الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٦

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي

الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٦

المؤلف:

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي


المحقق: مركز الغدير للدّراسات الإسلاميّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
المطبعة: فروردين
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٤

أعلامُ دينٍ رُسَّخٍ لهمُ

في نشر كلِّ فضيلةٍ صدرُ

فكفاهمُ فخراً إذا افتخروا

ما دام حيّا فيهمُ الفخرُ

وصلوا نهارَهمُ بليلهمْ

نظراً وما لوصالِهم هجرُ

وطووا على مَضضٍ سرائرَهمْ

صبراً وليس لطيّها نشرُ

حتى يفضَّ ختامَها وبكمْ

يطفى بُعيد شرارِها الشرُّ

يا غائبينَ متى بقربكمُ

من بَعد وهن يُجبرُ الكسرُ

الفيءُ مقتسَمٌ لغيرِكمُ

وأكفُّكمْ من فيئكمْ صفرُ

والمال حلٌّ للعصاةِ ويُح

ـرَمُه الكرامُ السادةُ الغرُّ

فنصيبهمْ منه الأعمُّ على

عصيانِهمْ ونصيبُكمْ نزرُ

يُمسون في أمنٍ وليس لهم

من طارقٍ (١) يغتالهم حذرُ

ويكاد من خوفٍ ومن جزعٍ

بكمُ يضيق البرُّ والبحرُ

ويقول بعد سبعة أبيات :

وإذا ذُكرتمْ في محافلهمْ

فوجوههمْ مُربِدةٌ صُفرُ

يتميّزون لذكركمْ حنقاً

وعيونُهم مُزورّةٌ خزرُ

وعلى المنابرِ في بيوتكمُ

لأُولي الضلالةِ والعمى ذِكرُ

حال يسوء ذوي النهى وبه

يستبشر المتجاهل الغمرُ

ويصفِّقون على أكفّهمُ

فرحاً إذا ما أقبل العشرُ

جعلوه من أهنى مواسمهم

لا مرحباً بك أيّها الشهرُ

تلك الأناملُ من دمائِكمْ

يوم الطفوف خضيبةٌ حمرُ

فتوارثَ الهمجُ الخضابَ فمن

كفر تولّدَ ذلك الكفرُ

نبكي فيضحكُهمْ مصابكُمُ

وسرورُهمْ بمصابِكمْ نكرُ

__________________

(١) في بعض النسخ : من طارقٍ يغشاهم خدر. (المؤلف)

٥٢١

تالله ما سرّوا النبيّ ولا

لوصيّه بسرورِهمْ سرّوا

فإلى مَ هذا الإنتظارُ وفي

لهواتِنا من صبرِنا صَبرُ (١)

لكنّه لا بدَّ من فرجٍ

والأمرُ يحدثُ بعده الأمرُ

أبني المفاخرِ والذين علا

لهمُ على هامِ السها (٢) قدرُ

أسماؤكم في الذكرِ معلنةٌ

يجلو محاسنَها لنا الذكرُ

شهدت بها الأعرافُ معرفةً

والنحلُ والأنفالُ والحجرُ

وبراءةٌ شهدتْ بفضلِكمُ

والنورُ والفرقانُ والحشرُ

وتعظّم التوراةُ قدرَكمُ

فإذا انتهى سِفرٌ حكى سفرُ

ولكم مناقبُ قد أحاط بها ال

إنجيلُ حارَ لوصفِها الفكرُ

ولكم علومُ الغائباتِ فمن

ـها الجامعُ المخزونُ والجفرُ

هذا ولو شجرُ البسيطةِ أقلا

مٌ وسبعةُ أبحرٍ حبرُ

وفسيح هذي الأرض مجملةً

طرسٌ فمنها السهلُ والوعرُ

والإنسُ والأملاكُ كاتبةٌ

والجنُّ حتى ينقضي العمرُ

ليعدِّدوا ما فيه خصّكمُ

ذو العرشِ حتى ينفد الدهرُ

لم يذكروا عُشرَ العشير وهل

يحصى الحصى أو يحصر الذرُّ

فأنا المقصّرُ في مديحِكمُ

حصراً فما لمقصّرٍ عذرُ

ولقد بلوتُ من الزمانِ ولي

في كلّ تجربةٍ بهمُ خُبرُ

فوجدت ربَّ الفقرِ محتقراً

وأخو الغنى يزهو به الكِبرُ

فقطعتُ عمّا خُوّلوا أملي

ولذي الجلالِ الحمد والشكرُ

وثنيتُ نحوكمُ الركابَ فلا

زيدٌ نؤمّلُه ولا عمرو

__________________

(١) لهوات جمع لهات وهي : اللحمة المشرفة على الحلق في أقصى سقف الفم. الصبر ـ بالفتح ـ : عصارة شجر مرّ. (المؤلف)

(٢) السها : كويكب صغير خفيّ الضوء ، والناس يمتحنون به أبصارهم.

٥٢٢

حتى إذا أمّت جنابَكمُ

ومن القريضِ حمولُها دُرُّ

آبتْ من الحسناتِ مثقلةً

فأنا الغنيُّ بكم ولا فقرُ

سمعاً بني الزهراءِ سائغةً

ألفاظُها من رقّةٍ سحرُ

عبقتْ مناقبُكمْ بها فذكا

في كلّ ناحيةٍ لها عطرُ

يرجو عليُّ بها النجاةَ إذا

مُدَّ الصراطُ وأعوزَ العبرُ

أعددتُها يومَ القيامةِ لي

ذخراً ونعمَ لديكمُ الذخرُ

فتقبّلوها من وليّكمُ

بكراً فنعم الغادةُ البكرُ

فقبولُكمْ نعم القرينُ لها

وهي العروسُ فبورك الصهرُ

لكمُ عليَّ كمالُ زينتِها

ولي الجنانُ عليكمُ مهرُ

أنا عبدُكمْ والمستجيرُ بكُم

وعليَّ من مرحِ الصبا إصرُ

فتعطّفوا كرماً عليَّ وقد

يتفضّلُ المتعطّفُ البرُّ

وتفقّدوني في الحسابِ كما

فقد العبيدَ المالكُ الحرُّ

صلّى الإلهُ عليكمُ أبداً

ما جنّ ليلٌ أو بدا فجرُ

وعليكمُ منّي التحيّةُ ما

سحَّ الحيا وتبسّم الزهرُ (١)

القصيدة الثانية

أبرقٌ تراءى عن يمين ثغورِها (٢)

أم ابتسمت عن لؤلؤٍ من ثغورِها (٣)

ومرّت بليلٍ في بَليلِ (٤) عراصها

بنا نسمةٌ أم نفحةٌ من عبيرِها

وطلعةُ بدرٍ أم تراءت عن اللوى

لعينيك ليلى من خلال ستورِها

__________________

(١) أعيان الشيعة : ٨ / ١٩٧.

