الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٦

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي

الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٦

المؤلف:

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي


المحقق: مركز الغدير للدّراسات الإسلاميّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
المطبعة: فروردين
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٤

وغيرهما ، وفي ذلك يقول الأديب أبو عبد الله بن جابر الأندلسي ـ وذكر البيتين المذكورين ـ والأديب شمس الدين الدمشقي :

أطرافُ تيجانٍ أتتْ من سندسٍ

خضرٍ بأعلامٍ على الأشرافِ

والأشرفُ السلطانُ خصّصهمْ بها

شرفاً ليفرقهم من الأطرافِ

والأشرف هو شعبان بن حسن بن الناصر ، خُنق سنة (٧٧٨).

٥٠١
٥٠٢

ـ ٧١ ـ

علاء الدين الحلّي

أجآذرٌ منعتْ عيونَكَ ترقدُ

بعراصِ بابلَ أم حِسانٌ خُرّدُ

ومعاطفٌ عطفتْ فؤادَكَ أم غصو

نُ نقىً على هضباتِها تتأوّدُ

وبروقُ غاديةٍ شجاكَ وميضُها

أم تلك درٌّ في الثغورِ تنضّدُ

وعيونُ غزلانِ الصريمِ بسحرِها

فتنتْكَ أم بيضٌ عليك تُجرَّدُ

يا ساهرَ الليلِ الطويلِ يمدُّهُ

عوناً على طولِ السهادِ الفرقدُ

ومُهاجراً طيبَ الرقادِ وقلبُه

أسفاً على جمرِ الغضا يتوقّدُ

ألا كففتَ الطرفَ إذ سفرت بدو

ر السعد بالسعدى عليك وتسعدُ

أسلمتَ نفسَكَ للهوى متعرِّضاً

وكذا الهوى فيه الهوانُ السرمدُ

وبعثتَ طرفَكَ رائداً ولربّما

صَرعَ الفتى دون الورود الموردُ

فغدوتَ في شركِ الظباءِ مقيّداً

وكذا الظباءُ يصدن من يتصيّدُ

فلعبن أحياناً بلبِّكَ لاهياً

بجمالهنّ فكادَ منك الحسّدُ

حتى إذا علقت بهنّ بعدتَ من

كثبٍ فهل لك بعد نجد منجدُ

رحلوا فما أبقَوا لجسمِكَ بعدَهمْ

رمقاً ولا جَلَداً به تتجلّدُ

واها لنفسِكَ حيث جسمُك بالحمى

يبلى وقلبُكَ بالركائب منجدُ

ألِفَتْ عيادتَكَ الصبابةُ والأسى

وجفاكَ من طول السقامِ العُوَّدُ

وتظنُّ أنّ البعدَ يُعقِبُ سلوةً

وكذا السلوُّ مع التباعدِ يبعدُ

٥٠٣

يا نائماً عن ليلِ صبٍ (١) جفنه

أَرِقٌ إذا غفت العيون الهجّدُ

ليس المنامُ لراقدٍ جهل الهوى

عجباً بلى عجبٌ لمن لا يرقدُ

نام الخليُّ من الغرامِ وطرفُ من

أَلِفَ الصبابةَ والهيامَ مُسهَّدُ

أترى تقرُّ عيونُ صبٍّ قلبُهُ

في أسرِ مائسةِ القوامِ مقيّدُ

شمسٌ على غصنٍ يكاد مهابةً

لجمالِها تعنو البدورُ وتسجدُ

تفترّ عن شنبٍ كأنّ جمانَه

بردٌ به عذبُ الزلالِ مبرَّدُ

ويصدُّني عن لثمِه نارٌ غدتْ

زفراتُ أنفاسي بها تتصعّدُ

من لي بقربِ غزالةٍ في وجهِها

صبحٌ تجلّى عنه ليلٌ أسودُ

أعنو لها ذلاّ فتعرض في الهوى

دَلاّ وأمنحها الدنوّ وتبعدُ

تحمي بناظرها مخافة ناظرٍ

خدّا لها حسن الصقال مورَّدُ

يا خالَ وجنتِها المخلّدَ في لظى

ما خلتُ قبلك في الجحيمِ يخلّدُ

إلاّ الذي جحد الوصيَّ وما حكى

في فضلِهِ يومَ الغديرِ محمدُ

إذ قام يصدعُ خاطباً ويمينُه

بيمينِه فوق الحدائجِ تعقدُ

ويقول والأملاكُ مُحدِقةٌ به

والله مطّلعٌ بذلك يشهدُ

من كنتُ مولاه فهذا حيدرٌ

مولاه من دون الأنامِ وسيّدُ

يا ربّ والِ وليَّه واكبت مُعا

ديه وعاند من لحيدر يعندُ

والله ما يهواه إلاّ مؤمنٌ

برٌّ ولا يقلوه إلاّ ملحدُ

كونوا له عوناً ولا تتخاذلوا

عن نصره واسترشدوه ترشدوا

قالوا سمعنا ما تقول وما أتى

الروحُ الأمين به عليكَ يؤكّدُ

هذا عليُّ إمامُنا ووليُّنا

وبه إلى نهجِ الهدى نسترشدُ

حتى إذا قُبِضَ النبيُّ ولم يكن

من بعده في وسط لحدٍ يلحدُ

__________________

(١) الصبّ : العاشق ، يقال : رجل صبّ والجمع صبون. (المؤلف)

٥٠٤

خانوا مواثيقَ النبيِّ وخالفوا

ما قاله خيرُ البريةِ أحمدُ

واستبدلوا بالرشدِ غيّا بعد ما

عرفوا الصوابَ وفي الضلالِ تردّدوا

وغدا سليلُ أبي قحافةَ سيّداً

لهمُ ولم يكُ قبلَ ذلك سيّدُ (١)

