إثارة التّرغيب والتّشويق إلى المساجد الثّلاثة والبيت العتيق

محمّد بن إسحاق الخوارزمي

إثارة التّرغيب والتّشويق إلى المساجد الثّلاثة والبيت العتيق

المؤلف:

محمّد بن إسحاق الخوارزمي


المحقق: دكتور مصطفى محمّد حسين الذّهبي
الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: مكتبة نزار مصطفى الباز
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٠

الفصل السادس عشر

فى ذكر حج إبراهيم عليه‌السلام وآذانه بالحج

وحج الأنبياء عليهم‌السلام بعده وطواف الأنبياء بعده

عن محمد بن إسحاق ، قال : لما فرغ إبراهيم ـ خليل الرحمن ـ من بناء البيت الحرام ، وجاءه جبريل ـ عليه‌السلام ـ فقال : طف به سبعا ، فطاف به سبعا هو وإسماعيل ؛ يستلمان الأركان كلها فى كل طواف ، فلما أكملا السبع هو وإسماعيل صليا خلف المقام ركعتين. قال : فقام معه جبريل ، فأراه المناسك كلها : الصفا ، والمروة ، ومنى ، ومزدلفة ، وعرفة. قال : فلما دخل منى وهبط من العقبة ؛ تمثل له إبليس عند جمرة العقبة ، فقال له جبريل : ارمه ، فرماه إبراهيم بسبع حصيات ، فغاب عنه ، ثم برز له عند الجمرة الوسطى ، فقال له جبريل : ارمه ، فرماه إبراهيم ـ عليه‌السلام ـ بسبع حصيات ، فغاب عنه ، ثم برز له عند الجمرة السفلى ، فقال له جبريل : ارمه ، فرماه بسبع حصيات مثل حصى الحذف ، فغاب عنه إبليس.

ثم مضى إبراهيم ـ عليه‌السلام ـ فى حجه وجبريل يوقفه على المواقف ، ويعلمه المشاعر والمناسك حتى انتهى إلى عرفة ، فلما انتهى إليها ، قال له جبريل : أعرفت مناسكك؟ قال إبراهيم : نعم ، فيقال : سميت عرفات لذلك ، أى : لقوله أعرفت مناسكك؟ ثم أمر الله ـ تعالى ـ إبراهيم ـ عليه‌السلام ـ أن يؤذن فى الناس بالحج ، فقال إبراهيم : يا رب ، وأين يبلغ صوتى؟ قال الله تعالى : أذن وعلىّ البلاغ. قال : فعلا إبراهيم على المقام ـ وقيل : على جبل أبى قبيس ـ فأشرف به حتى صار كأرفع الجبال وأطولها ، فجمعت له الأرض يومئذ : سهلها وجبلها ، برها وبحرها ، إنسها وجنها ، حتى أسمعهم جميعا ، فأدخل أصبعيه فى أذنيه ، وأقبل بوجهه يمينا وشمالا ، وشرقا وغربا ، وبدأ بشق اليمن ، فقال : أيها الناس ، كتب الله عليكم حج البيت العتيق ، فأجيبوا ربكم ، فأجابوه فى أصلاب الآباء وأرحام الأمهات ،

١٠١

من تحت النجوم السبعة ، ومن بين المشرق والمغرب إلى منقطع التراب من أقطار الأرض كلها : لبيك داعى ربنا ، لبيك اللهم لبيك.

قال : وكانت الحجارة على ما هى عليه اليوم ؛ إلا أن الله تعالى أراد أن يجعل المقام آية ، وكان أثر قدميه فى المقام إلى اليوم (١).

قال : أفلا تراهم إلى اليوم يقولون : لبيك اللهم لبيك. قال : فكل من حج إلى اليوم ممن أجاب إبراهيم ـ عليه‌السلام ـ وإنما حجهم على قدر إجابتهم يومئذ ؛ فمن حج فقد كان أجابه مرة ، ومن حج حجتين فقد كان أجاب مرتين ، أو ثلاثا ، فثلاثا على هذا (٢).

وقال زهير بن محمد : إن أول من أجابه أهل اليمن.

وقال : وأثر قدمى إبراهيم فى المقام آية ؛ وذلك قوله تعالى : (فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً)(٣) .. الآية.

قال ابن إسحاق : وبلغنى أن آدم ـ عليه‌السلام ـ كان استلم الأركان كلها قبل إبراهيم ـ عليه‌السلام ـ وحج إسحاق وسارة أمه من الشام ، وكان إبراهيم ـ عليه‌السلام ـ يحجه كل سنة على البراق. قال : وحجت الأنبياء ـ عليهم‌السلام ـ والأمم.

وعن مجاهد ـ أيضا ـ أنه قال : حج موسى ـ عليه‌السلام ـ على جمل أحمر فمر بالروحاء ، عليه عباءتان قطوانيتان مئتزرا بأحدهما ، مرتد بالأخرى ، فطاف بالبيت ، ثم طاف بين الصفا والمروة ، فبينما هو بين الصفا والمروة ؛ إذ سمع صوتا من السماء وهو يقول : لبيك عبدى أنا معك ، قال : فخر موسى ساجدا (٤).

وعن مجاهد ، قال : حج خمسة وسبعون نبيا ؛ كلهم قد طاف بالبيت وصلى

__________________

(١) أخرجه : الفاكهى فى أخبار مكة ١ / ٤٤٦ ، والطبرى فى تاريخه ١ / ٢٦٠ ، والتفسير ١٧ / ١٠٦ ، وشطره الأخير فى الشعب للبيهقى (٤٠٠٠) ، الصالحى فى سبل الهدى والرشاد ١ / ١٨٤ ـ ١٨٧ ، الاكتفا ١ / ٦٠ ـ ٦٣.

(٢) القرى (ص : ٥١).

(٣) سورة آل عمران : آية ٩٧.

