموعه : مسند الصدّيق (٤).

واستدرك ما جمعه ابن كثير جلال الدين السيوطي بعد تصعيد وتصويب ومع تضلّع وإحاطة بالحديث ، فأنهى أحاديثه إلى مائة وأربعة ، وذكرها برمّتها في تاريخ الخلفاء (٥) (ص ٥٩ ـ ٦٤).

وقد يروى أنّ له مائة واثنين وأربعين حديثاً اتّفق الشيخان على ستّة أحاديث

__________________

(١) الزمر : ٩.

(٢) مسند أحمد : ١ / ٥ ـ ٢٥ ح ١ ـ ٨٢.

(٣) طبقات الحفّاظ للذهبي : ٢ / ١٧ [ ٢ / ٤٣١ رقم ٤٣٨ ] ، ترجمة أحمد في آخر الجزء الأوّل من مسنده. (المؤلف)

(٤) تاريخ الخلفاء للسيوطي : ص ٦٢ [ ص ٨٦ ]. (المؤلف)

(٥) تاريخ الخلفاء للسيوطي : ص ٨١ ـ ٨٨.

١٤٥

منها. وانفرد البخاري بأحد عشر ، ومسلم بواحد (١).

وفي وسع الباحث المناقشة في غير واحد من تلك الأحاديث سنداً أو متناً ، فإنّ من جملتها ما ليس بحديث وإنّما هو قول قاله كقوله للحسن السبط سلام الله عليه : بأبي شبيه بالنبيّ ليس شبيهاً بعليّ.

وقوله : شاور رسول الله في أمر الحرب.

وقوله : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أهدى جملاً لأبي جهل.

ومنها ما هو محكوم عليه بالوضع ، أو يخالف الكتاب والسنّة ، ويكذّبه العقل والمنطق والطبيعة مثل قوله :

١ ـ لو لم أُبعث فيكم لبُعث عمر.

٢ ـ وقوله : ما طلعت الشمس على رجل خير من عمر.

٣ ـ وقوله : إنّ الميت يُنضح عليه الحميم ببكاء الحيّ.

٤ ـ وقوله : إنّما حرّ جهنّم على أمّتي مثل الحمّام.

أمّا الأوّل فله عدّة طرق لا يصحّ شيء منها. الطريق الأوّل لابن عدي (٢) وفي إسناده

١ ـ زكريّا بن يحيى الوكّار. أحد الكذّابين الكبار ، مرّت ترجمته في سلسلة الكذّابين في الجزء الخامس (ص ٢٣٠).

٢ ـ بشر بن بكر. قال الأزدي : منكر الحديث ولا يعرف. لسان الميزان (٣) (٢ / ٢٠).

__________________

(١) شرح رياض الصالحين للصدّيقي : ٢ / ٢٣. (المؤلف)

(٢) الكامل في ضعفاء الرجال : ٣ / ٢١٦ رقم ٧١٣.

(٣) لسان الميزان : ٢ / ٢٦ رقم ١٥٩١.

١٤٦

٣ ـ أبو بكر بن عبد الله بن أبي مريم الغسّاني. قال أحمد (١) : ضعيف ، كان عيسى بن يونس لا يرضاه ، وعن أبي داود عن أحمد : إنّه ليس بشيء. وقال أبو حاتم (٢) : سألت ابن معين عنه فضعّفه. وقال أبو زرعة : ضعيف منكر الحديث. وقال أبو حاتم : ضعيف الحديث طرقه لصوص فأخذوا متاعه فاختلط (٣). وقال الجوزقاني : ليس بالقوي. وقال النسائي (٤) : ضعيف. وقال ابن سعد (٥) : كان كثير الحديث ضعيفاً. وقال الدارقطني : متروك (٦).

الطريق الثاني لابن عدي أيضاً ، وفي إسناده :

١ ـ مصعب بن سعيد ، أبو خيثمة المصّيصي. قال ابن عدي (٧) : يحدّث عن الثقات بالمناكير ويصحّف. وقال : والضعف على رواياته بيّن. وقال ابن حبّان (٨) : كان مدلّساً ، وقال صالح جزرة : شيخ ضرير لا يدري ما يقول. وذكر الذهبي له أحاديث فقال : ما هذه إلاّ مناكير وبلايا (٩).

٢ ـ عبد الله بن واقد. قال ابن عدي والجوزقاني والنسائي (١٠) : متروك الحديث.

__________________

(١) العلل ومعرفة الرجال : ٢ / ٣٩ رقم ١٤٨٤.

(٢) الجرح والتعديل : ٢ / ٤٠٥ رقم ١٥٩٠.

