أحكام القرآن - ج ٥

أبي بكر أحمد بن علي الرازي الجصّاص

أحكام القرآن - ج ٥

المؤلف:

أبي بكر أحمد بن علي الرازي الجصّاص


المحقق: محمّد الصادق قمحاوي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
المطبعة: دار إحياء التراث العربي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٨٤

كما لا يجوز عقد البيع على المنافع وفارق لبن المرأة بذلك لبن سائر الحيوان ألا ترى أنه لا يجوز استئجار شاة لرضاع صبي لأن الأعيان لا تستحق بعقود الإجارات كاستئجار النخل والشجر وقوله تعالى (وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ) يعنى والله أعلم لا تشترط المرأة على الزوج فيما تطلبه من الأجرة ولا يقصر الزوج لها عن المقدار المستحق وقوله تعالى (وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى) قيل إنه إذا طلبت المرأة أكثر من أجر مثلها ورضيت غيرها بأن تأخذه بأجر مثلها فللزوج أن يسترضع الأجنبية ويكون ذلك في بيت الأم لأنها أحق بإمساكه والسكون عنده قوله تعالى (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ) يدل على أن النفقة تفرض عليه على قدر إمكانه وسعته وأن نفقة المعسر أقل من نفقة الموسر وقوله تعالى (وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللهُ) قيل معناه من ضيق عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله يعنى والله أعلم أنه لا يكلف نفقة الموسر في هذه الحال بل على قدر إمكانه ينفق وقوله تعالى (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها) فيه بيان أن الله لا يكلف أحدا مالا يطيق وهذا وإن كان قد علم بالعقل إذ كان تكليف ما لا يطاق قبحا وسفها فإن الله ذكره في الكتاب تأكيدا لحكمه في العقل وقد تضمن معنى آخر من جهة الحكم وهو الإخبار بأنه إذا لم يقدر على النفقة لم يكلفه الله الإنفاق في هذه الحال وإذا لم يكلف الإنفاق في هذه الحال لم يجز التفريق بينه وبين امرأته لعجزه عن نفقتها وفي ذلك دليل على بطلان قول من فرق بين العاجز عن نفقة امرأته وبينها فإن قيل فقد آتاه الطلاق فعليه أن يطلق قيل له قد بين به أنه لم يكلفه النفقة في هذه الحال فلا يجوز إجباره على الطلاق من أجلها لأن فيه إيجابه التفريق بشيء لم يجب وأيضا فإنه أخبر أنه لم يكفه من الإنفاق إلا ما آتاه والطلاق ليس من الإنفاق فلم يدخل في اللفظ وأيضا إنما أراد أنه لا يكلفه ما لا يطيق ولم يرد أنه يكلفه كل ما يطيق لأن ذلك مفهوم من خطاب الآية وقوله تعالى (سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً) يدل على أنه لا يفرق بينهما من أجل عجزه عن النفقة لأن العسر يرجى له اليسر آخر سورة الطلاق.

سورة التحريم

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قال الله تعالى (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللهُ لَكَ) روى في سبب نزول الآية

٣٦١

وجوه أحدها أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يشرب ويأكل عند زينب فتواطأت عائشة وحفصة على أن تقولا له نجد منك ريح المغافير قال بل شربت عندها عسلا ولن أعود له فنزلت (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللهُ لَكَ) وقيل إنه شرب عند حفصة وقيل عند سودة وأنه حرم العسل وفي بعض الروايات والله لا أذوقه وقيل إنه أصاب مارية القبطية في بيت حفصة فعلمت به فجزعت منه فقال لها ألا ترضين أن أحرمها فلا أقربها قالت بلى فحرمها وقال لا تذكري ذلك لأحد فذكرته لعائشة فأظهره الله عليه وأنزل عليه (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللهُ لَكَ) الآية رواه محمد بن إسحاق عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن عمر بن الخطاب بذلك قال أبو بكر وجائز أن يكون الأمران جميعا قد كانا من تحريم مارية وتحريم العسل إلا أن الأظهر أنه حرم مارية وإن الآية فيها نزلت لأنه قال (تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ) وليس في ترك شرب العسل رضا أزواجه وفي ترك قرب مارية رضاهن فروى في العسل أنه حرمه وروى أنه حلف أن لا يشربه وأما مارية فكان الحسن يقول حرمها وروى الشعبي عن مسروق أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم آلى وحرم فقيل له الحرام حلال وأما اليمين فقد فرض الله لكم تحلة أيمانكم وقال مجاهد وعطاء حرم جاريته وكذلك روى عن ابن عباس وغيره من الصحابة وأما قول من قال إنه حرم وحلف أيضا فإن ظاهر الآية لا يدل عليه وإنما فيها التحريم فقط فغير جائز أن يلحق بالآية ما ليس فيها فوجب أن يكون التحريم يمينا لإيجاب الله تعالى فيها كفارة يمين بإطلاق لفظ التحريم ومن الناس من يقول لا فرق بين التحريم واليمين لأن اليمين تحريم للمحلوف عليه والتحريم أيضا يمين وهذا عند أصحابنا يختلف في وجه ويتفق في وجه آخر فالوجه الذي يوافق اليمين فيه التحريم أن الحنث فيهما يوجب كفارة اليمين والوجه الذي يختلفان فيه إنه لو حلف أنه لا يأكل هذا الرغيف فأكل بعضه لم يحنث ولو قال قد حرمت هذا الرغيف على نفسي فأكل منه اليسير حنث ولزمته الكفارة لأنهم شبهوا تحريمه الرغيف على نفسه بمنزلة قوله والله لا أكلت من هذا الرغيف شيئا تشبيها بسائر ما حرمه الله من الميتة والدم أنه اقتضى تحريم القليل منه والكثير واختلف السلف في الرجل يحرم امرأته فروى عن أبى بكر وعمر وابن مسعود وزيد بن ثابت وابن عمر أن الحرام يمين وهو قول الحسن وابن المسيب وجابر بن زيد وعطاء وطاوس