(٤) أخرجه : الفاكهى فى أخبار مكة ٢ / ٢٢٦ ، والبغوى فى تفسيره ١ / ١٣٣.

١٠٢

فى مسجد منى ، فإن استطعت أن لا تفوتك الصلاة فى مسجد منى فافعل (١).

وعن موسى بن عبيدة ، قال : لما أمر الله إبراهيم بالأذان فى الناس بالحج استدار بالأرض ، فدعا فى كل وجهة : يا أيها الناس أجيبوا ربكم وحجوا. قال : فلبى الناس من كل مشرق ومغرب ، وتطأطأت الجبال حتى بعد صوته (٢).

وقال ابن عطاء : (وَأَرِنا مَناسِكَنا)(٣) ؛ أى أبرزها لنا وعلّمناه.

وقال مجاهد : أرنا مناسكنا ، أى : مذابحنا.

وعن محمد بن إسحاق ، قال : حدثنى بعض أهل العلم أن عبد الله بن الزّبير قال لعبيد بن عمير الليثى : كيف بلغك أن إبراهيم عليه‌السلام دعا إلى الحج؟ قال : بلغنى أنه لما رفع إبراهيم القواعد وإسماعيل انتهى إلى ما أراد الله تعالى من البناء وحضر الحج استقبل اليمن ، فدعا إلى الله تعالى وإلى حج بيته ، فأجيب أن لبيك لبيك ، ثم استقبل المشرق ، فدعا إلى الله تعالى وإلى حج بيته ، فأجيب لبيك لبيك ، وإلى المغرب بمثل ذلك ، وإلى الشام بمثل ذلك ، ثم حج إبراهيم ومعه من المسلمين من جرهم وهم سكان الحرم يومئذ مع إسماعيل وهم أصهاره ، وصلى بهم الظهر والعصر والمغرب والعشاء بمنى ، ثم بات بهم بها حتى أصبح وصلى بهم الغداة ، ثم غدا بهم إلى نمرة فقام بهم هنالك ، حتى إذا مالت الشمس جمع بين الظهر والعصر بعرفة فى مسجد إبراهيم ، ثم راح بهم إلى الموقف من عرفة فوقف بهم ـ وهو الموقف من عرفة الذى يقف عليه الإمام ـ يريه ويعلمه ، فلما غربت الشمس دفع به وبمن معه حتى أتى المزدلفة ، فجمع بين الصلاتين المغرب والعشاء الآخرة ، ثم بات بها حتى إذا طلع الفجر صلى بهم صلاة الغداة ، ثم وقف به على قزح من المزدلفة وبمن معه ، وهو الموقف الذى يقف به الإمام ، حتى إذا أسفر غير مشرق دفع به وبمن معه يريه ويعلمه كيف يرمى الجمار ، حتى فرغ له من الحج كله ، وأذن به فى الناس ، ثم انصرف إبراهيم راجعا إلى الشام فتوفى بها صلوات

__________________

(١) أخرجه : الأزرقى فى أخبار مكة ١ / ٧٥.

(٢) سبل الهدى والرشاد ١ / ١٨٥.

(٣) سورة البقرة : آية ١٢٨.

١٠٣

الله وسلامه عليه وعلى جميع الأنبياء والمرسلين (١).

وقيل : لما بلغ إبراهيم عليه‌السلام خمسا وثمانين سنة وهبت له سارة جاريتها هاجر ، فولدت له إسماعيل وأختين له ، وله تسع وتسعون سنة ، وولدت له سارة إسحاق ، وأنزل الله عليه عشر صحائف ، وماتت سارة قبل إبراهيم.

وعن غالب بن عبد الله قال : سمعت مجاهدا يذكر عن ابن عباس قال : مر بصفاح الروحاء ستون نبيا إبلهم مخطمة بالليف.

وعن محمد بن إسحاق ، قال : حدثنى من لا أتهم ، عن عبد الله بن عباس أنه كان يقول : لقد سلك فجّ الروحاء سبعون نبيا حجاجا عليهم لباس الصوف ، مخطمى رواحلهم بحبال الليف ، ولقد صلى فى مسجد الخيف سبعون نبيا (٢).

وعن محمد بن إسحاق ، قال : حدثنى طلحة بن الخزاعى : أن موسى عليه‌السلام حين حج طاف بالبيت ، فلما خرج إلى الصفا لقيه جبريل عليه‌السلام فقال : يا صفى الله إنه ينبغى أن تشتد إذا هبطت بطن الوادى ، فاحتزم موسى عليه‌السلام على وسطه بثوبه ، فلما انحدر عن الصفا وبلغ بطن الوادى سعى وهو يقول : لبيك اللهم لبيك. قال : ويقول الله : لبيك يا موسى وها أنا معك (٣).

وعن عطاء بن السائب : أن إبراهيم عليه‌السلام رأى رجلا يطوف بالبيت فأنكره ، فسأله : ممن أنت؟ قال : من أصحاب ذى القرنين قال : وأين هو؟ قال :هو بالأبطح ، فتلقاه إبراهيم عليه‌السلام فاعتنقه ومشى معه. فقيل لذى القرنين : لم لا تركب؟ قال : ما كنت لأركب وهذا يمشى ، فحج ماشيا (٤).

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ١ / ١٨٦ ـ ١٨٧ ، أخبار مكة للأزرقى ١ / ٦٩.

(٢) أخرجه : الأزرقى فى أخبار مكة ١ / ٧٣ عن طلحة بن عبيد الله بن كريز الخزاعى فى حديث طويل يرفعه ، وعن ابن عباس موقوفا عليه بنحوه. وأخرجه : أحمد فى المسند ١ / ٢٣٢ ، وأبو نعيم فى الحلية ١ / ٢٦٠. وانظر كنز العمال (٣٤٧٢٠ ، ٣٤٧٩٦ ، ٣٤٧٩٧).

(٣) أخبار مكة للأزرقى ١ / ٧٣.

(٤) أخبار مكة للأزرقى ١ / ٧٣.

