إثارة التّرغيب والتّشويق إلى المساجد الثّلاثة والبيت العتيق

محمّد بن إسحاق الخوارزمي

إثارة التّرغيب والتّشويق إلى المساجد الثّلاثة والبيت العتيق

المؤلف:

محمّد بن إسحاق الخوارزمي


المحقق: دكتور مصطفى محمّد حسين الذّهبي
الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: مكتبة نزار مصطفى الباز
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٠

وصلى خلف المقام ركعتين وشرب من ماء زمزم ، غفرت له ذنوبه بالغة ما بلغت» (١). أخرجه أبو سعيد الخدرى والواحدى فى تفسيره.

وعن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إذا خرج المرء من بيته يريد الطواف بالبيت ؛ أقبل يخوض فى الرحمة ، فإذا دخله غمرته ، ثم لا يرفع قدما ولا يضعها إلا كتب الله له بكل قدم خمسمائة حسنة ، وحط عنه خمسمائة سيئة ، ورفع له خمسمائة درجة ، فإذا فرغ من الطواف وصلى ركعتين خلف المقام ، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه ، وكتب له أجر عشر رقاب من ولد إسماعيل ، واستقبله ملك على الركن ، وقال له : استأنف العلم فيما تستقبل فقد كفيت ما مضى ، ويشفع له فى سبعين من أهل بيته».

وعن سعيد بن سالم بإسناده مثله ، أخرجه الفاكهى والأزرقى (٢).

وعن أبى هريرة ـ رضى الله عنه ـ أنه سمع النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «من طاف بالبيت سبعا ولا يتكلم إلا بقوله : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم ؛ محيت عنه عشر سيئات ، وكتب له عشر حسنات ، ورفعت له عشر درجات» (٣).

وعن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ قال : الطواف بالبيت صلاة فمن تكلم فيه فلا يتكلم إلا بخير. أخرجه الترمذى (٤).

وعنه أنه قال : إذا طفت بالبيت فأقلل الكلام ؛ فإنك فى صلاة (٥).

وقيل : الكلام بخير هو أن يسلم الرجل على أخيه أو يرد عليه‌السلام أو يسأله عن حاله وأولاده ، أو يأمره بالمعروف وينهاه عن المنكر ، وأشباه ذلك من تعليم جاهل أو إجابة مسألة ، وهو مع ذلك مقبل على الله تعالى فى طوافه خاشع بقلبه

__________________

(١) أخرجه : ابن ماجه (٢٩٥٦) ، والنسائى ٥ / ٢٢١ ، وفيه : «من طاف سبعا» دون قوله «بالبيت».

(٢) أخرجه : الأزرقى فى أخبار مكة ٢ / ٤ ، وابن الجوزى فى مثير الغرام (ص : ٢٨٤).

(٣) أخرجه : ابن ماجه (٢٩٥٧) بإسناد ضعيف.

(٤) أخرجه : الترمذى (٩٦٠) ، والبيهقى فى السنن ٥ / ٨٥ ، الدارمى ٢ / ٤٤ ، الحاكم فى المستدرك (١٦٨٧) ، ابن حبان (٣٨٣٦) ، الديلمى فى الفردوس (٣٧٨٦) ، ابن خزيمة (٢٧٣٩).

(٥) القرى (ص : ٢٧٠).

١٦١

متواضع لربه ، فمن كان بهذا الوصف ؛ رجوت أن يكون ممن قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن الله تعالى يباهى ملائكته فى طوافه» (١).

وعن الحسن البصرى رضى الله عنه قال : الطواف بالبيت خوض فى رحمة الله تعالى (٢).

وعن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من طاف بالبيت خمسين مرة خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه». رواه الترمذى (٣).

والمراد بخمسين مرة : يعنى خمسين أسبوعا ، ويدل على ذلك رواية عبد الرزاق والفاكهى وغيرهما : «من طاف بالبيت خمسين أسبوعا كان كمن ولدته أمه» (٤).

وعن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «استكثروا من الطواف ؛ فإنه أقل شىء تجدونه وأغبط عمل تجدونه فى صحيفتكم» (٥).

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «استكثروا من الطواف بالبيت قبل أن يحال بينكم وبينه ؛ كأنى أنظر إلى رجل من الحبشة أصيلع أفيدع جالس عليها يهدمها حجرا حجرا» (٦)

وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن أكرم سكان أهل السماء على الله : الذى يطوفون حول عرشه ، وفى أرضه : الذين يطوفون حول بيته» (٧).

__________________

(١) نص الحديث : «إن الله عز وجل يباهى بالطائفين» والحديث أخرجه : البيهقى فى الشعب (٤٠٩٧) ، وأبو يعلى (٤٥٨٩) ، والفاكهى فى أخبار مكة ١ / ١٩٤ ، وابن عدى فى الكامل ٥ / ٢٩٩٢ ، والفاسى فى شفاء الغرام ١ / ٢٩٢ ، والسيوطى فى الجامع الكبير ١ / ١٨٢ ، وعزاه لأبى نعيم فى الحلية ، والبيهقى فى شعب الإيمان.

(٢) هداية السالك ١ / ٥٢.

(٣) أخرجه : الترمذى (٨٦٦).

(٤) أخرجه : الفاكهى فى أخبار مكة ١ / ١٩٥ ، وعبد الرزاق فى مصنفه ٥ / ٥٠٠ ، وابن الجوزى فى العلل (٩٤٢) وقال : حديث غريب ، وابن أبى شيبة موقوفا ٢ / ٣ ، وفى إسناده شريك القاضى صدوق يخطئ كثيرا ، ووثقه العجلى.

(٥) أورده ابن الجوزى فى مثير الغرام الساكن (ص : ٢٨٦) ولم يعزه.

