إثارة التّرغيب والتّشويق إلى المساجد الثّلاثة والبيت العتيق

محمّد بن إسحاق الخوارزمي

إثارة التّرغيب والتّشويق إلى المساجد الثّلاثة والبيت العتيق

المؤلف:

محمّد بن إسحاق الخوارزمي


المحقق: دكتور مصطفى محمّد حسين الذّهبي
الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: مكتبة نزار مصطفى الباز
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٠

الفصل الرابع والعشرون

فى ذكر حج الأنبياء والأولياء والخلفاء الراشدين

روى عثمان بن ساج : أن آدم ـ عليه‌السلام ـ حج البيت سبعين حجة من أرض الهند ماشيا. قيل لمجاهد : أفلا يركب؟ قال : وأى شىء كان يحمله ـ أخرجه أبو الفرج فى مثير الغرام (١).

وقال عروة بن الزّبير : بلغنى أن نوحا عليه‌السلام حج البيت وجاءه وعظمه قبل الغرق (٢).

وقال مجاهد : حج إبراهيم وإسماعيل ـ عليهما‌السلام ـ ماشيين ، وحج موسى عليه‌السلام راكبا على جمل أحمر وعليه عباءتان (٣).

وعن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيما رواه ابن عباس : أنه مر بوادى الأزرق ، فقال : كأنى أنظر إلى موسى هابطا من الثنية ، له جؤار إلى الله تعالى بالتلبية ، ثم أتى على ثنية هرشى ، فقال : «كأنى أنظر إلى يونس عليه‌السلام على ناقة جعدة ، عليه جبة من صوف ، خطام ناقته خلبة مارا بهذا الوادى ملبيا» (٤).

وفى رواية : أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلى فى مسجد الروحاء (٥) ، ثم قال : «لقد صلى فى هذا المسجد قبلى سبعون نبيّا ، ولقد مر موسى بن عمران حاجا أو معتمرا بسبعين ألفا

__________________

(١) مثير الغرام (ص : ٣٧٣) ، أخبار مكة للأزرقى ١ / ٣٩.

(٢) أخرجه : الأزرقى ١ / ٧٢ ، وفى إسناده مجهول.

(٣) رواه الأزرقى فى أخبار مكة ٦٨٨ ، وابن الجوزى فى مثير الغرام (ص : ٣٧٥) ، والبغوى فى تفسيره ١ / ١٣٣.

(٤) أخرجه : مسلم (١٦٦) ، ابن حبان (٣٨٠١) ، أحمد فى المسند ١ / ٢١٦ ، ابن ماجه (٢٨٩١) ، البيهقى فى السنن ٥ / ٤٢ ، والشعب (٤٠٢٣) ، ابن خزيمة (٢٦٣٣). والثنية : الطريق فى الجبل ، والجؤار : رفع الصوت بالاستعاذة ، هرشا : جبل قريب من الجحفة.

(٥) مسجد بين مكة والمدينة (تنوير الحوالك ١ / ٢٥٥).

١٤١

من بنى إسرائيل على ناقة ورقاء عليه عباءتان قطوانيتان» (١).

وفى رواية عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «لقد مرّ بهذا الفج سبعون نبيا لباسهم العباء ، وتلبيتهم شتى ، منهم : يونس بن متى ، وكان يقول : لبيك فراج الكروب لبيك.

وكان موسى عليه‌السلام يقول : لبيك أنا عبدك لديك ، وكان عيسى عليه‌السلام يقول : لبيك أنا عبدك ابن أمتك بنت عبديك» (٢).

وعن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ أنه قال : أتى هذا الوادى عيسى وموسى وصالح وغيرهم من الأنبياء عليهم‌السلام على بكرات ، خطمهم الليف ، وأزرهم النّمار ، وأرديتهم العباء ، يلبّون ، يحجون هذا البيت العتيق (٣).

وعن عبد الله بن الزّبير أنه قال : حج هذا البيت ألف نبى من بنى إسرائيل ، لم يدخلوا مكة حتى عقلوا أنعامهم بذى طوى (٤).

وعن ابن عباس رضى الله عنهما قال : كان الأنبياء عليهم‌السلام يحجون مشاة (٥).

وعنه : أنه حج الحواريون ، فلما دخلوا الحرم مشوا تعظيما للحرم.

وحج سيدنا محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم قبل البعث وبعده قبل نزول فرض الحج وقبل هجرته حججا ، ثم توجه من المدينة بعد الهجرة إلى مكة محرما فلما بلغ الحديبية صده المشركون عن دخول الحرم ، ثم صالحوه على أن يعود من العام المقبل ويخلون له مكة ثلاثة أيام ولياليها ، فأصعد قومه رؤوس الجبال فخلوا من إحرامهم هنالك ،

__________________

(١) أخرجه : القرطبى فى التذكرة (٣٨٦) ، وابن الجوزى فى مثير الغرام (ص : ٣٧٦) ، وفى إسناده كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف ، قيل : ضعيف ، وقيل : متروك. وقال أبو زرعة : أحاديثه عن أبيه عن جده واهية.

(٢) أخرجه : ابن الجوزى فى مثير الغرام (ص : ٣٧٦) ١ / ٢٣٢ ، وأبو نعيم فى الحلية ١ / ٢٦٠ ، والأزرقى فى أخبار مكة ١ / ٧٣ عن طلحة بن عبيد الله بن كريز فى حديث طويل لم يرفعه.

(٣) أخرجه : ابن جماعة فى هداية السالك ٢ / ٥١١ ، وعزاه لسعيد بن منصور فى سننه.

(٤) أخرجه : المحب الطبرى فى القرى (ص : ٥٣) وعزاه لأبى ذر الهروى. وذى طوى : واد معروف عند باب مكة ، سمى ببئر مطوية ثمّ ، وهو بضم الطاء وفتح الواو المخففة.

