الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي
المحقق: مركز الغدير للدّراسات الإسلاميّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
المطبعة: فروردين
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٤
وغيرهما ، وفي ذلك يقول الأديب أبو عبد الله بن جابر الأندلسي ـ وذكر البيتين المذكورين ـ والأديب شمس الدين الدمشقي :
أطرافُ تيجانٍ أتتْ من سندسٍ |
|
خضرٍ بأعلامٍ على الأشرافِ |
والأشرفُ السلطانُ خصّصهمْ بها |
|
شرفاً ليفرقهم من الأطرافِ |
والأشرف هو شعبان بن حسن بن الناصر ، خُنق سنة (٧٧٨).
ـ ٧١ ـ
علاء الدين الحلّي
أجآذرٌ منعتْ عيونَكَ ترقدُ |
|
بعراصِ بابلَ أم حِسانٌ خُرّدُ |
ومعاطفٌ عطفتْ فؤادَكَ أم غصو |
|
نُ نقىً على هضباتِها تتأوّدُ |
وبروقُ غاديةٍ شجاكَ وميضُها |
|
أم تلك درٌّ في الثغورِ تنضّدُ |
وعيونُ غزلانِ الصريمِ بسحرِها |
|
فتنتْكَ أم بيضٌ عليك تُجرَّدُ |
يا ساهرَ الليلِ الطويلِ يمدُّهُ |
|
عوناً على طولِ السهادِ الفرقدُ |
ومُهاجراً طيبَ الرقادِ وقلبُه |
|
أسفاً على جمرِ الغضا يتوقّدُ |
ألا كففتَ الطرفَ إذ سفرت بدو |
|
ر السعد بالسعدى عليك وتسعدُ |
أسلمتَ نفسَكَ للهوى متعرِّضاً |
|
وكذا الهوى فيه الهوانُ السرمدُ |
وبعثتَ طرفَكَ رائداً ولربّما |
|
صَرعَ الفتى دون الورود الموردُ |
فغدوتَ في شركِ الظباءِ مقيّداً |
|
وكذا الظباءُ يصدن من يتصيّدُ |
فلعبن أحياناً بلبِّكَ لاهياً |
|
بجمالهنّ فكادَ منك الحسّدُ |
حتى إذا علقت بهنّ بعدتَ من |
|
كثبٍ فهل لك بعد نجد منجدُ |
رحلوا فما أبقَوا لجسمِكَ بعدَهمْ |
|
رمقاً ولا جَلَداً به تتجلّدُ |
واها لنفسِكَ حيث جسمُك بالحمى |
|
يبلى وقلبُكَ بالركائب منجدُ |
ألِفَتْ عيادتَكَ الصبابةُ والأسى |
|
وجفاكَ من طول السقامِ العُوَّدُ |
وتظنُّ أنّ البعدَ يُعقِبُ سلوةً |
|
وكذا السلوُّ مع التباعدِ يبعدُ |
يا نائماً عن ليلِ صبٍ (١) جفنه |
|
أَرِقٌ إذا غفت العيون الهجّدُ |
ليس المنامُ لراقدٍ جهل الهوى |
|
عجباً بلى عجبٌ لمن لا يرقدُ |
نام الخليُّ من الغرامِ وطرفُ من |
|
أَلِفَ الصبابةَ والهيامَ مُسهَّدُ |
أترى تقرُّ عيونُ صبٍّ قلبُهُ |
|
في أسرِ مائسةِ القوامِ مقيّدُ |
شمسٌ على غصنٍ يكاد مهابةً |
|
لجمالِها تعنو البدورُ وتسجدُ |
تفترّ عن شنبٍ كأنّ جمانَه |
|
بردٌ به عذبُ الزلالِ مبرَّدُ |
ويصدُّني عن لثمِه نارٌ غدتْ |
|
زفراتُ أنفاسي بها تتصعّدُ |
من لي بقربِ غزالةٍ في وجهِها |
|
صبحٌ تجلّى عنه ليلٌ أسودُ |
أعنو لها ذلاّ فتعرض في الهوى |
|
دَلاّ وأمنحها الدنوّ وتبعدُ |
تحمي بناظرها مخافة ناظرٍ |
|
خدّا لها حسن الصقال مورَّدُ |
يا خالَ وجنتِها المخلّدَ في لظى |
|
ما خلتُ قبلك في الجحيمِ يخلّدُ |
إلاّ الذي جحد الوصيَّ وما حكى |
|
في فضلِهِ يومَ الغديرِ محمدُ |
إذ قام يصدعُ خاطباً ويمينُه |
|
بيمينِه فوق الحدائجِ تعقدُ |
ويقول والأملاكُ مُحدِقةٌ به |
|
والله مطّلعٌ بذلك يشهدُ |
من كنتُ مولاه فهذا حيدرٌ |
|
مولاه من دون الأنامِ وسيّدُ |
يا ربّ والِ وليَّه واكبت مُعا |
|
ديه وعاند من لحيدر يعندُ |
والله ما يهواه إلاّ مؤمنٌ |
|
برٌّ ولا يقلوه إلاّ ملحدُ |
كونوا له عوناً ولا تتخاذلوا |
|
عن نصره واسترشدوه ترشدوا |
قالوا سمعنا ما تقول وما أتى |
|
الروحُ الأمين به عليكَ يؤكّدُ |
هذا عليُّ إمامُنا ووليُّنا |
|
وبه إلى نهجِ الهدى نسترشدُ |
حتى إذا قُبِضَ النبيُّ ولم يكن |
|
من بعده في وسط لحدٍ يلحدُ |
__________________
(١) الصبّ : العاشق ، يقال : رجل صبّ والجمع صبون. (المؤلف)