يا للرجالِ لأُمّةٍ مفتونةٍ

سادتْ على السادات فيها الأعبدُ

أضحى بها الأقصى البعيدُ مقرّباً

والأقربُ الأدنى يذاد ويبعدُ

هلاّ تقدّمه غداة براءة

إذ ردّ وهو بفرط غيظ مكمدُ

ويقول معتذراً أقيلوني وفي

إدراكها قد كان قِدماً يجهدُ

أيكون منها المستقيل وقد غدا

في آخرٍ يوصي بها ويؤكّدُ

ثمّ اقتفى :

فقضى بها خشناءَ يغلظُ كلمُها

ذلَّ الوليُّ بها وعزَّ المفسدُ

وأشار بالشورى فقرَّب نعثلاً

منها فبئس الخائن ...... (٢)

فغدا لمالِ اللهِ في قربائِهِ

عمداً يفرِّق جمعه ويبدِّدُ

ونفى أبا ذرّ وقرّبَ فاسقاً (٣)

كان النبيُّ له يصدُّ ويطردُ

لعبوا بها حيناً وكلٌّ منهمُ

متحيّرٌ في حكمِها متردِّدُ

ولو اقتدوا بإمامِهم ووليّهمْ

سعدوا به وهو الوليُّ الأوكدُ

لكن شقَوا بخلافِهِ أبداً وما

سعدوا به وهو الوصيُّ الأسعدُ

صنوُ النبيِّ ونفسُه وأمينُه

ووليُّه المتعطّفُ المتودّدُ

كُتِبا على العرشِ المجيدِ ولم يكنْ

في سالفِ الأيّامِ آدمُ يوجدُ

__________________

(١) كذا.

(٢) بياض في الأصل.

(٣) هو الحكم بن أبي العاص بن أُمّية عمّ عثمان بن عفّان ، أخرجه رسول الله صلّي الله عليه وآله وسلّم من المدينة وطرده عنها ، راجع الاستيعاب [القسم الأوّل / ٣٥٩ رقم ٥٢٩] وغير واحد من المعاجم. (المؤلف)

٥٠٥

نورانِ قدسيّانِ ضمَّ علاهما

من شيبةِ الحمدِ ابن هاشم محتدُ

من لم يُقم وجهاً إلى صنمٍ ولا

للاّت والعزّى قديماً يسجدُ

والدينُ والإشراكُ لو لا سيفُه

ما قام ذا شرفاً وهذا يقعدُ

سَلْ عنه بدراً حين وافى شيبةً

شلواً عليهِ النائحاتُ تعدّدُ

وثوى الوليدُ بسيفِه متعفّراً

وعليه ثوبٌ بالدماءِ مجسّدُ

وبيوم أُحدٍ والرماحُ شوارعٌ

والبيضُ تصدر في النحورِ وتوردُ

من كان قاتلَ طلحةَ لمّا أتى

كالليثِ يرعدُ للقتالِ ويزبدُ

وأبادَ أصحابَ اللواءِ وأصبحوا

مثلاً بهم يروى الحديثُ ويُسندُ

هذا يُجرُّ وذاك يُرفعُ رأسُه

في رأسِ منتصبٍ وذاك مقيّدُ

وبيومِ خيبرَ إذ برايةِ أحمدٍ

ولّى عتيقٌ والبريّةُ تشهدُ

ومضى بها الثاني فآب يجرُّها

ذلاّ يوبّخ نفسَه ويفنّدُ

حتى إذا رجعا تميّز أحمدٌ

حرداً وحقّ له بذلك يحردُ

وغدا يحدِّثُ مُسمعاً من حولَهُ

والقولُ منه موفَّقٌ ومؤيَّدُ

إنّي لأعطي رايتي رجلاً وفى

بطلٌ بمختلسِ النفوسِ معوّدُ

رجلٌ يحبُّ الله ثمّ رسولَهُ

ويحبّه اللهُ العليُّ وأحمدُ

حتى إذا جنحَ الظلامُ مضى على

عجلٍ وأسفرَ عن صبيحته غدُ

قال ائت يا سلمانُ لي بأخي فقال

لَ الطهرُ سلمانٌ عليٌّ أرمدُ

ومضى وعاد به يُقادُ ألا لقد

شرُفَ المقودُ عُلاً وعزَّ القَيِّدُ

فجلا قذاهُ بتفلةٍ وكساه سا

بغةً بها الزردُ الحديد منضَّدُ (١)

فيدٌ تناولُه اللواءَ وكفُّهُ

الأُخرى تُزرِّد درعَه وتُبنِّدُ

ومضى بها قدماً وآبَ مظفَّراً

مستبشراً بالنصرِ وهو مؤيَّدُ

__________________

(١) درع سابغة : واسعة ، والجمع سوابغ. الزرد : الدرع المزرودة يتداخل بعضها في بعض ، والجمع زرود. (المؤلف)

٥٠٦

وهوى بحدِّ السيفِ هامةَ مرحبٍ

فبراه وهو الكافرُ المتمرِّدُ

ودنا من الحصنِ الحصينِ وبابُهُ

مستغلقٌ حذرَ المنيّةِ موصدُ

فدحاه مقتلعاً له فغدا له

حسّان ثابت في المحافلِ ينشدُ (١)

إنَّ امرأً حملَ الرتاجَ (٢) بخيبرٍ

يومَ اليهودِ لقدره لمؤيّدُ

حمل الرتاجَ وماجَ باب قموصِها

والمسلمون وأهلُ خيبرَ تشهدُ

واسأل حنيناً حين بادرَ جرولٌ (٣)