(٣) قال الأميني : لو لم يكن لاختلاط الرجل آية غير حديثه هذا لكفى وحسبه. (المؤلف)

(٤) كتاب الضعفاء والمتروكين : ص ٢٦٢ رقم ٦٩٩.

(٥) الطبقات الكبرى : ٧ / ٤٦٧.

(٦) تهذيب التهذيب : ١٢ / ٢٩ [ ١٢ / ٣٣ ]. (المؤلف)

(٧) الكامل في ضعفاء الرجال : ٦ / ٣٦٤ رقم ١٨٤٦.

(٨) الثقات : ٩ / ١٧٥.

(٩) ميزان الاعتدال : ٣ / ١٧٣ [ ٤ / ١١٩ رقم ٨٥٦١ ] ، لسان الميزان : ٦ / ٤٤ [ ٦ / ٥١ رقم ٨٤٠٤ ]. (المؤلف)

(١٠) كتاب الضعفاء والمتروكين : ص ١٥٠ رقم ٣٥٤.

١٤٧

وقال غيرهما : ليس بشيء. وقال الأزدي : عنده مناكير. وقال أحمد (١) : أظنّه كان يدلّس. وقال أبو زرعة : ضعيف الحديث لا يحدّث عنه. وقال البخاري (٢) : تركوه ، منكر الحديث. وقال ابن حبّان (٣) : وقع المناكير في حديثه فلا يجوز الاحتجاج بخبره. وقال صالح جزرة ضعيف مهين. وقال أبو أحمد الحاكم : حديثه ليس بالقائم (٤).

٣ ـ مشرح بن عاهان (٥). قال ابن عدي (٦) وابن حبّان (٧) : لا يحتجّ به. وقال غيرهما : يروي عن عقبة مناكير لا يتابع عليهما. وقال آخرون : الصواب ترك ما انفرد به (٨).

أورده بهذين الطريقين ابن الجوزي في الموضوعات (٩) فقال : هذان حديثان لا يصحّان عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أمّا الأوّل : فإنّ زكريّا بن يحيى كان من الكذّابين. قال ابن عدي (١٠) : كان يضع الحديث. وأمّا الثاني : فقال أحمد ويحيى (١١) : عبد الله بن واقد ليس بشيء. وقال النسائي : متروك. وقال ابن حبّان : انقلبت على مشرح صحائفه فبطل الاحتجاج به. انتهى (١٢).

__________________

(١) العلل ومعرفة الرجال : ٢ / ٥٥ رقم ١٥٣٣.

(٢) التاريخ الكبير : ٥ / ٢١٩ رقم ٧١٣.

(٣) كتاب المجروحين : ٢ / ٢٩.

(٤) تهذيب التهذيب : ٦ / ٦٦ [ ٦ / ٦٠ ] ، ميزان الاعتدال : ٢ / ٨٤ [ ٢ / ٥١٧ رقم ٤٦٧٢ ] ، لسان الميزان : ٣ / ٣٧٤ [ ٣ / ٤٥٨ رقم ٤٨٥٧ ] ، اللآلئ المصنوعة : ١ / ٣٠٢. (المؤلف)

(٥) كذا في الخلاصة : ٣ / ٨٠ رقم ٧٤٠٤ وفي المصادر الأخرى : هاعان.

(٦) الكامل في ضعفاء الرجال ٦ / ٤٦٩ رقم ١٩٥٣.

(٧) كتاب المجروحين : ٣ / ٢٨.

(٨) اللآلئ المصنوعة : ١ / ٣٠٢ ، ميزان الاعتدال : ٣ / ١٧٢ [ ٤ / ١١٧ رقم ٨٥٤٩ ]. (المؤلف)

(٩) الموضوعات : ١ / ٣٢٠.

(١٠) الكامل في ضعفاء الرجال : ٣ / ٢١٥ رقم ٧١٣.

(١١) التاريخ : ٢ / ٣٣٦ رقم ٣٣٠١.

(١٢) مرّت الإشارة إليه في الجزء الخامس : ص ٥٠٠.

١٤٨

الطريق الثالث : لأبي العبّاس الزوزني في كتاب شجرة العقل بلفظ : لو لم أُبعث لبعثت يا عمر ، وفي إسناده :

١ ـ عبد الله بن واقد. وقد مرّ في الطريق الثاني.

٢ ـ راشد بن سعد الحمصي ، ذكر الحاكم أنّ الدارقطني ضعّفه ، وكذا ضعّفه ابن حزم ، وذكر البخاري (١) أنّه شهد صفّين مع معاوية (٢) ، فالرجل من الفئة الباغية بنصّ من النبيّ الأعظم ، وذكره الصغاني فقال : موضوع. كما في كشف الخفاء (٢ / ١٦٣).

