إثارة التّرغيب والتّشويق إلى المساجد الثّلاثة والبيت العتيق

محمّد بن إسحاق الخوارزمي

إثارة التّرغيب والتّشويق إلى المساجد الثّلاثة والبيت العتيق

المؤلف:

محمّد بن إسحاق الخوارزمي


المحقق: دكتور مصطفى محمّد حسين الذّهبي
الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: مكتبة نزار مصطفى الباز
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٠

وأما الذى عمله الملك الظاهر نحو قامتين.

فلما كان فى سنة أربع وتسعين وستمائة زاد عليه الملك العادل زين الدولة والدين كتبغا شباكا دائرا عليه ورفعه حتى وصّله إلى سقف المسجد الشريف (١).

ثم عمل ابن أبى الهيجاء وزير الملك بمصر كسوة للحجرة المقدسة من الدسق الأبيض وأدار عليها طرازا أحمر مكتوب عليه سورة يس بأسرها وعلقها نحو العامين على الجدار الدائر على الحجرة المقدسة بعد الأذن من الخليفة المستضىء بأمر الله فى ذلك.

ثم جاءت من الخليفة المستضىء بالله كسوة من الأبريسم البنفسجى عليها الطرز والجامات البيض المرقومة ، وعليها مكتوب : أبو بكر وعمر وعثمان وعلىّ ، وعلى طرازها اسم الخليفة ، ثم شيلت تلك ونفدت إلى مشهد علىّ بن أبى طالب رضى الله عنه بالكوفة وعلقت هذه عوضها (٢).

فلما ولى الإمام الناصر لدين الله تعالى أنفد كسوة أخرى من الأبريسم الأسود وطرزها وجاماتها من الأبريسم الأبيض وعلقت فوق ذلك.

فلما حجت أم الخليفة وعادت إلى العراق عملت كسوة على شكل الكسوة المذكورة قبلها ونفدتها ، فعلقت فوق الأوليتين ، فصار يومئذ على الجدار ثلاث ستائر.

ثم فى زماننا هذا ترسل الكسوة من جهة مصر بعد سبع سنين من الأبريسم الأسود وتعلق بعد قلع التى قبلها ، والله أعلم (٣).

__________________

(١) المرجع السابق ٣ / ١٤١٩.

(٢) هداية السالك ٣ / ١٤١٧.

(٣) المرجع السابق.

٣٨١

الفصل الثالث والعشرون

فى ذكر أن بعد بناء عمر بن عبد العزيز

هل دخل أحد بيت النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أم لا

ولم يرو أحد ذلك إلا ما حكاه ابن النجار فى تاريخه أنه فى سنة ثمان وأربعين وخمس مائة سمع من داخل الحجرة المقدسة هدّة فاقتضى رأيهم إنزال شخص من أهل الدين والصلاح هناك فلم يروا أحدا أمثل حالا من الشيخ عمر النسائى شيخ الشيوخ بالموصل ، فكلموه فى ذلك فامتنع واعتذر بسبب مرض يحتاج معه إلى الوضوء فى غالب الأوقات ، فألزم بذلك. فيقال : إنه امتنع من الأكل والشرب مدة وسأل الله تعالى إمساك هذا المرض عنه بقدر ما ينزل ويخرج ، فأنزلوه بالحبال من بين السقفين من الطاق ، فنزل بين حائط بيت النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبين الحائز ومعه شمعة يستضىء بها ، ومشى إلى بيت النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ودخل من الباب إلى القبور المقدسة ، فرأى شيئا من ردم ، إما من السقف ، وإما من الحائط وقد وقع على القبور المقدسة فأزاله ، وكنس ما عليها من التراب بلحيته وكان مليح الشيبة ، ثم طلع فأمسك الله تعالى عنه هذا المرض بقدر ما نزل وطلع (١).

ثم فى سنة أربع وخمسين وخمس مائة وجدت من داخل الحجرة المقدسة رائحة كريهة متغيرة فنزل الطواشى بيان ـ من أحد خدام الحرم الشريف ـ ونزل معه الصفى الموصلى متولى عمارة المسجد الشريف ، ونزل معهما هارون الصوفى فوجدوا هرا قد سقط من الشباك الذى بأعلى الحائط بين الحائط وبين النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأخرجوها وطيبوا مكانها ، وكان نزولهم يوم السبت الحادى عشر من شهر ربيع الآخر سنة أربع وخمسين وخمس مائة (٢).

__________________

(١) ذكر هذا الخبر ابن جماعة فى هداية السالك ٣ / ١٤١٨.

(٢) ذكر هذا الخبر ابن جماعة فى هداية السالك ٣ / ١٤١٨.

٣٨٢

الفصل الرابع والعشرون

فى ذكر المنبر الشريف والأسطوانة الحنانة

فعمل لسيدنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم منبر بأمره فى سنة ثمان من الهجرة.

عن أنس بن مالك ـ رضى الله عنه ـ قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يخطب يوم الجمعة إلى جنب جذع مسندا ظهره إليه ، فلما كثر الناس قال : «ابنوا لى منبرا» فبنوا له وكان له درجتين ومجلسا ، فلما قام على المنبر ليخطب حنّت الخشبة إلى رسول الله. قال أنس : وأنا فى المسجد فسمعت الخشبة تحن حنين الواله ، فما زالت تحن حتى نزل إليها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فاحتضنها ، فسكنت. فقال عليه‌السلام : «لو لم أحتضنها لحنّت إلى يوم القيامة» (١).