(٥) أخرجه : ابن ماجه (٩٨٠).

١٤٢

ونحر سبعين بدنة كان ساقها معه هديا ، ورجع إلى المدينة ، ثم توجه فى السنة القابلة إلى مكة معتمرا ، وأخلت له المشركون مكة حين وصل ثلاثة أيام ولياليها كما التزموه ، ثم خرج وذهب إلى المدينة ، ثم عاد إلى مكة زمن الفتح وأحرم بعمرة من الجعرانة (١) حين قسم غنيمة حنين فى ذى القعدة ، وعمرته مع حجته. متفق عليه.

هذا بعد قدومه المدينة.

وحج باتفاق بين الأئمة حجة الوداع من المدينة سنة عشر من الهجرة (٢) ، وسميت حجة الوداع ؛ لأنه ودع الناس فيها ، وقال : «لعلى لا أحج بعد عامى هذا» (٣).

قال جابر : نظرت فيها إلى مدّ بصرى بين يديه من راكب وماش ، وعن يمينه مثل ذلك ، وعن يساره مثل ذلك ، ومن خلفه مثل ذلك.

ووافقت وقفته تلك يوم تاسع ذى الحجة ، يوم الجمعة ، فاستقر الحج عليه ، وكان قبل ذلك ينتقل فى أشهر السنة (٤).

وعن أبى زرعة أنه قال : شهد مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى حجة الوداع أربعون ألفا.

واختلفوا فى أنه هل فرض الحج سنة ست أو خمس أو تسع. وقال الشيخ أبو بكر الرازى فى أصول فقهه : إنه قد قيل : إن فرض الحج نزل فى سنة عشر وهى السنة التى حج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حجة الوداع فيها (٥).

وحج أبو بكر الصديق ـ رضى الله عنه ـ وعلىّ بن أبى طالب رضى الله عنه قبل حجة الوداع ، وحجا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيها.

__________________

(١) كان ذلك سنة ٨ ه‍ ، انظر : تاريخ الطبرى ٣ / ٩٤ ، السيرة لابن هشام ٢ / ٣١٠ ، ٣١١.

(٢) تاريخ الطبرى ٣ / ١٤٨ ، السيرة لابن هشام ٢ / ٣٥٠.

(٣) هناك أقوال أخرى فى تلك التسمية ، وأفرد حجة الوداع بالتصنيف : ابن المنذر ، والمحب الطبرى ، الإمام البقاعى ، وابن حزم الظاهرى ، ويراجع ذلك فى : زاد المعاد ١ / ١٧٣ ، السيرة الشامية ٧ / ٦١٤ ، وغيرها.

(٤) أخرجه : مسلم (١٢١٨) ، ابن حبان (٣٩٤٤) ، ابن الجوزى فى مثير الغرام (ص : ٣٧٩).

(٥) القرى (ص : ٦٣).

١٤٣

وحج أبو بكر رضى الله عنه بالناس بعد النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم مرة (١) ، وأمّر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أبا بكر ـ رضى الله عنه ـ على الناس فحج بهم سنة تسع (٢).

وحج عمر رضى الله عنه بالناس عشر حجج فى خلافته (٣).

وحج عثمان رضى الله عنه تسع حجج ، واستناب فى بقية مدته (٤).

وأما على رضى الله عنه فحج قبل خلافته حججا لم يضبط عددها. وأما فى زمن خلافته فلم يتفرغ للحج بنفسه بل كان مشغولا بالحروب ، وكان يبعث من يحج بهم ، ولم يزل خلفاء أئمة الراشدين وخلفاء الإسلام وولاة المسلمين إلى وقتنا هذا مهتمين بأمر الحج مواظبين على إقامته ولله الحمد.

__________________

(١) كان ذلك فى سنة (١٣ ه‍) ، وينظر عن ذلك فى : مختصر تاريخ دمشق ١٣ / ١٠٤ ، المنتظم ٤ / ١٠٠ ، وطبقات ابن سعد ٣ / ١٨٧.

(٢) تاريخ الطبرى ٣ / ١٢٢.

(٣) كان ذلك سنة (١٣ ، ١٤ ، ١٥ ، ١٦ ، ١٧ ، ١٨ ، ١٩ ، ٢٠ ، ٢١ ، ٢٢) (انظر : إتحاف الورى ٢ / ٥ ـ ١٢ ، تاريخ الطبرى ٤ / ٨٢ ، ١٥٢ ، ١٦٨ ، ١٨٨ ، ٢٢ ، ٢٢٥ ، الكامل لابن الأثير ٢ / ١٨٨ ، ٢٠٧ ، ٢١٥ ، ٢٢٢ ، ٢٣٤ ، ٢٣٨).

(٤) يراجع فى ذلك : تاريخ الطبرى ٥ / ٤٦ ـ ١٧٢ ، والكامل ٣ / ٣٣ ـ ٨٧ ، البداية والنهاية ٧ / ١٥٠ ـ ١٨٧.

١٤٤

الفصل الخامس والعشرون

فى ذكر فضيلة الحج ماشيا

نقل عن السلف الصالحين تعاهد الحج ومواظبته على التكرار ماشيا ، وها أنا أذكر بعض الأنبياء والصالحين الذين حجوا ماشيا.

عن ابن عباس رضى الله عنهما قال : كانت الأنبياء عليهم‌السلام يحجون مشاة حفاة (١).

وقال : «حج آدم عليه‌السلام أربعين حجة من الهند على رجليه ، فلما فرغ من حجه الأول ، قال : يا رب إن لكل عامل أجرا ، قال الله تعالى : أما أنت يا آدم فقد غفرت لك ، وأما ذريتك فمن جاء منهم هذا البيت فباء بذنبه فقد غفرت له» (٢).

وإبراهيم وإسماعيل عليهما‌السلام حجا ماشيين (٣).

