إثارة التّرغيب والتّشويق إلى المساجد الثّلاثة والبيت العتيق

محمّد بن إسحاق الخوارزمي

إثارة التّرغيب والتّشويق إلى المساجد الثّلاثة والبيت العتيق

المؤلف:

محمّد بن إسحاق الخوارزمي


المحقق: دكتور مصطفى محمّد حسين الذّهبي
الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: مكتبة نزار مصطفى الباز
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٠

كم منزل فى الأرض يألفه الفتى

وحنينه أبدا لأوّل منزل

ولهذا قال ذو النون المصرى لما قيل له : أين أنت من قوله ألست بربكم؟ قال : كأنه الآن فى أذنى (١).

المعنى الثانى : أن سبب ذلك دعاء الخليل عليه‌السلام حيث قال : (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ)(٢) ، لحجه. قال ابن عباس فى تفسيره : يحن إليهم ، ولو قال : فاجعل أفئدة الناس تهوى إليهم بدون «من» لحجه اليهود والنصارى.

وهذا المعنى أرفع من الأول وأشرف ؛ إذ ليس فيه شائبة نفسانية ترد الحنين إليه وتصرفه.

المعنى الثالث : وهو أهذب منهما مذهبا وأرق واصفى مشربا ؛ أنه جاء فى الحديث : «أن الله تعالى ينظر إلى الكعبة ليلة النصف من شعبان فتحن إليه القلوب من أجل ذلك» (٣).

المعنى الرابع : أنه ورد أن الله تعالى أوحى إلى الكعبة عند بنائها : أنى منزل نورا وخالق بشرا يحنون إليك حنين الحمام إلى بيضه ، ويدفون إليك دفيف النسور.

فانظر يا أخا الصفا بالوفا إلى ما تضمنته هذه الكلمات من فضل الله الحسن الجميل ، وفوائد المنح وقلائد المنن ، بدأ الخلق من العدم ثم ابتدأهم بسوابغ النعم ، ونصب خيمة القرى فى أم القرى ، ونادى : هلموا إلىّ ، نادى الكريم فيا هناء لمن اختير لتلك الحضرة وارتضى لمقعد الجلال ، ويا قرة عين من حظى بمشاهدة الجمال.

قال جعفر بن محمد ، عن أبيه محمد بن على ـ رضى الله عنهم ـ أنه قال : لما قال الله تعالى للملائكة : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ) غضب الله عليهم ، فعاذوا بالعرش وطافوا حوله سبعة

__________________

(١) مثير الغرام الساكن (ص : ٧٤).

(٢) سورة إبراهيم : آية ٣٧.

(٣) أخرجه الديلمى فى الفردوس عن ابن عباس (٥٤٢).

١٢١

أشواط يسترضون ربهم فرضى عنهم. وقال لهم : ابنوا لى بيتا يعوذ به من سخطت عليه من خلقى ، فيطوف حوله كما فعلتم حول عرشى ، فأغفر لهم كما غفرت لكم ، فبنوا هذا البيت (١).

وفى قوله تعالى : (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ)(٢) فضائل كثيرة ودلائل باهرة وآيات ظاهرة قد تقدّم بعضها ؛ فمن بعض آياتها : ما روى : أن الحجاج بن يوسف نصب المنجنيق على جبل أبى قبيس بالحجارة والنيران ، فاشتعلت أستار الكعبة بالنار ، فجاءت سحابة من نحو جدّة يسمع منها الرعد ويرى منها البرق واستوت فوق البيت ، فمطرت فما جاوز مطرها الكعبة ، والمطاف ، فأطفأت النار ، وأرسل الله تعالى عليهم صاعقة فأحرقت منجنيقهم فتداركوه ، واحترقت تحته أربعة رجال ، فقال الحجاج : لا يهولنكم هذا فإنها أرض صواعق ، فأرسل الله تعالى عليهم صاعقة أخرى فأحرقت المنجنيق واحترق تحته أربعون رجلا. وكان ذلك فى سنة ثلاث وسبعين فى أيام عبد الملك بن مروان (٣) ، فوهى البيت بسبب ما أصابه من حجارة المنجنيق ، ثم هدم الحجاج بأمر عبد الملك ابن مروان ما زاده ابن الزّبير رضى الله عنه وبناه الحجاج. وفى رواية : فجاءت سحابة من نحو جدّة واستوت فوق البيت ، فمطرت حتى سال الميزاب فى الحجر ، ثم عدلت إلى أبى قبيس فرمت بالصاعقة وأحرقت المنجنيق ، وأمسك الحجاج عن القتال ، وكتب بذلك إلى عبد الملك بن مروان. ويجىء تمامه فى موضعه (٤).

ثم جاء أبو طاهر القرمطى فقلع الحجر الأسود والباب وأصعد رجلا من أصحابه ليقلع الميزاب ، فتردى على رأسه ومات وأخذ أسلاب أهل مكة والحجاج (٥) وانصرف ومعه الحجر الأسود وعلقه على الأسطوانة السابعة من جامع الكوفة من

__________________

(١) أخبار مكة للأزرقى ١ / ٣٢ ، ومثير الغرام الساكن (ص : ٢٤٨) ، والحديث فيه : القاسم بن عبد الرحمن منكر الحديث.

(٢) سورة آل عمران : آية ٩٦.

(٣) إتحاف الورى ٢ / ٨٩ ، ٩٠ ، والكامل لابن الأثير ٤ / ١٤٦ ، هداية السالك ٣ / ١٣٠٩.

(٤) تاريخ الطبرى ٧ / ١٩٥ ، ٢٠٢ ، العقد الثمين ٥ / ١٤٦ ، ١٤٧.

(٥) شفاء الغرام ٢ / ٢١٩ ، درر الفرائد (ص : ٢٣٦) ، إتحاف الورى ٢ / ٣٧٧ ، الإعلام بأعلام بيت الله الحرام (ص : ١٦٣).

١٢٢

الجانب الغربى ؛ ظنّا منه أن الحج ينتقل إلى الكوفة ، ثم حمل إلى هجر سنة سبع عشرة وثلثمائة (١) وبقى عند القرامطة ثمانيا وعشرين سنة ، وقيل : اثنين وعشرين سنة إلا شهرا ، وكان الأمير بجكم التركى [قد] بذل فيه خمسين ألف دينار ليردوه فلم يفعلوا ، وقال : أخذناه بأمر فلا نردّه إلا بأمر.