وفى بعض الروايات : خار كخوار الثور حتى أرتجّ المسجد من خواره تحزنا على فراق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وفى رواية أنس رضى الله عنه : حتى ارتجّ لخواره (٢).

وفى رواية سهل : وكثر بكاء الناس لما رأوا به.

وذكر الشيخ مظفر الدين الإسفراينى أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم دعاه إلى نفسه فجاءه يخرق الأرض فالتزمه ثم عاد إلى مكانه (٣).

وفى رواية : خار حتى تصدّع ، وانشق حتى جاء النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فوضع يده عليه فسكن ، فأمر به النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فدفن تحت المنبر (٤).

__________________

(١) أخرجه : البيهقى فى الدلائل ٢ / ٥٥٩ ، الدارمى فى السنن ١ / ٢٥ ، الجندى فى فضائل مكة (٣٧) ، ابن حجر فى فتح البارى ٦ / ٦٠٢.

والوله : ذهاب العقل حيرة من حزن أو عشق أو نحوهما.

(٢) أحمد فى المسند ١ / ٢٤٩ ، ٢٦٣ ، ٢٦٧ ، ابن ماجه (١٤١٥) ، أبو نعيم فى دلائل النبوة (ص : ١٤٢).

(٣) البيهقى فى دلائل النبوة ٢ / ٥٥٧.

(٤) أخرجه : البخارى (٣٥٨٥) ، البيهقى فى الدلائل ٢ / ٥٦٠.

٣٨٣

وفى رواية يحيى : فحن الجذع حنينا رقّ له أهل المسجد ، فأتاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فوضع يده عليه فسكن ، وقال له : «إن شئت أن أردك إلى الحائط الذى كنت فيه كما كنت تنبت لك عروقك ويكمل خلقك ويجدد خوصك وتمرك ، وإن شئت أن أغرسك فى الجنة فيأكل أولياء الله من تمرك» ثم أصغى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم رأسه يستمع ما يقول فقال : بل تغرسنى فى الجنة فيأكل منى أولياء الله تعالى ، وأكون فى مكان لا أبلى فيه ، فسمعه من يليه فقال النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «فنعم قد فعلت» ، ثم عاد إلى المنبر وأقبل على الناس فقال : «خيرته كما سمعتم فاختار أن أغرسه فى الجنة ، اختار دار البقاء على دار الفناء».

وفى رواية : فغاب الجذع وذهب.

وكان الشيخ أبو الحسن البصرى ـ رحمه الله ـ إذا حدّث بحديث الجذع بكى طويلا وقال : يا عباد الله الخشبة تحن إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم شوقا إليه من الله تعالى ؛ فأنتم أحق أن تشتاقوا إلى لقائه (١).

وحديث الجذع مشهور ، والخبر به متواتر. وجماعة من الصحابة كلهم يحدث بمعنى هذا الحديث منهم : أبى بن كعب ، وجابر بن عبد الله ، وأنس بن مالك ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن عباس ، وسهل بن سعد ، وأبو سعيد الخدرى ، وبريدة ، وأم سلمة ، والمطلب بن أبى وداعة.

وفى رواية جابر بن عبد الله : سمعنا لذلك الجذع صوتا كصوت العشار (٢).

واعلم أن هذا الجذع ليس له اليوم عين ولا أثر ؛ فقد روى أن أبى بن كعب ـ رضى الله عنه ـ أخذه لما غير المسجد وهدم فكان عنده فى بيته حتى بلى وأكلته الأرضة وعاد رفاة (٣).

__________________

(١) البيهقى فى الدلائل ٢ / ٥٥٩ ، سنن الدارمى ١ / ٢٥ ، مثير الغرام (ص : ٤٧٠).

(٢) أخرجه : البخارى (٣٥٨٥) ، والعشار : جمع عشراء ؛ وهى الناقة التى انتهت فى حملها إلى عشرة أشهر.

(٣) أحاديث حنين الجذع متواترة عن جمع غفير من الصحابة ، انظر عن ذلك : دلائل النبوة للبيهقى ٢ / ٥٥٦ ، أحمد ١ / ٢٤٩ ، سنن الدارمى (٣٩) وما بعده ، الأزهار المتناثرة (٣٦) ، نظم المتناثر (١٣٤ ـ ١٣٥) ، الخصائص الكبرى ٢ / ١٢٦ ، الزرقانى على المواهب ٥ / ١٣٣. وفاء الوفا ٤ / ٣٨٨ ـ ٣٩١.

٣٨٤

وكان المنبر المعمول للنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم من طرفاء الغابة ، عمله غلام لامرأة من الأنصار واسمه مينا ، وقيل : إبراهيم.

وفى رواية : صنعه غلام عمه العباس ـ رضى الله عنه ـ واسمه الصباح ، وقيل : كلاب.

وقيل : إنما عمله تميم الدارى. رواه أبو داود فى سننه.

وقيل : عمله غلام لسعيد بن العاص واسمه باقول.

