الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٧

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي

الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٧

المؤلف:

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي


المحقق: مركز الغدير للدّراسات الإسلاميّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
المطبعة: فروردين
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٥٧

الأسد ، فيقال عليه : إذن يقتلك الله. فيقول : بل إياك يقتل. أو : بل أراك تقتل (١) ، فأخذ ووُطِئ في بطنه ، ودُسَّ في فيه التراب (٢).

بعد ما شاهد ثالثاً يخالف البيعة لأبي بكر وينادي : أما والله أرميكم بكلِّ سهم في كنانتي من نبل ، وأخضب منكم سناني ورمحي ، وأضربكم بسيفي ما ملكته يدي ، وأُقاتلكم مع من معي من أهلي وعشيرتي (٣).

بعد ما رأى رابعاً يتذمّر على البيعة ويشبُّ نار الحرب بقوله : إنّي لأرى عجاجة لا يطفئها إلاّ دم (٤).

__________________

، فالقول مثل يضرب لمن يستشفى برأيه ويعتمد عليه ، والتصغير للتعظيم [ أنظر مجمع الأمثال : ١ / ٥٢ رقم ١٢٥ ].

وكذلك عذيقها المرجّب. والعذق : النخلة بحملها ، والترجيب أن تدعم الشجرة إذا كثر حملها لئلاّ تنكسر أغصانها. (المؤلف)

(١) صحيح البخاري : ١٠ / ٤٥ [ ٦ / ٢٥٠٦ ح ٦٤٤٢ ] ، مسند أحمد : ١ / ٥٦ [ ١ / ٩٠ ح ٣٩٣ ] ، البيان والتبيين : ٣ / ١٨١ [ ٣ / ١٩٨ ] ، سيرة ابن هشام : ٤ / ٣٣٩ [ ٤ / ٣١٠ ] ، العقد الفريد : ٢ / ٢٤٨ [ ٤ / ٨٦ ] ، الإمامة والسياسة : ١ / ٩ [ ١ / ١٥ ] ، تاريخ الطبري : ٣ / ٢٠٩ ، ٢١٠ [ ٣ / ٢٢٠ ، ٢٢٣ حوادث سنة ١١ ه‍ ] ، تاريخ ابن الأثير : ٢ / ١٣٦ ، ١٣٧ [ ٢ / ١٢ و ١٣ حوادث سنة ١١ ه‍ ] ، الرياض النضرة : ١ / ١٦٢ و ١٦٤ [ ١ / ٢٠٢ و ٢٠٤ ] ، تاريخ ابن كثير : ٥ / ٢٤٦ [ ٥ / ٢٦٧ حوادث سنة ١١ ه‍ ] ، ٧ / ١٤٢ [ ٧ / ١٦٠ حوادث سنة ٢٣ ه‍ ] ، صفة الصفوة : ١ / ٩٧ [ ١ / ٢٥٦ رقم ٢ ] ، تيسير الوصول : ٢ / ٤٥ [ ٢ / ٥٤ رقم ٤ ] ، شرح ابن أبي الحديد : ١ / ١٢٨ [ ٢ / ٣٨ خطبة ٢٦ ] ، ٢ / ٤ [ ٦ / ٩ خطبة ٦٦ ] ، السيرة الحلبية : ٣ / ٣٨٧ [ ٣ / ٣٥٨ ] ، أبو بكر الصدّيق للأستاذ محمد رضا المصري : ص ٢٥. (المؤلف)

(٢) شرح ابن أبي الحديد : ٢ / ١٦ [ ٦ / ٤٠ خطبة ٦٦ ]. (المؤلف)

(٣) الإمامة والسياسة : ١ / ١١ [ ١ / ١٧ ] ، تاريخ الطبري : ٣ / ٢١٠ [ ٣ / ٢٢٢ حوادث سنة ١١ ه‍ ] ، تاريخ ابن الأثير : ٢ / ١٣٧ [ ٢ / ١٤ حوادث سنة ١١ ه‍ ] ، شرح ابن أبي الحديد : ١ / ١٢٨ [ ٢ / ٣٩ خطبة ٢٦ ] ، السيرة الحلبية : ٣ / ٣٨٧ [ ٣ / ٣٥٩ ]. (المؤلف)

(٤) راجع الجزء الثالث من كتابنا هذا صفحة : ٢٥٣. (المؤلف)

١٠١

بعد ما نظر إلى مثل سعد بن عبادة أمير الخزرج وقد وقع في ورطة الهون يُنزى عليه ، ويُنادى عليه بغضب : اقتلوا سعداً قتله الله إنّه منافق. أو : صاحب فتنة. وقد قام الرجل على رأسه ويقول : لقد هممت أن أطأك حتى تندر (١) عضوك. أو تندر عيونك (٢).

بعد ما شاهد قيس بن سعد قد أخذ بلحية عمر قائلاً : والله لو حصصت منه شعرة ما رجعت وفي فيك واضحة. أو : لو خفضت منه شعرة ما رجعت وفيك جارحة (٣).

بعد ما عاين الزبير وقد اخترط سيفه ويقول : لا أغمده حتى يبايع عليّ. فيقول عمر : عليكم بالكلب ، فيؤخذ سيفه من يده ويُضرب به الحجر ويُكسر (٤).

بعد ما بصر مقداداً ذلك الرجل العظيم وهو يدافع في صدره ، أو نظر إلى الحباب ابن المنذر وهو يحطَّم أنفه ، وتُضرب يده. أو إلى اللائذين بدار النبوّة ، مأمن الأمّة ، وبيت شرفها ، بيت فاطمة وعليٍّ ـ سلام الله عليهما ـ وقد لحقهم الإرهاب والترعيد (٥) ، وبعث إليهم أبو بكر عمر بن الخطّاب وقال له : إن أبوا فقاتلهم. فأقبل

__________________

(١) ندر الشيء : سقط.

(٢) مسند أحمد : ١ / ٥٦ ، [ ١ / ٩٠ ح ٣٩٣ ] ، العقد الفريد ٢ / ٢٤٩ [ ٤ / ٨٦ ] ، تاريخ الطبري : ٣ / ٢١٠ ، [ ٣ / ٢٢٢ حوادث سنة ١١ ه‍ ] ، سيرة ابن هشام : ٤ / ٣٣٩ [ ٤ / ٣١٠ ] ، الرياض النضرة : ١ / ١٦٢ ، ١٦٤ [ ١ / ٢٠٢ ، ٢٠٥ ] ، السيرة الحلبية : ٣ / ٣٨٧ [ ٣ / ٣٥٩ ]. (المؤلف)

(٣) تاريخ الطبري : ٣ / ٢١٠ [ ٣ / ٢٢٢ حوادث سنة ١١ ه‍ ] ، السيرة الحلبية : ٣ / ٣٨٧ [ ٣ / ٣٥٩ ]. (المؤلف)