(٦) أخرجه : البخارى (١٥٩١) ، مسلم (٢٩٠٩) ، ابن حبان (٦٧٥١) ، البيهقى فى السنن ٤ / ٣٤٠ ، الحميدى (١١٤٦) ، ابن أبى شيبة ١٥ / ٤٧.

(٧) أخرجه : ابن جماعة فى هداية السالك ١ / ٥٥.

١٦٢

وعن ابن عمر ـ رضى الله عنهما ـ أنه كان يطوف سبعة أسابيع بالليل وخمسة بالنهار ، وقال : إن آدم عليه‌السلام كان يطوف كذلك (١).

وقال الشيخ محب الدين الطبرى : إن بعض أهل العلم ذكر تعداد الطواف سبع مرات :

الأولى : خمسون أسبوعا فى اليوم والليلة.

والثانية : أحد وعشرون ، وقد قيل : سبع أسابيع تعدل عمرة وثلاث عمر تعدل حجة.

والثالثة : أربعة عشر ؛ فقد ورد عمرتان بحجة ، وهذا فى غير رمضان ؛ لأن العمرة فيه بحجة.

والرابعة : اثنا عشر أسبوعا خمسة بالنهار وسبعة بالليل كما تقدم ، وكان طواف آدم عليه‌السلام سبعة أسابيع بالليل وخمسة اسابيع بالنهار ترغيبا.

والخامسة : سبعة أسابيع.

والسادسة : ثلاثة أسابيع.

والسابعة : أسبوع واحد (٢) ، والله أعلم.

__________________

(١) أخبار مكة للأزرقى ١ / ٤٤ ، وفى سنده : «إبراهيم بن محمد بن أبى يحيى» ضعيف جدّا.

(٢) القرى (ص : ٣٢١ ـ ٣٢٩) ، هداية السالك ١ / ٥٦.

١٦٣

الفصل الثلاثون

فى ذكر الجلوس مستقبل الكعبة والنظر إليها

عن الحسن البصرى رضى الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من جلس مستقبل الكعبة ساعة واحدة محتسبا لله ولرسوله وتعظيما للبيت ، كان له كأجر الحاج والمعتمر والمرابط القائم ، وأول ما ينظر الله تعالى ينظر إلى أهل الحرام ، فمن رآه مصلّيا غفر له ، ومن رآه قائما غفر له ، ومن رآه ساجدا غفر له ، ومن رآه مستقبل القبلة غفر له» (١).

وعن يونس بن خباب قال : النظر إلى الكعبة عبادة فيما سواه من الأرض ؛ عبادة الصائم القائم الدائم القانت (٢).

وعن حماد بن سلمة : الناظر إلى الكعبة كالمجتهد فى العبادة فى غيرها من البلاد.

وعن مجاهد رضى الله عنه قال : النظر إلى الكعبة عبادة ، والدخول فيها دخول فى حسنة ، والخروج منها خروج من سيئة (٣).

وعن عطاء قال : سمعت ابن عباس يقول : النظر إلى الكعبة محض الإيمان (٤).

وعن ابن المسيب قال : من نظر إلى الكعبة إيمانا وتصديقا خرج من الخطايا كيوم ولدته أمه (٥).

وعن أبى السائب المدنى قال : من نظر إلى الكعبة إيمانا وتصديقا ؛ تحاطت عنه الذنوب كما ينحاط الورق من الشجر (٦).

__________________

(١) أخرجه : ابن جماعة فى هداية السالك ١ / ٥٤ ، وعزاه للحسن البصرى فى رسالته.

(٢) أخبار مكة للأزرقى ٢ / ٨ ، ٩.

(٣) القرى (ص : ٣٤١).

(٤) أخرجه : الأزرقى فى أخبار مكة ٢ / ٩ ، والدر المنثور للسيوطى ١ / ٢٥٠ ، وعزاه إلى الجندى.

(٤) أخرجه : الأزرقى فى أخبار مكة ٢ / ٩ ، والدر المنثور للسيوطى ١ / ٢٥٠ ، وعزاه إلى الجندى.

(٤) أخرجه : الأزرقى فى أخبار مكة ٢ / ٩ ، والدر المنثور للسيوطى ١ / ٢٥٠ ، وعزاه إلى الجندى.

١٦٤

وأخبرنى زهير بن محمد قال : الجالس فى المسجد ينظر إلى البيت لا يطوف به ولا يصلى أفضل من المصلى فى بيته لم ينظر إلى البيت.

وعن عطاء قال : النظر إلى البيت عبادة ، والناظر إلى البيت بمنزلة الصائم القائم الدائم المخبت المجاهد فى سبيل الله (١).

وعن حسان بن عطية قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن الله تعالى خلق لهذا البيت عشرين ومائة رحمة ينزلها كل يوم : ستون منها للطائفين ، وأربعون للمصلين ، وعشرون للناظرين» (٢).

قال حسان : فنظرنا فإذا هى كلها لطائف ، هو يطوف ويصلى وينظر.

__________________

(١) أخرجه : الأزرقى فى أخبار مكة ٢ / ٩.

(٢) أخرجه : ابن عدى فى الكامل ٧ / ٢٦٢٠ ، والفاكهى فى أخبار مكة ١ / ١٩٨ ، والخطيب فى تاريخ بغداد ١ / ٤٨٧ ، ابن أبى حاتم فى العلل ١ / ٢٨٧ ، أبو نعيم فى تاريخ أصبهان ١ / ١١٦ ، ابن حبان فى المجروحين ١ / ٣٢١ ، ابن الجوزى فى العلل (٩٤٠) ، وفيه : يوسف بن السفر ، كاتب الأوزاعى ، قال عنه البخارى ومسلم : منكر الحديث ، وقال النسائى وأبو زرعة والدارقطنى : متروك. وقال البيهقى : هو فى عداد من يضع الحديث.