ونقل عن الواقدى عن ابن الزياد : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يجلس على المجلس ويضع رجليه على الدرجة الثانية ، فلما ولى أبو بكر ـ رضى الله عنه ـ قام على الدرجة الثانية ووضع رجليه على الأرض إذا قعد ، فلما ولى عثمان ـ رضى الله عنه ـ فعل كذلك ست سنين من خلافته ، ثم علا فجلس فى موضع النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقال : من يأتى بعدنا أين يجلس؟ رضى الله عنه (١). وكسى المنبر قبطية وهو أول من كساه ، فسرقتها امرأة فأتى بها فقال لها : سرقت؟ قولى لا ، فاعترفت فقطع يدها.

وكان طول منبر النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ كما حكاه ابن النجار ـ : ذراعان فى السماء وثلاثة أصابع ، وعرضه : ذراع راجح ، وطول صدره وهو مستند النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ذراع ، وطول رمّانتى المنبر اللتين كان يمسكهما بيديه الكريمتين إذا جلس : شبر وأصبعان ، وعرضه : ذراع فى ذراع ، وتربيعه سواء ، وعدد درجاته : ثلاث بالمقعد ، وفيه خمسة أعواد من جوانبه الثلاثة ، وهكذا كان فى حياته صلى‌الله‌عليه‌وسلم وفى خلافة أبى بكر وعمر وعثمان وعلىّ رضى الله عنهم.

ثم لما حج معاوية كساه قبطية ، والقبطية بضم القاف وقد تكسر مع سكون الباء الموحدة ثياب رقاق من مصر.

وكانت الخلفاء يرسلون فى كل سنة ثوبا من الحرير الأسود وله علم يكسى به المنبر ، ولما كثرت الكسوة عندهم جعلوها ستورا على أبواب الحرم الشريف. هكذا حكاه ابن النجار.

__________________

(١) انظر : هداية السالك ٣ / ١٤٢٠.

٣٨٥

وينبغى أن يعلم أن الأبواب الشريفة لها ستور بالاستقلال الآن لكن لا يظهرونها إلا فى أوقات المهمات كقدوم سلطان أو أمير (١).

ثم فى عشر الستين وسبع مائة اشتريت قرية من بيت مال المسلمين ووقفت على كسوة الكعبة المشرفة فى كل سنة وعلى كسوة الحجرة المقدسة والمنبر الشريف فى كل سبع سنين ، ثم لما رجع معاوية كتب إلى مروان ـ وهو عامله على المدينة ـ أن ارفع المنبر عن الأرض وزد فيه ، فدعى النجارين فرفعوه عن الأرض وزاد من أسفله ست درجات ، فصار للمنبر الشريف تسع درجات بالمجلس.

وقال ابن زبالة لم يزد فيه أحد قبله ولا بعده ؛ كذا نقله المطرى عنه.

ونقل ابن النجار أن مروان أراد أن يبعث بمنبر النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى معاوية فكسفت الشمس حتى دنت النجوم وأظلمت المدينة وأصابتهم ريح شديدة فامتنع منه.

وذكر أن المهدى بن منصور لما حج سنة إحدى وستين ومائة قال للإمام مالك ابن أنس : إنى أريد أن أعيد منبر النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى حاله الأولى ، فقال له مالك : إنما هو من طرفاء الغابة وقد سمر إلى هذه العيدان وشد فمتى نزعته خفت أن يتهافت ، فلا نرى أن تغيره ، فتركه المهدى على حاله ورجع عما أراد.

ويقال : إن المنبر الذى زاد فيه معاوية تهافت على طول الزمان وأن بعض الخلفاء من بنى العباس جدد منبرا واتخذ من بقايا أعواد منبر النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أمشاطا للتبرك بها.

ثم احترق المنبر لما احترق المسجد الشريف ، فعمل الملك المظفر صاحب اليمن منبرا رمانتاه من الصندل ، وأرسله فى سنة ست وخمسين وستمائة ، ونصب فى موضع منبر النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يؤخر عنه ولم يزل كذلك إلى سنة ست وستين وستمائة يخطب عليه.

ثم أرسل الملك الظاهر هذا المنبر الموجود اليوم ، فقلع منبر صاحب اليمن وجعل فى حاصل الحرم ، وهو باق إلى اليوم فى القبة ، ونصب منبر الملك الظاهر

__________________

(١) انظر ما يتعلق بالمنبر من التاريخ فى وفاء الوفا ٢ / ٣٩١ ـ ٤١٣.

٣٨٦

مكانه (١). وارتفاعه من الأرض إلى أعلاه ثلاثة أذرع ، وطوله فى العرض من القبلة إلى آخره ثلاثة أذرع ونصف وربع وثمن كل ذلك بذراع مصر ، وعدد درجاته سبعة بالمقعد ، وله مصراعان يفتح يوم الجمعة ، وبه طاقة يدخل فيه كثير من العوام أيديهم منها إلى خشبة يتبركون بها ظانين أنها من بقايا منبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولم يبق من منبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم شىء اليوم ، والله أعلم.

__________________

(١) العقود اللؤلؤية ١ / ١٢٨ ، هداية السالك ٣ / ١٤٢٠.