١٠٤

الفصل السابع عشر

فى ذكر ما جاء فى فتح الكعبة ومتى كانوا يفتحونها

ودخولهم إياها وأول من خلع النعل والخفّ عند دخولها

عن سعيد بن عمرو الهذلى ، عن أبيه ، قال : رأيت قريشا يفتحون البيت فى الجاهلية يوم الاثنين والخميس ، وكان حجابه يجلسون عند بابه فيرتقى الرجل فى السلم إذا كانوا لا يريدون دخوله ، فيدفعونه ويطرحونه ، فربما عطب أو نجا.

وكانوا لا يدخلون الكعبة بحذاء يعظمون ذلك ، ويضعون نعالهم تحت الدرجة (١).

وعن الواقدى ، عن أشياخه قال : ولما فرغت قريش من بناء الكعبة كان أول من خلع الخف والنعل فلم يدخلها بهما الوليد بن المغيرة ؛ إعظاما لها ، فجرى ذلك سنة (٢).

__________________

(١) أخبار مكة للفاكهى ٥ / ٢٣٣ ، شفاء الغرام ١ / ٢٨.

(٢) أخبار مكة للأزرقى ١ / ١٧٤.

١٠٥

الفصل الثامن عشر

فى ذكر الصلاة فى الكعبة

وأين صلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم

عن عبد الله بن عمر قال : أقبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عام الفتح على ناقة لأسامة بن زيد حتى أناخ بفناء الكعبة ، ثم دعا عثمان بن طلحة ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ائتنى بالمفتاح ، فذهب عثمان إلى أمه فأبت أن تعطيه إياه. فقال : والله لتعطينه أو ليخرجن هذا السيف من صلبى أو ظهرى. قال : فأعطته إياه ، فجاء به إلى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فدفعه إليه ، ففتح الباب فدخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأسامة بن زيد وبلال وعثمان بن طلحة ، فأجافوا عليهم الباب مليا ـ وكنت فتى قويا ـ فبدرت فزاحمت الناس ، فكنت أول من دخل الكعبة ، فرأيت بلالا عند الباب فقلت : أى بلال ، أين صلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ قال : بين العمودين المقدمين ـ وكانت الكعبة على ستة أعمدة ـ قال ابن عمر : فنسيت أن أسأله كم صلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (١).

وعن حسن بن أبى الحسن البصرى وطاووس : أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم دخل يوم الفتح البيت ، فصلى فيه ركعتين ، ثم خرج وقد لبط بالناس حول الكعبة (٢).

وعن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من دخل البيت دخل فى حسنة وخرج من سيئة مغفورا له» (٣). رواه البيهقى.

وفى رواية : «وخرج منه معصوما فيما بقى» (٤). قيل : يحتمل أنه يريد بذلك

__________________

(١) البخارى (٤٢٨٩) ، السيرة لابن هشام ٤ / ٤٦.

(٢) انظر الأحاديث فى صحيح البخارى ٢ / ١٤٩ ـ ١٥٠ ، مسلم ٤ / ٩٥ ـ ٩٧ ، أبو داود ٢ / ٢١٣ ـ ٢١٤ ، وانظر الكلام على الروايات فى فتح البارى ٣ / ٣٠٤ ، مسلم بشرح النووى ٩ / ٨٢.

(٣) أخرجه : البيهقى فى السنن ٥ / ١٥٨.

(٤) أورده الهيثمى فى مجمع الزوائد ٣ / ٢٩٣ ، وعزاه للطبرانى فى الكبير والبزار بنحوه ، وانظر : فيض القدير ٦ / ١٢٤.

١٠٦

العصمة من الكفر فيكون فيه البشارة لمن دخله بالموت على الإسلام.

وعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «من دخل الكعبة دخل فى رحمة الله ، وفى حمى الله ، وفى أمن الله ، وإذا خرج خرج مغفورا له» (١).

__________________

(١) أخرجه : الفاكهى فى أخبار مكة ٢ / ٢٩٢ ، والسيوطى فى الجامع الكبير ١ / ٧٧٦ ، وعزاه للطبرانى والبيهقى فى السنن.

١٠٧

الفصل التاسع عشر

فى المواضع التى صلى فيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حول الكعبة

ثبت فى الصحيح أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلى ركعتى الطواف خلف المقام (١).

وعن عبد الله بن أبى أوفى رضى الله عنه : أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم اعتمر وطاف بالبيت ، وصلى خلف المقام.

ويروى أن الدعاء يستجاب خلف المقام (٢).

وعن عروة بن الزبير ، قال : سألت عبد الله بن عمرو : أخبرنى بأشد شىء صنعه المشركون بالنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : بينما النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم يصلى فى حجر الكعبة إذا أقبل عقبة بن عامر بن أبى معيط فوضع ثوبه فى عنقه فخنقه خنقا شديدا ، فأقبل أبو بكر حتى أخذ بمنكبيه ودفعه عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقال : أتقتلون رجلا أن يقول ربى الله؟!» (٣). رواه البخارى.

وعن ابن عباس عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أن جبريل عليه‌السلام أمنى حين فرضت الصلاة عند باب الكعبة مرتين» (٤). رواه الإمام الشافعى رحمه الله بإسناد حسن.

وروى الأزرقى : أن آدم عليه‌السلام طاف بالبيت سبعا حين نزل إلى الأرض ، ثم صلى وجاه باب الكعبة ركعتين (٥).

__________________

(١) أخرجه : البخارى ٢ / ١٥٤ (الحج) ، وأبو داود فى الحروف ٤ / ٤٤ ، وابن ماجه فى الصلاة ١ / ٣٢٢ ، والترمذى ٤ / ٨٨ ، والنسائى فى الحج ٥ / ٢٣٦ جميعهم من طريق : جعفر بن محمد.