وقيل : إن أبا طاهر باعه من المقتدر بالله بثلاثين ألف دينار ، وأعيد إلى موضعه من البيت فى خلافة المطيع بالله لخمس خلون من ذى الحجة الحرام سنة تسع وثلاثين وثلثمائة (٢). وكم مرة أزيل عن موضعه من البيت ثم رده الله تعالى إليه ؛ فغلب جرهم ، وإياد ، والعماليق ، وخزاعة ، ومن سخط الله عليه ، وقلعوا الحجر ، وسيقلع الحجر فى آخر الزمان وتخرب كعبة الرحمن كما ورد فى الحديث الصحيح (٣).

قيل : ولما اخذه القرمطى هلك تحته أربعون جملا ، ولما أعيد إلى مكة أنفذ على قعود أعجف فسمن تحته وزاد جسمه إلى مكة (٤).

ومنها : ما وقع هيبته فى القلوب والخشوع عنده ، وجريان الدموع لديه ، وامتناع الطير من العلو والجلوس عليه إلا أن يكون مريضا ؛ فيجلس عليه مستشفيا ، ولو لا ذلك لكانت الأستار مملوءة من قذرهن كنحوها مما يعتدن القعود عليه.

ومنها : الحجر الأسود وحفظه.

ومنها : ائتلاف الظباء والسباع فيه ويتبعها فى الحل ، فإذا دخلت الحرم تركتها.

__________________

(١) إتحاف الورى ٢ / ٣٧٨ ، تاريخ الخلفاء (ص : ٣٨٢) ، تاريخ الخميس (٢ / ٣٥٠ ، درر الفرائد (ص : ٢٣٦) ، الإعلام بأعلام بيت الله الحرام (ص : ١٦٦) ، البداية والنهاية ١١ / ١٦٠ ، النجوم الزاهرة ٣ / ٢٢٤.

(٢) شفاء الغرام ١ / ١٩٤ ، تاريخ الخلفاء (ص : ٣٩٩) ، إتحاف الورى ٢ / ٣٩٦ ، دول الإسلام ١ / ٢١٠. هداية السالك ٣ / ١٣٥٨.

(٣) الحديث أخرجه : البخارى (١٥٩١). مسلم (الفتن : باب لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل) (٢٩٠٩) ، ابن حبان (٦٧٥١) ، البيهقى فى السنن ٤ / ٣٤٠ ، الحميدى (١١٤٦) ، ابن أبى شيبة (١٥ / ٤٧).

(٤) هداية السالك ٣ / ١٣٥٨ ، تاريخ الخلفاء (ص : ٣٨٣) ، إتحاف الورى ٢ / ٣٩٦ ، درر الفرائد (ص : ٢٤٢ ، ٢٤٣).

١٢٣

ويجتمع الكلب والغزال فى الحرم ، فإذا جازا من الحرم خطوة سعى الغزال وسعى الكلب فى طلبه فإن لحقه عقره ، وإن عادا إلى الحرم لم يكن له عليه سلطان.

وكذلك الطيور والصيد لا ينفّر من الحرم ولا يستوحش.

ومنها : الغيث إذا كان فى ناحية الركن اليمانى كان الخصب باليمن ، وإذا كان فى ناحية الشام كان الخصب بالشام ، وإذا عمّ البيت كان الخصب عاما.

ومنها : أن الجمار مع كثرتها تمتحق وترى على قدر واحد وإلا فينبغى أن يصير المرمى مثل أبى قبيس أو أحد ، ويروى أنه من قبلت حجته رفعت جمرته.

ومنها : أن الذباب لا يقع على الطعام فى أيام منى بل يؤكل العسل ونحوه فلا يحوم عليه مع كثرة العفونات الجالبة ، لكثرة الذباب من الدماء والأثقال الملقاة فى الطرقات ، فإذا انقضت إيام الموسم تهافت الذباب على كل طعام حتى لا يطيب للطاعم طعام.

وتلك الآيات ظاهرة لمن اعتبرها ، وعبرة مبينة لمن أمعن النظر فيها.

وعن أبى الدرداء ، قال : قلنا : يا رسول الله إن أمر منّى لعجيب ؛ هى ضيقة فإذا نزلها الناس اتسعت. فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن منى كمثل الرحم إذا حملت وسّعها الله تعالى» (١).

وذكر النقاش فى مناسكه : أن وادى مكة يتسع فى كل سنة فى أيام الموسم وكذلك منى وعرفة (٢).

وعن أبى الطفيل قال : سمعت ابن عباس رضى الله عنه سئل عن منى ، وقيل له : عجبا لضيقه فى غير الحج ؛ فقال ابن عباس : إن منى يتسع بأهله كما تتسع الرحم للولد (٣).

قال : وحدثنى أبو عبد الله ، عن الكلبى ، أن ابن عباس رضى الله عنه قال : إنما سميت منى ؛ لأن جبريل ـ عليه‌السلام ـ حين أراد أن يفارق آدم عليه‌السلام قال

__________________

(١) القرى (ص : ٥٤١).

(٢) أخبار مكة للأزرقى ٢ / ١٧٩ ، وأخبار مكة للفاكهى ٤ / ٢٧٧ ، ٢٧٨.

(٣) أخرجه : الأزرقى فى أخبار مكة ٢ / ١٧٩ من طريق يحيى بن محمد عن سليم ، والفاكهى ٤ / ٢٧٨.

١٢٤

له : ما تتمنّ؟ قال : أتمنى الجنة. فسميت منى لما تمنى فيها (١).

وقيل : إنما سميت منى لما يمنى من الدم فيها أى يراق (٢).

ومن الآيات أيضا : ما عجل من العقوبة على قوم أساءوا الأدب عند هذه الحضرة الشريفة ؛ روى أن رجلا كان يطوف بالبيت ، فلزق له ساعد امرأة ، فوضع ساعده على ساعدها متلذّذا ، فالتصق ساعداهما ، فقال بعض الصالحين : ارجع إلى المكان الذى فعلت فيه فعاهد رب البيت أن لا تعود ، ففعل فخلى عنه (٣).

وعن ابن نجيح أن إساف ونائلة ـ رجل وامرأة ـ حجا من الشام ، فقبّل أحدهما الآخر فى البيت ، فمسخا حجرين ، لم يزالا فى المسجد الحرام حتى جاء الإسلام فأخرجا (٤).

وذكر فى تاريخ المدينة : أنهما رجل وامرأة من جرهم : إساف بن بغىّ ، ونائلة بنت ديك ، فوقع إساف على نائلة فى الكعبة ، فمسخهما الله تعالى حجرين (٥) ، والله أعلم.

ويروى : أن امرأة عاذت عند البيت من زوجها الظالم ، فجاء فمد يده إليها فيبست يده وصارت شلاء (٦).

