إثارة التّرغيب والتّشويق إلى المساجد الثّلاثة والبيت العتيق

محمّد بن إسحاق الخوارزمي

إثارة التّرغيب والتّشويق إلى المساجد الثّلاثة والبيت العتيق

المؤلف:

محمّد بن إسحاق الخوارزمي


المحقق: دكتور مصطفى محمّد حسين الذّهبي
الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: مكتبة نزار مصطفى الباز
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٠

ومنها : مسجد بنى ظفر من الأوس وهو شرقى البقيع من طرف الحرّة خراب ، ويعرف اليوم بمسجد البغلة ، وعنده حجر عليه أثر يقولون إنه جلس عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فما من أمرأة يعدم ولدها تجلس عليه إلا حملت ، وكل أحد يقصده ويدعو عنده لطلب الولد إلا أعطاه الله تعالى ما طلب.

وعنده أيضا حجر عليه آثار يقال : إنها آثار حافر بغلة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وعنده حجر آخر فيه أثر مرفق النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وعلى حجر آخر آثار أصابع النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم والناس يتبركون بها (١).

ومنها : مسجد الإجابة وهو شمالى البقيع على يسار الطريق السالك إلى العريض فى وسط تلوك ، هى آثار قرية بنى معاوية ، وهى اليوم خراب ، قيل : صلى فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ودعا أن لا يظهر عليهم عدو من غيرهم فأعطيها ، وأن لا يهلكهم بالسنين فأعطيها ، وأن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعها. قال عبد الله بن عمر : فلن يزال الهرج إلى يوم القيامة (٢).

ومنها : مسجد الفتح ، روى ابن النجار من حديث جابر : أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم دعا فى مسجد الفتح يوم الاثنين ويوم الثلاثاء ويوم الأربعاء فاستجيب له يوم الأربعاء بين الصلاتين فعرف البشر فى وجهه.

وقال جابر : فلم ينزل بى أمر مهم قط فدعوت الله تعالى بين الصلاتين يوم الأربعاء فيه فى تلك الساعة إلا عرفت الإجابة.

وروى أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم دعا يوم الخندق على الأحزاب فى موضع الأسطوانة الوسطى من مسجد الفتح الذى على الجبل ، يعنى : جبل سلع. ويصعد إلى المسجد بدرجتين شمالية وشرقية ، ويعرف الموضع اليوم بالسيح بسين مهملة مفتوحة وياء مثناة من تحت (٣).

ومنها : مسجد أمير المؤمنين على بن أبى طالب ـ رضى الله عنه ـ وهذا المسجد

__________________

(١) وفاء الوفا ٣ / ٨٢٧ ، تاريخ المدينة ١ / ٦٦. قلت : والخير فى اتباع السلف.

(٢) وفاء الوفا ٣ / ٨٢٨.

(٣) تاريخ المدينة ١ / ٥٩.

٣٦١

تحت جبل سلع فى جانب القبلة.

ومنها : مسجد سلمان الفارسى وهو شمالى جبل سلع.

ومنها : جبل القبلتين ، قال ابن النجار : روى أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم زار امرأة من بنى سلمة يقال لها : أم بشر ، فصنعت له طعاما ، فحانت الظهر فصلى فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأصحابه صلاة الظهر ، فلما صلى ركعتين إلى بيت المقدس جاء جبريل عليه‌السلام وأمره أن يتوجه إلى الكعبة ، وصلى الركعتين الأخيرتين إلى الكعبة. وهذا المسجد على رابية على شفير وادى العقيق ، ويعرف موضعه اليوم بالقاع ، وحوله آبار ومزارع (١).

ومنها : مسجد الغبيب وهو فى بطن وادى رانونا والآن حواليه نخيل.

روى أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما خرج من قباء يوم الجمعة متوجها إلى المدينة فأدركته الجمعة فصلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلاة الجمعة فى هذا المسجد ، وكانت أول جمعة صلاها فى المدينة ، قيل : كانوا مائة رجل. وقيل : أربعين رجلا ، ويسمى مسجد الوادى ومسجد الجمعة أيضا ، وهو على يمين السالك إلى مسجد قباء ، وهو مسجد صغير مبنى بالحجارة قدر نصف قامة الرجل (٢).

ومنها : مصلى العيد ؛ كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يصلى فيه صلاة العيد وصلاة الاستسقاء ، وهو خارج من سور المدينة فى طريق المكيين ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما بين مسجدى إلى المصلى روضة من رياض الجنة».

ومنها : مساجد أخر صلى فيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مثل مسجد بنى عبد الأشهل رهط سعد بن معاذ وأسيد بن حضير رضى الله عنهما ، ومسجد بنى عصيّة ، ومسجد بنى الحارث ، ومسجد بنى حذارة ، ومسجد الشيخ ، ومسجد بنى حطمة ، ومسجد بنى وائل قبيلتان من الأوس ، ومسجد العجوز ، ومسجد بنى أمية بن زيد ، ومسجد بنى بياضة ، ومسجد بنى واقف ، ومسجد الراية على يمين السالك الخارج من المدينة إلى منزل الشاميين ؛ وهو مسجد صغير على تل ، وفى بيت أنس رضى

__________________

(١) وفاء الوفا ٣ / ٨٤٠.

(٢) ويسمى هذا المسجد بمسجد بنى سالم ، ومسجد عاتكة (انظر : تاريخ المدينة ١ / ٦٨).

٣٦٢

الله عنه ، وفى دار السقيا ، وقال المطرى : دار بنى عبد الأشهل قبلىّ دار بنى ظفرة المذكورة ، ومسجد بنى الحارث شرقى واد بطحان وشرقى صعيب الذى يؤخذ من ترابه للحمى ويعرف بالحارث بإسقاط بنى ، ومسجد أمية بن زيد شرقى دار بنى الحارث بن الخزرج ، ومسجد بنى حذارة قبلى دار ساعدة وبئر قضاعة مما يلى سور المدينة (١).