٣٦٢

وروى عن ابن عباس رواية مثله وروى عنه غير ذلك وعن على بن أبى طالب وزيد بن ثابت رواية وابن عمر رواية وأبى هريرة وجماعة من التابعين قالوا هي ثلاث وروى خصيف عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه كان يقول في الحرام بمنزلة الظهار وروى منصور عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال النذر والحرام إذا لم يسم مغلظة فتكون عليه رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا وروى ابن جبير عن ابن عباس أيضا إذا حرم الرجل امرأته فهي يمين يكفرها أما لكم في رسول الله أسوة حسنة وهذا محمول على أنه إذا لم تكن له نية فهو بمنزلة يمين وأنه إن أراد الظهار كان ظهارا وقال مسروق ما أبالى إياها حرمت أو قصعة من ثريد وعن أبى سلمة بن عبد الرحمن ما أبالى حرمت امرأتى أو ماء فراتا قال أبو بكر وليس فيه دلالة على أنهم لم يروه يمينا لأنه لا جائز أن يكون قولهما في تحريم الثريد والماء أنه يمين فكأنهما لم يريا ذلك طلاقا وكذلك نقول أنه ليس بطلاق إلا أن ينويه فلم تظهر مخالفة هذين لمن ذكرنا قولهم من الصحابة واتفاقهم على أن هذا القول ليس بلغو وإنه إما أن يكون يمينا أو طلاقا أو ظهارا واختلف فقهاء الأمصار في الحرام فقال أصحابنا إن نوى الطلاق فواحدة بائنة أن لا ينوى ثلاثا وإن لم ينو طلاقا فهو يمين وهو مول وذكر ابن سماعة عن محمد أنه إن نوى ظهارا لم يكن ظهارا لأن الظهار أصله بحرف التشبيه وروى ابن شجاع عن أبى يوسف في اختلاف زفر وأبى يوسف أنه إن نوى ظهارا كان ظهارا وقال ابن أبى ليلى هي ثلاث ولا أسئله عن نيته وقال مالك فيما ذكر عنه ابن القاسم الحرام لا يكون يمينا في شيء إلا أن يحرم امرأته فيلزمه الطلاق وهو ثلاث إلا أن ينوى واحدة أو اثنتين فيكون على ما نوى وقال الثوري إن نوى ثلاثا فثلاث وإن نوى واحدة فواحدة بائنة وإن نوى يمينا فهي يمين يكفرها وإن لم ينو فرقة ولا يمينا فليس بشيء هي كذبة وقال الأوزاعى هو على ما نوى وإن ينو شيئا فهو يمين وقال عثمان البتى هو بمنزلة الظهار وقال الشافعى ليس بطلاق حتى ينوى فإذا نوى فهو طلاق على ما أراد من عدده وإن أراد تحريمها بلا طلاق فعليه كفارة يمين وليس بمول قال أبو بكر قد جعل أصحابنا التحريم يمينا إذا لم تقارنه نية الطلاق إذا حرم امرأته فيكون بمنزلة قوله لها والله لا أقربك فيكون موليا وأما إذا حرم غير امرأته من المأكول والمشروب وغيرهما فإنه بمنزلة قوله والله

٣٦٣

لا آكل منه وو الله لا أشرب منه ونحو ذلك لقوله تعالى (لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللهُ لَكَ) ثم قال (قَدْ فَرَضَ اللهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ) فجعل التحريم يمينا فصارت اليمين في مضمون لفظ التحريم ومقتضاه في حكم الشرع فإذا أطلق كان محمولا على اليمين إلا أن ينوى غيرها فيكون ما نوى فإذا حرم امرأته وأراد الطلاق كان طلاقا لاحتمال اللفظ له وكل لفظ يحتمل الطلاق ويحتمل غيره فإنه متى أراد به الطلاق كان طلاقا والأصل فيه قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لركانة حين طلق امرأته البتة بالله ما أردت إلا واحدة فتضمن ذلك معنين أحدهما أن كل لفظ يحتمل الثلاث ويحتمل غيرها فإنه متى أراد الثلاث كان ثلاثا لو لا ذلك لم يستحلفه عليها والثاني أنه لم يلزمه الثلاث بوجود اللفظ وجعل القول قوله لاحتمال فيه فصار ذلك أصلا في أن كل لفظ يحتمل الطلاق وغيره إنا لا نجعله طلاقا إلا بمقارنة الدلالة لإرادة الطلاق ومما يدل على أن اللفظ المحتمل للطلاق يجوز إيقاع الطلاق به وإن لم يكن طلاقا في نفسه أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لسودة اعتدى ثم راجعها فأوقع الطلاق بقوله اعتدى لاحتماله له ولا نعلم أحدا من السلف منع إيقاع الطلاق بلفظ التحريم ومن قال منهم هو يمين فإنما أراد به عندنا إذا لم تكن له نية الطلاق ولم تقارنه دلالة الحال وزعم مالك أن من حرم على نفسه شيئا غير امرأته أنه لا يلزمه بذلك شيء وإن ذلك ليس بيمين وقد ذكرنا ما اقتضى قوله تعالى (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللهُ لَكَ) من كونه يمينا لقوله تعالى (قَدْ فَرَضَ اللهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ) وأنه لا يجوز إسقاط موجب هذا اللفظ من كون الحرام يمينا برواية من روى أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حلف أن لا يشرب العسل إذ غير جائز الاعتراض على حكم القرآن بخبر الواحد ولأن من روى اليمين يجوز أن يكون إنما عنى به التحريم وحده إذ كان التحريم يمينا ويدل من جهة النظر على أن التحريم يمين أن المحرم للشيء على نفسه قد اقتضى لفظه إيجاب الامتناع منه كالأشياء المحرمة وذلك في معنى النذر وقول القائل لله على أن لا أفعل ذلك فلما كان النذر يمينا بالسنة واتفاق الفقهاء وجب أن يكون تحريم الشيء بمنزلة النذر فتجب فيه كفارة يمين إذا حنث كما تجب في النذر وقوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً) روى عن على في قوله (قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ) قال علموا أنفسكم وأهليكم الخير وقال الحسن تعلمهم وتأمرهم وتنهاهم قال أبو بكر وهذا يدل على أن علينا تعليم أولادنا وأهلينا الدين

