إثارة التّرغيب والتّشويق إلى المساجد الثّلاثة والبيت العتيق

محمّد بن إسحاق الخوارزمي

إثارة التّرغيب والتّشويق إلى المساجد الثّلاثة والبيت العتيق

المؤلف:

محمّد بن إسحاق الخوارزمي


المحقق: دكتور مصطفى محمّد حسين الذّهبي
الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: مكتبة نزار مصطفى الباز
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٠

الفصل الخمسون فى ذكر

ثواب كلّ عمل يفعله الحاج من حين خروجه

من منزله إلى آخر نسكه وسنن رجوعه إلى بيته

إذا أراد الحاج أن يسافر سفر الحج وجزم عزمه عليه ينبغى أن يعلم أن المسير بالظاهر إلى البيت الحرام وبالباطن إلى رب البيت والمقام ، فجعله على مثال حضرة الملوك المرجو لنيل المطالب وقضاء المآرب ، ويكون قصده إلى بيته امتثالا لأمره وخضوعا لعظمة جلاله ؛ فأهم شىء واجب عليه أن ينوى نية خالصة لوجه الله تعالى وطلبا لمرضاته ؛ لأن الله تعالى لا يقبل عبادة عباده إلا ما كان خالصا مخلصا لوجه الله تعالى كما قال فى كلامه المجيد : (وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ)(١).

وقال محمد بن عبد الوهاب الثقفى : لا يقبل الله تعالى من الأعمال إلا ما كان صوابا ، ومن صوابها إلا ما كان مخلصا ، ومن مخلصها إلا ما وافقت السنة.

وينبغى أن يحفظ من شوائب الرياء والسمعة والتفرّج والنزهة والتجارة والجولان فى البلدان ، بل يكون همه مجردا لله تعالى ، ويكون قلبه متفرغا لذكره وتعظيما لشعائره ، ويسير بكليته إلى ربه ، ويقطع العلائق الشاغلة عنه فلا يلتفت إلى ما سواه ، ويتوجه بكليته إلى مولاه.

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يأتى على أمتى زمان يحج أغنياؤهم للنزهة ، وأوساطهم للتجارة ، وفقراؤهم للمسألة ، وقراؤهم للرياء والسمعة» (٢).

واعلم أن من عزم وقصد أن يحج بيت الله الحرام يجب عليه أولا أن يتوب عن

__________________

(١) سورة البينة : آية ٥.

(٢) رواه الديلمى عن أنس ، كما فى كنز العمال ٥ / ١٣٣ ، الخطيب فى تاريخ بغداد ١٠ / ٢٩٦ ، ابن الجوزى فى العلل (٩٢٧) وقال : هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأكثر رواته مجاهيل.

٢٤١

جميع الذنوب والخطايا ما ظهر منها وما بطن توبة نصوحا وإن كانت التوبة لا تختص بسفر الحج ، لكن تلك الحالة ادعى لها من غيرها من الحالات فلهذا اختصت بالذكر ، كقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) الآية (١).

أمرنا بالتوبة النصوح ، والأمر حقيقة للوجوب ، وكلمة «عسى» من الله تعالى للتحقيق لا للشك.

وقوله تعالى : (وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ)(٢).

وقال تعالى : (وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ)(٣).

قيل : معنى التوبة : الندم على ما فات من الطاعة وإصلاح ما هو آت ، ثم التوبة النصوح أن يندم على ما ارتكب من الذنوب فى الزمان الماضى ، ويعزم أن لا يعود إليها فى الزمان المستقبل أبدا ؛ فإنه بذلك يستحق الرحمة والمغفرة بالنص ؛ وقد قال عليه الصلاة والسلام : «إن الله أفرح بتوبة عبده المؤمن من الضال الواجد ، ومن الظمأن الوارد ، ومن العقيم الوالد».

وفى رواية : «أشد فرحا بتوبة عبده من أحدكم بضالته يجدها بأرض فلاة عليها زاده وسقاؤه».

والفرح من الله تعالى : الرضا وحسن القبول ، والإقبال عليه ببسط الرحمة والمغفرة والكرامة ؛ ومعناه أن

الله تعالى أرضى بتوبة عبده من أحدكم يجد ضالته بأرض فلاة ... الحديث.

وإذا تاب توبة نصوحا على ما ذكرنا صارت التوبة مقبولة غير مردودة قطعا من غير شك وشبهة ، بحكم الوعد بالنص لقوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ)(٤) الآية. وقد قال تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ)(٥).

__________________

(١) سورة التحريم : آية ٨.

(٢) سورة النور : آية ٣١.

(٣) سورة الزمر : آية ٥٤.

(٤) سورة الشورى : آية ٢٥.

(٥) سورة الرعد : آية ٣١.

٢٤٢

ولا يجوز لأحد أن يقول : إن قبول التوبة النصوح فى مشيئة الله تعالى ؛ فإن ذلك جهل محض ويخاف على قائله الكفر ؛ لأنه وعد قبول التوبة قطعا وهذا بخلاف الإيعاد فإن العفو عنه وترك العقوبة كرم منه لا أنه خلف. هذا مذهب أهل السنة والجماعة خلافا للمعتزلة وتمامه عرف فى الأصول ، وإنما ذكرت هذه المسألة هنا كيلا يتشكك التائب فى قبول توبته إذا كانت توبة نصوحا ؛ فإنه بتلك التوبة والاعتقاد يصير مذنبا أعظم من الذنب الأول.

ثم اعلم أن تمام التوبة وقبولها موقوف على إرضاء الخصوم برد المظالم إلى أصحابها ، وقضاء الديون ، ورد الودائع والأمانات بقدر الوسع والطاقة ؛ لقول النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا يقبل الله توبة عبد حتى يرضى الخصماء ؛ فإذا رضى خصماؤه رضى الله عنه ، ويقبل توبتة وصومه وصلاته ، ودرهم واحد يرد إلى الخصماء خير له من عبادة ألف سنة».

وفى رواية : «ولرد دانق من حرام خير له من سبعين حجة» (١).

وينبغى أن يجتهد فى رد المظالم وقضاء الديوان ورد الودائع إلى أربابها ؛ فإن السفر بعيد والعمر قصير والناقد بصير والخطر شديد ، وأن يخيّل هذا السفر بسفر الآخرة ؛ لأن علاماته أنموذج علامات سفر الآخرة بعينه فى الحقيقة لمن تدبره.

واعلم أن كل معصية أو مظلمة أو حق لغير يجب عليك توبته ورده وأداؤه ؛ فهو كغريم متعلق بذيلك ويمنعك من الوصول إلى مقصدك ومطلوبك ، وكأنه يقول لك بلسان الحال فى المقال : كيف يحل لك قصد حرم الملك ذى الجلال وأنت مصر على معصيته ومرتكب على مخالفته وتطمع فى رضاه عليك وتتعرض لإحسانه إليك أفلا تخش من الرد والطرد؟!