وقال المطرى : وبين سعد بن خيثمة أحد الدور التى قبلىّ مسجد قباء يدخلها الناس إذا زاروا مسجد قباء ويصلون فيها ويتبركون بها ، ومسجد بنى حطمة.

وأنه صلى فى مسجد العجوز ببنى حطمة وهى امرأة من سليم ، وصلى فى مسجد بياضة من الخزرج بوادى رانونا عند مسجد الجمعة إلى وادى بطحان قبلى دار بنى مازن بن النجار.

والمسجد الذى بين الشيخين وهو موضع بين المدينة وبين جبل أحد على الطريق الشرقية مع الحرّة إلى جبل أحد ففيه كانت وقعة أحد فى النصف من شوال سنة ثلاث من الهجرة.

__________________

(١) ينظر فى ذلك : وفاء الوفا ٣ / ٧٧٩ ـ ٨٨٢ ، تاريخ المدينة لابن شبه ١ / ٥٧ ـ ٧٧ ، عمدة الأخبار (ص : ١٦٩ ـ ١٧٥) ، القرى (ص : ٦٩٠).

٣٦٣

الفصل الثامن عشر

فى ذكر الآبار التى كان النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم

يتوضأ منها ويغتسل منها ويشرب منها

ويستحب أن يتوضأ ويشرب ويغتسل منها اتباعا لفعله عليه‌السلام وطلبا للشفاء والعافية ودوما للبركة.

فمنها : بئر أريس بقباء غربى المسجد الشريف ، روى فى صحيح مسلم من حديث أبى موسى الأشعرى أنه توضأ فى بيته ثم خرج فقال : لألزمن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولأكونن معه يومى هذا ، فجاء إلى المسجد فسأل عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالوا : خرج ، قال : فخرجت على أثره حتى دخل بئر أريس. قال : فجلست عند الباب وبابها من جريد النخل حتى قضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حاجته وتوضأ ، فقمت إليه فإذا هو قد جلس على بئر أريس ، وتوسط قفّها ، وكشف عن ساقيه ودلّاهما فى البئر ، قال : فسلمت عليه ثم انصرفت ، فجلست عند الباب فقلت : لأكونن بواب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم اليوم ، فجاء أبو بكر الصديق فدفع الباب فقلت : من هذا؟ فقال : أبو بكر ، فقلت : على رسلك ، قال : ثم ذهبت. فقلت : هذا يا رسول الله أبو بكر يستأذن ، فقال : «ائذن له وبشره بالجنة» ، قال : فأقبلت حتى قلت لأبى بكر ـ رضى الله عنه ـ ادخل ورسول الله يبشرك بالجنة ، فدخل أبو بكر فجلس على يمين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم معه فى القف ودلّى رجليه فى البئر وكشف عن ساقيه كما صنع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثم رجعت ، فجلست. فإذا إنسان يحرك الباب ، فقلت : من هذا؟ فقال : عمر بن الخطاب ، فقلت : على رسلك ، ثم جئت النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقلت : هذا عمر يستأذن ، فقال : «ائذن له وبشره بالجنة» فجئت عمر فقلت : ويبشرك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالجنة ، قال : ادخل فدخل فجلس مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى القف عن يساره ودلّى رجليه فى البئر ، ثم رجعت فجلست ، فحرك الباب فقلت : من هذا؟ قال : عثمان بن عفان فقلت : على رسلك ، وجئت النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخبرته

٣٦٤

فقال : «ائذن له وبشره بالجنة مع بلوى تصيبه» ، فجئت ، فقلت : ادخل ويبشرك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالجنة مع بلوى تصيبك ، فدخل فوجد القفّ قد ملىء ، فجلس وجاههم من الشق الآخر. قال شريك : فقال سعيد بن المسيب : فأولتها قبورهم.

وفى حديث البخارى من حديث أنس قال : كان خاتم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى يده ، وفى يد أبى بكر بعده ، وفى يد عمر بعد أبى بكر ، ثم فى يد عثمان ، فلما جلس عثمان على بئر أريس فأخرج الخاتم فجعل يعبث به فسقط فى البئر ، فاختلفنا ثلاثة أيام مع عثمان فنزح البئر فلم يجده ، وعلق عليها اثنى عشر ناضحا فلم يقدر عليه حتى الساعة.

ويقال : إن ذلك لتمام ست سنين من خلافته ، فمن ذلك اليوم حصل فى خلافته ما حصل من اختلاف الأمر لفوات بركة الخاتم فى هذه البئر.

قال ابن النجار : ذرعت طولها فكان أربعة عشر ذراعا وشبرا منها ذراعان ونيف ماء ، وعرضها خمسة أذرع ، وطول قفها الذى جلس فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وصاحباه ثلاثة أذرع.

ومنها : بئر غرس : روى ابن النجار عن سعيد بن عبد الرحمن بن رقيش قال : جاءنا أنس بن مالك بقباء ، فقال : أين بئركم هذه؟ يعنى : بئر غرس. فدللناه عليها ، فقال : رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم جاءها فدعا بدلو من مائها فتوضأ منه ثم سكبه فيها فما نزحت بعد.

وروى ابن النجار أيضا أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «رأيت الليلة فى المنام كأنى أصبحت على بئر من الجنة فأصبحت على بئر غرس فتوضأ منها وبزق فيها» قيل : وأهدى له عسل فذاق منه ثم صبّه فيها (١).

وزاد ابن زبالة : وحين توفى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم غسّل من مائها ، قيل : بوصية (٢).

وهى شرقى مسجد قباء إلى جهة الشمال بين النخيل وبينها وبين المسجد نحو من نصف ميل ، وقال المطرى : وهى اليوم ملك لبعض أهل المدينة وكانت قد

__________________

(١) وفاء الوفا ٣ / ٩٨٠ ، وعزاه لابن النجار.