(٤) الإمامة والسياسة : ١ / ١١ [ ١ / ١٨ ] ، تاريخ الطبري : ٣ / ١٩٩ [ ٣ / ٢٠٣ حوادث سنة ١١ ه‍ ] ، الرياض النضرة : ١ / ١٦٧ [ ١ / ٢٠٧ ] ، شرح ابن أبي الحديد : ١ / ٥٨ ، ١٣٢ [ ١ / ١٧٤ خطبة ٣ و ٢ / ٥٦ خطبة ٢٦ ] ، ٢ / ٥ ، ١٩ [ ٦ / ١١ و ٤٧ خطبة ٦٦ ]. (المؤلف)

(٥) تاريخ الطبري : ٣ / ٢١٠ [ ٣ / ٢٢٣ حوادث سنة ١١ ه‍ ] ، شرح ابن أبي الحديد : ١ / ٥٨ [ ١ / ١٧٤ خطبة ٣ ]. (المؤلف)

١٠٢

عمر بقبس من نار على أن يضرم عليهم الدار ، فلقيته فاطمة فقالت : «يا ابن الخطّاب أجئت لتحرق دارنا؟» قال : نعم ، أو تدخلوا فيما دخل فيه الأمّة (١).

بعد ما رأى هجوم رجال الحزب السياسي دار أهل الوحي وكشف بيت فاطمة (٢) ، وقد علت عقيرة قائدهم بعد ما دعا بالحطب : والله لتحرقنَّ عليكم أو لتخرجنَّ إلى البيعة. أو لأحرقنّها على من فيها. فيقال للرجل : إنَّ فيها فاطمة. فيقول : وإن (٣)!

بعد قول ابن شحنة : إنَّ عمر جاء إلى بيت عليٍّ ليحرقه على من فيه فلقيته فاطمة فقال : ادخلوا فيما دخلت فيه الأمّة. تاريخ ابن شحنة (٤) هامش الكامل (٧ / ١٦٤).

بعد ما سمع أنّةً وحنّةً من حزينة كئيبة ـ بضعة المصطفى ـ وقد خرجت عن خدرها وهي تبكي وتنادي بأعلى صوتها : «يا أبت يا رسول الله ما ذا لقينا بعدك من ابن الخطّاب وابن أبي قحافة؟» (٥).

__________________

(١) العقد الفريد : ٢ / ٢٥٠ [ ٤ / ٨٧ ] ، تاريخ أبي الفداء : ١ / ١٥٦ ، أعلام النساء : ٣ / ١٢٠٧ [ ٤ / ١١٤ ]. (المؤلف)

(٢) الأموال لأبي عبيد : ص ١٣١ [ ص ١٧٤ ح ٣٥٣ ] ، الإمامة والسياسة لابن قتيبة : ١ / ١٨ [ ١ / ١٩ ] ، تاريخ الطبري : ٤ / ٥٢ [ ٣ / ٢٢٢ حوادث سنة ١١ ه‍ ] ، مروج الذهب : ١ / ٤١٤ [ ٢ / ١٣٧ ] ، العقد الفريد : ٢ / ٢٥٤ [ ٤ / ٩٣ ] ، تاريخ اليعقوبي : ٢ / ١٠٥ [ ٢ / ٣١٧ ]. (المؤلف)

(٣) تاريخ الطبري : ٣ / ١٩٨ [ ٣ / ٢٠٢ حوادث سنة ١١ ه‍ ] ، الإمامة والسياسة : ١ / ١٣ [ ١ / ١٩ ] ، شرح ابن أبي الحديد : ١ / ١٣٤ و ٢ / ١٩ [ ٢ / ٥٦ خطبة ٢٦ و ٦ / ٤٨ خطبة ٦٦ ] ، أعلام النساء : ٣ / ١٢٠٥ [ ٤ / ١١٤ ]. (المؤلف)

(٤) روضة المناظر : ١ / ١٨٩ حوادث سنة ١١ ه‍.

(٥) الإمامة والسياسة : ١ / ١٣ [ ١ / ٢٠ ] ، أعلام النساء : ٣ / ١٢٠٦ [ ٤ / ١١٥ ] ، الإمام علي لعبد الفتّاح عبد المقصود : ١ / ٢٢٥ [ مج ١ / ج ١ / ١٩١ ]. (المؤلف)

١٠٣

بعد ما رآها وهي تصرخ وتولول ومعها نسوة من الهاشميّات تنادي : «يا أبا بكر ما أسرع ما أغرتم على أهل بيت رسول الله ، والله لا أكلّم عمر حتى ألقى الله». شرح ابن أبي الحديد (١) (١ / ١٣٤ ، ٢ / ١٩).

بعد ما شاهد هيكل القداسة والعظمة ـ أمير المؤمنين ـ يُقاد إلى البيعة كما يقاد الجمل المخشوش (٢) ، ويُدفع ويُساق سوقاً عنيفاً واجتمع الناس ينظرون ، ويُقال له : بايع.

فيقول : «إن أنا لم أفعل فمه؟» فيقال : إذن والله الذي لا إله إلاّ هو نضرب عنقك فيقول : «إذن تقتلون عبد الله وأخا رسوله» (٣).

بعد ما رأى صنو المصطفى عليّا لاذ بقبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يصيح ويبكي ويقول : «يا ابن أُمّ إنَّ القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني» (٤).

بعد نداء أبي عبيدة الجرّاح لعليّ عليه‌السلام يوم سيق إلى البيعة : يا ابن عمّ إنَّك حديث السنِّ وهؤلاء مشيخة قومك ليس لك مثل تجربتهم ومعرفتهم بالأُمور ، ولا أرى أبا بكر إلاّ أقوى على هذا الأمر منك وأشدّ احتمالاً واضطلاعاً به ، فسلّم لأبي بكر هذا الأمر ؛ فإنَّك إن تعش ويطل بك بقاء فأنت لهذا الأمر خليقٌ وبه حقيقٌ في فضلك ودينك وعلمك وفهمك وسابقتك ونسبك وصهرك (٥).

بعد رفع الأنصار عقيرتهم في ذلك اليوم العصبصب بقولهم : لا نبايع إلاّ عليّا.

__________________

(١) شرح نهج البلاغة : ٢ / ٥٧ خطبة ٢٦ و ٦ / ٤٩ خطبة ٦٦.

(٢) العقد الفريد : ٢ / ٢٨٥ [ ٤ / ١٣٧ ] ، صبح الأعشى : ١ / ٢٢٨ [ ١ / ٢٧٣ ] ، شرح ابن أبي الحديد : ٣ / ٤٠٧ [ ١٥ / ٧٤ كتاب ٩ ]. (المؤلف)

(٣) الإمامة والسياسة : ١ / ١٣ [ ١ / ٢٠ ] ، شرح ابن أبي الحديد : ٢ / ٨ و ١٩ [ ٦ / ٤٩ خطبة ٦٦ ] ، أعلام النساء : ٣ / ١٢٠٦ [ ٤ / ١١٥ ]. (المؤلف)

(٤) الإمامة والسياسة : ١ / ١٤ [ ١ / ٢٠ ]. (المؤلف)

(٥) الإمامة والسياسة : ١ / ١٣ [ ١ / ١٨ ] ، شرح ابن أبي الحديد : ٢ / ٥ [ ٦ / ١٢ خطبة ٦٦ ]. (المؤلف)

١٠٤

وبعد صياح بدريِّهم : منّا أميرٌ ومنكم أميرٌ ، وقول عمر له : إذا كان ذلك فمت إن استطعت (١).