الطريق الرابع للديلمي (٣) : عن أبي هريرة بلفظ : لو لم أُبعث فيكم لبعث عمر. أيّد الله عمر بملكين يوفّقانه ويسدّدانه ، فإذا أخطأ صرفاه حتى يكون صواباً.

في إسناده : إسحاق بن نجيح الملطي أبو صالح الأزدي. قال أحمد (٤) : من أكذب الناس. وقال ابن معين (٥) : كذّاب عدوّ الله رجل سوء خبيث. كان ببغداد قوم يضعون الحديث منهم إسحاق الملطي. وقال ابن أبي مريم عنه : من المعروفين بالكذب ووضع الحديث. وقال عليّ بن المديني : ليس بشيء وضعّفه ، روى عجائب. وقال عمر بن علي : كذّاب كان يضع الحديث. وقال الجوزقاني : غير ثقة ولا من أوعية الأمانة ، وقال : كذّاب وضّاع لا يجوز قبول خبره ولا الاحتجاج بحديثه ويجب بيان أمره. وقال الجهضمي والبخاري (٦) : منكر الحديث. وقال النسائي (٧) : كذّاب متروك الحديث.

__________________

(١) التاريخ الكبير : ٣ / ٢٩٢ رقم ٩٩٤.

(٢) تهذيب التهذيب : ٣ / ٢٢٦ [ ٣ / ١٩٥ ]. (المؤلف)

(٣) الفردوس بمأثور الخطاب : ٣ / ٣٧٢ ح ٥١٢٧.

(٤) العلل ومعرفة الرجال : ٢ / ٣٠ رقم ١٤٥٤.

(٥) معرفة الرجال : ١ / ٥١ رقم ٧.

(٦) التاريخ الكبير : ١ / ٤٠٤ رقم ١٢٩٣.

(٧) كتاب الضعفاء والمتروكين : ص ٥٣ رقم ٥٠.

١٤٩

وقال ابن عدي (١) : أحاديثه موضوعات وضعها هو وعامّة ما أتى عن ابن جريج بكلّ منكر ووضعه عليه ، وهو بيّن الأمر في الضعفاء ، وهو ممّن يضع الحديث. وقال ابن حبّان (٢) : دجّال من الدجاجلة يضع الحديث صراحاً. وقال البرقي : نسب إلى الكذب. وقال أبو سعيد النقّاش : مشهور بوضع الحديث. وقال ابن طاهر : دجّال كذّاب. وقال ابن الجوزي : أجمعوا على أنّه كان يضع الحديث (٣).

قال الديلمي بعد ذكر الحديث بالطريق المذكور : وتابعه راشد بن سعد عن المقدام بن معدي كرب عن أبي بكر الصدّيق والله أعلم.

قال الأميني : عرفت في الطريق الثالث ضعف راشد ، وأنَّ الصغاني حكم على حديثه هذا بالوضع ، وأقرّه العجلوني وزيّفه في كشف الخفاء (٢ / ١٥٤ ، ١٦٣). وذكره السيوطي في اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة (١ / ٣٠٢) غير أنّه عدّه بهذا الطريق الوعر في تاريخ الخلفاء (٤) من أحاديث أبي بكر ، ولا تخفى عليه تراجم هؤلاء الرجال أمثال إسحاق الملطي. نعم ، راقه أن يكثّر عدد أحاديث الخليفة ولو بمثل هذا ، وقد حذف الأسانيد منها حتى لا يقف القارئ على ما فيها من الوضع والاختلاق والله من ورائه حسيب.

أمّا الحديث الثاني :

فأخرجه الحاكم في المستدرك (٥) (٣ / ٩٠) بإسناده عن عبد الله بن داود الواسطي التمّار عن عبد الرحمن ابن أخي محمد بن المنكدر ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر رضى الله عنه

__________________

(١) الكامل في ضعفاء الرجال : ١ / ٣٣٢ رقم ١٥٥.

(٢) كتاب المجروحين : ١ / ١٣٤.

(٣) مرّت المصادر في الجزء الخامس : ص ٢١٨. (المؤلف)

(٤) تاريخ الخلفاء : ص ٨٧.

(٥) المستدرك على الصحيحين : ٣ / ٩٦ ح ٤٥٠٨ ، وكذا في تلخيصه.

١٥٠

قال : قال عمر بن الخطّاب ذات يوم لأبي بكر الصدّيق : يا خير الناس بعد رسول الله ، فقال أبو بكر : أما إنّك إن قلت ذلك سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : ما طلعت الشمس على رجل خير من عمر.