٣٦٤

والخير وما لا يستغنى عنه من الآداب وهو مثل قوله تعالى (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها) ونحو قوله تعالى للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) ويدل على أن للأقرب فالأقرب منا مزية في لزومنا تعليمهم وأمرهم بطاعة الله تعالى ويشهد له قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ومعلوم أن الراعي كما عليه حفظ من استرعى وحمايته والتماس مصالحه فكذلك عليه تأديبه وتعليمه وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم فالرجل راع على أهله وهو مسئول عنهم والأمير راع على رعيته وهو مسئول عنهم وحدثنا عبد الباقي بن قانع قال حدثنا إسماعيل بن الفضل بن موسى قال حدثنا محمد بن عبد الله بن حفص قال حدثنا محمد ابن موسى السعدي عن عمرو بن دينار قهرمان آل الزبير عن سالم عن أبيه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال ما نحل والد ولدا خيرا من أدب حسن وحدثنا عبد الباقي قال حدثنا الحضرمي قال حدثنا جبارة قال حدثنا محمد بن الفضل عن أبيه عن عطاء عن ابن عباس قال قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حق الولد على والده أن يحسن اسمه ويحسن أدبه وحدثنا عبد الباقي قال حدثنا عبد الله بن موسى بن أبى عثمان قال حدثنا يحيى بن معين قال حدثنا محمد بن ربيعة قال حدثنا محمد بن الحسن بن عطية قال حدثنا محمد بن عبد الرحمن عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا بلغ أولادكم سبع سنين فعلموهم الصلاة وإذا بلغوا عشر سنين فاضربوهم عليها وفرقوا بينهم في المضاجع وقوله تعالى (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ) قال الحسن أكثر من كان يصيب الحدود في ذلك الزمان المنافقون فأمر أن يغلظ عليهم في إقامة الحد وقيل جهاد المنافقين بالقول وجهاد الكفار بالحرب قال أبو بكر فيه الدلالة على وجوب الغلظة على الفريقين من الكفار والمنافقين ونهى عن مقارنتهم ومعاشرتهم وروى عن ابن مسعود قال إذا لم تقدروا أن تنكروا على الفاجر فألقوه بوجه مكفهر وقوله تعالى (فَخانَتاهُما) قال ابن عباس كانتا منافقتين ما زنت امرأة نبي قط وكانت خيانتهما أن امرأة نوح عليه‌السلام كانت تقول للناس إنه مجنون وكانت امرأة لوط عليه‌السلام تدل على الضيف آخر سورة التحريم.

سورة نون

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قوله تعالى (وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ) قيل من يحلف بالله كاذبا وسماه مهينا

٣٦٥

لاستجازته الكذب والحلف عليه والحلاف اسم لمن أكثر الحلف بحق أو باطل وقد نهى الله عن ذلك بقوله (وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ) وقوله تعالى (هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ) يعنى وقاعا في الناس عائبا لهم بما ليس فيهم وقوله (مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ) يعنى ينقل الكلام من بعض إلى بعض على وجه التضريب بينهم وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا يدخل الجنة قتات يعنى النمام وقوله تعالى (عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ) قيل في العتل أنه الفظ الغليظ والزنيم الدعي وحدثنا عبد الباقي بن قانع قال حدثنا الحسين بن إسحاق التستري قال حدثنا الوليد بن عتبة قال حدثنا الوليد بن مسلم قال حدثنا أبو شيبة إبراهيم بن عثمان عن عثمان بن عمير البجلي عن شهر ابن حوشب عن شداد بن أوس قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا يدخل الجنة جواظ ولا جعظري ولا عتل زنيم قلت وما الجواظ قال كل جماع قلت وما الجعظري قال الفظ الغليظ قلت وما العتل الزنيم قال رحب الجوف آخر سورة نون.

سورة سأل سائل

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قوله تعالى (الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ) روى أبو سلمة عن عائشة قالت كان أحب الصلاة إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما ديم عليه وقرأت الذين هم على صلاتهم دائمون وعن ابن مسعود قال دائمون على مواقيتها وعن عمران بن حصين في الآية قال الذي لا يلتفت في صلاته وقوله تعالى (لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) روى عن ابن عباس الذي يسئل والمحروم الذي لا يستقيم له تجارة وقال أبو قلابة المحروم من ذهب ماله وقال الحسن بن محمد بعث النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم سرية فغنمت فجاء آخرون بعد ذلك فنزلت (فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) وعن أنس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن المحروم من حرم وصيته قال أبو بكر قد ذكرنا فيما تقدم معنى المحروم واختلافهم فيه آخر سورة سأل سائل.

سورة المزمل

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قوله تعالى (يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً) روى زرارة بن أوفى عن سعد بن هشام قال قلت لعائشة انبئينى عن قيام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قالت أما تقرأ هذه السورة (يا أَيُّهَا

٣٦٦

الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً) قلت بلى قالت فإن الله افترض القيام في أول هذه السورة فقام النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه حتى انتفخت أقدامهم وأمسك الله تعالى خاتمتها اثنى عشر شهرا ثم أنزل التخفيف في آخر السورة فصار قيام الليل تطوعا بعد فريضة وقال ابن عباس لما نزلت أول المزمل كانوا يقومون نحو قيامهم في شهر رمضان حتى نزل آخرها وكان بين نزول أولها وآخرها نحو سنة وقوله تعالى (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً) قال ابن عباس بينه تبيينا وقال طاوس بينه حتى تفهمه وقال مجاهد (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً) قال وال بعضه على إثر بعض على تؤدة قال أبو بكر لا خلاف بين المسلمين في نسخ فرض قيام الليل وأنه مندوب إليه مرغب فيه وقد روى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم آثار كثيرة في الحث عليه والترغيب فيه روى ابن عمر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال أحب الصلاة إلى الله صلاة داود كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه وأحب الصيام إلى الله صيام داود كان يصوم يوما ويفطر يوما وروى عن على أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يصلى بالليل ثماني ركعات حتى إذا انفجر عمود الصبح أوتر بثلاث ركعات ثم سبح وكبر حتى إذا انفجر الفجر صلى ركعتي الفجر وعن عائشة أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يصلى من الليل إحدى عشرة ركعة وقوله تعالى (إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً) قال ابن عباس وابن الزبير إذا نشأت قائما فهي ناشئة الليل كله وقال مجاهد الليل كله إذا قام يصلى فهو ناشئة وما كان بعد العشاء فهو ناشئة وعن الحسن مثله وقال في قوله تعالى (أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً) قال أجهد للبدن وأثبت في الخير وقال مجاهد وأقوم قيلا قال أثبت قراءة وقوله تعالى (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً) قال مجاهد أخلص إليه إخلاصا وقال قتادة أخلص إليه الدعاء والعبادة وقيل الانقطاع إلى الله وتأميل الخير منه دون غيره ومن الناس من يحتج به في تكبيرة الافتتاح لأنه ذكر في بيان الصلاة فيدل على جواز الافتتاح بسائر أسماء الله تعالى وقوله تعالى (سَبْحاً طَوِيلاً) قال قتادة فراغا طويلا وقوله تعالى (هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً) قال مجاهد واطأ اللسان القلب مواطأة ووطاء ومن قرأ وطاء قال معناه هي أشد من عمل النهار وقوله تعالى (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ ـ إلى قوله تعالى ـ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) قال أبو بكر قد انتظمت هذه الآية معاني أحدها أنه نسخ به قيام الليل المفروض كان بديا والثاني دلالتها على لزوم فرض القراءة في الصلاة بقوله تعالى (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) والثالث دلالتها على جواز