__________________

(١) الدانق : أصغر قطعة نقد فى العصور الأولى ، وكان يساوى سدس درهم ، والحديث غريب جدا ، قال عنه القارى فى رسالته (ص : ٥٥) : وقال العسقلانى : «ما عرفت أصله» ، وهو مذكور فى كشف الخفاء ومزيل الالتباس ١ / ٥١٥ ـ ٥١٦ ، وهداية السالك ١ / ١٣٧. وفيه : إسحاق بن وهب الطهرمسى ؛ قال عنه الدارقطنى : كذاب متروك يحدث بالأباطيل عن عبد الله بن وهب وغيره. انظر : الضعفاء والمتروكون (١٠١) ، وتنزيه الشريعة ١ / ٣٧ ، وقال عنه ابن حبان : يضع الحديث ، لا يحل ذكره إلا على سبيل القدح فيه ، منكر الرواية (المجروحين ١ / ٢٩٤).

٢٤٣

وينبغى له أنه إذا رجع إلى باب الله تعالى وخرج من بابه أن يتصدق بشىء على الفقراء والمساكين ؛ فإن ذلك سبب للسلامة.

وينبغى له أن يرتب الزاد ونفقة الطريق من وجه حلال ، ويحترز من الحرام ؛ لقوله عليه‌السلام : «إذا خرج الرجل حاجا بنفقة طيبة ، ووضع رجله ونادى ربه : لبيك اللهم لبيك ، ناداه مناد من السماء : لبيك وسعديك ، زادك حلال ، وراحلتك حلال ، وحجك مبرور غير مأزور. وإذا خرج الرجل حاجا بنفقة خبيثة فوضع رجله فنادى : لبيك اللهم لبيك ، ناداه مناد من السماء : لا لبيك ولا سعديك زادك حرام ونفقتك حرام وحجك غير مبرور» (١).

ولقوله عليه‌السلام : «كل لحم نبت من حرام فالنار أولى به». فإذا أكل الحرام فى الطريق وغيره نبت منه لحم طاهر فيستحق هو النار والعقوبة ، فكيف تنزل عليه الرحمة ويستحق المغفرة؟!

ومذهب أحمد أنّ من حجّ بمال مغصوب لم يجز حجه أصلا ، ولم يخرج من عهدة الحج ، وهو من المجتهدين ، وأئمة أهل السنة والجماعة.

وقال قائلهم :

إذا حججت بمال أصله سحت

فما حججت ولكن حجّت الإبل (٢)

فليحترز الحاج عن الحرام بقدر الإمكان وكذا عن كل ما فيه شبهة الحرمة ؛ لقوله عليه‌السلام : «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك».

ولقول الصحابة : كنا ندع تسعة أعشار من الحلال مخافة أن نقع فى عشر من الحرام.

وقد قال عليه‌السلام : «فمن وقع فى الشبهات فقد وقع فى الحرام ؛ كالراعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه».

__________________

(١) ذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد ٣ / ٢٠٩ ، وعزاه للبزار ، وبمثله رواه : ابن عدى فى الكامل ٣ / ١٠٥ ، والديلمى فى الفردوس (١٧٢) ، والأصبهانى فى الترغيب (١٠٧٦).

(٢) هداية السالك ١ / ٢٩١ ، الإيضاح (ص : ٣٠) ، شرح اللباب (ص : ٣٢٢ ـ ٣٢٦) ، المجموع ٧ / ٤٧ ـ ٤٨.

٢٤٤

وقال عليه‌السلام : «من اشترى ثوبا بعشرين درهما وفى ثمنه درهم حرام لم يقبل الله تعالى صلاته ما دام عليه منه شىء».

وينبغى له أن يحمل من الزاد والنفقة فى الطريق قدر ما يكفيه هو ورفقاؤه من الفقراء إن تيسر له ذلك وله مكنة فيه رفقا بالمساكين ؛ فإنه برّ الحج ؛ لقوله عليه‌السلام حين سئل عنه : ما برّ الحج؟ قال : «إطعام الطعام ولين الكلام» (١). ولقوله عليه‌السلام فيه : «خيركم من أطعم الطعام».

وينبغى أن يودّع إخوانه وجيرانه وأهله وأقاربه ، وأن يستحل منهم ويسألهم الدعاء ؛ فقد روى الطبرانى فى الحديث : «أن الله تعالى جاعل له فى دعائهم خيرا» (٢) ، ويقول هو لمن يودعه منهم : أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم أعمالك ، ويقول أهله له : فى حفظ الله وكنفه ، وزودك الله التقوى ، وجنبك عن الردى. أو غفر ذنبك ، ووجّهك للخير أينما توجهت ، كذا روى عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٣).

عن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، أنه قال : كنت عند أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ـ رضى الله عنه ـ يوما يعرض فيه الناس ؛ إذ عرض رجل معه ابنه ، فقال له عمر رضى الله عنه : ما رأيت غرابا أشبه بغراب من هذا منك ، فقال الرجل : والله يا أمير المؤمنين ما ولدته أمه إلا ميتة فى القبر ، فلما سمع عمر ـ رضى الله عنه ـ ذلك استوى جالسا ، وقال : ويحك حدثنى ، فقال الرجل : خرجت فى غزوة وأمه حامل به ، فقالت لى : أتخرج أنت وتدعنى على هذه الحالة حاملا مثقلة به ، فقلت لها : أستودع الله تعالى ما فى بطنك ، وذهبت ثم قدمت فلما وصلت إلى دارى فإذا الباب مغلق ، فقلت : ما فعلت فلانة؟ قالوا : ماتت ودفنت بالبقيع ،

__________________

(١) أخرجه : أحمد فى المسند ٣ / ٣٢٥ ، الحاكم فى المستدرك ١ / ٤٨٣ ، وصححه ووافقه الذهبى ، وعبد الرزاق فى مصنفه ٥ / ١١.

(٢) الأذكار للنووى (ص : ٣٢٤) باب أذكاره حين يخرج ، ولفظ الحديث : «إذا أراد أحدكم سفرا فليودع إخوانه ؛ فإن الله ـ تعالى ـ جاعل فى دعائهم خيرا». قال الحافظ ابن حجر : هذا حديث غريب أخرجه الطبرانى فى الأوسط.

(٣) للحديث الذى أخرجه : أحمد فى مسنده ٢ / ٢٥١٧ ، النسائى (٥٠٦) ، ابن ماجه (٢٨٢٦) ، الترمذى (٣٤٤٢) ، الحاكم فى مستدركه ٢ / ٩٧ ، البيهقى فى السنن ٥ / ٢٥١ ، ابن خزيمة (٢٥٣١).

