الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٦

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي

الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٦

المؤلف:

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي


المحقق: مركز الغدير للدّراسات الإسلاميّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
المطبعة: فروردين
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٤

نتاج البحث

هذا قليل من كثير ممّا وقفنا عليه من نوادر الأثر في علم عمر ، وبوسعنا الآن أن نأتي بأضعاف ما سردناه لكنّا نقتصر على هذا رعاية لمقتضى الحال ، وعندنا لمّة جمّة نقدّمها بين يدي القارئ في مستقبل الأجزاء إن شاء الله تعالى ، والذي تلخّص من هذا البحث الضافي أُمور :

١ ـ أنّ الخليفة أخذ العلم عن أُناس من الصحابة حيث كان يفقد ما عندهم من الفقه ، وفيهم من لم يُعرف بالعلم ، وهم :

١ ـ عبد الرحمن بن عوف.

١٠ ـ أبو موسي الاشعري

٢ ـ معاذ بن جبل.

١١ ـ ابو سعيد الخدري

٣ ـ عبد الله بن العبّاس.

١٢ ابي بن كعب

٤ ـ زيد بن ثابت.

 ١٣ ـ صهيب أبو يحيى.

٥ ـ عمّار بن ياسر.

 ١٤ ـ الضحّاك بن سفيان.

٦ ـ أبو عبيدة [بن] الجرّاح.

 ١٥ ـ حمل بن نابغة.

٧ ـ عبد الله بن مسعود.

 ١٦ ـ عبد الله بن عمرو بن العاص.

٨ ـ مغيرة بن شعبة

 ١٧ ـ أبو واقد الليثي.

٩ ـ محمد بن مسلمة

 ١٨ ـ امرأة من قريش.

٤٦١

١٩ ـ شابّ من فتيان الأنصار.

٢٢ ـ عجوز مدنيّة.

٢٠ ـ رجل لا يُعرف.

٢٣ ـ شيخ من هذيل.

٢١ ـ عبد أسود.

٢٤ ـ رجل من بني مدلج.

٢٥ ـ رجل شامي.

وقبل هؤلاء كلّهم مولانا أمير المؤمنين عليّ صلوات الله عليه ، وأخذ الخليفة عنه أكثر من غيره كما عرفت شطراً من ذلك ، وهناك أشطار كثيرة لم تذكر بعدُ ، ولهذا أكثر من قوله : لو لا عليّ لهلك عمر.

وقوله : لو لا عليّ لضلّ عمر. تمهيد الباقلانيّ (ص ١٩٩).

وقوله : اللهمّ لا تُبقِني لمعضلة ليس لها ابن أبي طالب.

وقوله : لا أبقاني الله بأرض لست فيها يا أبا الحسن.

وقوله : اللهمّ لا تنزل بي شديدة إلاّ وأبو حسن إلى جنبي.

وقوله : كاد يهلك ابن الخطّاب لو لا عليّ بن أبي طالب.

وقوله : أعوذ بالله من معضلة لا عليّ بها.

وقوله : عجزت النساء أن تلدن مثل عليِّ بن أبي طالب ، لو لا عليّ لهلك عمر.

وقوله : ردّوا قول عمر إلى عليّ ، لو لا عليّ لهلك عمر.

وقوله : لا أبقاني الله بعد ابن أبي طالب.

وقوله : يا أبا الحسن ، أنت لكلِّ معضلة وشدّة تُدعى.

وقوله : هل طفحت حرّة بمثله وأبرعته؟!

وقوله : هيهات هناك شجنة من بني هاشم ، وشجنة من الرسول ، وأثرة من علم يُؤتى لها ولا يأتي ، وفي بيته يؤتى الحكم.

وقوله : أبا حسن ، لا أبقاني الله لشدّة لست لها ، ولا في بلد لست فيه.

٤٦٢

وقوله : يا ابن أبي طالب فما زلت كاشف كلّ شبهة ، وموضح كلِّ حكم.

وقوله : لولاك لافتضحنا.

وقوله : أعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو الحسن.

وقوله مشيراً إلى عليّ : هذا أعلم بنبيّنا وبكتاب نبيّنا. مرّ تفصيل هذه كلّها.

ولكثرة حاجته إلى علم الصحابة ، وتقويمهم أودَهُ في مواقف لا تحصى في القضاء والفتيا ، كان يستفتي كبار الصحابة ويراجعهم ويستشيرهم في الأحكام ، وكان يعرب عن جليّة الحال بحقّ المقال من قوله : كلّ أحد أفقه من عمر.