بعد قول أبي بكر للأنصار : نحن الأُمراء وأنتم الوزراء ، وهذا الأمر بيننا وبينكم نصفان كشقِّ الأبلمة ـ يعني الخوصة (٢).

مدّت لها الأوسُ كفّا كي تناولها

فمدّت الخزرجُ الأيدي تباريها

وظنَّ كلُّ فريق أنّ صاحبَهم

أولى بها وأتى الشحناء آتيها (٣)

بعد قول أمّ مسطح بن أثاثة واقفةً عند قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهي تنادي : يا رسول الله :

قد كان بعدك أنباءٌ وهنبثةٌ (٤)

لو كنتَ شاهدَها لم تكثر الخطبُ

__________________

(١) صحيح البخاري في مناقب أبي بكر وفي باب رجم الحبلى : ١٠ / ٤٥ [ ٣ / ١٣٤١ ح ٣٤٦٧ و ٦ / ٢٥٠٦ ح ٦٤٤٢ ] ، طبقات ابن سعد : ٢ / ٥٥ [ ٢ / ٢٦٩ ] ، ٣ / ١٢٩ [ ٣ / ١٨٢ ] ، البيان والتبيين للجاحظ : ٣ / ١٨١ [ ٣ / ١٩٨ ] ، سيرة ابن هشام : ٤ / ٣٣٩ [ ٤ / ٣١٠ ] ، التمهيد للباقلاّني : ص ١٩٧ ، تاريخ الطبري : ٣ / ٢٠٦ ، ٢٠٩ [ ٣ / ٢٠٣ ، ٢٠٦ حوادث سنة ١١ ه‍ ] ، مستدرك الحاكم : ٣ / ٦٧ [ ٣ / ٧٠ ح ٤٤٢٣ ] ، الرياض النضرة : ١ / ١٦٢ ، ١٦٣ ، ١٦٤ [ ٢ / ٢٠١ ـ ٢٠٥ ] ، تاريخ ابن كثير : ٥ / ١٤٦ [ ٥ / ٢٦٧ حوادث سنة ١١ ه‍ ] ، تيسير الوصول : ٢ / ٤١ ، ٤٥ [ ٢ / ٥٠ ، ٥٤ ح ٣ و ٤ ]. (المؤلف)

(٢) صحيح البخاري ـ في مناقب أبي بكر ـ [ ٣ / ١٣٤١ ح ٣٤٦٧ ] ، البيان والتبيين : ١ / ١٨١ [ ٣ / ١٩٩ ] ، عيون الأخبار لابن قتيبة : ٢ / ٢٣٤ [ مج ١ / ج ٥ / ٢٣٣ ـ ٢٣٤ ] ، طبقات ابن سعد : ٢ / ٥٥ و ٣ / ١٢٩ [ ٢ / ٢٦٩ و ٣ / ١٨٢ ] ، العقد الفريد : ٢ / ١٥٨ [ ٤ / ٨٦ ] ، تيسير الوصول : ٢ / ٤٥٢ [ ٢ / ٥٠ ح ٣ ] ، السيرة الحلبية : ٣ / ٣٨٦ [ ٣ / ٣٥٧ ] ، نهاية ابن الأثير : ١ / ١٣ [ ١ / ١٧ ] وفيه : كقدّ الأبلمة ، تاج العروس : ٨ / ٢٠٥. (المؤلف)

(٣) من أبيات القصيدة العمرية لحافظ إبراهيم شاعر النيل [ أنظر ديوان حافظ إبراهيم : ١ / ٨١ ]. (المؤلف)

(٤) الهنبثة : الأمر الشديد والاختلاط في القول. (المؤلف)

١٠٥

إنّا فقدناك فقدَ الأرضِ وابلَها

واختلَّ قومك فاشهدهمْ ولا تغب (١)

هذه كلّها كانت تهدّد السواد ، وتروّع عامّة الناس وما كان لأحد في إصلاح القوم مطمع ، ولا لأيّ من الأمّة بعد ما شاهد الحال يوم ذاك حسبان حرمة ولا كرامة لنفسه يقوم بها تجاه ذلك التيّار المتدفّق.

وكانت هناك أمّة تراها سكرى ـ وما هي بسكرى ـ من حراجة الموقف تسارّها هواجسها بالتربّص إلى حين ، حتى تضع الغائلة أوزارها ، ويتّضح مآل أمر دبّر بليل ، ويتبيّن الرشد من الغيِّ ، وهواجس تجعل جماعة كالنزيعة (٢) تجهش وتحنُّ وتقرع سنّ الأسف ، وكم حنون لا يجديه حنينه.

وما عساني أن أقول في تلك الخلافة بعد ما رآها أبو بكر وعمر بن الخطّاب فلتة كفلتة الجاهليّة وقى الله شرّها (٣)؟

بعد ما حكم عمر بقتل من عاد إلى مثل تلك البيعة (٤).

بعد قوله يوم السقيفة : من بايع أميراً عن غير مشورة المسلمين فلا بيعة له ولا بيعة للذي بايعه تغرّة أن يقتلا (٥).

__________________

(١) طبقات ابن سعد : ص ٨٥٣ [ ٢ / ٣٣٢ ] ، شرح ابن أبي الحديد : ٢ / ١٧ [ ٦ / ٤٣ خطبة ٦٦ ] ، ١ / ١٣٢ [ ٢ / ٥٠ خطبة ٢٦ ] ، وقد يعزى البيتان مع أبيات أخرى إلى الصدّيقة فاطمة سلام الله عليها. (المؤلف)

(٢) يقال : نزعت الناقة إلى وطنها فهي نزيعة : أي حنّت واشتاقت.

(٣) التمهيد للباقلاّني : ص ١٩٦ ، شرح ابن أبي الحديد : ٢ / ١٩ [ ٦ / ٤٧ خطبة ٦٦ ] ، الغدير لنا : ٥ / ٣٧٠. (المؤلف)

(٤) التمهيد للباقلاّني : ص ١٩٦ ، شرح ابن أبي الحديد : ١ / ١٢٣ ، ١٢٤ [ ٢ / ٢٦ خطبة ٢٦ ] ، الصواعق لابن حجر : ص ٢١ [ ص ٣٦ ]. (المؤلف)

(٥) صحيح البخاري : ١٠ / ٤٤ [ ٦ / ٢٥٠٧ ح ٦٤٤٢ ] باب رجم الحبلى من الزنا ، مسند أحمد : ١ / ٥٦

١٠٦

بعد قوله لابن عباس : لقد كان عليّ فيكم أولى بهذا الأمر منّي ومن أبي بكر (١).