(٢) أخرجه : البخارى فى الحج ٣ / ٤٦٧ ، وأبو داود فى الحج ٢ / ٤٧ ، كلاهما من طريق : خالد بن عبد الله ، عن إسماعيل بن أبى خالد ، وابن ماجة ٢ / ٩٩٥ ، من طريق يعلى عن إسماعيل بن أبى خالد.

(٣) أخرجه : البخارى (فضائل الصحابة : باب قول النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم لو كنت متخذا خليلا) ٥ / ٤.

(٤) أخرجه : الشافعى فى الأم ١ / ٧١ ، الترمذى ١ / ٢٧٨ ـ ٢٨١ ، أبو داود ١ / ١٠٧ ، الدارقطنى ١ / ٢٥٨ ، الحاكم فى المستدرك ١ / ١٩٣.

(٥) أخبار مكة للأزرقى ١ / ٤٤.

١٠٨

وفى الصحيح عن أسامة بن زيد : أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما خرج من الكعبة ركع قبل البيت ، وقال : «هذه القبلة» (١).

وقبل البيت هو وجهه ويطلق على جميع الجانب الذى فيه الباب.

وعن ابن عمر : البيت كله قبلة ، وقبلته وجهه. فإن فاتك ذلك فعليك بقبلة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم يعنى تحت الميزاب (٢).

وعن المطلب بن أبى وداعة ، قال : رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين فرغ من سعيه جاء حتى يحاذى بالركن فصلى ركعتين فى حاشية المطاف وليس بينه وبين الطائفين أحد (٣). رواه أحمد وابن ماجه.

وروى عن المطلب بن أبى وداعة : أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلى حذو الركن الأسود والرجال والنساء يمرون بين يديه ، وما كانت بينهم سترة (٤).

وروى عن المطلب بن أبى وداعة أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلى مما يلى باب بنى سهم والباب خلف ظهره على حاشية المطاف والناس يمرون بين يديه ليس بينه وبين الكعبة سترة (٥).

وباب بنى سهم هو الذى يقال له اليوم باب العمرة.

وقال ابن إسحاق : إن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يصلى بين الركنين اليمانيين (٦).

وفى الأزرقى أن آدم عليه‌السلام ركع إلى جانب الركن اليمانى (٧).

وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام : إن الحفرة الملاصقة للكعبة فى ناحية الباب هى المكان الذى صلى فيه جبريل عليه‌السلام بالنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم الصلوات الخمس

__________________

(١) أخرجه : البخارى ٢ / ١٥٤ ، ومسلم (الحج : باب دخول الكعبة للحاج) ٤ / ٩٧.

(٢) أخرجه : أحمد فى المسند ٥ / ٢٠٩ ، الدارقطنى فى السنن ٢ / ٥١ ، مسلم (الحج : استحباب دخول الكعبة) ٤ / ٩٦.

(٣) أخرجه : ابن ماجه ٢ / ٩٨٦ ، أحمد فى المسند ٦ / ٣٩٩.

(٤) أخرجه : ابن حبان فى الموارد (ص : ١١٨).

(٥) أخرجه : المحب الطبرى فى القرى (ص : ٣٤٨) ، وعزاه للنسائى وابن حبان.

(٦) هداية السالك ١ / ٧٤.

(٧) أخبار مكة للأزرقى ١ / ٤٤.

١٠٩

فى اليومين حين فرضها الله تعالى على أمته يعلمه الأوقات ، والثقات ما صححوا ذلك ، والله أعلم.

وقيل : جميع المواضع التى صلى فيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عشرة :

الأول : خلف المقام.

والثانى : تلقاء الحجر الأسود على حاشية المطاف.

والثالث : قريبا من الركن مما يلى الحجر.

الرابع : عند باب الكعبة مرتين.

الخامس : تلقاء الركن الذى يلى الحجر من جهة الغرب.

السادس : فى وجه الكعبة.

السابع : بين الركنين اليمانيين ، وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما بين الركن الأسود والركن اليمانى روضة من رياض الجنة (١).

الثامن : فى الحجر.

التاسع : فى البيت ؛ صح أن النبى صلى فى البيت وجعل عمودين عن يساره وعمودا عن يمينه وثلاثة أعمدة وراءه ، وكان البيت يومئذ على ستة أعمدة ، ثم صلى (٢).

العاشر : فى مصلى آدم وهو وجاه باب الكعبة كما مر ، وقد ورد أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلى إلى جانب الركن اليمانى. فتستحب الصلاة فى هذه المواضع الشريفة اتباعا لأثره صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٣).

كذا فى كتاب ترجمة الترغيب والتشويق إلى بيت الله العتيق مسندا بالأحاديث ، ولكن نقلته مختصرا مجملا ، والله أعلم.

__________________

(١) أخرجه : الفاكهى فى أخبار مكة ١ / ٤٦٨ ، والفاسى فى شفاء الغرام ١ / ١٩٧.

(٢) أخرجه : البيهقى فى السنن ٥ / ٩٢ ، وأحمد فى المسند ٣ / ٤٣١.

(٣) يراجع هذا فى : القرى (ص : ٣٥٠ ـ ٣٥٤) ، أخبار مكة للأزرقى ٢ / ١٩٨ ، أخبار مكة للفاكهى ٤ / ٥ ـ ٣٦ ، شفاء الغرام ١ / ٧.

١١٠

الفصل العشرون

فى ذكر شرفها على ما سواها من بقاع الأرض

عن عبد الله بن عدى أنه سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو واقف على الحزورة (١) يقول لمكة : «والله إنى لأعلم أنك خير أرض الله ، وأحب أرض الله ، ولو لا أنى أخرجت منك ما خرجت» (٢).

وعن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لمكة : «ما أطيبك من بلد ، وأحبك إلىّ ، ولو لا أن قومى أخرجونى منك ما سكنت غيرك» (٣).