شاكي السلاحِ لفرصةٍ يترصَّدُ

حتى إذا ما أمكنته غشاهمُ

في فيلقٍ يحكيه بحرٌ مزبدُ

وثوى قتيلاً أيمنٌ (٤) وتبادرت

عُصَبُ الضلال لحتفِ أحمدَ تقصدُ

وتفرّقت أنصارُه من حولِهِ

جزعاً كأنّهمُ النعامُ الشرّدُ

ها ذاك منحدرٌ إلى وَهدٍ وذا

حذرَ المنيّةِ فوقَ تلعٍ يصعدُ

هلاّ سألتَ غداة ولّى جمعُهمْ

خوفَ الردى إن كنتَ من يسترشدُ

من كان قاتلَ جرولٍ ومذلَّ جي

شِ هوازنَ إلاّ الوليّ المرشدُ

كلٌّ له فقدَ النبيُّ سوى أبي

حسنٍ عليٍّ حاضرٌ لا يفقدُ

__________________

(١) مرّ شعر حسّان بن ثابت في هذه المأثرة الكريمة وشرحه ، في الجزء الثاني : ص ٤٠. (المؤلف)

(٢) الرتاج : الباب العظيم. الباب المغلق وفيه باب صغير. (المؤلف)

(٣) هو أبو جرول صاحب راية هوازن يوم حنين ، كان يوم ذاك على جمل له أحمر ، بيده راية سوداء في رأس رمح طويل أمام الناس وهوازن خلفه ، إذا أدرك طعن برمحه ، وإذا فاته الناس رفع رمحه لمن وراءه ، وكان يرتجز بقوله :

أنا أبو جرول لا براح

حتى يبيح القوم أو يباح

 فهوى له عليّ أمير المؤمنين من خلفه فضرب عرقوبي الجمل فوقع على عجزه ثمّ ضربه فقطره ثمّ قال :

قد علم القوم لدى الصباح

إنّي لدى الهيجاء ذو نضاح(لمؤلف)

(٤) أيمن ـ ابن أُمّ أيمن ـ بن عبيد ، من المستشهدين في غزوة حنين. (المؤلف)

٥٠٧

ومبيتُهُ فوقَ الفراشِ مجاهداً

بمهادِ خيرِ المرسلين يُمهّدُ

وسواه محزونٌ خلال الغارِ من

حذر المنيّةِ نفسُهُ تتصعّدُ

وتعدُّ منقبةً لديه وإنّها

إحدى الكبائرِ عند من يتفقّدُ

ومسيرُهُ فوق البساطِ مخاطباً

أهلَ الرقيمِ فضيلةٌ لا تُجحدُ

وعليه قد رُدّت (١) ذُكاءُ وأحمدٌ

من فوقِ ركبتهِ اليمين موسَّدُ

وعليه ثانيةً بساحةِ بابلٍ

رجعت كذا ورد الحديث المسندُ

ووليُّ عهد محمدٍ أفهل ترى

أحداً إليه سواه أحمد يعهدُ

إذ قال إنّك وارثي وخليفتي

ومغسِّلٌ لي دونهم ومُلَحّدُ

أم هل ترى (٢) في العالمين بأسرِهمْ

بشراً سواه ببيت مكّةَ يولدُ

في ليلةٍ جبريلُ جاء بها مع ال

ـملأ المقدَّس حوله يتعبّدُ

فلقد سما مجداً عليُّ كما علا

شرفاً به دون البقاعِ المسجدُ

أم هل سواه فتىً تصدَّق (٣) راكعاً

لمّا أتاه السائل المسترفدُ

المؤثر المتصدِّق المتفضّلُ ال

ـمتمسّكُ المتنسّكُ المتزهّدُ

الشاكرُ المتطوّعُ المتضرّعُ ال

ـمتخضّعُ المتخشّعُ المتهجّدُ

الصابرُ المتوكّلُ المتوسِّلُ ال

ـمتذلِّلُ المتململُ المتعبِّدُ

رجلٌ يتيهُ به الفخارُ مفاخراً

ويسود إذ يُعزى إليه السؤددُ

إن يحسدوه على عُلاه فإنّما

أعلى البريّة رتبةً من يُحسدُ

وتتبّعت أبناؤهم أبناءه

كلٌّ لكلٍّ بالأذى يتقصّدُ

حسدوه إذ لا رتبةٌ وفضيلةٌ

إلاّ بما هو دونهم متفرّدُ

__________________

(١) أسلفنا تفصيل القول في فضيلة ردّ الشمس للإمام عليه‌السلام في الجزء الثالث : ص ١٢٦ ـ ١٤١. (المؤلف)

(٢) قد مرّ حديث ولادته عليه‌السلام ببطن الكعبة المشرفة في هذا الجزء ص ٢١ ـ ٣٨. (المؤلف)

(٣) هذه الفضيلة فصّلنا القول فيها تفصيلاً في : ٢ / ٤٧ و ٣ / ١٥٦ ـ ١٦٦. (المؤلف)

٥٠٨

بالله أُقسمُ والنبيِّ وآلِهِ

قسماً يفوزُ به الوليُّ ويسعدُ

لو لا الأُلى نقضوا عهودَ محمدٍ

من بعدِهِ وعلى الوصيِّ تمرّدوا

لم تستطعْ مَدّا لآل أُميّةٍ

يومَ الطفوفِ على ابنِ فاطمةٍ يدُ

بأبي القتيلَ المستضامَ ومن له

نارٌ بقلبي حرُّها لا يبردُ

بأبي غريبَ الدارِ منتهكَ الخبا

عن عُقرِ منزله بعيدٌ مفردُ

بأبي الذي كادت لفرطِ مصابِه

شمُّ الرواسي حسرةً تتبدّدُ

كتبت إليه على غرورِ أُميّةٍ

سفهاً وليس لهم كريمٌ يحمدُ

بصحائفٍ كوجوههم مسودّةٍ

جاءت بها ركبانُهمْ تتردّدُ

حتى توجّه واثقاً بعهودِهمْ

وله عيونهمُ انتظاراً ترصدُ

أضحى الذين أعدَّهمْ لعدوّهمْ

إلباً (١) جنودُهمُ عليهِ تُجنّدُ

وتبادروا يتسارعون لحربِهِ

جيشاً يُقاد له وآخرُ يُحشَدُ

حتى تراءى منهمُ الجمعانِ في خرقٍ

وضمّهمُ هنالك فدفدُ (٢)