وعن سعيد بن جبير قال : دخلت على ابن عباس فى مرضه الذى مات فيه ، فسمعته يقول لبنيه : يا بنى حجوا مشاة ؛ فإنى ما آسى على شىء ما آسى أنى لم أحج ماشيا. قالوا : من أين؟ قال : من مكة حتى ترجعوا إليها ؛ فإن للراكب بكل خطوة سبعين حسنة ، وللماشى بكل خطوة سبع مائة حسنة من حسنات الحرم ، قالوا : وما حسنات الحرم؟ قال : الحسنة الواحدة بمائة ألف حسنة (٤).

__________________

(١) أخرجه : ابن ماجه (٩٨٠).

(٢) أخرجه : الحاكم فى المستدرك (١٦٩٢) ، وقال : صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، وقال الذهبى : ليس بصحيح وأخشى أن يكون كذبا. والبيهقى فى السنن ٤ / ٣٣١ ، والشعب (٣٩٨١). وقال : فيه عيسى بن سوادة : مجهول ، وذكره ابن حبان فى الثقات.

(٣) أخرجه : البيهقى فى السنن ٤ / ٣٣٢ ، والسيوطى فى الدر المنثور ٤ / ٦٣٩ ، وعزاه إلى ابن جرير ، وابن أبى شيبة ٢ / ٤٩٢.

(٤) أخرج شطره الأول البيهقى فى الشعب ٤ / ٣٣١ ، وهو فى أخبار أصبهان ٢ / ٣٥٤ ، وتحرف متن الحديث فى العلل المتناهية (٩٣٢). ومداره على إسماعيل بن أمية ، قال فيه الدارقطنى : كان يضع الأحاديث ، ووثقه ابن حجر فى التقريب (٤٢٦).

١٤٥

قال عطاء : ولا أحسب السيئة إلا بمثلها (١).

وعن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من حج من أمتى إلى عرفة ماشيا كتب الله له مائة ألف حجة» (٢).

وعن عائشة ـ رضى الله عنها ـ قالت : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن الملائكة لتصافح ركبان الحاج ، وتعتنق المشاة» (٣).

وعن مجاهد وغيره من علماء السلف أن الحاج إذا قدموا تلقتهم الملائكة وسلموا على ركبان الإبل ، وصافحوا ركبان الحمر ، واعتنقوا المشاة اعتناقا.

وعن مصعب بن الزبير قال : حج الحسن بن علىّ خمسة عشر حجة ماشيا ، وإن النجائب لتقاد معه (٤).

وذكر [ابن] الجوزى فى كتابه المجتبى : أن الحسن بن على بن أبى طالب ـ رضى الله عنهما ـ حج خمس عشرة حجة ماشيا ، وحج الحسين بن على ـ رضى الله عنهما ـ خمسا وعشرين حجة ماشيا (٥).

وروى سحنون : أن علىّ بن شعيب حج نيفا وستين حجة من نيسابور (٦) على قدميه (٧).

وكان ابن جريج والثورى يحجان ماشيين.

وسافر المغيرة بن حكيم إلى مكة أكثر من خمسين سفرا حافيا محرما صائما ،

__________________

(١) أخبار مكة للأزرقى ٢ / ٧.

(٢) أخرجه : ابن الجوزى فى العلل (٩٣١).

(٣) أخرجه : الديلمى فى الفردوس (٧٦٩) ، والبيهقى فى الشعب (٤٠٩٩) ، والسنن ٢ / ٣٩٣ ، وإسناده ضعيف ؛ وسبب ضعفه أن فيه محمد بن يونس ؛ فإن كان الجمال فهو يسرق الحديث كما قال ابن عدى ، وإن كان المحاربى فمتروك الحديث كما قال الأزدى ، وإن كان القرشى فوضاع كذاب كما قال ابن حبان.

(٤) المنتظم ٥ / ٢٢٥.

(٥) أخرجه : البيهقى فى السنن ٤ / ٣٣١ ، الذهبى فى سير أعلام النبلاء ٣ / ٦٧.

(٦) نيسابور : مدينة عظيمة من مدن خراسان ، فتحها المسلمون فى عهد عثمان (مراصد الاطلاع : ١٤١١).

(٧) صفوة الصفوة ٤ / ١٠٩ ، وفى إسناده ابن جهضم ، كذاب.

١٤٦

لا يترك قيام الليل فى سفره ؛ بل إذا كان السحر قام يصلى ويمضى أصحابه ، فإذا صلى الصبح لحقهم متى ما لحق (١).

وحج أبو العباس العباسى ثمانين حجة على قدميه.

وحج أبو عبد الله المغربى على قدميه سبعا وتسعين حجة وعاش مائة وعشرين سنة (٢).

وأخبر الحسين بن عمران عن أخى سفيان ، قال : حججت مع سفيان آخر حجة حجها سنة تسع وتسعين ومائة فلما كنا بجمع (٣) وصلى استلقى على فراشه ، ثم قال : لقد وافيت هذا الموضع سبعين عاما أقول فى كل عام : اللهم لا تجعله آخر العهد ، وإنى استحييت من الله تعالى من كثرة ما أسأله ذلك ، فرجع فتوفى فى السنة الداخلة.

وحج أخا سنان الدينورى ست عشرة حجة حافيا بغير زاد (٤).

وقال عباس بن عبد الله الشافعى : خرج أبو حمزة الصوفى من قزوين (٥) محرما راجلا ، فحج ورجع فقيل له فى ذلك ، فقال : ما خرجت إلا لأسأل الله تعالى أن لا يرزقنى فوق قوتى (٦).

وقال الحسين بن عبد الرحمن : حج سعيد بن وهب (٧) ماشيا فبلغ منه الجهد (٨).

ويحكى عن على ابن الموفق أنه حج سبعين حجة ماشيا.

