إثارة التّرغيب والتّشويق إلى المساجد الثّلاثة والبيت العتيق

محمّد بن إسحاق الخوارزمي

إثارة التّرغيب والتّشويق إلى المساجد الثّلاثة والبيت العتيق

المؤلف:

محمّد بن إسحاق الخوارزمي


المحقق: دكتور مصطفى محمّد حسين الذّهبي
الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: مكتبة نزار مصطفى الباز
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٠

وغربيا فبلغت به أساس إبراهيم عليه‌السلام ؛ فإنهم عجزوا عن بنائها لما قصرت بهم النفقة». ثم قال عليه‌السلام لعائشة : «إن شئت أريتك القدر الذى أخرجوه من البيت حتى أن قومك لو أرادوا أن يبنوه لبنوه عليه» ، قالت : فأرانى نحوا من سبعة أذرع (١).

ولما فرغ ابن الزّبير من بناء الكعبة خلّقها من داخلها وخارجها من أعلاها إلى أسفلها بالعنبر والمسك وكساها القباطى والديباج وقال : من كان لى عليه حق وطاعة فليخرج وليعتمر من التنعيم ، فمن قدر أن يذبح بدنة فليفعل وإلا شاة وإلا فليتصدق بقدر طوله.

وخرج ابن الزبير ماشيا مع جميع الناس حتى اعتمروا ، ولم ير يوم أكثر بدنة منحورة وشاة مذبوحة من هذا اليوم (٢).

وهذه الليلة كانت ليلة الإسراء ، وقد تقدم الخلاف فيها.

واعلم أن القول الأصح عند صاحب «المنتقى» أن المعراج كان فى ليلة سبع وعشرين من ربيع الآخر قبل الهجرة بسنة وكثير من أهل السير على أنه كان فى ليلة السابع والعشرين من رجب قبل الهجرة بسنة ، وعليه رأى النووى ، والأقوال كثيرة لأهل السير فى ذلك (٣).

ثم هدم الحجّاج بأمر عبد الملك بن مروان زيادة ابن الزّبير وأعادها على بناء قريش ، وأبقى ما علا ابن الزّبير إلى السماء ، واستقر بناؤها على ذلك إلى اليوم فكل الكعبة اليوم بناء ابن الزّبير إلا الشق الذى من ناحية حجر إسماعيل ـ عليه‌السلام ـ وهو يظهر للرائى عند رفع أستار الكعبة المشرفة.

__________________

(١) الحديث أخرجه بطرقه المختلفة : البخارى (١٥٨٣ ، ١٥٨٤ ، ١٥٨٥ ، ١٥٨٦) ، مسلم ٣ / ٣٦٨ ، أحمد ٦ / ٢٥٣ ، ٢٦٢ ، ابن ماجه (٢٩٥٥) ، النسائى (٣٨٨٦) ، مالك (٨٢٤) ، الديلمى فى الفردوس (٥١١٩) ، أبو يعلى (٤٣٦٣) ، ابن خزيمة (٢٧٤١) ، ابن حبان (٣٨١٥).

(٢) انظر عن بناء ابن الزبير للكعبة فى : الكامل لابن الأثير ٤ / ٨٧ ، شفاء الغرام ١ / ٩٧ ، درر الفرائد (ص : ١٩٨) ، الجامع اللطيف (ص : ٩١) ، أخبار مكة للأزرقى ١ / ٢٠٥ ، الروض الأنف ١ / ٢٢١ ، أخبار الكرام للأسدى (ص : ١٠٨) ، إتحاف الورى ٢ / ٦٥.

(٣) انظر أقوال العلماء فى هذا الأمر فى : سبل الهدى والرشاد ٣ / ٩٤.

٢٢١

وقال عبد الملك بعد أن هدمها الحجّاج وقد أخبره من يثق به بحديث عائشة رضى الله عنها المتقدم ذكره : لو كنت سمعته قبل هدمها لتركتها على بناء ابن الزّبير (١).

وسأل هارون الرشيد مالك بن أنس عن هدمها وردها إلى بناء ابن الزّبير فقال مالك : أنشدتك الله يا أمير المؤمنين لا تجعل هذا البيت ملعبة للملوك لا يشاء أحد إلا نقضه وبناه فتذهب حرمتها من قلوب الناس.

وقال الشافعى رضى الله عنه : لا أحب أن تهدم الكعبة وتبنى كيلا تذهب حرمتها (٢).

وعن ابن عمر ـ رضى الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «استمتعوا من هذا البيت فإنه يهدم مرتين ويرفع فى الثالثة». رواه الطبرانى (٣).

وفى الصحيحين من حديث أبى هريرة رضى الله عنه : يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة (٤).

وعن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «كأنى به أسود أفحج يقلعها حجرا حجرا» ـ رواه البخارى (٥).

والأفحج بالفاء ثم بالحاء المهملة ثم الجيم : الذى تتوانى صدور قدميه وتتباعد عقباه وتتفحج ساقاه.

__________________

(١) الكامل ٤ / ١٥٢ ، تاريخ الطبرى ٧ / ٢١٠ ، شفاء الغرام ١ / ٩٩ ، أخبار مكة للأزرقى ١ / ٢١١ ، الجامع اللطيف (ص : ٩٢) ، إتحاف الورى ٢ / ١٠٢.