٣٨٧

الفصل الخامس والعشرون

فى ذكر سنن رجوع الحاج إلى وطنه وبلده

فإذا أراد الرجوع إلى أهله وبيته ووطنه ينبغى أن يأتى الروضة الشريفة ويصلى فيها ، ثم يأتى القبر الشريف فيسلم على النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعلى صاحبيه ، ويعيد تلك الصلوات والتسليمات والدعوات التى سبق ذكرها فى ابتداء الزيارة ، أو يقتصر على هذه الكلمات ويقول : السلام عليك يا خاتم النبيين ، السلام عليك يا شفيع المذنبين ، السلام عليك يا إمام المتقين ، السلام عليك يا قائد الغر المحجلين ، السلام عليك يا رسول رب العالمين ، السلام عليك يا منة الله على المؤمنين ، السلام عليك يا طه ، السلام عليك يا يس ، السلام عليك وعلى أهل بيتك الطيبين الطاهرين ، السلام عليك وعلى أزواجك الطاهرات المبرات أمهات المؤمنين ، السلام عليك وعلى أصحابك أجمعين ورحمة الله وبركاته ، جزاك الله عنا يا رسول الله أفضل الجزاء وصلى عليك أفضل الصلاة (١).

وإن كان الوقت متسعا فمن أحسن السلام أن يقول : السلام عليك يا من سفرت لوامع مجده ، السلام عليك يا من همزت هوامع رفده ، السلام عليك يا من ظهرت أنوار علائه ، السلام عليك يا من بهرت آثار سنائه ، السلام عليك يا نتيجة الشرف الباذخ ، السلام عليك يا سلالة المجد الراسخ ، السلام على يا جوهرة الشرف الأعلى ، السلام عليك يا واسطة العقد المجلى ، السلام عليك يا إمام الأنبياء ، السلام عليك يا صفوة الأوفياء ، السلام عليك يا معنى الجود ، السلام عليك يا منبع الكرم والجود ، السلام عليك يا درة لؤى ، السلام عليك يا غرة قصىّ ، السلام عليك يا نبعة المكارم ، السلام عليك يا سلالة الأكارم ، السلام عليك يا من عظمت هباته ، السلام عليك يا من بهرت آياته ، السلام عليك يا من

__________________

(١) انظر : آداب دخول المسجد النبوى والزيارة فى : الإيضاح (ص : ٤٩٢ ـ ٤٩٤) ، فتح القدير ٣ / ٣٣٦ ، شرح اللباب (ص : ٣٣٦ ـ ٣٣٨).

٣٨٨

ظهرت راياته ، السلام عليك ورحمة الله وبركاته ، الحمد لله الذى أقر عينى برؤيتك ، وأحلنى بشريف روضتك ، وقضى لى أن أفوز بزورتك ، وأحوز سابق السعادة بحلول بلدتك.

ويقول : ودعناك يا رسول الله غير مودعين ولا سامحين بفرقتك ، ونحن نسألك أن تسأل الله لنا أن لا يقطع آثارنا من زيارتك ، وحرمك ، وأن يعيدنا سالمين غانمين إلى أوطاننا ، وأن يبارك لنا فيما وهب لنا من الولد وخوّل من النعم ، وأن يرزقنا الشكر على ذلك بمنه وكرمه. اللهم لا تجعل هذا آخر العهد من حرم رسولك ، ويسر لى العود إلى الحرمين الشريفين ، وارزقنى العفو والعافية فى الدنيا والآخرة ، وإن جعلته آخر العهد فعوضنى الجنة عن ذلك يا أرحم الراحمين (١).

فإذا أراد الخروج من المسجد يقدم رجله اليسرى أولا ثم اليمنى.

وينبغى أن يجتهد فى أن يخرج من عينيه قطرات عبرات من الدمع ؛ فإنه من أمارات القبول.

وقيل : إن البكاء على سبعة أنواع : بكاء الحزن ، وبكاء الوجع ، وبكاء الفزع ، وبكاء الفرح ، وبكاء الرياء والكذب ، وبكاء الشكر ، وبكاء من خشية الله تعالى.

والبكاء على كل حال مندوب ومطلوب لقوله تعالى : (فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً)(٢).

وقوله تعالى : (وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ)(٣).

وقوله تعالى : (خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا)(٤).

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اللهم ارزقنى عينين هطّالتين».

ومن البكاء [وهو] أعلاها درجة وأغلاها ثمنا فى الآخرة : البكاء من خشية الله

__________________

(١) هذه الصيغ فى السلام على النبى ليس فيها تحديد وإنما هى اختيارات للعلماء ، فمهما ألهمك الله من صيغة مقبولة فاعلم أن الله يقبلها إن شاء.

(٢) سورة التوبة : آية ٨٢.

(٣) سورة الإسراء : آية ١٠٩.

(٤) سورة مريم : آية ٥٨.

٣٨٩

عزّ وجلّ. وحق البكاء لمن لم يعلم ما جرى له من الحكم فى سابق علم الله فى الأزل : أبا لسعادة جرى له القلم أم بالشقاوة.

ثم يقول : اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد ، اللهم لا تجعل هذا آخر العهد بنبيك ، وحط أوزارى بزيارته ، وأصحبنى فى سفرى هذا البر والتقوى ، ويسر لى رجوعا إلى أهلى يا أرحم الراحمين.