(٢) الثغر : الحدّ بين المتعاديين وكلّ فرجة في جبل أو وادٍ. (المؤلف)

(٣) الثغر : مقدّم الأسنان. (المؤلف)

(٤) البليل والبليلة : الريح الباردة مع ندى. (المؤلف)

٥٢٣

نعم هذه ليلى وهاتيك دارُها

بسقطِ اللوى يغشاك لألاءُ نورِها (١)

سلامٌ على الدارِ التي طالما غدت

جلاءً لعيني درّةٍ من درورِها (٢)

وما عطفتْ بالصبِّ ميلاً إلى الصبا

بها شغفاً إلاّ بدورٌ بدورِها

قضيت بها عصرَ الشباب بريئةً

من الريبِ ذاتي مع ذوات خدورِها

أتمّ جمالاً من جميلٍ وسؤدداً

وأكثرُ كسباً للعلى من كثيرِها

وبتُّ بريئاً من دنوِّ دناءةٍ

أُعاتب من محظورِها وخطيرِها

لعلمي بأنِّي في المعادِ مناقشٌ

حساباً على قطميرِها ونقيرِها

وما كنت من يسخو بنفسٍ نفيسةٍ

فأرخص بذلاً سعرها بسعيرها

وأجمل ما يعزى إلى المجد عزوةً

غدا مسفراً بالبشر وجه بشيرها

أعذرٌ لمبيضِّ العذار إذا صبا

وأكبر مقتاً صبوةٌ من كبيرها

كفى بنذيرِ الشيبِ نهياً لذي النهى

وتبصرة فيها هدىً لبصيرِها

وما شبتُ إلاّ من وقوعِ شوائبٍ

لأصغرِها يبيضُّ رأسُ صغيرِها

ولولا مصابُ السبطِ بالطفِّ ما بدا

بليلِ عذاري السبط وخْطُ قتيرِها (٣)

رمته بحربٍ آلُ حربٍ وأقبلتْ

إليه نفوراً في عدادِ نفورِها

تقود إليه القودَ في كلِّ جحفلٍ

إلى غارةٍ معتدّةٍ من مغيرِها

وما عدلتْ في الحكمِ بل عدلتْ به

وقائعَ صفّينٍ وليلَ هريرِها

وعاضدها في غيِّها شرُّ أُمّة

على الكفرِ لم تسعدْ برأيِ مشيرِها

خلاف سطورٍ في طروسٍ تطلّعتْ

طلائع غدرٍ في خلالِ سطورِها

__________________

(١) السقط : ناحية الخباء. اللوى : ما التوى وانعطف من الرمل أو مسترقّه والجمع ألواء ، وهو وادٍ من أودية بني سليم. ويوم اللوى : وقعة كانت فيه لبني ثعلبة على بني يربوع. وقد أكثرت الشعراء من ذكره وخلطت بين هذا وذاك وعزّ الفصل بينهما [معجم البلدان : ٥ / ٢٣]. (المؤلف)

(٢) وفي بعض النسخ : ذرّة من ذرورها. (المؤلف)

(٣) القتير : الشيب أو هو أول ما يظهر منه.

٥٢٤

فحين أتاها واثقَ القلبِ أصبحتْ

نواظرُها مزورّةً غبّ زورِها

فما أوسعتْ في الدينِ خرقاً ولا سعتْ

إلى جورِها إلاّ لتركِ أُجورِها

بنفسيَ إذ وافى عصاة عصابة

غرارُ الظبا مشحوذة من غرورِها

قؤولاً لأنصارٍ لديه وأُسرةٍ

لذي العرش سرٌّ مودعٌ في صدورِها

أُعيذكم أن تطعموا الموتَ فاذهبوا

بمغفرةٍ مرضيّةٍ من غفورِها

فأجمل في ردّ الندا كلُّ ذي ندى

ينافسُ عن نفسٍ بما في ضميرِها

أعن فَرَقٍ نبغي الفراقَ وتصطلي

وحيداً بلا عونٍ شرارَ شرورِها

وما العذرُ في اليومِ العصيبِ لعصبةٍ

وقد خفرت يوماً ذمامَ خفيرِها (١)

وهل سكنتْ روحٌ إلى روحِ جنّةٍ

وقد خالفت في الدين أمر أميرِها

أبى اللهُ إلاّ أن تُراقَ دماؤنا

ونُصبح نهباً في أكفِّ نسورها

وثابوا إلى كسبِ الثوابِ كأنَّهم

أُسود الشرى في كرِّها وزئيرِها

تهشُّ إلى الأقدامِ علماً بأنّها

تحلُّ محلَّ القدسِ عند مصيرِها

قضت فقضت من جنّةِ الخلدِ سؤلَها

وسادت على أحبارِها بحبورِها

وهان عليها الصعبُ حين تأمّلتْ

إلى قاصراتِ الطرفِ بين قصورِها

وما أنس لا أنسى الحسينَ مجاهداً

بنفسٍ خلت من خلّها وعشيرِها

يصولُ إذا زرقُ النصولِ تأوّهتْ

لنزعِ قنيٍّ أعجمتْ من صريرِها (٢)

ترى الخيلَ في أقدامِها منه ما ترى

محاذرةً إن أمَّها من هصورِها

فتصرفُ عن بأسٍ مخافةَ بأسِهِ

كما جفلتْ كدرُ القطا من صقورِها

__________________

(١) أخفر الذمة : لم يفِ بها ، خفير القوم : مجيرهم الذي يكونون في ضمانه.