٢٤٥

فمضيت إلى قبرها وبكيت ، فلما جن الليل قعدت مع بنى عمى أتحدّث ، فارتفع من قبرها لهب نار ، فقلت لبنى عمى : ما هذه النار؟ فتفرقوا عنى حياء منى ، فسألت أهل تلك البقعة ، فقالوا : نرى على قبرها كل ليلة نارا. فقلت : إنا لله وإنا إليه راجعون ، أما والله إنها كانت صوامة قوامة عفيفة مسلمة ، فكيف هذا الحال؟فأخذت فأسا فنبشت قبرها ، فرأيت قبرها مفتوحا وهى جالسة فيه وهذا الصبى يدب حولها ، فسمعت مناديا ينادى ويقول : أيها المستودع ربه خذ وديعتك ، أما والله لو استودعتنا أمه لوجدتها ، فأخذت ولدى هذا ، وعاد القبر كما كان (١).

ويستحب أن يجعل سفره يوم الخميس ؛ فإن لم يكن فيوم الاثنين ؛ اقتداء برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وليكن سفره بكرة النهار ؛ فإن الله تعالى بارك لهذه الأمة فى بكورها (٢).

فإذا بلغ باب داره يقول : بسم الله توكلت على الله لا حول ولا قوة إلا بالله.

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن الرجل إذا خرج من بيته كان معه ملكان موكلان ، فإذا قال : بسم الله. قال : الملكان الموكلان : هديت ، وإذا قال : توكلت على الله.

قالا : كفيت. وإذا قال : لا حول ولا قوة إلا بالله ، قالا : وقيت. وتلقاه قريناه ، فيقولان : ما تريدان من رجل قد هدى وكفى ووقى» (٣).

ويشيع الحاج أقرباؤه وأصحابه وجيرانه ؛ فقد ورد الحديث : «إن الله تعالى يغفر لمن شيع الحاج ولمن استغفر له الحاج» (٤).

وفى حديث آخر : «إن الله يغفر لمن شيع الحاج».

فإذا ركب قال : الحمد لله الذى هدانا للإسلام ، ومنّ علينا بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، سبحان

__________________

(١) أخرجه : الطبرانى فى الدعاء ٢ / ١١٨٣ ، ابن أبى الدنيا فى مجابى الدعوة (ص : ٨٨) ، وقال الحافظ ابن حجر فى «الفتوحات الربانية» ٥ / ١١٤ عن هذا الخبر : «غريب موقوف».

(٢) للحديث الذى أخرجه : أبو داود (الجهاد : الابتكار فى السفر) ٣ / ٣٥ ، ابن ماجه ٢ / ٧٥٢ ، الترمذى (البيوع : التبكير فى التجارة) ٣ / ٥١٧.

(٣) أخرجه : أبو داود ٤ / ٣٢٥ (الأدب : باب فيمن دخل بيته) ، الترمذى ٥ / ٤٩٠ (الدعوات) ، ابن ماجه ٢ / ١٢٧٨ ، ١٢٧٩.

(٤) هداية السالك ١ / ٣٤١ ، الأذكار (ص : ٣٢٤).

٢٤٦

الذى سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين (١). للحديث الصحيح.

وإن كان يركب السفينة يقرأ هذه الآية : (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً)(٢) إلى آخر الآية ؛ لقوله عليه‌السلام : «أمان أمتى من الغرق إذا ركبوا فى السفينة أن يقولوا : بسم الله : (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ)(٣). ثم يقرأ :(بِسْمِ اللهِ مَجْراها وَمُرْساها إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ)(٤).

وإذا نزل منزلا يقول : (رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلاً مُبارَكاً وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ)(٥).

وإذا حطّ رحله يقول : بسم الله توكلت على الله ، أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق وذرأ وبرأ ، سلام على نوح فى العالمين.

قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من نزل منزلا وقال : أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ؛ لم يضره شىء حتى يرتحل من منزله ذلك» (٦).

ويستحب إكثار الدعاء لنفسه ولغيره من المؤمنين ؛ قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ثلاث دعوات مستجابات : دعوة المظلوم ، ودعوة المسافر ، ودعوة المظلوم» (٧).

ويكون أكثر سيره بالليل ؛ قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «عليكم بالدلجة ؛ فإن الأرض تطوى بالليل ما لا يطوى بالنهار» (٨).

__________________

(١) أخرجه : أحمد ١ / ٢٥٦ ، وابن حبان فى موارد الظمآن (ص : ٢٤١) ، الهيثمى فى مجمع الزوائد ١ / ١٢٩ وعزاه للطبرانى فى الكبير والأوسط وأبو يعلى والبزار ، ورجالهم رجال الصحيح.

(٢) سورة الأنعام : آية ٩١.

(٣) سورة الأنعام : آية ٩١.

(٤) سورة هود : آية ٤١.

(٥) سورة المؤمنون : آية ٢٩.

(٦) أخرجه : مسلم (الذكر والدعاء : التعوذ من سوء القضاء) ٨ / ٧٦. والمراد بالتامات : التى لا يدخلها عيب ولا نقص. وقيل : هى النافعة الشافية.

(٧) أخرجه : أبو داود ٢ / ٨٩ ، ابن ماجة ٢ / ١٢٧٠ ، الترمذى ٤ / ٣١٤.

(٨) أخرجه : أبو داود ٣ / ٢٨ ، الحاكم فى المستدرك ١ / ٤٤٥ ، وقال : صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.

٢٤٧

وينبغى أن يطلب للطريق رفيقا صالحا عاقلا ورعا قد سافر قبل ذلك ؛ لقوله عليه‌السلام : «الرفيق ثم الطريق» (١) ولأنه إذا كان له رفيق بهذه الصفة يكون أقرب إلى محافظة آداب السفر على وجه السنة ، ويكون معينا له على الطاعة والعبادة ، ورادعا له عن المنكر والمعصية ؛ فإنه إن نسى خيرا ذكّره ، وإذا ذكر أعانه ، وإذا ضاق صدره صبّره ، وإذا جبن شجّعه ؛ لقوله عليه‌السلام : «إذا أراد الله بعبد خيرا جعل له رفيقا صالحا ، إن نسى ذكّره وإذا ذكر أعانه ...» الحديث.

وأن يكون رفيقه حسن الخلق ، ومن حسن خلقه : كفّ الأذى عن الناس واحتماله وإهماله والتجاوز عنه.

ولا يمشى منفردا فى الطريق إلا مع الرفقة ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الراكب شيطان ، والراكبان شيطانان ، والثلاثة ركب» (٢).

وفى رواية أخرى : «الواحد شيطان ، والاثنان شيطانان ، والثلاثة ركب» (٣).