عقّبه الذهبي في تلخيص المستدرك فقال : قلت : عبد الله ضعّفوه ، وعبد الرحمن متكلَّم فيه ، والحديث شبه موضوع. وقال في ميزان الاعتدال (١) (٢ / ١٢٣) : رواه عبد الله بن داود التمّار وهو هالك ، عن عبد الرحمن ابن أخي محمد [ بن ] المنكدر لا يكاد يُعرف ، ولا يتابع على حديثه ، وقال الترمذي (٢) : ليس إسناده بذلك.

قال الأميني : أمّا عبد الله بن داود التمّار فقال البخاري (٣) : فيه نظر. وقال أبو حاتم (٤) ليس بقويّ ، في حديثه مناكير. وقال الحاكم أبو أحمد : ليس بالمتين عندهم ، وقال النسائي (٥) : ضعيف. وقال ابن حبّان (٦) : منكر الحديث جدّا يروي المناكير عن المشاهير ، لا يجوز الاحتجاج بروايته. وقال الدارقطني : ضعيف (٧).

وأمّا عبد الرحمن فقال يحيى بن معين : ما أعرف عبد الرحمن. فقرأه إبراهيم بن الجنيد الحديث ، فقال يحيى : ما أعرف عبد الرحمن. وأنكر الحديث ولم يعرفه (٨).

جاء العلاّمة الحريفيش في القرن الثامن وأتى في كتابه الروض الفائق (ص ٣٨٨)

__________________

(١) ميزان الاعتدال : ٢ / ٦٠٢ رقم ٥٠٢٣.

(٢) سنن الترمذي : ٥ / ٥٧٧ ح ٣٦٨٤.

(٣) التاريخ الكبير : ٣ / ٨٢ رقم ٢٢٦.

(٤) الجرح والتعديل : ٥ / ٤٨ رقم ٢٢٢.

(٥) كتاب الضعفاء والمتروكين : ص ١٥١ رقم ٣٥٥.

(٦) كتاب المجروحين : ٢ / ٣٤.

(٧) تهذيب التهذيب : ٥ / ٢٠٠ [ ٥ / ١٧٦ ]. (المؤلف)

(٨) لسان الميزان : ٣ / ٤٤٨ [ ٣ / ٥٤٤ رقم ٥١٠٦ وفيه : قاله إبراهيم بن الجنيد بدلاً من : فقرأه إبراهيم ابن الجنيد ]. (المؤلف)

١٥١

بحديث مختلق في فضيلة مولانا أمير المؤمنين وأبي بكر وجعل هذه الرواية في فضل أبي بكر عن لسان عليّ عليه‌السلام ، قال : روى أبو هريرة : أنّ أبا بكر الصدّيق وعليّ بن أبي طالب قدما يوماً إلى حجرة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : عليّ لأبي بكر : تقدّم فكن أوّل قارع يقرع الباب وألحّ عليه ، فقال أبو بكر : تقدّم أنت يا عليّ ، فقال عليّ : ما كنت بالذي يتقدّم على رجل سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول في حقّه : ما طلعت الشمس ولا غربت من بعدي على رجل أفضل من أبي بكر الصدّيق. فقال أبو بكر : ما كنت بالذي يتقدّم على رجل قال في حقّه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أعطيت خير النساء لخير الرجال. إلى آخره. وفيه مناقب ستّ لأبي بكر ، على لسان عليّ وكذلك لعليّ على لسان أبي بكر لم يذكر السيوطي شيئاً منها في عدّ أحاديث أبي بكر مع اهتمامه بإكثار عددها وذلك لبداهة الكذب فيه ، وركّة لفظه ، ووضوح الاختلاق في معانيه وألفاظه ، وظهور التهافت بين جمله كما ترى. نعم لكلّ من الوضّاعين في وضع الحديث ذوق ، ولكلّ واحد منهم طريقة وسليقة ، وليس أمرهم سُلكى (١).

أمّا الحديث الثالث :

فمن المنكر الواضح وهو لِدة ما سبق عن عمر في الجزء السادس صفحة (١٦٢) من قوله : إنّ الميّت يعذّب ببكاء الحيِّ. وقد أنكرته عليه عائشة ، وهو مخالف للكتاب المجيد حيث يقول : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) (٢) ، وأمثالها ، وقد فصّلنا القول فيه تفصيلاً في الجزء السابق فراجع (ص ١٥٩ ـ ١٦٧).

ومخالف للعدل ؛ فإنّ تعذيب أيّ أحد لما اجترحه غيره من سيّئة ـ بعد تسليم كون البكاء عليه سيّئة ـ يرفضه ناموس العدل الإلهي ، وتلفظه العقول السليمة ، ويتوجّه إلى قائله اللوم من كلّ ذي مسكة ، تعالى الله عمّا يقولون علوّا كبيراً.