بعد قوله : إنّا والله ما فعلناه عن عداوة ولكن استصغرناه ، وحسبنا أن لا يجتمع عليه العرب وقريش لما قد وترها.

بعد قول ابن عبّاس له في جوابه : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يبعثه فينطح كبشها فلم يستصغره ، أفتستصغره أنت وصاحبك (٢)؟

بعد قول عمر لابن عبّاس : يا ابن عبّاس ما أظنُّ صاحبك إلاّ مظلوماً. وقول ابن عبّاس له : والله ما استصغره الله حين أمره أن يأخذ سورة براءة من أبي بكر. شرح ابن أبي الحديد (٣) (٢ / ١٨).

بعد قول أبي السبطين أمير المؤمنين : «أنا عبد الله وأخو رسول الله ، أنا أحقُّ بهذا الأمر منكم ، لا أُبايعكم وأنتم أولى بالبيعة لي» ، فيقول عمر : لستَ متروكاً حتى تبايع ، فيقول عليّ : «احلب يا عمر حلباً لك شطره» (٤).

بعد قوله عليه‌السلام : «الله الله يا معشر المهاجرين ألاّ تخرجوا سلطان محمد في العرب من داره ، وقعر بيته إلى دوركم ، وتدفعوا أهله عن مقامه في الناس وحقّه ، فو الله يا معشر المهاجرين فنحن أحقُّ الناس به لأنّا أهل البيت ونحن أحقُّ بهذا الأمر

__________________

[ ١ / ٩١ ح ٣٩٣ ] ، سيرة ابن هشام : ٤ / ٣٣٨ [ ٤ / ٣٠٩ ] ، نهاية ابن الأثير : ٣ / ١٧٥ [ ٣ / ٣٥٦ ] ، تيسير الوصول : ٢ / ٤٥ [ ٢ / ٥٤ ح ٤ ] ، شرح ابن أبي الحديد : ١ / ١٢٨ [ ٢ / ٤٠ خطبة ٢٦ ] ، تاريخ ابن كثير : ٥ / ٢٤٦ [ ٥ / ٢٦٧ حوادث سنة ١١ ه‍ ]. (المؤلف)

(١) شرح ابن أبي الحديد : ١ / ١٣٢ [ ٢ / ٥٧ خطبة ٢٦ ] ، ٢ / ٢٠ [ ٦ / ٥٠ خطبة ٦٦ ] ، الغدير كتابنا هذا : ١ / ٣٨٩. (المؤلف)

(٢) راجع الجزء الأوّل من كتابنا هذا : ص ٣٨٩ ، كنز العمّال : ٦ / ٣٩١ [ ١٣ / ١٠٩ ح ٣٦٣٥٧ ]. (المؤلف)

(٣) شرح نهج البلاغة : ٦ / ٤٥ خطبة ٦٦.

(٤) الإمامة والسياسة : ١ / ١٢ [ ١ / ١٨ ] ، شرح ابن أبي الحديد : ٢ / ٥ [ ٦ / ١١ خطبة ٦٦ ]. (المؤلف)

١٠٧

منكم ، ما كان فينا القارئ لكتاب الله ، العالم بسنن الله ، المضطلع بأمر الرعيّة ، الدافع عنهم الأمور السيّئة ، القاسم بينهم بالسويّة ، والله إنَّه لفينا ، فلا تتّبعوا الهوى فتضلّوا عن سبيل الله فتزدادوا من الحقِّ بعدا» (١).

بعد قوله عليه‌السلام : «لمّا مضى ـ المصطفى ـ لسبيله تنازع المسلمون الأمر بعده ، فو الله ما كان يُلقى في روعي ، ولا يخطر على بالي أنَّ العرب تعدل هذا الأمر بعد محمد عن أهل بيته ، ولا أنَّهم مُنحّوه عنّي من بعده ، فما راعني إلاّ انثيال الناس على أبي بكر ، وإجفالهم إليه ليبايعوه ، فأمسكت يدي ، ورأيت أنِّي أحقُّ بمقام محمد في الناس ممّن تولّى الأمر من بعده» (٢).

بعد ما خرج عليّ كرّم الله وجهه يحمل فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على دابّة ليلاً في مجالس الأنصار تسألهم النصرة ، فكانوا يقولون : يا بنت رسول الله قد مضت بيعتنا لهذا الرجل ، ولو أنَّ زوجك وابن عمّك سبق إلينا قبل أبي بكر ما عدلنا به ، فيقول عليّ كرّم الله وجهه : «أفكنت أدع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بيته لم أدفنه ، وأخرج أُنازع سلطانه؟ فقالت فاطمة : ما صنع أبو الحسن إلاّ ما كان ينبغي له ولقد صنعوا ما الله حسيبهم وطالبهم» (٣).

بعد قوله عليه‌السلام : «أما والله لقد تقمّصها ابن أبي قحافة ، وإنَّه ليعلم أنَّ محلّي منها محلُّ القطب من الرحى ، ينحدر عنّي السيل ، ولا يرقى إليَّ الطير ، فسدلت دونها ثوباً ، وطويت عنها كشحاً ، وطفقت أرتئي بين أن أصول بيدٍ جذّاء ، أو أصبر على طخية عمياء ، يهرم فيها الكبير ، ويشيب فيها الصغير ، ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربَّه ،

__________________

(١) الإمامة والسياسة : ١ / ١٢ [ ١ / ١٩ ] ، شرح ابن أبي الحديد : ٢ / ٥ [ ٦ / ١٢ خطبة ٦٦ ]. (المؤلف)

(٢) الإمامة والسياسة : ١ / ١٢٠ [ ١ / ١٣٣ ]. (المؤلف)

(٣) الإمامة والسياسة : ١ / ١٢ [ ١ / ١٩ ] ، شرح ابن أبي الحديد : ١ / ١٣١ ، ٢ / ٥ [ ٢ / ٤٧ خطبة ٢٦ و ٦ / ١٣ خطبة ٦٦ ]. (المؤلف)

١٠٨

فرأيت أنَّ الصبر على هاتا أحجى ، فصبرت وفي العين قذى ، وفي الحلق شجى ، أرى تراثي نهباً ، حتى مضى الأوّل لسبيله فأدلى بها إلى ابن الخطّاب بعده.