وعن بعض السلف أنه قال : رأيت فى الطواف رجلا أعمى وهو يقول فى طوافه : أعوذ بك منك. فقلت : ما هذا الدعاء؟ فقال لى : إنى مجاور منذ خمسين سنة ، فنظرت إلى شخص يوما فاستحسنته ، فسالت عينى على خدى ، فقالت :

__________________

(١) القرى (ص : ٥٤١).

(٢) أخبار مكة للأزرقى ٢ / ١٨٠ ، أخبار مكة للفاكهى ٤ / ٢٧٨.

(٣) أخرجه : عبد الرزاق فى مصنفه (٨٨٦٧) عن علقمة بن مرثد عن عبد الرحمن بن سابط ، والأزرقى فى أخبار مكة مطولا ١ / ١١٩.

(٤) مثير الغرام الساكن (ص : ٢٩١) ، أخبار مكة للأزرقى ١ / ١١٩.

(٥) أخرج نحوه الأزرقى ٢ / ٢٣ ، وفيه يزيد بن عياض بن جعدبة الليثى ، قال عنه البخارى ومسلم :منكر الحديث. وقال الترمذى : ضعيف عند أهل الحديث. وقال النسائى والدارقطنى : متروك. وقيل : هو من أكذب أهل المدينة (جامع الجرح والتعديل : ٥٠٢٤).

(٦) أخرجه : عبد الرزاق فى مصنفه (٨٨٦٦) ، والسيوطى فى الدر المنثور ١ / ٢٣١ ، والأزرقى فى أخبار مكة ٢ / ٢٥ ، وابن الجوزى فى مثير الغرام (ص : ٢٩٢).

١٢٥

آه ، فوقعت الآخرى ، فإذ سمعت قائلا يقول : لو زدت لزدناك.

اللهم نبهنا من سنة الغفلة ولا تغفلنا عند هذه الحضرة العلية عن أسرار عبادتك ، وارزقنا علما نافعا لمعرفتك ، وقلبا صادقا لمحبتك ، ولسانا ذاكرا لشكر نعمتك ، ونية خالصة لصرف طاعتك برحمتك يا أرحم الراحمين.

وعن عباس بن ربيعة عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «لا تزال هذه الأمة بخير ما عظموا هذه الحرمة حق تعظيمها ـ يعنى حرمة الكعبة والحرم ـ فإذا ضيعوا هلكوا» (١) رواه ابن ماجه.

ويروى أنه جلس كعب الأحبار ـ أو سلمان الفارسى ـ بفناء البيت فقال : شكت الكعبة إلى الله تعالى عما نصب حولها من الأصنام ، وما استقسم من الأزلام ، فأوحى الله تعالى إليها أنى منزل نورا ، وخالق بشرا يحنون إليك حنين الحمام إلى بيضه ، ويدفّون إليك دفيف النسور ، فقال له قائل : وهل لها لسان؟ قال : نعم ، وأذنان وشفتان (٢). أخرجه الأزرقى.

وعن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «لقد وعد الله تعالى هذا البيت أن يحجه كل سنة ستمائة ألف إنسان فإن نقصوا أكملهم الله تعالى بالملائكة ، وإن الكعبة تحشر كالعروس المزفوفة ، من حجها تعلق بأستارها حتى تدخلهم الجنة» (٣).

زر من هويت وإن شطّت بك الدار

وحال من دونه حجب وأستار

لا يمنعنّك بعد عن زيارته

إنّ المحبّ لمن يهواه زوّار

وقال أبو بكر النقاش : إن عدد الحاج الواردين من الآفاق ألف ألف وخمس مائة ألف إنسان ، وإن ذلك الغاية التى لا يزاد فيها ، والحد الذى لا ينقص منه هو أن تكون ستمائة ألف إنسان. كما روى فى الحديث.

__________________

(١) أخرجه : ابن ماجه (٢ / ١٠٣٨) ، أحمد فى المسند ٤ / ٣٤٧ من طريق : يزيد بن أبى زياد ، عن عبد الرحمن بن سابط ، عن عياش بن أبى ربيعة بلا واسطة ـ وذكره المحب الطبرى فى القرى (ص : ٦٣٧) وعزاه لابن الحاج فى منسكه ، وذكره الهندى فى كنز العمال ١٢ / ٢١٢ ، وعزاه لأحمد والطبرانى.

(٢) أخبار مكة للأزرقى ٢ / ٤ ، وعبد الرزاق فى مصنفه ٥ / ١٤ ، ١٨.

(٣) أخرجه : ابن جماعة فى منسكه ١ / ٤١ ، ولم يعزه لأحد.

١٢٦

ويروى : أن الملك إذا نزل إلى الأرض فى بعض أمور الله تعالى ؛ فأول ما يأمره الله تعالى به : زيارة البيت ، فينقض من [تحت] العرش محرما ملبيّا حتى يستلم الحجر ثم يطوف بالبيت سبعا ويركع ركعتين ، ثم يعمد لحاجته بعد ؛ تعظيما لهذا البيت.

وعن ابن عباس رضى الله عنهما : الكعبة محفوفة بسبعين ألف من الملائكة يستغفرون الله تعالى لمن طاف بها ويصلون عليه. رواه الفاكهى (١).

وعن جابر بن عبد الله رضى الله عنه ؛ أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إن هذا البيت دعامة الإسلام ، من خرج يؤم هذا البيت من حاج أو معتمر كان مضمونا على الله تعالى أنه إن قبضه أن يدخله الجنة ، وإن رده أن يرده بأجر وغنيمة» (٢).

وعن عمر رضى الله عنه أنه قال : من أتى هذا البيت لا ينهزه غير صلاة فيه ؛ رجع كيوم ولدته أمه (٣).

وقوله : لا ينهزه ، أى لا يحمله على ذلك غير الصلاة فيه.

وعن ابن عباس رضى الله عنهما قال : كانت الأنبياء عليهم‌السلام يدخلون الحرم حفاة مشاة تعظيما له (٤).

ويقال : إن الكعبة منذ خلقها الله تعالى ما خلت عن طائف جن أو أنس أو ملك (٥).

قال بعض السلف : خرجت فى يوم ذات سموم وقت الهاجرة فقلت : إن خلت الكعبة عن طائف فى حين فهذا الحين ، ورأيت المطاف خاليا ، فدنوت ، فرأيت حية عظيمة رافعة رأسها تطوف حول البيت وتستلم الركن فى كل شوط (٦).

__________________

(١) أخرجه : الفاكهى فى أخبار مكة ١ / ١٩٦.

(٢) أخرجه : الأزرقى فى أخبار مكة ٢ / ٣ عن الزنجى عن أبى زبير ، والهيثمى فى مجمع الزوائد ٣ / ٢٠٩ ، وعزاه للطبرانى فى الأوسط ، وفيه : محمد بن عبد الله بن عبيد الله بن عمير ، وهو متروك ، وأخرجه ابن جماعة فى منسكه ١ / ٢٦ ، ٤٢ ، وعزاه للأزرقى.