خانوا مواثيقَ النبيِّ وخالفوا |
|
ما قاله خيرُ البريةِ أحمدُ |
واستبدلوا بالرشدِ غيّا بعد ما |
|
عرفوا الصوابَ وفي الضلالِ تردّدوا |
وغدا سليلُ أبي قحافةَ سيّداً |
|
لهمُ ولم يكُ قبلَ ذلك سيّدُ (١) |
يا للرجالِ لأُمّةٍ مفتونةٍ |
|
سادتْ على السادات فيها الأعبدُ |
أضحى بها الأقصى البعيدُ مقرّباً |
|
والأقربُ الأدنى يذاد ويبعدُ |
هلاّ تقدّمه غداة براءة |
|
إذ ردّ وهو بفرط غيظ مكمدُ |
ويقول معتذراً أقيلوني وفي |
|
إدراكها قد كان قِدماً يجهدُ |
أيكون منها المستقيل وقد غدا |
|
في آخرٍ يوصي بها ويؤكّدُ |
ثمّ اقتفى :
فقضى بها خشناءَ يغلظُ كلمُها |
|
ذلَّ الوليُّ بها وعزَّ المفسدُ |
وأشار بالشورى فقرَّب نعثلاً |
|
منها فبئس الخائن ...... (٢) |
فغدا لمالِ اللهِ في قربائِهِ |
|
عمداً يفرِّق جمعه ويبدِّدُ |
ونفى أبا ذرّ وقرّبَ فاسقاً (٣) |
|
كان النبيُّ له يصدُّ ويطردُ |
لعبوا بها حيناً وكلٌّ منهمُ |
|
متحيّرٌ في حكمِها متردِّدُ |
ولو اقتدوا بإمامِهم ووليّهمْ |
|
سعدوا به وهو الوليُّ الأوكدُ |
لكن شقَوا بخلافِهِ أبداً وما |
|
سعدوا به وهو الوصيُّ الأسعدُ |
صنوُ النبيِّ ونفسُه وأمينُه |
|
ووليُّه المتعطّفُ المتودّدُ |
كُتِبا على العرشِ المجيدِ ولم يكنْ |
|
في سالفِ الأيّامِ آدمُ يوجدُ |
__________________
(١) كذا.
(٢) بياض في الأصل.
(٣) هو الحكم بن أبي العاص بن أُمّية عمّ عثمان بن عفّان ، أخرجه رسول الله صلّي الله عليه وآله وسلّم من المدينة وطرده عنها ، راجع الاستيعاب [القسم الأوّل / ٣٥٩ رقم ٥٢٩] وغير واحد من المعاجم. (المؤلف)
نورانِ قدسيّانِ ضمَّ علاهما |
|
من شيبةِ الحمدِ ابن هاشم محتدُ |
من لم يُقم وجهاً إلى صنمٍ ولا |
|
للاّت والعزّى قديماً يسجدُ |
والدينُ والإشراكُ لو لا سيفُه |
|
ما قام ذا شرفاً وهذا يقعدُ |
سَلْ عنه بدراً حين وافى شيبةً |
|
شلواً عليهِ النائحاتُ تعدّدُ |
وثوى الوليدُ بسيفِه متعفّراً |
|
وعليه ثوبٌ بالدماءِ مجسّدُ |
وبيوم أُحدٍ والرماحُ شوارعٌ |
|
والبيضُ تصدر في النحورِ وتوردُ |
من كان قاتلَ طلحةَ لمّا أتى |
|
كالليثِ يرعدُ للقتالِ ويزبدُ |
وأبادَ أصحابَ اللواءِ وأصبحوا |
|
مثلاً بهم يروى الحديثُ ويُسندُ |
هذا يُجرُّ وذاك يُرفعُ رأسُه |
|
في رأسِ منتصبٍ وذاك مقيّدُ |
وبيومِ خيبرَ إذ برايةِ أحمدٍ |
|
ولّى عتيقٌ والبريّةُ تشهدُ |
ومضى بها الثاني فآب يجرُّها |
|
ذلاّ يوبّخ نفسَه ويفنّدُ |
حتى إذا رجعا تميّز أحمدٌ |
|
حرداً وحقّ له بذلك يحردُ |
وغدا يحدِّثُ مُسمعاً من حولَهُ |
|
والقولُ منه موفَّقٌ ومؤيَّدُ |
إنّي لأعطي رايتي رجلاً وفى |
|
بطلٌ بمختلسِ النفوسِ معوّدُ |
رجلٌ يحبُّ الله ثمّ رسولَهُ |
|
ويحبّه اللهُ العليُّ وأحمدُ |
حتى إذا جنحَ الظلامُ مضى على |
|
عجلٍ وأسفرَ عن صبيحته غدُ |
قال ائت يا سلمانُ لي بأخي فقال |
|
لَ الطهرُ سلمانٌ عليٌّ أرمدُ |
ومضى وعاد به يُقادُ ألا لقد |
|
شرُفَ المقودُ عُلاً وعزَّ القَيِّدُ |
فجلا قذاهُ بتفلةٍ وكساه سا |
|
بغةً بها الزردُ الحديد منضَّدُ (١) |
فيدٌ تناولُه اللواءَ وكفُّهُ |
|
الأُخرى تُزرِّد درعَه وتُبنِّدُ |
ومضى بها قدماً وآبَ مظفَّراً |
|
مستبشراً بالنصرِ وهو مؤيَّدُ |
__________________
(١) درع سابغة : واسعة ، والجمع سوابغ. الزرد : الدرع المزرودة يتداخل بعضها في بعض ، والجمع زرود. (المؤلف)
وهوى بحدِّ السيفِ هامةَ مرحبٍ |
|
فبراه وهو الكافرُ المتمرِّدُ |
ودنا من الحصنِ الحصينِ وبابُهُ |
|
مستغلقٌ حذرَ المنيّةِ موصدُ |