ثمّ تمثّل بقول الأعشى :

شتّان ما يومي على كورها

ويوم حيّان أخي جابر

فيا عجباً يستقيلها في حياته إذ عقدها لآخر بعد وفاته ، لشدّ ما تشطّرا ضرعيها ، فصيّرها في حوزة خشناء يغلظ كلمها ، ويخشن مسُّها ، ويكثر العثار فيها والاعتذار منها ، فصاحبها كراكب الصعبة ، إن أشنق لها خرم ، وإن أسلس لها تقحّم ، فمُني الناس ـ لعمر الله ـ بخبط وشماس ، وتلوّن واعتراض ، فصبرت على طول المدّة ، وشدّة المحنة حتى إذا مضى لسبيله جعلها في جماعة زعم أنّي أحدهم فيا لله وللشورى ، متى اعترض الريب فيَّ مع الأوّل منهم حتى صرت أُقرن إلى هذه النظائر ، لكنِّي أسففت إذا سفّوا ، وطرت إذا طاروا ، فصغا رجلٌ منهم لضغنه ، ومال الآخر لصهره مع هنٍ وهنٍ ، إلى أن قام ثالث القوم نافجاً حضنيه بين نثيله ومعتلفه ، وقام معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضمة الإبل نبتة الربيع ، إلى أن انتكث فتله ، وأجهز عليه عمله ، وكبت به بطنته». الحديث.

كلمتنا حول هذه الخطبة :

هذه الخطبة تسمّى بالشقشقيّة ، وقد كثر الكلام حولها فأثبتها مَهرَة الفنِّ من الفريقين ورأوها من خطب مولانا أمير المؤمنين الثابتة التي لا مغمز فيها ، فلا يُسمع إذن قول الجاهل بأنَّها من كلام الشريف الرضي ، وقد رواها غير واحد في القرون الأولى قبل أن تنعقد للرضي نطفته ، كما جاءت بإسناد معاصريه والمتأخِّرين عنه من غير طريقه ، وإليك أمّة من أولئك :

١٠٩

١ ـ الحافظ يحيى بن عبد الحميد الحِمّاني : المتوفّى (٢٢٨) ، كما في طريق الجلودي في العلل (١) والمعاني (٢).

٢ ـ أبو جعفر دعبل الخزاعي : المتوفّى (٢٤٦) ، رواها بإسناده عن ابن عبّاس كما في أمالي شيخ الطائفة (٣) (ص ٢٣٧) ، ورواها عنه أخوه أبو الحسن عليّ.

٣ ـ أبو جعفر أحمد بن محمد البرقي : المتوفّى (٢٧٤ ، ٢٨٠) ، كما في علل الشرائع (٤).

٤ ـ أبو علي الجبّائي شيخ المعتزلة : المتوفّى (٣٠٣) ، كما في الفرقة الناجية للشيخ إبراهيم القطيفي ، والبحار للعلاّمة المجلسي (٥) (٨ / ١٦١).

٥ ـ وجدت بخطّ قديم عليه كتابة الوزير أبي الحسن عليّ بن الفرات : المتوفّى (٣١٢) ، كما في شرح ابن ميثم (٦).

٦ ـ أبو القاسم البلخي أحد مشايخ المعتزلة : المتوفّى (٣١٧) ، كما في شرح ابن أبي الحديد (٧) (١ / ٦٩).

٧ ـ أبو أحمد عبد العزيز الجلودي البصري : المتوفّى (٣٣٢) ، كما في معاني الأخبار (٨).

__________________

(١) علل الشرائع : ١ / ١٨٤ ح ١٣.

(٢) معاني الأخبار : ص ٣٦٠.

(٣) أمالي الطوسي : ص ٣٧٢ ـ ٣٧٤ ح ٨٠٣.

(٤) علل الشرائع : ١ / ١٨١ ح ١٢.

(٥) بحار الأنوار : ٨ / ١٥٥ ـ الطبعة الحجرية.

(٦) شرح نهج البلاغة لابن ميثم : ١ / ٢٥٢ ـ ٢٥٣ خطبة ٣.

(٧) شرح نهج البلاغة : ١ / ٢٠٥ خطبة ٣.

(٨) معاني الأخبار : ص ٣٦٠.

١١٠

٨ ـ أبو جعفر بن قبة تلميذ أبي القاسم البلخي المذكور ، رواها في كتابه الإنصاف كما في شرح ابن أبي الحديد (١) (١ / ٦٩) ، وشرح ابن ميثم (٢).

٩ ـ الحافظ سليمان بن أحمد الطبراني : المتوفّى (٣٦٠) ، كما في طريق القطب الراوندي في شرح النهج (٣).

١٠ ـ أبو جعفر بن بابويه القمي : المتوفّى (٣٨١) ، في كتابيه : علل الشرائع (٤) ومعاني الأخبار (٥).

١١ ـ أبو أحمد الحسن بن عبد الله العسكري : المتوفّى (٣٨٢) ، حكى عنه شيخنا الصدوق شرح الخطبة في معاني الأخبار (٦) والعلل (٧).

لفت نظر :

عدّه السيّد العلاّمة الشهرستاني في ما هو نهج البلاغة (ص ٢٢) ممّن روى الشقشقيّة فأرّخ وفاته بسنة (٣٩٥) ، وذكره في (ص ٢٣) فقال : من أبناء القرن الثالث. لا يتمُّ هذا ولا يصحّ ذاك ، وقد خفي عليه أنَّ الحسن بن عبد الله العسكري راوي الشقشقية هو أبو أحمد صاحب كتاب الزواجر وقد توفّي سنة (٣٨٢) وولد (٢٩٣) ، وحسبه أبا هلال الحسن بن عبد الله العسكري صاحب كتاب الأوائل تلميذ أبي أحمد العسكري ، والتاريخ الذي ذكره تاريخ فراغه من كتابه الأوائل لا تاريخ وفاته. توجد

__________________

(١) شرح نهج البلاغة : ١ / ٢٠٦ خطبة ٣.

(٢) شرح نهج البلاغة لابن ميثم : ١ / ٢٥٢ خطبة ٣.

(٣) منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة : ١ / ١٣٢.

(٤) علل الشرائع : ١ / ١٨١ ح ١٢.

(٥) معاني الأخبار : ص ٣٦٠.

(٦) معاني الأخبار : ص ٣٦٢.

(٧) علل الشرائع : ١ / ١٨٢ ح ١٢.

١١١

ترجمة كلا الحسنين العسكريين في معجم الأدباء (٨ / ٢٣٣ ـ ٢٦٨) ، وبغية الوعاة (١) : (ص ٢٢١).

١٢ ـ أبو عبد الله المفيد : المتوفّى (٤١٢) ، أستاذ الشريف الرضي رواها في كتابه الإرشاد (٢) (ص ١٣٥).

١٣ ـ القاضي عبد الجبّار المعتزلي : المتوفّى (٤١٥) ، ذكر في كتابه المغني (٣) تأويل بعض جمل الخطبة ومنع دلالتها على الطعن في خلافة من تقدّم على أمير المؤمنين من دون أيّ إيعاز إلى الغمز في إسنادها.

١٤ ـ الحافظ أبو بكر بن مردويه : المتوفّى (٤١٦) ، كما في طريق الراوندي في شرح النهج (٤).

١٥ ـ الوزير أبو سعيد الآبي : المتوفّى (٤٢٢) ، في كتابه نثر الدرر ونزهة الأدب (٥).

١٦ ـ الشريف المرتضى أخو الشريف الرضي الأكبر : توفّي سنة (٤٣٦) ، ذكر جملة منها في الشافي (٦) (ص ٢٠٣) فقال : مشهور. وذكر صدرها في (ص ٢٠٤) فقال : معروف.