(٣) أخرجه : ابن جماعة فى منسكه ١ / ٥٥ ، وعزاه لسعيد بن منصور.

(٤) أخرجه : ابن ماجه (٩٨٠).

(٥) القرى (ص : ٣٢٩) ، وعزاه لابن الصلاح فى منسكه.

(٦) أخرجه : ابن أبى الدينا فى الهواتف (١٥٧) ، والمحب الطبرى فى القرى (ص : ٣٢٩).

١٢٧

الفصل الثانى والعشرون

فى ذكر فضائل الحج وعظم أمره وشرف قدره

وفيه آيات ظاهرة ودلالات باهرة ، ومن جملتها : أنه من دعائم الإسلام التى أسس عليها بناؤه ، والعلم [فى] هذا مستفيض حتى أمن إخفاؤه وأكمل به الدين وأتمّ به نعمته.

قال الله تعالى : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً)(١).

قال بعض اليهود : لو نزلت هذه الآية علينا لاتخذنا ذلك اليوم عيدا (٢).

قال عمر رضى الله عنه : والله إنى لأعلم فى أى وقت نزلت ، وفى أى مكان ؛ نزلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو واقف على ناقته فى الموقف فى حجة الوداع (٣).

وناهيك بطاعة ، أكمل الله تعالى بها فى يومها الدين ، وجعلها تماما للنعمة ، وأخبر عندها أنه رضى دين الإسلام دينا لهذه الأمة.

قيل : لما نزلت هذه الآية على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بركت ناقته أحد وثمانين يوما من ثقل الوحى ، وعاش رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد نزولها أحد وثمانين يوما.

ومنها : أنه متضمن الدخول فى جملة المخلصين ، والاختلاط بالأبدال والصالحين ، والأنغماس فى دعاء المقبولين والمقربين.

ومنها : أنه حلول بحضرة المعبود ، ووقوف على باب الجود ، ومشاهدة لذلك المشهد العلى ، وإلمام بمعهد العهد الربانى ، ولا يخفى أن نفس الكون بتلك الأماكن

__________________

(١) سورة المائدة : آية ٣.

(٢) أخرجه : البخارى (الإيمان : باب زيادة الإيمان ونقصانه) ١ / ١٣ ـ ١٤.

(٣) أخرجه : البخارى ٧ / ١٠٨ ، مسلم ٤ / ٢٣١٣ ، أحمد فى المسند ١ / ٢٨ ، الترمذى ١١ / ١٧١ ، النسائى (٣٠٠٢) ، البيهقى فى السنن ٥ / ١١٨ ، البيهقى فى الشعب (٤٠٦٧) ، والطبرانى فى الأوسط (٨٣٤).

١٢٨

شرف وعلو ، وأن التردد فى تلك المواطن فخار وسمو ، وحسبك فى هذا ما يحكى عن مجنون بنى عامر :

رأى المجنون فى البيداء كلبا

فجرّ عليه للإحسان ذيلا

فلاموه على ما كان منه

وقالوا لم منحت الكلب نيلا

فقال دعوا الملام فإنّ عينى

رأته مرّة فى حىّ ليلى

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الحجاج والعمار وفد الله وأضيافه ، وإن سألوا أعطوا ، وإن دعوا أجيبوا ، وإن أنفقوا خلف الله عليهم ، والذى نفس أبى القاسم بيده ؛ ما أهل مهل ، ولا كبر مكبر ، على شرف من الأشراف إلا هلل ما بين يديه ، وكبر بتكبيره حتى ينقطع مبلغ التراب» (١).

وفى بعض الأخبار : وفد الله وزواره ثلاثة : الحاج ، والمعتمر ، والمجاهد (٢) ؛ فما ظنكم بأكرم مزور ، وأرحم من وفد على جوده.

وعن أبى هريرة ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من أتى هذا البيت فلم يرفث ، ولم يفسق ، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه» (٣).

وسأل رجل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن الحاج حين يقضى آخر طوافه بالبيت ، قال :«يستقبله ملك على الركن فيغشيه بجناحه ويقول : يا عبد الله استأنف العمل لما بقى ؛ فقد كفيت ما مضى» (٤).

ومنها : ما روى مع ذلك من تنزل الرحمة على الحجيج ، ومباهاة الله تعالى ملائكته بذلك الضجيج.

وعن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يهبط الله تعالى يوم عرفة

__________________

(١) أخرجه : البيهقى فى الشعب (٤١٠٤) ، والفاكهى فى أخبار مكة ١ / ٤١٥ ، وابن عدى فى الكامل ٦ / ٢٢٠٤ من طريق محمد بن أبى حميد ، وذكره السيوطى فى الكبير ١ / ٤٠٥ ، وعزاه للبيهقى فى الشعب.

(٢) الديلمى فى الفردوس (١٥٠٩) ، والأصفهانى فى الترغيب (١٠٣٥).

(٣) أخرجه : ابن جماعة فى منسكه ١ / ٥٥ ، الفوائد المجموعة للشوكانى (١٠٦).

(٤) أخرجه : الأزرقى فى أخبار مكة ٢ / ٤ ، من طريق يحيى بن سعيد القداح ، وهو ضعيف له مناكير ؛ كما فى ضعفاء العقيلى ٤ / ٤٠٤.

١٢٩

إلى السماء الدنيا فيباهى بأهل الموقف ملائكة السماء ، ويقول : انظروا إلى عبادى ، جاءونى شعثا غبرا ملبين من كل فج عميق وواد سحيق يرجون رحمتى ومغفرتى ، اشهدوا ملائكتى أنى قد غفرت لهم ذنوبهم ولو كانت كعدد الرمل أو كعدد القطر أو كزبد البحر» (١).

وقد ورد الأثر فى كثرة عتق الله تعالى فيه الرقاب من ربقة الآثام ، وتجاوزه فى ذلك الموقف الشريف عن الذنوب العظام.

وعن ابن عمر ـ رضى الله عنهما ـ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا أو أمة من النار من يوم عرفة» (٢).

وعن طلحة بن عبد الله ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما رؤى الشيطان يوما هو فيه أصغر ولا أدحر ولا أحقر ولا أغيظ منه فى يوم عرفة» (٣) يحثو التراب على رأسه ويدعو بالويل والثبور على نفسه ، ويقول : يا ويلتاه ، جميع ما بنيته فى العمر الطويل بجهد الاستطاعة هدمه ابن آدم بفعله هذه الطاعة ، وما ذلك إلا لما يرى من تنزل الرحمة وتجاوز الله تعالى عن الذنوب العظام ، فعظم بذلك الموقف قدرا وأكرم بذلك المقام عزّا ، بلّغ الله إلى ذلك اليوم كل مشتاق إليه ونبه كل معرض عنه بالإقبال عليه.