وقوله : تسمعونني أقول مثل القول فلا تنكرونه حتى تردَّ عليّ امرأة ليست من أعلم النساء.

وقوله : كلّ أحد أعلم من عمر.

وقوله : كلّ الناس أفقه منك يا عمر.

وقوله : كلّ الناس أفقه من عمر حتى ربّات الحجال.

وقوله : كلّ الناس أفقه من عمر حتى المخدّرات في البيوت.

وقوله : كلّ الناس أعلم منك يا عمر.

وقوله : كلّ واحد أفقه منك حتى العجائز يا عمر.

وقوله : كلّ أحد أفقه منّي. مرّ تفصيل هذه كلّها في نوادر الأثر.

إنّ الأخذ بمجامع تلكم الأحاديث من النوادر المذكورة ومئات من أمثالها ، يعطينا خبراً بأنّ الخليفة لم يك متحلّياً بما أوجبته أعلام الأُمّة في الإمامة من الاجتهاد. قال إمام الحرمين الجويني في الإرشاد إلى قواطع الأدلّة في أُصول الاعتقاد (١) (ص ٤٢٦) : من شرائط الإمام أن يكون من أهل الاجتهاد بحيث لا يحتاج إلى استفتاء

__________________

(١) كتاب الإرشاد : ص ٣٥٨.

٤٦٣

غيره في الحوادث ، وهذا متّفق عليه. انتهى.

فأين يقع من هذا الشرط بعد إصفاق الأُمّة عليه رجل لم يُعطَ بسطة من العلم ولم يك ما كان يعلمه يغنيه عن الناس ، وإنّما الأُمّة كانت في غنىً عن ثرى علمه ، وحديث استفتاء غيره ملأ كتب الحديث والسنن ، وشحن معاجم التاريخ والسير ، (فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ) (١).

وبما ذكرناه كلّه تعرف قيمة قول ابن حزم الأندلسي في كتابه الفصل (٢) : علم كلّ ذي حسّ علماً ضرورياً ، أنّ الذي كان عند عمر من العلم أضعاف ما كان عند عليّ من العلم إلى آخر كلامه المذكور في الجزء الثالث من كتابنا هذا (ص ٩٥).

وقول ابن تيميّة في منهاج السنّة (٣ / ١٢٨) : وقد جمع الناس الأقضية والفتاوى المنقولة عن أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ فوجدوا أصوبها وأدلّها على علم صاحبها أُمور أبي بكر ثمّ عمر ، ولهذا كان ما يوجد من الأُمور التي وجد نصّ يخالفها عن عمر أقلّ ممّا وجد من عليّ ، وأمّا أبو بكر فلا يكاد يوجد نصّ يخالفه.

فقال : ولم يكن أبو بكر ولا عمر ولا غيرهما من أكابر الصحابة يخصّان عليّا بسؤال ، والمعروف أنّ عليّا أخذ العلم عن أبي بكر ، كما في السنن عن عليّ ، قال : كنت إذا سمعت عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حديثاً نفعني الله به ما شاء أن ينفعني ، وإذا حدّثني غيره حديثاً استحلفته ، فإذا حلف لي صدّقته ، وحدّثني أبو بكر وصدق أبو بكر ، قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «ما من عبد مؤمن يذنب ذنباً فيحسن الطهور ثمّ يقوم فيصلّي ثمّ يستغفر الله إلاّ غفر الله له». انتهى.

وعجيب أنّ الرجل يموّه على نفسه ويحسب أنّ ذلك ينطلي على غيره أيضاً ، أو

__________________

(١) يونس : ٣٢.

(٢) الفِصَل في الملل والنحل : ٤ / ١٣٨.