(٢) وفاء الوفا ٣ / ٩٧٩.

٣٦٥

خربت فجددت بعد السبع مائة ، وهى كثيرة الماء ، وعرضها عشرة أذرع وطولها يزيد على ذلك ، وماؤها تغلب عليه الخضرة ، وهو طيب عذب.

ومنها : بئر البصّة : وهذه قريبة من البقيع على يسار السالك إلى قباء فى حديقة كبيرة محوط عليها حائط ، وعندها أيضا فى الحديقة بئر أصغر منها ، وابن النجار قطع بأن الكبرى القبلية.

روى أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم جاء ذات يوم أبا سعيد الخدرى فقال : «هل عندك من سدر أغسل به رأسى فإن اليوم يوم الجمعة؟» قال : نعم ، فأخرج له سدرا وخرج معه إلى بئر بصة فغسل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم رأسه وصب غسالة رأسه ومراقة شعره فى البصّة (١). وذكر أن عرضها تسعة أذرع ، وأن طولها أحد عشر ذراعا.

ومنها : بئر حاء : روى فى صحيح البخارى من حديث أنس بن مالك ـ رضى الله عنه ـ قال : كان أبو طلحة الأنصارى أكثر أمواله نخيل ، وكان أحب أمواله إليه بئر حاء ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يدخلها ويشرب من مائها ، قال أنس : فلما نزلت هذه الآية : (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ)(٢). قام أبو طلحة إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : يا رسول الله إن أحب أموالى إلىّ بئر حاء ، وإنها صدقة لله تعالى أرجو برها وذخرها عند الله ، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله ، فقال عليه الصلاة والسلام : «بخ بخ ، ذلك مال رابح ، وقد سمعت ما قلت ، وإنى أرى أن تجعلها فى الأقربين» قال أبو طلحة : أفعل يا رسول الله ، فقسّمها أبو طلحة فى أقاربه ، وبنى عمه ، فصارت لأبىّ وحسان (٣).

ونقل ابن زبالة أنهم تقاوموه فصار لحسان ، فباعه من معاوية بن أبى سفيان بمائة ألف.

وقال المطرى : هذه البئر فى وسط حديقة صغيره فيها نخل جيد ، وهى شمالى

__________________

(١) وفاء الوفا ٣ / ٩٥٤.

(٢) سورة آل عمران : آية ٩٢.

(٣) أخرجه : ابن شبه ١ / ١٥٧.

وحاء : بئر وبستان شمالى سور المدينة من جهة الشرق ، وقد صارت لأبى بن كعب وحسان بن ثابت ؛ حسب رواية الصحيحين. (انظر : عمدة الأخيار (ص : ٢٣١) ، مراصد الاطلاع ١ / ١٤٠).

٣٦٦

سور المدينة الشريفة ، وبينها وبين السور الطريق ، وتعرف الآن بالنويرية اشترتها بعض نساء النويريين وأوقفتها على الفقراء والمساكين والواردين والصادرين لزيارة سيدنا محمد سيد المرسلين صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وقال ابن النجار : ذرعتها فكان طولها عشرين ذراعا ، منها أحد عشر ذراعا ماء ، والباقى بناء ، وعرضها ثلاثة أذرع وشىء يسير.

ومنها : بئر بضاعة (١) : وهى غربى بئر حاء إلى جهة الشمال ؛ وعن سهل بن سعد ، عن أبيه ، عن جده : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بصق فى بئر بضاعة (٢).

وعن أبى أسيد ، عن أبيه ، عن جده أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم دعا لبئر بضاعة (٣).

وهى اليوم فى حديقة ، ويستسقى منها أهل حديقة أخرى. وهى بئر مليحة وماؤها الآن عذب طيب.

قال الشيخ محب الدين : قال ابن النجار : ذرعتها فكان طولها : أحد عشر ذراعا وشبرا منها ذراعان راجحان ماء والباقى بناء ، وعرضها : ستة أذرع كما ذكر أبو داود.

ومنها : بئر رومة (٤) : وهذه فى وسط وادى العقيق من أسفله براح واسع ، وعندها بناء عال بالحجر والجص منهدم يقال : إنه كان ديرا لليهود ، وهى شمالى مسجد القبلتين بعيدا منه ، وحولها آبار ومزارع ، وهذه البئر ماؤها طيب حلو جدا.

نقل البغوى فى مسنده من حديث بشر بن بشير الأسلمى عن أبيه قال : لما قدم

__________________

(١) هى بئر غربى بئر «حاء» فى جهة الشمال ، وهى بئر مليحة طيبة الماء ، وكان المرضى يغتسلون من مائها فيعافون ، وهى فى وسط بيوت بنى ساعدة (انظر : مراصد الاطلاع ١ / ١٤٠).

(٢) أخرجه : ابن شبه فى تاريخ المدينة ١ / ١٥٧ ، والسمهودى فى وفاء الوفا ٣ / ٩٩٦ ، وعزاه للطبرانى فى الكبير.

(٣) وفاء الوفا ٣ / ٩٥٦ ، وعزاه للطبرانى فى الكبير.

(٤) هى بئر فى العقيق الأصغر ، واسمها : رومة ، بضم أوله وسكون ثانيه ، أرض بالمدينة بين الجرف ورعانة ، نزلها المشركون عام الخندق. (انظر : مراصد الاطلاع ٢ / ٦٤٢ ، معجم ما استعجم ص : ٦٧٧).

٣٦٧

المهاجرون المدينة استنكروا الماء وكانت لرجل من غفار عين يقال لها : رومة ، وكان يبيع منها القربة بمد ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «هل تبيعها بعين فى الجنة»؟ ، فقال : يا رسول الله ليس لى ولعيالى عين غيرها لا أستطيع ذلك ، فبلغ ذلك عثمان بن عفان ، فاشتراها بخمسة وثلاثين ألف درهم ، فأتى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : أتجعل لى مثل الذى جعلت له عينا فى الجنة ، وإنى اشتريتها ، قال : «نعم» قال : فقد اشتريتها وجعلتها للمسلمين (١).