عن أنس بن مالك ـ رضى الله عنه ـ قال : كنت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى مسجد الخيف ، فجاءه رجلان أحدهما أنصارى ، والآخر ثقفى ، فسلما عليه ودعوا له وقالا : جئناك يا رسول الله نسألك. فقال : «إن شئتما خبّرتكما عما جئتما تسألانى عنه ، وإن شئتما سكت فتسألانى» ، فقالا : بل أخبرنا يا رسول الله نزدد إيمانا ـ أو قالا : يقينا ، شك الراوى ـ فقال الأنصارى للثقفى فاسأل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عما

__________________

(١) أخرجه : البغوى فى شرح السنة (١٩٢٣) ، وابن عبد البر فى التمهيد ١ / ١٢٠ ، وابن منده فى التوحيد ١ / ١٤٧ ، وابن خزيمة (٢٨٤٠) ، وابن حبان (١٠٠٦) ، والبيهقى فى الشعب (٤٠٦٨).

(٢) أخرجه : مسلم (الحج : ٤٣٦) ، ابن ماجه (٣٠١٤) ، النسائى (٣٠٠٣) ، الدارقطنى فى السنن ٢ / ٣٠١ ، البيهقى فى السنن ٥ / ١١٨.

(٣) أخرجه : مالك فى الموطأ ٢ / ٣٩٥ ، عبد الرزاق فى مصنفه (٨١٢٥) ، البيهقى فى الشعب (٤٠٦٩).

١٣٠

جئت له ، فقال الثقفى : بل أنت تقدّم فإنى أعرف لك حقّا ، قال : أخبرنى يا رسول الله عما جئت أسألك عنه ، قال : «جئتنى تسألنى عن مخرجك من بيتك تؤمّ البيت الحرام وما لك فيه ، وعن طوافك بالبيت وما لك فيه ، وعن الركعتين بعد الطواف وما لك فيهما ، وعن طوافك بين الصفا والمروة وما لك فيه ، ومن موقفك عشية عرفة وما لك فيه ، وعن رميك الجمار وما لك فيه ، وعن نحرك هديك وما لك فيه ، وعن حلاقك رأسك وما لك فيه ، وعن طوافك بعد ذلك وما لك فيه» فقال : والذى بعثك بالحق إنه الذى جئت أسألك عنه لم تخطئ منه شيئا.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إذا خرجت من بيتك تؤم البيت الحرام : لا تضع ناقتك خفا ولا ترفعه إلا كتب الله لك بها حسنة ومحى عنك بها خطيئة ورفع لك بها درجة. وأما طوافك بالبيت : فإنك لا تضع قدما ولا ترفعها إلا كتب الله لك بها حسنة ومحى عنك بها خطيئة ورفع لك بها درجة ، وأما ركعتاك بعد الطواف : فعتق رقبة من ولد إسماعيل. وأما طوافك بين الصفا والمروة : فعدل سبعين رقبة.

وأما وقوفك عشية عرفة : فإن الله تعالى يهبط إلى السماء الدنيا فيباهى بكم الملائكة فيقول : هؤلاء عبادى جاءونى شعثا غبرا من كل فج عميق يرجون رحمتى ، ويخافون عذابى ، فلو كانت ذنوبهم كعدد الرمل وكعدد القطر أو كزبد البحر لغفرتها ، أفيضوا عبادى مغفورا لكم ولمن شفعتم له. وأما رميك الجمار :فيغفر لك بكل حصاة رميتها كبيرة من الكبائر الموبقات الموجبات. وأما نحرك :فمدخر لك عند ربك. وأما حلاقك رأسك : فلك بكل شعرة حلقتها حسنة وتمحى عنك بها خطيئة» فقال : يا رسول الله أرأيت إن كانت الذنوب أقل من ذلك؟ فقال : «إذا مدخر فى حسناتك ، وأما طوافك بالبيت بعد ذلك ـ يعنى طواف الإفاضة ـ فإنك تطوف ولا ذنب عليك ، ويأتى ملك حتى يضع كفه بين كتفيك فيقول لك : اعمل لما قد بقى ، فقد كفيت ما مضى» (١).

والحج قسيم التوحيد فى تكفير ما سلف من الذنوب.

__________________

(١) أخرجه : ابن حبان مختصرا فى موارد الظمآن (٢٣٩ ـ ٢٤٠) والبزار والطبرانى فى الكبير فى حديث طويل عن ابن عمر ، ورجال البزار موثقون ، ذكر ذلك الهيثمى فى مجمع الزوائد ٣ / ٢٧٤.

١٣١

وعن عمرو بن العاص قال : لما جعل الله الإسلام فى قلبى : أتيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقلت : يا رسول الله ابسط يدك فلأبايعك ، فبسط ، فقبضت يدى ، فقال : «ما لك يا عمرو؟» قلت : أشترط ، قال : «تشترط ماذا»؟ قلت : أن يغفر الله لى ، قال :«أما علمت أن الإسلام يهدم ما قبله ، وأن الهجرة تهدم ما قبلها ، وأن الحج يهدم ما قبله» (١).

واختصاصه بوفد الله تعالى. قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الحجاج والعمار وفد الله وزواره» (٢).

ويحكى عن أبى سهل بن يوسف أنه قال : رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى المنام ، فقلت : يا رسول الله استغفر لى. فقال : «أحججت؟» قلت : نعم ، قال : «وحلقت رأسك بمنى؟» قلت : نعم ، قال : «رأس حلق بمنى لا تمسه النار».

وعن بلال بن رباح أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال له بمزدلفة : «يا بلال أسكت الناس ـ أو قال : أنصت الناس ـ ثم قال : «إن الله تعالى تطوّل عليكم فى جمعكم هذا ؛ فوهب مسيئكم لمحسنكم ، وأعطى لمحسنكم ما سأل ، ادفعوا باسم الله» (٣).