(٢) وفي بعض النسخ :

يصول إذا زرقُ النصولِ تأوّدت ِ

لقرع قسيّ أعجمت عن صريرها

 (المؤلف)

٥٢٥

يُفلّق هاماتِ الكماةِ حسامُهُ

له بدلاً من جفنِها وجفيرِها (١)

فلا فرقةٌ إلاّ وأوسعَ سيفَهُ

بها فرقاً أو فرقة من نفورِها

أجدّك هل سمر العواسل تجتني

لكم عسلاً مستعذباً من مريرِها

أم استنكرت أُنس الحياةِ نفاسةً

نفوسكمُ فاستبدلت أُنسَ حورِها

بنفسيَ مجروحَ الجوارحِ آيساً

من النصر خلواً ظهرُهُ من ظهيرِها

بنفسيَ محزوزَ الوريدِ معفّراً

على ظماً من فوقِ حرِّ صخورِها

يتوق إلى ماءِ الفراتِ ودونه

حدودُ شفارٍ أحدقت بشفيرِها

قضى ظامياً والماءُ يلمعُ طامياً

وغودر مقتولاً دُوَينَ غديرِها

هلال دجىً أمسى بحدِّ غروبِها

غروباً على قيعانِها ووعورِها

فيا لك مقتولاً علتْ بهجةَ العلى

به ظلمةٌ من بعد ضوء سفورِها

وقارن قَرنَ الشمسِ كسفٌ ولم تعدْ

نظارتُها حزناً لفقدِ نظيرِها

وأعلنتِ الأملاك نَوْحاً وأعولت

له الجنّ في غيطانها وحفيرِها

وكادت تمورُ الأرضُ من فرط حسرةٍ

على السبطِ لو لا رحمةٌ من مُميرِها

ومرّت عليهم زعزعٌ لتذيقَهم

مريرَ عذابٍ مهلكٍ بمريرِها

أسفتْ وقد آبوا نجيّا ولم ترح

لهم دابرٌ مقطوعة بدبورِها

وأعجبُ إذ شالتْ كريم كريمها

لتكبيرها في قتلِها لكبيرِها

فيا لكِ عيناً لا تجفُّ دموعُها

وناراً يذيب القلبَ حرُّ زفيرِها

على مثلِ هذا الرزءِ يستحسنُ البكا

وتقلعُ منّا أنفسٌ عن سرورِها

أيُقتَلُ خيرُ الخلق أُمّا ووالداً

وأكرمُ خلقِ اللهِ وابنُ نذيرِها

ويُمنعُ من ماءِ الفراتِ وتغتدي

وحوش الفلا ريّانةً من نميرِها

أُجلُّ حسيناً أن يمثّل شخصُهُ

بمثلةِ قتلٍ كان غيرَ جديرِها

__________________

(١) الكماة جمع الكمي ـ كغني ـ : الشجاع أو لابس السلاح. الجفير : جعبة من جلود لا خشب فيها أومن خشب لا جلود فيها. (المؤلف)

٥٢٦

يديرُ على رأسِ السنانِ برأسِهِ

سنانٌ ألا شلّتْ يمينُ مُديرِها

ويُؤتى بزينِ العابدينِ مكبّلاً

أسيراً ألا روحي الفدا لأسيرِها

يُقاد ذليلاً في القيودِ ممثَّلاً

لأكفرِ خلقِ اللهِ وابنِ كفورِها

ويمسي يزيدٌ رافلاً في حريرِهِ

ويمسي حسينٌ عارياً في حرورِها

ودار بني صخرِ بنِ حربٍ أنيسةٌ

بنشدِ أغانيها وسكبِ خمورِها

تظلُّ على صوتِ البغايا بغاتُها

بها زمرٌ تلهو بلحنِ زمورِها

ودارُ عليٍّ والبتولِ وأحمدٍ

وشبّرها مولى الورى وشبيرها

معالمُها تبكي على علمائِها

وزائرُها يبكي لفقد مَزورِها

منازلُ وحيٍ أقفرتْ فصدورُها

بوحشتها تبكي لفقد صدورِها

تظلُّ صياماً أهلُها ففطورُها

التلاوةُ والتسبيحُ فضلُ سحورِها

إذا جنّ ليلٌ زان فيه صلاتَهم

صِلاتٌ فلا يحصى عدادُ يسيرِها

وطول على طولِ الصلاةِ ومن غدا

مُقيماً على تقصيرِه في قصيرِها

قفا نسألِ الدارَ التي درسَ البلى

معالمَها من بعدِ درسِ زبورِها

متى أَفلَتْ عنها شموسُ نهارِها

وأظلمَ ظلماً أُفقُها من بدورِها

بدورٌ بأرضِ الطفِّ طافَ بها الردى

فأهبطها من جوِّها في قبورِها

كواسرُ عقبانٍ عليها تعاقبتْ

بغاثٌ بغاةٌ إذ نأتْ عن وكورِها (١)

قضت عطشاً والماءُ طامٍ فلم تجدْ

لها منهلاً إلاّ دماءَ نحورِها

عراةٌ عراها وحشة فأذاقَها

وقد رميت بالهجرِ حرّ هجيرِها

ينوحُ عليها الوحشُ من طولِ وحشةٍ

وتندبها الأصداء (٢) عند بكورِها

__________________

(١) الكواسر جمع الكاسرة : يقال : عقاب كاسر : منقضّ يكسر جناحيه يريد الوقوع ، أو يكسر مايصيده كسراً. عقبان جمع العقاب : طائر قويّ المخالب. بغاث : طائر أغبر بطيء الطيران. (المؤلف)

(٢) الأصداء جمع الصدى : أي الموتى يقال : هم اليوم أعداء وهم غداً أصداء. والصدى نوع من البوم كما مرّ : ص ٣٦٥. (المؤلف)