ألفوه لا وَكِلاً ولا مستشعراً ذلاّ

ولا في عزمِه يتردّدُ

ماضٍ على عزمٍ يفلُّ بحدِّهِ

الماضي حدودَ البيضِ حين تُجَرَّدُ

مستبشراً بالحرب علماً أنّه

يتبوّأ الفردوسَ إذ يُستشهَدُ

في أُسرةٍ من هاشمٍ علويّةٍ

عزّت أرومتُها وطاب المولدُ

وسراة أنصارٍ ضراغمةٍ لهمْ

أهوالُ أيّامِ الوقائع تشهدُ

يتسارعون إلى القتال يسابق ال

ـكهلَ المسنَّ على القتالِ الأمردُ

فكأنّما تلك القلوبُ تقلّبتْ

زبراً عليهنَّ الصفيح يضمّدُ (٣)

وتخال في إقدامِهمْ أقدامَهمْ

عُمداً على صمِّ الجلامِد توقدُ

__________________

(١) الإلب : القوم تجمعهم عداوة واحد يقال : هم على إلب واحد. (المؤلف)

(٢) الفدفد : الفلاة التي لا شيء بها.

(٣) الزبرة : القطعة الضخمة من الحديد والجمع زُبُر. الصفيح جمع الصفيحة : السيف العريض. (المؤلف)

٥٠٩

جادوا بأنفسِهمْ أمامَ إمامِهمْ

والجودُ بالنفسِ النفيسةِ أجودُ

نصحوا غَنُوا غرسوا جَنَوا شادوا بَنَوا

قَرُبوا دنَوا سكنوا النعيم فخلّدوا

حتى إذا انتهبت نفوسَهمُ الظبا

من دون سيّدِهم وقلَّ المسعدُ

طافوا به فرداً وطوعُ يمينِهِ

متذلّقٌ ماضي الغرار مهنّدُ (١)

عضبٌ (٢) بغيرِ جفونِ هاماتِ العدى

يومَ الكريهةِ حدُّه لا يغمَدُ

يسطو به ثبتُ الجَنانِ ممنّعٌ

ماضي العزيمةِ دارعٌ ومُزرّدُ

ندبٌ متى ندبوه (٣) كرّ معاوداً

والأُسدُ في طلبِ الفرائسِ عُوَّدُ

فيروعُهمْ من حدِّ غربِ حسامِهِ

ضربٌ يقدُّ به الجماجمَ أهودُ

يا قلبَهُ يومَ الطفوفِ أزبرةٌ

مطبوعةٌ أم أنت صخرٌ جلمدُ

فكأنّه وجوادَه وسنانَه

وحسامَه والنقعُ داجٍ أسودُ (٤)

فلكٌ به قمرٌ وراه مذنَّبٌ

وأمامه في جنح ليلٍ فرقدُ

في ضيقِ معتركٍ تقاعصَ دونه

جرداءُ مائلةٌ وشيظم أجردُ (٥)

فكأنّما فيه مسيلُ دمائِهمْ

بحرٌ تهيّجُه الرياحُ فيزبدُ

__________________

(١) الذلق : الحدّ. المتذلّق المحدّد الطرف. الماضي فاعل من مضى مضاء السيف : أي قطع. الغرار بالكسر : حدّ السيف. المهنّد : السيف المطبوع من حديد الهند. (المؤلف)

(٢) العضب : السيف القاطع ، ويقال : سيف عضب أي قاطع. والعضب : الرجل الحديد الكلام. (المؤلف)

(٣) الندب : السريع إلى الفضائل. الظريف النجيب. ندب فلاناً للأمر أو إليه دعاه ووجّهه إليه. (المؤلف)

(٤) هذا البيت وما بعده في بعض النسخ يوجد كذا :

فكأنّه وجوادَهُ وسنانَ صعدتِه

وليلُ النقع داجٍ أسود

قمرٌ به فلكٌ يمرّ يؤمّه

متقدّماً في جنح ليلٍ فرقدُ (المؤلف)

(٥) تقاعص : من القعص وهو القتل المعجّل. يقال ، مات فلان قعصاً إذا أصابته ضربة فمات مكانه. الشيظم : الطويل الجسيم الفتيّ من الناس والخيل والإبل.

٥١٠

فكأنّ جُرْدَ الصافناتِ سفائنٌ

طوراً تعوم به وطوراً تركدُ (١)