(٢) شفاء الغرام ١ / ١٦٣.

(٣) أخرجه : الحاكم فى المستدرك ١ / ٤٤١ ، ابن حبان فى موارد الظمآن (ص : ٢٤١) ، الهيثمى فى مجمع الزوائد ٣ / ٢٠٦ ، وعزاه للبزار والطبرانى فى الكبير.

(٤) أخرجه : البخارى (١٥٩١) ، مسلم (٢٩٢٩) ، ابن حبان (٦٧٥١) ، البيهقى فى السنن ٤ / ٣٤٠ ، الحميدى (١١٤٦) ، ابن أبى شيبة ١٥ / ٤٧. والسويقتين : تثنية سويقة ، وهى تصغير ساق ؛ أى له ساقان دقيقان.

(٥) أخرجه : البخارى (الحج : هدم الكعبة) ٢ / ١٤٩ ، مسلم (الفتن : لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل) ٨ / ١٨٣. بنحوه.

٢٢٢

وعن أبى هريرة ـ رضى الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «تجىء الحبشة فيخربونه خرابا لا يعمر بعده أبدا» رواه أبو داود الطيالسى (١).

وذكر الحليمى أن ذلك يكون فى زمن عيس عليه‌السلام ؛ فإن الصريخ يأتيه بأن ذا السويقتين الحبشى قد سار إلى البيت يهدمه ، فيبعث عيسى عليه‌السلام إليه.

وقال غير الحليمى : يكون خرابه بعد رفع القرآن وذلك بعد موت عيسى عليه‌السلام ، وصححه بعض متأخرى العلماء (٢).

__________________

(١) أخرجه : أبو داود الطيالسى ١٠ / ٣١٣.

(٢) هداية السالك ٣ / ١٣٣٣.

٢٢٣

الفصل الثالث والأربعون

فى ذكر كسوة الكعبة المعظمة المشرفة شرفها الله تعالى

يروى أن أول من كست الكعبة الديباج والحرير نتيلة بنت جناب أم العباس بن عبد المطلب ، وهى أول عربية كست الكعبة الحرير والديباج (١). ثم بعدها كساها النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم والخلفاء الراشدون والسلاطين إلى يومنا هذا.

والكسوة منسوجة من حرير أسود وبطانتها من كتان أبيض وهى أربعة وأربعون شقة كل شقة على طول الكعبة سبعه وعشرون ذراعا ، منها عشر شقاق ما بين الركن الأسود والركن اليمانى ، واثنا عشر شقة ما بين الركن اليمانى والركن الغربى ويقال له : الركن الشامى ، وعشر شقاق ما بين الركن الغربى إلى الركن العراقى ويقال له : الشامى ـ أيضا ـ وهو جانب الحطيم ، واثنا عشر شقة ما بين الركن العراقى إلى الركن الأسود ، وهذا الجانب وجه الكعبة وفيه باب الكعبة.

وللكسوة طراز مدوّر بالكعبة ، من الطراز إلى الأرض مقدار عشرين ذراعا ، وعرض الطراز ذراع ونصف أو أكثر ، مكتوب فى الطراز على جانب وجه الكعبة بعد البسملة : (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ) إلى قوله : (فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ)(٢) صدق الله العظيم.

وبين الركن الأسود والركن اليمانى مكتوب بعد البسملة : (جَعَلَ اللهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ) إلى قوله : (وَأَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)(٣) صدق الله العظيم.

__________________

(١) عزاه فى الفتح إلى الدارقطنى فى المؤتلف ٣ / ٥٣٧. وكان العباس قد ضاع وهو صغير ، فنذرت «نتيلة» أن تكسو البيت الحرير إن وجدته ، فوجدته ، فكست البيت الحرير. (انظر : الإصابة : ٤٥١٠).

(٢) سورة آل عمران : آية ٩٦ ، ٩٧.

(٣) سورة المائدة : آية ٩٧.

٢٢٤

وبين الركن اليمانى والغربى مكتوب بعد البسملة : (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ) إلى قوله : (وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)(١) صدق الله العظيم.

وبين الركن الغربى والعراقى مكتوب بعد البسملة ممن أمر بعمل هذه الكسوة الشريفة العبد الفقير إلى الله تعالى السلطان الملك الأشرف ناصر الدنيا والدين سلطان مصر فى سنة تسع وسبعين وسبعمائة ، ومن تملك بعده يكتب على الطراز اسمه كذلك (٢).

وقال الأزرقى : أول من كسا البيت تبّع ، ثم كساه الناس فى الجاهلية ، ثم كساه النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثم أبو بكر ، ثم عمر ، ثم عثمان ، ثم كساه معاوية وابن الزبير الديباج ، ثم كان يكسوه المأمون ثلاث مرات : الديباج الأحمر يوم التروية ، والقباطى فى أول رجب ، والديباج الأبيض فى السابع والعشرين من رمضان.

وأهل اليمن كانوا يكسونه الأنطاع والحصر.

وفى خلاصة الفتاوى : ديباج الكعبة إذا صار خلقا لا يجوز أخذه ولكن السلطان يبيعه ويستعين به على أمر الكعبة ، ولو شرط الواقف فى الوقف الصرف إلى إمام المسجد وبين قدره يصرف إليه إن كان فقيرا ، وإن كان غنيا لا يحل له الأخذ وكذا الوقف على الفقهاء والمؤذنين (٣).