٥٢٧

سيُسأَلُ تيمٌ عنهمُ وعديُّها

أوائلُها ما أكّدتْ لأخيرِها

ويُسألُ عن ظلمِ الوصيِّ وآلهِ

مشيرُ غواةِ القومِ من مستشيرِها

وما جرَّ يومَ الطفِّ جورَ أُميّة

على السبط إلاّ جرأة ابن أجيرِها

تقمّصَها ظلماً فأعقبَ ظلمهُ

تعقّبَ ظلمٍ في قلوبِ حميرِها

فيا يومَ عاشوراءَ حسبُكَ أنَّك ال

مشوم وإن طال المدى من دهورِها

لأنت وإن عُظّمتَ أعظمُ فجعةٍ

وأشهرُ عندي بدعةً من شهورِها

فما محنُ الدنيا وإن جلَّ خطبُها

تشاكلُ من بلواك عُشرَ عشيرِها

بني الوحي هل من بعدِ خبرةِ ذي العلى

بمدحكمُ من مدحةٍ لخبيرِها

كفى ما أتى في هل أتى من مديحِكمْ

وأعرافِها للعارفين وطورِها

إذا رمتُ أن أجلو جمالَ جميلِكمْ

وهل حَصِرٌ يُنهي صفاتِ حصورِها

تضيق بكم ذرعاً بحورُ عروضِها

ويحسدُكمْ شحّا عريضُ بحورِها

منحتكمُ شكراً وليس بضائعٍ

بضائعُ مدحٍ منحةً من شكورِها

أقيلوا عثاري يوم لا فيه عثرةٌ

تُقال إذا لم تشفعوا لعثورِها

فلي سيئات بتُّ من خوفِ نشرِها

على وجلٍ أخشى عقاب نشورِها

فما مالكٌ يومَ المعادِ بمالكي

إذا كنتمُ لي جُنّةً من سعيرِها

وإنّي لمشتاقٌ إلى نور بهجةٍ

سنا فجرِها يجلو ظلامَ فجورِها

ظهور أخي عدلٍ له الشمسُ آيةٌ

من الغربِ تبدو معجزاً في ظهورِها

متى يجمعُ اللهُ الشتات وتجبر ال

قلوبُ التي لا جابرٌ لكسيرِها

متى يظهرُ المهديُّ من آل هاشمٍ

على سيرةٍ لم يبقَ غيرُ يسيرِها

متى تقدِمُ الرايات من أرض مكةٍ

ويضحكني بشراً قدومُ بشيرِها

وتنظرُ عيني بهجةً علويّةً

ويسعد يوماً ناظري من نضيرِها

وتهبطُ أملاكُ السماءِ كتائباً

لنصرتِه عن قدرةٍ من قديرِها

وفتيانُ صدقٍ من لؤيِّ بن غالبٍ

تسير المنايا رهبةً لمسيرِها

٥٢٨

تخالهمُ فوقَ الخيولِ أهلّةً

ظهرنَ من الأفلاكِ أعلى ظهورِها

هنالك تعلو همّةٌ طال همُّها

لإدراك ثارٍ سالفٍ من مثيرِها

وإن حان حيني قبل ذاك ولم يكن

لنفسِ عليٍّ نصرةٌ من نصيرِها

قضى صابراً حتى انقضاءِ مرادِه

وليس يُضيعُ اللهُ أجرَ صبورِها

القصيدة الثالثة

يا عينُ ما سفحتْ غروبُ دِماكِ

إلاّ بما أُلهمتِ حبَّ دُماكِ (١)

ولطولِ إلفِكِ بالطلولِ أراكِ

أقماراً بزغن على غصونِ أراكِ

ما ريقُ دمعِكِ حين راقَ لكِ الهوى

إلاّ لأمرٍ في عناكِ عناكِ

لك ناظرٌ في كلِّ عضوٍ ناضرٍ

منّاك تسويفاً بلوغ مُناكِ

كم نظرةٍ أسلفتِ نحو سوالفٍ

سامت أساكِ بها علاج أساكِ

فجنيتِ دون الوردِ ورداً متلفاً

وانهار دون شِفاك فيه شفاكِ

يا بانةَ السعدي ما سُلّت ظُباك

عليَّ إلاّ من عيون ظِباكِ

شعبتْ فؤادي في شعابِكِ ظبيةٌ

تصمي القلوبَ بناظرٍ فتّاكِ

تبدو هلالَ دجىً وتلحظُ جؤذراً

وتميسُ دَلاّ في منيع حِماكِ

شمسٌ تبوّأتِ القلوبَ منازلاً

مأنوسةً عوضاً عن الأفلاكِ

سكنت بها فسكونُها متحرِّكٌ

وجسومُها ضعفت بغيرِ حراكِ

أسديّة الآباء إلاّ أنّ مُن

ـتَسِبَ الخؤولةِ من بني الأتراكِ

أشقيقةَ الحسبينِ هل من زورةٍ

فيها يبلُّ من الضنا مُضناكِ

ما ذا يضرُّكِ يا ظُبيّة بابل

لو أنّ حسنَكِ مثلُه حسناكِ

أنكرتِ قتل متيّمٍ شهدت له

خدّاكِ ما صنعتْ به عيناكِ

__________________

(١) غروب : جمع غَرَب وهو عرق في العين يفيض بالدمع. والدمى : جمع دمية وهي الصورة ، ويكنّى بها عن المرأة الجميلة.

٥٢٩

وخضبتِ من دمِهِ بنانَكِ عَنوةً

وكفاكِ ما شهدت به كفّاكِ

حجبتك عن أسدٍ أُسودُ عرينِها

وحَماك لحظُكِ عن أُسود حماكِ

حجبوك عن نظري فيا للهِ ما

أدناكِ من قلبي وما أقصاكِ

ضنّ الكرى بالطيفِ منك فلم يكنْ

إسراك بل هجرَ الكرى أَسراكِ

ليت الخيالَ يجودُ منكِ بنظرةٍ

إن كان عزَّ على المحبِّ لقاكِ

فأرقت أرضَ الجامعينِ (١) فلا الصبا

عذبٌ ولا طرفُ السحائبِ باكي

كلاّ ولا برد الكلا بيد الحبا (٢)

فيها يحاك ولا الحمامُ يحاكي

ودّعت راحلةً فكم من فاقدٍ

باكٍ وكم من مُسعفٍ متباكي

أبكى فراقُكمُ الفريقَ فأعينُ ال

ـمشكوِّ تبكي رحمةً للشاكي

كنّا وكنتِ عن الفراقِ بمعزلٍ

حتى رمانا عامداً ورماكِ

وكذا الأُلى من قبلِنا بزمانِهمْ

وثقوا فصيّرهم حكايَة حاكي

يا نفسُ لو أدركتِ حظّا وافراً

لنهاكِ عن فعلِ القبيح نُهاكِ

وعرفت من أنشاكِ من عدمٍ إلى

هذا الوجود وصانعاً سوّاكِ

وشكرت مِنّته عليكِ وحسن ما

أولاكِ من نعمائِه مولاكِ

أولاك حبَّ محمدٍ ووصيِّه

خيرِ الأنامِ فنعم ما أولاكِ

فهما لعمرُكِ علّماكِ الدينَ في

الأُولى وفي الأخرى هما عَلماكِ

وهما أمانكِ يوم بعثِكِ في غدٍ

وهما إذا انقطع الرجاءُ رجاكِ

وإذا الصحائفُ في القيامةِ نُشّرتْ

سترا عيوبَكِ عند كشف غطاكِ

وإذا وقفتِ على الصراطِ تبادرا

فتقدّماكِ فلم تزل قدماكِ

وإذا انتهيتِ إلى الجنانِ تلقّيا

كِ وبشّراكِ بها فيا بُشراكِ

__________________

(١) أرض الجامعين : اسم للحلة الفيحاء في سابقها ، وأمّا اليوم فهو إحدى محلاّتها [معجم البلدان : ٢ / ٢٩٤]. (المؤلف)

(٢) الحبا : السحاب الكثيف الذي يدنو من الأرض. (المؤلف)