٤٦٤

هل في الحديث المذكور ـ بعد فرض صحّته وقد زيّفه غير واحد من الحفّاظ (١) ـ غير أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام كان يثق برواية أبي بكر وأين هو عن أخذ العلم عنه؟ وهل علمه صلوات الله عليه مقصور على هذا الحديث الوارد في أدب من آداب الشريعة فحسب؟ وهل يبتني عليه شيء من أقضيته وفتاواه ، وما حلّه من عويصات المسائل في الفرائض والأحكام؟ وهل جهل عليه‌السلام موقع هذا الحديث فعلمه أبو بكر؟ أو جهل شيئاً ممّا يبتني عليه فسدّده هو كما وقع كلّ ذلك فيما سردناه من نوادر الأثر؟ والمحتمل أنّ تصديقه عليه‌السلام أبا بكر في روايته هذه لأنّه عليه‌السلام كان سمعها عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نفسه فلم يُلغِ الواسطة إذن لضرب من المصلحة ، وكيف يأخذ أمير المؤمنين العلم من أبي بكر وهو باب مدينة علم الرسول؟ كما أسلفناه (ص ٦١ ـ ٨١) ، وهو وارث علومه وحكمه كما مرّ في الجزء الثالث (ص ١٠٠) هذا لا يكون مهما هملج ابن تيميّة في تركاضه ، وهو يدّعي شيخوخة الإسلام ، وعلى هذا فقس بقيّة ما افتعله في كلامه هذا. وبعد ابني حزم وتيميّة قول صاحب الوشيعة المذكور (ص ٨٢).

٢ ـ وتعرف أيضاً بما ذكرناه قيمة تأوّل القوم للصحيحة المرويّة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من قوله : «عليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الراشدين المهديّين فتمسّكوا بها ، وعضّوا عليها النواجذ ، وإيّاكم ومحدثات الأُمور فإنّ كلّ محدثة بدعة وكلّ بدعة ضلالة» (٢) حيث نزّلوه على من تسنّم عرش الخلافة من بعده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالاختيار وبنصّ أبي بكر بعده وبالشورى ، ولم يسعهم إلاّ أن يذكروا عليّا أمير المؤمنين معهم ، إذ ليس من المعقول أن يأمر صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باتّباع سيرة من لا سيرة له إلاّ الأخذ من أفواه الرجال في الفقه والكتاب والسنّة أو الفتيا برأيه ، قائلاً : إنّي سأقول فيها برأيي فإن يك صواباً فمن

__________________

(١) راجع تهذيب التهذيب : ١ / ٢٦٨ [١ / ٢٣٤]. (المؤلف)

(٢) راجع سنن ابن ماجة : ١ / ٢٠ [١ / ١٥ ح ٤٢] ، سنن أبي داود : ٢ / ٢٦١ [٤ / ٢٠٠ ح ٤٦٠٧] ، سنن الدارمي : ١ / ٤٥ ، مستدرك الحاكم : ١ / ٩٦ [١ / ١٧٥ ح ٣٢٩]. (المؤلف)

٤٦٥

الله ، وإن يك خطأً فمنّي ومن الشيطان (١). إذن لأمر صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باتّباع سير الناس والرأي المجرّد في دين الله. وليس هذا كالأمر باتّباع المجتهدين الذين يستنبطون الفتيا ممّا عرفوه من كتاب وسنّة وإجماع أو فقل من قياس ؛ فإنّ المجتهد يستنبط كما قلناه ممّا عرف ، والذي لا يعرف شيئاً ، ولم يحر جواباً عن واضحات المسائل ، وقد يحلف بأنّه ما يدري ما يصنع (٢) ، وتعزب عنه المسائل المطّردة مع كثرة الابتلاء بها : كالتيمّم ، والشكوك ، والغسل ، وفروع الصلاة ، والصوم ، والحجّ ، وأمثالها لا يمكن أن يكون متبعاً للأُمّة وأن تعطيه الخلافة قيادها.

على أنّ العلماء خالفوا سنّة عمر في موارد أسلفناها لمضادّة النصّ النبويّ لها ، ولو صحّ هذا التأويل لكانت مناقضة بين الحديث وبين النصوص المضادّة لفتيا عمر التي أوجبت إعراض العلماء عن قوله ، وكذلك بين شطري هذا الحديث نفسه وهما : قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «عليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء بعدي». والمفروض أنّ سنّته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تخالف في الجملة سنّة الرجل.

والصحيح من معنى الحديث أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يرد من الخلفاء إلاّ الذين لم يزل ينصّ بهم بأسمائهم ، وجعلهم أعدال القرآن الكريم في قوله : «إنّي تارك فيكم الخليفتين ، أو مخلِّف فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض» (٣).