__________________

(١) يقال : أمرهم سُلْكى أي على طريقة واحدة.

(٢) الأنعام : ١٦٤.

١٥٢

أمّا الحديث الرابع ـ إنما حرّ جهنم على أمّتي مثل الحمّام :

فإنّه أشبه شيء بمخاريق المعتوهين ، أو من يريد تحطيماً من عظمة أمر المولى سبحانه ، أو إغراءً لبسطاء الأمّة على اقتحام الجرائر ، بحسبان أنّ حرّ الجحيم الشديد الذي أوقده المنتقم الجبّار للعصاة عامّة لا يصيب هذه الأمّة ، وإنّما هو للأمم السابقة ومن لم يعتنق الإسلام من الموجودين ، وأنت إذا تأمّلت في : (نارُ اللهِ الْمُوقَدَةُ* الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ) (١) ، (الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ) (٢) ، (يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ) (٣) ، (وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ) (٤) ، (وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرى) (٥) ، (تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ كَأَنَّهُ جِمالَتٌ صُفْرٌ) (٦) ، (كَلاَّ إِنَّها لَظى * نَزَّاعَةً لِلشَّوى) (٧) ، (يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ) (٨) ، (وَما أَدْراكَ ما سَقَرُ* لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ* لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ* عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ) (٩) ، قالوا (ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ* قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ* وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ* وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ) (١٠) ، (إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ* طَعامُ الْأَثِيمِ* كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ* كَغَلْيِ الْحَمِيمِ) (١١).

__________________

(١) الهمزة : ٦ ، ٧.

(٢) البقرة : ٢٤.

(٣) التوبة : ٣٥.

(٤) التكوير : ١٢.

(٥) النازعات : ٣٦.

(٦) المرسلات : ٣٢ ـ ٣٣.

(٧) المعارج : ١٥ ـ ١٦.

(٨) القمر : ٤٨.

(٩) المدثّر : ٢٧ ـ ٣٠.

(١٠) المدثّر : ٤٢ ـ ٤٥.

(١١) الدخان : ٤٣ ـ ٤٦.

١٥٣

أو تأمّلت فيما هدّد به المولى سبحانه المتثاقلين عن النفر للجهاد في الحرِّ بقوله : (قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ) (١) ومن يأكل أموال اليتامى بقوله : (إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً) (٢) إلى كثير من أمثال هذه لا ترتاب في أنّ الأمم كلّها بالنسبة إليها شرع سواء ، بل إنّ توجيه تلكم الخطابات إلى الأمّة المرحومة المعنيّة بالتهذيب وإيقافها عن المعصية بالتهديد أولى من توجيهها إلى الأمم البائدة التي جرى عليها ما جرى من عاقبة طاعة ، أو مغبّة عصيان ، فذهبوا رهائن أعمالهم ، وبه يتمّ اللطف ، وتحسن التربية ، وهو الذي كان يُبكي الصالح ، ويُفجع المتّقين ، ويدرّ عبرات الأولياء ، ويجعل سيّدهم أمير المؤمنين يتململ في جنح الليل البهيم تململ السليم قابضاً على لحيته ، يبكي بكاء الحزين وهو يقول :

«يا ربّنا! يا ربّنا! ـ يتضرّع إليه ـ ثمّ يقول للدنيا : إليّ تغرّرت؟ إليّ تشوّقت؟ هيهات هيهات ، غرّي غيري قد بتتُّكِ ثلاثاً ، فعمركِ قصير ، ومجلسكِ حقير ، وخطركِ يسير ، آهٍ آهٍ من قلّة الزاد ، وبُعد السفر ، ووحشة الطريق» (٣).

ثمّ أي مشابهة بين ذلك اللهب المصطلم وبين الحمّام الذي لا يكون الحرّ فيه إلاّ صحيّا ، تُزاح به الأوساخ ، وتعرق به الأبدان ، وترفع به الأتعاب ، وترتاح به الأجسام؟ وهل يهدّد بمثله عصاة البشر الذي خُلق ظلوماً جهولاً جموحاً ، البشر الذي هذا عقله ورشده وحديثه؟

__________________

(١) التوبة : ٨١.

(٢) النساء : ١٠.