حتى شفى بالسيفِ غلّةَ صدرِهِ

ومن الزلال العذب ليس تبرّدُ

لهفي له يردُ الحتوفَ ودونَهُ

ماءُ الفراتِ محرّمٌ لا يوردُ

شزراً (٢) يلاحظه ودونَ ورودِهِ

نارٌ بأطرافِ الأسنّةِ توقدُ

ولقد غَشَوهُ فضاربٌ ومفوّقٌ

سهماً إليه وطاعنٌ متقصِّدُ

حتى هوى كالطودِ غيرَ مذمَّمٍ

بالنفسِ من أسفٍ يجود ويجهدُ

لهفي عليه مرمّلاً بدمائِهِ

تربَ الترائبِ بالصعيد يوسّدُ

تطأ السنابكُ (٣) منه صدراً طال ما

للدرسِ فيه وللعلومِ تردّدُ

ألقت عليه السافياتُ ملابساً

فكسته وهو من اللباس مجرّدُ

خضبت عوارضَهُ دماه فخيّلت

شفقاً له فوق الصباح تورّدُ

لهفي لِفِتيَتِهِ خموداً في الثرى

ودماؤهم فوق الصعيدِ تبدّدُ

فكأنّما سيلُ الدماءِ على عوا

رضِهمْ عقيقٌ ثمّ منه زبرجدُ

لهفي لنسوتِهِ برزنَ حواسراً

وخدودُهنَّ من الدموعِ تخدّدُ

هاتيك حاسرة القناع وهذه

عنها يُماط رِداً ويُنزعُ مِرودُ

ويقلن جهراً للجوادِ لقد هوى

من فوقِ صهوتِكَ الجوادُ الأجودُ

يا يومَ عاشوراءَ حسبُك إنّك ال

يومُ المشومُ بل العبوسُ الأنكدُ

فيك الحسينُ ثوى قتيلاً بالعرا

إذ عزَّ ناصرُه وقلَّ المُسعدُ

والتائبون الحامدون العابدو

ن السائحون الراكعون السجَّدُ

أضحت رءوسُهمُ أمام نسائِهمْ

قُدُماً تميل بها الرماح وتأودُ

__________________

(١) الجرد ـ بفتح الجيم ـ : الترس [والجُرد : جمع أجرد وهو الفرس قصير الشعر]. الصافنات جمع الصافن من صفن الفرس : قام على ثلاث قوائم وطرف حافر الرابعة. تعوم : تسير. (المؤلف)

(٢) شزر : نظر بجانب عينه مع إعراض أو غضب. (المؤلف)

(٣) السنبك : طرف الحافر. (المؤلف)

٥١١

والسيّدُالسجّادُالجبري المصري يُحمَلُ صاغراً

ويُقادُ في الأغلالِ وهو مقيّدُ

لا راحماً يشكو إليه مصابَهُ

في دارِ غربتِهِ ولا مُتودّدُ

يُهدى به وبرأسِ والدِه إلى

لكعٍ زنيمٍ كافرٍ يتمرّدُ

لا خيرَ في سفهاءِ قومٍ عبدُهمْ

ملكٌ يطاعُ وحرُّهم مستعبدُ

يا عينُ إن نفدتْ دموعُكِ فاسمحي

بدمٍ ولستُ إخالُ دمعَكِ ينفدُ

أسفاً على آلِ الرسولِ ومن بهمْ

ركنُ الهدى شرفاً يُشاد ويُعضدُ

منهم قتيلٌ لا يُجارُ ومن سُقي

سمّا وآخرُ عن حماه يشرَّدُ

ضاقت بلادُ اللهِ وهي فسيحةٌ

بهمُ وليس لهم بأرضٍ مقعدُ

متباعدون لهم بكلِّ تنوفةٍ (١)

مستشهدٌ وبكلِّ أرضٍ مشهدُ

أَبَني المشاعرِ والحطيمِ ومن هُمُ

حججٌ بهم تشقى الأنامُ وتسعدُ

أقسمتُ لا ينفكُّ حزني دائماً

بكمُ ونارُ حشاشتي لا تخمدُ

بكم يميناً لا جرى في ناظري

حزناً عليكم غير دمعي مِرودُ

يفنى الزمانُ وتنقضي أيّامه

وعليُّكم بكمُ الحزينُ المكمدُ

فلجسمِهِ حللُ السقامِ ملابسٌ

ولطرفِهِ حرُّ المدامعِ أثمدُ

ولو انّني استمددتُ من عيني دماً

ويقلّ من عيني دماً يستمددُ

لم أقضِ حقَّكمُ عليَّ وكيف أن

تقضي حقوقَ المالكينَ الأعبُدُ

يا صفوةَ الجبّارِ يا مستودعي ال

ـأسرارِ يا من ظلُّهم لي مقصدُ

عاهدتُكمْ في الذرِّ معرفةً بكم

ووفيتُ أيماناً بما أتعهّدُ

ووعدتموني في المعادِ شفاعةً

وعلى الصراطِ غداً يصحّ الموعدُ

فتفقّدوني في الحسابِ فإنّني

ثقةً بكم لوجوهِكمْ أتقصّدُ

كم مدحةٍ لي فيكمُ في طيِّها

حِكمٌ تفوز بها الركاب وتنجدُ

__________________

(١) التنوفة : البرّية لا ماء فيها ولا أنيس ، والجمع تنائف. (المؤلف)

٥١٢

وبناتُ أفكارٍ تفوق صفات أب

كارٍ يقوم لها القريضُ ويقعدُ

ليس النضارُ (١) لها نظيراً بل هي

الدرُّ المفصَّلُ لا الخلاصُ العسجدُ

هذا ولو أنّ العبادَ بأسرِهمْ

تحكي مناقبَ مجدِكمْ وتعدّدُ

لم يدركوا إلاّ اليسيرَ وأنتمُ

أعلى علاً ممّا حكوه وأزيدُ

ولكان في أُمّ الكتابِ كفايةٌ

عمّا تُنظّمُهُ الورى وتُنضّدُ

صلّى الإلهُ عليكمُ ما باكرتْ

وِرقٌ على وَرقِ الغصونِ تُغرّدُ

وله من قصيدة يمدح بها مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وفيها من البديع الجناس في القوافي في (٥٦) بيتاً قوله :

يا روحَ قدسٍ من اللهِ البديء بدا

وروحَ أُنسٍ على العرش العليِّ بدا

يا علّةَ الخلقِ يا من لا يُقاربُ خي

ر المرسلين سواه مشبهٌ أبدا

يا سرَّ موسى كليمِ اللهِ حين رأى

ناراً فآنس منها للظلامِ هدى

ويا وسيلةَ إبراهيمَ حين خبتْ

نارُ ابنِ كنعانَ برداً والضرامُ هدا

أنت الذي قسماً لو لا علاك لما

كلّت لدى النحرِ عن نحر الذبيح مُدى

ولا غدا شملُ يعقوب النبيّ مع الص

ـدِّيق مشتملاً من بعد طول مَدى

أليَّةً بك لو لا أنت ما كشفت

مسرّة الأمنِ عن قلب النبيِّ صدى

ولا غدت عرصاتُ الكفر موحشةً

يبكي عليهنَّ من بعد الأنيسِ صدى (٢)