١٧ ـ شيخ الطائفة الطوسي : المتوفّى (٤٦٠) ، رواها في أماليه (٧) (ص ٣٢٧) عن

__________________

(١) بغية الوعاة : ١ / ٥٠٦ رقم ١٠٤٥ ، ١٠٤٦.

(٢) الإرشاد : ص ١٥٢.

(٣) المغني : ص ٢٩٥.

(٤) منهاج البراعة : ١ / ١٣٢.

(٥) نثر الدرر ونزهة الأدب : ص ٩٩.

(٦) الشافي في الإمامة : ٣ / ٢٢٤ ، ٢٢٨.

(٧) أمالي الطوسي : ص ٣٧٢ ـ ٣٧٤ ح ٨٠٣.

١١٢

السيّد أبي الفتح هلال بن محمد بن جعفر الحفّار المترجم في مستدرك العلاّمة النوري (٣ / ٥٠٩) من طريق الخزاعيّين ، وفي تلخيص الشافي (١).

١٨ ـ أبو الفضل الميداني : المتوفّى (٥١٨) ، في مجمع الأمثال (٢) (ص ٣٨٣) قال : ولأمير المؤمنين عليّ رضى الله عنه خطبة تعرف بالشقشقيّة ، لأنّ ابن عبّاس قال له حين قطع كلامه : يا أمير المؤمنين لو اطّردت مقالتك من حيث أفضيت. فقال : هيهات يا ابن عبّاس تلك شقشقةٌ هدرت ثمّ قرّت.

١٩ ـ أبو محمد عبد الله بن أحمد البغدادي الشهير بابن الخشاب : المتوفّى (٥٦٧) ، قرأها عليه أبو الخير مصدّق الواسطي النحوي ، وسيوافيك بُعيد هذا كلامه فيها.

٢٠ ـ أبو الحسن قطب الدين الراوندي : المتوفّى (٥٧٣) ، رواها في شرح نهج البلاغة (٣) من طريق الحافظين : ابن مردويه والطبراني وقال : أقول : وجدتها في موضعين تاريخهما قبل مولد الرضي بمدّة ، أحدهما : أنَّها مضمنة كتاب الإنصاف لأبي جعفر بن قبة تلميذ أبي القاسم الكعبي أحد شيوخ المعتزلة وكانت وفاته قبل مولد الرضي. الثاني : وجدتها بنسخة عليها خطّ الوزير أبي الحسن عليّ بن محمد بن الفرات وكان وزير المقتدر بالله ، وذلك قبل مولد الرضي بنيف وستّين سنة ، والذي يغلب على ظنّي أنَّ تلك النسخة كانت كتبت قبل وجود ابن الفرات بمدة.

٢١ ـ أبو منصور الطبرسي أحد مشايخ ابن شهرآشوب : المتوفّى (٥٨٨) في كتابه الاحتجاج (٤) (ص ٩٥) فقال : روى جماعة من أهل النقل من طرق مختلفة عن ابن عبّاس.

__________________

(١) تلخيص الشافي : ٣ / ٥٣.

(٢) مجمع الأمثال : ٢ / ١٧٠ رقم ١٩٨٧.

(٣) منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة : ١ / ١١٨ ، ١٣٥.

(٤) الاحتجاج : ١ / ٤٥١ ح ١٠٥.

١١٣

٢٢ ـ أبو الخير مصدّق بن شبيب الصلحي النحوي : المتوفّى (٦٠٥) ، قرأها على أبي محمد بن الخشّاب وقال : لمّا قرأت هذه الخطبة على شيخي أبي محمد بن الخشّاب ووصلت إلى قول ابن عبّاس : ما أسفت على شيء قطُّ كأسفي على هذا الكلام. قال : لو كنت حاضراً لقلت لابن عبّاس : وهل ترك ابن عمّك في نفسه شيئاً لم يقله في هذه الخطبة؟ فإنّه ما ترك لا الأوّلين ولا الآخرين. قال مصدّق : وكانت فيه دعابة ، فقلت له : يا سيّدي فلعلّها منحولةٌ إليه. فقال : لا والله إنّي أعرف أنَّها من كلامه كما أعرف أنّك مصدّق. قال فقلت : إنَّ الناس ينسبونها إلى الشريف الرضي. فقال : لا والله ، ومن أين للرضي هذا الكلام وهذا الأُسلوب ، فقد رأينا كلامه في نظمه ونثره لا يقرب من هذا الكلام ولا ينتظم في سلكه ، ثمّ قال : والله لقد وقفت على هذه الخطبة في كتب صُنّفت قبل أن يخلق الرضي بمائتي سنة ، ولقد وجدتها مسطورة بخطوط أعرفها وأعرف خطوط من هو من العلماء وأهل الأدب قبل أن يُخلق النقيب أبو أحمد والد الرضي. راجع شرح ابن ميثم (١). وشرح ابن أبي الحديد (٢) (١ / ٦٩).

٢٣ ـ مجد الدين أبو السعادات ابن الأثير الجزري المتوفّى (٦٠٦) ، أوعز إليها في كلمة شقشق في النهاية (٣) (٢ / ٢٤٩) فقال : ومنه حديث عليّ في خطبة له : تلك شقشقة هدرت ثم قرّت.

٢٤ ـ أبو المظفّر سبط ابن الجوزي : المتوفّى (٦٥٤) في تذكرته (٤) (ص ٧٣) من طريق شيخه أبي القاسم النفيس الأنباري بإسناده عن ابن عبّاس فقال : تُعرف بالشقشقيّة ، ذكر بعضها صاحب نهج البلاغة وأخلَّ بالبعض وقد أتيت بها مستوفاة. ثمّ ذكرها مع اختلاف ألفاظها.

__________________

(١) شرح نهج البلاغة لابن ميثم : ١ / ٢٥٢ خطبة ٣.

(٢) شرح نهج البلاغة : ١ / ٢٠٥ خطبة ٣.

(٣) النهاية في غريب الحديث : ٢ / ٤٩٠.

(٤) تذكرة الخواص : ص ١٢٤.

١١٤

٢٥ ـ عزّ الدين ابن أبي الحديد المعتزلي : المتوفّى (٦٥٥) قال في شرح النهج (١) (١ / ٦٩) : قلت : وقد وجدت أنا كثيراً من هذه الخطبة في تصانيف شيخنا أبي القاسم البلخي إمام البغداديّين من المعتزلة وكان في دولة المقتدر قبل أن يخلق الرضي بمدّة طويلة. ووجدت أيضاً كثيراً منها في كتاب أبي جعفر بن قبة أحد متكلّمي الإماميّة وهو الكتاب المشهور بكتاب الإنصاف ، وكان أبو جعفر هذا من تلامذة الشيخ أبي القاسم البلخي رحمه‌الله تعالى ومات في ذلك العصر قبل أن يكون الرضي رحمه‌الله تعالى موجوداً.