وفى مناسك الإمام النووى ـ الشافعى ـ رحمه الله : قال الإمام أبو الفضل بن عبدان من أصحابنا : لا يجوز قطع شىء من سترة الكعبة ولا نقله ولا بيعه ولا شراؤه ولا وضعه بين أوراق المصحف ، ومن حمل شيئا من ذلك لزمه رده بخلاف ما يتوهمه العامة أنهم يشترونه من بنى شيبة ـ هذا كلام ابن عبدان ، وحكاه الإمام أبو القاسم الرافعى عنه ولم يعترض عليه فكأنه وافقه فيه.

وقال الإمام أبو عبد الله الحليمى : لا ينبغى أن يؤخذ من كسوة الكعبة شىء (٤).

__________________

(١) سورة البقرة : آية ١٢٧ ـ ١٢٨.

(٢) العقد الثمين ٣ / ٢٥٧ ، درر الفرائد (ص : ٣١٦).

(٣) أخبار مكة للأزرقى ١ / ٢٤٩ ، والسيرة لابن هشام ١ / ٢٧.

(٤) القرى (ص : ٥٢٠) ، أخبار مكة للفاكهى ٥ / ٢٣١.

٢٢٥

وقال أبو العباس بن القاضى من أصحابنا : لا يجوز بيع كسوة الكعبة.

وقال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح : الأمر فيها إلى الإمام يصرفها فى بعض مصارف بيت المال بيعا وعطاء ، واحتج بما رواه الأزرقى فى كتاب مكة : أن عمر بن الخطاب ـ رضى الله عنه ـ كان ينزع كسوة البيت كل سنة فيقسمها على الحاج ، وهذا الذى قاله الشيخ حسن.

وقد روى الأزرقى عن ابن عباس وعائشة ـ رضى الله عنهما ـ أنهما قالا : تباع كسوتها ويجعل ثمنها فى سبيل الله والمساكين وابن السبيل (١).

وقال ابن عباس وعائشة وأم سلمة : لا بأس أن يلبس كسوتها من صارت إليه من حائض أو جنب وغيرهما (٢).

__________________

(١) القرى (ص : ٥٢١).

(٢) القرى (ص : ٥٢١).

٢٢٦

الفصل الرابع والأربعون

فى ذكر ذرع الكعبة

قال الأزرقى : إن طول الكعبة اليوم فى السماء سبعة وعشرون ذراعا وست عشر أصبعا (١).

وقال القاضى عز الدين بن جماعة فى كتابه الموسوم بهداية السالك إلى المذاهب الأربعة فى المناسك : وحررت أنا ارتفاعها ومقدار ما بين أركانها وغير ذلك لما كنت مجاورا بمكة سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة ، فكان ارتفاعها من أعلا الملتزم إلى أرض الشاذروان : ثلاثة وعشرين ذراعا ونصف ذراع وثلث ذراع ، وبين الركن أى الذى فيه الحجر الأسود وبين الركن العراقى ـ ويقال له الشامى أيضا ـ من الداخل ثمانية عشر ذراعا وثلث وربع ذراع ، ومن الخارج ثلاثة وعشرين ذراعا وربع ذراع.

وارتفاع باب الكعبة الشريفة من داخلها ستة أذرع وعشر أصابع ، ومن خارجها خمسة أذرع ، وعرضه من داخلها : ثلاثة أذرع وربع وثمن ذراع ، ومن خارجه : ثلاثة أذرع وربع ذراع.

وللباب الشريف مصراعان وعود الباب من ساج ، وغلظه ثلاثة أصابع ، وعرض العتبة المباركة نصف ذراع وربع ذراع ، وهى حجر واحد ، وارتفاع الباب عن أرض الشاذروان ثلاثة أذرع وثلث وثمن ذراع ، وارتفاع الشاذروان عن أرض المطاف ربع وثمن ذراع ، وعرضه فى هذه الجهة ـ وهى جهة الباب ـ نصف وربع ذراع.

وذرع الملتزم ـ وهو ما بين الركن والباب ـ من داخل الكعبة ذراعان ، ومن خارجها أربعة أذرع وسدس ذراع.

وارتفاع الحجر الأسود عن أرض المطاف ذراعان وربع وسدس ذراع.

__________________

(١) أخبار مكة للأزرقى ١ / ٢٨٨.

٢٢٧

وبين الركن العراقى والشامى ـ ويقال له الغربى أيضا ـ من داخل الكعبة خمسة عشر ذراعا وقيراطين ، ومن خارجها ثمانية عشر ذراعا ونصف وربع ذراع.

وبين الركن الشامى والركن اليمانى من داخلها ثمانية عشر ذراعا وثلثى ذراع وثمن ذراع ، ومن خارجها ثلاثة وعشرون ذراعا.

وبين الركن اليمانى والركن الأسود من داخلها خمسة عشر ذراعا وثلث ذراع ، ومن خارجها تسعة عشر ذراعا وربع ذراع.