وينبغى أن يتصدق على جيران النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بما تيسر له ؛ لأن الإحسان إليهم من أسنى الرغائب وأسمى القرب. قال النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أما نفقاتهم فيخلفها الله تعالى فى دار الدنيا قبل أن يخرجوا منها ، وأما الألف فالألف مدخر فى الآخرة ، والذى نفسى بيده إن الدرهم الواحد أثقل فى الميزان من جبلكم هذا» وأشار إلى أبى قبيس.

وأنشد بعض الأكابر عند توديعه وهو يبكى :

أحنّ إلى زيارة حىّ ليلى

وعهدى من زيارتها قريب

وكنت أظنّ قرب العهد يطفى

لهيب الشوق فازداد اللهيب

وينبغى أن يستصحب معه هدية لأهله وأولاده وتحفة لأحبابه وأصحابه من أهله وأهل بلده ولو بشىء يسير لأنه منصرف من ضيافة الكريم ، وآت من ساحة ذى الإحسان الجسيم وحضرة [ذى] المن العظيم.

ويروى عن عائشة ـ رضى الله عنها ـ أنها قالت : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إذا قدم أحدكم من سفره فليهد إلى أهله ، وليطرفهم ولو كانت حجارة» (١).

وإذا أخذ فى الطريق ينبغى أن يكبر كلما علا شرفا من الأرض ثلاث تكبيرات ، ثم يقول : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك ، وله الحمد ، وهو على كل شىء قدير ، آيبون تائبون عابدون ساجدون لربنا حامدون ، صدق الله وعده ، ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده ، كل شىء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه

__________________

(١) أخرجه : الدارقطنى ٢ / ٣٠٠ ، الديلمى فى الفردوس ١ / ٢٩٩ ، ومعنى يطرفهم : أى يأتيهم بشىء جديد. ولو كانت حجارة : فسّرت بحجارة الزناد ، أى : شىء فيه جدة ولو يسيرا ؛ جبرا لخواطرهم ما أمكن ، ولتشوقهم إلى ما يقدم به.

٣٩٠

ترجعون (١).

ويستحب له أنه إذا قرب من بلده أن يسرع إليه وأن يقدم إلى أهله من يخبرهم بقدومه ولا يطرقهم ليلا ولا يأتيهم بغتة فجأة» ؛ بل يدخل عليهم بكرة أو عشية ، ويقول عند دخوله إلى بلده : بسم الله وبالله ، والحمد لله على طول الأعمار ، والتردد إلى الآثار. ثم ليبدأ بالمسجد فليصلى فيه ركعتين ، فإذا وصل إلى باب داره يقدم رجله اليمنى ويقول عند ذلك : توبا توبا لربنا ، اللهم لا تغادر علينا حوبا (٢).

ثم يقرأ الفاتحة والإخلاص فإن فيهما بركة عظيمة ، ويصلى فيه ركعتين أيضا أول ما يدخل.

ويستحب أعتناق القادم وتقبيله ومصافحته فقد روى عن عائشة ـ رضى الله عنها ـ أنها قالت : لما قدم زيد بن حارثة المدينة اعتنقه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقبّله (٣).

وقالت : لما قدم جعفر وأصحابه تلقاه النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقبل بين عينيه (٤).

وينبغى [لهم] أن يصافحوا الحاج قبل أن يدخل بيته ، فإنه يرجع مغفورا له.

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لصحابى : «إذا لقيت الحاج فسلم عليه وصافحه ومره أن يستغفر لك قبل أن يدخل بيته ، فإنه مغفور له» (٥).

وعن الحسن البصرى ـ رضى الله عنه ـ أنه قال : إذا خرج الحاج فشيعوهم وزودوهم بالدعاء ، فإذا قفلوا فالتقوهم وصافحوهم قبل أن يخالطوا الذنوب ، فإن البركة فى أيديهم.

__________________

(١) أخرجه : البخارى ٣ / ٧ (العمرة : ما يقول إذا رجع). مسلم ٤ / ١٠٥ (الحج : ما يقول إذا قفل من سفر الحج وغيره).

(٢) أخرجه : الحاكم فى المستدرك ١ / ٤٨٨ ، وصححه ووافقه الذهبى.

(٣) أخرجه : الترمذى ٥ / ٧٦.

(٤) أخرجه : أبو داود ٤ / ٣٥٤ ، ٣٥٦ ، الطيالسى (٦٤).

(٥) أخرجه : أحمد فى مسنده ٢ / ٦٩ ، وفى سنده محمد بن عبد الرحمن بن البيلمانى ، وهو ضعيف.

٣٩١

وأنشد عبد الرحمن البزورى عند قدوم بعض إخوانه من الحج الزائرين :

أهلا بحجاج بيت الله والحرم

ماذا لهم من كرامات ومن نعم

قضوا مآربهم من حجهم وأتوا

مفضّلين على خلق من الأمم

فماء زمزمهم يشفى العليل به

ونور أوجههم يهدى من الظلم

زاروا النبى [وعاينوا نور] حجرته

يا طيب طابة من واد ومن أكم

يا أيها الركب قد دأب المشوق بكم

وفى لقائكم برؤ من السّقم

سلوا دياركم من بعد فرقتكم

هل لاح فيها سنا برق لمبتسم

سقى الربوع التى كنتم بها أبدا

غيث السماء ومنهل من الديم

وينبغى لمن منّ الله تعالى عليه بطاعته ووفقه لحج بيته الحرام وزيارة قبر رسوله عليه الصلاة والسلام ، ونظفت صحيفة ثياب عمله بصابون الغفران من دنس الآثام أن يحذر من العود ، ويتحفظ من وسخ المعاصى ثانيا ؛ فإن النكسة أشد من المرض الأول ، وأصعب للمعالجة.