٢٦ ـ كمال الدين بن ميثم البحراني : المتوفّى (٦٧٩) ، حكاها عن نسخة قديمة عليها خطُّ الوزير عليّ بن الفرات : المتوفّى (٣١٢) ، وعن كتاب الإنصاف لابن قبة ، وذكر كلمة ابن الخشّاب المذكورة وقراءة أبي الخير إيّاها عليه.

٢٧ ـ أبو الفضل جمال الدين بن منظور الإفريقي المصري : المتوفّى (٧١١) قال في مادّة : شقشق من كتابه لسان العرب (٢) (١٢ / ٥٣) : وفي حديث عليّ رضوان الله عليه في خطبة له : تلك شقشقةٌ هدرت ثمّ قرّت.

٢٨ ـ مجد الدين الفيروزآبادي : المتوفّى (٨١٦ ، ٨١٧) أوعز إليها في القاموس (٣) (٣ / ٢٥١) قال : والخطبة الشقشقية العلويّة لقوله لابن عبّاس لمّا قال له : لو اطّردت مقالتك من حيث أفضيت ، يا ابن عبّاس هيهات تلك شقشقةٌ هدرت ثمّ قرّت.

ثمّ ما عساني أن أقول بعد ما يعربد شاعر النيل (٤) اليوم ، ويؤجّج النيران الخامدة ويُجدّد تلكم الجنايات المنسيّة ـ لاها الله لا تُنسى مع الأبد ـ ويعدّها ثناء على

__________________

(١) شرح نهج البلاغة : ١ / ٢٠٥ ـ ٢٠٦ خطبة ٣.

(٢) لسان العرب : ٧ / ١٦٨.

(٣) القاموس المحيط : ص ١١٦٠.

(٤) محمد حافظ إبراهيم : المتوفّى سنة : ١٩٣٣ م ١٣٥١ ه‍. (المؤلف)

١١٥

السلف ، ويرفع عقيرته بعد مضي قرون على تلكم المعرّات ، ويتبهّج ويتبجّح بقوله في القصيدة العمريّة تحت عنوان : عمر وعليّ :

وقولةٍ لعليٍّ قالها عُمرُ

أكرم بسامعها أعظِم بملقيها

حرّقتُ دارَكَ لا أُبقي عليك بها

إن لم تبايعْ وبنتُ المصطفى فيها

ما كان غيرُ أبي حفصٍ يفوهُ بها

أمامَ فارسِ عدنانٍ وحاميها

ما ذا أقول بعد ما تحتفل الأمّة المصريّة في حفلة جامعة في أوائل سنة (١٩١٨) بإنشاد هذه القصيدة العمريّة التي تتضمّن ما ذكر من الأبيات؟ وتنشرها الجرائد في أرجاء العالم ، ويأتي رجال مصر نظراء أحمد أمين ، وأحمد الزين ، وإبراهيم الأبياري (١) ، وعلي الجارم ، وعلي أمين (٢) ، وخليل مطران (٣) ، ومصطفى الدمياطي بك (٤) وغيرهم (٥) ويعتنون بنشر ديوانٍ هذا شعره ، وبتقدير شاعر هذا شعوره ، ويخدشون العواطف في هذه الأزمة ، في هذا اليوم العصبصب ، ويعكِّرون بهذه النعرات الطائفيّة صفو السلام والوئام في جامعة الإسلام ، ويشتّتون بها شمل المسلمين ، ويحسبون أنّهم يحسنون صنعاً.

وتراهم يجدّدون طبع ديوان الشاعر وقصيدته العمريّة خاصّة مرّة بعد أخرى ، ويعلِّق عليها شارحها الدمياطي قوله في البيت الثاني : المراد أنَّ عليّا لا يعصمه من

__________________

(١) ضبط وصحّح وشرح هؤلاء الثلاثة الديوان طبعة سنة ١٩٣٧ م بدار الكتب في جزءين والأبيات المذكورة توجد فيها : ١ / ٨٢. (المؤلف)

(٢) هما ومعهما ثالث التزموا تصحيح الديوان في طبعة أخرى. (المؤلف)

(٣) له مقدّمة لديوان حافظ في طبعة مكتبة الهلال سنة ١٩٣٥ م ١٣٥٣ ه‍ والأبيات فيها : ص ١٨٤ ، غير أنَّ الشطر الثاني من البيت الثاني محرّف ب : إن لم تبالغ وبنت المصطفى فيها. (المؤلف)

(٤) شارح القصيدة العمرية طبع بمطبعة السعادة في مصر في ٩٠ صفحة. توجد الأبيات فيه مشروحة : ص ٣٨. (المؤلف)

(٥) في عدّة طبعات أخرى. (المؤلف)

١١٦

عمر سكنى بنت المصطفى في هذه الدار.

وقال في (ص ٣٩) من الشرح : وفي رواية لابن جرير الطبري قال : حدّثنا جرير ، عن مغيرة ، عن زياد بن كليب قال : أتى عمر بن الخطّاب منزل عليّ وبه طلحة والزبير ورجال من المهاجرين فقال : والله لأحرقنَّ عليكم أو لتخرجنَّ إلى البيعة ، فخرج عليه الزبير مصلتاً بالسيف فسقط السيف من يده فوثبوا عليه فأخذوه. فإن كان زياد هذا هو الحنظلي أبو معشر الكوفي فهو موثّق. والظاهر أنَّ حافظاً رحمه‌الله عوّل على هذه الرواية. انتهى.

وتراهم بالغوا في الثناء على الشاعر وقصيدته هذه كأنَّه جاء للأمّة بعلم جمّ ، أو رأي صالح جديد ، أو أتى لعمر بفضيلة رابية تسرُّ بها الأمّة ونبيُّها المقدّس ، فبشرى بل بشريان للنبيّ الأعظم بأنَّ بضعته الصدِّيقة لم تكن لها أيّ حرمة وكرامة عند من يلهج بهذا القول ، ولم يكن سكناها في دار طهّر الله أهلها يعصمهم منه ومن حرق الدار عليهم. فزهٍ زهٍ بانتخاب هذا شأنه ، وبخٍ بخٍ ببيعة تمّت بذلك الإرهاب ، وقضت بتلك الوصمات.

لا تهمّنا هذه كلّها وإنَّما يهمّنا الساعة ـ بعد أن درسنا تاريخ حياة الخليفة الأوّل فوجدناه لدة غيره من الناس العاديِّين في نفسيّاته قبل إسلامه وبعده ، وإنَّما سنّمه عرش الخلافة الانتخاب فحسب ـ البحث في موضوعين ، ألا وهما : فضائله المأثورة وملكاته النفسيّة.

ـ ١ ـ

فضائله المأثورة

هل صحّ عن النبيّ الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيه حديث فضيلة؟ وهل صحيح ما رووه فيه من الثناء الكثير الحافل؟ نحن هاهنا نقف موقف المستشفّ للحقيقة ، ولا ننبس

١١٧

في القضاء ببنتِ شفة ، غير ما ننقله عن أئمة فنّ الحديث المميّزين بين صحيحه وسقيمه. ثمّ نردفه بالاعتبار الذي يساعده.