فدحاه مقتلعاً له فغدا له |
|
حسّان ثابت في المحافلِ ينشدُ (١) |
إنَّ امرأً حملَ الرتاجَ (٢) بخيبرٍ |
|
يومَ اليهودِ لقدره لمؤيّدُ |
حمل الرتاجَ وماجَ باب قموصِها |
|
والمسلمون وأهلُ خيبرَ تشهدُ |
واسأل حنيناً حين بادرَ جرولٌ (٣) |
|
شاكي السلاحِ لفرصةٍ يترصَّدُ |
حتى إذا ما أمكنته غشاهمُ |
|
في فيلقٍ يحكيه بحرٌ مزبدُ |
وثوى قتيلاً أيمنٌ (٤) وتبادرت |
|
عُصَبُ الضلال لحتفِ أحمدَ تقصدُ |
وتفرّقت أنصارُه من حولِهِ |
|
جزعاً كأنّهمُ النعامُ الشرّدُ |
ها ذاك منحدرٌ إلى وَهدٍ وذا |
|
حذرَ المنيّةِ فوقَ تلعٍ يصعدُ |
هلاّ سألتَ غداة ولّى جمعُهمْ |
|
خوفَ الردى إن كنتَ من يسترشدُ |
من كان قاتلَ جرولٍ ومذلَّ جي |
|
شِ هوازنَ إلاّ الوليّ المرشدُ |
كلٌّ له فقدَ النبيُّ سوى أبي |
|
حسنٍ عليٍّ حاضرٌ لا يفقدُ |
__________________
(١) مرّ شعر حسّان بن ثابت في هذه المأثرة الكريمة وشرحه ، في الجزء الثاني : ص ٤٠. (المؤلف)
(٢) الرتاج : الباب العظيم. الباب المغلق وفيه باب صغير. (المؤلف)
(٣) هو أبو جرول صاحب راية هوازن يوم حنين ، كان يوم ذاك على جمل له أحمر ، بيده راية سوداء في رأس رمح طويل أمام الناس وهوازن خلفه ، إذا أدرك طعن برمحه ، وإذا فاته الناس رفع رمحه لمن وراءه ، وكان يرتجز بقوله :
أنا أبو جرول لا براح |
|
حتى يبيح القوم أو يباح |
فهوى له عليّ أمير المؤمنين من خلفه فضرب عرقوبي الجمل فوقع على عجزه ثمّ ضربه فقطره ثمّ قال :
قد علم القوم لدى الصباح |
|
إنّي لدى الهيجاء ذو نضاح(لمؤلف) |
(٤) أيمن ـ ابن أُمّ أيمن ـ بن عبيد ، من المستشهدين في غزوة حنين. (المؤلف)
ومبيتُهُ فوقَ الفراشِ مجاهداً |
|
بمهادِ خيرِ المرسلين يُمهّدُ |
وسواه محزونٌ خلال الغارِ من |
|
حذر المنيّةِ نفسُهُ تتصعّدُ |
وتعدُّ منقبةً لديه وإنّها |
|
إحدى الكبائرِ عند من يتفقّدُ |
ومسيرُهُ فوق البساطِ مخاطباً |
|
أهلَ الرقيمِ فضيلةٌ لا تُجحدُ |
وعليه قد رُدّت (١) ذُكاءُ وأحمدٌ |
|
من فوقِ ركبتهِ اليمين موسَّدُ |
وعليه ثانيةً بساحةِ بابلٍ |
|
رجعت كذا ورد الحديث المسندُ |
ووليُّ عهد محمدٍ أفهل ترى |
|
أحداً إليه سواه أحمد يعهدُ |
إذ قال إنّك وارثي وخليفتي |
|
ومغسِّلٌ لي دونهم ومُلَحّدُ |
أم هل ترى (٢) في العالمين بأسرِهمْ |
|
بشراً سواه ببيت مكّةَ يولدُ |
في ليلةٍ جبريلُ جاء بها مع ال |
|
ـملأ المقدَّس حوله يتعبّدُ |
فلقد سما مجداً عليُّ كما علا |
|
شرفاً به دون البقاعِ المسجدُ |
أم هل سواه فتىً تصدَّق (٣) راكعاً |
|
لمّا أتاه السائل المسترفدُ |
المؤثر المتصدِّق المتفضّلُ ال |
|
ـمتمسّكُ المتنسّكُ المتزهّدُ |
الشاكرُ المتطوّعُ المتضرّعُ ال |
|
ـمتخضّعُ المتخشّعُ المتهجّدُ |
الصابرُ المتوكّلُ المتوسِّلُ ال |
|
ـمتذلِّلُ المتململُ المتعبِّدُ |
رجلٌ يتيهُ به الفخارُ مفاخراً |
|
ويسود إذ يُعزى إليه السؤددُ |
إن يحسدوه على عُلاه فإنّما |
|
أعلى البريّة رتبةً من يُحسدُ |
وتتبّعت أبناؤهم أبناءه |
|
كلٌّ لكلٍّ بالأذى يتقصّدُ |
حسدوه إذ لا رتبةٌ وفضيلةٌ |
|
إلاّ بما هو دونهم متفرّدُ |
__________________
(١) أسلفنا تفصيل القول في فضيلة ردّ الشمس للإمام عليهالسلام في الجزء الثالث : ص ١٢٦ ـ ١٤١. (المؤلف)
(٢) قد مرّ حديث ولادته عليهالسلام ببطن الكعبة المشرفة في هذا الجزء ص ٢١ ـ ٣٨. (المؤلف)
(٣) هذه الفضيلة فصّلنا القول فيها تفصيلاً في : ٢ / ٤٧ و ٣ / ١٥٦ ـ ١٦٦. (المؤلف)
بالله أُقسمُ والنبيِّ وآلِهِ |
|
قسماً يفوزُ به الوليُّ ويسعدُ |
لو لا الأُلى نقضوا عهودَ محمدٍ |