كما يقتضيه لام العهد وقد وصفهم بالرشد والهدى ، وهم الذين طابقت سيرتهم سيرته حَذو القذّة بالقذّة ، لا الذين لم يعرفهم بعد ولا نصبهم ولا أوصى إليهم ولا بهم ، ولا يذكر صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هناك عدداً ينطبق عليهم ، وإنّما ذكر أوصافاً لا تنطبق إلاّ على الذين

__________________

(١) كما مرّ في نوادر الأثر : ص ١٢٩ [١٨٤]. ويأتي تفصيل القول فيه في الجزء السابع. (المؤلف)

(٢) كما مرّ في نوادر الأثر في غير موضع. (المؤلف)

(٣) هذا الحديث ممّا اتّفقت الأئمّة والحفّاظ على صحّته. (المؤلف)

٤٦٦

أرادهم من الخلفاء من أهل بيته المعصومين ، وليس التمسّك بهذا الحديث فيما ارتأوه من أمر الخلافة إلاّ كالتمسّك بالعامّ في الشبهات المصداقيّة.

٣ ـ إنّ هناك أحاديث موضوعة تذكر في فضائل عمر لا تلتئم مع شيء ممّا ذكرناه بأسانيده الوثيقة ، وكلّ من ذلك يفنّدها ، منها ما يُعزى إليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من قوله : لو لم أُبعث فيكم لبعث عمر (١).

ورواية : لو لم أُبعث لبعثت يا عمر (٢).

ورواية : لو كان نبيّ بعدي لكان عمر بن الخطّاب (٣).

ورواية : قد كان في الأُمم محدّثون فإن يكن في أُمّتي أحد فهو عمر (٤).

ورواية : إنّ الله جعل الحقّ على لسان عمر وقلبه (٥).

ورواية : إنّ الله ضرب بالحقّ على لسان عمر وقلبه (٦).

ومنها : ما رووه عن عليّ أمير المؤمنين عليه‌السلام من قوله : كنّا نتحدّث أنّ ملكاً ينطق على لسان عمر (٧).

وقوله : ما كنّا نبعد أنّ السكينة تنطق على لسان عمر (٨).

ومنها : ما يُروى عن أعاظم الصحابة مثل ما يعزى إلى ابن مسعود من قوله : لو وضع علم عمر في كفّة وعلم أهل الأرض في كفّة لرجح علم عمر.

__________________

(١) راجع الجزء الخامس : ص ٣١٢. (المؤلف)

(٢) راجع الجزء الخامس : ص ٣١٦. (المؤلف)

(٣) الرياض النضرة : ١ / ١٩٩ [٢ / ٢٤٥]. (المؤلف)

(٤) راجع الجزء الخامس : ص ٤٢. (المؤلف)

(٥) حلية الأولياء : ١ / ٤٢. (المؤلف)

(٦) الأموال لأبي عبيد : ص ٥٤٣ [ص ٦٥٢ ح ١٧٠٢]. (المؤلف)

(٧) حلية الأولياء : ١ / ٤٢. (المؤلف)

(٨) الأموال لأبي عبيد : ص ٥٤٣ [ص ٦٥٢ ح ١٧٠٤]. (المؤلف)

٤٦٧

وأمثال هذه من الأكاذيب ، فإنّ من يكون بتلك المثابة حتى يكاد أن يبعث نبيّا لا يفقد علم واضحات المسائل عند ابتلائه أو ابتلاء من يرجع أمره إليه من أُمّته بها ، ولا يتعلّم مثله سورة من القرآن في اثنتي عشرة سنة (١). وأين كان الحقّ والملك والسكينة يوم كان لا يهتدي إلى أُمّهات المسائل سبيلاً فلا تسدّده ولا تفرغ الجواب على لسانه ، ولا تضع الحقّ في قلبه؟

وكيف يسع المسدّد بذلك كلّه أن يحسب كلّ الناس أفقه منه حتى ربّات الحجال؟ وكيف كان يأخذ علم الكتاب والسنّة من نساء الأُمّة وغوغاء الناس فضلاً عن رجالها وأعلامها؟

وكيف كان يرى عرفان لفظة مفسّرة بالقرآن تكلّفاً ويقول : هذا لعمر الله هو التكلّف ، ما عليك يا ابن أُمّ عمر أن لا تدري ما الأبّ (٢)؟

وكيف كان يأخذ عن أُولئك الجمّ الغفير من الصحابة ويستفتيهم في الأحكام؟

وكيف كان يعتذر عن جهله أوضح ما يكون من السنّة بقوله : ألهاني عنه الصفق بالأسواق (٣)؟

وكيف كان لم يسعه أن يعلم الكلالة ويقيمها ولم يتمكّن من تعلّم صور ميراث الجدّ

وكان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «ما أراه يعلمها. وما أراه يقيمها».