(٣) حلية الأولياء : ١ / ٨٥ ، الاستيعاب : ٢ / ٤٦٢ [ القسم الثالث / ١١٠٨ رقم ١٨٥٥ ] ، الرياض النضرة : ٢ / ٢١٢ [ ٣ / ١٦٤ ] ، زهر الآداب للقيرواني : ١ / ٣٨ [ ١ / ٧٨ ] ، تذكرة السبط : ص ٢٧٠ [ ص ١١٩ ] ، مطالب السؤول : ص ٣٣ ، إتحاف الشبراوي : ص ٧ [ ص ٢٥ ]. (المؤلف)

١٥٤

غاية جهد الباحث :

هذه غاية جهد الباحث عن علم الخليفة بالسنّة وهذه سعة اطّلاعه عليها ، فنحن إذا قسنا مجموع ما ورد عن الخليفة من الصحيح والموضوع في التفسير والأحكام والفوائد من المائة وأربعة أحاديث أو المائة واثنين وأربعين حديثاً إلى ما جاء عن النبيّ الأقدس من السنّة الشريفة لتجدها كقطرة من بحر لجِّي ، لا تقام بها قائمة للإسلام ، ولا تدعم بها أيّ دعامة للدين ، ولا تُروى بها غلّة صادٍ ، ولا تنحلّ بها عقدة أيّة مشكلة. هذا أبو هريرة ، وأنس بن مالك ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن العبّاس ، وعبد الله بن عمرو بن العاص ، وعبد الله بن مسعود ، وو ويروون آلافاً من السنّة النبويّة ، فقد أخرج تقيّ بن مخلد في مسنده من حديث أبي هريرة فحسب خمسة آلاف وثلاثمائة حديث وكسراً (١) ، وأبو هريرة لم يصحب النبيّ إلاّ ثلاث سنين.

وهذا أحمد بن الفرات كتب ألف الف وخمسمائة ألف حديث ، وانتخب منها ثلاثمائة ألف في التفسير والأحكام والفوائد. خلاصة التهذيب (٢) (ص ٩).

وهذا حرملة بن يحيى أبو حفص المصري صاحب الشافعي يروي عن طريق ابن وهب فحسب مائة ألف حديث. خلاصة التهذيب (٣) (ص ٦٣).

وهذا أبو بكر الباغندي يجيب عن ثلاثمائة ألف مسألة في حديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. تاريخ بغداد (٣ / ٢١٠).

__________________

(١) الإصابة : ٤ / ٢٠٥ [ رقم ١١٩٠ ]. (المؤلف)

(٢) خلاصة الخزرجي : ١ / ٢٧ رقم ١٠٤.

(٣) خلاصة الخزرجي : ١ / ٢٠٣ رقم ١٢٨٤.

١٥٥

وهذا الحافظ روح بن عبادة القيسي له أكثر من مائة ألف حديث. ميزان الاعتدال (١) (١ / ٣٤٢).

وهذا الحافظ مسلم صاحب الصحيح عنده ثلاثمائة ألف حديث مسموعة. طبقات الحفّاظ (٢) (٢ / ١٥١).

وهذا الحافظ أبو محمد عبدان الأهوازي يحفظ مائة ألف حديث. تاريخ ابن عساكر (٣) (٧ / ٢٨٨).

وهذا الحافظ أبو بكر بن الأنباري يحفظ ثلاثمائة ألف بيت شاهد في القرآن ، وكان يحفظ مائة وعشرين تفسيراًبأسانيدها. شذرات الذهب (٤) (٢ / ٣١٦).

وهذا الحافظ أبو زرعة حفظ مائة ألف حديث كما يحفظ الإنسان قل هو الله أحد ، ويقال : سبعمائة ألف حديث. تاريخ ابن كثير (٥) (١١ / ٣٧) ، تهذيب التهذيب (٦) (٧ / ٣٣).

وهذا الحافظ ابن عقدة يجيب في ثلاثمائة ألف حديث من حديث أهل البيت عليهم‌السلام وبني هاشم حدّث بها عنه الدارقطني. تذكرة الحفّاظ (٧) (٣ / ٥٦).

وهذا الحافظ أبو العبّاس أحمد بن منصور الشيرازي كتب عن الطبراني

__________________

(١) ميزان الاعتدال : ٢ / ٥٩ رقم ٢٨٠٢.

(٢) تذكرة الحفّاظ : ٢ / ٥٨٩ رقم ٦١٣.

(٣) تاريخ مدينة دمشق : ٢٧ / ٥٤ رقم ٣١٦٨ ، وفي مختصر تاريخ دمشق : ١٢ / ٢٦.

(٤) شذرات الذهب : ٤ / ١٥٢ حوادث سنة ٣٢٨ ه‍.

(٥) البداية والنهاية : ١١ / ٤٤ حوادث سنة ٢٦٤ ه‍.

(٦) تهذيب التهذيب : ٧ / ٣٠.

(٧) تذكرة الحفّاظ : ٣ / ٨٤٠ رقم ٨٢٠.

١٥٦

ثلاثمائة ألف حديث. تذكرة الحفّاظ (١) (٣ / ١٢٢).