|
من بعدِهِ وعلى الوصيِّ تمرّدوا |
لم تستطعْ مَدّا لآل أُميّةٍ |
|
يومَ الطفوفِ على ابنِ فاطمةٍ يدُ |
بأبي القتيلَ المستضامَ ومن له |
|
نارٌ بقلبي حرُّها لا يبردُ |
بأبي غريبَ الدارِ منتهكَ الخبا |
|
عن عُقرِ منزله بعيدٌ مفردُ |
بأبي الذي كادت لفرطِ مصابِه |
|
شمُّ الرواسي حسرةً تتبدّدُ |
كتبت إليه على غرورِ أُميّةٍ |
|
سفهاً وليس لهم كريمٌ يحمدُ |
بصحائفٍ كوجوههم مسودّةٍ |
|
جاءت بها ركبانُهمْ تتردّدُ |
حتى توجّه واثقاً بعهودِهمْ |
|
وله عيونهمُ انتظاراً ترصدُ |
أضحى الذين أعدَّهمْ لعدوّهمْ |
|
إلباً (١) جنودُهمُ عليهِ تُجنّدُ |
وتبادروا يتسارعون لحربِهِ |
|
جيشاً يُقاد له وآخرُ يُحشَدُ |
حتى تراءى منهمُ الجمعانِ في خرقٍ |
|
وضمّهمُ هنالك فدفدُ (٢) |
ألفوه لا وَكِلاً ولا مستشعراً ذلاّ |
|
ولا في عزمِه يتردّدُ |
ماضٍ على عزمٍ يفلُّ بحدِّهِ |
|
الماضي حدودَ البيضِ حين تُجَرَّدُ |
مستبشراً بالحرب علماً أنّه |
|
يتبوّأ الفردوسَ إذ يُستشهَدُ |
في أُسرةٍ من هاشمٍ علويّةٍ |
|
عزّت أرومتُها وطاب المولدُ |
وسراة أنصارٍ ضراغمةٍ لهمْ |
|
أهوالُ أيّامِ الوقائع تشهدُ |
يتسارعون إلى القتال يسابق ال |
|
ـكهلَ المسنَّ على القتالِ الأمردُ |
فكأنّما تلك القلوبُ تقلّبتْ |
|
زبراً عليهنَّ الصفيح يضمّدُ (٣) |
وتخال في إقدامِهمْ أقدامَهمْ |
|
عُمداً على صمِّ الجلامِد توقدُ |
__________________
(١) الإلب : القوم تجمعهم عداوة واحد يقال : هم على إلب واحد. (المؤلف)
(٢) الفدفد : الفلاة التي لا شيء بها.
(٣) الزبرة : القطعة الضخمة من الحديد والجمع زُبُر. الصفيح جمع الصفيحة : السيف العريض. (المؤلف)
جادوا بأنفسِهمْ أمامَ إمامِهمْ |
|
والجودُ بالنفسِ النفيسةِ أجودُ |
نصحوا غَنُوا غرسوا جَنَوا شادوا بَنَوا |
|
قَرُبوا دنَوا سكنوا النعيم فخلّدوا |
حتى إذا انتهبت نفوسَهمُ الظبا |
|
من دون سيّدِهم وقلَّ المسعدُ |
طافوا به فرداً وطوعُ يمينِهِ |
|
متذلّقٌ ماضي الغرار مهنّدُ (١) |
عضبٌ (٢) بغيرِ جفونِ هاماتِ العدى |
|
يومَ الكريهةِ حدُّه لا يغمَدُ |
يسطو به ثبتُ الجَنانِ ممنّعٌ |
|
ماضي العزيمةِ دارعٌ ومُزرّدُ |
ندبٌ متى ندبوه (٣) كرّ معاوداً |
|
والأُسدُ في طلبِ الفرائسِ عُوَّدُ |
فيروعُهمْ من حدِّ غربِ حسامِهِ |
|
ضربٌ يقدُّ به الجماجمَ أهودُ |
يا قلبَهُ يومَ الطفوفِ أزبرةٌ |
|
مطبوعةٌ أم أنت صخرٌ جلمدُ |
فكأنّه وجوادَه وسنانَه |
|
وحسامَه والنقعُ داجٍ أسودُ (٤) |
فلكٌ به قمرٌ وراه مذنَّبٌ |
|
وأمامه في جنح ليلٍ فرقدُ |
في ضيقِ معتركٍ تقاعصَ دونه |
|
جرداءُ مائلةٌ وشيظم أجردُ (٥) |
فكأنّما فيه مسيلُ دمائِهمْ |
|
بحرٌ تهيّجُه الرياحُ فيزبدُ |
__________________
(١) الذلق : الحدّ. المتذلّق المحدّد الطرف. الماضي فاعل من مضى مضاء السيف : أي قطع. الغرار بالكسر : حدّ السيف. المهنّد : السيف المطبوع من حديد الهند. (المؤلف)
(٢) العضب : السيف القاطع ، ويقال : سيف عضب أي قاطع. والعضب : الرجل الحديد الكلام. (المؤلف)
(٣) الندب : السريع إلى الفضائل. الظريف النجيب. ندب فلاناً للأمر أو إليه دعاه ووجّهه إليه. (المؤلف)
(٤) هذا البيت وما بعده في بعض النسخ يوجد كذا :
فكأنّه وجوادَهُ وسنانَ صعدتِه |
|
وليلُ النقع داجٍ أسود |
قمرٌ به فلكٌ يمرّ يؤمّه |
|
متقدّماً في جنح ليلٍ فرقدُ (المؤلف) |
(٥) تقاعص : من القعص وهو القتل المعجّل. يقال ، مات فلان قعصاً إذا أصابته ضربة فمات مكانه. الشيظم : الطويل الجسيم الفتيّ من الناس والخيل والإبل.