__________________

(١) مثير الغرام الساكن (ص : ١١٨).

(٢) مثير الغرام الساكن (ص : ١١٨).

(٣) جمع : هى المزدلفة.

(٤) مثير الغرام الساكن (ص : ١١٩) ، وهذا من تلبيس إبليس على جهلة القوم ؛ إذ لا خلاف بين الفقهاء على عدم جواز السفر بغير زاد.

(٥) قزوين : مدينة مشهورة بينها وبين الرى سبعة وعشرون فرسخا. (مراصد الاطلاع : ١٠٨٩).

(٦) مثير الغرام الساكن (ص : ١١٩).

(٧) هو سعيد بن وهيب أبو عثمان مولى بنى سلمة بن لؤى ، كان شاعرا ماجنا ، كثير القول فى الخمر والغزل ، ثم تاب وتعبد وحج راجلا.

(٨) مثير الغرام الساكن (ص : ١١٨) ، صفوة الصفوة ٢ / ٢٣٥ ، أخبار مكة للفاكهى ١ / ٣٣٢ ، تاريخ بغداد ٩ / ٧٣.

١٤٧

ويروى أن جعفر الخواص حج قريبا من ستين حجة ماشيا.

وعن إبراهيم بن أحمد قال : سمعت جرار بن بكر الدبيلى قال : أحرمت من تحت صخرة بيت المقدس فدخلت بادية تبوك إلى أن وصلت مكة ، فدخلت المسجد الحرام فإذا أبو عبد الله بن الجلاء جالس فى شق الطواف فسلمت عليه وقبلت رأسه ، فقال : يا بنى من أين أحرمت؟ قلت له : من تحت صخرة بيت المقدس ، فقال : من أى طريق جئت؟ فقلت : من طريق تبوك ، فقال : على شرط التوكل؟ فقلت : نعم ، فقال : يا بنى ، إنى أعرف رجلا حج اثنين وخمسين حجة على التوكل وهو يستغفر الله تعالى من ذلك ، فقلت له : يا عم بحق هذا البيت من هو؟ قال : أنا استغفر الله.

ثم اعلم أن العلماء اختلفوا فى أن حج الآفاقى راكبا أفضل أو ماشيا؟ فعند الحنفية راكبا أفضل من المشى وهو أحد قولى الشافعى رحمه الله وهو الأصح من قوليه (١).

والقول الثانى : أن المشى أفضل ؛ وهو قول داود ؛ لقول النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «للماشى فضل على الراكب كفضل ليلة القدر على سائر الليالى» (٢).

وقول النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «للحاج الراكب بكل خطوة ...» الحديث إلى آخره (٣).

ولقول ابن عباس لبنيه عند الموت أن يحجوا مشاة. ودليل الحنيفة وأصح قولى الشافعى (٤) : أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم حج راكبا ، فاتباعه أولى ؛ ولأن فى الركوب إنفاقا ومؤونة

__________________

(١) هداية السالك ١ / ٣٥ ، الفتاوى الهندية ١ / ٣٠٣. ويرى الإمام مالك أيضا أن الحج راكبا أفضل.

(٢) أخرجه : الفاكهى فى أخبار مكة ١ / ٣٩٧ ، ٣٩٨ ، بلفظ «كفضل ليلة البدر على النجوم». وهذا الرأى هو رأى الحنابلة وبعض المالكية.

(٣) أخرجه : الحاكم فى المستدرك (١٦٩٢) ، وقال : صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه ، وقال الذهبى : ليس بصحيح وأخشى أن يكون كذابا. والبيهقى فى الشعب (٣٩٨١) ، والسنن ٤ / ٣٣١ ، وقال فيه عيسى بن سوادة : مجهول. وقال ابن التركمانى : أخرج له الحاكم فى المستدرك ، وذكره ابن حبان فى الثقات.

(٤) هداية السالك ١ / ٣٥ ، القرى (ص : ٤٦).

١٤٨

بالمال وعونا على قوة النفس ؛ لقضاء النسك بصفة الكمال ، ولأنا نقول المراد من هذا الحديث الحج ماشيا من مكة وحواليها على ما ذكرنا أن القدرة على الراحلة ليست بشرط فى حق أهل مكة ؛ لأنه لا تلحقهم زيادة مشقة تخلّ بنسك الحج ؛ لقرب المسافة ، دل عليه قول ابن عباس لبنيه : اخرجوا حاجين من مكة مشاة حتى ترجعوا إليها مشاة ؛ فإن للحاج الراكب بكل خطوة ... وساق الحديث إلى آخره ، فكان المراد من الحديث الحج ماشيا من مكة جمعا بين الحديثين وعملا بهما بقدر الإمكان (١) ، والله أعلم.

__________________

(١) هداية السالك ١ / ٣٥ ، ٣٦ ، القرى (ص : ٤٧).

١٤٩

الفصل السادس والعشرون

فى ذكر جهات الحل وأسمائها

اعلم أن أفضل جهات الحل للإحرام لأهل مكة بالعمرة : التنعيم ، ثم الجعرانة ، ثم الحديبية عن الحنفية. وعند الشافعى الأفضل الجعرانة ، ثم التنعيم ، ثم الحديبية.

وقدم أبو حامد الغزالى ـ منهم ـ الحديبية على التنعيم.

وقال الإمام أحمد : كلما تباعد فى الإحرام فهو أعظم للأجر.

والجعرانة بكسر الجيم وإسكان العين المهملة ، وقد يكسران مع تشديد الراء موضع بين مكة والطائف ، وهو إلى مكة أقرب ، وهو من الحل.

قال ابن المدنى : أهل المدينة يثقلونه وأهل العراق يخففونه وبالتخفيف قيدها المفتون.

وسمى هذا الموضع باسم امرأة كانت تلقب بالجعرانة وهى كانت تسكن فيه (١).