١٦٥

الفصل الحادى والثلاثون

فى ذكر فضيلة الطواف عند المطر

وعند طلوع الشمس وعند غروبها وعند شدة الحر

عن داود بن عجلان أنه طاف مع أبى عقال فى مطر ونحن رجال ، قال : فلما فرغنا من طوافنا أتينا نحو المقام ، فوقف أبو عقال دون المقام ، وقال : ألا أحدثكم بحديث تسّرون به؟ ـ أو تعجبون به؟ ـ فقلنا : بلى ، قال : طفت مع أنس بن مالك وغيره فى مطر ، فصلينا خلف المقام ركعتين ، فأقبل علينا أنس بوجهه ، فقال لنا : استأنفوا العمل فقد غفر لكم ما مضى ؛ هكذا قال لنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين طفنا معه فى مطر (١).

وفى رواية ابن ماجه ، عن أبى عقال ، قال : طفت مع أنس فى مطر ، فلما قضينا الطواف فصلينا ركعتين ، فقال لنا أنس : استئنفوا العمل ؛ فقد غفر لكم ؛ هكذا قال لنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين طفنا معه فى مطر (٢).

وعن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من طاف بالكعبة فى يوم مطير ، كتب الله له بكل قطرة تصيبه حسنة ، ومحى عنه بالأخرى سيئة» (٣).

وروى عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «من طاف حول الكعبة أسبوعا فى يوم صائف شديد الحر ، واستلم الحجر فى كل طواف من غير أن يؤذى أحدا ، وقلّ كلامه إلا بذكر الله تعالى ؛ كان له بكل قدم يرفعها ويضعها سبعون ألف حسنة ، ومحى عنه بكل قدم يرفعها ويضعها سبعون ألف حسنة ، ورفع له سبعون ألف درجة» (٤).

__________________

(١) أخرجه : ابن ماجه ٢ / ١٠٤١ ، الأزرقى فى أخبار مكة ٢ / ٢١ ، من طريق ابن أبى عمر ، وفيه : أبو عقال ، هو : هلال بن زيد ، وهو متروك. وذكره المحب الطبرى فى القرى (ص : ٣٣٠) وعزاه لأبى ذر الهروى. ثم قال : قال ابن الجوزى : هذا حديث لا يصح.

(٢) نفس المصادر السابقة.

(٣) أخرجه : الفاكهى فى أخبار مكة ١ / ٢٥٠. والحديث إسناده ضعيف جدّا.

(٤) أخرجه : المحب الطبرى فى القرى (ص : ٣٣١) وعزاه لأبى سعيد الجندى فى منسكه وابن الحاج ـ ـ فى منسكه. وابن جماعة فى هداية السالك ١ / ٥٧.

١٦٦

وعن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من طاف حول البيت الحرام سبعا فى يوم صائف شديد الحر ، وحسر عن رأسه ، وقارب بين خطاه ، وقل خطأه ، وقل التفاته ، وغض بصره ، وقل كلامه إلا بذكر الله تعالى ، واستلم الحجر فى كل طواف من غير أن يؤذى أحدا ؛ كتب الله له بكل قدم يرفعها ويضعها سبعين ألف حسنة ، ومحى عنه سبعين ألف سيئة ، ورفع له سبعين ألف درجة ، وأعتق عنه سبعين ألف رقبة ثمن كل رقبة عشرة آلاف درهم ، وأعطاه الله تعالى شفاعة سبعين من أهل بيته من المسلمين إن شاء فى القيامة ، وإن شاء عجلت له فى الدنيا ، وإن شاء أخرت له فى الآخرة» (١).

وعن أنس بن مالك وسعيد بن المسيب قالا : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «طوافان لا يوافقهما عبد مسلم إلا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه وتغفر له ذنوبه كلها بالغة ما بلغت : طواف بعد صلاة الفجر يكون فراغه مع طلوع الشمس ، وطواف بعد صلاة العصر يكون فراغه مع غروب الشمس» (٢).

باب فى المشى فى الطواف

عن ابن جريج قال : سألت عطاء عن مشى الإنسان فى الطواف فقال : أحب له أن يمشى فيه مشيه فى غيره (٣).

وعن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ قال : أسعد الناس بهذا الطواف قريش وأهل مكة ؛ وذلك أنهم ألين الناس فيه مناكب ، وإنهم يمشون فيه بالتؤدة (٤).

__________________

(١) أخرجه : المحب الطبرى فى القرى (ص : ٣٣١) وعزاه للحسن البصرى فى رسالته ، ابن جماعة فى هداية السالك ١ / ٥٨.

(٢) أخرجه : الفاكهى فى أخبار مكة ١ / ٢٥٣ ، والأزرقى فى أخبار مكة ٢ / ٢٢ ، والمحب الطبرى فى القرى (ص : ٣٣٠) ، والمناوى فى الجامع الأزهر ، وعزاه للطبرانى فى الكبير. وفى إسناده عبد الرحيم بن زيد العمى ، حوله كلام لا يضر.

(٣) أخرجه : المحب الطبرى فى القرى (ص : ٣٠٤). وعزاه لسعيد بن منصور.

(٤) أخبار مكة للأزرقى ٢ / ٢٥ ، القرى (ص : ٣٠٤).

١٦٧

الفصل الثانى والثلاثون

فى ذكر فضائل الركن والمقام

عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : الركن والمقام من الجنة (١).

وعن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ أنه قال : ليس فى الأرض من الجنة شىء إلا الركن الأسود والمقام ؛ فإنهما جوهرتان من جواهر الجنة ، ولو لا مسهما أهل الشرك ما مسهما ذو عاهة إلا شفاه الله عز وجل (٢).

وقال عبد الله بن عمرو بن العاص : نزل الركن وإنه أشد بياضا من الفضة (٣).