فكأنّ جُرْدَ الصافناتِ سفائنٌ |
|
طوراً تعوم به وطوراً تركدُ (١) |
حتى شفى بالسيفِ غلّةَ صدرِهِ |
|
ومن الزلال العذب ليس تبرّدُ |
لهفي له يردُ الحتوفَ ودونَهُ |
|
ماءُ الفراتِ محرّمٌ لا يوردُ |
شزراً (٢) يلاحظه ودونَ ورودِهِ |
|
نارٌ بأطرافِ الأسنّةِ توقدُ |
ولقد غَشَوهُ فضاربٌ ومفوّقٌ |
|
سهماً إليه وطاعنٌ متقصِّدُ |
حتى هوى كالطودِ غيرَ مذمَّمٍ |
|
بالنفسِ من أسفٍ يجود ويجهدُ |
لهفي عليه مرمّلاً بدمائِهِ |
|
تربَ الترائبِ بالصعيد يوسّدُ |
تطأ السنابكُ (٣) منه صدراً طال ما |
|
للدرسِ فيه وللعلومِ تردّدُ |
ألقت عليه السافياتُ ملابساً |
|
فكسته وهو من اللباس مجرّدُ |
خضبت عوارضَهُ دماه فخيّلت |
|
شفقاً له فوق الصباح تورّدُ |
لهفي لِفِتيَتِهِ خموداً في الثرى |
|
ودماؤهم فوق الصعيدِ تبدّدُ |
فكأنّما سيلُ الدماءِ على عوا |
|
رضِهمْ عقيقٌ ثمّ منه زبرجدُ |
لهفي لنسوتِهِ برزنَ حواسراً |
|
وخدودُهنَّ من الدموعِ تخدّدُ |
هاتيك حاسرة القناع وهذه |
|
عنها يُماط رِداً ويُنزعُ مِرودُ |
ويقلن جهراً للجوادِ لقد هوى |
|
من فوقِ صهوتِكَ الجوادُ الأجودُ |
يا يومَ عاشوراءَ حسبُك إنّك ال |
|
يومُ المشومُ بل العبوسُ الأنكدُ |
فيك الحسينُ ثوى قتيلاً بالعرا |
|
إذ عزَّ ناصرُه وقلَّ المُسعدُ |
والتائبون الحامدون العابدو |
|
ن السائحون الراكعون السجَّدُ |
أضحت رءوسُهمُ أمام نسائِهمْ |
|
قُدُماً تميل بها الرماح وتأودُ |
__________________
(١) الجرد ـ بفتح الجيم ـ : الترس [والجُرد : جمع أجرد وهو الفرس قصير الشعر]. الصافنات جمع الصافن من صفن الفرس : قام على ثلاث قوائم وطرف حافر الرابعة. تعوم : تسير. (المؤلف)
(٢) شزر : نظر بجانب عينه مع إعراض أو غضب. (المؤلف)
(٣) السنبك : طرف الحافر. (المؤلف)
والسيّدُالسجّادُالجبري المصري يُحمَلُ صاغراً |
|
ويُقادُ في الأغلالِ وهو مقيّدُ |
لا راحماً يشكو إليه مصابَهُ |
|
في دارِ غربتِهِ ولا مُتودّدُ |
يُهدى به وبرأسِ والدِه إلى |
|
لكعٍ زنيمٍ كافرٍ يتمرّدُ |
لا خيرَ في سفهاءِ قومٍ عبدُهمْ |
|
ملكٌ يطاعُ وحرُّهم مستعبدُ |
يا عينُ إن نفدتْ دموعُكِ فاسمحي |
|
بدمٍ ولستُ إخالُ دمعَكِ ينفدُ |
أسفاً على آلِ الرسولِ ومن بهمْ |
|
ركنُ الهدى شرفاً يُشاد ويُعضدُ |
منهم قتيلٌ لا يُجارُ ومن سُقي |
|
سمّا وآخرُ عن حماه يشرَّدُ |
ضاقت بلادُ اللهِ وهي فسيحةٌ |
|
بهمُ وليس لهم بأرضٍ مقعدُ |
متباعدون لهم بكلِّ تنوفةٍ (١) |
|
مستشهدٌ وبكلِّ أرضٍ مشهدُ |
أَبَني المشاعرِ والحطيمِ ومن هُمُ |
|
حججٌ بهم تشقى الأنامُ وتسعدُ |
أقسمتُ لا ينفكُّ حزني دائماً |
|
بكمُ ونارُ حشاشتي لا تخمدُ |
بكم يميناً لا جرى في ناظري |
|
حزناً عليكم غير دمعي مِرودُ |
يفنى الزمانُ وتنقضي أيّامه |
|
وعليُّكم بكمُ الحزينُ المكمدُ |
فلجسمِهِ حللُ السقامِ ملابسٌ |
|
ولطرفِهِ حرُّ المدامعِ أثمدُ |
ولو انّني استمددتُ من عيني دماً |
|
ويقلّ من عيني دماً يستمددُ |
لم أقضِ حقَّكمُ عليَّ وكيف أن |
|
تقضي حقوقَ المالكينَ الأعبُدُ |
يا صفوةَ الجبّارِ يا مستودعي ال |
|
ـأسرارِ يا من ظلُّهم لي مقصدُ |
عاهدتُكمْ في الذرِّ معرفةً بكم |
|
ووفيتُ أيماناً بما أتعهّدُ |
ووعدتموني في المعادِ شفاعةً |
|
وعلى الصراطِ غداً يصحّ الموعدُ |
فتفقّدوني في الحسابِ فإنّني |
|
ثقةً بكم لوجوهِكمْ أتقصّدُ |
كم مدحةٍ لي فيكمُ في طيِّها |
|
حِكمٌ تفوز بها الركاب وتنجدُ |
__________________
(١) التنوفة : البرّية لا ماء فيها ولا أنيس ، والجمع تنائف. (المؤلف)
وبناتُ أفكارٍ تفوق صفات أب |
|
كارٍ يقوم لها القريضُ ويقعدُ |
ليس النضارُ (١) لها نظيراً بل هي |
|
الدرُّ المفصَّلُ لا الخلاصُ العسجدُ |
هذا ولو أنّ العبادَ بأسرِهمْ |
|
تحكي مناقبَ مجدِكمْ وتعدّدُ |
لم يدركوا إلاّ اليسيرَ وأنتمُ |
|
أعلى علاً ممّا حكوه وأزيدُ |
ولكان في أُمّ الكتابِ كفايةٌ |
|