وعن عبد الرحمن بن سابط قال : لما أراد النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن ينطلق إلى المدينة استلم الحجر وقام وسط المسجد والتفت إلى البيت وقال : «إنى لأعلم ما وضع الله ـ عزّ وجلّ ـ فى الأرض بيتا أحب إلى الله منك ، وما فى الأرض بلد أحب إلىّ منك ، وما خرجت عنك رغبة ، ولكن الذين كفروا أخرجونى ، ثم نادى : يا بنى عبد مناف لا يحل لعبد منع عبدا صلى فى هذا المسجد أية ساعة شاء من ليل أو نهار» (٤).

وعن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما أخرج من مكة : «أما والله إنى لأخرج منك وإنى لأعلم أنك أحب البلاد إلى الله تعالى وأكرمها على الله تعالى ، ولو لا أن أهلك أخرجونى منك ما خرجت ، يا بنى عبد مناف ، إن كنتم ولاة هذا

__________________

(١) الحزورة : سوق مكة آنذاك ، ودخلت فى المسجد لما زيد فيه.

(٢) أخرجه : ابن ماجه (٣١٠٨) ، الترمذى (٣٩٢٥) ، أحمد فى المسند ٤ / ٣٠٥) ، ابن حبان (٣٧٠٨) ، الحاكم فى المستدرك ٣ / ٤٣١ ، عبد الرزاق فى مصنفه (٨٨٦٨).

(٣) أخرجه : الترمذى (المناقب : باب فضل مكة) ٥ / ٧٢٣ ، والحاكم فى المستدرك ١ / ٤٨٦ وصححه ووافقه الذهبى.

(٤) أخرجه : الترمذى (المناقب ـ باب فضل مكة) ٥ / ٧٢٢ ، وقال : حديث غريب صحيح ، وابن حبان فى موارد الظمآن (ص : ٢٥٣) ، وابن ماجه (٣١٠٨) ، وأحمد فى المسند ٤ / ٣٠٥ ، وهداية السالك ١ / ٤٥.

١١١

الأمر فلا تمنعن طائفا يطوف ببيت الله تعالى أية ساعة شاء من ليل أو نهار ، ولو لا أن تطغى قريش لأخبرتها بما لها عند الله عزّ وجلّ ، اللهم أذقت أولها وبالا فأذق آخرها نوالا» (١).

ويحكى عن وهب بن منبّه أنه قال : وجد فى أساس الكعبة لوح مكتوب فيه : لكل ملك حيازة مما حواليه ، وبطن مكة حوزتى التى اخترته لنفسى ، أنا الله ذو بكة وأهلها جيرتى وجيران بيتى ، وعمارها وزوارها وفدى وأضيافى ، وفى كنفى وأمانى ، ضامنون علىّ فى ذمتى ، من آمنهم فقد استوجب لأمانى ، ومن أخافهم فقد أخفرنى فى ذمتى (٢).

وعن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم فتح مكة : «إن هذا البلد حرمه الله تعالى يوم خلق السموات والأرض ؛ فهى حرام إلى يوم القيامة» (٣).

وعن ابن عباس ـ أيضا ـ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن هذا البلد حرمه الله تعالى يوم خلق السموات والأرض لا يعضد شوكه ، ولا ينفر صيده ، ولا يلتقط لقطته إلا من عرّفها» (٤).

ويروى أن أول من عاذ بالحرم الحيتان الصغار من الكبار زمن الطوفان فلم تأكلها تعظيما للحرم (٥).

وعن جابر بن عبد الله ـ رضى الله عنه ـ عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «لما عقرت ثمود الناقة وأخذتهم الصيحة لم يبق منهم أحدا إلا أهلكته إلا رجلا واحدا كان فى حرم الله تعالى ، فقالوا : من هو يا رسول الله؟ فقال : «أبو رغال أبو ثقيف ، فلما

__________________

(١) أخرجه : أحمد ٤ / ٣٠٥ ، والترمذى ١٣ / ٢٨٠ ، وابن ماجه ٢ / ١٠٣٧ ، والحاكم فى المستدرك ٣ / ٢٧ ، والأزرقى فى أخبار مكة ٢ / ١٥٦ ، والفاكهى فى أخبار مكة ٤ / ٢٠٧.

(٢) هداية السالك ١ / ٤٣.

(٣) أخرجه : الترمذى (١٥٩٠) ، النسائى (٢٨٧٤) ، أبو داود (٢٠١٨) ، البيهقى فى الشعب (٤٠٠٧) ، أبو يعلى (٥٩٢٨).

(٤) أخرجه : البخارى (١٥٨٧) ، مسلم (الحج : ٤٤٥). أبو يعلى (٥٩٢٨).

(٥) هداية السالك ١ / ٤٣.

١١٢

خرج من الحرم أصابه ما أصاب قومه» (١).

وقال ابن إسحاق : حدّثنا أن قريشا وجدت بالركن اليمانى كتابا بالسريانى فلم تدر ما فيه حتى قرأه رجل من اليهود فإذا فيه : أنا الله ذو بكة خلقتها يوم خلقت السموات والأرض وصورت الشمس والقمر وحففتها بسبعة أملاك حنفاء ، لا تزول حتى يزول أخشابها ، مبارك لأهلها فى الماء واللبن. وأخشباها : جبلاها وهما أبو قبيس والأحمر ومكة بين هذين الجبلين (٢).

وعن مجاهد قال : خلق الله تعالى موضع البيت الحرام قبل أن يخلق شيئا من الأرض بألفى عام (٣).

وقال ابن عباس رضى الله عنهما : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن أول لمعة وضعت على الأرض موضع مكة ، ثم حدثت منه الأرض ، وأن أول جبل وضعه الله تعالى على الأرض أبو قبيس ، ثم حدثت منه الجبال» (٤).

وقيل : لما خاطب الله تعالى السموات والأرض بقوله : (ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ)(٥) نطق وأجاب من الأرض موضع الكعبة ومن السماء ما يحاذيها.

وقال ابن عباس : أصل طينة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم من سرة الأرض بمكة.