وعن وهب بن منبّه ، أن عبد الله بن عباس أخبره ، أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لعائشة رضى الله عنها وهى تطوف معه بالكعبة حين استلم الركن الأسود : «لو لا ما طبع على هذا الحجر يا عائشة من أرجاس الجاهلية وأنجاسها ؛ إذا لاشتفى به من استلمه من كل عاهة ، وإذا لألقى اليوم كهيئته يوم أنزل الله عز وجل ، وليعيدنه إلى ما خلقه أول مرة ؛ فإنه لياقوتة بيضاء من يواقيت الجنة ؛ ولكن الله غيره بمعصية العاصين ، وستر زينته عن الظلمة والأثمة ؛ لأنه لا ينبغى لهم أن ينظروا إلى شىء كان بدءه من الجنة» (٤).

وعن ابن عباس رضى الله عنهما ، عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إن الله عز وجل يبعث

__________________

(١) أخرجه : البيهقى فى السنن ٥ / ٧٥ ، والشعب (٤٠٣٠) ، وابن حبان (٣٧١٠) ، وعبد الرزاق فى مصنفه (٨٩٢١) ، وابن خزيمة (٢٧٣١).

(٢) أخرجه : الفاكهى فى أخبار مكة ١ / ٤٤٣. وإسناده ضعيف جدّا.

(٣) أخرجه : الأزرقى فى أخبار مكة ١ / ٣٢٢ ، من طريق سفيان بن عيينة ، والفاكهى فى أخبار مكة ١ / ٨٩.

(٤) أخرجه : الطبرانى فى المعجم الكبير ١ / ٥٥ ، ٥٦ ، العقيلى فى الضعفاء ٢ / ٢٦٦ ، كلاهما من طريق الحسن بن على الحلوانى ، والفاكهى فى أخبار مكة ١ / ٨١ ، والأزرقى فى أخبار مكة ١ / ٣٢٢ ، من طريق سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج.

١٦٨

الركن الأسود له عينان يبصر بهما ، ولسان ينطق به يشهد لمن استلمه بالحق» (١).

وعن ابن عباس رضى الله عنهما قال : الركن يمين الله فى الأرض يصافح به عباده كما يصافح أحدكم أخاه (٢).

وعن أبى سعيد الخدرى ـ رضى الله عنه ـ قال : خرجنا مع عمر بن الخطاب ـ رضى الله عنه ـ إلى مكة ، فلما دخلنا الطواف قام عند الحجر الأسود وقال : والله إنى لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ، ولو لا أنى رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يمسحك ويقبلك ما قبلتك ولا مسحتك ، ثم قبله ومضى فى الطواف ، فقال له علىّ رضى الله عنه : يا أمير المؤمنين هو يضر وينفع ، قال : وبم ذلك؟ قال : بكتاب الله عزّ وجلّ ، قال : وأين ذلك من كتاب الله؟ قال : قال الله تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا)(٣) قال : فلما خلق الله تعالى آدم مسح ظهره فأخرج ذريته من صلبه ، فقررهم أنه الرب وهم العبيد ، ثم كتب ميثاقهم فى رق ، وكان هذا الحجر له عينان ولسان ، فقال له : افتح فاك ، فألقمه ذلك الرق ، وجعله فى هذا الموضع وقال له : تشهد لمن وافاك بالموافاة يوم القيامة. قال : فقال عمر : أعوذ بالله أن أعيش فى قوم لست أنت فيهم يا أبا الحسن (٤).

وعن ابن عباس رضى الله عنهما قال : ليبعثن الله عزّ وجلّ هذا الحجر يوم القيامة له عينان يبصر بهما ولسان ينطق به يشهد لمن استلمه بالحق (٥).

__________________

(١) أخرجه : أحمد فى المسند ١ / ٢٦٢ ، ٢٩١ ، الدارمى ٢ / ٤٢ ، وابن ماجه ٢ / ٩٨٢ ، والحاكم فى المستدرك ١ / ٤٥٧ ، وابن حبان فى موارد الظمآن (ص : ٢٤٨).

(٢) أخرجه : عبد الرزاق فى مصنفه (٨٩١٩) ، والأزرقى فى أخبار مكة ١ / ٣٢٤ ، والفاكهى فى أخبار مكة ١ / ٨٩ ، والمعنى : أن من صافحه فى الأرض كان له عند الله عهد. وقال فى النهاية : هذا كلام تخييل وتمثيل ، وأصله : أن الملك إذا صافح رجلا بيده قبل الرجل يده ، فكان الحجر الأسود لله بمنزلة اليمين للملك حين يستلم ويلثم.

(٣) سورة الأعراف : آية ١٧٢.

(٤) أخرجه : الحاكم فى المستدرك ١٦٨٢ ، وقال الذهبى : أبو هارون ساقط. البيهقى فى الشعب ٤٠٤٠ ، والأزرقى ١ / ٣٢٤ ، وضعفه السيوطى فى الجامع الكبير (٥٤).

(٥) أخرجه : أحمد فى المسند ١ / ٢٤٧ ، الترمذى (٩٦١) ، الدارمى (١٨٣٩) ، البيهقى فى السنن ـ ـ ٥ / ٧٥ ، أبو يعلى (٢٧١١) ، الفاكهى فى أخبار مكة ١ / ، الأزرقى فى أخبار مكة ١ / ٣٢٣.

واستلامه بحق : هو طاعة الله واتباع سنة نبيه.

١٦٩

وعن عكرمة قال : إن الحجر الأسود يمين الله فى الأرض ، من لم يدرك بيعة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فمسح الركن فقد بايع الله ورسوله (١).

وعن ابن عباس رضى الله عنهما : أنزل الركن والمقام مع آدم عليه‌السلام ليلة نزل بين الركن والمقام ، فلما أصبح رأى الركن والمقام فعرفهما فضمهما إليه وأنس بهما (٢).