عمّا تُنظّمُهُ الورى وتُنضّدُ |
صلّى الإلهُ عليكمُ ما باكرتْ |
|
وِرقٌ على وَرقِ الغصونِ تُغرّدُ |
وله من قصيدة يمدح بها مولانا أمير المؤمنين عليهالسلام ، وفيها من البديع الجناس في القوافي في (٥٦) بيتاً قوله :
يا روحَ قدسٍ من اللهِ البديء بدا |
|
وروحَ أُنسٍ على العرش العليِّ بدا |
يا علّةَ الخلقِ يا من لا يُقاربُ خي |
|
ر المرسلين سواه مشبهٌ أبدا |
يا سرَّ موسى كليمِ اللهِ حين رأى |
|
ناراً فآنس منها للظلامِ هدى |
ويا وسيلةَ إبراهيمَ حين خبتْ |
|
نارُ ابنِ كنعانَ برداً والضرامُ هدا |
أنت الذي قسماً لو لا علاك لما |
|
كلّت لدى النحرِ عن نحر الذبيح مُدى |
ولا غدا شملُ يعقوب النبيّ مع الص |
|
ـدِّيق مشتملاً من بعد طول مَدى |
أليَّةً بك لو لا أنت ما كشفت |
|
مسرّة الأمنِ عن قلب النبيِّ صدى |
ولا غدت عرصاتُ الكفر موحشةً |
|
يبكي عليهنَّ من بعد الأنيسِ صدى (٢) |
يا من به كَمُلَ الدينُ الحنيفُ ولل |
|
إسلامِ من بعدِ وهنٍ ميلَهُ عضدا |
وصاحبَ النصِّ في خمٍّ وقد رفع الن |
|
بيّ منه على رغم العدا عَضُدا |
أنت الذي اختارك الهادي البشيرُ أخاً |
|
وما سواك ارتضى من بينهم أحدا |
أنت الذي عجبتْ منه الملائكُ في |
|
بدرٍ ومن بعدِها إذ شاهدوا أُحدا |
__________________
(١) النضار : الجوهر الخالص من التبر ، الذهب والفضة وقد غلب على الذهب. (المؤلف)
(٢) الصدى : نوع من البوم يأوي إلى الأماكن الخربة المظلمة ويسمّى أيضاً : الهامة. (المؤلف)
وحقِّ نصرك للإسلامِ تكلؤه |
|
حياطةً بعد خطبٍ فادحٍ ورَدى |
ما فصّلَ المجدُ جلباباً لذي شرفٍ |
|
إلاّ وكان لمعناك البهيجِ رِدا |
يا كاشفَ الكربِ عن وجه النبيِّ لدى |
|
بدرٍ وقد كثرت أعداؤه عَددا |
استشعروا الذلَّ خوفاً من لقاك وقد |
|
تكاثروا عدداً واستصحبوا عُددا |
ويومَ عمروِ بن ودِّ العامريّ وقد |
|
سارتْ إليك سرايا جيشه مَددا |
أضحكتَ ثغرَ الهدى بشراً به وبكتْ |
|
عينُ الضلالِ له بعد الدما مُددا |
وفي هوازنَ لمّا نارُها استعرتْ |
|
من عزمِ عزمِكَ يوماً حرُّها بردا |
أجرى حسامُك صوباً من دمائهمُ |
|
هدراً وأمطرتهمْ من أسهم بَردا (١) |
أقدمتَ وانهزمَ الباقون حين رأوا |
|
على النبيِّ محيطاً جحفلاً لَبدا (٢) |
لو لا حسامُكَ ما ولّوا ولا اطّرحوا |
|
من الغنائمِ مالاً وافراً لُبدا (٣) |
إلى آخره
الشاعر
أبو الحسن علاء الدين الشيخ عليّ بن الحسين الحلّي الشهيفي (٤) ، المعروف بابن الشهفيّة ، عالم فاضل ، وأديب كامل ، وقد جمع بين الفضيلتين علم غزير وأدب بارع بفكر نابغ ، ونظر صائب ، ونبوغ ظاهر ، وفضل باهر ، وجاء في الطليعة من شعراء أهل البيت عليهمالسلام ، وقصائده الرنّانة السائرة الطافحة بالحجاج ، الزاهية بالرقائق ، المشحونة بالدقائق ، المتبلّجة بالمحسّنات البديعيّة على جزالةٍ في اللفظ ، وحصافةٍ في
__________________
(١) ثلج جامد ينزل من السحاب يسمّى حبّ الغمام وحبّ المزن. (المؤلف)
(٢) لبد القوم بالرجل : لزموه وأطافوا به. (المؤلف)
(٣) لبد بضمّ اللام ؛ أي الكثير الجمّ. (المؤلف)
(٤) لم نعرف وجه هذه النسبة ونجد في ضبطها اختلافاً في النسخ بين الشهيفي ، والشفهيني ، والشهفيني ، والشفهي ، والشهيفيني. (المؤلف)
المعنى ، ومتانةٍ في الأُسلوب ، وقوّةٍ في المبنى ، ورصانةٍ في النضد ، ورشاقةٍ في النظيم في مدائح أمير المؤمنين ومراثي ولده الإمام السبط أعدل شاهد لعبقريّته ، وتقدّمه في محاسن الشعر ، وثباته على نواميس المذهب ، واقتفائه أثر أئمّة دينه عليهمالسلام. ولشيخنا الشهيد الأوّل معاصره المقتول سنة (٧٨٦) شرح إحدى قصائده وهي الغديريّة الثانية المذكورة ، ولمّا وقف المترجم على ذلك الشرح فخر به ومدح الشارح بمقطوعة.
ترجمه وأثنى عليه بالعلم والفضل والأدب القاضي في المجالس (١) ، وشيخنا الحرّ في أمل الآمل (٢) ، والميرزا صاحب رياض العلماء (٣) ، وسيّدنا مؤلّف رياض الجنّة ، وابن أبي شبانة في تتميم الأمل وغيرهم.