٣٦٧

الصلاة بقليل القراءة والرابع أنه من ترك قراءة فاتحة الكتاب وقرأ غيرها أجزأه وقد بينا ذلك فيما سلف فإن قيل إنما نزل ذلك في صلاة الليل وهي منسوخة قيل له إنما نسخ فرضها ولم ينسخ شرائطها وسائر أحكامها وأيضا فقد أمرنا بالقراءة بعد ذكر التسبيح بقوله تعالى (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ) فإن قيل فإنما أمر بذلك في التطوع فلا يجوز الاستدلال به على وجوبها في الصلاة المكتوبة قيل إذا ثبت وجوبها في التطوع فالفرض مثله لأن أحدا لم يفرق بينهما وأيضا فإن قوله تعالى (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) يقتضى الوجوب لأنه أمر والأمر على الوجوب ولا موضع يلزم قراءة القرآن إلا في الصلاة فوجب أن يكون المراد القراءة في الصلاة فإن قيل إذا كان المراد به بالقراءة في صلاة التطوع والصلاة نفسها ليست بفرض فكيف يدل على فرض القراءة قيل له إن صلاة التطوع وإن لم تكن فرضا فإن عليه إذا صلاها أن لا يصليها إلا بقراءة ومتى دخل فيها صارت القراءة فرضا كما أن عليه استيفاء شرائطها من الطهارة وستر العورة وكما أن الإنسان ليس عليه عقد السلم وسائر عقود البياعات ومتى قصد إلى عقدها فعليه أن لا يعقدها إلا على ما أباحته الشريعة ألا ترى إلى قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من أسلم فليسلم في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم وليس عليه عقد السلم ولكنه متى قصد إلى عقده فعليه أن يعقده بهذه الشرائط فإن قيل إنما المراد بقوله تعالى (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) الصلاة نفسها فلا دلالة فيه على وجوب القراءة فيها قيل له هذا غلط لأن فيه صرف الكلام عن حقيقة معناه إلى المجاز وهذا لا يجوز إلا بدلالة وعلى أنه لو أسلم لك ما ادعيت كانت دلالته قائمة على فرض القراءة لأنه لم يعبر عن الصلاة بالقراءة إلا وهي من أركانها كما قال تعالى (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ) قال مجاهد أراد به الصلاة وقال (وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ) والمراد به الصلاة فعبر عن الصلاة بالركوع لأنه من أركانها آخر سورة المزمل.

سورة المدثر

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قوله تعالى (وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ) قال ابن عباس وإبراهيم ومجاهد وقتادة والضحاك لا تعط عطية لتعطى أكثر منها وقال الحسن والربيع بن أنس لا تمنن حسناتك على الله مستكثرا لها فينقصك ذلك عند الله وقال آخرون لا تمنن بما أعطاك الله من النبوة والقرآن

٣٦٨

مستكثرا به الأجر من الناس وعن مجاهد أيضا لا تضعف في عملك مستكثرا لطاعتك قال أبو بكر هذه المعاني كلها يحتملها اللفظ وجائز أن يكون جميعها مرادا به فالوجه حمله على العموم في سائر وجوه الاحتمال وقوله تعالى (وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ) يدل على وجوب تطهير الثياب من النجاسات للصلاة وأنه لا تجوز الصلاة في الثوب النجس لأن تطهيرها لا يجب إلا للصلاة وروى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه رأى عمارا يغسل ثوبه فقال مم تغسل ثوبك فقال من نخامة فقال إنما يغسل الثوب من الدم والبول والمنى وقالت عائشة أمرنى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بغسل المنى من الثوب إذا كان رطبا وزعم بعضهم أن المراد بذلك ما روى عن أبى رزين قال عملك أصلحه وقال إبراهيم (وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ) من الإثم وقال عكرمة أمره أن لا يلبس ثيابه على عذرة وهذا كله مجاز لا يجوز صرف الكلام إليه إلا بدلالة واحتج هذا الرجل بأنه لا يجوز أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يحتاج إلى أن يؤمر بغسل ثيابه من البول وما أشبهه قال أبو بكر وهذا كلام شديد الاختلال والفساد والتناقض لأن في الآية أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بهجر الأوثان بقوله تعالى (وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ) ومعلوم أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان هاجرا للأوثان قبل النبوة وبعدها وكان مجتنبا للآثام والعذرات في الحالين فإذا جاز خطابه بترك هذه الأشياء وإن كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قبل ذلك تاركا لها فتطهير الثياب لأجل الصلاة مثله وقال الله تعالى مخاطبا لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم (وَلا تَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) والنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يدع مع الله إلها قط فهذا يدل على تناقض قول هذا الرجل وفساده وزعم أنه من أول ما نزل الله من القرآن قبل كل شيء من الشرائع من وضوء أو صلاة أو غيرها وإنما يدل على أنها الطهارة من أوثان الجاهلية وشركها والأعمال الخبيثة وقد نقض بهذا ما ذكره بديا من أنه لم يكن يحتاج إلى أن يؤمر بتطهير الثياب من النجاسة أفتراه ظن أنه كان يحتاج إلى أن يوصى بترك الأوثان فإذا لم يكن يحتاج إلى ذلك لأنه كان تاركا لها وقد جاز أن يخاطب بتركها فكذلك طهارة الثوب وأما قوله إن ذلك من أول ما نزل فما في ذلك مما يمنع أمره بتطهير الثياب لصلاة يفرضها عليه وقد روى عن عائشة ومجاهد وعطاء أن أول ما نزل من القرآن (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) آخر سورة المدثر.