وهذا الحافظ أبو داود السجستاني كتب عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خمسمائة ألف حديث. تذكرة الحفّاظ (٢) (٢ / ١٥٤).

وهذا عبد الله ابن إمام الحنابلة أحمد سمع من أبيه مائة ألف وبضعة أحاديث. طبقات الحفّاظ (٣) (٢ / ٢١٤).

وهذا ثعلب البغدادي سمع من القواريري مائة ألف حديث. طبقات الحفّاظ (٤) (٢ / ٢١٤).

وهذا أبو داود الطيالسي يملي من حفظه مائة ألف حديث. شذرات الذهب (٥) (٢ / ١٢).

وهذا أبو بكر الجعابي يحفظ أربعمائة ألف حديث بأسانيدها ومتونها ويذاكر ستمائة ألف حديث ، ويحفظ من المراسيل والمقاطيع والخطابات قريباً من ذلك. تاريخ ابن كثير (٦) (١١ / ٢٦١).

وهذا إمام الحنابلة أحمد عنده أكثر من سبعمائة وخمسين ألفاً. راجع آخر الجزء الأوّل من مسنده (٧).

__________________

(١) تذكرة الحفّاظ : ٣ / ٩١٦ رقم ٨٧٥.

(٢) تذكرة الحفّاظ : ٢ / ٥٩٣ رقم ٦١٥.

(٣) تذكرة الحفّاظ : ٢ / ٦٦٥ رقم ٦٨٥ ، وفيه : وبضعة عشر ألفاً.

(٤) تذكرة الحفّاظ : ٢ / ٦٦٦ رقم ٦٨٦.

(٥) شذرات الذهب : ٣ / ٢٥ حوادث سنة ٢٠٤ ، وفيه : ... من حفظه ثلاثين ألف حديث.

(٦) البداية والنهاية : ١١ / ٢٩٦ حوادث سنة ٣٥٥ ه‍.

(٧) طبعة دار صادر ـ بيروت.

١٥٧

وهذا الحافظ أبو عبد الله الختّلي يحدّث من حفظه بخمسين ألف حديث. تاريخ ابن كثير (١) (١١ / ٢١٧).

وهذا يحيى بن يمان العجلي يحفظ عن سفيان أربعة آلاف حديث في التفسير فقط. تاريخ بغداد (١٤ / ١٢٢).

وهذا الحافظ ابن أبي عاصم يملي من ظهر قلبه خمسين ألف حديث بعد ما ذهبت كتبه. تذكرة الحفّاظ (٢) (٢ / ١٩٤).

وهذا الحافظ أبو قلابة عبد الملك حدّث من حفظه ستّين ألف حديث. طبقات الحفّاظ (٣) (٢ / ١٤٣).

وهذا أبو العبّاس السرّاج كتب لمالك سبعين ألف مسألة. تاريخ بغداد (١ / ٢٥١)

وهذا الحافظ ابن راهويه يملي سبعين ألف حديث من حفظه. تاريخ ابن عساكر (٤) (٢ / ٤١٣).

وهذا الحافظ إسحاق الحنظلي يحفظ سبعين ألف حديث. تاريخ الخطيب (٦ / ٣٥٢).

وهذا إسحاق بن بهلول التنوخي يحدّث من حفظه خمسين ألف حديث. تاريخ الخطيب (٦ / ٣٦٨).

وهذا محمد بن عيسى الطبّاع كان يحفظ نحواً من أربعين ألف حديث. تاريخ بغداد (٢ / ٣٩٦).

__________________

(١) البداية والنهاية : ١١ / ٢٤٥ حوادث سنة ٣٣٥ ه‍.

(٢) تذكرة الحفّاظ : ٢ / ٦٤١ رقم ٦٦٣.

(٣) تذكرة الحفّاظ : ٢ / ٥٨٠ رقم ٦٠٤.

(٤) تاريخ مدينة دمشق : ٨ / ١٣٧ رقم ٦١٧ ، وفي مختصر تاريخ دمشق : ٤ / ٢٧٣.

١٥٨

وهذا الحافظ ابن شاهين يكتب من حفظه بعد ما ذهبت كتبه عشرين أو ثلاثين ألف حديث. تاريخ بغداد (١١ / ٢٦٨).

وهذا الحافظ يزيد بن هارون يحفظ أربعة وعشرين ألف حديث بأسنادها. شذرات الذهب (١) (٢ / ١٦).