٥٣٠

هذا رسولُ اللهِ حسبُكِ في غدٍ

يومَ الحسابِ إذا الخليلُ جفاكِ

ووصيُّهُ الهادي أبو حسنٍ إذا

أقبلتِ ظاميةً إليه سقاكِ

فهو المشفّعُ في المعادِ وخيرُ من

علقتْ به بعد النبيِّ يداكِ

وهو الذي للدينِ بعد خمولِهِ

حقّا أراكِ فهذّبت آراكِ

لولاه ما عُرف الهدى ونجوت من

متضايقِ الأشراكِ والإشراكِ

هو فُلكُ نوحٍ بين ممتسكٍ به

ناجٍ ومطّرحٍ مع الهلاّكِ

كم مارقٍ من مازقٍ قد غادرت

مزقاً حدود حسامه البتّاكِ (١)

سل عنه بدراً حين بادرَ قاصمُ

الأملاكِ قائدَ موكبِ الأملاكِ

من صبَّ صوبَ دم الوليد ومن ترى

أخلا من الدهمِ الحماةِ حِماكِ

واسأل فوارسَها بأُحدٍ من ترى

ألقاك وجهَ الحتف عند لقاكِ

وأطاح طلحةَ عند مشتبكِ القنا

ولَواك قسراً عند نكسِ لواكِ

واسأل بخيبرَ خابريها من ترى

عفّى فناك ومن أباح فناكِ

وأذاق مرحبَكِ الردى وأحلّه

ضيقَ الشباكِ وفلَّ حدَّ شباكِ

واستخبري الأحزاب لمّا جرّدت

بيض المذاكي (٢) فوق جرد مذاكي

واستشعرت فرقاً جموعكِ إذ غدتْ

فرقاً وأدبر إذ قفاكِ قفاكِ

قد قلت حين تقدّمته عصابةٌ

جهلوا حقوقَ حقيقةِ الإدراكِ

لا تفرحي فبكثر ما استعذبتِ في

أولاكِ قد عُذِّبتِ في أُخراكِ

يا أُمّةً نقضت عهودَ نبيِّها

أفمن إلى نقضِ العهودِ دعاكِ

وصّاكِ خيراً بالوصيِّ كأنّما

متعمّداً في بغضِهِ وصّاكِ

أوَلم يقل فيه النبيُّ مبلِّغاً

هذا عليُّكِ في العلى أعلاكِ

__________________

(١) إلى هنا القصيدة موجودة في أعيان الشيعة : ٨ / ١٩٥.

(٢) جمع مذكاة وهي ما تذكى به النار من قطنة ونحوها وهي اسم آلة استعيرت للسيف بعلاقة أنّه تلتهب منه نار الحرب كما يلتهب الحطب بالمذكاة. (المؤلف)