فإذا وصل إلى ميقات طريقه وقت الإحرام ، أحرم وتفكر وتأمل أن الله سبحانه وتعالى لما جعل البيت الحرام قياما للناس ، وألبسه لباس إضافته إليه ، وخصه بوجوب حجه وتعظيم شعائره ؛ جعله على مثال حضرة الملك العظيم التى لا يدخلها قاصدها إلا متلبسا بالتواضع والخضوع ، والافتقار والخشوع ، والذلة ، والعادة فى حضرة الملك العظيم أن يكون لها أوقات معلومة ؛ لحضور أرباب المطالب وإفاضة النعم العامة ، فلا تقصد لذلك إلا فيها ، وأن يكون لها مواضع معروفة لا يتعدّاها قاصد الحضرة إلا على هيئة التواضع تعظيما لصاحب الحضرة ؛ فكذلك هذا البيت المكرم والحرم المعظم ؛ لما كان حجه مجمعا عاما جعل له ميقات زمانى لا يقصد إلا فيه ، وميقات مكانى لا يتعداه قاصده إلا على هيئة الخضوع على الوجه المشروع ؛ وهو الإحرام بواجباته ومحظوراته.

ولو أحرم قبل ميقاته المكانى لكان أفضل عندنا ؛ لقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من أحرم من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام بحج أو عمرة غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما

__________________

(١) أخرجه : الهيثمى فى مجمع الزوائد ٨ / ١٦٤ ، وعزاه للطبرانى. وفيه أبان بن المحبر وهو متروك.

(٢) أخرجه : أبو داود ٣ / ٣٦.

(٣) أخرجه : الترمذى ٤ / ١٩٣.

٢٤٨

تأخر ، ووجبت له الجنة» (١).

ولأنه أكثر عملا فى القربة ، وأشق على النفس فكان أفضل بشرط أن : يكون مالكا لنفسه أن لا يقع فى محظور الإحرام ، ولا يرتكبه.

وقال الشافعى : الإحرام من الميقات أفضل فى رواية المزنى عنه ، وبه قال مالك وأحمد رحمهما الله ؛ لما روى أن النبى عليه‌السلام أحرم من الميقات ، ولو كان الإحرام قبل الميقات أفضل لفعله النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وفى رواية عن الشافعى ـ رحمه الله ـ : أن الإحرام من بلده أفضل (٢).

فإذا أراد الإحرام يستحب له أن ينظف بدنه بقص شاربه وتقليم أظفاره وحلق عانته ؛ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «النظافة من الإيمان».

ثم يتجرد عن ثيابه المخيط ، ويغتسل أو يتوضأ ، والغسل أفضل ؛ لما روى أن النبى عليه‌السلام : اغتسل وأحرم وأمر أصحابه بالاغتسال (٣) ، ولأن الغسل أبلغ فى التنظيف فكان أفضل ، أو اقتداء واتباعا للسنة.

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن لله تعالى ملكا ينادى فى كل يوم من خالف سنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم ينل شفاعته».

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «فمن رغب عن سنتى فليس منى».

وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من أحيا سنتى فقد أحبنى ، ومن أحبنى كان معى فى الجنة».

وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنى قد خلفت فيكم شيئين لن تضلوا أبدا ما أخذتم بهما : كتاب الله وسنتى».

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من أطاعنى فقد أطاع الله ، ومن عصانى فقد عصى الله».

__________________

(١) أخرجه : أبو داود ٢ / ١٤٤ ، ابن ماجه (٣٠٠١) ، أحمد فى المسند ٦ / ٢٩٩ ، الدارقطنى ٢ / ٢٨٣ ، البيهقى فى السنن ٥ / ٣٠.

(٢) الأم ٢ / ٤٥ ، المجموع ٧ / ٢١٣.

(٣) مسلم (الحج : حجة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم) ٤ / ٣٩ ، الترمذى ٣ / ١٩٢.

٢٤٩

وهذا الغسل والوضوء مشروع لأجل التنظيف لا أنه شرط لصحة الإحرام كالغسل فى يوم الجمعة والعيدين ؛ لأن الإحرام وإن كان عبادة لكن ليس فى معنى الصلاة ليشترط فيه الوضوء ؛ فيصح بدونه كالإيمان والأذان وغير ذلك.

ويستحبّ هذا الوضوء والغسل للمرأة الحائض والنفساء والصبى ؛ لما روى أن النبى عليه‌السلام أمر أسماء بنت عميس أن تغتسل وتحرم وهى نفساء ولدت بذى الحليفة فى الطريق (١) ، ففى حق الصبى أولى.

ثم بعد الغسل يلبس ثوبين أبيضين جديدين أو غسيلين ، والجديد أفضل ؛ لأنه أبقى وأنقى وأطيب وأطهر على مثال يوم الجمعة والعيدين إلا أن هنا يلبس إزار أو رداء ، ويكون مضطبعا فيه ، والاضطباع أن يتوشح بردائه ويخرجه من تحت إبطه الأيمن ويلقيه على منكبه الأيسر ويغطيه ويبدى منكبه الأيمن ؛ فإنه سنة لما روى :أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم لبس فى إحرامه إزار أو رداء على هذا الوجه واضبع هو وأصحابه رضى الله عنهم (٢).

وفى رواية : أن الاضطباع لم يبق سنة فى هذا الزمان ؛ لأن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم إنما فعل ذلك وأمر أصحابه لأجل المشركين إظهارا للقوة والجلادة ؛ حيث طعن المشركون فى عجزهم وضعفهم ، والأول أصح ، وأنه سنة على الوجه الذى ذكرنا.

ثم يمس طيبا فى بدنه إن كان له طيب ، وهو مستحب أى طيب شاء سواء كان طيبا يبقى عليه عينه بعد الإحرام أو لا يبقى فى المشهور من الرواية عن أبى حنيفة وأبى يوسف والشافعى وأحمد رحمهم الله (٣).

وقال محمد : يكره أن يتطيب بطيب يبقى أثره على بدنه كالمسك والغالية ويجب بذلك عنده دم ؛ لقوله عليه‌السلام : «الحاج أشعث أغبر» وأثر الطيب يزيل هذا المعنى.

__________________

(١) الحديث فى مسلم (الحج : إحرام النفساء) ٤ / ٢٧.

(٢) ينظر عن ذلك : أحمد فى مسنده ٢ / ٣٤ ، أبو داود (٣٨٧٨) ، الترمذى ٣ / ٣٢٠ ، ابن ماجه (٣٥٦٧) ، ابن حبان فى موارد الظمآن (ص : ٣٤٨).

(٣) ينظر عن ذلك فى : الإيضاح فى مناسك الحج للنووى (ص : ١٥٠ ـ ١٥١) ، المنهاج بشرح مغنى المحتاج ١ / ٤٧٩ ، شرح المهذب ٧ / ٢٢٠ ، هداية السالك ٢ / ٤٨٨ ـ ٤٩٠.