وعن ابن جريج عن أبيه ، أنه قال : كان سلمان الفارسى قاعدا بين الركن وزمزم والناس يزدحمون على الركن ، فقال لجلسائه : هل تدرون ما هو؟ قالوا : هذا الحجر؟ قال : أرى كذلك ، ولكنه من حجارة الجنة ، أما والذى نفس سلمان الفارسى بيده ليجيئن يوم القيامة له عينان ولسان وشفتان يشهد لمن استلمه بالحق (٣).

وعن مجاهد أنه يأتى الركن والمقام يوم القيامة كل واحد منهما مثل أبى قبيس يشهدان لمن وافاهما بالوفاء (٤).

وعن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما قال : أشهد بالله أن الركن والمقام ياقوتتان من يواقيت الجنة ، ولو لا أن الله تعالى أطفأ نورهما لأضاء نورهما ما بين السماء والأرض (٥).

وعن مجاهد قال : الركن من الجنة ، ولو لم يكن من الجنة لفنى (٦).

وعن ابن عمر أنه قال : استقبل النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم الحجر ثم وضع شفتيه عليه وبكى

__________________

(١) أخرجه : الفاكهى فى أخبار مكة ١ / ٨٨ ، والأزرقى فى أخبار مكة ١ / ٣٢٥ ، والمحب الطبرى فى القرى (ص : ٢٨٠) وعزاه إلى أبى طاهر المخلص فى فوائده.

(٢) أخبار مكة للأزرقى ١ / ٣٢٤.

(٣) أخرجه : عبد الرزاق فى مصنفه ٥ / ٣٠ ، عن ابن جريج ، الفاكهى فى أخبار مكة ١ / ٩٣ ، والأزرقى فى أخبار مكة ١ / ٣٢٢.

(٤) أخرجه : الفاكهى فى أخبار مكة ١ / ٩٣ ، وعبد الرزاق فى مصنفه ٥ / ٣٢ ، والأزرقى فى أخبار مكة ١ / ٣٢٦.

(٥) أخرجه : ابن خزيمة ٤ / ٢١٩ ، والبيهقى فى السنن ٥ / ٧٥.

(٦) أخرجه : الأزرقى فى أخبار مكة ١ / ٣٢٦.

١٧٠

طويلا ، ثم التفت فإذا هو بعمر بن الخطاب يبكى ، فقال : «يا عمر هاهنا تسكب العبرات». رواه ابن ماجه (١).

وعن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما من أحد يدعو عند الركن الأسود إلا استجاب الله له» (٢).

وعن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «نزل الحجر الأسود من الجنة وهو أشد بياضا من اللبن ، فسودته خطايا بنى آدم» (٣).

قال القاضى عز الدين فى مناسكه : وقد رأيته فى أول حجتى سنة ثمان وسبع مائة وبه نقطة بيضاء ظاهرة لكل أحد ، ثم رأيت البياض بعد ذلك نقص نقصا بيّنا (٤).

وقال الإمام الربيع فى مناسكه : ولقد أدركت فى الحجر الأسود ثلاث مواضع بيض ظاهرة فى ناحية الباب ، أكبرها قدر حبة الذرة الكبيرة ، والأخرى إلى جنبها وهى أصغر منها ، والثالثة إلى جنبها قدر حبة الدخن ، والآن فيه نقطة فى ناحية الباب أقل من حبة السمسم (٥).

وقال أبو بكر محمد بن الحسن النقاش المقرى فى مناسكه : إن الحجر الأسود يتخايل فى أوقات كثيرة كأنه وجه مدور فيه عينان وشفتان ولسان ، وفيه رق الميثاق الذى أخذ على بنى آدم ، وربما ظهرت فيه حصاة مثل الحمصة فى الجانب الأيمن من الكسر أسود وأحمر ، وربما تغيب وربما تبقى أياما.

وعن عبد الله بن عمر قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول وهو مسند ظهره إلى الكعبة : «الركن والمقام ياقوتتان من يواقيت الجنة ، ولو لا أن الله تعالى طمس نورهما لأضاءا ما بين المشرق والمغرب». رواه أحمد والترمذى (٦).

__________________

(١) أخرجه : ابن ماجه (٢٩٤٥) ، والحاكم فى المستدرك ١ / ٤٥٤ ، وقال : صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبى.

(٢) أخرجه : الترمذى (الحج : فضل الحجر الأسود والركن والمقام) ٣ / ٢٢٦ ، النسائى ٥ / ٢٢٦.

(٣) أخرجه : الترمذى (٨٧٧) ، أحمد فى المسند ١ / ٣٠٧ ، ٣٢٩ ، البيهقى فى الشعب (٤٠٣٤).

(٤) هداية السالك ١ / ٥٩.

(٥) هداية السالك ١ / ٥٩.

(٦) أخرجه : الترمذى ٣ / ٢٢٦ ، أحمد فى المسند ٢ / ٢١٣ ، أخبار مكة للأزرقى ١ / ٣٢٢ ، من ـ ـ طريق ابن جريج عن ابن عباس ، ورجح الترمذى وقف الحديث على عبد الله بن عمرو. لكن يقويه حديث ابن عباس.

١٧١

وفى رواية : «ولو لا مسهما من خطايا بنى آدم لأضاءا ما بين المشرق والمغرب ، وما مسهما ذو عاهة ولا سقم إلا شفى» (١).

وعن مجاهد أنه قال : يأتى الحجر والمقام يوم القيامة مثل أبى قبيس كل واحد منهما له عينان وشفتان ، يناديان بأعلا صوتهما يشهدان لمن وافاهما بالوفاء (٢).

وفى رسالة الحسن البصرى ، عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أن عند الركن الأسود بابا من أبواب الجنة ، وأنه ما من أحد يدعو عند الركن الأسود إلا استجاب الله تعالى له ، وكذلك عند الميزاب (٣).

وعن عباد بن بشر ، قال : رأيت ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ جاء يوم التروية وعليه حلة مرحل ، فقبل الركن الأسود وسجد عليه ، ثم قبله وسجد عليه ، ثم قبله وسجد عليه. ثلاثا (٤).