وعن يوسف بن ماهك قال : اعتمر من الجعرانة ثلاث مائة نبى عليهم‌السلام.

والتنعيم بفتح التاء المثناة من فوق وإسكان النون أقرب أطراف الحل إلى البيت الحرام على ثلاثة أميال. وقيل : أربعة أميال. يقال : سمى بذلك لأن على يمينه جبلا يقال له : نعيم وعلى يساره جبل يقال له : ناعم ، والوادى يقال له : نعمان.

والحديبية بتخفيف الياء وتشديدها والتخفيف أفصح ؛ كذا قال العلماء ، وهو موضع بينه وبين الحرم أزيد من ميل.

وحد الحرم من جانب المدينة : التنعيم عند بيوت نفار بكسر النون والفاء والراء على ثلاثة أميال من مكة ، وقيل : أربعة أميال.

ومن طريق اليمن إضاه لبن على سبعة أميال من مكة ، وإضاه على وزن قناه ،

__________________

(١) القرى (ص : ٦١٦ ، ٦١٧).

١٥٠

ولبن بلام مكسورة ثم باء موحدة ساكنة ثم نون.

ومن طريق الطائف على طريق عرفات من بطن نمرة على سبعة أميال.

ومن طريق العراق على ثنية جبل بالمقطع على سبعة أميال. ومن طريق الجعرانة على تسعة أميال.

ومن طريق جدة منقطع الأعشاش على عشرة أميال. هذا قول جمهور العلماء فى ضبط حدود الحرم ، وهى توقيفية (١).

ويروى أن الأصل فى ذلك أن آدم عليه‌السلام خاف على نفسه من الشيطان فاستعاذ بالله تعالى ، فأرسل الله تعالى إليه ملائكة حفوا بمكة من كل جانب فكان الحرم من حيث وقفت الملائكة (٢).

ويروى : أنه لما بلغ إبراهيم وإسماعيل عليهما‌السلام فى بناء الكعبة إلى موضع الحجر الأسود ، فجاء به جبريل من الجنة ، فوضعه إبراهيم عليه‌السلام فى موضعه ، فأنار شرقا وغربا ويمينا وشمالا ، وكان الحرم من حيث انتهى النور إليه (٣).

ويروى : أنه لما أهبط آدم عليه‌السلام تلهف على ما فاته من الطواف بالعرش مع الملائكة فأهبط الله تعالى إليه البيت المعمور من ياقوتة حمراء تلتهب التهابا وله بابان شرقى وغربى مرصّع بكواكب بيض من ياقوت الجنة ، فلما استقر البيت فى الأرض أضاء نوره ما بين المشرق والمغرب ، ففزع لذلك الجن والشياطين ورقوا فى الجو ينظرون من أين ذلك النور ، فلما رأوه أنه من مكة أقبلوا يريدون الاقتراب إليه ، فأرسل الله تعالى الملائكة. فقاموا حول الحرم من مكان الأعلام اليوم ، فمنعهم ، فمن ثم ابتدئ باسم الحرم (٤).

__________________

(١) القرى (ص : ٦٥١).

(٢) أخبار مكة للفاكهى ٢ / ٢٧٥ ، أخبار مكة للأزرقى ١ / ٤١ ، القرى (ص : ٦٥٣).

(٣) أخبار مكة للأزرقى ١ / ٦٥ ، ومثير الغرام (ص : ١٤٤).

(٤) أخبار مكة للفاكهى ٢ / ٢٧٤ ، الطبرانى فى الكبير ١١ / ٥٥ ، العقيلى فى الضعفاء ٢ / ٢٦٦ ، أخبار مكة للأزرقى ١ / ٣٢٢.

١٥١

وأول من نصب أنصاب الحرم : إبراهيم بتعليم جبريل عليهما‌السلام ، ثم جددها قصىّ بن كلاب ، ثم أمر النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم الفتح تميم بن أسد فجددها ، ثم جددها عمر بن الخطاب رضى الله عنه ، ثم جددها عثمان رضى الله عنه ، ثم الخلفاء الراشدون إلى يومنا هذا ، وهى الآن بينة (١) ، والحمد لله.

__________________

(١) أخبار مكة للأزرقى ٢ / ١٢٩ ، جمع الجوامع للسيوطى ٢٠ / ٤٦١ ، البيهقى فى السنن ١ / ٦٣ ، الدر المنثور ١ / ٢٢٨. وأنصاب الحرم : هى الأعلام على حدوده ، وتراجع فى : أخبار مكة الأزرقى ٢ / ١٣١ ، وأخبار مكة للفاكهى ٥ / ٨٩.

١٥٢

الفصل السابع والعشرون

فى ذكر استحباب تعجيل الحج وذم التأخير

اعلم وفقك الله تعالى وإيانا أن من وجب عليه الحج وتمكن من فعله إما بنفسه أو بنائبه فالأولى له أن يبادر إليه ؛ قال الله تعالى : (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ)(١) وقال تعالى : (وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ)(٢). وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «تعجلوا الحج فإن أحدكم لا يدرى ما يعرض له» (٣).

ثم إن أخره وفعل قبل أن يموت فقد استدرك ما فاته ، وإن مات قبل ذلك ؛ فعليه أن يوصى من تركته من يحج عنه ومع هذا أمره شديد وأثمه أكيد.

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من لم تمنعه من الحج حاجة أو مرض حابس أو سلطان جائر ومات فليمت إن شاء يهوديا وإن شاء نصرانيا» (٤).

وهذا إشارة منه صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى تشبيهه باليهود والنصارى فى تهاونه بهذه الطاعة وعدم اهتمامه بها حتى مات ولم يأت بها ؛ لأن الإجماع متفق على أن هذا ليس على ظاهره ، وإن من مات من المسلمين ولم يحج وكان قادرا عليه لا يكون تركه الحج مخرجا له عن الإسلام فهو محمول على المستحلّ لذلك فيكفر به حينئذ أو أنّ فعله أشبه فعل اليهود والنصارى كما تقدم ، وقد استدل بظاهره من ذهب أن الحج يجب على الفور.