وذرع دائرة الحجر من داخله من الفتحة إلى الفتحة ستة وثلاثون ونصف وربع وثمن ذراع ، ومن الفتحة إلى الفتحة على الاستواء سبعة عشر ذراعا ، ومن صدر دائرة الحجر من داخله إلى جدار البيت تحت الميزاب خمسة عشر ذراعا ، وعرض جدار الحجر ذراعان وثلث ذراع ، وارتفاعه مما يلى الفتحة الأخرى ذراع ونصف وثلث وثمن ذراع ، وارتفاعه من وسطه ذراع وثلثا ذراع ، واتساع ما بين جدار الحجر والشاذروان عند الفتحة التى من جهة المقام أربعة أذرع وثلث ذراع ، وعرض الشاذروان فى هذه الجهة ـ وهى جهة الحجر ـ ثلثا ذراع ، والخارج من جدار الحجر فى هذه الجهة عن مسامته الشاذروان نصف وثلث ذراع.

وكل ذلك حرر بذراع القماش المستعمل فى زماننا بمصر المحروسة وهو أربعة وعشرون أصبعا سوى الإبهام منضمة بعضها على بعض على عدد حروف لا إله إلا الله محمد رسول الله (١).

__________________

(١) هداية السالك ٣ / ١٣٣٤ ، ١٣٣٥.

٢٢٨

الفصل الخامس والأربعون

فى ذرع مقام إبراهيم عليه‌السلام

والمقام فى اللغة موضع قدم القائم.

قال سعيد بن جبير : مقام إبراهيم هو الحجر الذى وقف عليه إبراهيم عليه‌السلام.

وفى سبب وقوفه عليه أقوال :

الأول : أنه وقف عليه لبناء البيت. قاله سعيد بن جبير (١).

الثانى : أنه لما جاء فى [المرة] الثانية من الشام لطلب ابنه إسماعيل عليه‌السلام فلم يجده ، فقالت له زوجة إسماعيل : انزل من الجمل فأبى ، فقالت : دعنى حتى أغسل رأسك ، فأتته بحجر فوضع رجله عليه وهو راكب ، فغسلت شق رأسه وقد غابت رجله فيه ، ثم رفعته ووضعته تحت رجله الأخرى وغسلته فغابت رجله الأخرى فيه ، فجعله الله تعالى من الشعائر ، وهذا مروى عن ابن مسعود وابن عباس رضى الله عنهما (٢).

الثالث : أنه وقف عليه وأذّن فى الناس بالحج.

وذكر الأزرقى قال : لما فرغ من التأذين أمر بالمقام فوضعه قبلة وكان يصلى إليه مستقبل الباب.

وذكر الأزرقى : أن ذرع المقام ذراع واحد (٣).

__________________

(١) أخرجه : البغوى فى تفسيره ١ / ١١٣ ، الطبرى فى تاريخه ١ / ١٥٥ ، ابن الجوزى فى مثير الغرام (ص : ٣١٢).

(٢) أخرجه : البغوى فى تفسيره ١ / ١١٤ ، الطبرى فى تاريخه ١ / ١٥٦ ، ابن الجوزى فى مثير الغرام (ص : ٣١٢) ، والقول الأول أظهر. وسبيل الجمع بينهما أن يكون قيامه للبناء كان بعد قيامه الأول ؛ فإنه مرتب عليه.

(٣) أخبار مكة للأزرقى ٢ / ٣٤٠ ، أخبار مكة للفاكهى ١ / ٤٨١.

٢٢٩

والمقام حجر مربع سعة ، أعلاه أربع عشرة أصبعا فى أربع عشرة أصبعا ، ومن أسفله مثل ذلك ، وفى طرفيه أعلاه وأسفله طوقان من ذهب ، وأن القدمين داخلتان فيه مقدار سبعة أصابع ودخولهما منحرفتان ، وبين القدمين من الحجر أصبعان. ووسطه قد استدق من التمسح به.

وحرر مقدار ارتفاعه من الأرض فكان نصف ذراع وربع ذراع.

وموضع غوص القدمين فى المقام ملبّس بالفضة ، وعمقه من فوق الفضة سبع قراريط ونصف قيراط من الذراع المصرى.

والمقام اليوم فى صندوق من حديد وحوله شباك من حديد عرض الشباك عن يمين المصلى وعن يساره خمسة أذرع وثمن ذراع ، وطوله إلى جهة الكعبة خمسة أذرع إلا قيراطين ، وخلف الشباك هو مصلى الناس اليوم ، وهو محوز بعمودين من حجارة وحجرين من جانبى المصلى ، وطول المصلى خمسة أذرع وسدس ذراع ، ومن صدر الشباك الذى فى داخله المقام إلى شاذروان الكعبة عشرون ذراعا وثلثا ذراع وثمن ذراع ، كل ذلك بالذراع المصرى (١).

__________________

(١) أخبار مكة للفاكهى ١ / ٤٨٢.

٢٣٠

الفصل السادس والأربعون

فى ذكر ما جاء فى الذهب الذى كان على المقام

ومن جعله عليه وتذهيب الكعبة ومن جعله عليها

قال عبد الله بن شعيب بن شيبة بن جبير بن شيبة : ذهبنا نرفع المقام فى خلافة المهدى فانثلم منه ، قال : وهو حجر رخو يشبه السنان ، فخشيت أن يتفتت ـ أو قال أن يتداعا ـ فكتبنا فى ذلك إلى المهدى فبعث إلينا بألف دينار فضينا بها المقام أسفله وأعلاه ، وهو الذهب الذى هو عليه اليوم.