٢٥٠

ولنا أحاديث كثيرة (١) منها : ما روت عائشة وأنس وغيرهما رضى الله عنهم : رأينا وميض الطيب فى مفارق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو يلبى. والوميض : هو بريق الطيب.

وقال مالك : يكره أن يتطيب بطيب تبقى رائحته وإن تطيب به يجب غسله (٢) ؛ لما روى أن عمر ـ رضى الله عنه ـ خرج من المدينة محرما مع جماعة فوجد رائحة طيب ، فقال : ممن هذه؟ فقال معاوية : منى ، فقال له عمر : أنت لها ، أنت لها ، فقال : يا أمير المؤمنين إنما طيبتنى أم حبيبة ، فقال : لترجعن ولتغسلن عنك ، ففعل ذلك. هذا فى البدن أما فى الثوب فيكره التطيب فيه على وجه يبقى أثره بعد الإحرام كما قال محمد لأنه لا يزول سريعا وهو المراد مما ذكر مالك ومحمد من الحديثين.

وعن الشافعى قولان آخران ، فى قول : مستحب أيضا كما فى البدن ، وفى قول : هو مباح غير مستحب (٣).

ثم يصلى ركعتين بعد اللبس وهاتان الركعتان سنتان غير واجبتين بمنزلة صلاة الاستخارة للأمور ، ولا يصليهما فى الأوقات المكروهة بالإجماع إلا قولا واحدا عن بعض أصحاب الشافعى ، والأصح عنده أن يحرم بغير الصلاة ؛ لأن ابتداء النافلة فى ذلك الوقت فى الحل عندهم أيضا لا يجوز فلا يصلى ؛ فإن صلى المكتوبة ولبى جاز لوجود التحية له.

ثم ينوى الإحرام بعد ذلك ، ثم يلبى ؛ لأن الإحرام عبادة والعبادة لا تصح ولا تنعقد بدون النية بالإجماع والحديث المعروف ، وتفسيره أن ينوى بقلبه إحرام الحج أو العمرة ، والذكر باللسان ليس بشرط لقوله عليه‌السلام : «الأعمال بالنيات» (٤).

لكن الأحوط والأولى أن يذكره أيضا باللسان ليطابق لسانه قلبه فى العبادة

__________________

(١) من هذه الأحاديث ما روى فى : صحيح البخارى ٢ / ١٣٦ ، ١٧٩. مسلم ٤ / ١٠ ، ١٣ ، النسائى ٥ / ١٤٠.

(٢) مثير الغرام الساكن (ص : ١٥١).

(٣) هداية السالك ٢ / ٤٨٧ ، ٤٨٨ ، شرح فتح القدير ٢ / ١٤٣ ، الأم ٢ / ١٤٨.

(٤) أخرجه : البخارى (١)

٢٥١

ويقول : اللهم إنى أريد الحج أو العمرة فيسره لى وتقبله منى (١).

ثم عندنا وإحدى الروايتين عن مالك : لا يصير داخلا فى الإحرام بمجرد ذكرها باللسان حتى يضم إليها التلبية أو نحوها من الذكر والثناء باللسان كالتكبير فى باب الصلاة ، وهذان الاثنان فريضتان ؛ يعنى التلبية والنية والذكر بالثناء لله تعالى بأى لسان كان حتى لو ترك واحدا منهما لا يصير محرما إلا أن يسوق الهدى ويتوجه معه ؛ فإن سوقه يقوم مقام التلبية عندنا.

وقال مالك والشافعى وأحمد رحمهم الله : يصير بمجرد النية بدون التلبية والذكر باللسان ؛ لأن هذه عبادة ليس فى أثنائها نطق واجب فتصح بدون النطق كما فى الصوم لقوله عليه‌السلام : «لا إحرام إلا لمن لبى».

ولأن هذه عبادة لها تحليل وهو الحلق ، فيجب أن يكون لها تحريم وهو الذكر أو ما يقوم مقامه كما فى الصلاة.

وروى عن أبى يوسف أنه يصير محرما بمجرد النية.

ثم عندنا يصير داخلا فى الإحرام بكل ذكر يقصد به التعظيم سواء كان بالعربية أو بالفارسية كما فى تكبيرة الصلاة ، وعند أبى يوسف لا يصير محرما إلا بصفة التلبية والنية كما فى تكبيرة الصلاة على أصله.

وقال الشافعى : إن لم يحسن العجمى بالعربية لبى بلسانه بحكم العجز.

ثم إذا نوى الإحرام على ما ذكرنا بعد الركعتين يلبى عقيبهما ؛ لقوله عليه‌السلام : «أتانى آت من ربى وأنا بالعقيق فقال : قم فصلّ فى هذا الوادى المبارك ركعتين وقل : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك لبيك» (٢).

وفى رواية : «لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة

__________________

(١) ويدل لذلك حديث أنس ـ رضى الله عنه ـ قال : «سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يلبى بالحج والعمرة جميعا ، سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «لبيك عمرة وحجّا» رواه مسلم ٤ / ٥٢ ، (باب الإفراد والقران بالحج والعمرة».

(٢) أخرجه : البخارى ٢ / ١٣٥ (باب قول النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : العقيق واد مبارك).

٢٥٢

لك والملك لا شريك لك» (١).

وإن الحمد بكسر الهمزة هكذا رواه ابن عمر وابن مسعود رضى الله عنهما فى تلبية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو الأفضل عندنا ، وعند الشافعى بالفتح أفضل ؛ لأن بكسر الألف يكون ابتداء بالثناء ، وبفتح الألف يكون وصفا لما تقدم وبناء على ما قبله فكان معناه ؛ لأن الحمد أو بأن الحمد وابتداء الثناء أولى ، وزاد بالوصف الوصف الحقيقى وهو القائم بالذات لا الوصف النحوى.

والسنة أن يأتى بها ولا ينقص منها شيئا ، والأفضل أن يلبى عقيب الصلاة عندنا وهو أحد قولى الشافعى ، وفى قوله الآخر ـ وهو قول مالك وأحمد ـ : الأفضل أن يلبى حين تنبعث به راحلته إن كان راكبا ، وإن كان ماشيا فى ابتداء السير ، وعن مالك أنه يلبى حين يشرف على البيداء ، وكلاهما منقولان عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلا أن الأخذ بما ذكرنا أولى وأفضل ؛ لأنه أكثر عملا وأقوى فى باب الاحتياط (٢).

وإن زاد على ذلك شيئا فهو حسن وأنه مستحب ؛ لما روى : أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم زاد على ذلك فى بعض الأحيان وقال : «لبيك إله الحق لبيك لبيك حقا حقا» (٣). وكذا روى عن أبى بكر وعمر وغيرهما من الصحابة والتابعين رضى الله عنهم.