وروى الزّبير أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «نعم الصدقة صدقة عثمان» (٢) يعنى : بئر رومة.

وفى صحيح البخارى من حديث أبى عبد الرحمن السلمى : أن عثمان حين حوصر أشرف على الناس وقال : أنشدكم ولا أنشد إلا أصحاب النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ألستم تعلمون أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : من يحفر بئر رومة فله الجنة فحفرتها ، ألستم تعلمون أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : من جهز جيش العسرة فله الجنة فجهزتهم؟ فصدقوه بما قال (٣).

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «نعم الحفيرة حفيرة المزنى» (٤) يعنى : بئر رومة.

قال المطرى : وقد خربت هذه البئر ـ يعنى : بئر رومة ـ ونقضت حجارتها وأخذت وانطمّت ولم يبق اليوم إلا أثرها. ولكن ينبغى أن تعلم أنها جددت بعد ذلك ورفع بنيانها عن الأرض نحو نصف قامة والآن ماؤها غير حلو جدا ، أحياها الإمام المفتى المتقى القاضى شهاب الدين أحمد بن محمد بن محب الدين الطبرى قاضى مكة المشرفة فى سنة خمسين وسبع مائة فتناوله عموم الحديث.

ومنها : بئر أخرى قد حوط عليها ببناء مجصص وكان شفيرها حوض لم يزل أهل المدينة يتبركون بها ويشربون من مائها وينقل ماؤها إلى الآفاق كماء زمزم بل ويسمونها زمزم ، ولعل هذه البئر هى التى احتفرتها فاطمة بنت الحسين بن على

__________________

(١) أخرجه : السمهودى فى وفاء الوفا ٣ / ٩٦٩ ، وعزاه للبغوى فى الصحابة ، وذكره الهندى فى كنز العمال ٥ / ٩.

(٢) أخرجه : ابن شبه فى تاريخ المدينة ١ / ١٥٤ ، والسمهودى فى وفاء الوفا ٣ / ٩٦٨.

(٣) أخرجه : ابن شبه فى تاريخ المدينة ١ / ١٥٣ ، والسمهودى فى وفاء الوفا ٣ / ٩٦٧.

(٤) وفاء الوفا ٣ / ٩٦٨.

٣٦٨

زوجة الحسن بن الحسن بن على بن أبى طالب ـ رضى الله عنهم ـ حين أخرجت من بيت جدتها فاطمة الكبرى ـ رضى الله عنها ـ فى أيام الوليد بن عبد الملك لما أمر بإدخال الحجرات وبيت فاطمة فى المسجد ، وحينئذ بنت دارها فى الحرّة وأمرت بحفر بئرها ، فطلع لهم جبل فذكروا ذلك لها ، فتوضأت وصلت ركعتين ودعت ، ورشت موضع البئر بفضل وضوئها وأمرتهم فحفروا فلم يتوقف عليهم من الجبل شىء حتى ظهر لهم الماء. والبئر السابقة تسمى بئر العهن ، وهى بالعالية ، ويزرع عليها اليوم ، وكانت عندها سدرة. ولها اسم آخر هى مشهورة ، به وهذه البئر معروفة بالعوالى منقورة فى جبل فى بستان معروف بها ، والسدرة منفردة الآن وعندها شجرات الحنا ، ولا يكاد ينزف ماؤها مع طينة ؛ قاله المطرى كذا فى «الدرة الثمنية فى أخبار المدينة» (١).

__________________

(١) انظر عن ذلك : وفاء الوفا ٣ / ٩٧٧ ، ٩٧٨.

٣٦٩

الفصل التاسع عشر

فى ذكر بعض خصائص المدينة الشريفة لبركة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم

فمنها : مضاعفة الأعمال ، كما ذكرنا.

ومنها : خصوصية ثمرها ، روى فى صحيح مسلم من حديث سعد بن أبى وقاص أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «من أكل سبع تمرات من بين لابتيها حين يصبح لم يضره سم حتى يمسى» (١).

وفى الصحيحين من حديث سعد أيضا أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «من تصبّح كل يوم بسبع تمرات من عجوة العالية لم يضره فى ذلك اليوم سم ولا سحر» (٢).

وفى صحيح مسلم من حديث عائشة ـ رضى الله عنها ـ عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن فى عجوة العالية شفاء وإنها ترياق فى أول البكرة» (٣).

وفى رواية قال عليه‌السلام : «العجوة من الجنة وهى شفاء من السم» (٤).

ومنها : خصوصية تربتها ، روى ابن النجار أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «غبار المدينة شفاء من الجذام» (٥).

وروى عن إبراهيم بن الجيم : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أتى على بنى الحارث من الخزرج فإذا هم ووبى فقال : «ما لكم يا بنى الحارث ووبى؟» ، قالوا : نعم يا رسول الله أصابتنا هذه الحمى ، قال : «أين أنتم عن الصعيب؟» قالوا : يا رسول الله ما

__________________

(١) أخرجه : مسلم (٢٠٤٧) ، البخارى (٥٤٤٥) ، أبو داود (٣٨٧٦).

(٢) أخرجه : مسلم (٢٠٤٧) ، البخارى (٥٤٤٥) ، أبو داود (٣٨٧٦).

(٣) أخرجه : أحمد (٢٣٩٦٣ ، ٢٤٢١٤ ، ٢٤٦٦١).

(٤) أخرجه : الترمذى (٢٢٠٦٨) ، وابن ماجه (٣٤٥٥).

(٥) أخرجه الديلمى فى الفردوس (٤١٥٩) ، ابن النجار (ص : ٢٨) ، وعزاه فى الجامع الصغير (٥٧٥٣) لأبى نعيم فى الطب ، وفاء الوفا ١ / ٦٧ وعزاه لابن زبالة ، مثير الغرام الساكن (ص : ٤٥٦) ، وانظر كشف الخفاء ٢ / ١٠١.