وقال عبد الله بن شعيب نحوه ، وقال : فلم يزل ذلك الذهب عليه حتى أمر أمير المؤمنين جعفر المتوكل على الله أن يجعل عليه ذهب فوق ذلك الذهب أحسن من ذلك العمل فعمل عليه ، وكان ذلك فى مصدر الحاج سنة ست وثلاثين ومائتين (١) ، فهو الذهب الذى عليه اليوم ، وجعل فوق ذلك الذهب الذى كان عمله المهدى ولم يقلع عنه.

ولما كان فى سنة تسع وسبع مائة وخمسين سرقا جميعا فى حكومة الإمام العالم المفتى المتقى القاضى شهاب الدين أحمد بن محمد بن محمد بن محب الدين الطبرى رحمه الله ، وكان هو الناظر بحرم الله الشريف والقاضى بمكة ، فعمل عليه الفضة ، وهى اليوم عليه (٢).

قال الأزرقى : أما الكعبة الشريفة فإن الوليد بن عبد الملك بعث إلى خالد بن عبد الله القسرى وإلى مكة ستة وثلاثين ألف دينار فجعل على بابها صفائح الذهب وعلى ميزابها وعلى الأساطين التى فى بطنها وعلى الأركان ، وهو أول من ذهّب البيت فى الإسلام ، ولما رقّ ما على الباب بعث محمد بن الرشيد ثمانية

__________________

(١) إتحاف الورى ٢ / ٣٠٢ ، ٣٠٣ ، أخبار مكة للأزرقى ٢ / ٣٦ ، أخبار مكة للفاكهى ١ / ٤٨٣ ، شفاء الغرام ١ / ٢٠٣.

(٢) أخبار مكة للأزرقى ٢ / ٣٦.

٢٣١

عشر ألف دينار فجعلت صفائح على الباب مع ما كان فيه ، والصفائح التى هى اليوم والمسامير وحلقتا الباب والضبب الذى على الباب من الذهب : ثلاثة وثلاثون ألف مثقال.

وجميع ما فيها من الرخام الأخضر والأحمر والأبيض من عمل الوليد وهو أول من زخرف المساجد (١).

وقال الأزرقى : كان عبد الله بن الزّبير يجمّر الكعبة فى كل يوم برطل من الطيب ويوم الجمعة رطلين ، وأجرى معاوية للكعبة الطيب لكل صلاة ، وأجرى الزيت لقناديل المسجد من بيت المال (٢).

__________________

(١) أخبار مكة للأزرقى ١ / ٢١١ ، شفاء الغرام ١ / ١١٤ ، إتحاف الورى ٢ / ١١٩.

(٢) أخبار مكة للأزرقى ١ / ٢٥٢ ، هداية السالك ٣ / ١٣٤٠.

٢٣٢

الفصل السابع والأربعون

فى ذكر ما جاء فى بدء شأن زمزم وذكر ذرعه

روى أنه جاء إبراهيم عليه‌السلام بهاجر أم إسماعيل عليها‌السلام وإسماعيل وهى ترضعه حتى وضعهما عند دوحة فوق زمزم ، وليس بمكة يومئذ أحد ولا ماء ، ووضع عندهما جرابا فيه تمر وسقاء فيه ماء ، ثم رجع منطلقا ، فتبعته أم إسماعيل فقالت : أين تذهب وتتركنا بهذا الوادى الذى ليس فيه أنيس ولا شىء؟وقالت له ذلك مرارا وهو لا يلتفت إليها ، فقالت : آلله أمرك بهذا؟ قال : نعم.

قالت : إذا لا يضيعنا الله تعالى ، ثم رجعت.

فانطلق إبراهيم عليه‌السلام حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه استقبل بوجهه الكعبة ورفع يديه ودعا بهذه الكلمات : (رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ) حتى بلغ إلى قوله : (لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ)(١).

وجعلت أم إسماعيل ترضع ولدها وتشرب من هذا الماء حتى إذا عطشت وعطش ابنها وجعلت تنظر إليه وهو يتلوى من العطش فانطلقت كراهة أن تنظر إليه ، فوجدت الصفا أقرب جبل فى الأرض يليها فقامت عليه ، فاستقبلت الوادى ونظرت فلم تر أحدا ، فهبطت من الصفا حتى بلغت الوادى رفعت طرف درعها ، ثم سعت سعى الإنسان المجهود حتى جاوزت الوادى ، ثم أتت المروة فقامت عليها ونظرت فلم تر أحدا ، ففعلت هكذا سبع مرات ، فلذلك شرع السعى بينهما سبعا فلما أشرفت على المروة سمعت صوتا فقالت له : صه ، تريد نفسها ، ثم تسمعت فسمعت الصوت أيضا فقالت : قد أسمعت من كان عندك غوث ، فإذا هو جبريل عليه‌السلام عند زمزم ، فبحث بعقبه أو بجناحه حتى ظهر الماء فجعلت تحوضه وتقول بيدها هكذا هكذا وتغرف من الماء فى سقائها وهو يفور بعد ما تغرف ، فشربت منه وأرضعت ولدها ، فقال لها جبريل عليه‌السلام : لا تخافى الضيعة فإن

__________________

(١) سورة إبراهيم : آية ٣٧.

٢٣٣

هاهنا بيتا لله تعالى يبنيه هذا الغلام وأبوه ، وإن الله تعالى لا يضيع أهله (١).