وعن العباس بن مرداس السلمى ، أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم دعا لأمته عشية عرفة بالمغفرة فأجيب : أنى قد غفرت لهم ما خلا ظلم بعضهم بعضا ؛ فإنى آخذ للمظلوم من الظالم. فقال النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أى رب إنك لقادر على أن تغفر للظالم وتعوض المظلوم من عندك خيرا من مظلمته» فلم يجب صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى ذلك فى تلك العشية. فلما كان من الغد ، وقف صلى‌الله‌عليه‌وسلم عند المشعر الحرام وأعاد الدعاء لهم وتضرع إلى الله تعالى فى أن يتحمل عنهم المظالم والتبعات ، فلم يلبث صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن تبسم فقال له أصحابه : مم ضحكت أضحك الله سنك يا رسول الله؟ فقال : «إن عدو الله إبليس لما علم أن الله تعالى قد استجاب دعائى فى أمتى وغفر لهم المظالم فذهب يدعو بالويل والثبور

__________________

(١) أخرجه : مسلم فى حديث طويل ذكره عمرو بن العاص عند ما حضره الموت (كتاب الإيمان : باب كون الإسلام يهدم ما قبله) ١ / ٧٨.

(٢) أخرجه : ابن حبان فى موارد الظمآن (ص : ٢٤).

(٣) أخرجه : ابن ماجه (٣٠٢٤) ، وعزاه المحب الطبرى فى «القرى» لابن المبارك والمنذرى فى الترغيب بصيغة تشير إلى الضعف.

١٣٢

ويحثو على رأسه التراب ، فأضحكنى ما رأيت من جزعه». أخرجه ابن ماجه (١).

وعن عائشة رضى الله عنها ، أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة» رواه مسلم (٢).

ويحكى عن على بن الموفق أنه قال : حججت فى بعض السنين فنمت ليلة عرفة فى مسجد الخيف ، فرأيت فى المنام كأن ملكين نزلا من السماء فنادى أحدهما لصاحبه : يا عبد الله. فقال : لبيك يا عبد الله ، قال : أتدرى كم حج بيت ربنا فى هذه السنة؟ قال : لا ، قال : حجه ستمائة ألف نفر ، ثم قال : أفتدرى كم قبل منهم؟ قال : لا ، قال : ستة أنفس ، قال : ثم ارتفعا فى الهواء وغابا عنى ، فانتبهت فزعا مرعوبا ، وأغتممت غمّا شديدا ، وأهمنى أمرى ، وقلت إذا لم يكن المقبولون غير ستة أنفس ، فأين أكون أنا فى ستة أنفس! فلما أفضت من عرفات وبت عند المشعر الحرام وجعلت أفكر فى كثرة الخلق وقلة من قبل منهم ، فغلبنى النوم ، فإذا أنا بالملكين قد نزلا بعينهما ، فأعاد المتكلم منهما فى الليلة الماضية حديثه بجملته ، ثم قال بعد ذلك لصاحبه : أفتدرى ماذا حكم ربنا فى هذه الليلة؟ قال : لا ، قال : فإنه وهب لكل واحد من الستة الأنفس مائة ألف ، فقبل الجميع ببركتهم ، قال : فانتبهت وبى من السرور فى الجنان ما يجلّ عن الوصف والبيان باللسان!! (٣).

ومنها : ما يتفضل الله تعالى فى حق عباده وهو أعظم من ذلك كله نعمة وأعم منه تفضلا ، ما روى : أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة» (٤).

فأكرم بعباده لم يقتصر فى ثوابه على ذكر تكفير الذنوب ولم يرض فى جزائها إلا بإنالة المرام الأعظم ، وبلوغ عين المطلوب وهو الجنة.

__________________

(١) أخرجه : ابن ماجه (٣٠١٣) ، أحمد فى المسند ٤ / ١٥ ، وفى سنده عبد الله بن كنانه ، قال عنه البخارى : لم يصح حديثه.

(٢) أخرجه : مسلم ٤ / ١٠٧ ، النسائى ٥ / ٢٥١.

(٣) مثير الغرام الساكن (ص : ٣٦٦).

(٤) أخرجه : البخارى (١١٧٣) ، مسلم ٤ / ١٠٧ ، الترمذى (٩٣٣) ، أحمد فى المسند ٢ / ٢٤٦ ، ابن ماجه (٢٨٨٨) ، البيهقى فى السنن ٥ / ٢٦١ ، النسائى (٢٦٢١) ، البيهقى فى الشعب (٤٠٩١) ، مالك فى الموطأ ٢ / ٢٦٨ ، عبد الرزاق فى مصنفه (٨٧٩٨) ، ابن خزيمة (٣٠٧٢) ، الحميدى (١٠٠٢).

١٣٣

ونوع آخر من البشارة ؛ وهو فى غاية الشرف وكمال المراد ما روى : أنه أفضل الأعمال بعد الإيمان والجهاد : الحج. عن أبى هريرة رضى الله عنه قال : سئل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أى الأعمال أفضل؟ قال : «إيمان بالله ورسوله» قيل : ثم ماذا؟

قال : «ثم جهاد فى سبيل الله» قيل : ثم ماذا؟ قال : «ثم حج مبرور» وهذا متفق عليه (١).

والمبرور الذى لا يخالطه إثم ، وقيل : المتقبل ، وقيل : الذى لا رياء فيه ولا سمعة ولا رفث ولا فسوق. وقيل : الذى لا معصية بعده.

وقال الحسن البصرى : الحج المبرور : أن يرجع الحاج زاهدا فى الدنيا راغبا فى الآخرة (٢).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أفضل الجهاد وأجمله حج مبرور» (٣).

وعن أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما ، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة». متفق عليه (٤).

ومعناه أنه لا يقتصر فيه على تكفير بعض الذنوب بل لا بد أن يبلغ به إلى الجنة.

وفى صحيح البخارى من حديث عائشة ـ رضى الله عنها ـ قالت : قلت : يا رسول الله ، ألا نغزو ونجاهد معكم؟ فقال : «أحسن الجهاد وأجمله الحج حج مبرور» (٥).

وعن عائشة ـ رضى الله عنها ـ قالت : قلت : يا رسول الله نرى الجهاد أفضل الأعمال أفلا نجاهد؟ فقال : «لكنّ أفضل الجهاد حج مبرور». رواه البخارى (٦).

__________________

(١) أخرجه : البخارى (كتاب الإيمان : باب من قال : إن الإيمان هو العمل) ١ / ١٠ ، مسلم (الحج : فضل الحج المبرور) ٢ / ١٣٣.

(٢) أخرجه : الأصبهانى فى الترغيب (١٠٧٢).

(٣) هداية السالك ١ / ٨.

(٤) أخرجه : البخارى (باب العمرة) ٣ / ٢ ، مسلم ٤ / ١٠٧.

(٥) أخرجه : البخارى (فضل الحج) ٢ / ١٣٣ ، النسائى ٥ / ١١٤ ، ١١٥.

(٦) أخرجه : البخارى (١٥٢٠) ، ابن ماجه (٢٩٠١) ، أحمد فى المسند ٦ / ٧١ ، النسائى (٢٦٢٧) ، ـ البيهقى فى السنن ٤ / ٣٢٦ ، ابن خزيمة (٣٠٧٤) البغوى فى شرح السنة (١٨٤٨).