يا من به كَمُلَ الدينُ الحنيفُ ولل

إسلامِ من بعدِ وهنٍ ميلَهُ عضدا

وصاحبَ النصِّ في خمٍّ وقد رفع الن

بيّ منه على رغم العدا عَضُدا

أنت الذي اختارك الهادي البشيرُ أخاً

وما سواك ارتضى من بينهم أحدا

أنت الذي عجبتْ منه الملائكُ في

بدرٍ ومن بعدِها إذ شاهدوا أُحدا

__________________

(١) النضار : الجوهر الخالص من التبر ، الذهب والفضة وقد غلب على الذهب. (المؤلف)

(٢) الصدى : نوع من البوم يأوي إلى الأماكن الخربة المظلمة ويسمّى أيضاً : الهامة. (المؤلف)

٥١٣

وحقِّ نصرك للإسلامِ تكلؤه

حياطةً بعد خطبٍ فادحٍ ورَدى

ما فصّلَ المجدُ جلباباً لذي شرفٍ

إلاّ وكان لمعناك البهيجِ رِدا

يا كاشفَ الكربِ عن وجه النبيِّ لدى

بدرٍ وقد كثرت أعداؤه عَددا

استشعروا الذلَّ خوفاً من لقاك وقد

تكاثروا عدداً واستصحبوا عُددا

ويومَ عمروِ بن ودِّ العامريّ وقد

سارتْ إليك سرايا جيشه مَددا

أضحكتَ ثغرَ الهدى بشراً به وبكتْ

عينُ الضلالِ له بعد الدما مُددا

وفي هوازنَ لمّا نارُها استعرتْ

من عزمِ عزمِكَ يوماً حرُّها بردا

أجرى حسامُك صوباً من دمائهمُ

هدراً وأمطرتهمْ من أسهم بَردا (١)

أقدمتَ وانهزمَ الباقون حين رأوا

على النبيِّ محيطاً جحفلاً لَبدا (٢)

لو لا حسامُكَ ما ولّوا ولا اطّرحوا

من الغنائمِ مالاً وافراً لُبدا (٣)

إلى آخره

الشاعر

أبو الحسن علاء الدين الشيخ عليّ بن الحسين الحلّي الشهيفي (٤) ، المعروف بابن الشهفيّة ، عالم فاضل ، وأديب كامل ، وقد جمع بين الفضيلتين علم غزير وأدب بارع بفكر نابغ ، ونظر صائب ، ونبوغ ظاهر ، وفضل باهر ، وجاء في الطليعة من شعراء أهل البيت عليهم‌السلام ، وقصائده الرنّانة السائرة الطافحة بالحجاج ، الزاهية بالرقائق ، المشحونة بالدقائق ، المتبلّجة بالمحسّنات البديعيّة على جزالةٍ في اللفظ ، وحصافةٍ في

__________________

(١) ثلج جامد ينزل من السحاب يسمّى حبّ الغمام وحبّ المزن. (المؤلف)

(٢) لبد القوم بالرجل : لزموه وأطافوا به. (المؤلف)

(٣) لبد بضمّ اللام ؛ أي الكثير الجمّ. (المؤلف)

(٤) لم نعرف وجه هذه النسبة ونجد في ضبطها اختلافاً في النسخ بين الشهيفي ، والشفهيني ، والشهفيني ، والشفهي ، والشهيفيني. (المؤلف)

٥١٤

المعنى ، ومتانةٍ في الأُسلوب ، وقوّةٍ في المبنى ، ورصانةٍ في النضد ، ورشاقةٍ في النظيم في مدائح أمير المؤمنين ومراثي ولده الإمام السبط أعدل شاهد لعبقريّته ، وتقدّمه في محاسن الشعر ، وثباته على نواميس المذهب ، واقتفائه أثر أئمّة دينه عليهم‌السلام. ولشيخنا الشهيد الأوّل معاصره المقتول سنة (٧٨٦) شرح إحدى قصائده وهي الغديريّة الثانية المذكورة ، ولمّا وقف المترجم على ذلك الشرح فخر به ومدح الشارح بمقطوعة.

ترجمه وأثنى عليه بالعلم والفضل والأدب القاضي في المجالس (١) ، وشيخنا الحرّ في أمل الآمل (٢) ، والميرزا صاحب رياض العلماء (٣) ، وسيّدنا مؤلّف رياض الجنّة ، وابن أبي شبانة في تتميم الأمل وغيرهم.

وقصائده السبع الطوال التي أوعز إلى عددها في بعضها ، وهي التي رآها صاحب رياض العلماء بخطِّ العلاّمة الشيخ محمد بن عليّ بن الحسن الجباعي العاملي تلميذ ابن فهد الحلّي المتوفّى (٨٤١) ، وقفنا منها على عدّة نسخ ، إحداها غديريّته الأُولى المذكورة ، وإليك الستّ الباقية :

القصيدة الأولى

ذهبَ الصبا وتصرّمَ العمرُ

ودنا الرحيلُ وقوّضَ السفرُ

ووهتْ قواعدُ قوّتي وذوى

غصنُ الشبيبة وانحنى الظهرُ

وبكت حمائمُ دوحتي أسفاً

لمّا ذوت عذباتُها الخضرُ

وخلت من الينع الجنيِّ فلا

قطفٌ بها يُجنى ولا زهرُ

وتبدّلت لذهابِ سندسِها

ذهبيّةٌ أوراقُها الصفرُ

وتغيّبت شمسُ الضحى فخلا

للبيض عن أوطانيَ النفرُ

__________________

(١) مجالس المؤمنين : ٢ / ٥٧١.

(٢) أمل الآمل : ٢ / ١٩٠ رقم ٥٦٥.

(٣) رياض العلماء : ٣ / ٤٢٧.