٣٧٠

نصنع به؟ قال : «تأخذون من ترابه فتجعلونه فى ماء ، ثم يتفل أحدكم ويقول : بسم الله ، بتربة أرضنا ، بريق بعضنا ، شفاء لمريضنا بإذن ربنا» ، ففعلوا ذلك فتركتهم الحمى (١).

والصعيب : وادى بطحان ، وفيه حفرة يأخذ الناس منها التراب ، وهو اليوم إذا وبى إنسان أخذ منه ، وذكروا أنهم جربوه فوجدوه صحيحا.

ونقل رزين عن ابن عمر ـ رضى الله عنه ـ أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما دنا من المدينة حين انصرافه من تبوك خرج إليه أهل المدينة من المشايخ والعلماء والعوام والخواص فثارت من آثارهم غبرة ، فخمّر بعض من كان مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنفه من الغبار ، فمد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يده فأماطه عن وجهه وقال : «أما علمت أن عجوة المدينة شفاء من السقم ، وغبارها شفاء من الجذام» (٢).

وفى رواية ابن زبالة : أقبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من غزوة غزاها ، فلما دخل المدينة أمسك بعض أصحابه على أنفه من ترابها ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «والذى نفسى بيده إن تربتها لمؤمنة وإنها لشفاء من الجذام» (٣).

وفى رواية : «تراب المدينة يطفئ الجذام» (٤).

__________________

(١) وفاء الوفا ١ / ٤٨ (طبعة الآداب ١٣٢٦ ه‍).

(٢) وفاء الوفا ١ / ٤٧ (طبعة الآداب ١٣٢٦ ه‍).

(٣) وفاء الوفا ١ / ٤٧ (طبعة الآداب ١٣٢٦ ه‍).

(٤) وفاء الوفا ١ / ٤٧ (طبعة الآداب ١٣٢٦ ه‍).

٣٧١

الفصل العشرون

فى ذكر اختلاف نقل تراب المدينة الشريفة إلى البلدان

ذهب الإمام الشافعى ـ رضى الله عنه ـ إلى أنه ليس للمسافر أن يستصحب شيئا من تراب حرم المدينة ويخرجه إلى وطنه الذى هو خارج المدينة.

وكذا حكم الكيزان والأباريق المعمولة من تراب المدينة ، وكذا الأحجار والرمال ، فإذا أخذ آخذ من ذلك شيئا وجب عليه ردّه ، ثم اختلف أصحابه فيما بينهم فأكثرهم يقولون : يكره ، وبعضهم يقولون : لا يجوز ، وصح فى «الروضة» بالاتفاق أنه لا يجوز نقل شىء منها. وعند الحنابلة أن ذلك يكره. وعند أبى حنيفة ـ رضى الله عنه ـ يجوز نقل هذه الأشياء إلى بلده للتبرك.

وكذا الخلاف فى تراب حرم مكة المشرفة إلا فى نقل ماء زمزم فإنه لا خلاف فى جواز نقله كما سبق ذكره (١).

__________________

(١) يراجع فى ذلك : بدائع الصنائع ٢ / ٢٢١ ، الدر المختار ٢ / ٣٥٢ ، المغنى ٣ / ٣٥٤ ، الإيضاح (ص : ٥١٢) ، المجموع ٨ / ٢٢٠.

٣٧٢

الفصل الحادى والعشرون

فى ذكر ما يتعلق بمسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم

وحجرته المقدسة من التاريخ

فى الصحيح عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه المسجد الذى أسس على التقوى من أول يوم (١) ، وأنه كان يصلى فيه رجال من المسلمين قبل بنائه وهو مربد التمر (٢).

وقد عرّف المؤرخون بالمقدار الذى كان عليه فى زمن رسول الله فقالوا : كان على التربيع من الحجرة المقدسة إلى مكان السارية السابعة من جهة الغرب ، ومن موضع الداربزين الذى هو بين الأساطين المتصلة بالصندوق أمام مصلى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى موضع الحجرين المغروزين فى صحن المسجد الشريف (٣).

وقالوا : إن المنبر لم يؤخر عما كان عليه فى زمن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وورد فى الأخبار أنه كان بين الحائط القبلى ، وبين المنبر قدر ممر الشاة وبين المنبر والداربزين اليوم قدر ثلاثة أذرع بذراع مصر (٤).

وقال المؤرخون : إن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بناه حين قدم أقل من مائة فى مائة ، فلما فتح الله تعالى عليه خيبر بناه وزاد فيه مثله (٥).

__________________

(١) أى أنه المقصود من قوله تعالى : (لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ) حسب ما جاء فى الحديث الذى أخرجه البخارى ٥ / ٦١ ، (فضائل الصحابة : باب حجرة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم).

(٢) مريد التمر : البيدر الذى يوضع فيه التمر لينشف ، وهو أيضا : الموضع الذى تحبس فيه الإبل والغنم.

(٣) نقل السمهودى هذه الفقرة عن ابن جماعة ، وانتهى إلى تأييدها والتوفيق بينها وبين ما قد يشكل عليها (انظر : وفاء الوفا ١ / ٣٣٢).

(٤) وفاء الوفا ١ / ٣٤٣ ، هداية السالك ٣ / ١٤٠٨ ، ١٤٠٩.

(٥) ذكر السمهودى فى وفاء الوفا ١ / ٣٤١ ، أن أطوال المسجد النبوى فى بنائه الأول : سبعون ذراعا فى ستين. وسبقه لاختيار ذلك النووى ويراجع ذلك فى الإيضاح (ص : ٥١٤). ثم ذكر

٣٧٣

وقيل : كان عرض الجدار لبنة ، ثم إن المسلمين لما كثروا بنوه لبنة ونصفا ثم قالوا : يا رسول الله لو أمرت لزدنا فيه ، فقال : «نعم» ، فزادوا فيه وبنوا جداره لبنتين مختلفتين ورفعوا أساسه قريبا من ثلاثة أذرع بالحجارة.