١٣٤

وعن جابر رضى الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة». قالوا : يا رسول الله ، ما بر الحج؟ قال : «إطعام الطعام ، وإفشاء السلام» (١). أخرجه الإمام أحمد وأخرجه الذهبى. وقال : «وطيب الكلام» مكان «إفشاء السلام» (٢).

وعن أبى موسى قال : الحاج يشفع فى أربعة مائة من أهل بيته ، ويبارك له فى أربعين بعيرا فى أمهات البعير الذى حمله ، ويخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه ، وإذا حج على البعير سبع مرات كان حقّا على الله عز وجل أن يرعى فى رياض الجنة ، فقال رجل : يا أبا موسى إنى كنت أعالج الحج وقد ضعفت وكبرت ، فهل من شىء يعدل الحج؟ فقال : تستطيع ، أن تعتق سبعين رقبة من ولد إسماعيل ، فأما الحل والرحيل فما أجد له عدلا أو قال مثلا (٣) .. رواه عبد الرزاق.

وعن أبى ذر وقد مر به أقوام فقال : من أين أقبلتم؟ قالوا : من مكة ، قال : أمن البيت العتيق؟ قالوا : نعم. قال : معكم تجارة ولا بيع ، قالوا : لا ، قال : استقبلوا العمل فأما ما سلف فقد كفيتموه (٤). رواه سعيد بن منصور.

وروى سعيد أيضا ، وعبد الرزاق فى مصنفه : أن رجلا جاء إلى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : إنى أريد الجهاد فى سبيل الله ، فقال : «ألا أدلك على جهاد لا شوكة فيه؟» قال : بلى ، قال : «حج البيت» (٥).

__________________

(١) أخرجه : البخارى (١١٧٣) ، مسلم ٤ / ١٠٧ ، ابن ماجه (٢٨٨٨) ، وقد سبق تخريجه.

(٢) أخرجه : أحمد فى المسند ٣ / ٣٢٥ ، الحاكم فى المستدرك (١٧٧٨) ، وعبد الرزاق فى مصنفه (٨٨١٧) ، البيهقى فى الشعب (٤١١٩) وفيه «طيب الكلام وإطعام الطعام» ، والبيهقى فى السنن ٥ / ٦٦٢ ، وقال الهيثمى فى مجمع الزوائد ٣ / ٢٠٧ : إسناده حسن.

(٣) أخرجه : عبد الرزاق فى مصنفه ٥ / ٦ ، ٧ ، هكذا موقوفا من كلام أبى موسى ، وفيه عبد الله بن عيسى الجندى تكلم فيه الذهبى ، ووافقه ابن حجر فى لسان الميزان ٣ / ٣٢٣ ، ورواه الهيثمى فى مجمع الزوائد ٣ / ٢١١ ، وعزاه للبزار.

(٤) أخرجه : سعيد بن منصور ٢ / ١٣٤ ، ومالك فى الموطأ ١ / ٤٢٤ مطولا ، وسنده صحيح.

(٥) أخرجه : عبد الرزاق فى مصنفه ٥ / ٧ ـ ٨ وسعيد بن منصور ٢ / ١٣٤ ، عن على بن حسين والشفاء بنت عبد الله.

١٣٥

وروى عبد الرزاق ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «حجوا تستغنوا» (١).

وعن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «جهاد الكبير والصغير والضعيف والمرأة الحج والعمرة». رواه النسائى (٢).

وعن أبى سعيد الخدرى ـ رضى الله عنه ـ أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «قال الله تعالى : إن عبدا صححت جسمه ، ووسعت عليه فى المعيشة ، يمضى عليه خمسة أعوام لا يفد إلىّ لمحروم». رواه ابن أبى شيبة ، وابن حبان فى صحيحه (٣).

قال ابن وضاح : يريد الحج وهو محمول على الاستحباب والتأكيد فى هذه المدة.

وعن عبد الله بن عباس رضى الله عنهما قال : إن أمرأة قالت : يا رسول الله إن فريضة الله تعالى على عباده فى الحج أدركت أبى شيخا كبيرا لا يثبت على الراحلة ، أفأحج عنه؟ قال : «نعم». متفق عليه (٤).

وعن لقيط بن عامر ، أنه أتى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : إن أبى شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا العمرة ولا الظعن. فقال : «حج عن أبيك واعتمر». رواه أبو داود والترمذى وقال : حديث حسن صحيح (٥).

وعن السائب بن يزيد رضى الله عنه قال : حجّ بى مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى حجة الوداع وانا ابن سبع سنين. رواه البخارى.

__________________

(١) أخرجه : عبد الرزاق ٥ / ١٠ ، والديلمى فى الفردوس. والحديث مرسل وفى سنده ضعف ، كما فى الجامع الصغير وفتح القدير ٣ / ٣٧٣.

(٢) أخرجه : النسائى ٥ / ١١٣ ، والهيثمى فى مجمع الزوائد ٣ / ٢٠٦ ، وعزاه لأحمد ، وقال : رجال أحمد رجال الصحيح ، وفى ابن ماجه (٢٩٠٢) عن أم سلمة مرفوعا : «الحج جهاد كل ضعيف».

(٣) أخرجه : ابن حبان فى موارد الظمآن (ص : ٢٣٩) ، والهيثمى فى مجمع الزوائد ٢ / ٢٠٦ ، وعزاه للطبرانى فى الأوسط وأبو يعلى ورجالهما رجال الصحيح.

(٤) أخرجه : أحمد ١ / ٣٤٦ ، أبو يعلى (٦٧٠٥) ، مالك فى الموطأ (٨١٥) ، ابن حبان (٣٩٨٩) ، ابن ماجه (٢٩٠٧).

(٥) أخرجه : أبو داود (١٨٠٩) ، الترمذى (٩٢٨).

١٣٦

وعن عمر رضى الله عنه قال : إذا وضعتم السروج فشدوا الرحال للحج والعمرة ؛ فإنهما أحد الجهادين. أخرجه عبد الرزاق (١).

وفى رواية ابن ماجه : «الحجاج والعمار وفد لله ، إن دعوه أجابهم ، وإن استغفروه غفر لهم» (٢).

وعن أبى هريرة رضى الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اللهم اغفر للحاج ولمن استغفر له الحاج» رواه البيهقى وصححه الحاكم (٣).

وعن عمر رضى الله عنه ، عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : استأذنه فى العمرة فأذن له وقال :«يا أخى لا تنسنا فى دعائك» (٤).

وفى لفظ آخر : «يا أخى أشركنا فى دعائك» (٥).