٥١٥

وجَفوننِي بعد الوصالِ فلا

هَديٌ يقرِّبني ولا نحرُ

وهجرن بيتي أن يطفنَ به

ولهنَّ في هجرانِه عذرُ

ذهبت نضارةُ منظري وبدا

في جنحِ ليلِ عذاريَ الفجرُ

وإذا الفتى ذهبتْ شبيبتُه

فيما يضرُّ فربحُه خسرُ

وعليه ما اكتسبتْ يداه إذا

سكنَ الضريحَ وضمّه القبرُ

وإذا انقضى عمرُ الفتى فرطاً

في كسبِ معصيةٍ فلا عمرُ

ما العمرُ إلاّ ما به كثُرتْ

حسناتُه وتضاعفَ الأجرُ

ولقد وقفتُ على منازلِ من

أهوى وفيضُ مدامعي غمرُ

وسألتُها لو أنّها نطقتْ

أم كيف ينطقُ منزلٌ قفرُ

يا دارُ هل لكِ بالأُلى رحلوا

خَبرٌ وهل لمعالمٍ خُبرُ

أين البدورُ بدورُ سعدِك يا

مغنى وأين الأنجمُ الزهرُ

أين الكفاةُ ومن أكفُّهم

في النائبات لمُعسرٍ يسرُ

أين الربوعُ المخصباتُ إذا

عفتِ السنون وأعوز البشرُ

أين الغيوث الهاطلات إذا

بخل السحابُ وأَنجمَ القطرُ (١)

ذهبوا فما وأبيك بعدهمُ

للناس نيسانٌ ولا غمرُ

تلك المحاسنُ في القبورِ على

مرِّ الدهور هوامدٌ دثرُ

أبكي اشتياقاً كلّما ذُكِروا

وأخو الغرام يهيجُه الذكرُ

ورجوتهم في منتهى أجلي

خلفاً فأخلف ظنّيَ الدهرُ

فأنا الغريبُ الدارِ في وطني

وعلى اغترابي ينقضي العمرُ

يا واقفاً في الدارِ مفتكراً

مهلاً فقد أودى بك الفكرُ

إن تُمسِ مكتئباً لبينهمُ

فعقيب كلِّ كآبةٍ وَزرُ (٢)

__________________

(١) أنجم المطر : أقلع.

(٢) الوزر ـ بفتح الواو وتاليها ـ : الملجأ. (المؤلف)

٥١٦

هلاّ صبرتَ على المصاب بهمْ

وعلى المصيبةِ يُحمدُ الصبرُ

وجعلتَ رزءَكَ في الحسينِ ففي

رزءِ ابن فاطمةٍ لك الأجرُ

مكروا به أهلُ النفاقِ وهل

لمنافقٍ يستبعد المكرُ

بصحائفٍ كوجوههم وردت

سوداً وفحوُ كلامِهم هجرُ

حتى أناخَ بعقرِ ساحتهمْ

ثقةً تأكّدَ منهم الغدرُ

وتسارعوا لقتالِهِ زمراً

ما لا يحيط بعدِّه حصرُ

طافوا بأروعَ (١) في عرينتهِ

يحمى النزيل ويأمن الثغرُ

جيشٌ لُهامٌ يوم معركةٍ

وليوم سلمٍ واحدٌ وترُ (٢)

فكأنّهم سربٌ قد اجتمعتْ

إلفاً فبدّد شملَها صقرُ

أو حاذرٌ ذو لبدة وجمتْ

لهجومِهِ في مرتعٍ عفرُ (٣)

يا قلبه وعِداه من فَرَقٍ

فِرَقٌ وملءُ قلوبِهم ذعرُ

أمن الصلابِ الصلب أم زبرٌ

طبعت وصبَّ خلالها قطرُ

وكأنّه فوق الجواد وفي

متن الحسام دماؤهم هدرُ

أسدٌ على فلكٍ وفي يدِه ال

مرِّيخ قاني اللون محمرُّ

حتى إذا قرب المدى وبه

طاف العدى وتقاصرَ العمرُ

أردوه منعفراً تمجُّ دماً

منه الظبا والذّبل السمرُ

تطأُ الخيولُ إهابَه وعلى ال

ـخدِّ التريبِ لوطيِها أثرُ

ظامٍ يبلّ أُوام غلّته

ريّا يفيضُ نجيعه النحرُ (٤)

__________________

(١) الأروع : من يعجب الناس بحسنه أو شجاعته. (المؤلف)

(٢) جيش لُهام : أي كثير يلتهم كلّ شيء.

(٣) الحاذر : المتأهّب المستعد. اللبدة ـ بالكسر والضم ـ : الشعر المجتمع بين كتفي الأسد. الوجم والوجوم : السكوت والعجز من الغيظ أو الخوف والإمساك عن أمر كرهاً. العفر : بالكسر والضمّ ـ : الخنزير ، الشجاع ، الغليظ الشديد. (المؤلف)

(٤) الأُوام : العطش الشديد.

٥١٧

تأباه إجلالاً فتزجرُها

فئةٌ يقودُ عصاتَها شمرُ

فتجول في صدرٍ أحاط على

علم النبوّة ذلك الصدرُ

بأبي القتيلَ ومن بمصرعِه

ضعفَ الهدى وتضاعفَ الكفرُ

بأبي الذي أكفانه نُسجت

من عِثْيَرٍ وحنوطه عفرُ (١)