ولم يكن للمسجد سطح فشكى الصحابة الحر فأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأقيم له سوارى من جذوع النخل ثم طرحت عليها بالعوارض والخصف والإذخر فأصابتهم الأمطار فجعل المسجد يكفّ عليهم ، فقالوا : يا رسول الله لو أمرت بالمسجد فطيّن ، فقال لهم : «عريش كعريش موسى عليه‌السلام ثمامات وخشبات والأمر أعجل من ذلك» (١).

وقيل : إن جدار المسجد قبل أن يظلل كان قدر قامة وشبرا ، ويقال : إن عريش موسى ـ عليه‌السلام ـ كان إذا قام أصاب رأسه السقف.

ثم بعد ذلك صلّى فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم متوجها إلى بيت المقدس ستة عشر شهرا ، ثم أمر بالتحول إلى الكعبة ، فأقام رهطا على زوايا المسجد ليعدل القبلة ، فأتاه جبريل ـ عليه‌السلام ـ فقال بيده

هكذا ، فأماط كل حائل بينه وبين مكة من جبل وغيره ، واستقبلها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو ينظر إليها ، لم يحل دون نظره شىء ، فلما فرغ قال جبريل عليه‌السلام هكذا ، فأعاد الجبال والأشجار والأشياء على حالها ، فصارت قبلته إلى الميزاب (٢).

وفى الصحيحين : أن أول صلاة صلاها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى الكعبة صلاة العصر يوم الاثنين فى النصف من رجب على رأس سبعة عشر شهرا من الهجرة (٣).

__________________

السمهودى بعد ذلك أنه بعد زيادة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم. كان مائة ذراع ، قال : «ويرجحه عندى أن المنبر الشريف يكون حينئذ متوسطا للمسجد ؛ إذ يبعد أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا يتوسط أصحابه ويقف على منبر فى طرفهم».

(١) أخرجه : عبد الرزاق فى مصنفه ٣ / ١٥٤ ، والدارمى فى المقدمة ١ / ١٨ ، والديلمى فى الفردوس (٤١٣٦).

والمراد : ما يجلس عليه ليكون مرتفعا.

(٢) ورد ذلك من روايات كثيرة يدل مجموعها على أن للحديث أصلا : انظر فى ذلك : وفاء الوفا ١ / ٣٦٥ ـ ٣٦٦ ؛ ففيه سبع روايات بعضها مجمل ، وبعضها مفصل.

(٣) البخارى ١ / ١٣ (الإيمان : باب الصلاة من الإيمان) ، مسلم ٢ / ٦٥ (المساجد : تحويل القبلة).

٣٧٤

وفى رواية : فى نصف شعبان يوم الثلاثاء فى السنة الثانية من الهجرة صلاة الظهر ، كذا فى تاريخ اليافعى.

وتوفى صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمسجد كذلك ، ولم يزد أبو بكر ـ رضى الله عنه ـ لاشتغاله بالفتح ثانيا.

فلما ولّى عمر ـ رضى الله عنه ـ قال : إنى أريد أن أزيد فى المسجد ولو لا أنى سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «[لا] ينبغى أن يزاد فى المسجد» ما زدت فيه شيئا ، فجعل عمر ـ رضى الله عنه ـ طول المسجد أربعين ومائة ذراع ، وعرضه عشرين ذراعا ، وبدّل أساطينه بأخر من جذوع النخل ، وسقفه بجريد النخل وفرشه بالحصباء.

ثم غيره عثمان ـ رضى الله عنه ـ فزاد فيه زيادة كثيرة ، وبنى جداره بالحجارة المنقوشة والقصّة ، وجعل عمده من حجارة منقوشة وسقفه بالساج. رواه البخارى (١).

وقال أهل السير : جعل عثمان رضى الله عنه طول المسجد : مائة وستين ذراعا ، وعرضه : مائة وخمسين ذراعا.

وذكر المؤرخون أن أبواب المسجد فى زمن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كانت ثلاثة : باب خلفة ، وباب عاتكة وهو باب الرحمة ، والباب الذى كان يدخل منه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو باب عثمان المعروف اليوم بباب جبريل عليه‌السلام.

وأن عمر ـ رضى الله عنه ـ جعل أبوابه ستة : بابين عن يمين القبلة ، وبابين عن يسارها ، وبابين خلفها. وجعل طول السقف أحد عشر ذراعا ، وزاد فيه من جهة القبلة عن يمينها ، وبنى فوق ظهره سترة ثلاثة أذرع (٢).

وأن عثمان ـ رضى الله عنه ـ غيره فى أول شهر ربيع الأول سنة تسع وعشرين ، وزاد فيه من جهة القبلة إلى موضع الجدار اليوم ، وزاد فيه من جهة الغرب ، ومن جهة الشام ، ولم يزد فيه من جهة الشرق شيئا. وجعل أبوابه ستة

__________________

(١) أخرجه : البخارى ١ / ٩٣ (الصلاة : بنيان المسجد) ، أبو داود ١ / ١٢٣ (الصلاة : بناء المساجد).

(٢) انظر : وفاء الوفا ٢ / ٤٨١ (فصل : زيادة عمر بن الخطاب فى المسجد).

٣٧٥

كما كانت فى أيام عمر رضى الله عنه ، وباشر العمل بنفسه ، وكان يصوم النهار ويقوم الليل ولا يخرج من المسجد حتى فرغ منه لهلال المحرم سنة ثلاثين (١).

ثم زاد فيه عمر بن عبد العزيز ـ رحمه الله ـ بأمر الوليد بن عبد الملك وكان عامله على مكة والمدينة ، وأرسل الوليد إلى ملك الروم يستدعى منه عمالا وآلات لأجل العمارة ، فأرسل إليه أربعين رجلا من الروم ، وأربعين رجلا من القبط.