«٢٤ ـ أحكام مس»

٣٦٩

سورة القيامة

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قال الله تعالى (بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ) روى عن ابن عباس أنه قال شاهد على نفسه وقيل معناه بل الإنسان على نفسه من نفسه بصيرة جوارحه شاهدة عليه يوم القيامة قوله تعالى (وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ) قال ابن عباس لو اعتذر وقبل شهادة نفسه عليه أولى من اعتذاره قال أبو بكر لما احتمل اللفظ هذه المعاني وجب حمله عليها إذ لا تنافى في هذا ويدل على أن قوله مقبول على نفسه إذ جعله الله حجة على نفسه وشاهدا عليها ولما عبر عن كونه شاهدا على نفسه بأنه على نفسه بصيرة دل على تأكيد أمر شهادته على نفسه وثبوتها فيوجب ذلك جواز عقوده وإقراره وجميع ما اعترف بلزوم نفسه آخر سورة القيامة.

سورة الإنسان

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قوله تعالى (وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ ـ إلى قوله تعالى ـ وَأَسِيراً) عن أبى وائل أنه أمر بأسرى من المشركين فأمر من يطعمهم ثم قرأ (وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ) الآية وقال قتادة كان أسيرهم يومئذ المشرك فأخوك المسلم أحق أن تطعمه وعن الحسن وأسيرا قال كانوا مشركين وقال مجاهد الأسير المسجون وقال ابن جبير وعطاء ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا قال هم أهل القبلة وغيرهم قال أبو بكر الأظهر الأسير المشرك لأن المسلم المسجون لا يسمى أسيرا على الإطلاق وهذه الآية تدل على أن في إطعام الأسير قربة ويقتضى ظاهره جواز إعطائه من سائر الصدقات إلا أن أصحابنا لا يجيزون إعطاءه من الزكاة وصدقات المواشي وما كان أخذه منها إلى الإمام ويجيز أبو حنيفة ومحمد جواز إعطائه من الكفارات ونحوها وأبو يوسف لا يجيز دفع الصدقة الواجبة إلا إلى المسلم وقد بيناه فيما سلف آخر سورة الإنسان.

سورة المرسلات

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قال الله تعالى (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً أَحْياءً وَأَمْواتاً) قال الشعبي يعنى أنه جعل

٣٧٠

ظهرها للأحياء وبطنها للأموات والكفات الضمام فأراد أنها تضمهم في الحالين وروى إسرائيل عن أبى يحيى عن مجاهد ألم نجعل الأرض كفاتا قال تكفت الميت فلا يرى منه شيء وأحياء قال الرجل في بيته لا يرى من عمله شيء قال أبو بكر وهذا يدل على وجوب مواراة الميت ودفنه ودفن شعره وسائر ما يزايله وهذا يدل على أن شعره وشيئا من بدنه لا يجوز بيعه ولا التصرف فيه لأن الله قد أوجب دفنه وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعن الله الواصلة وهي التي تصل شعر غيرها بشعرها فمنع الانتفاع به وهو معنى ما دلت عليه الآية وهذه الآية نظير قوله تعالى (ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ) يعنى أنه جعل له قبرا وروى في تأويل الآية غير ذلك وعن ابن مسعود أنه أخذ قملة فدفنها في المسجد في الحصى ثم قال الله تعالى (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً أَحْياءً وَأَمْواتاً) وعن أبى أمامة مثله وأخذ عبيد بن عمير قملة عن ابن عمر فطرحها في المسجد قال أبو بكر هذا التأويل لا ينفى الأول وعمومه يقتضى الجميع آخر سورة المرسلات.

سورة إذا السماء انشقت

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قوله تعالى (فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ) قال مجاهد الشفق النهار ألا تراه قال الله تعالى (وَاللَّيْلِ وَما وَسَقَ) وقال عمر بن عبد العزيز الشفق البياض وقال أبو جعفر محمد بن على الشفق السواد الذي يكون إذا ذهب البياض قال أبو بكر الشفق في الأصل الرقة ومنه ثوب شفق إذا كان رقيقا ومنه الشفقة وهو رقة القلب وإذا كان هذا أصله فهو البياض أولى منه بالحمرة لأن أجزاء الضياء رقيقة في هذه الحال وفي وقت الحمرة أكثف وقوله تعالى (وَإِذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ) يستدل به على وجوب سجدة التلاوة لذمه لتارك السجود عند سماع التلاوة وظاهره يقتضى إيجاب السجود عند سماع سائر القرآن إلا أنا خصصنا منه ما عدا مواضع السجود واستعملناه في مواضع السجود بعموم اللفظ ولأنا لو لم نستعمله على ذلك كنا قد ألغينا حكمه رأسا فإن قيل إنما أراد به الخضوع لأن اسم السجود يقع على الخضوع قيل له هو كذلك إلا أنه خضوع على وصف وهو وضع الجبهة على الأرض كما أن الركوع والقيام والصيام والحج وسائر العبادات خضوع ولا يسمى سجودا لأنه خضوع على صفة إذا خرج عنها لم يسم به آخر سورة إذا السماء انشقت.

٣٧١

سورة سبح اسم ربك الأعلى

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قوله تعالى (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى) روى عن عمر بن عبد العزيز وأبى العالية قالا أدى زكاة الفطر ثم خرج إلى الصلاة وروى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه أمر بإخراج صدقة الفطر قبل الخروج إلى المصلّى وقال ابن عباس السنة أن تخرج صدقة الفطر قبل الصلاة قال أبو بكر ويستدل بقوله تعالى (وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى) على جواز افتتاح الصلاة بسائر الأذكار لأنه لما ذكر عقيب ذكر اسم الله الصلاة متصلا به إذ كانت الفاء للتعقيب بلا تراخ دل على أن المراد افتتاح الصلاة آخر سورة سبح.