قال الفيروزآبادي في خاتمة كتابه سفر السعادة (١) المطبوع : خاتمة الكتاب في الإشارة إلى أبواب روي فيها أحاديث وليس منها شيء صحيح ، ولم يثبت منها عند جهابذة علماء الحديث شيءٌ. ثمّ عدَّ أبواباً إلى أن قال (٢) :

باب فضائل أبي بكر الصدّيق رضى الله عنه. أشهر المشهورات من الموضوعات أنَّ الله يتجلّى للناس عامّة ولأبي بكر خاصّة. وحديث : ما صبَّ الله في صدري شيئاً إلاّ وصبّه في صدر أبي بكر. وحديث : كان صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا اشتاق الجنّة قبّل شيبة أبي بكر. وحديث : أنا وأبو بكر كفرسي رهان. وحديث : إنَّ الله لمّا اختار الأرواح اختار روح أبي بكر. وأمثال هذا من المفتريات المعلوم بطلانها ببديهة العقل. انتهى.

وعدَّ العجلوني في كتابه كشف الخفاء (ص ٢ / ٤١٩ ـ ٤٢٤) مائة باب من أبواب الفقه وغيره فقال : لم يصحّ فيه حديث. أو : ليس فيه حديث صحيح. وما يقاربهما وقال في (ص ٤١٩) : باب فضائل أبي بكر الصدّيق رضى الله عنه أشهر المشهورات من الموضوعات كحديث : إن الله يتجلّى للناس عامّة ولأبي بكر خاصّة. إلى آخر عبارة الفيروزآبادي المذكورة.

وذكر السيوطي في اللآلئ المصنوعة (١ / ٢٨٦ ـ ٣٠٢) ثلاثين حديثاً من أشهر فضائل أبي بكر ممّا أتخذه المؤلِّفون في القرون الأخيرة من المتسالم عليه ، وأرسلوه إرسال المسلّم بلا أيِّ سند أو أيِّ مبالاة وزيّفها وحكم فيها بالوضع وذكر رأي الحفّاظ فيها.

__________________

(١) سفر السعادة : ٢ / ٢٠٧.

(٢) سفر السعادة : ٢ / ٢١١.

١١٨

كان السيوطي يهملج وراء القوم فبهظه أن لا يستصحّ حتى حديثاً واحداً من تلكم الثلاثين فقال في (ص ٢٩٦) فيما عزا إليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من قوله : عُرج بي إلى السماء فما مررت بسماء إلاّ وجدت فيها مكتوباً : محمد رسول الله ، أبو بكر الصدّيق من خلفي بعد ما حكم عليه بالوضع لمكان عبد الله بن إبراهيم الغفاري (١) الوضّاع. ومكان شيخه عبد الرحمن بن زيد المتّفق على ضعفه بنصّ منه عليهما بذلك ما لفظه :

قلت : الذي أستخير الله فيه الحكم على هذا الحديث بالحسن لا بالوضع ولا بالضعف لكثرة شواهده. ثمّ ذكر شواهد عن طرق لا يصحُّ شيء منها ، وفي كلِّ واحد منها وضّاع أو كذّاب ، أو من اتّفق على ضعفه ، أو مجهول لا يُعرف يروي عن مجهول مثله ، وقد عزب عنه أنَّ الاستخارة لا تقلّب الشر خيراً ، ولا يعيد السقيم صحيحاً ولا المنكر معروفاً.

وراحت إلى العطار تبغي شبابها

فهل يُصلح العطار ما أفسد الدهرُ

والله سبحانه لا يجازف في إسداء الخير ، والشواهد المكذوبة لا تقوّي الضعف مع نصِّ الحفّاظ على كلّ واحد منها بالوضع أو الضعف ، وإليك بيان طرق تلك الشواهد.

١ ـ طريق الخطيب البغدادي ، مرَّ في الجزء الخامس (ص ٣٠٣ ، ٣٢٥) الطبعة الثانية.

٢ ـ طريق البزّار في مسنده وفيه عبد الله بن إبراهيم الغفاري الوضّاع ، وشيخه عبد الرحمن بن زيد المتّفق على ضعفه كما في تهذيب التهذيب (٢) (٦ / ١٧٨) ، واللآلئ المصنوعة (١ / ٢٩٦).

__________________

(١) راجع الجزء الخامس من هذا الكتاب : ص ٣٠٣. (المؤلف)

(٢) تهذيب التهذيب : ٦ / ١٦١.

١١٩

٣ ـ طريق ابن شاهين في السنّة وهو طريق الخطيب البغدادي وحديثه ، وقد حكم الذهبي (١) وابن حجر (٢) ببطلانه كما مرَّ في الجزء الخامس.

٤ ـ طريق الدارقطني في الأفراد ، قال السيوطي في اللآلئ (١ / ٢٩٧) بعد ذكره : قال الدارقطني : تفرّد به محمد بن فضيل عن ابن جريج لا أعلم أحداً حدّث به غير هذين. وأورده المؤلّف في الواهيات من طريق السري وقال : لا يصحّ. قال ابن حبّان (٣) : لا يحلُّ الاحتجاج بالسري بن عاصم.

قال الأميني : السري بن عاصم راوي الحديث أحد الكذّابين مرّت ترجمته في الجزء الخامس (ص ٢٣١) ، وللدارقطني (٤) طريق آخر وفيه عمر بن إسماعيل بن مجالد أحد الكذّابين (٥) وبهذا الطريق ذكره السيوطي في اللآلئ (١ / ٣٠٩) فقال : لا يصحُّ ، آفته عمر كذّاب.

٥ ـ طريق الديلمي في مسند الفردوس ، فيه بعد رجال مجاهيل عبد المنعم بن بشير أبو الخير الكذّاب الوضّاع الذي له مائتا حديث كذب (٦) ، وعبد الرحمن بن زيد ابن أسلم المجمع على ضعفه كما مرَّ.

٦ ـ طريق الختلي في ديباجه عن نصر بن حريش (٧) عن أبي سهل مسلم الخراساني عن عبد الله بن إسماعيل عن الحسن البصري قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

__________________

(١) ميزان الاعتدال : ٣ / ٦٠٩ رقم ٧٨٠٩.

(٢) تهذيب التهذيب : ٥ / ١٢١.

(٣) كتاب المجروحين : ١ / ٣٥٦.

(٤) الضعفاء والمتروكون : ص ٢٩٣ رقم ٣٧١.

(٥) راجع الجزء الخامس من كتابنا هذا : ص ٢٤٦. (المؤلف)

(٦) راجع الجزء الخامس من الكتاب : ص ٢٤١. (المؤلف)

(٧) في اللآلئ [ ١ / ٢٩٨ ] : جريش ، والصحيح ما ذكرناه. (المؤلف)

١٢٠