وقال الشافعى : هو مكروه ، وروى عن الشافعى أنه قال لا تضييق فى ذلك.

والأصح عن أصحاب الشافعى مثل قولنا (٤).

والمرأة لا ترفع صوتها بل تخفض والرجل ، يرفع صوته بالتلبية ، وأنه مستحب بالإجماع لقوله عليه‌السلام : «أفضل الحج العج والثج» (٥).

__________________

(١) أخرجه : مسلم ٤ / ٧ (باب التلبية وصفتها ووقتها) ، الشافعى فى الأم ٢ / ١٥٦ ، ومسند الشافعى ١ / ٣٠٤.

(٢) بدائع الصنائع ٢ / ١٤٥ ، الأم ٢ / ١٥٥ (باب كيفية التلبية).

(٣) أخرجه : أحمد فى المسند ٢ / ٣٤١ ، ٣٥٢ ، ٤٧٦ ، النسائى ٥ / ١٦١ ، ابن ماجه ٢ / ٩٧٤ ، الحاكم فى المستدرك ١ / ٤٥٠ وصححه ووافقه الذهبى ، الدارقطنى فى السنن ٢ / ٢٢٥ ، ابن حبان فى موارد الظمآن (ص : ٢٤٢).

(٤) الأم ٢ / ١٥٤ ـ ١٥٦.

(٥) أخرجه : الترمذى ٣ / ١٨٩ ، ابن ماجه (٢٩٢٤) ، الحاكم فى المستدرك ١ / ٤٥١ ، وقال : صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، ووافقه الذهبى.

٢٥٣

فالعج : رفع الصوت بالتلبية ، والثج : إراقة الدم (١).

وإذا فرغ من التلبية يستحب له أن يصلى على النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ويسأل الله تعالى رضوانه والجنة ويستعيذ به من النار ويقول : «اللهم إنا نسألك رضاك والجنة ونعوذ بك من سخطك والنار».

ويكثر التلبية عقيب الصلوات ، وكلما علا شرفا أو هبط واديا أو لقى ركبا ، وبالأسحار.

فإذا دخل مكة ورأى البيت رفع يديه بالدعاء ؛ لما روى أن دعاء المسلم عند رؤية البيت مستجاب ، ولما روى : أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان إذا رأى البيت يرفع يديه ثم يكبر ويهلل ـ وفى رواية : يرفع يديه بالدعاء عقيبه ـ ويستحب أن يقول : اللهم أنت السلام ومنك السلام وإليك يرجع السلام فحينا ربنا بالسلام وأدخلنا دار السلام» (٢) ويقول : الله أكبر الله أكبر الله أكبر ـ ثلاثا ـ اللهم زد بيتك هذا تعظيما وتشريفا وتكريما وبرّا ومهابة وزد من شرّفه وعظّمه وكرّمه ممن حجه واعتمره تشريفا وتكريما وتعظيما وبرّا وإيمانا ، اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد عبدك ورسولك ، أسألك أن ترحمنى وتقبل عثرتى وتغفر ذنبى وتضع عنى وزرى برحمتك يا أرحم الراحمين (٣).

ويسأل الله تعالى حوائجه عقيب ذلك فإنها مستجابة ثم يمسح بهما وجهه.

وعن مالك : أنه لا يرفع يديه (٤).

فاحضر فى قلبك عند رؤية البيت عظمته وعظمة مشاهدة رب البيت الذى قصدت له وإليه حججت ، وتشوق إلى وجهه الكريم عند مشاهدة بيته العظيم ،

__________________

(١) ينظر عن ذلك فى : الإيضاح للنووى (ص : ١٦٧) ، والمجموع ٧ / ٥٤٩ ، المغنى ٣ / ٢٩٢.

(٢) أخرجه : البيهقى فى السنن ٥ / ٧٣.

(٣) أخرجه : الشافعى فى الأم ٢ / ١٦٩ ، البيهقى فى السنن ٥ / ٧٣ ، والهيثمى فى مجمع الزوائد ٣ / ٢٣٨ ، وعزاه للطبرانى فى الكبير والأوسط ، وفيه عاصم بن سليمان الكوزى وهو متروك.

(٤) يرى الشافعية والحنابلة ـ وهو قول عند الأحناف ـ استحباب رفع اليدين عند رؤية البيت خلافا للمالكية. (ينظر عن ذلك : المجموع ٨ / ٩ ، المغنى ٣ / ٣٦٨ ، شرح الرسالة ١ / ٤٦٤ ، هداية السالك ٢ / ٧٤٩).

٢٥٤

وارج رحمته وقبوله ؛ لأن رحمة الله تعالى قريب من المحسنين عامة تامة شاملة على كل مخلوقاته ، ورحمته تعالى سابقة على غضبه كما قال تعالى : «أنا الله لا إله إلا أنا سبقت رحمتى غضبى» وقوله عزّ وعلا : (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ)(١). وقول الملائكة : (رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً)(٢).

وينبغى أن يكون رجاؤك هاهنا أغلب على الخوف ؛ فإن كرم الكريم عميم وشرف الحرم جسيم ، وحق الزائر على المزور عظيم.

فإذا دخل الطواف يبتدئ بالحجر الأسود ويقف بحياله ويستقبله بوجهه رافعا يديه حذاء أذنيه كما فى الصلاة ؛ لقوله عليه‌السلام : «لا ترفع الأيدى إلا فى سبع مواطن : فى افتتاح الصلاة ، وفى القنوت ، وفى العيدين ، وعند استلام الحجر ، وعلى الصفا والمروة ، وبعرفات ، وبجمع» (٣).

ولو قال عند ذلك : اللهم إنى أريد طواف بيتك المحرم فيسره لى وتقبله منى ، يكون أحسن وأحوط ، ثم يكبر بعد النية ويرسل يديه ، ثم يستلم الحجر ؛ لما روى عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من استلم الركن الأسود فقد بايع الله ورسوله» (٤).

وهو على مثال يمين الملك يقبله ويصافحه ويبايعه الوفاد عليه ، وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الركن يمين الله فى الأرض يصافح بها كما يصافح أحدكم أخاه». ومن لم يدرك بيعة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم مسح الركن فقد بايع الله ورسوله.

وتفسير الاستلام : أن يضع كفيه على الحجر ويقبله إن أمكن ، من غير إيذاء أحد.

وقال الشافعى : يسجد عليه إن أمكن ؛ لما روى عن ابن عباس ـ رضى الله عنه ـ

__________________

(١) سورة الأعراف : آية ١٥٦.

(٢) سورة غافر : آية ٧.

(٣) جمع هى المزدلفة.