وعن أبى سفيان الجمحى قال : رأيت طاووسا أتى الركن فقبله ثلاثا ثم سجد عليه (٥).

وروى ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ : أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قبل الحجر وسجد عليه ثم قبله وسجد عليه ، ثم قبله وسجد عليه (٦).

__________________

(١) أخرجه : الفاكهى فى أخبار مكة ١ / ٤٤٣ ، بإسناد ضعيف ، والأزرقى فى أخبار مكة ٢ / ٢٩.

(٢) أخبار مكة للفاكهى ١ / ٩٣ ، أخبار مكة ١ / ٣٢٦.

(٣) أخبار مكة للأزرقى ١ / ٣٨.

(٤) أخرجه : الشافعى فى الأم ٢ / ١٧١ ، من طريق سعيد بن سالم القداح عن ابن جريج ، وعبد الرزاق فى مصنفه ٥ / ٣٧ عن ابن جريج ، والأزرقى فى أخبار مكة ١ / ٣٢٩ من طريق ابن عيينة.

(٥) أخبار مكة للفاكهى ١ / ١١٦ ، الأم للشافعى ٢ / ١١٧.

(٦) أخرجه : الحاكم فى المستدرك ١ / ٤٥٥ ، من طريق محمد بن معاذ ، عن أبى عاصم ؛ وقال : حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، ووافقه الذهبى. ورواه الطيالسى فى منحة المعبود ١ / ٢١٥ ، وابن خزيمة ٤ / ٢١٣.

١٧٢

الفصل الثالث والثلاثون

فى ذكر رفع الحجر الأسود

عن عائشة ـ رضى الله عنها ـ قالت : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أكثروا استلام هذا الحجر ؛ فانكم توشكون أن تفقدوه. بينما الناس يطوفون به ذات ليلة إذ أصبحوا وقد فقدوه ، إن الله عزّ وجلّ لا يترك شيئا من الجنة فى الأرض إلا أعاده فيها قبل يوم القيامة» (١).

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص ـ رضى الله عنهما ـ قال : إن الله تعالى يرفع القرآن من صدور الرجال والحجر الأسود قبل يوم القيامة (٢).

__________________

(١) أخرجه : المحب الطبرى فى القرى (ص : ٢٨٠) وعزاه للأزرقى فى أخبار مكة.

(٢) رفع القرآن فى آخر الزمان ثابت عن نبينا الأمين صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

١٧٣

الفصل الرابع والثلاثون

فى ذكر فضائل استلام الركن الأسود والركن اليمانى

استلام الحجر تناوله باليد أو بالقبلة أو مسحه بالكف ؛ من السلمة بفتح السين استلم أى مس السلام وهو الحجر ، وكسر اللام وهى الحجارة.

عن عطاء بن السائب ، أن عبيد بن عمير قال لابن عمير أنى أراك تزاحم على هذين الركنين. فقال : إنى سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «إن استلامهما يحط الخطايا حطّا» (١).

وعن عبد العزيز بن أبى رواد ، عن أبيه ، قال : سمعت غير واحد من أهل المدينة يذكرون أن رجلا سأل ابن عمر ـ رضى الله عنهما ـ فقال : يا أبا عبد الرحمن نراك تفعل خصالا أربعا لا يفعلها الناس : نراك لا تستلم من الأركان إلا الحجر الأسود والركن اليمانى ، ونراك لا تلبس من النعال إلا المسبتة ، ونراك تصفر شعر لحيتك ، وقد يصبغ الناس بالحناء ، ونراك لا تحرم حتى تستوى راحلتك وتتوجه ، قال عبد الله : إنى رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يفعل ذلك كله (٢).

وعن ابن عمر ـ رضى الله عنهما ـ عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه كان لا يدع الركن الأسود والركن اليمانى إلا أن يستلمهما فى كل طواف عليهما ، قال : وكان لا يستلم الركنين الآخرين (٣).

وقال نافع : إن ابن عمر كان لا يدعهما فى كل طواف طاف بهما حتى يستلمهما. ولقد زاحم على الركن مرة فى شدة الزحام حتى رعف أو دمى فوه ، فخرج فغسل عنه ثم رجع ، فعاد يزاحم ، فلم يصل إليه حتى رعف فى الثانية ،

__________________

(١) أخرجه : الطبرانى فى الكبير ١٢ / ٣٩٠ ، ٣٩٢ ، الترمذى ٤ / ١٨١ ، ابن حبان فى موارد الظمآن (ص : ٢٤٧) ، عبد الرزاق فى المصنف ٥ / ٢٩ ، الأزرقى فى أخبار مكة ١ / ٣٣١.

(٢) أخبار مكة للأزرقى ١ / ٣٣٣.

(٣) أخبار مكة للفاكهى ١ / ١٢٨.

١٧٤

فخرج فغسل عنه ثم رجع ، فزاحم حتى استلمه (١).

وعن مجاهد قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يستلم الركن اليمانى ويضع خده عليه (٢).

وعن عمر بن الخطاب ـ رضى الله عنه ـ أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يكن يمر بالركن اليمانى إلا يقول : وعنده ملك يقول : يا محمد استلم.

وعن عائشة ـ رضى الله عنها ـ قالت : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما مررت بالركن اليمانى إلا وجدت جبريل قائما عنده يستغفر لمن استلمه» (٣).

وعن عثمان قال : وبلغنى عن عطاء قال : قيل : يا رسول الله ، تكثر استلام الركن اليمانى. قال : «ما أتيت عليه قط إلا وجدت جبريل عليه‌السلام قائما عنده يستغفر ويدعو لمن استلمه» (٤).

وعن مجاهد قال : من وضع يده على الركن اليمانى ثم دعا استجيب له. قال : قلت : قم بنا يا أبا الحجاج فلنفعل ذلك ، ففعلنا ذلك (٥).