واعلم أن الذل فى طاعة الله تعالى أقرب من التعزز بالمعصية ، فطوبى لأهل التقوى وويل لأهل الهوى ، والعاقبة للمتقين ، إن أكرمكم عند الله أتقاكم.

قال الكتانى : قسمت الدنيا على بلوى ، وقسمت الجنة على التقوى.

وقال بشر الحافى رحمه الله :

أقسم بالله لرضخ النوى

وشرب ماء القلّة المالحه

أعزّ للإنسان من حرصه

ومن سؤال الأوجه الكالحه

فاستغن بالله تكن ذا غنىّ

مغتبطا بالصفقة الرابحه

واليأس عزّ والتقوى سؤدد

ورغبة النفس لها فاضحه

من كانت الدنيا به برة

فإنها يوما له ذابحه

واعلم أن المعصية بعد الحج أفحش وأقبح مما كان قبله ، قال أحمد بن خالد :سمعت محمد بن مخلد يقول : قدمت من الحج فدعتنى نفسى إلى أمر سوء ،

٣٩٢

فسمعت هاتفا من ناحية البيت يقول لى : ويلك ألم تحج ، ويلك ألم تحج؟فعصمنى الله تعالى بسبب ذلك.

وسئل الحسن البصرى ـ رضى الله عنه ـ عن الحج المبرور وما علامته؟ فقال : أن يرجع الشخص منه زاهدا فى الدنيا راغبا فى الآخرة.

وعن عائشة ـ رضى الله عنها ـ أنها قالت : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا فرغ من حديثه وأراد أن يقوم من مجلسه يقول : «اللهم اغفر لنا ما أخطأنا وما تعمدنا ، وما أسررنا وما أعلنا ، وما أنت أعلم به منا ، أنت المقدم ، وأنت المؤخر ، لا إله إلا أنت».

وصلى الله على سيدنا محمد وآله.

٣٩٣
٣٩٤

القسم الثالث

فى ذكر فضائل بيت المقدس (١) وما يتعلق به

وفيه ثمان فصول :

الفصل الأول : فى ذكر ابتداء بناء المسجد الأقصى.

الفصل الثانى : فى ذكر شد الرحال إليه ، وفضل إتيانه وإسراجه.

الفصل الثالث : فى ذكر فضيلة الصلاة فيه ، وفضل الحج والصلاة فى مسجد المدينة والمسجد الأقصى فى عام واحد.

الفصل الرابع : فى ذكر فضل الإحرام من بيت المقدس والأذان فيه.

الفصل الخامس : فى ذكر فضل الصدقة والصيام فيه.

الفصل السادس : فى ذكر فضل الصخرة وأنها من الجنة.

الفصل السابع : فى ذكر الساهرة ، وفضل من مات فى بيت المقدس.

الفصل الثامن : فى ذكر جامع الفضائل لبيت المقدس.

__________________

(١) جمع الزركشى من أسمائها سبعة عشر اسما. (إعلام الساجد ٢٧٧).

٣٩٥

الفصل الأول

فى ذكر ابتداء بناء المسجد الأقصى

وذكر أى مسجد وضع أولا

روى البخارى فى صحيحه عن أبى ذر ـ رضى الله عنه ـ قال : قلت : يا رسول الله ، أى مسجد وضع فى الأرض أولا؟ قال : «المسجد الحرام» ، قلت : ثم أى؟

قال : «المسجد الأقصى» ، قلت : كم كان بينهما؟ قال : «أربعون سنة ، ثم أينما أدركتك الصلاة بعد فصلها فإن الفضل فيه» (١).

وفى رواية : «فإن الأرض جعلت لنا مسجدا» (٢).

وعن أبى ذر ـ رضى الله عنه ـ قال : قلت : يا رسول الله ، أى مسجد وضع فى الأرض أولا؟ قال : «المسجد الحرام» ، قلت : ثم أى؟ قال : «المسجد الأقصى» ، قال : قلت : كم بينهما؟ قال : «أربعون سنة» (٣).

ثم قال : زاد الفراء فأينما أدركتك الصلاة فهو مسجد» ثم قال : هذا حديث صحيح أخرجاه فى الصحيحين ، وأخرجه النسائى ، والقزوينى (٤).

وعن كعب ـ رضى الله عنه ـ قال : بنى سليمان عليه‌السلام بيت المقدس على أساس قديم. كما بنى إبراهيم عليه‌السلام الكعبة على أساس قديم ، ثم قال : والأساس القديم الذى كان لبيت المقدس أسسه سام بن نوح ـ عليه‌السلام ـ ثم

__________________

(١) أخرجه : مسلم ٢ / ٦٣ (المساجد : ذكر أى مسجد وضع أولا) ، فضل بيت المقدس لابن الجوزى (ص : ٣٥).