٥٣١

وأمينُ وحي الله بعدي وهو في

إدراك كلِّ قضيّةٍ إدراك

والمؤثرُ المتصدِّقُ الوهّابُ إذ

ألهاكِ في دنياكِ جمع لُهاكِ

إيّاك أن تتقدّميه فإنّه

في حكم كلِّ قضيّةٍ أقضاكِ

فأطعتِ لكن باللسانِ مخافةً

من بأسِه والغدرُ حشوُ حشاكِ

حتى إذا قُبض النبيُّ ولم يطُلْ

يوماً مَداكِ له سننت مُداكِ

وعدلتِ عنه إلى سواه ضلالةً

ومددتِ جهلاً في خَطاكِ خُطاكِ

وزويتِ بضعةَ أحمدٍ عن إرثها

ولبعلِها إذ ذاك طال أذاكِ

يا بضعةَ الهادي النبيِّ وحقِّ من

أسماكِ حين تقدّست أسماكِ

لا فاز من نارِ الجحيم معاندٌ

عن إرث والدكِ النبيِّ زواكِ

أتراه يغفرُ ذنبَ من أقصاكِ عن

سخطٍ وأسخط إذ أباكِ أباكِ

كلاّ ولا نالَ السعادةَ من غوى

وعداك ممتسكاً بحبل عداكِ

يا تيمُ لا تمّت عليكِ سعادةٌ

لكن دعاكِ إلى الشقاء شقاكِ

لولاكِ ما ظفرتْ علوجُ أُميّة

يوماً بعترةِ أحمدٍ لولاكِ

تالله ما نلتِ السعادةَ إنّما

أهواكِ في نارِ الجحيمِ هواكِ

أنّى استقلتِ وقد عقدت لآخرٍ

حكماً فكيف صدقتِ في دعواكِ

ولأنت أكبر يا عديُّ عداوةً

والله ما عضدَ النفاقَ سواكِ

لا كان يومٌ كنت فيه وساعةٌ

فضَّ النفيل بها ختامَ صهاكِ

وعليكِ خزيٌ يا أُميّة دائماً

يبقى كما في النار دام بقاكِ

هلاّ صفحتِ عن الحسينِ ورهطِهِ

صفحَ الوصيِّ أبيه عن آباكِ

وعففتِ يومَ الطفِّ عفّة جدِّه

المبعوثِ يوم الفتحِ عن طُلقاكِ

أفهل يدٌ سلبت إماءَكِ مثل ما

سلبت كريماتِ الحسينِ يداكِ

أم هل برزن بفتح مكة حُسّرا

كنسائه يوم الطفوفِ نساكِ

يا أُمّةً باءت بقتلِ هُداتها

أفمن إلى قتل الهُداة هداكِ

٥٣٢

أم أيّ شيطانٍ رماكِ بغيِّه

حتى عراكِ وحلَّ عقد عُراكِ

بئس الجزاءُ لأحمدٍ في آلِهِ

وبنيه يوم الطفِّ كان جزاكِ

فلئن سُررتِ بخدعةٍ أسررتِ في

قتلِ الحسينِ فقد دهاكِ دهاكِ

ما كان في سلبِ ابنِ فاطمَ ملكَهُ

ما عنه يوماً لو كفاكِ كفاكِ

لهفي على الجسدِ المغادَرِ بالعرا

شلواً تقلّبه حدودُ ظُباكِ

لهفي على الخدِّ التريبِ تخدُّه

سفهاً بأطراف القنا سُفهاكِ

لهفي لآلكَ يا رسولَ اللهِ في

أيدي الطغاةِ نوائحاً وبواكي

ما بين نادبةٍ وبين مروعةٍ

في أسر كلِّ مُعاندٍ أفّاكِ

تالله لا أنساكِ زينبُ والعدا

قسراً تجاذبُ عنك فضلَ رداكِ

لم أنس لا والله وجهَكِ إذ هوت

بالردنِ ساترةً له يمناكِ

حتى إذا همّوا بسلبك صحتِ باسم

أبيكِ واستصرختِ ثَمّ أخاكِ

لهفي لندبِكِ باسم ندبِكِ وهو

مجروحُ الجوارحِ بالسياق يراكِ

تستصرخيه أسىً وعزَّ عليه أن

تستصرخيه ولا يجيبُ نِداكِ

والله لو أنّ النبيَّ وصنوَه

يوماً بعرصةِ كربلا شهداكِ

لم يمسِ منهتكاً حماكِ ولم تُمِطْ

يوماً أُميّة عنك سجفَ خباكِ

يا عين إن سفحتْ دموعُكِ فليكن

أسفاً على سبطِ الرسول بكاكِ

وابكي القتيل المستضام ومن بكت

لمصابه الأملاكُ في الأفلاكِ

أقسمتُ يا نفسَ الحسينِ أليّةً

بجميلِ حسنِ بلاكِ عند بلاكِ

لو أنّ جدّكِ في الطفوفِ مشاهدٌ

وعلى التراب تريبةٌ خدّاكِ

ما كان يؤثر أن يرى حرّ الصفا

يوماً وطاك ولا الخيول تطاكِ

أو أنّ والدَكِ الوصيَّ بكربلا

يوماً على تلك الرمولِ يراكِ

لفداك مجتهداً وودَّ بأنّه

بالنفسِ من ضيقِ الشراك شَراكِ

عالوك لمّا أن علوت فآهِ من

خطبٍ نراه على عُلاك علاكِ

٥٣٣

قد كنت شمساً يستضاءُ بنورِها

يعلو على هام السماك سماكِ

وحمىً يلوذ به المخوفُ ومنهلاً

عذباً يصوب نداك قبل نِداكِ

ما ضرَّ جسمَك حرُّ جندلِها وقد

أضحى سحيقُ المسكِ تربَ ثراكِ

فلئن حرمتِ من الفراتِ ووردِهِ

فمن الرحيقِ العذبِ ريّ صداكِ

ولئن حرمتِ نعيمها الفاني فمن

دار البقاء تضاعفت نعماكِ

ولئن بكتكِ الطاهراتُ لوحشةٍ

فالحورُ تبسمُ فرحةً بلقاكِ

ما بتِّ في حمر الملابس غدوةً

إلاّ انثنتْ خُضراً قُبيل مَساكِ

إنّي ليقلقني التلهّفُ والأسى

إذ لم أكن بالطفِّ من شهداكِ

لأقيكِ من حرِّ السيوفِ بمهجتي

وأكونَ إذ عزَّ الفداءُ فداكِ

ولئن تطاولَ بعد حينِكِ بيننا

حينٌ ولم أكُ مُسعداً سُعداكِ

فلأبكينّك ما استطعتُ بخاطرٍ

تحكي غرائبه غروب مَداكِ

وبمقولٍ ذربِ اللسانِ أشدَّ من

جندٍ مجنّدةٍ على أعداكِ

ولقد علمت حقيقةً وتوكّلاً

أنّي سأسعدُ في غدٍ بولاكِ

وولاء جدِّكِ والبتولِ وحيدرٍ

والتسعةِ النجباءِ من أبناكِ

قومٌ عليهم في المعاد توكّلي

وبهم من الأسرِ الوثيقِ فكاكي

فليهن عبدكمُ عليّا فوزه

بجنانِ خلدٍ في جناب علاكِ

صلّى عليكِ اللهُ ما أملاكُه

طافت مقدّسةً بقدسِ حِماكِ

القصيدة الرابعة

نمَّ العذارُ بعارضيه وسلسلا

وتضمّنت تلك المراشفُ سلسلا

قمرٌ أباح دمي الحرامَ محلّلا

إذ مرَّ يخطر في قباه محلّلا

رشأٌ تردّى بالجمالِ فلم يدعْ

لأخي الصبابة في هواه تجمّلا

كُتِبَ الجمالُ على صحيفةِ خدِّه

بيراعِ معناه البهيج ومثّلا

فبدا بنوني حاجبيه معرّقاً

من فوق صادي مقلتيه وأقفلا

٥٣٤

ثمّ استمدّ فمدّ أسفلَ صدغِه

ألفاً ألفتُ به العذابَ الأطولا

فاعجب له إذ همَّ ينقطُ نقطةً

من فوق حاجبِهِ فجاءت أسفلا

فتحقّقت في حاءِ حمرةِ خدِّه

خالاً فعمَّ هواه قلبي المبتلى

ولقد أرى قمرَ السماءِ إذا بدا

في عقربِ المرِّيخ حلَّ مؤيِّلا

وإذا بدا قمري وقارن عقربي

صدغيه حلَّ به السعود فأكملا

أنا بين طرّتِه وسحرِ جفونِهِ

رهنُ المنيّةِ إذ عليه توكّلا

دبّت لتحرسَ نورَ وجنةِ خدِّه

عيني فقابلتِ العيونَ الغزّلا

جاءت لتلقفَ سحرَها فتلقّفتْ

منّا القلوبَ وسحرُها لن يبطلا

فاعجب لمشترِكَينِ في دم عاشقٍ

حرم المنى ومُحرّمٌ ما حُلّلا

جاءت وحين سعت لقلبي أوسعتْ

لسعاً وتلك نضتْ لقتلي مُنصلا

قابلته شاكي السلاحِ قد امتطى

في غرّةِ الأضحى أغرّ محجّلا

متردِّياً خضرَ الملابسِ إذ لها

باللؤلؤِ الرطبِ المنضّدِ مجتلى

فنظرتُ بدراً فوق غصنٍ مائسٍ

خَضِرٍ تعاودَهُ الحيا فتكلّلا

وكأنّ صلتَ جبينِهِ في شعرِهِ

كلآلي صفّتْ على بندِ الكلا

صبحٌ على الجوزاء لاح لناظرٍ

متبلّجٍ فأزاحَ ليلاً أليلا

حتى إذا قصد الرميّةَ وانثنى

بسهامِهِ خاطبتُه متمثّلا

لك ما ينوبُ عن السلاح بمثلِها

يا من أصابَ من المحبِّ المقتلا

يكفيك طرفُكَ نابلاً والقدُّ

خطّاراً وحاجبُكَ المعرّقُ عيطلا

عاتبتُه فشكوتُ مجملَ صدِّه

لفظاً أتى لطفاً فكان مفصّلا

وأبان تبيان الوسيلة مدمعي

فاعجب لذي نطقٍ تحمّل مُهملا

فتضرّجت وجناتُه مستعذباً

عتبي ويعذبُ للمعاتبِ ما حَلا

وافترَّ عن وردٍ وأصبح عن ضحىً

من لي بلثم المجتنى والمجتلى

من لي بغصنِ نقاً تبدّى فوقه

قمرٌ تغشّى جنحَ ليلٍ فانجلى

٥٣٥

حلوُ الشمائل لا يزيد على الرضا

إلاّ عليَّ قساوةً وتدلّلا

نجلتْ به صيدُ الملوكِ فأصبحتْ

شرفاً له هام المجرّة منزلا

فالحكم منسوبٌ إلى آبائه

عدلاً وبي في حكمه لن يعدلا

أدنو فيصدفُ مُعرضاً متدلّلاً

عنِّي فأخضعُ طائعاً متذلّلا

أبكي فيبسمُ ضاحكاً ويقول لي

لا غرو إن شاهدتَ وجهي مقبلا

أنا روضةٌ والروضُ يبسمُ نورُهُ

بشراً إذا دمعُ السحاب تهلّلا

وكذاك لا عجبٌ خضوعُكَ طالما

أُسدُ العرين تُقاد في أسر الطلا (١)