وعن مجاهد : ما من إنسان يضع يده على الركن اليمانى ويدعو إلا استجيب له. وبلغنى أن ما بين الركن اليمانى والركن الأسود سبعين ألف ملك لا يفارقونه وهم هنالك منذ خلق الله تعالى البيت (٦).

وعن جعفر بن محمد بن على بن الحسين ـ رضى الله عنه ـ قال : قد مررنا قريبا من الركن اليمانى ونحن نطوف دونه فقلت : ما أبرد هذا المكان ، فقال : قد بلغنى أنه باب من أبواب الجنة.

وعن مجاهد أنه كان يقول : ملك موكل بالركن اليمانى منذ خلق الله تعالى

__________________

(١) أخبار مكة للفاكهى ١ / ١٣١ ، أخبار مكة للأزرقى ١ / ٣٣٢ ، عبد الرزاق فى مصنفه ١ / ٣٥.

(٢) أخرجه : البيهقى فى السنن ٥ / ٧٦ ، الحاكم فى المستدرك (١٦٧٥) ، وصححه ، ووافقه الذهبى ، والدارقطنى فى السنن ٢ / ٢٩٠ ، وأبو يعلى (٢٥٩٨) ، والأزرقى فى أخبار مكة ١ / ٣٣٨ ، وابن خزيمة (٢٧٢٧).

(٣) أخرجه : الأزرقى فى تاريخ مكة ، وعزاه لأبى ذر.

(٤) أخبار مكة للأزرقى ١ / ٣٤١.

(٥) أخبار مكة للأزرقى ١ / ٣٤٢.

(٦) أخرجه : ابن ماجه (٢٩٥٧) ، الديلمى فى الفردوس (٧٣٣٢) ، ابن عدى فى الكامل ٤ / ٢٧٥.

١٧٥

السموات والأرض يقول : آمين آمين ، قولوا : ربنا آتنا فى الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار (١).

وعن سالم بن عبد الله عن أبيه أنه قال : على الركن ملكان موكلان يؤمنان على دعاء من يمر بهما ، وإن على الحجر الأسود ما لا يحصى (٢).

وعن سفيان الثورى ، عن طارق بن عبد العزيز ، عن الشعبى ، قال : لقد رأيت عجبا ؛ كنا بفناء الكعبة أنا وعبد الله بن الزّبير ومصعب بن الزّبير وعبد الملك بن مروان وعبد الله بن عمر ، فقال القوم بعد أن فرغوا من حديثهم : ليقم رجل فليأخذ بالركن اليمانى وليسأل الله حاجته ؛ فإنه يعطى من سعته. ثم قالوا : قم يا عبد الله بن الزّبير ؛ فإنك أول مولود فى الهجرة ، فقام فأخذ بالركن اليمانى ، وقال : اللهم إنك عظيم ترجّى لكل عظيم ، أسألك بحرمة وجهك وحرمة عرشك وحرمة نبيك محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن لا تميتنى من الدنيا حتى تولينى الحجاز ، ويسلّم علىّ بالخلافة ، وجاء وجلس. ثم قالوا : قم يا مصعب بن الزبير ، فقام حتى أخذ بالركن فقال : اللهم إنك رب كل شىء وإليك مصير كل شىء ، أسألك بقدرتك على كل شىء أن لا تميتنى من الدنيا حتى تولينى العراق ، وتزوجنى سكينة بنت الحسين رضى الله عنه ، وجاء وجلس. ثم قالوا : قم يا عبد الملك بن مروان ، فقام فأخذ بالركن ، فقال : اللهم رب السموات السبع ورب الأرضين ذوات النبات بعد القفر ، أسألك بحقك على جميع خلقك ، وبحق الطائفين حول بيتك ، أن لا تميتنى من الدنيا حتى تولينى شرق الأرض وغربها ، ولا ينازعنى أحد إلا أتيت برأسه ، ثم جاء وجلس. ثم قالوا : قم يا عبد الله بن عمر ، فقام حتى أخذ بالركن ، وقال : اللهم إنك رحمن رحيم ، أسألك برحمتك التى سبقت غضبك ، وأسألك بقدرتك على جميع خلقك ، أن لا تميتنى من الدنيا حتى توجب لى

__________________

(١) أخرجه : البيهقى فى الشعب (٤٠٤٦) ، وفى إسناده محمد بن الفضل بن عطيه أبو عبد الله المروزى. قال عنه البخارى : ذاهب الحديث (ترتيب علل الترمذى ٧٦ ، ٧٧) ، وقال مسلم : متروك الحديث (الكنى : ٩٥) ، وقال أبو حاتم الرازى : متروك الحديث (علل الحديث : ٢٦٦٣) ، وقال النسائى متروك الحديث (الضعفاء : ٥٦٩).

(٢) أخرجه : الأزرقى فى أخبار مكة ١ / ٣٤١ ، ابن جماعة فى هداية السالك ١ / ٦١.

١٧٦

الجنة. قال الشعبى : فما ذهبت عيناى من الدنيا حتى رأيت كل واحد منهم قد أعطى ما سأل وبشر عبد الله بن عمر بالجنة (١).

وعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إن خير البقاع وأقربها إلى الله تعالى ما بين الركن والمقام».

وعن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ أنه قال : ما بين الركن والباب ملتزم ، ما يدعو به صاحب عاهة إلا برئ. رواه الطبرانى (٢).

__________________

(١) أخرجه : أبو نعيم فى الحلية ١ / ٣٠٩ ، والفاكهى فى أخبار مكة ١ / ١٤١ ، الفاسى فى شفاء الغرام ١ / ١٩٦ ، وعزاه لابن أبى الدنيا فى كتابه «مجابى الدعوة» (ص : ١٣٠ ـ ١٣١).

(٢) أخرجه : الطبرانى فى الكبير ١ / ٤٢٤.