(٤) أخرجه : عبد الرزاق فى مصنفه (٨٩١٩) ، الديلمى فى الفردوس (٢٦٣٠). والمعنى أن من صافحه فى الأرض كان له عند الله عهد. وقال فى النهاية : هذا كلام تخييل وتمثيل ، وأصله : أن الملك إذا صافح رجلا قبّل الرجل يده ، فكان الحجر الأسود لله بمنزلة اليمين للملك حين يستلم ويلثم.

٢٥٥

أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قبّل الحجر وسجد عليه ، ثم قبّله وسجد عليه ، ثم قبّله وسجد عليه (١).

وإن لم يمكنه السجود يقتصر على التقبيل. فإن لم يمكنه ذلك من غير إيذاء يستلمه بيده. فإن لم يمكنه ذلك من غير إيذاء يشير بكفيه نحو الحجر كأنه واضع يديه على الحجر مع التكبير والتهليل ، ثم يقبل كفيه.

ثم يأخذ فى الطواف عن يمين نفسه مما يلى باب الكعبة ويطوف سبعة أشواط وقد اضبع قبل ذلك. وهذا الطواف يسمى طواف القدوم وهو سنة عندنا إلا عند مالك [فهو] واجب (٢).

وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يحب التيامن فى كل شىء.

وعن جابر ـ رضى الله عنه ـ : أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما قدم مكة أتى الحجر الأسود فاستلمه ، ثم مشى على يمينه فرمل ثلاثا ، ومشى أربعا ؛ لما روى أن الكفار كانوا يأخذون عن شمائلهم فى الطواف ، فاستحب النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم مخالفتهم فيه ؛ فطاف عن يمينه.

ويعرف عظمة الكعبة المعظمة.

فإن سأل سائل وقال : ما الفائدة فى الابتداء بالحجر الأسود دون غيره؟ وما الحكمة فيه؟ قلنا : الفائدة متابعة فعل النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وأما الحكمة فيه : فكما أخبر صدقه بن عمرو المكى : أن رجلا وقف على عطاء بن أبى رباح وهو جالس فى المسجد الحرام وعنده وهب بن منبّه ، فقال الرجل لعطاء : ما بال هذا الحجر ـ وأشار إلى الحجر الأسود ـ يعظم من بين حجر هذا البيت؟ فلم يدر عطاء ما يجيبه. فالتفت إلى وهب ـ أى أجب عنى ـ ، فقال وهب : إن الله ـ عزّ وجلّ ـ جعل هذا الحجر مفتاحا للطواف لهذا البيت كما جعل تكبيرة الإحرام مفتاحا

__________________

(١) أخرجه : الحاكم فى المستدرك ١ / ٤٥٥ ، الشافعى فى الأم ٢ / ١٧١ ، الأزرقى فى أخبار مكة ١ / ٣٣٨.

(٢) انظر : الأم ٢ / ١٧٠ ، ١٧١ ، هداية السالك ٢ / ٨١٠ ـ ٨١٣ ، متن المنهاج ١ / ٤٨٧ ، المجموع ٨ / ٣٨ ، هداية السالك ٢ / ٤٥ ، ٨١٠ ـ ٨١٤.

٢٥٦

للصلاة ، فقال عطاء لوهب : يرحمك الله يرحمك الله.

وقال أبو بكر النقاش : الطواف بالبيت لياذة واستكانة وخضوع ورغبة ورهبة ، والطائف بالبيت كالعبد يلوذ بسيده ويدور بفنائه مستأمنا من أمر يخافه ومستمنحنا منه أمرا يرجوه ؛ فإذا تعلق بأستار الكعبة فهو كالعبد العاصى الآبق يتعلق بذيل مولاه ؛ يخضع له ويتملق لديه ليرضى عنه السيد.

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الكعبة محفوفة بسبعين ألفا من الملائكة يستغفرون لمن طاف بالبيت ويصلون عليه» (١).

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إذا خرج المرء يريد الطواف بالبيت أقبل يخوض فى الرحمة ، فإذا دخله غمرته ، ثم لا يرفع قدما ولا يضعها إلا كتب الله له بكل قدم خمسمائة حسنة ، وحطت عنه خمسمائة سيئة ، ورفعت له خمسمائة درجة. فإذا فرغ من طوافه وصلى ركعتين خلف المقام خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه ، وكتب له أجر عشر رقاب من ولد إسماعيل ، واستقبله ملك فقال له : استأنف العمل فيما تستقبله ؛ فقد كفيت ما مضى. ويشفع فى سبعين من أهل بيته» (٢).

وكان أحب الأعمال إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا قدم مكة طواف البيت.

فإذا استلم الركنين فى طوافه تحط عنه الخطايا حطّا (٣).

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «استلامهما يحط الخطايا حطّا» (٤).

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما أتيت على الركن اليمانى قط إلا وجبريل عليه‌السلام قائم عنده ويستغفر لمن استلمه» (٥).

__________________

(١) أخبار مكة للفاكهى ١ / ١٩٦ ، والحديث إسناده ضعيف ؛ ففيه : أحمد بن صالح ، وهو ضعيف.

(٢) أخرجه : الأزرقى فى أخبار مكة ٢ / ٤ ، ابن الجوزى فى مثير الغرام (ص : ٢٨٤).

(٣) أخرج البخارى الحديث بصورة تقارب هذا المعنى وهى : «أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان إذا طاف فى الحج والعمرة أول ما يقدم فإنه يسعى ثلاثة أطواف بالبيت (انظر : البخارى ٢ / ١٥٢ ، مسلم ٤ / ٦٣.

(٤) أخرجه : أحمد فى مسنده ٢ / ٨٩ ، الترمذى ٣ / ٢٩٢ ، ابن حبان (ص : ٢٤٧).

(٥) أخرجه الأزرقى فى أخبار مكة ١ / ٣٤١ ، عن مجاهد مرسلا.

٢٥٧

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن الله تعالى وكّل بالركن اليمانى سبعين ألف ملك قياما عليه فمن دعا عنده قالوا آمين آمين» (١).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الركن اليمانى باب من أبواب الجنة ، والركن الأسود من الجنة».

فإذا فرغ من طوافه : يصلى خلف المقام ركعتين وهما واجبتان عندنا إلا عند مالك وأحمد والشافعى فى قول سنتان ، ويشرب من ماء زمزم غفر له.

وجاء فى رواية أخرى : «من صلى خلف المقام ركعتين غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، ويحشر يوم القيامة من الآمنين» (٢).