__________________

(١) سورة البقرة : آية ١٤٨.

(٢) سورة آل عمران : آية ١٣٣.

(٣) أخرجه : أحمد فى المسند ١ / ٣١٤ ، والمعنى : «ما يعرض له من مرض أو حاجة» كما فى رواية الديلمى.

(٤) أخرجه : الدارمى (١٧٨٥) ، والبيهقى فى السنن ٤ / ٣٣٤ ، والشعب (٣٩٧٩) ، والفاكهى فى أخبار مكة ١ / ٨٠١ ، والديلمى فى الفردوس (٦٣٦٦) ، وأبو نعيم فى الحلية ٩ / ٢٥١ ، وابن أبى شيبة ١ / ٢٦٩ ، وابن عدى فى الكامل ٧ / ٢٥٠٢ ، وفيه : ليث : وهو ضعيف. وشريك : سيئ الحفظ ، ووثقه بعضهم.

١٥٣

وعن إبراهيم النخعى ومجاهد وطاووس أنهم قالوا : أن رجلا إذا وجب عليه الحج ومات قبل أن يحج ما صلينا عليه.

وكان لبعضهم جار موسر فمات قبل أن يحج فلم يصلّ عليه.

ويروى عن ابن عباس فى تفسير قوله تعالى : (حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ)(١).

قال : هو مؤمن مات ولم يحج فيسأل الرجعة إلى الدنيا ؛ وما ذاك إلا لما يجده من الحسرة والندامة ويحل به من التوبيخ والملامة.

وسئل سعيد بن جبير عن رجل مات وهو موسر ولم يحج ، فقال : هو فى النار ، ثلاث مرات (٢).

وسئل عبد الله بن مغفل عن ذلك قال : مات عاصيا (٣).

واعلم يا أخا الصفا بالوفا قواك الله على طاعته وإيانا أن الله تعالى نصب بفضله وكرمه مائدة الغفران على بساط الرحمة بالجود والكرم ، وبسط سماط الأنعام على الخاص والعام بالنعم ، ودعى إليها جميع الجن والأنس وسائر الأمم ، وأمر خليله بالنداء لكافة الذريات فى صلب بنى آدم إلى الوقوف عليها من العرب والعجم ، وسمّى فاعل ذلك زائرا وافدا إليه إلى انقراض مدة العالم ، ووعد عند الموافاة بأن يفرغ سجال الأنعام عليه مع كونه تعالى متصفا باستحقاق الطاعات له من عباده ومع كونهم مضطرين إلى نيل ما تفضل به هنالك ، فهل يحمل بك ـ رحمك الله ـ الغفلة عن مثل هذه الطاعة ، وماذا يعوضك عنها إذا قابلتها بالإضاعة؟ فإن لم تذعن نفس ذاكر إلى الانقياد فليعلم عند ذلك أنه من المحرومين ، وليترقب ما يلوح من خلال قوله تعالى : (وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ)(٤). وفقنا الله تعالى وإياكم بالانقياد والطاعة ، وجنبنا عن الارتداد

__________________

(١) سورة المؤمنون : آية ٩٩.

(٢) أخرجه : ابن أبى شيبة ٣ / ٢٦٩ ، وابن الجوزى فى مثير الغرام (ص : ٦٤).

(٣) قال العلماء : يحمل هذا على من استحل الترك ، أو اعتقد عدم وجوبه (تلخيص الحبير ٢ / ٢٢٣).

(٤) سورة آل عمران : آية ٩٧.

١٥٤

والضلالة.

ثم اعلم أن المسارعة فيه والإتيان به على الفور مستحب بالإجماع. وأما الوجوب فقد اختلفوا فيه ؛ روى أبو يوسف عن أبى حنيفة ـ رضى الله عنهما ـ أنه واجب على الفور ، وهو الأصح عنه ، وبه أخذ مالك وأحمد رحمهما الله (١).

وقال محمد والشافعى ـ رضى الله عنهما ـ هو واجب على سبيل التراخى ؛ ودليل كل فريق مذكور فى كتبهم المبسوطة.

والمراد من الفور : أنه يلزم المأمور فعل المأمور به فى أول أوقات الإمكان ، مستعارا للسرعة ، من فارت القدر إذا غلت.

ثم على قول من يوجب الحج على التراخى فلم يحج حتى مات فهل يأثم بذلك؟ ففيه ثلاثة أوجه :

أحدها : لا يأثم بذلك ؛ لأنا جوزنا التأخير له ولم يرتكب محظورا بعد ذلك.

والثانى : يأثم بذلك ؛ لأن التأخير إنما جوزناه له بشرط السلامة والأداء ، وهو الأصح.

والثالث : أنه إن خاف الفقر والكبر والضعف فلم يحج حتى مات يأثم ، وإن أدركته المنية فجأة قبل خوف الفوات لم يأثم ؛ لأن الحكم لغالب الظن (٢).

ثم على الوجه الذى يأثم : من أى وقت يأثم؟ قال بعضهم : بتأخير عن السّنة الأولى ، وقال بعضهم : بتأخير عن السنة الأخيرة ، وقال بعضهم : يأثم من حين تبين ورأى فى نفسه الضعف والعجز والكبر ، وقال بعضهم : يأثم فى الجملة لا فى وقت معين بل علمه إلى الله تعالى (٣) ، وهو أعلم.

__________________

(١) هداية السالك ١ / ٢٤٨ ، القرى (ص : ٦٢).

(٢) هداية السالك ١ / ٢٥٢.

(٣) هداية السالك ١ / ٢٥٢.