قسماً بفاء فتور جيم جفونه

لأُخالفنَّ على هواه العُذّلا

ولأوقفنَّ على الهوى نفساً علت

فغلت وَيرخص في المحبّةِ ما غلا

ولأحسننَّ وإن أسا وألين طو

عاً إن قسا وأزيد حبّا إن قلا

لا نلت ممّا أرتجيه مآربي

إن كان قلبي من محبّتِه سلا

إن كنت أهواهُ لفاحشةٍ فلا

بُوّئت في دارِ المقامةِ منزلا

يا حبّذا متحاببينِ تواصلا

دهراً وما اعتلقا بفحشٍ أذيلا

لا شيءَ أجملُ من عفافٍ زانه

ورعٌ ومن لبسَ العفافَ تجمّلا

طُبعت سرائرنا على التقوى ومن

طُبعت سريرته على التقوى علا

أهواه لا لخيانةٍ حاشا لمن

أنهى الكتاب تلاوةً أن يجهلا

لي فيه مزدجرٌ بما أخلصته

في المصطفى وأخيه من عقدِ الولا

فهما لعمرُكَ علّةُ الأشياء في ال

ـعلل الحقيقة إن عرفت الأمثلا

الأوّلانِ الآخرانِ الباطنا

نِ الظاهرانِ الشاكرانِ لذي العلا

الزاهدانِ العابدانِ الراكعا

نِ الساجدانِ الشاهدانِ على الملا

خُلقا وما خُلِقَ الوجودُ كلاهما

نوران من نورِ العليِّ تفصّلا

__________________

(١) الطلا : ولد الظبي. (المؤلف)

٥٣٦

في علمِه المخزونِ مجتمعان لن

يتفرّقا أبداً ولن يتحوّلا

فاسأل عن النورِ الذي تجدنّه

في النورِ مسطوراً وسائل من تلا

واسأل عن الكلماتِ لمّا أنّها

حقّا تلقّى آدمٌ فتقبّلا

ثمّ اجتباه فأُودِعا في صلبِهِ

شرفاً له وتكرُّماً وتبجّلا

وتقلّبا في الساجدين وأودِعا

في أطهرِ الأرحامِ ثمّ تنقّلا

حتى استقرَّ النورُ نوراً واحداً

في شيبةِ الحمدِ بن هاشم يجتلى

قُسما لحكمٍ ارتضاه فكان ذا

نِعمَ الوصيُّ وذاك أشرفَ مرسلا

فعليُّ نفسُ محمدٍ ووصيُّه

وأمينُه وسواهُ مأمونٌ فلا

وشقيقُ نبعتِهِ وخيرُ من اقتفى

منهاجَه وبه اقتدى وله تلا

مولى به قَبل المهيمنُ آدماً

لمّا دعا وبه توسّل أوّلا

وبه استقرَّ الفلكُ في طوفانِهِ

لمّا دعا نوحٌ به وتوسّلا

وبه خبتْ نارُ الخليلِ وأصبحتْ

برداً وقد أذكت حريقاً مشعلا

وبه دعا يعقوبُ حين أصابَهُ

من فقد يوسفَ ما شجاه وأثقلا

وبه دعا الصدِّيق يوسفُ إذ هوى

في جبِّهِ وأقام أسفلَ أسفلا

وبه أماطَ اللهُ ضرَّ نبيِّه

أيّوبَ وهو المستكينُ المبتلى

وبه دعا عيسى فأحيا ميِّتاً

من قبرِهِ وأهال عنه الجندلا (١)

وبه دعا موسى فأوضحت العصا

طرقاً ولجّة بحرها طامٍ ملا

وبه دعا داودُ حين غشاهمُ

جالوتُ مقتحماً يقودُ الجحفلا

ألقاه دامغةً فأردى شلوه

ملقىً وولّى جمعُه متجفّلا

وبه دعا لمّا عليه تسوّر ال

خصمان محرابَ الصلاةِ وأُدخلا

فقضى على احديهما بالظلمِ في

حكمِ النعاجِ وكان حكماً فيصلا

__________________

(١) وفي نسخة : في الغابرين وشقّ عنه الجندلا. (المؤلف)

٥٣٧

فتجاوز الرحمنُ عنه تكرّماً

وبه ألان له الحديد وسهّلا

وبه سليمانٌ دعا فتسخّرتْ

ريحُ الرخاءِ لأجلِهِ ولها علا

وله استقرَّ الملكُ حين دعا به

عمرَ الحياةِ فعاش فيه مُخوّلا

وبه توسّل آصفٌ لمّا دعا

بسريرِ بلقيسٍ فجاءَ معجّلا

العالمُ العلمُ الرضيُّ المرتضى

نوُر الهدى سيفُ العلاءِ أخُ العلا

من عنده علمُ الكتاب وحكمُه

وله تأوّل مُتقناً ومحصّلا

وإذا علت شرفاً ومجداً هاشمٌ

كان الوصيُّ بها المعمَّ المخولا

لا جدُّه تيمُ بن مرّةَ لا ولا

أبواه من نسل النُّفَيلِ تنقّلا

ومكسِّرُ الأصنامِ لم يسجدْ لها

متعفّراً فوق الثرى متذلّلا

لكن له سجدتْ مخافةَ بأسِهِ

لمّا على كتف النبيِّ علاً علا

تلك الفضيلة لم يفز شرفاً بها

إلاّ الخليلُ أبوه في عصرٍ خلا

إذ كسّر الأصنامَ حين خلا بها

سرّا وولّى خائفاً مستعجلا (١)