وفى الحديث أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «يرحم الله أم إسماعيل لو تركت زمزم ـ أو قال : لو لم تغرف من الماء ـ لكانت زمزم عينا معينا» (٢).

ثم إن جرهما دفنوا زمزم حين ظعنوا من مكة ، ولم تزل داثرة حتى قام عبد المطلب فتولى سقاية البيت ورفادته ، فأتى فى منامه فقيل له : احفر ظبيه ، فقال : وما ظبيه ، ثم أتى من الغد فقيل له : احفر برّة (٣) ، فقال : وما برّة ، ثم أتى من الغد فقيل له : احفر المضنونة (٤) ، فقال وما المضنونة؟ فأتى من الغد فقيل له : احفر زمزم ، فقال : وما زمزم؟ قال : التى لا تنزح (٥) ولا تذم (٦) تسقى الحجيج الأعظم وهى شرف لك ولولدك ، فغدا عبد المطلب بمعوله ومسحاته ومعه ابنه الحارث فجعل يحفر ثلاثة أيام حتى بدا له الطوى فقال : الله أكبر هذا طوى إسماعيل ، ثم حفر حتى بدا الماء وانفجر (٧).

فى ذكر ذرع زمزم

اعلم أن ذرع زمزم من أعلاها إلى أسفلها ستون ذراعا ، وفى قعرها ثلاثة عيون : عين حذاء الركن الأسود ، وعين حذاء أبى قبيس والصفا ، وعين حذاء المروة.

وذرع تدوير فم زمزم أحد عشر ذراعا ، وسعة فم زمزم ثلاثة أذرع وثلثا ذراع (٨).

__________________

(١) انظر : سبل الهدى والرشاد ١ / ١٧٣.

(٢) أخرجه : البخارى (المساقاة : باب من رأى أن صاحب الحوض والقربة أحق بمائه ، ٣ / ١١٢ بلفظه.

(٣) برّة : سميت بذلك لكثرة منافعها وسعة مائها.

(٤) المضنونة : سميت بذلك لأنها ضن بها على غير المؤمنين فلا يتضلع منها منافق.

(٥) أى : لا يفنى ماؤها.

(٦) أى : لا تعاب (النهاية : ٢ / ١٦٩) ، ورده السهيلى. وقال الخشنى : أى : لا توجد قليلة الماء ؛ يقال : أذممت البئر إذا وجدتها ذمّة ، أى : قليلة الماء.

(٧) أخرجه : البيهقى فى دلائل النبوة ١ / ٩٣ ، الأزرقى فى أخبار مكة ٢ / ٤٤ ، السيرة الشامية ١ / ٢١٨ ، السيرة لابن هشام ١ / ١٤٥.

(٨) أخبار مكة للأزرقى ٢ / ١٠٢ ـ ١٠٤ ، أخبار مكة للفاكهى ٢ / ٧٩ ـ ٨١.

٢٣٤

الفصل الثامن والأربعون

فى ذكر المواضع التى تستجاب فيه الدعوات

وزيارة الأماكن الشريفة بمكة وحواليها (١)

روى عن الحسن البصرى رضى الله عنه يرفعه إلى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : يستجاب الدعاء بمكة فى خمسة عشر موضعا : فى الطواف ، وعند الحجر الأسود ، وعند الملتزم ، وتحت الميزاب ، وداخل الكعبة ، وخلف المقام ، وعند بئر زمزم ، وعلى الصفا ، وعلى المروة ، وفى المسعى ، وفى عرفات ، وفى مزدلفة ، وفى منى ، وعند الجمرات الثلاث ، ويستجاب أيضا على ظهر الكعبة وهو المستجار (٢).

وذكر الإمام أبو بكر محمد بن الحسن النقاش المفسر فى مناسكه : الدعاء يستجاب بمكة فى أربعين بقعة ، ووقّت كل بقعة بأوقات معينة ، منها : خلف المقام ، وتحت الميزاب فى وقت السحر ، وعند الركن اليمانى مع الفجر ، وعند الحجر الأسود نصف النهار ، وعند الملتزم نصف الليل ، وداخل قبة زمزم غيبوبة الشمس ، وداخل البيت عند الزوال ، وإذا دخلت من باب بنى هاشم ، وعلى الصفا والمروة عند العصر ، وفى دار خديجة ليلة الجمعة ، وفى مولد النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم الاثنين عند الزوال.

وفى دار الخيزران عند المختبا ، بين العشائين ، وبمنى ليلة البدر شطر الليل.

وفى مسجد الكبش والمزدلفة عند طلوع الشمس ، وبعرفة وقت الزوال تحت السدرة.

وعلى الموقف عند غيبوبة الشمس ، وفى مسجد الشجرة يوم الأربعاء ، وفى

__________________

(١) يراجع ذلك فى : أخبار مكة للأزرقى ٢ / ١٩٨ ، أخبار مكة للفاكهى ٤ / ٥ ـ ٣٦ ، شفاء الغرام ١ / ٤١٧ ، القرى (ص : ٦٦٤) ، مثير الغرام (ص : ٣٤٤).

(٢) أخبار مكة للأزرقى ٢ / ١٩٨.

٢٣٥

المتكا غداة الأحد ، وفى جبل الثور عند الظهر ، وفى حراء وثبير. انتهى كلامه وسقط عنه من أربعين النصف أو أقل ، هذا ما وجدته.