١٥٥

الفصل الثامن والعشرون

فى ذكر فضيلة الصلاة فى المسجد الحرام

وأول مسجد وضع على وجه الأرض

عن إبراهيم التيمى عن أبيه عن أبى ذر رضى الله عنه قال : «سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقلت : يا رسول الله ، أى المسجد وضع أوّلا؟ قال : «المسجد الحرام». قلت : ثم أى؟ قال : «المسجد الأقصى». قلت : كم كان بينهما؟ قال : «أربعون سنة» ، ثم حيث عرضت لك الصلاة فصلّ فهو مسجد» (١).

وعن عطاء بن أبى رباح قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم الفتح فقال : إنى نذرت أن أصلى فى بيت المقدس ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ها هنا أفضل» فردد ذلك عليه ثلاثا. فقال النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «والذى نفسى بيده ؛ لصلاة فيها أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه من البلدان» (٢).

وعن أبى مليكة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «صلاة فى مسجدى هذا خير من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام ، وصلاة فى المسجد الحرام أفضل من خمس وعشرين ألف صلاة فيما سواه من المساجد» (٣).

قال أبو رجاء : سأل حفص الحسن ـ وأنا أسمع ـ عن قوله تعالى : (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ)(٤). قال : هو أول مسجد عبد الله فيه فى الأرض ، (فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ) قال : فعدهن وأنا أنظر إلى أصابعه. (مَقامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ)(٥).

__________________

(١) عزاه المحب الطبرى فى القرى (ص : ٦٥٦) للبخارى ومسلم.

(٢) أخرجه : الطبرانى فى الكبير (٩٠٧) ، والحاكم فى المستدرك ٣ / ٥٠٤ ، وصححه. ووافقه الذهبى ، وأخرجه الذهبى فى سير أعلام النبلاء ٢ / ٤٧٩.

(٣) أخرجه : الفاسى فى شفاء الغرام ١ / ٨٠ ، ولم يعزه.

(٤) سورة آل عمران : آية ٩٦.

(٥) سورة آل عمران : آية ٩٧.

١٥٦

وعن عمرو بن دينار ، أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «تشد الرحال إلى ثلاثة مساجد : إلى مسجد إبراهيم عليه‌السلام ، ومسجد محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ومسجد إيلياء» (١).

وعن إسماعيل بن منبّه ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «صلاة فى مسجدى هذا خير من ألف صلاة إلا فى المسجد الحرام ، وفضل المسجد الحرام فضل مائة» (٢).

وعن عطاء بن أبى رباح ، قال : سمعت ابن الزّبير ، يقول : قال النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «فضل المسجد الحرام على مسجدى هذا مائة صلاة».

قال خلاد : فلقيت عمرو بن شعيب ، فقلت : إن عطاء بن أبى رباح أخبرنى أن ابن الزّبير ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : فضل المسجد الحرام على مسجدى مائة صلاة». فقال عمرو بن شعيب : وهم عطاء ، وإنما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «فضل المسجد الحرام على مسجدى كفضل مسجدى على سائر المساجد» (٣).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «صلاة فى مسجدى هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام ؛ فإن صلاة فى المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة إذا صلاها وحده ، وإن صلاها فى جماعة ؛ فإن صلاته بألفى ألف صلاة وخمسمائة ألف صلاة ، وصلاة الرجل فى المسجد الحرام كله إذا صلاها وحده بمائة ألف صلاة ، وإذا صلاها فى جماعة فصلاته بألفى ألف صلاة وخمس مائة ألف صلاة ؛ فذلك خمسة وعشرون مرة مائة ألف صلاة» (٤).

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : من صلى فى المسجد الحرام بالجماعة صلاة واحدة كتب

__________________

(١) أخرجه : المحب الطبرى فى القرى (ص : ٦٥٥) ، وعزاه للبخارى ومسلم.

(٢) أخرجه : ابن حبان فى موارد الظمآن (ص : ٢٥٤) ، ابن عدى فى الكامل ٢ / ٨١٧ ، والفاسى فى شفاء الغرام ١ / ٧٩ ، كلهم من طريق حماد بن زيد ، وذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد ٤ / ٦ ، وعزاه للطبرانى فى الكبير ، وقال : رجاله رجال الصحيح. والسيوطى فى الجامع الكبير ١ / ٥٦٣ ، وعزاه للطيالسى ، وأحمد ، وعبد بن حميد ، وابن زنجويه ، وابن خزيمة ، وابن حبان ، والطبرانى.

(٣) أخرجه : الهيثمى فى مجمع الزوائد ٢ / ٧ ، وعزاه للطبرانى فى الكبير ، وذكره الفاسى فى شفاء الغرام ١ / ٧٩ ، وعزاه لابن عساكر فى الإتحاف ، ذكره الفاكهى فى أخبار مكة ٢ / ٩١.

(٤) أخرجه : أحمد فى المسند ٣ / ٣٩٧ ، والفاكهى فى أخبار مكة ٢ / ٩٣.

١٥٧

الله له ألف ألف صلاة وخمسمائة ألف صلاة» (١).

وفى رواية : «صلاة فى المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة» (٢).

قال أبو بكر النقاش المفسر المقرئ (٣) : فحسبت على هذه الرواية ، فبلغت صلاة واحدة فى المسجد الحرام عمر خمس وخمسين سنة وستة أشهر وعشرين ليلة.

وصلاة يوم وليلة فى المسجد الحرام ـ وهى خمس صلوات ـ عمر مائتى سنة وسبع وسبعين سنة وتسعة أشهر وعشر ليال (٤).

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «صلاة الرجل فى بيته بصلاة ، وصلاته فى مسجد القبائل بخمس وعشرين صلاة ، وصلاته فى المسجد الذى يجمع فيه بخمسمائة صلاة ، وصلاته فى المسجد الأقصى بخمسة آلاف صلاة ، وصلاته فى مسجدى بخمسين ألف صلاة ، وصلاته فى المسجد الحرام بمائة ألف صلاة» (٥).