وقصائده السبع الطوال التي أوعز إلى عددها في بعضها ، وهي التي رآها صاحب رياض العلماء بخطِّ العلاّمة الشيخ محمد بن عليّ بن الحسن الجباعي العاملي تلميذ ابن فهد الحلّي المتوفّى (٨٤١) ، وقفنا منها على عدّة نسخ ، إحداها غديريّته الأُولى المذكورة ، وإليك الستّ الباقية :
القصيدة الأولى
ذهبَ الصبا وتصرّمَ العمرُ |
|
ودنا الرحيلُ وقوّضَ السفرُ |
ووهتْ قواعدُ قوّتي وذوى |
|
غصنُ الشبيبة وانحنى الظهرُ |
وبكت حمائمُ دوحتي أسفاً |
|
لمّا ذوت عذباتُها الخضرُ |
وخلت من الينع الجنيِّ فلا |
|
قطفٌ بها يُجنى ولا زهرُ |
وتبدّلت لذهابِ سندسِها |
|
ذهبيّةٌ أوراقُها الصفرُ |
وتغيّبت شمسُ الضحى فخلا |
|
للبيض عن أوطانيَ النفرُ |
__________________
(١) مجالس المؤمنين : ٢ / ٥٧١.
(٢) أمل الآمل : ٢ / ١٩٠ رقم ٥٦٥.
(٣) رياض العلماء : ٣ / ٤٢٧.
وجَفوننِي بعد الوصالِ فلا |
|
هَديٌ يقرِّبني ولا نحرُ |
وهجرن بيتي أن يطفنَ به |
|
ولهنَّ في هجرانِه عذرُ |
ذهبت نضارةُ منظري وبدا |
|
في جنحِ ليلِ عذاريَ الفجرُ |
وإذا الفتى ذهبتْ شبيبتُه |
|
فيما يضرُّ فربحُه خسرُ |
وعليه ما اكتسبتْ يداه إذا |
|
سكنَ الضريحَ وضمّه القبرُ |
وإذا انقضى عمرُ الفتى فرطاً |
|
في كسبِ معصيةٍ فلا عمرُ |
ما العمرُ إلاّ ما به كثُرتْ |
|
حسناتُه وتضاعفَ الأجرُ |
ولقد وقفتُ على منازلِ من |
|
أهوى وفيضُ مدامعي غمرُ |
وسألتُها لو أنّها نطقتْ |
|
أم كيف ينطقُ منزلٌ قفرُ |
يا دارُ هل لكِ بالأُلى رحلوا |
|
خَبرٌ وهل لمعالمٍ خُبرُ |
أين البدورُ بدورُ سعدِك يا |
|
مغنى وأين الأنجمُ الزهرُ |
أين الكفاةُ ومن أكفُّهم |
|
في النائبات لمُعسرٍ يسرُ |
أين الربوعُ المخصباتُ إذا |
|
عفتِ السنون وأعوز البشرُ |
أين الغيوث الهاطلات إذا |
|
بخل السحابُ وأَنجمَ القطرُ (١) |
ذهبوا فما وأبيك بعدهمُ |
|
للناس نيسانٌ ولا غمرُ |
تلك المحاسنُ في القبورِ على |
|
مرِّ الدهور هوامدٌ دثرُ |
أبكي اشتياقاً كلّما ذُكِروا |
|
وأخو الغرام يهيجُه الذكرُ |
ورجوتهم في منتهى أجلي |
|
خلفاً فأخلف ظنّيَ الدهرُ |
فأنا الغريبُ الدارِ في وطني |
|
وعلى اغترابي ينقضي العمرُ |
يا واقفاً في الدارِ مفتكراً |
|
مهلاً فقد أودى بك الفكرُ |
إن تُمسِ مكتئباً لبينهمُ |
|
فعقيب كلِّ كآبةٍ وَزرُ (٢) |
__________________
(١) أنجم المطر : أقلع.
(٢) الوزر ـ بفتح الواو وتاليها ـ : الملجأ. (المؤلف)
هلاّ صبرتَ على المصاب بهمْ |
|
وعلى المصيبةِ يُحمدُ الصبرُ |
وجعلتَ رزءَكَ في الحسينِ ففي |
|
رزءِ ابن فاطمةٍ لك الأجرُ |
مكروا به أهلُ النفاقِ وهل |
|
لمنافقٍ يستبعد المكرُ |
بصحائفٍ كوجوههم وردت |
|
سوداً وفحوُ كلامِهم هجرُ |
حتى أناخَ بعقرِ ساحتهمْ |
|
ثقةً تأكّدَ منهم الغدرُ |
وتسارعوا لقتالِهِ زمراً |
|
ما لا يحيط بعدِّه حصرُ |
طافوا بأروعَ (١) في عرينتهِ |
|
يحمى النزيل ويأمن الثغرُ |
جيشٌ لُهامٌ يوم معركةٍ |
|
وليوم سلمٍ واحدٌ وترُ (٢) |
فكأنّهم سربٌ قد اجتمعتْ |
|
إلفاً فبدّد شملَها صقرُ |
أو حاذرٌ ذو لبدة وجمتْ |
|
لهجومِهِ في مرتعٍ عفرُ (٣) |
يا قلبه وعِداه من فَرَقٍ |
|
فِرَقٌ وملءُ قلوبِهم ذعرُ |
أمن الصلابِ الصلب أم زبرٌ |
|
طبعت وصبَّ خلالها قطرُ |
وكأنّه فوق الجواد وفي |
|
متن الحسام دماؤهم هدرُ |
أسدٌ على فلكٍ وفي يدِه ال |
|
مرِّيخ قاني اللون محمرُّ |
حتى إذا قرب المدى وبه |
|
طاف العدى وتقاصرَ العمرُ |
أردوه منعفراً تمجُّ دماً |
|
منه الظبا والذّبل السمرُ |
تطأُ الخيولُ إهابَه وعلى ال |
|
ـخدِّ التريبِ لوطيِها أثرُ |
ظامٍ يبلّ أُوام غلّته |
|
ريّا يفيضُ نجيعه النحرُ (٤) |
__________________
(١) الأروع : من يعجب الناس بحسنه أو شجاعته. (المؤلف)
(٢) جيش لُهام : أي كثير يلتهم كلّ شيء.