فإذا أراد السعى عاد إلى الحجر الأسود فيستلمه ويقبله ، ثم يخرج من باب الصفا وهو فى محاذاة الضلع بين الركن اليمانى والحجر الأسود. وإن خرج من باب آخر جاز ؛ لأن المقصود هو الكون والمصير إلى الصفا. ويقدم رجله اليسرى على اليمنى فى الخروج ، فإذا خرج من ذلك الباب أو من غيره وانتهى إلى الصفا يصعد عليه ويستقبل القبلة حتى يشاهد الكعبة إن أمكنه ، وإلا فبقدر ما يمكنه ، ثم يكبر ويهلل ويثنى على الله تعالى ويصلى على النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ويسأل الله تعالى حاجته ، ويكون رافعا يديه وبطون كفيه نحو السماء من أول ما يكبر ويهلل ؛ لما روى : أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما صعد على الصفا فعل هكذا (٣).

والدعاء عند أصحابنا فى ذلك وفى غيره غير مؤقت ؛ لأن التوقيت فى الدعاء يذهب برقة القلب ؛ بل يدعو بما شاء إلا أنه يكبر ويهلل ؛ فإن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم كبر وهلل ووحده ودعا (٤). إلا أنهم اختلفوا فى كيفية ذلك ، والأشهر أن يقول : الله أكبر الله أكبر الله أكبر ، ثلاثا ، لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد يحيى

__________________

(١) أخرجه : ابن ماجه (٢٩٥٧) ، بلفظ «سبعون ملكا» ، والديلمى فى الفردوس (٧٣٣٢) ، ابن عدى فى الكامل ٤ / ٢٧٥ ، الفاكهى فى أخبار مكة ١ /. وفيه إسماعيل بن عياش حوله كلام (الجامع فى الجرح والتعديل ص : ٣٧٦).

(٢) ذكره القاضى عياض فى الشفا ، وابن جماعة فى هداية السالك ١ / ٥٣.

(٣) انظر : أحمد ١ / ٢٨ ، البيهقى فى السنن ٥ / ٨٠ ، عبد الرزاق فى مصنفه ٥ / ٣٦ ، السنن للشافعى ٢ / ١٣٦ رقم ٤٩٢.

(٤) المراجع السابقة.

٢٥٨

ويميت وهو حى لا يموت ، بيده الخير وهو على كل شىء قدير ، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه ، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون ، يقولها ثلاثا.

ثم يقول : الحمد لله الذى أنجز وعده ، ونصر عبده ، وأعز جنده ، وهزم الأحزاب وحده ، الله أكبر على ما هدانا ، والحمد لله على ما أولانا (١).

ثم يصلى على النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ويدعو لنفسه وللمؤمنين والمؤمنات بما تيسر له من الدعاء لما مّر أنه غير مؤقت عندنا ، ثم يدعو بما شاء ويسأل الله تعالى ما شاء من حاجته الدينية والدنيوية.

ثم يهبط من الصفا ويمشى على هيئته. ويقول عند الهبوط : اللهم استعملنى بسنة نبيك ، وتوفنى على ملته ، وأعذنى من مضلات الفتن برحمتك يا أرحم الراحمين (٢).

فإذا وصل إلى بطن الوادى عند الميل الأخضر الذى بجنب المسجد تحت المنارة يسعى عند ذلك ويهرول حتى يجاوز الميل الأخضر الآخر الذى بحذاء دار العباس ـ رضى الله عنه ـ ويقول فى سعيه : رب اغفر وارحم ، وتجاوز عما تعلم ، فإنك أنت الأعز الأكرم ، نجنا من النار سالمين ، وادخلنا الجنة آمين (٣).

وقال الشافعى : إذا بلغ الميل الأخضر يسعى قبله بنحو ستة أذرع سعيا شديدا حتى يحاذى الميل الأخضر الآخر (٤). وفى قول : حتى يجاوز.

ثم يمشى على هيئته حتى يصعد المروة ، فإذا صعد على المروة يستقبل القبلة بوجهه ويفعل مثل ما قلنا أنه يفعله على الصفا ، ويكبر ويهلل ويدعو ويصلى على النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم على الوجه الذى ذكرنا فى فضل الصفا ، ويسأل الله تعالى حاجته ؛ وهذا شوط ، ثم ينزل من المروة ، ويقول مثل ما قال فى الصفا عند الهبوط. فإذا

__________________

(١) الأم ٢ / ٢١٠ ولم أقف عليه بهذا اللفظ فى شىء من الأخبار عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولا عن أصحابه رضوان الله عليهم.

(٢) أخرجه : البيهقى فى السنن ٥ / ٩٥.

(٣) أخرجه : الهيثمى فى مجمع الزوائد ٣ / ٢٤٨ ، وعزاه للطبرانى فى الأوسط عن ابن مسعود.

وفيه : ليث بن أبى سليم ، وهو ثقة ، لكنه مدلس.

(٤) المجموع ٨ / ٧١ ـ ٧٥.

٢٥٩

بلغ الميل يسعى ويهرول مثل ما قلنا ؛ يفعل ذلك سبعة أشواط ، أى : سبع مرات يبدأ بالصفا ويختم بالمروة. وهذا السعى واجب عندنا وليس بركن.

وقال مالك والشافعى : هو ركن لا ينوب عنه الدم. وعن أحمد روايتان : فى رواية مثل قول الشافعى ، وفى رواية : هو مستحب غير واجب (١).

وإن لم يصعد على الصفا والمروة فى السعى يجوز عندنا ويكره لما فيه من ترك السنة ولا يجب بتركه شىء ؛ لأنه من السنن.

وقال الشافعى : استيفاء ما بين الصفا والمروة شرط حتى لو أخل بشىء منه وإن قلّ لا يجوز كما يقول فى الطواف (٢).

وقال بعض أصحابه ؛ منهم أبو حفص بن الوليد : إن لم يصعد على الصفا والمروة لا يجزئه.

والأصح عند الشافعى : أن الصعود عليهما ليس بشرط لازم بل الشرط أستيفاء ما بينهما على ما ذكرنا.

ويمكن استيفاء ذلك بأن يلصق عقيبه.

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من سعى بين الصفا والمروة ثبت الله قدميه على الصراط يوم تزل الأقدام».

وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم للأنصارى الذى سأله عن الطواف بين الصفا والمروة : «أما طوافك بين الصفا والمروة كعدل رقبة» (٣).

وقال الحسن البصرى رضى الله عنه يرفعه إلى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «كعدل سبعين رقبة من ولد إسماعيل».

__________________

(١) يبحث عن ذلك فى : المجموع ٨ / ٧١ ـ ٧٥ ، الشرح الكبير وحاشيته ٢ / ٣٤ وما بعدها ، المغنى ٣ / ٣٨٨.

(٢) قال الشافعية : «لو بقى من السعى خطوة أو بعض خطوة لم يصح حجه ، ولم يتحلل من إحرامه حتى يأتى بما بقى ، ولا يحل له النساء وإن طال ذلك سنين». (انظر : المجموع ٨ / ٧١).

(٣) سبق تخريجه.

٢٦٠