فيروى أنه يوما من الأيام يعملون عمال الروم إذ خلا لهم المسجد ، فقال أحدهم لصاحبه : لأبولن على قبر نبيهم اليوم ، فأتى فتهيأ لذلك فوقع على رأسه [فانكسر] دماغه ، وأسلم بعض أولئك النصارى لذلك (٢).

فصار طوله : مائتى ذراع ، وعرضه فى مقدمه : مائتى ذراع ، وفى مؤخره : مائة وثمانين.

وجعل عمر بن عبد العزيز فى كل ركن من أركان المسجد منارة للأذان ، وكانت المنارة الرابعة مطلة على دار مروان وهى قبلى المسجد من الغرب. فلما حج سليمان بن عبد الملك أذن المؤذن فأطلّ على سليمان وهو فى الدار ، فأمر بالهدم فهدمت تلك المنارة إلى ظهر المسجد.

وأقام عمر بن عبد العزيز فى بنائه ثلاث سنين ، وجعل له عشرين بابا ، ولم يبق من الأبواب التى كان يدخل رسول الله منها إلا باب عثمان المعروف اليوم بباب جبريل عليه‌السلام (٣).

ثم لما حج المهدى سنة ستين ومائة فقدم المدينة بعد انصرافه من الحج استعمل عليها جعفر بن سليمان بن على بن عبد الله بن عباس سنة إحدى وستين ومائة ، وأمره بالزيادة فى مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فزاد من جهة الشام إلى منتهاه اليوم ، ثم لم يزد فيه أحد (٤).

__________________

(١) انظر : المرجع السابق ٢ / ٥٠٠ ، هداية السالك ٣ / ١٤١٢.

(٢) هداية السالك ٣ / ١٤١٢.

(٣) وفاء الوفا ٢ / ٥١٣ (زيادة عمر بن عبد العزيز).

(٤) وفاء الوفا ٢ / ٥٣٥ (زيادة المهدى).

٣٧٦

ثم عمّر فى صحن المسجد الشريف قبة لحفظ حواصل الحرم وذخائره مثل المصحف الشريف المنسوب إلى عثمان بن عفان ـ رضى الله عنه ـ وغيره بأمر الخليفة الناصر لدين الله سنة ست وسبعين وخمس مائة.

ثم احترق المسجد الشريف فى ليلة الجمعة أول شهر رمضان سنة أربع وخمسين وستمائة ، واستولى الحريق على جميع سقوفه حتى على سقف الحجرة المقدسة ، وسقط بعض سواريه. وسلم من الحريق ما فى القبة من الحواصل ، وكتب بذلك إلى الخليفة المستعصم بالله أبى أحمد بن عبد الله الإمام المستضىء بالله ، من المدينة الشريفة فى شهر رمضان المذكور ، فوصل الصنّاع والآلات مع حجاج العراق سنة خمس وخمسين وستمائة ، وسقفوا فى هذه السنة الحجرة المقدسة وما حولها إلى الحائط القبلى وإلى الحائط الشرقى إلى باب جبريل ، وسقفوا من جهة الغرب الروضة الشريفة جميعها إلى المنبر (١).

ثم دخلت سنة ست وخمسين وستمائة ، فقتل الخليفة واستولى التتار على بغداد ، فوصلت الآلات من صاحب اليمن الملك المظفر يوسف بن عمر بن على ابن رسول فعمل إلى باب السلام ، ثم عمل من باب السلام إلى باب الرحمة (٢).

ثم فى سنة ثمان وخمسين وستمائة من جهة صاحب مصر الملك المظفر سيف الدين قطز المعزى واسمه الحقيقى محمود بن ممدود وأمه أخت السلطان جلال الدين خوارزم شاه ، وأبوه ابن عم خوارزم شاه ، أسر عند غلبة التتار فباعوه بدمشق ، ثم انتقل بالبيع إلى مصر ، وتملك فى سنة ثمان وخمسين وستمائة ، ثم انتقل الملك فى آخر هذه السنة إلى الملك الظاهر ركن الدين بيبرس الصالحى فعمل فى أيامه باقى المسجد الشريف إلى باب الرحمة إلى شمالى المسجد ، ثم إلى باب النساء ، وكمل سقف المسجد كما كان قبل الحريق سقفا فوق سقف.

ولم يزل على ذلك إلى أوائل دولة الملك الناصر محمد بن قلاوون الصالحى سنة إحدى وسبع مائة ، فجدد سقف الرواق الذى فيه الروضة الشريفة ، وكتب عليه اسمه ، ثم جدد فى أيامه السقف الشرقى والسقف الغربى فى سنة خمس

__________________

(١) هداية السالك ٣ / ١٤١٣.

(٢) وفاء الوفاء ٢ / ٥٩٨ وما بعدها.

٣٧٧

وسبع مائة (١). وجعلا سقفا واحدا ، أما السقف الشمالى فإنه جعل فى أيام الملك الظاهر كذلك ، ثم أمر بعمارة المنارة الرابعة مكان التى تقدم أن سليمان بن عبد الملك كان أمر بهدمها فعمرت فى سنة ست وسبع مائة ، ثم أمر بإنشاء الرواقين فى صحن المسجد الشريف من جهة القبلة فى سنة تسع وعشرين وسبع مائة (٢).

وأبواب المسجد اليوم أربعة : بابان من جهة الشرق ، وهما : باب عثمان المعروف اليوم بباب جبريل عليه‌السلام ، وهو الباب الذى كان يدخل منه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وباب النساء.

وبابان من جهة الغرب : باب السلام ، وباب الرحمة.

وفى المسجد من جهة القبلة طابق مقفل يفتح أيام الموسم وينزل فيه إلى مكان يطل عليه شباك فى القبلة يقال : إنه بيوت العشرة المبشرة ، وليس ذلك بصحيح ؛ وإنما هى دار لآل عبد الله بن عمر ، وهى بيدهم اليوم ، وتمامه مذكور فى كتب التواريخ (٣).