(٣) الحاذر : المتأهّب المستعد. اللبدة ـ بالكسر والضم ـ : الشعر المجتمع بين كتفي الأسد. الوجم والوجوم : السكوت والعجز من الغيظ أو الخوف والإمساك عن أمر كرهاً. العفر : بالكسر والضمّ ـ : الخنزير ، الشجاع ، الغليظ الشديد. (المؤلف)
(٤) الأُوام : العطش الشديد.
__________________ (١) العِثْير : الغبار. (٢) وفي بعض النسخ : نشرها. (المؤلف) |
ما بالُ سرجِك يا جواد من الن |
|
ـدبِ الجواد أخي العلى صِفرُ |
آهاً لها نارٌ تأجّجُ في |
|
صدري فلا يُطفى لها حرُّ |
أيموتُ ظمآناً حسينٌ وفي |
|
كلتا يديه من الندى بحرُ |
وبنوه في ضيقِ القيودِ ومن |
|
ثقلِ الحديد عليهمُ وقرُ |
حُملوا على الأقتابِ عاريةً |
|
شعثاً وليس لكسرِهم جبرُ |
تسري بهم خوضُ الركابِ |
|
وللطلقاءِ في أعقابِها زجرُ |
لا راحمٌ لهمُ يرقُّ ولا |
|
فيما أصابهمُ له نكرُ |
ويزيد في أعلى القصورِ له |
|
تشدو القيانُ وتُسكَبُ الخمرُ |
ويقول جهلاً والقضيب به |
|
تدمى شفاهُ حسينِ والثغرُ |
يا ليت أشياخي الأُلى شهدوا |
|
لسراة هاشم فيهمُ بدرُ |
شهدوا الحسينَ وشطرُ أُسرتِهِ |
|
أسرى ومنهم هالكٌ شطرُ |
إذ لاستهلّوا فيهمُ فرحاً |
|
كأبي غداة غزاهمُ بسرُ (١) |
ويقول وزراً إذ بطشت بهم |
|
لا خفّ عنه ذلك الوزرُ |
زعموا بأن سنعودُ ثانيةً |
|
وأبيك لا بعثٌ ولا نشرُ |
يا ابن الهداةِ الأكرمين ومن |
|
شرفُ الفخارِ بهم ولا فخرُ |
قسماً بمثواك الشريفِ وما |
|
ضمّت منى والركن والحجرُ (٢) |
فهمُ سواء في الجلالة إذ |
|
بهمُ التمامُ يحلُّ والقصرُ |
تعنو به الألباب تلبيةً |
|
ويطوف ظاهر حجرهِ الحجرُ |
ما طائرٌ فقد الفراخَ فلا |
|
يُؤويه بعد فراخِهِ وكرُ |
__________________
(١) أشار إلى حرب صفّين ، وبسر هو ابن أرطاة أحد الرجلين اللذين كشفا عن سوأتهما يوم ذاك من بأس أمير المؤمنين وتخلّصا من سطوته ، كما مرّ حديثه في : ٢ / ١٥٦. (المؤلف)
(٢) وفي بعض النسخ : والخيف بدل الركن. (المؤلف)
بأشدَّ من حزني عليك ولا |
|
الخنساءُ جدّد حزنَها صخرُ (١) |
ولقد وددتُ بأن أراك وقد |
|
قلّ النصيرُ وفاتَكَ النصرُ |
حتى أكونَ لك الفداءَ كما |
|
كرماً فداك بنفسه الحرُّ (٢) |
ولئن تفاوتَ بيننا زمنٌ |
|
عن نصرِكمْ وتقادم العصرُ |
فلأبكينّكَ ما حييتُ أسىً |
|
حتى يواري أعظمي القبرُ |
ولأمنحنّكَ كلَّ نادبةٍ |
|
يعنو لنظمِ قريضِها الشعرُ |
أبكارُ فكري في محاسنِها |
|
نظمٌ وفيضُ مدامعي نثرُ |
ومصابُ يومك يا ابن فاطمةٍ |
|
ميعادنا وسلوّنا الحشرُ |
أو فرحةٌ بظهورِ قائِمكمْ |
|
فيها لنا الإقبال والبشرُ |
يوماً تردّ الشمس ضاحيةً |
|
في الغرب ليس لعرفها نكرُ |
وتكبِّر الأملاكُ مسمعةً |
|
إلاّ لمن في أُذنه وقرُ |
ظهر الإمامُ العالمُ العلَمُ ال |
|
برّ التقيّ الطاهر الطهرُ |
من ركنِ بيتِ الله حاجبُه |
|
عيسى المسيحُ وأحمدُ الخضرُ |
في جحفلٍ لَجبٍ يكاد بهمْ |
|
من كثرةٍ يتضايق القُطرُ |
فهمُ النجومُ الزاهراتُ بدا |
|
في تمّه من بينها البدرُ |
عجّل قدومَكَ يا ابن فاطمةٍ |
|
قد مسّ شيعةَ جدِّكَ الضرُّ |
علماؤهم تحت الخمولِ فلا |
|
نفعٌ لأنفسهم ولا ضرُّ |
يتظاهرون بغير ما اعتقدوا |
|
لا قوّة لهم ولا ظهرُ |
استعذبوا مرَّ الأذى فَحَلا |
|
لهم ويحلو فيكمُ المرُّ |
فهم الأقلُّ الأكثرون ومن |
|
ربِّ العبادِ نصيبهمْ وَفرُ |
__________________
(١) صخر بن عمرو بن الشريد ، كانت الخنساء أُخته ملهوفة القلب على موته ، ولم تزل ترثيه وتبكيه حتى عميت. (المؤلف)
(٢) الحرّ بن يزيد الرياحي ، أوّل قتيل سعيد بين يدي الإمام السبط يوم كربلاء. (المؤلف)