وأما زيارة الأماكن الشريفة التى بها وحواليها :

كمسجد الخيف بمنى : قال ابن عباس رضى الله عنهما : صلى فى مسجد الخيف سبعون نبيا منهم موسى عليهم‌السلام كلهم مخطمون بالليف ، يعنى : رواحلهم (١).

وعن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أنه فيه قبر سبعين نبيا» (٢).

وعن مجاهد رضى الله عنه : حج البيت خمسة وسبعون نبيا كلهم طاف بالبيت وصلى فى مسجد منى ؛ فإن استطعت أن لا تفوتك الصلاة فيه فافعل.

وقال أبو سعيد : إن قبر آدم عليه‌السلام فى مسجد الخيف عند مصلى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقرب المنارة التى فى وسط المسجد (٣).

وقال أبو هريرة رضى الله عنه : لو كنت من أهل مكة لأتيت مسجد منى كل سبت.

والغار الذى أنزلت فيه سورة والمرسلات : عن عبد الله بن مسعود ـ رضى الله عنه ـ قال : بينا نحن مع النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى غار منى إذ أنزلت عليه سورة «والمرسلات عرفا» وإنه ليتلوها وإنى لأتلقيها من فيه إذ وثبت علينا حية ، فقال النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اقتلوها» فابتدرناها فذهبت ، فقال النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «وقيت شرّكم كما وقيتم شرّها» أخرجه البخارى (٤).

وهذا الغار مشهور خلف مسجد الخيف فى جهة اليمن.

__________________

(١) أخرجه : الطبرانى فى الكبير ١١ / ٤٥٢ بنحوه من طريق ابن فضيل ، والأزرقى فى أخبار مكة ٢ / ١٧٤ ، وفيه : أشعث بن سوّار ، ضعيف (التقريب ١ / ٧٩). وعزاه المحب الطبرى إلى أبى سعد فى شرف النبوة (القرى : ٥٣٩).

(٢) ذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد ٣ / ٢٩٧ وعزاه للبزار وقال : رجاله ثقات ، وذكره الفاكهى فى أخبار مكة ٤ / ٢٦٦.

(٣) أخرجه : الفاكهى فى أخبار مكة ٤ / ٢٦٨.

(٤) البخارى (جزاء الصيد : باب ما يقتل المحرم من الدواب) ٣ / ١٤ ، مسلم (السلام : قتل الحيات) ٧ / ٤٠.

٢٣٦

ومسجد الكبش : عن عبد الرحمن بن حسن بن القاسم ، عن أبيه قال : لما فدى الله تعالى إسماعيل بالذبح نظر إبراهيم عليه‌السلام فإذا الكبش منهبطا من ثبير على العرق الأبيض الذى على باب شعب علىّ ، فخلى إسماعيل وسعى يتلقى الكبش ليأخذه فحاد عنه ، فلم يزل يعرض عنه ، ورده حتى أخذه على الصفا الذى بأصل الجبل على باب شعب علىّ الذى يقال أن لبانة بنت على بن عبد الله بن عباس بنت عليه المسجد الذى يقال له مسجد الكبش ، ثم اقتاده إبراهيم عليه‌السلام حتى ذبحه فى المنحر. وقيل : ذبحه على ذلك الصفا (١).

وكالغار الذى فى جبل حراء : وكان النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم يتعبد فيه ، وفضائله كثيرة معروفة.

والغار الذى فى جبل ثور (٢) : روى أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما خرج من مكة خوفا من الكفار ومعه أبو بكر الصديق رضى الله عنه فجعل أبو بكر يمشى أمام النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم مرة ، وخلفه مرة فسأله النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن ذلك فقال : إن كنت أمامك خشيت أن تؤتى من خلفك ، وإن كنت خلفك خشيت أن تؤتى من أمامك ، حتى انتهيا إلى الغار.

قال أبو بكر رضى الله عنه : قف يا رسول الله حتى أدخل يدى إن كان فيه أذية أصابتنى قبلك ، ثم دخلا فيه ومكثا ثلاثة أيام ، ثم خرجا وهاجرا إلى المدينة (٣).

والمسجد الذى بأعلا مكة عند الردم : يقال إن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلى فيه ، ويعرف اليوم بمسجد الراية (٤).

والمسجد الذى بأعلا مكة : أيضا يقال : مسجد الجن. ويقال له : مسجد البيعة أيضا لأن الجن بايعوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم هنالك (٥).

والمسجد الذى يقال له : مسجد الجن : ويسمى أيضا : مسجد الشجرة ، يقال : إن

__________________

(١) أخبار مكة للأزرقى ٢ / ١٧٥.

(٢) القرى (ص : ٦٦٤ ، ٦٦٥).

(٣) أخرجه : الأزرقى فى أخبار مكة ٢ / ٢٠٥ ، الفاكهى فى أخبار مكة ٤ / ٧٩.

(٤) القرى (ص : ٦٦٤).

(٥) سنن النسائى ١ / ٣٧ ، دلائل النبوة للبيهقى ٢ / ٢٣٠ ، تفسير الطبرى ٢٦ / ٣٢ ، أخبار مكة للفاكهى ٤ / ٢٠.