قال بعض العلماء : فيه إيذان بأنها التى أجاب من الأرض موضع الكعبة ومن موضع الكعبة دحيت الأرض ، فصار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم هو الأصل فى التكوين والكائنات تبع له. قيل : ولذلك سمى أميا ؛ لأن مكة أم القرى وطينته أم الخليقة.

وقد قيل : إن مدفن الإنسان تربته ؛ فيقال : إن الماء لما تعرّح رمى بتلك الطينة إلى ذلك الموضع من المدينة ؛ كذا فى «العوارف».

وفى الصحيح : «أنه ليس من بلد إلا سيطأه الدجال إلا مكة والمدينة ؛ ليس

__________________

(١) أخرجه : المحب الطبرى فى القرى (ص : ٦٤٧) ، وعزاه لأحمد فى مسنده ومسلم ، وأبى حاتم.

(٢) القرى (ص : ٦٤٨) ، وهداية السالك ١ / ٤٣ ، الأزرقى ١ / ٨٠ ، مثير الغرام (ص : ٢٣٤).

(٣) هداية السالك ١ / ٤٣ ، مثير الغرام (ص : ٤٢٦) ، الأزرقى ١ / ٣٢.

(٤) القرى ص : ٦٤٨.

(٥) سورة فصلت ، آية ١١.

١١٣

نقب من أنقابهما إلا عليه الملائكة صافين يحرسونها» (١).

روى أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما استعمل عتّاب بن أسيد على أهل مكة قال : «أتدرى على من استعملتك ؛ استعملتك على أهل الله ، فاستوص بهم خيرا». قالها ثلاثا (٢).

ويحكى عن عبد الله بن صالح أنه كان يفر من الناس من بلد إلى بلد حتى أتى مكة ، فطاف بالبيت وطال مقامه بها ، فقال له بعض أصحابه : لقد طال مقامك بمكة فما قصتك؟ فقال له : ولم لا أقوم بها ولم أر بلدا تنزل فيه الرحمة والبركة أكثر من هذا ، والملائكة تغدو فيه وتروح ، وإنى لأرى فيه أعاجيب كثيرة ، وأرى الملائكة تطوف به على صور شتى لا يقطعون ذلك ، ولو قلت ذلك كلما رأيت فيه لصغرت عنه عقول أقوام ليسوا بمؤمنين ، فقلت له : أسألك بالله إلا ما أخبرتنى بشىء من ذلك ، فقال : ما من ولى لله تعالى صحت ولايته إلا وهو يحضر ويطوف بهذا البيت فى كل ليلة جمعة ولا يتأخر عنه ويصلى مع الجماعات ، فمقامى هاهنا لأجل من أراه منهم (٣).

وقد وردت الروايات فى فضيلة ليلة الجمعة ويومها ، منها : ما روى عن عبد الله ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلا وقاه الله فتنة القبر». أخرجه الترمذى وقال : غريب ، وأخرجه ابن أبى شيبة.

وفى رواية ابن عباس ، قال عليه‌السلام : «لا يعذب الله فى القبر المؤذن ، والشهيد ، والمتوفّى فى ليلة الجمعة» أخرجه ابن أبى الدنيا.

__________________

(١) أخرجه : البخارى (الحج : باب لا يدخل الدجال المدينة) ٣ / ١٢ ، ومسلم (الفتن من حديث طويل) ٨ / ١٩٠ ـ ١٩١. والنقب : الطريق.

(٢) أخرجه : الفاكهى ٣ / ٦٥ ، والفاسى فى شفاء الغرام ١ / ٨٦ ، وعزاه للزبير بن بكار فى النسب ، وذكره السيوطى فى الكبير وعزاه للطبرانى فى الكبير ، ورواه البيهقى فى السنن ٥ / ٣٣٩ من طريق العباس بن الوليد بن مزيد ، عن أبيه ، عن الأوزاعى ، عن عمرو بن شعيب ، به ، بنحوه ، وإسناده حسن.

(٣) صفوة الصفوة ٤ / ٢١٤ ، مثير الغرام الساكن (ص : ٢٣٦).

١١٤

«من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين» أخرجه البيهقى.

وعنه فى أخرى : «ما بينه وبين البيت العتيق».

وعن طلحة بن عبيد الله بن كريز ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أفضل الأيام يوم عرفة يوافق يوم الجمعة تعدل سبعين حجة فى غير يوم الجمعة» (١). من كتاب الاغتراف ، أخرجه مالك فى موطأه فى رواية مصعب عنه.

وعن عكرمة بن خالد قال : بينما أنا فى ليلة فى جوف الليل عند زمزم جالس إذا أنا بنفر يطوفون عليهم ثياب بيض لم أر أشد بياضا من ثيابهم قط ، فلما فرغوا صلوا قريبا منى ، فالتفت بعضهم فقال لأصحابه : اذهبوا بنا نشرب من شراب الأبرار. قال : فقاموا ودخلوا زمزم ، فقلت : والله لو دخلت على القوم فسلمت عليهم ، فقمت فدخلت فإذا ليس فيها أحد من البشر!

وقد أفادتنا هذه الكلمات أن تلك البقعة الشريفة لم تزل منهلا وموردا للأولياء والصالحين ومتوجه وجوه مقاصد الأولين والآخرين. وأن الشوق إلى سنائها ما برح آخذا بأزمة قلوبهم ، والوقوف بفنائها غاية مرادهم ونهاية مطلوبهم ، ويقول كل واحد لصاحبة لسان حاله :

يا زائرى البيت الحرام تهيأوا

نلتم مناكم بعد طول عناء

طوفوا بهذا البيت عند قدومكم

رملا ومشيا مشية الضعفاء

ثم اركعوا راجين رحمة ربكم

خلف المقام بخيفة ورجاء

روّوا الفؤاد بماء زمزم وانزعوا

نزعا كنزع العبقرى بدلاء

وجاء فى الخبر : أن الخضر وإلياس عليهما‌السلام يلتقيان كل عام بمكة فى الموسم (٢).