سورة البلد

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قوله تعالى (فَكُّ رَقَبَةٍ) روى أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال له رجل علمني عملا يدخلني الجنة قال أعتق النسمة وفك الرقبة قال أليسا سواء يا رسول الله فقال لا عتق النسمة أن تنفرد بعتقها وفك الرقبة أن تعين في ثمنها قال أبو بكر قد اقتضى ذلك جواز إعطاء المكاتب من الصدقات لأنه معونة في ثمنه وهو نحو قوله في شأن الصدقات وفي الرقاب وقوله تعالى (ذِي مَسْغَبَةٍ) ذي مجاعة وقوله تعالى (أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ) قال ابن عباس المتربة بقعة التراب أى هو مطروح في التراب لا يواريه عن الأرض شيء وعن ابن عباس أيضا رواية المتربة شدة الحاجة من قولهم ترب الرجل إذا افتقر وقوله تعالى (ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا) معناه وكان من الذين آمنوا فصارت ثم هاهنا بمعنى الواو آخر سورة البلد.

سورة الضحى

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قوله تعالى (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ) قيل لا تقهره بظلمه وأخذ ماله وخص اليتيم لأنه لا ناصر له غير الله فغلظ في أمره لتغليظ العقوبة على ظالمه وقد روى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال اتقوا ظلم من لا ناصر له غير الله وقوله تعالى (وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ) فيه نهى عن إغلاظ القول له لأن الانتهار هو الزجر وإغلاظ القول وقد أمر في آية أخرى بحسن

٣٧٢

القول له وهو قوله تعالى (وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُوراً) وهذا وإن كان خطابا للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فإنه قد أريد به جميع المكلفين آخر السورة.

سورة ألم نشرح

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قوله تعالى (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) حدثنا عبد الله بن محمد المروزى قال حدثنا الحسن بن أبى الربيع قال أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن الحسن في قوله تعالى (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) قال خرج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم وهو مسرور يضحك وهو يقول لن يغلب عسر يسرين لن يغلب عسر يسرين إن مع العسر يسرا قال أبو بكر يعنى إن العسر المذكور بديا هو المثنى به آخرا لأنه معرف بالألف واللام فيرجع إلى المعهود المذكور واليسر الثاني غير الأول لأنه منكور ولو أراد الأول لعرفه بالألف واللام وقوله تعالى (فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ) قال ابن عباس إذا فرغت من فرضك فانصب إلى ما رغبك تعالى فيه من العمل وقال الحسن فإذا فرغت من جهاد أعدائك فانصب إلى ربك في العبادة وقال قتادة فإذا فرغت من صلاتك فانصب إلى ربك في الدعاء وقال مجاهد فإذا فرغت من أمر دنياك فانصب إلى عبادة ربك وهذه المعاني كلها محتملة والوجه حمل اللفظ عليها فيكون كلها جميعها مرادا وإن خطابا للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فإن المراد به جميع المكلفين آخر السورة.

سورة ليلة القدر

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قوله تعالى (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ـ إلى قوله ـ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) قيل إنما هي خير من ألف شهر ليس فيها ليلة القدر وذلك لما يقسم فيها من الخير الكثير الذي لا يكون مثله في ألف شهر فكانت أفضل من ألف شهر لهذا المعنى وإنما وجه تفضيل الأوقات والأماكن بعضها على بعض لما يكون فيها من الخير الجزيل والنفع الكثير واختلاف الروايات عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في ليلة القدر متى تكون واختلف الصحابة فيها فروى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنها ليلة ثلاث وعشرين رواه ابن عباس وروى أبو سعيد الخدري أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال التمسوها في العشر الأواخر واطلبوها في كل وتر وعن ابن مسعود قال

٣٧٣

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليلة تسع عشرة من رمضان وليلة إحدى وعشرين وليلة ثلاث وعشرين وعن ابن عمر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال تحروا ليلة القدر في السبع الأواخر وروى أنه قال في سبع وعشرين حدثنا محمد بن بكر البصري قال أخبرنا أبو داود قال حدثنا حميد ابن زنجويه النسائي قال حدثنا سعيد بن أبى مريم قال حدثنا محمد بن جعفر بن أبى كثير قال أخبرنا موسى بن عقبة عن أبى إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عمر قال سئل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأنا أسمع عن ليلة القدر فقال هي في كل رمضان وحدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا سليمان بن حرب ومسدد قالا حدثنا حماد بن زيد عن عاصم عن زر قال قلت لأبى بن كعب أخبرنى عن ليلة القدر يا أبا المنذر فإن صاحبنا يعنى عبد الله بن مسعود سئل عنها فقال من يقم الحول يصبها فقال رحم الله أبا عبد الرحمن والله لقد علم أنها في رمضان ولكن كره أن يتكلوا والله إنها في رمضان ليلة سبع وعشرين قال أبو بكر هذه الأخبار كلها جائز أن تكون صحيحة فتكون في سنة في بعض الليالى وفي سنة أخرى في غيرها وفي سنة أخرى في العشر الأواخر من رمضان وفي سنة في العشر الأوسط وفي سنة في العشر الأول وفي سنة في غير رمضان ولم يقل ابن مسعود من يقم الحول يصيبها إلا من طريق التوقيف إذ لا يعلم ذلك إلا بوحي من الله تعالى إلى نبيه فثبت بذلك أن ليلة القدر غير مخصوصة بشهر من السنة وأنها قد تكون في سائر السنة ولذلك قال أصحابنا فيمن قال لامرأته أنت طالق في ليلة القدر أنها لا تطلق حتى يمضى حول لأنه لا يجوز إيقاع الطلاق بالشك ولم يثبت أنها مخصوصة بوقت فلا يحصل اليقين بوقوع الطلاق بمضى حول آخر السورة.

سورة لم يكن الذين كفروا

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قوله تعالى (وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ) فيه أمر بإخلاص العبادة له وهو أن لا يشرك فيها غيره لأن الإخلاص ضد الإشراك وليس له تعلق بالنية لا في وجودها ولا في فقدها فلا يصح الاستدلال به في إيجاب النية لأنه متى اعتقد الإيمان فقد حصل له الإخلاص في العبادة ونفى الإشراك فيها آخر السورة.