وعن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يستجاب للحاج من حين يريد مكة إلى أن يرجع إلى أهله وفضل أربعين يوما» (٦).

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «إذا لقيت الحاج فصافحه وسلم عليه ومره أن يستغفر لك قبل أن يدخل بيته ؛ فإنه مغفور له». رواه الإمام أحمد (٧).

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «خمس دعوات لا ترد : دعوة المظلوم حتى ينصر ، ودعوة الحاج حتى يصدر ، ودعوة الغازى حتى يرجع ، ودعوة المريض حتى يبرأ ، ودعوة الأخ لأخيه بالغيب ، وأسرع هؤلاء الدعوات إجابة ؛ دعوة الأخ لأخيه

__________________

(١) أخرجه : عبد الرزاق فى مصنفه ٥ / ٧ ، ابن جماعة فى هداية السالك ١ / ١٥.

(٢) أخرجه : البيهقى فى الشعب (٤١٠٤) ، ابن عدى فى الكامل ٦ / ٢٢٠٤ ، ابن ماجه فى موارد الظمآن (ص : ٢٤٠) والسنن (٢٨٩٢) ، الترغيب والترهيب ٢ / ١٦٧.

(٣) أخرجه : البيهقى فى السنن ٥ / ٢٦١ ، والحاكم فى المستدرك ١ / ٤٤١ ، وصححه على شرط مسلم ، ووافقه الذهبى.

(٤) أخرجه : أحمد فى المسند ١ / ٢٩ ، ٢ / ٥٩.

(٥) أخرجه : الترمذى ٥ / ٥٥٩ ـ ٥٦٠ ، وقال : هذا حديث حسن ، أبو داود ٢ / ٨٠ ، ابن ماجه (٢٨٩٤).

(٦) أخرجه : ابن جماعة فى هداية السالك ١ / ١٦ ، ولم يعزه.

(٧) أخرجه : أحمد ٢ / ٦٩ ، وفى سنده محمد بن عبد الرحمن بن البيلمانى وهو ضعيف.

١٣٧

بالغيب». أخرجه الحافظ منصور بن عبد الله بن محمد بن الوليد (١).

وعن أبى أمامة وواثلة ، قالا : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أربعة حق على الله تعالى عونهم : الغازى ، والمتزوج ، والمكاتب ، والحاج» أخرجه الشيخ محب الدين الطبرى المكى (٢).

وعن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما أمعر حاج». رواه الفاكهى فى أخبار مكة (٣). ومعناه : ما افتقر. وقيل : ما فنى زاده. وقيل : ما انقطع به إلا حمل ، وهو بالعين والراء المهملتين.

وقال ابن عباس : لو يعلم المقيمون ما للحاج عليهم لأتوهم حتى يقبلوا رواحلهم تعظيما لهم (٤).

وقال حجة الإسلام محمد الغزالى رحمه الله : أنه كان من سنة السلف أن يستقبلوا الحاج ، ويقبلوا بين أعينهم ، ويسألوهم الدعاء ، ويبادروا إلى ذلك قبل أن يتدنسوا بالآثام (٥).

وقال سعيد بن جبير : ما أتى هذا البيت طالب حاجة قط دينا ودنيا إلا رجع بحاجته.

وعن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أنه قال للسائل عن خروجه من بيته يؤم البيت الحرام أن له بكل وطأة تطأها دابته حسنة وتمحى عنه بها سيئة. رواه عبد الرزاق (٦).

وعن جابر بن عبد الله ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من قضى نسكه ، وسلم

__________________

(١) أخرجه : الهندى فى كنز العمال ٢ / ٩٨ ، وعزاه للبيهقى فى السنن.

(٢) أخرجه : الترمذى (١٦٥٥) ، وقال : حديث حسن ، والنسائى ٦ / ٦١ ، والديلمى فى الفردوس (١٥٠٩) ، والأصبهانى فى الترغيب (١٠٣٥).

(٣) أخرجه : الفاكهى فى أخبار مكة ١ / ٤٠٦ مرسلا ، والهيثمى فى مجمع الزوائد ٣ / ٢٠٨ ، وعزاه للطبرانى فى الأوسط ، والبزار ، عن جابر بن عبد الله مرفوعا ، ورجاله رجال الصحيح.

(٤) هداية السالك ١ / ١٨.

(٥) هداية السالك ١ / ١٨.

(٦) أخرجه : عبد الرزاق فى مصنفه (٨٨٣٠) ، والهيثمى فى مجمع الزوائد ٣ / ٢٧٥ ، وعزاه إلى البزار والطبرانى فى الكبير.

١٣٨

الناس من لسانه ويده ؛ غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر».

وحكى القاضى أبى الفضل عياض فى كتاب «الشفا» عن بعض شيوخ العرب : أن قوما أتوه فأعلموه أن كتامة قتلوا رجلا وأضرموا عليه النار فلم تعمل فيه وبقى أبيض البدن ، فقال لهم : لعله حج ثلاث حجج ، فقالوا : نعم. فقال : حدّثت أن من حج مرة أدى فرضه ، ومن حج ثانية داين ربه ، ومن حج ثلاث حجج حرّم الله تعالى شعره وبشره على النار (١).

__________________

(١) هداية السالك ١ / ٢٠.

١٣٩

الفصل الثالث والعشرون

فى ذكر فضائل العمرة فى شهر رمضان

عن ابن عباس رضى الله عنهما ـ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأمرأة من الأنصار :«ما منعك أن تحجى معنا»؟ فقالت : لم يكن لنا إلا ناضحان ، حج أبو ولدى وابنى على ناضح وترك لنا ناضحا ننضح عليه. قال عليه‌السلام : «فإن جاءك شهر رمضان فاعتمرى ؛ فإن عمرة فى رمضان تعدل حجة». متفق عليه (١).

وفى طريق آخر لمسلم : «فعمرة فى رمضان تعدل حجة أو حجة معى» (٢).

وفى رواية أبى داود والطبرانى والحاكم من حديث ابن عباس : «تعدل حجة معى» (٣) من غير شك.

__________________

(١) أخرجه : ابن حبان (٣٦٩٩) ، الطبرانى فى الكبير (١١٤١٠) ، البيهقى فى السنن ٤ / ٣٤٦.

(٢) أخرجه : البخارى (١٧٨٢) ، مسلم ٣ / ٢٠٠ ، ابن ماجه (٢٩٩٢) ، ابن حبان (٣٧٠٠) ، ابن خزيمة (٣٠٧٧).

(٣) أخرجه : أبو داود (١٩٩٠) ، الطبرانى فى الكبير (١١٢٩٩ ، ١١٣٢٢).

١٤٠