٢٣٧

النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم دعا شجرة كانت فى ذلك الموضع فأقبلت تخرق الأرض بأصلها وعروقها حتى وقفت بين يدى رسول الله فسألها عما تريده ، ثم أمرها فرجعت حتى انتهت إلى موضعها (١).

والمسجد الذى بأعلى مكة أيضا عند سوق الغنم : يقال : إن رسول الله بايع الناس عنده يوم فتح مكة (٢).

والمسجد الذى فى أجياد الصغير : وفيه موضع يقال له : المتكأ يقال : إن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أتكأ هنالك. وقيل : صلى فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٣).

والمسجد الذى على جبل أبى قبيس : يقال له : مسجد إبراهيم عليه‌السلام (٤).

والمسجد الذى بذى طوى : يقال نزل هنالك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين اعتمر وحين حج (٥).

ومسجد جمرة العقبة : حيث بايع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الأنصار (٦).

ومسجد الجعرانة : يقال : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أحرم للعمرة من هنالك (٧).

ومسجد التنعيم : حيث أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عبد الرحمن أخا عائشة أن يعمرها منه ؛ ويسمى اليوم مسجد عائشة رضى الله عنها (٨) ، والله أعلم.

__________________

(١) أخرجه : الفاكهى فى أخبار مكة ٤ / ٢٢ ، ٢٣.

(٢) القرى (ص : ٦٦٥).

(٣) دلائل النبوة للبيهقى ٧ / ١٤٤ ، أخبار مكة للفاكهى ٤ / ١٠.

(٤) أخبار مكة للفاكهى ٤ / ١٧ ، حلية الأولياء ٣ / ٥ ، أخبار مكة للأزرقى ٢ / ٢٠٢.

(٥) أخبار مكة للفاكهى ٤ / ٢٧ ، القرى (ص : ٦٦٥).

(٦) دلائل النبوة ٢ / ٤٤٢ ، مسند أحمد ٣ / ٣٢٢ ، طبقات ابن سعد ١ / ٢١٧ ، المستدرك ٢ / ٦٢٦.

(٧) القرى (ص : ٦٦٥).

(٨) القرى (ص : ٦٦٥).

٢٣٨

الفصل التاسع والأربعون

فى ذكر زيارة مقبرة مكة

ويقال لها المعلاة والحجون أيضا.

عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «نعم المقبرة هذه مقبرة أهل مكة» (١). رواه ابن عباس رضى الله عنهما.

وروى إسماعيل بن الوليد بن هشام ، عن يحيى بن محمد بن عبد الله ، أنه قال : من قبر فى هذه المقبرة بعث آمنا يوم القيامة. يعنى : مقبرة مكة (٢).

وعن ابن مسعود ـ رضى الله عنه ـ قال : وقف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على ثنية المقبرة ـ وليس بها يومئذ مقبرة ـ فقال : «يبعث الله من هذه البقعة ـ أو من هذا الحرم ـ سبعين ألفا يدخلون الجنة بلا حساب ، يشفع كل واحد منهم فى سبعين ألفا من الأولين والآخرين ، وجوههم كالقمر ليلة البدر» ، فقال أبو بكر رضى الله عنه : من هم يا رسول الله؟ قال : «الغرباء» (٣).

ويروى : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سأل الله عزّ وجلّ عما لأهل بقيع الغرقد ، فقال الله تعالى : لهم الجنة. فقال : «يا رب وما لأهل المعلاة؟» قال : يا محمد ، سألتنى عن جوارك فلا تسألنى عن جوارى (٤).

__________________

(١) أخرجه : أحمد فى مسنده ١ / ٣٦٧ ، عبد الرزاق فى مصنفه ٣ / ٥٧٩ ، البخارى فى التاريخ الكبير ١ / ٢٨٤ ، الطبرانى فى الكبير ١١ / ١٣٧ ، كلهم من طريق ابن جريج. وفيه : إبراهيم بن خداش الهاشمى ، ذكره ابن حبان فى ثقات التابعين ٤ / ١٠ ، وسكت عنه البخارى ١ / ٢٨٤.

(٢) أخرجه : عبد الرزاق فى مصنفه ٣ / ٥٧٨ ، والأزرقى فى أخبار مكة ٢ / ٢٠٩ ، الفاكهى فى أخبار مكة ٤ / ٦٦.

(٣) أخرجه : الفاسى فى شفاء الغرام ١ / ٢٨٤ ، وعزاه للجندى فى فضائل مكة من طريق : عبد الرحيم بن زيد العمىّ ، والفاكهى فى أخبار مكة ٤ / ٥١ ، الديلمى كما فى كنز العمال ١٢ / ٢٦٢ ، وما تفرد به الديلمى ضعيف.

(٤) هداية السالك ١ / ٤٨.

٢٣٩

وفيها عدد كثير من الصحابة والأولياء والأخيار لكن قد خفى قبورهم ولا يعلم اليوم منها إلا قبر خديجة ـ الكبرى ـ بنت خويلد زوجة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكان سنها يوم توفيت خمسا وستين سنة.

وقبر عبد الله بن الزّبير ، وقبر الفضيل بن عياض ، وقبر سفيان بن عيينة ، وقبر الإمام القشيرى ، وقبر عبد الملك ابن الطبرى. رحمة الله عليهم أجمعين (١).

__________________

(١) هداية السالك ٣ / ١٣٩٥.

٢٤٠