وأما الحجرة الشريفة المقدسة : فبنى عليها عمر بن عبد العزيز فى أيام الوليد بن عبد الملك حائطا ولم يلصقه بجدار الحجرة بل جعل بينهما مكانا خاليا ، ولم يوصل الحائط إلى سقف المسجد بل دونه بمقدار أربعة أذرع ، وأدار عليه شباكا من الخشب من فوق الحائط إلى السقف ، وجعل بنيان الحائز على خمس زوايا ؛ لئلا يستقيم لأحد استقبال الحجرة بالصلاة لتحذيره صلى‌الله‌عليه‌وسلم من ذلك (٤).

__________________

(١) السلوك للمقريزى ٢ / ١ : ١٣ ، وما بعدها ، النجوم الزاهرة ٨ / ٢١٧.

(٢) العقد الثمين ٤ / ١٧٤.

(٣) هداية السالك ٣ / ١٤١٤ ، ١٤١٥.

(٤) يدل لذلك قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «قاتل الله اليهود والنصارى ، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» أخرجه : البخارى ١ / ٩١ ، ومسلم ٢ / ٦٧.

٣٧٨

الفصل الثانى والعشرون

فى ذكر حجرة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم

واعلم أنه لم يكن قبل حريق المسجد ولا بعده على الحجرة الشريفة قبة ؛ بل كان ما حول الحجرة فى السطح مقدار نصف قامة مبنى بالآجر ؛ تمييزا للحجرة الشريفة عن بقية السطح إلى سنة ثمان وسبعين وستمائة فى أيام الملك المنصور السلطان قلاوون الصالحى عملت هذه القبة الشريفة ، وهى مربعة من أسفلها مثمنة من أعلاها.

وقد جددت فى أيام الملك الناصر السلطان حسن بن محمد بن قلاوون.

ثم اختلقت ألواح الرصاص عن وضعها بإصابة الأمطار ، فجددت وأحكمت فى أيام دولة السلطان الملك الأشرف ناصر أولياء الله قاصم أعداء الله شعبان بن حسن بن محمد بن قلاوون الصالحى فى سنة خمس وستين وسبع مائة. وهى أخشاب أقيمت وسمرت عليها ألواح من خشب ومن فوقها ألواح الرصاص وعمل مكان الحظيرة الأخرى شباك من خشب وتحته بين السقفين أيضا شباك خشب يحكيه ، وعلى سقف الحجرة الشريفة بين السقفين ألواح قد سمر بعضها على بعض ، وسمر عليها ثوب مشمع ، وفيها طابق مقفل إذا فتح كان النزول منه إلى ما بين حائط بيت النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم (١).

وروى أن عائشة رضى الله عنها قد بنت حائطا بينها وبين القبور المقدسة بعد دفن عمر ـ رضى الله عنه ـ وقالت : إنما كان أبى وزوجى. وتحفظت فى لباسها إلى أن بنت الحائط المذكور ، وبقيت فى بقية البيت من جهة الشام. وفيها باب البيت (٢).

__________________

(١) انظر صفة الحجرة الشريفة فى وفاء الوفا ٢ / ٥٤٠ ، هداية السالك ٣ / ١٤١٥ ، ١٤١٦.

(٢) هداية السالك ٣ / ١٤١٦.

٣٧٩

وقال المؤرخون : إن قبر النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقبر صاحبيه فى ضفّة بيت عائشة ـ رضى الله عنها ـ وقالوا : إن فى البيت موضع قبر فى السهوة الشريفة ، وأن سعيد بن المسيب قال : يدفن فيه عيسى ابن مريم مع سيدنا محمد عليهما الصلاة والسلام ، وأبى بكر وعمر رضى الله عنهما.

وروى أبو هريرة ـ رضى الله عنه ـ عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : إذ أهبط الله تعالى عيسى ـ عليه‌السلام ـ من السماء فإنه يعيش فى هذه الأمة ما شاء الله تعالى ، ثم يموت بمدينتى هذه ويدفن إلى جانب قبر عمر رضى الله عنه. فطوبى لأبى بكر وعمر ؛ فإنهما يحشران بين النبيين (١). وقد قيل : إن ذلك يكون عقيب حجه وزيارته لسيدنا محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

السّهوة قيل : إنها كالصّفة بين البيت.

ثم لما حج السلطان الملك الظاهر فى سنة سبع وستين وستمائة أراد أن يدير على الحجرة المقدسة داربزينا من خشب فقاس ما حولها بيده ، وقدر بالحبال ، وأرسل الداربزين فى سنة ثمان وستين وستمائة ، وأداره عليها ، وعمل له ثلاثة أبواب : قبليا وشرقيا وغربيا ، ونصبها بين الأساطين التى تلى الحجرة الشريفة إلا من ناحية الشام ، فإنه زاد فيه إلى متهجد النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

ثم أحدثوا بابا رابعا من جهة الشمال فى رحبة المسجد وغربى متهجد النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم يفتح كل يوم ويدخل الناس والزوار منه.

وإنما صنع الملك الظاهر ذلك الداربزين ظنا حسنا منه أن ذلك زيادة تعظيم ، وحرمة للحجرة الشريفة ؛ لكنه حجز طائفة من الروضة الشريفة مما يلى بيت النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وتعذرت الصلاة فيها ـ مع فضل الصلاة فيها ـ وصار ما بين الحجرة والداربزين مأوى النساء بأولادهن الصغار فى أيام الموسم (٢).

قال الشيخ عز الدين بن جماعة : وذكر ذلك للملك الظاهر فسكت وما أجاب ، وهذا من أهم ما ينظر فيه.

__________________

(١) الحديث أخرجه : مسلم ٤ / ٦٠ (الحج : إهلال النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهديه).

(٢) هداية السالك ٣ / ١٤١٨ ، ١٤١٩.

٣٨٠