١٧٧

الفصل الخامس والثلاثون

فى ذكر ترك الاستلام فى الزحام

عن أبى يعقوب العبدى قال : سمعت رجلا من خزاعة كان أميرا على مكة منصرف الحاج عن مكة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لعمر بن الخطاب ـ رضى الله عنه ـ : «إنك رجل قوى ، وإنك تؤذى الضعيف ؛ فإذا رأيت خلوة فاستلمه ، وإلا فكبر وامض» أخرجه البغوى فى معجمه (١).

وعن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ أنه قال : إذا وجدت على الركن رجالا فلا تؤذى ولا تؤذى.

وعن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ : لا تؤذى مسلما ولا يؤذيك ، إن رأيت منه خلوة فقبله أو استلمه ، وإلا فامض (٢).

__________________

(١) أخرجه : المحب الطبرى فى القرى (ص : ٢٨٦) وعزاه للبغوى.

(٢) أخبار مكة للفاكهى ١ / ١٢٩.

١٧٨

الفصل السادس والثلاثون

فى ذكر فضائل الملتزم

عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، أنه قال : طفت مع عبد الله بن عمرو بن العاص ، فلما جئنا دبر الكعبة قلت : ألا نتعوذ؟ قال : نعوذ بالله من النار ، ثم مضى حتى استلم الحجر الأسود وقام بين الركن والباب ، فوضع صدره ووجهه وذراعيه وكفيه وبسطهما بسطا عليه ، ثم قال : هكذا رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يفعله.

رواه أبو داود وابن ماجه (١).

وعن مجاهد ، عن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ قال : الملتزم ما بين الركن والباب ـ رواه الطبرانى (٢).

وسمى الملتزم لأن الناس يلزمونه (٣).

وعن ابن عباس أنه كان يلتزم ما بين الركن والباب ، وكان يقول : ما بين الركن والباب يدعى الملتزم ، ولا يلتزم ما بينهما أحد يسأل الله تعالى شيئا إلا أعطاه إياه.

وقال ابن الزّبير : فدعوت هنالك فاستجيب لى.

وعن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «الملتزم موضع يستجاب فيه الدعاء ، وما دعا الله تعالى عبد فيه دعوة إلا استجابها له ، فو الله ما دعوت الله تعالى فيه إلا أجابنى» (٤).

وقال عمرو : وأنا والله ما أهمنى أمر فدعوت الله تعالى فيه إلا استجاب لى

__________________

(١) أخرجه : ابن ماجه (٢٩٦٢) ، أبو داود ٢ / ١٨١ ، البيهقى فى السنن ٥ / ٩٣.

(٢) أخرجه : عبد الرزاق فى مصنفه ٥ / ٧٦ ، ابن أبى شيبة ١ / ١٧٥ ، الأزرقى فى أخبار مكة ١ / ٣٤٧ ، ٣٥٠ ، الهيثمى فى مجمع الزوائد ٣ / ٢٤٦ ، وعزاه للطبرانى فى الكبير ولكن فى سنده راو متروك. والفاكهى فى أخبار مكة ١ / ١٦٠.

(٣) هداية السالك ١ / ٦٧.

(٤) أخرجه : البيهقى فى السنن ٥ / ١٦٤ ، أخبار مكة للفاكهى ١ / ١٦٥ ، ١٥٤.

١٧٩

منذ سمعت هذا الحديث من ابن عباس.

وقال سفيان : وأنا والله ما دعوت الله قط فيه بشىء إلا استجاب لى منذ سمعت هذا الحديث من عمرو بن دينار. وقال الحميدى : وأنا والله ما دعوت الله تعالى قط فيه بشىء إلا استجاب لى.

وقال أبو بكر محمد بن أدريس : وأنا والله ما دعوت الله بشىء قط إلا استجاب لى.

وقال عبد الله بن محمد : دعوت الله تعالى فيه مرارا فاستجاب لى. وقال حمزة : مثله.

وقال أبو الحسن : مثله. وقال أبو طاهر الأصفهانى : مثله. وقال أبو عبد الله : مثله. وقال محب الدين الطبرى (١) : مثله. وقال عبد العزيز بن جماعة (٢) : مثله (٣).

وعن ابن عباس رضى الله عنهما قال : من التزم الكعبة ودعا استجيب له ـ أخرجه الأزرقى (٤). فيجوز أن يكون على عمومه ويجوز أن يكون محمولا على الملتزم.

وعن سليمان بن بريدة عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «طاف آدم حين نزل بالبيت سبعا ، ثم صلى تجاه الكعبة ركعتين ، ثم أتى الملتزم ، فقال : اللهم إنك تعلم سرى وعلانيتى فاقبل معذرتى ، وتعلم ما فى نفسى وما عندى فاغفر لى ذنوبى ، وتعلم حاجتى فاعطنى سؤلى ، اللهم إنى أسألك إيمانا يباشر قلبى ،

__________________

(١) هو : أبو العباس أحمد بن عبد الله بن محمد بن أبى بكر محب الدين الطبرى ، صاحب كتاب : «القرى لقاصد أم القرى» وأحد العلماء المحدثين وفقهاء الشافعية (انظر ترجمته فى خلاصة الأثر ص : ٤٥٧).

(٢) هو : الإمام : عز الدين عبد العزيز بن بدر الدين محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة ، الحموى الأصل ، الدمشقى ، ثم المصرى ، الشهير بالعز بن جماعة ، الفقيه العالم المحدث ، صاحب «هداية السالك» المعروف بمناسك ابن جماعة. (انظر ترجمته فى الدرر الكامنة ٢ / ٤٨٩ ، والبدر الطالع ١ / ٣٥٩).

(٣) هداية السالك ١ / ٦٩ ، ٧٠ ، القرى (ص : ٣١٥).

(٤) أخبار مكة للأزرقى ١ / ١٤٨.

١٨٠