فتميّز الفعلينِ بينهما وقِس

تجدِ الوصيَّ بها الشجاعَ الأفضلا

وانظر ترى أزكى البريّة مولداً

في الفعلِ متّبعاً أباه الأوّلا

وهو القؤول وقولهُ الصدقُ الذي (٢)

لا ريبَ فيه لمن وعى وتأمّلا

واللهِ لو أنّ الوسادةَ ثنّيتْ

لي في الذي حظر العليُّ وحلّلا

لحكمتُ في قومِ الكليمِ بمقتضى

توراتِهمْ حكماً بليغاً فيصلا

وحكمتُ في قومِ المسيحِ بمقتضى

إنجيلِهمْ وأقمتُ منه الأميلا

وحكمتُ بين المسلمين بمقتضى

فرقانِهمْ حكماً بليغاً فيصلا

حتى تقرَّ الكتْبُ ناطقةً لقد

صدق الأمينُ عليُّ في ما علّلا

فاستخبروني عن قرونٍ قد خلتْ

من قبلِ آدمَ في زمانِ قد خلا

__________________

(١) إلى هنا توجد القصيدة في مجالس المؤمنين : ٢ / ٥٧٢ ـ ٥٧٥.

(٢) راجع : ص ١٩٤ من هذا الجزء. (المؤلف)

٥٣٨

فلقد أحطتُ بعلمِها الماضي وما

منها تأخّر آتياً مستقبلا

وانظر إلى نهجِ البلاغةِ هل ترى

لأولي البلاغة منه أبلغ مقولا

حكمٌ تأخّرتِ الأواخرُ دونها

خرساً وأفحمتِ البليغَ المِقولا

خسأت ذوو الآراءِ عنه فلن ترى

من فوقِهِ إلاّ الكتاب المنزلا

وله القضايا والحكوماتُ التي

وضحتْ لديه فحلَّ منها المشكلا

وبيومِ بعثِ الطائرِ المشويِّ إذ

وافى النبيّ فكان أطيبَ مأكلا

إذ قال أحمدُ آتني بأحبِّ من

تهوى ومن أهواه يا ربَّ العلى

هذا روى أنسُ بنُ مالك لم يكن

ما قد رواه مُصحَّفاً ومُبدّلا

وشهادةُ الخصمِ الألدّ فضيلةٌ

للخصمِ فاتّبعِ الطريقَ الأسهلا

وكسدِّ أبوابِ الصحابةِ غيرَهُ

لمميّزٍ عرف الهدى متوصّلا

إذ قال قائلُهمْ نبيُّكمُ غوى

في زوج إِبنتِه ويعذر إن غلا

تالله ما أوحى إليه وإنّما

شرفاً حباه على الأنام وفضّلا

حتى هوى النجمُ المبينُ مكذّباً

من كان في حقِّ النبيِّ تقوّلا

أبِدارِهِ حتى الصباح أقام أم

في دارِ حيدرةٍ هوى وتنزّلا

هذي المناقبُ ما أحاطَ بمثلِها

أحدٌ سواه فترتضيه مُفضَّلا

يا ليتَ شعري ما فضيلةُ مدّعٍ

حكمَ الخلافةِ ما تقدّم أوّلا

أبعزله عند الصلاة مؤخّراً

ولو ارتضاه نبيّه لن يعزلا

أم ردِّه في يومِ بعثِ براءةٍ

من بعد قطعِ مسافةٍ مُتعجّلا

إن كان أوحى الله جلَّ جلاله

لنبيِّه وحياً أتاه منزّلا

أن لا يؤدِّيها سواك فترتضي

رجلاً كريماً منك خيراً مفضلا

أفهل مضى قصداً بها متوجِّهاً

إلاّ عليٌّ يا خليليَّ اسألا

أم يوم خيبرَ إذ برايةِ أحمدٍ

ولّى لعمرُكَ خائفاً مُتوجِّلا

ومضى بها الثاني فآب يجرُّها

حذرَ المنيّة هارباً ومهرولا

٥٣٩

هلاّ سألتهما وقد نكصا بها

متخاذلين إلى النبيِّ وأقبلا

من كان أوردَها الحتوف سوى أبي

حسنٍ وقام بها المقام المهولا

وأباد مرحبَهمْ ومدَّ يمينَهُ

قلعَ الرتاجَ وحصنَ خيبر زلزلا

يا علّةَ الأشياءِ والسببَ الذي

معنى دقيقِ صفاتِهِ لن يُعقلا

إلاّ لمن كُشِفَ الغطاءُ له ومن

شُقَّ الحِجابُ مجرّداً وتوصّلا

يكفيك فخراً أنَّ دينَ محمدٍ

لو لا كمالُكَ نقصُه لن يكملا

وفرائضُ الصلواتِ لو لا أنّها

قرنت بذكرك فرضُها لن يقبلا

يا من إذا عدّتْ مناقبُ غيرِهِ

رجحتْ مناقبُه وكان الأفضلا

إنّي لأعذرُ حاسديك على الذي

أولاك ربُّك ذو الجلال وفضّلا

إن يحسدوك على علاك فإنَّما

متسافلُ الدرجاتِ يحسدُ من علا

إحياؤك الموتى ونطقُكَ مخبراً

بالغائباتِ عذرتُ فيك لمن غلا

وبردِّك الشمسَ المنيرةَ بعد ما

أَفَلتْ وقد شهدت برجعتِها الملا

ونفوذُ أمرِكَ في الفراتِ وقد طما

مدّا فأصبحَ ماؤه مستسفلا

وبليلةٍ نحو المدائنِ قاصداً

فيها لسلمانٍ بعثتَ مغسِّلا

وقضيّةُ الثعبانِ حين أتاكَ في

إيضاحِ كشفِ قضيّةٍ لن تعقلا

فحللتَ مشكلَها فآبَ لعلمِهِ

فرحاً وقد فصّلتَ فيها المجملا

والليثُ يوم أتاك حين دعوتَ في

عُسرِ المخاضِ لعرسِه فتسهّلا

وعلوت من فوق البساط مخاطباً

أهلَ الرقيمِ فخاطبوك معجّلا

أمخاطبَ الأذيابِ في فلواتِها

ومكلِّمَ الأمواتِ في رمس البلى

يا ليت في الأحياءِ شخصَكَ حاضرٌ

وحسينُ مطروحٌ بعرصةِ كربلا

عريانَ يكسوه الصعيدُ ملابساً

أفديه مسلوبَ اللباسِ مُسربلا

متوسّداً حرَّ الصخورِ معفّراً

بدمائِهِ تربَ الجبينِ مُرمّلا

ظمآنَ مجروحَ الجوارحِ لم يجد

ممّا سوى دمِهِ المبدَّدِ منهلا

٥٤٠