ومغسَّلاً بدمِ الوريدِ فلا

ماءٌ أُعدَّ له ولا سِدرُ

بدرٌ هوى من سعدِهِ فبكى

لخمودِ نورِ ضيائِه البدرُ

هوتِ النسورُ عليه عاكفةً

وبكاه عند طلوعِهِ النسرُ

سلبت يدُ الطلقاءِ مِغفرَهُ

فبكى لسلبِ المِغفرِ العفرُ

وبكت ملائكةُ السماءِ له

حزناً ووجه الأرض مغبرُّ

والدهرُ مشقوق الرداء ولا

عجبٌ يشقُّ رداءَه الدهرُ

والشمسُ ناشرة ذوائبَها

وعليه لا يُستقَبحُ النشرُ

برزت له في زيِّ ثاكلةٍ

أثيابُها دمويّةٌ حمرُ

وبكت عليه المعصراتُ دماً

فأديمُ خدِّ الأرضِ محمرُّ

لا عذرَ عندي للسماءِ وقد

بخلتْ وليس لباخلٍ عذرُ

تبكي دماً لمّا قضى عطشاً

لِم لا بكى حبّا له القطرُ

وكريمةُ المقتولِ يوجدُ من

دمِهِ على أثوابِها أثرُ

بأبي كريماتِ الحسينِ وما

من دونهنّ لناظرٍ سترُ

لا ظلُّ سجفٍ يكتنفن به

عن كلِّ أفّاكٍ ولا خِدرُ

ما بين حاسرةٍ وناشرةٍ

برزت يواري شعرها (٢) العشرُ

يندبنَ أكرمَ سيّدٍ ظفرتْ

لأقلِّ أعبدِهِ به ظفرُ

ويقلن جهراً للجواد وقد

أمَّ الخيامَ عُقِرتَ يا مهرُ

__________________

(١) العِثْير : الغبار.

(٢) وفي بعض النسخ : نشرها. (المؤلف)

٥١٨

ما بالُ سرجِك يا جواد من الن

ـدبِ الجواد أخي العلى صِفرُ

آهاً لها نارٌ تأجّجُ في

صدري فلا يُطفى لها حرُّ

أيموتُ ظمآناً حسينٌ وفي

كلتا يديه من الندى بحرُ

وبنوه في ضيقِ القيودِ ومن

ثقلِ الحديد عليهمُ وقرُ

حُملوا على الأقتابِ عاريةً

شعثاً وليس لكسرِهم جبرُ

تسري بهم خوضُ الركابِ

وللطلقاءِ في أعقابِها زجرُ

لا راحمٌ لهمُ يرقُّ ولا

فيما أصابهمُ له نكرُ

ويزيد في أعلى القصورِ له

تشدو القيانُ وتُسكَبُ الخمرُ

ويقول جهلاً والقضيب به

تدمى شفاهُ حسينِ والثغرُ

يا ليت أشياخي الأُلى شهدوا

لسراة هاشم فيهمُ بدرُ

شهدوا الحسينَ وشطرُ أُسرتِهِ

أسرى ومنهم هالكٌ شطرُ

إذ لاستهلّوا فيهمُ فرحاً

كأبي غداة غزاهمُ بسرُ (١)

ويقول وزراً إذ بطشت بهم

لا خفّ عنه ذلك الوزرُ

زعموا بأن سنعودُ ثانيةً

وأبيك لا بعثٌ ولا نشرُ

يا ابن الهداةِ الأكرمين ومن

شرفُ الفخارِ بهم ولا فخرُ

قسماً بمثواك الشريفِ وما

ضمّت منى والركن والحجرُ (٢)

فهمُ سواء في الجلالة إذ

بهمُ التمامُ يحلُّ والقصرُ

تعنو به الألباب تلبيةً

ويطوف ظاهر حجرهِ الحجرُ

ما طائرٌ فقد الفراخَ فلا

يُؤويه بعد فراخِهِ وكرُ

__________________

(١) أشار إلى حرب صفّين ، وبسر هو ابن أرطاة أحد الرجلين اللذين كشفا عن سوأتهما يوم ذاك من بأس أمير المؤمنين وتخلّصا من سطوته ، كما مرّ حديثه في : ٢ / ١٥٦. (المؤلف)

(٢) وفي بعض النسخ : والخيف بدل الركن. (المؤلف)

٥١٩

بأشدَّ من حزني عليك ولا

الخنساءُ جدّد حزنَها صخرُ (١)

ولقد وددتُ بأن أراك وقد

قلّ النصيرُ وفاتَكَ النصرُ

حتى أكونَ لك الفداءَ كما

كرماً فداك بنفسه الحرُّ (٢)

ولئن تفاوتَ بيننا زمنٌ

عن نصرِكمْ وتقادم العصرُ

فلأبكينّكَ ما حييتُ أسىً

حتى يواري أعظمي القبرُ

ولأمنحنّكَ كلَّ نادبةٍ

يعنو لنظمِ قريضِها الشعرُ

أبكارُ فكري في محاسنِها

نظمٌ وفيضُ مدامعي نثرُ

ومصابُ يومك يا ابن فاطمةٍ

ميعادنا وسلوّنا الحشرُ

أو فرحةٌ بظهورِ قائِمكمْ

فيها لنا الإقبال والبشرُ

يوماً تردّ الشمس ضاحيةً

في الغرب ليس لعرفها نكرُ

وتكبِّر الأملاكُ مسمعةً

إلاّ لمن في أُذنه وقرُ

ظهر الإمامُ العالمُ العلَمُ ال

برّ التقيّ الطاهر الطهرُ

من ركنِ بيتِ الله حاجبُه

عيسى المسيحُ وأحمدُ الخضرُ

في جحفلٍ لَجبٍ يكاد بهمْ

من كثرةٍ يتضايق القُطرُ

فهمُ النجومُ الزاهراتُ بدا

في تمّه من بينها البدرُ

عجّل قدومَكَ يا ابن فاطمةٍ

قد مسّ شيعةَ جدِّكَ الضرُّ

علماؤهم تحت الخمولِ فلا

نفعٌ لأنفسهم ولا ضرُّ

يتظاهرون بغير ما اعتقدوا

لا قوّة لهم ولا ظهرُ

استعذبوا مرَّ الأذى فَحَلا

لهم ويحلو فيكمُ المرُّ

فهم الأقلُّ الأكثرون ومن

ربِّ العبادِ نصيبهمْ وَفرُ

__________________

(١) صخر بن عمرو بن الشريد ، كانت الخنساء أُخته ملهوفة القلب على موته ، ولم تزل ترثيه وتبكيه حتى عميت. (المؤلف)

(٢) الحرّ بن يزيد الرياحي ، أوّل قتيل سعيد بين يدي الإمام السبط يوم كربلاء. (المؤلف)

٥٢٠