(٢) أخرجه : البخارى ٤ / ١٤٥ (الأنبياء : باب واتخذ الله إبراهيم خليلا) ، فضل بيت المقدس لابن الجوزى (ص : ٣٦).

(٣) أخرجه : مسلم ٢ / ٦٣.

(٤) أخرجه : البخارى ٢ / ١٨٩ ط الأميرية (بدء الخلق : باب يزفون النبلان فى المشى) ، مسلم (المساجد : ١) ، أحمد ٥ / ١٥ ، ابن ماجه (٧٥٣).

٣٩٦

بنى داود وسليمان ـ عليهما‌السلام ـ على ذلك الأساس (١).

وقال الإمام الخطابى فى كتاب «الأعلام» (٢) له : أنه بنى المسجد الأقصى بعض أولياء الله تعالى قبل داود وسليمان عليهما‌السلام ، ثم بناه داود وسليمان ، وزادا فيه ووسعاه فأضيف إليهما بناؤه.

__________________

(١) إعلام الساجد (٢٨٣) ، ولم يعزه ، فضل بيت المقدس لابن الجوزى (ص : ٣٦).

(٢) هو كتاب «أعلام الحديث» شرح صحيح البخارى ، وطبع فى جامعة أم القرى ، بمكة المكرمة.

٣٩٧

الفصل الثانى

فى ذكر شد الرحال إلى بيت المقدس وفضل إتيانه وإسراجه

وعن أبى سعيد الخدرى ـ رضى الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : مسجد المدينة ، ومسجد إبراهيم ، ومسجد بيت المقدس». رواه البخارى ومسلم (١).

وفى رواية أخرى : «المسجد الحرام ، ومسجدى ، والمسجد الأقصى» (٢).

وفى رواية : عن أبى هريرة ـ رضى الله عنه ـ عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : «تشد الرحال إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ، ومسجد الرسول عليه‌السلام ، ومسجد الأقصى» (٣).

وفى حديث آخر : أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «لا تحمل المطى إلا إلى ثلاثة مساجد ...» وذكرها (٤).

__________________

(١) لم أعثر على هذا الحديث فى صحيحى البخارى ومسلم ونص حديثى البخارى ومسلم : «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : مسجدى هذا ، ومسجد الحرام ، ومسجد الأقصى» ، البخارى ٢ / ٦٠ (التطوع : فضل الصلاة فى مسجد مكة والمدينة) ، ومسلم ٤ / ١٢٦ (الحج : لا تشد الرحال إلا).

(٢) أخرجه : البخارى ٣ / ٧٠ ، مسلم ٤ / ١٢٦ ، الترمذى ٢ / ١٢٣ ، ابن ماجه ١ / ٤٥٢ ، أحمد فى مسنده ٣ / ٤٥ ، النسائى فى الكبرى (انظر : تحفة الأشراف ٣ / ٤٤٥) ، ابن حبان فى موارد الظمآن (ص : ٢٥٦) ، الحميدى ٢ / ٣٣٠ ، ابن أبى شيبة ٤ / ٦٦.

(٣) رواه ابن أبى شيبة ٢ / ٣٧٤ ، ٤ / ٦٥ ، وعبد الرزاق فى مصنفه ٥ / ١٣٥ ، والفاكهى فى أخبار مكة ٢ / ٩٤.

(٤) أخرجه : أحمد فى مسنده ٢ / ٥٠١ ، ٦ / ٧ ، النسائى ٣ / ١١٤ ، الفاكهى فى أخبار مكة ٢ / ٩٧ ، ابن حبان فى موارد الظمآن (ص : ٢٥٢) كلهم من طريق يزيد بن الهاد ، ورجال أحمد رجال الصحيح ، وذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد ٤ / ٣ ، وعزاه للبزار والطبرانى فى الكبير والأوسط.

ورواه عبد الرزاق فى مصنفه ٥ / ١٣٣ من طريق ابن جريج.

٣٩٨

وفى حديث آخر : عن ابن عباس ـ رضى الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ، ومسجد المدينة ، والمسجد الأقصى ، فصلاة فى المسجد الحرام بمائة ألف صلاة ، وصلاة فى مسجدى بألف صلاة ـ وفى بعض الروايات : كألف صلاة ـ وصلاة فى المسجد الأقصى بعشرة آلاف صلاة» (١).

وعن ذى الأصابع أنه قال : يا رسول الله ، إن ابتلينا بالبقاء بعدك فأين تأمرنا؟

قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «عليك ببيت المقدس لعل الله يرزقك ذرية يغدون إليه ويروحون» (٢).

قال أبو أيوب : يعنى مسجد بيت المقدس.

وروى عن ميمونة مولاة رسول الله ـ رضى الله عنها ـ قالت : قلت : يا رسول الله ، أفتنا فى بيت المقدس ، فقال : «ائتوه فصلوا فيه» قالت : كيف إذ ذاك والروم فيه؟! قال : «فإن لم تستطيعوا فابعثوا بزيت يسرج فى قناديله». رواه أبو داود والقزوينى (٣).

وروى عن أبى ذر ـ رضى الله عنه ـ قال : قلت : يا رسول الله ، أخبرنا عن بيت المقدس قال : «أرض المحشر والمنشر ائتوه فصلوا فيه» (٤).