ذكر ما جاء فى المراد بالمسجد الحرام حيث أطلق

قال [الطبرى] فى كتاب «القرى فى فضائل أم القرى» : روى عن ابن عباس قال : الحرم كله هو المسجد الحرام ـ أخرجه سعيد بن منصور وأبو ذر ، وهو قول بعض أهل العلم ، ويتأيد بقوله تعالى : (وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ)(٦). وقوله تعالى : (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ)(٧) وكان ذلك فى بيت

__________________

(١) أخرجه : الفاكهى فى أخبار مكة ٢ / ٩٣. وفى إسناده متروك.

(٢) أخرجه : الحميدى ٢ / ٤٢٠ ، عن سفيان ، الفاكهى فى أخبار مكة ٢ / ٩٦.

(٣) هو : العلامة المفسر ، شيخ القراء أبو بكر محمد بن الحسن بن محمد بن زياد الموصلى النقاش صاحب «شفاء الصدور» فى التفسير ، و «الإشارة فى غريب القرآن». توفى سنة «٣٠١ ه‍». (انظر ترجمته فى : سير أعلام النبلاء ١٥ / ٥٧٣ ، والمنتظم ١٤ / ١٤٨).

(٤) مثير الغرام الساكن (ص : ٢٥٤).

(٥) أورده المحب الطبرى فى القرى (ص : ٦٥٦).

(٦) سورة الحج : آية ٢٥.

(٧) سورة الإسراء : آية ١.

١٥٨

أم هانئ.

وقال بعضهم : المسجد الحرام مسجد الجماعة الذى يصلى فيه الصلوات الخمس بالجماعة والجمع والأعياد خاصة ، ويتأيد بما تقدم من قوله عليه‌السلام : «صلاة فى مسجدى هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام» (١).

والإشارة بمسجده إلى مسجد الجماعة ، فينبغى أن يكون المستثنى أيضا كذلك.

وقال بعضهم : المسجد الحرام هو الكعبة خاصة ، واختاره بعض المتأخرين من أصحابنا ، واستدل بقوله تعالى : (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ)(٢).

وقال هذا القائل : لو نذر الاعتكاف فى المسجد الحرام لزمه فى البيت أو فيما فى الحجر منه ، والله أعلم.

ويتأيد هذا القول بحديث ميمونة رضى الله عنها : «صلاة فى مسجدى هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الكعبة» (٣).

وبحديث أبى هريرة رضى الله عنه : «صلاة فى مسجدى هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا الكعبة». أخرجه النسائى (٤).

والظاهر أن المسجد الحرام قد يطلق ويراد به كل واحد منهما كما ذكرناه.

وقوله : مسجد الأقصى ومسجد الحرام من إضافة الشىء إلى صفته كمسجد الجامع ، وأما مسجد الكعبة فعلى قول من يقول المسجد الحرام هو الكعبة يكون من إضافة الشىء إلى نفسه (٥) .. انتهى كلامه.

__________________

(١) أخرجه : مسلم ٣ / ٤٧٦ ، أحمد فى المسند ٢ / ٢٩ ، ١٥٥ ، ابن ماجه (١٤٠٥) ، أبو يعلى (٥٧٦٠) ، أخبار أصفهان ١ / ٣٥٣.

(٢) سورة البقرة : آية ١٤٤.

(٣) أخرجه : مسلم ٣ / ٤٧٧ ، النسائى فى الكبرى مختصرا (٧٧٠).

(٤) المراجع السابقة.

(٥) القرى (ص : ٦٥٧ ، ٦٥٨).

١٥٩

الفصل التاسع والعشرون

فى ذكر فضائل الطواف وركعتيه بعده

قال الله تعالى : (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ)(١).

وعن عبد الله بن عمر ـ رضى الله عنهما ـ قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «من طاف بهذا البيت أسبوعا وأحصاه كان كعتق رقبة» (٢).

قال : وسمعته يقول : «لا يضع قدما ولا يرفع أخرى إلا حط الله عنه بها خطيئة ، وكتب له بها حسنة». رواه الترمذى (٣).

وفى رواية ابن عمر قال : سمعت النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «من طاف أسبوعا يحصيه وصلى ركعتين كان كعدل رقبة» (٤).

قال : وسمعته يقول : «ما رفع رجل قدما ولا وضعها إلا كتب الله له عشر حسنات ، وحط عنه عشر سيئات ، ورفع له عشر درجات» (٥).

وروى أن أبا سعيد كان يطوف بالبيت وهو متكىء على غلام يقال له : طهمان وهو يقول : والله لأن أطوف بهذا البيت أسبوعا ، لا أقول فيه هجرا ، وأصلى ركعتين بعده ؛ أحب إلىّ من أن أعتق طهمان وضرب بيده على منكبه (٦).

وعن جابر بن عبد الله ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من طاف بالبيت سبعا ،

__________________

(١) سورة الحج : آية ٢٩.

(٢) أخرجه : السيوطى فى جمع الجوامع ١ / ٧٩٨ ، وعزاه للطبرانى فى الكبير ، والفاكهى فى أخبار مكة ١ / ٢٧٥. وفيه سليمان بن أبى داود ، ضعفه أبو حاتم ، وقال البخارى فى التاريخ الكبير ٤ / ١١ : منكر الحديث.

(٣) أخرجه : الترمذى ٢ / ٢٩٢.

(٤) أخرجه : أحمد فى المسند ٢ / ١١.

(٥) أخرجه : أحمد فى المسند ٢ / ١١.

(٦) أخرجه : الأزرقى فى أخبار مكة ٢ / ٣ ، وابن جماعة فى هداية السالك ١ / ٥٠.

١٦٠