__________________

(١) عزاه فى جامع الأصول ٩ / ٢٦٤ إلى الموطأ ، وهو عجيب ؛ لأن لفظ الموطأ : «أفضل الدعاء يوم عرفة ..» ولم يذكر الجمعة.

(٢) أخرجه : الديلمى فى الفردوس (٨٣٥٥) ، انظر : الشذرة ٩٢٦ ، والتذكرة (ص : ٢٠٧) ، الأسرار المرفوعة (١٣) ، الموضوعات ١ / ١٩٥ ـ ١٩٦ ، تنزيه الشريعة ١ / ١٣٤ ، الضعفاء للعقيلى ١ / ٢٢٥.

١١٥

وعن ابن أبى رواد قال : إلياس والخضر عليهما‌السلام يصومان شهر رمضان ببيت المقدس ويوافيان الموسم كل عام (١).

وقال الحسن البصرى ـ رضى الله عنه ـ فى رسالته فى فضائل مكة ، شرفها الله تعالى : ما أعلم على وجه الأرض بلدة ترفع فيها الحسنات من أنواع البر كل واحدة بمائة ألف إلا بمكة ، وما أعلم بلدة على وجه الأرض يتصدق بدرهم واحد يكتب بمائة ألف درهم إلا بمكة ، وما أعلم بلدة على وجه الأرض أن مس شىء يكون تكفيرا لخطاياه وانحطاطا لذنوبه كما ينحط الورق من الشجر إلا بمكة ـ وهو استلام الحجر الأسود والركن اليمانى ـ وما أعلم بلدة على وجه الأرض إذا دعا أحد بدعاء أمّنت له الملائكة فيقولون : آمين آمين إلا بمكة حول بيت الله تعالى ، وما أعلم بلدة على وجه الأرض صدر إليها جميع النبيين والمرسلين خاصة إلا بمكة ، وما أعلم بلدة على وجه الأرض يحشر منها الأنبياء والرسل والفقهاء والأبرار والزهاد والعباد والشهداء والصالحون من الرجال والنساء إلا بمكة ؛ إنهم يحشرون وهم آمنون يوم القيامة ، ثم قال : وما أعلم بلدة على وجه الأرض كل يوم تنزل فيها رائحة الجنة وروحها إلا بمكة ؛ وذلك للطائفين والمصلين والناظرين.

وقال الحسن البصرى قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من مات بمكة بعثه الله فى الآمنين يوم القيامة».

وقال الحسن البصرى قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما من أحد يخرج من مكة إلا ندم ، وما من أحد يخرج منها ثم يعود إليها إلا ولله به عناية».

وعن ابن عباس رضى الله عنهما ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من أدركه شهر رمضان بمكة فصامه كله وقام منه ما تيسر ؛ كتب الله له مائة ألف شهر رمضان بغير مكة ، وكتبت له كل يوم حسنة ، وكل ليلة حسنة ، وكل يوم عتق رقبة ، وكل ليلة عتق رقبة ، وكل يوم حملان فرس فى سبيل الله» (٢).

__________________

(١) أخرجه : السيوطى فى الدر المنثور ٤ / ٤٣٤ ، وعزاه إلى العقيلى والدارقطنى فى الأفراد. وقال ابن القيم : الأحاديث التى يذكر فيها الخضر وحياته كلها كذب ، ولا يصح فى حياته حديث واحد.

(٢) أخرجه : السيوطى فى الجامع الكبير ، وعزاه لأبى يعلى ، وأبى نعيم فى الحلية ، والبيهقى فى شعب الإيمان ، والخطيب فى تاريخ بغداد ، وابن عدى فى الكامل ١ / ٣٣٦ ، والعقيلى ٣ / ٤١٠ ـ ـ من طريق إسحاق بن بشر ، والفاكهى فى أخبار مكة ١ / ٣٨٧.

وفيه : إسحاق بن بشر ، هو : الكاهلى الكوفى. قال أبو زرعة : كان يكذب على مالك وأبى معشر بأحاديث موضوعة ، وقال أبو حاتم : كان يكذب (الجرح والتعديل ٢ / ٢١٤).

١١٦

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «المقام بمكة سعادة والخروج منها شقاوة» (١).

وقال النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «كل نبى إذا هلكت أمته لحق بمكة فيعبد الله تعالى بها ذلك النبى ومن معه حتى يموت فيها. قال : حتى مات فيها نوح وهود وصالح وشعيب ، وقبورهم بين زمزم والحجر» (٢).

وقال عبد الله بن ضمرة السلوالى : ما بين الركن والمقام إلى زمزم وإلى الحجر قبر تسعة وتسعين نبيا كلهم جاءوا وجاوروا فيها ، فقبروا هنالك عليهم‌السلام (٣).

وشكى إسماعيل إلى ربه ـ عزّ وجلّ ـ من حرّ مكة ، فأوحى الله تعالى إليه أنى أفتح لك بابا من الجنة فى الحجر يجرى عليك الروح إلى يوم القيامة ، وفى ذلك الموضع دفن هو عليه‌السلام (٤).

قال خالد بن فيروز : إن ذلك الموضع ما بين الميزاب إلى باب الحجر الغربى وفيه قبره.

وعن صفوان بن عبد الله الجمحى قال : حفر ابن الزبير الحجر فوجد فيه سفطا من حجارة خضر ، فسأل قريشا : هل عند أحد منهم فيه علم [فلم يجد عند أحد فيه علما] ، فأرسل إلى عبد الله ابن صفوان فسأله عنه ، فقال : هذا قبر إسماعيل عليه‌السلام فلا تحركه ، قال فتركه (٥).

وعن الحسن البصرى عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن حول الكعبة لقبور ثلثمائة نبى ، وأن ما بين الركن اليمانى والحجر الأسود قبور سبعين نبيا عليهم‌السلام» (٦).