٣٧٤

سورة أرايت الذي يكذب بالدين

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قوله تعالى (الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ) قال ابن عباس يؤخرونها عن وقتها وكذلك قال مصعب بن سعد عن سعد وروى مالك بن دينار عن الحسن قال يسهون عن ميقاتها حتى يفوت وروى إسماعيل بن مسلم عن الحسن قال هم المنافقون يؤخرونها عن وقتها يراؤن بصلاتهم إذا صلوا وقال أبو العالية هو الذي لا يدرى أعلى شفع انصرف أو على وتر قال أبو بكر يشهد لهذا التأويل ما حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أحمد بن حنبل قال حدثنا عبد الرحمن بن مهدى عن سفيان عن أبى مالك الأشجعى عن أبى حازم عن أبى هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لا غرار في الصلاة ولا تسليم ومعناه أنه لا ينصرف منها على غرار وهو شاك فيها ونظيره ما روى أبو سعيد أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال من شك في صلاته فلم يدر أثلاثا صلّى أم أربعا فليصل ركعة أخرى وإن كان قد تمت صلاته فالركعة والسجدتان له نافلة وروى عن مجاهد ساهون قال لاهون قال أبو بكر كأنه أراد أنهم يسهون للهوهم عنها فإنما استحقوا اللوم لتعرضهم للسهو لقلة فكرهم فيها إذ كانوا مرائين في صلاتهم لأن السهو الذي ليس من فعله لا يستحق العقاب عليه وقوله تعالى (يَدُعُّ الْيَتِيمَ) قال ابن عباس ومجاهد وقتادة يدفعه عن حقه وقوله تعالى (وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ) قال على وابن عباس رواية ابن عمر وابن المسيب الماعون الزكاة وروى الحارث عن على الماعون منع الفأس والقدر والدلو وكذلك قال ابن مسعود عن ابن عباس رضى الله عنهما رواية أخرى العارية وقال ابن المسيب الماعون المال وقال أبو عبيدة كل ما فيه منفعة فهو الماعون قال أبو بكر يجوز أن يكون جميع ما روى فيه مرادا لأن عارية هذه الآلات قد تكون واجبة في حال الضرورة إليها ومانعها مذموم مستحق للذم وقد يمنعها المانع لغير ضرورة فينبئ ذلك عن لؤم ومجانبة أخلاق المسلمين وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعثت لأتمم مكارم الأخلاق آخر السورة.

سورة الكوثر

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قوله تعالى (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) قال الحسن صلاة يوم النحر ونحر البدن وقال

٣٧٥

عطاء ومجاهد صل الصبح بجمع وانحر البدن بمنى قال أبو بكر وهذا التأويل يتضمن معنيين أحدهما إيجاب صلاة الضحى والثاني وجوب الأضحية وقد ذكرناه فيما سلف وروى حماد بن سلمة عن عاصم الجحدري عن أبيه عن على فصل لربك وانحر قال وضع اليد اليمنى على الساعد الأيسر ثم وضعه على صدره وروى أبو الجوزاء عن ابن عباس فصل لربك وانحر قال وضع اليمين على الشمال عند النحر في الصلاة وروى عن عطاء أنه رفع اليدين في الصلاة وقال الفراء يقال استقبل القبلة بنحرك فإن قيل يبطل التأويل الأول حديث البراء بن عازب قال خرج علينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم الأضحى إلى البقيع فبدأ فصلّى ركعتين ثم أقبل علينا بوجهه وقال إن أول نسكنا في يومنا هذا أن نبدأ بالصلاة ثم نرجع فننحر فمن فعل ذلك فقد وافق سنتنا ومن ذبح قبل ذلك فإنما هو لحم عجله لأهله ليس من النسك في شيء فسمى صلاة العيد والنحر سنة فدل على أنه لم يؤمر بهما في الكتاب قيل له ليس كما ظننت لأن ما سنه الله وفرضه فجائز أن نقول هذا سنتنا وهذا فرضنا كما نقول هذا ديننا وإن كان الله فرضه علينا وتأويل من تأوله على حقيقة نحر البدن أولى لأنه حقيقة اللفظ ولأنه لا يعقل بإطلاق اللفظ غيره لأن من قال نحر فلان اليوم عقل منه نحر البدن ولم يعقل منه وضع اليمين على اليسار ويدل على أن المراد الأول اتفاق الجميع على أنه لا يضع يده عند النحر وقد روى عن على وأبى هريرة وضع اليمين على اليسار أسفل السرة وقد روى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه كان يضع يمينه على شماله في الصلاة من وجوه كثيرة آخر السورة.

سورة الكافرون

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قوله تعالى (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) قال أبو بكر هذه الآية وإن كانت خاصة في بعض الكفار دون بعض لأن كثيرا منهم قد أسلموا وقد قال (وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ) فإنها قد دلت على أن الكفر كله ملة واحدة لأن من لم يسلم منهم مع اختلاف مذاهبهم مرادون بالآية ثم جعل دينهم دينا واحدا ودين الإسلام دينا واحدا فدل على أن الكفر مع اختلاف مذاهبه ملة واحدة آخر السورة.

٣٧٦

سورة إذا جاء نصر الله

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قوله تعالى (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ) روى أنه فتح مكة وهذا يدل على أنها فتحت عنوة لأن إطلاق اللفظ يقتضيه ولا ينصرف إلى الصلح إلا بتقييد وقوله تعالى (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ) روى أبو الضحى عن مسروق عن عائشة قالت كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي يتأول القرآن وروى الأعمش عن مسلم عن مسروق عن عائشة قالت كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يكثر أن يقول قبل أن يموت سبحانك اللهم وبحمدك استغفرك وأتوب إليك قالت قلت يا رسول الله ما هذه الكلمات التي أراك قد أحدثتها قال جعلت لي علامة في أمتى إذا رأيتها قلتها إذا جاء نصر الله والفتح إلى آخرها آخر السورة.