فهلمّ معي نر أنّ إسلاماً هذه سعة نطاق علمه ، وكثرة طقوسه وسننه ، وغزارة فنونه وعلومه ، ونبيّا هذا حديثه وسنّته ، وهذه ودائعه المصلحة لأمّته ، وهذا شأن الأعلام أُمناء ودائع العلم والدين ، وهذه سيرة حفظة السنّة الشريفة ، كيف يجب أن يتحلّى خليفة ذلك النبيّ الأقدس بأبراد علوم الكتاب والسنّة؟ وكيف يحقّ أن يكون حاملاً لأعباء علوم مستخلفه ومعالمه ، وارثاً مآثره وآثاره؟ أفهل يُقتصر منه على مائة وأربعة أحاديث؟ أو تقبل الأمّة المسكينة أو تُجديها هذه الكميّة اليسيرة من ذلك الحوش الحائش؟ أو يسدّ ذلك الفراغ ، ويمثّل تلك العلوم الإسلاميّة الجمّة من هذا شأنه وشعاره ، وهذه سيرته وسنّته ، وهذا علمه وحديثه؟ أو يُتلقّى بالقبول عذر المدافع عن الخليفة بأنّ قلّة حديثه لقصر مدّة خلافته؟

أيّ صلة بين قصر العمر بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقلّة الرواية؟ فإنّ رواة الأحاديث على العهد النبويّ ما كان حجر عليها ، ولم يكن عقال في ألسن أولئك الصحابة الأوّلين ، ولا على الأفواه أوكية عن بثّ العلم من الكتاب والسنّة طيلة حياة النبيّ الأقدس.

ولم يكن المكثرون من الرواية قصروا أحاديثهم على ما بعد أيّامه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقلّة حديث الرجل إن هي إلاّ لقلّة تلقّيه ، وقصر حفظه ، إنّما الإناء ينضح بما فيه ، والأوعية إذا طفحت فاضت.

__________________

(١) شذرات الذهب : ٣ / ٣٣ حوادث سنة ٢٠٦ ه‍.

١٥٩

ثمّ أنّى يسوغ للخليفة أن تُثقله أعباء الخلافة ، وتعييه معضلات المسائل ويتترّس بمثل قوله : أيّ سماء تظلّني. إلخ؟ أو قوله : سأقول فيها برأيي.

أو يخطب بعد أيّام قلائل من خلافته وقد أحرجته المواقف ، ويتطلّب الفوز منها بقوله : لوددت أنّ هذا كفانيه غيري ، ولئن أخذتموني بسنّة نبيّكم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا أُطيقها ، إن كان لمعصوماً من الشيطان ، وإن كان لينزل عليه الوحي من السماء (١).

أو بقوله : أما والله ما أنا بخيركم ، ولقد كنت لمقامي هذا كارهاً ، ولوددت أنّ فيكم من يكفيني ، أفتظنّون أنّي أعمل فيكم بسنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟ إذن لا أقوم بها. إنّ رسول الله كان يُعصم بالوحي ، وكان معه ملك ، وإنّ لي شيطاناً يعتريني ، فإذا غضبت فاجتنبوني أن لا أؤثر في أشعاركم وأبشاركم ، ألا فراعوني فإن استقمت فأعينوني وإن زغت فقوِّموني.

وفي لفظ ابن سعد : ألا وإنّما أنا بشر ولست بخير من أحد منكم فراعوني ، فإذا رأيتموني استقمت فاتّبعوني وإن رأيتموني زغت فقوّموني ، واعلموا أنّ لي شيطاناً يعتريني ، فإذا رأيتموني غضبت فاجتنبوني لا أؤثّر في أشعاركم وأبشاركم (٢).

__________________

(١) مسند أحمد : ١ / ١٤ [ ١ / ٢٤ ح ٨١ ] ، الرياض النضرة : ١ / ١٧٧ [ ٢ / ٢١٩ ] ، كنز العمّال : ٣ / ١٢٦ [ ٥ / ٥٨٨ ح ١٤٠٤٦ ]. (المؤلف)

(٢) طبقات ابن سعد : ٣ / ١٥١ [ ٣ / ٢١٢ ] ، الإمامة والسياسة : ١ / ١٦ [ ١ / ٢٢ ] ، تاريخ الطبري : ٣ / ٢١٠ [ ٣ / ٢٢٤ حوادث سنة ١١ ه‍ ] ، صفة الصفوة : ١ / ٩٩ [ ١ / ٢٦١ رقم ٢ ] ، شرح نهج البلاغة : ٣ / ٨ و ٤ / ١٦٧ [ ٦ / ٢٠ خطبة ٦٦ و ١٧ / ١٥٦ كتاب ٦٢ ] ، كنز العمّال : ٣ / ١٢٦ [ ٥ / ٥٨٩ ح ١٤٠٥٠ ]. (المؤلف)

١٦٠