__________________

(١) أخرجه : ابن ماجة (٣١١٧). وفى سنده : عبد الرحيم بن زيد العمى ، ضعيف جدا ، كذبه ابن معين كما فى التقريب.

(٢) هداية السالك ١ / ٤٠.

(٣) هداية السالك ١ / ٦٦ ، أخبار مكة للأزرقى ٢ / ١٣٤ ، مثير الغرام (ص : ٣٧٥).

(٤) مثير الغرام الساكن (ص : ٤٣٩) ، والأزرقى ١ / ٣١٢ ، وإسناده ضعيف.

(٥) هداية السالك ١ / ٧١ ، مثير الغرام (ص : ٣٧٥) ، الأزرقى ١ / ٣١٢ ، وإسناده ضعيف.

(٦) هداية السالك ١ / ٦٦.

١١٧

وقال وهب بن منبّه : خطب صالح ـ عليه‌السلام ـ للذين آمنوا معه حين هلك قومه : إن هذه دار قد سخط الله عليها وعلى أهلها فاظعنوا منها ، فقالوا : مرنا بم نفعل؟ قال : تلحقون بحرم الله تعالى ، فأهلوا من ساعتهم بالحج ، ثم أحرموا فى العباء ، فوردوا مكة فلم يزالوا بها حتى ماتوا ؛ فتلك قبورهم بين دار الندوة ودور بنى هاشم (١).

قيل : قصىّ بن كلاب بنى بمكة دار الندوة ليحكم فيها بين قريش ، ثم صارت لتشاورهم وعقد اللواء فى حروبهم.

قال الكلبى : وكانت أول دار بنيت بمكة ، ثم تتابع الناس فبنوا الدور.

قال ابن هشام : لم يبعث الله نبيا بعد إبراهيم عليه‌السلام إلا وقد حج هذا البيت (٢).

قال أبو عبد الله الحميدى : أنشدنى أبو محمد عبد الله بن عثمان النحوى بالمغرب لبعض أهل تلك البلاد فى الشوق إلى مكة شرفها الله تعالى :

يحنّ إلى أرض الحجاز فؤادى

ويحدو اشتياقى نحو مكة حادى

ولى أمل ما زال يسمو بهمّتى

إلى البلدة الغراء خير بلاد

بها كعبة الله التى طاف حولها

عباد هم لله خير عباد

لأقضى حقّ الله فى حج بيته

بأصدق إيمان وأطيب زاد

أطوف كما طاف النبيون حوله

طواف انقياد لا طواف عناد

وأستلم الركن اليمانىّ تابعا

لسنة مهدىّ وطاعة هادى

وأركع تلقاء المقام مصليا

صلاة أرجّيها ليوم معادى

وأسعى سبوعا بين مروة والصفا

أهلل ربّى تارة وأنادى

وأرقى على أعلا المعرّف داعيا

إلى الله ربّى فى صلاح فسادى

وآتى منى أقضى بها التّفث

الذى يتمّ بها حجى وهدى رشادى

__________________

(١) مثير الغرام الساكن (ص : ٤٣٨) ، الأزرقى ١ / ٧٣.

(٢) مثير الغرام الساكن (ص : ٣٧٥) ، القرى (ص : ٥١).

١١٨

فيا ليتنى شارفت أجبل مكة

فبت بناد عند أكرم واد

ويا ليتنى قد جئت بطن محسّر

على ذات لون كالعقيق سنادى

ويا ليتنى روّيت من ماء زمزم

صدا خلد بين الجوانح صادى

ويا ليتنى قد زرت قبر محمد

فأشفى بتسليم عليه فؤادى (١)

__________________

(١) مثير الغرام الساكن (ص : ٤٤٦). وانظر أقوال العلماء فى زيارة قبر النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى الصارم المنكى ، ووفاء الوفا.

١١٩

الفصل الحادى والعشرون

فى ذكر فضائل الكعبة الشريفة شرفها الله تعالى

اعلم أن الله تعالى جعل البيت مثابة للناس وأمنا للخائفين ، وأمر خليله عليه‌السلام بتطهيره للطائفين والعاكفين ، وعرّفه بإضافته إلى جلاله ، وقال : (وَطَهِّرْ بَيْتِيَ)(١).

كفى شرفا أنّى مضاف إليكم

وأنّى بكم أدعى وأرعى وأعرف

وقيل فى انجذاب القلوب وميل النفوس إلى هذا المكان الشريف أربعة معان :

الأول : أنه ورد أن الله تعالى أخذ الميثاق من بنى آدم ببطن نعمان ـ وهى عرفة ـ فاستخرجهم هنالك من صلب أبيهم آدم ونثرهم بين يديه كهيئة الذر ، قوله تعالى : (مِنْ ظُهُورِهِمْ)(٢) أى : من ظهور بنى آدم على حسب التوالد قرنا بعد قرن كأمثال الذر ، وركب فيهم من العقل ما يفهمون عن الله عزّ وجلّ ، ولم يذكر ظهر آدم للعلم به.

قال مقاتل : أخرج أهل السعادة من جانب ظهره الأيمن وعكسه عكسه.

وقال القرطبى : خاطب الله الأرواح. ولفظ الذرية دليل على الأجساد.

وروى : أن الله تعالى أخرجهم جميعا وصورهم وجعل لهم عقولا يعلمون بها وألسنا ينطقون ثم كلمهم قبلا ، أى : عيانا. ثم قال : ألست بربكم؟ قالوا : بلى.

فكتب الله إقرارهم فى الرق ، وأشهد فيه بعضهم على بعض ثم ألقمة الحجر الأسود. ومن أجل ذلك شرع لموافيه أن يقول : اللهم إيمانا بك ، ووفاء بعهدك.

وهذا ينزع إلى معنى «حب الوطن من الإيمان» ؛ فإنه قد ثبت أن ذلك المكان الأول وطن له.

__________________

(١) سورة الحج : آية ٢٦.

(٢) سورة الأعراف : آية ١٧٢.

١٢٠