سورة تبت

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قوله تعالى (ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ) روى عن ابن عباس وما كسب يعنى ولده وسماهم ابن عباس الكسب الخبيث وروى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إن أفضل ما أكل الرجل من كسبه وأن ولده من كسبه قال أبو بكر هو كقوله أنت ومالك لأبيك وهو يدل على صحة استيلاد الأب لجارية ابنه وأنه مصدق عليه وتصير أم ولده ويدل على أن الوالد لا يقتل بولده لأنه سماه كسبا له كما لا يقاد لعبده الذي هو كسبه وقوله تعالى (سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ) إحدى الدلالات على صحة نبوة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأنه أخبر بأنه وامرأته سيموتان على الكفر ولا يسلمان فوجد مخبره على ما أخبر به وقد كان هو وامرأته سمعا بهذه السورة ولذلك قالت امرأته إن محمدا هجانا فلو أنهما قالا قد أسلمنا وأظهرا ذلك وإن لم يعتقداه لكانا قد ردا هذا القول ولكان المشركون يجدون متعلقا ولكن الله علم أنهما لا يسلمان إلا بإظهاره ولا باعتقاده فأخبر بذلك وكان مخبره على ما أخبر به وهذا نظير قوله لو قال إنكما لا تتكلمان اليوم فلم يتكلما مع ارتفاع الموانع وصحة الآلة فيكون ذلك من أظهر الدلالات على صحة نبوته وإنما ذكر الله أبا لهب

٣٧٧

بكنيته وذكر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم باسمه وكذلك زيد وكل من ذكره في الكتاب فإنما ذكرهم بالاسم دون الكنية لأن أبا لهب كان اسمه عبد العزى وغير جائز تسميته بهذا الإسم فلذلك عدل عن اسمه إلى كنيته آخر سورة.

سورة الفلق

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا عبد الله بن محمد النفيلى قال حدثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن سعيد بن أبى سعيد المقبري عن أبيه عن عقبة بن عامر قال بينا أنا أسير مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بين الجحفة والأبواء إذ غشيتنا ريح وظلمة شديدة فجعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يتعوذ بأعوذ برب الفلق وأعوذ برب الناس ويقول يا عقبة تعوذ بهما فما تعوذ متعوذ بمثلهما قال وسمعته يؤمنا بهما في الصلاة وروى عن جعفر بن محمد قال جاء جبريل إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فرقاه بالمعوذتين وقالت عائشة أمرنى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن أسترقى من العين وروى الشعبي عن بريدة قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا رقية إلا من عين أو حمى وعن أنس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مثله وحدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا محمد بن العلاء قال حدثنا أبو معاوية قال حدثنا الأعمش عن عمرو بن مرة عن يحيى بن الجزار عن ابن أخى زينب امرأة عبد الله عن زينب امرأة عبد الله عن عبد الله قال سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول إن الرقى والتمائم والتولة شرك قالت قلت لم تقول هذا والله لقد كانت عيني تقذف فكنت اختلف إلى فلان اليهودي يرقينى فإذا رقانى سكنت فقال عبد الله إنما ذلك عمل الشيطان كان ينخسها بيده فإذا رقاهما كف عنهما إنما يكفيك أن تقولي كما كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول أذهب البأس رب الناس اشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما وقوله تعالى (وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ) قال أبو صالح النفاثات في العقد السواحر وروى معمر عن قتادة أنه تلا (وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ) قال إياكم وما يخالط السحر من هذه الرقى قال أبو بكر النفاثات في العقد السواحر ينفثن على العليل ويرقونه بكلام فيه كفر وشرك وتعظيم للكواكب ويطعمن العليل الأدوية الضارة والسموم القاتلة ويحتالون في التوصل إلى ذلك ثم يزعمن أن ذلك من رقاهن هذا لمن أردن ضرره

٣٧٨

وتلفه وأما من يزعمن أنهن يردن نفعه فينفثن عليه ويوهمن أنهن ينفعن بذلك وربما يسقينه بعض الأدوية النافعة فينفق للعليل خفة الوجع فالرقية المنهي عنها هي رقية الجاهلية لما تضمنته من الشرك والكفر وأما الرقية بالقرآن وبذكر الله تعالى فإنها جائزة وقد أمر بها النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وندب إليها وكذلك قال أصحابنا في التبرك بالرقية بذكر الله وإنما أمر الله تعالى بالاستعاذة من شر النفاثات في العقد لأن من صدق بأنهن ينفعن بذلك كان ذلك ضررا عليه في الدين من حيث يعتقد جواز نفعها وضررها بتلك الرقية ومن جهة أخرى شرهن فيما يحتلن من سقى السموم والأدوية الضارة وقوله تعالى (وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ) حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا الحسن بن أبى الربيع قال أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله تعالى (وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ) قال يقول من شر عينيه ونفسه قال أبو بكر قد روت عائشة أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أمرها أن تسترقى من العين وروى ابن عباس وأبو هريرة أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال العين حق والأخبار عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بصحة العين متظاهرة حدثنا ابن قانع قال حدثنا القاسم بن زكريا قال حدثنا سويد بن سعيد قال حدثنا أبو إبراهيم السقاء عن ليث عن طاوس عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم العين حق فلو كان شيء يسبق القدر لسبقته العين فإذا استغسلتم فاغسلوا قال أبو بكر زعم بعض الناس أن ضرر العين إنما هو من جهة شيء ينفصل من العائن فيتصل بالمعين وهذا هو شر وجهل وإنما العين في الشيء المستحسن عند العائن فيتفق في كثير من الأوقات ضرر يقع بالمعين ويشبه أن يكون الله تعالى إنما يفعل ذلك عند إعجاب الإنسان بما يراه تذكيرا له لئلا يركن إلى الدنيا ولا يعجب بشيء منها وهو نحو ما روى أن العضباء ناقة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم تكن تسبق فجاء أعرابى على قعود له فسابق بها فسبقها فشق ذلك على أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم حق على الله أن لا يرفع شيئا من الدنيا إلا وضعه وكذلك أمر العائن عند إعجابه بما يراه أن يذكر الله وقدرته فيرجع إليه ويتوكل عليه قال الله تعالى (وَلَوْ لا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ ما شاءَ اللهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ) فأخبر بهلاك جنته عند إعجابه بها بقوله فقال (وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ قالَ ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً ـ إلى قوله تعالى وَلَوْ لا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ ما شاءَ اللهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ) أى لتبقى عليك نعم الله تعالى إلى وقت وفاتك وحدثنا

٣٧٩

عبد الباقي قال حدثنا إسماعيل بن الفضل قال حدثنا العباس بن أبى طالب قال حدثنا حجاج قال حدثنا أبو بكر الهذلي عن ثمامة عن أنس قال قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من رأى شيئا أعجبه فقال الله الله ما شاء الله لا قوة إلا بالله لم يضره شيء.

(تم بحمد لله والله الموفق)

٣٨٠