وعن ميمونة بنت الحارث زوج النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ رضى الله عنها ـ أنها قالت : يا رسول الله أفتنا فى بيت المقدس ، قال : «أرض المحشر والمنشر ائتوه فصلوا فيه ؛ فإن

__________________

(١) أخرجه : عبد الرزاق فى مصنفه ٥ / ١٣٣.

(٢) ذو الأصابع : هو ذو الأصابع التميمى ، ويقال : الخزاعى ، ويقال : الجهنى ، نزيل بيت المقدس (تعجيل المنفعة رقم ٢٩١).

والخبر فى فضل بيت المقدس للواسطى (٣٤) ، الأنس الجليل ١ / ٢٣٥ ، كنز العمال (٢٤٧١٣) رقم (١٣٧٣) حيث أخرجه من طرق عديدة.

(٣) أخرجه أبو داود نقلا عن تيسير الوصول لابن الربيع ٣ / ١٢٧ ، والصالحى فى سبل الهدى والرشاد ٣ / ١٥٣ ، وعزاه لابن ماجه فى سننه ١ / ٤٥٣

(٤) ذكره المحب الطبرى فى القرى (ص : ٦٩٣) ، والصالحى فى سبل الهدى والرشاد ٣ / ١٥٤ ، وعزاه لأبى داود فى السنن ، مختصر تاريخ دمشق ٢ / ٣٢٢.

والمحشر : مفعل من الحشر وهو الجمع ، يعنى : يوم القيامة ، فإذا فتحت الشين فهو المصدر ، وأما موضع الحشر فهو بالكسر. قال الجوهرى : المحشر بالكسر : موضع الحشر. انتهى.

٣٩٩

صلاة فيه كألف صلاة فيما سواه» ، قالت : أرأيت يا رسول الله من لم يطق محملا إليه؟ قال : «فليهد زيتا يسرج فى قناديله» (١).

وعن ميمونة مولاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قالت : يا رسول الله ، أفتنا فى بيت المقدس ، قال : «أرض المحشر والمنشر ، ائتوه فصلوا فيه ؛ فإن الصلاة فيه كألف صلاة فيما سواه». قالت : أرأيت إن لم يطق أن يتحمل إليه أو يأتيه؟ قال : «فليهد زيتا يسرج فيه ؛ فإنه من أهدى إليه كان كمن صلى فيه» (٢) أخرجه القزوينى.

وعن كعب ـ رضى الله عنه ـ أنه قال : لما فرغ سليمان عليه‌السلام من بيت المقدس وضع القربان فى رحبة المسجد ، ثم قام على الصخرة ، ثم قال ثناء وحمد : اللهم إنى أسألك لمن دخل هذا المسجد خمس خصال : أن لا يدخل إليه مذنب لم يتعمده إلا لطلب التوبة أن تتقبل توبته منه وتتوب عليه وتغفر له ، ولا يدخل إليه خائف لم يتعمده إلا لطلب الأمن أن تؤمنه من خوفه وتغفر له ذنبه ، ولا يدخل إليه مريض لم يعمده إلا لطلب الشفاء أن تشفيه من سقمه وتغفر له ذنبه ، ولا يدخل إليه مقحط لم يتعمده إلا لطلب الاستسقاء أن تسقى بلاده ، وأن لا تصرف بصرك عمن دخله حتى يخرج منه. اللهم إنك أجبت دعوتى وأعطيتنى مسألتى فاجعل علامة ذلك أن تتقبل قربانى. فنزلت نار من السماء فاحتملت القربان وصعدت به إلى السماء (٣).

وعن عبد الله بن عمر ـ رضى الله عنهما ـ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لما بنى سليمان البيت المقدس سأل ربه خلالا ثلاثا ، فأعطاه الله تعالى اثنتين ، وأنا أرجو أن يكون قد أعطاه الثالثة أيضا : سأله ملكا لا ينبغى لأحد من بعده» ـ قال قتادة :يعنى : لا تسلبنى إياه مرة أخرى ـ «فأعطاه ذلك. وسأله حكما وعلما لا ينبغى لأحد من بعده ، فأعطاه ذلك. وسأله أن لا يأتى أحد هذا البيت فيصلى فيه إلا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه ؛ وأنا أرجو أن يكون قد أعطاه الثالثة أيضا» (٤).

__________________

(١) عزاه السيوطى فى الدر المنثور للواسطى ٤ / ٢٩١ ، وعزاه الزركشى فى إعلام الساجد (ص : ٢٨٩) لابن ماجه.

(٢) مجمع الزوائد ٤ / ٧ ، المطالب العالية (١٢٦٥) وضعفه.

(٣) فضل بيت المقدس لابن الجوزى (ص : ٣٩).

(٤) ذكره الصالحى فى سبل الهدى والرشاد ٣ / ١٤٨ ، وعزاه لأحمد فى مسنده ، والنسائى ، وابن ـ ـ ماجه ، والحاكم فى المستدرك وصححه. وانظر : مجمع الزوائد ٨ / ٤ ، وإعلام الساجد (٢٨٢) ، فضل بيت المقدس لابن الجوزى (ص : ٤٠).

٤٠٠