ويقول : «إنّي أظنّك تموت قبل أن تعلم ذلك» (٤)؟

وكيف كان مثل أُبيّ بن كعب يغلظ له في القول ويراه ملهىً عن علم الكتاب

__________________

(١) راجع صحيفة : ١٩٦ من هذا الجزء. (المؤلف)

(٢) راجع : ص ٩٩. (المؤلف)

(٣) راجع : ص ١٥٨. (المؤلف)

(٤) راجع : ص ١١٦ ، ١٢٨. (المؤلف)

٤٦٨

بالصفق بالأسواق وبيع الخيط والقرظة (١)؟

وكيف كان يراه أمير المؤمنين جاهلاً بتأويل القرآن الكريم (٢)؟ وكيف؟ وكيف؟ إلى مائة كيف؟!

نعم ؛ راق القوم أن ينحتوا له فضائل ويغالوا فيها ولم يتروّوا في لوازمها وحسبوا أنّ المستقبل الكشّاف يمضي كما مضت القرون خالياً عن باحث أو منقّب ، أو أنّ بواعث الإرهاب تلجم لسانه عن أن ينطق ، وتضرب على يده عن أن تكتب ، ولا تفسح حريّة القلم والمذاهب والأفكار للعلماء أن يبوحوا بما عندهم (فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) (٣).

عود إلى ما يتبع شعر شمس الدين المالكي

٣ ـ وممّا ذكره شاعرنا المالكي في شعره من مناقب أمير المؤمنين عليه‌السلام حديث الولاية وهو حديث الغدير موضوع كتابنا هذا.

٤ ـ حديث المنزلة : «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي» ، أشار إليه بقوله :

وإنّك منّي خالياً من نبوّةٍ

كهارون من موسى وحسبك فاحمدِ

وقد أسلفنا الكلام حول هذا الحديث وأنّه الصحيح الثبت بنصّ من أئمّة الحديث وحفّاظه في الجزء الثالث (ص ١٩٨) ، قال ابن عبد البرّ في الاستيعاب (٤) : رواه

__________________

(١) راجع : ص ٣٠٣ ، ٣٠٦. (المؤلف)

(٢) راجع : ص ١٠٣. (المؤلف)

(٣) سورة ص : ٢٦.

(٤) الاستيعاب : القسم الثالث / ١٠٩٧ رقم ١٨٥٥.

٤٦٩

جماعة من الصحابة ، وهو من أثبت الآثار وأصحّها ؛ رواه سعد بن أبي وقّاص ، وطرق حديث سعد فيه كثيرة جدّا قد ذكرها ابن أبي خيثمة وغيره ، ورواه ابن عبّاس ، وأبو سعيد الخدري ، وأُمّ سلمة ، وأسماء بنت عميس ، وجابر بن عبد الله ، وجماعة يطول ذكرهم. انتهى.

٥ ـ حديث سبق أمير المؤمنين عليه‌السلام إلى الإسلام أوعز إليه بقوله :

وكان من الصبيان أوّل سابق

إلى الدين لم يسبق بطائع مرشدِ

وقد فصّلنا القول فيه في الجزء الثالث (ص ٢١٩ ـ ٢٤٣).

٦ ـ حديث تكنية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمير المؤمنين عليه‌السلام بأبي تراب ، قال فيه :

وجاءَ رسولُ اللهِ مرتضياً له

وكان عن الزهراءِ بالمتشرّدِ

فمسّح عنه التربَ إذ مسَّ جلدَهُ

وقد قام منها آلفاً للتفرّدِ

وقال له قولَ التلطّفِ قم أبا

ترابٍ كلام المخلص المتودّدِ

هذا التكنّي إنّما كان في غزوة العشيرة الواقعة في جمادى الأُولى أو الثانية أو فيهما من السنة الثانية الهجرية ، حين وجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّا أمير المؤمنين وعمّاراً نائمين في دقعاء (١) من التراب فأيقظهما وحرّك عليّا ، فقال : «قم يا أبا تراب ألا أُخبرك بأشقى الناس؟ رجلين : أُحيمر (٢) ثمود عاقر الناقة ، والذي يضربك على هذه ـ يعني قرنه ـ فيخضب هذه منها ـ يعني لحيته».

وهذا الحديث صحيح السند ممّا استدرك به الحاكم أبو عبد الله النيسابوري وصحّحه الهيثمي.

__________________

(١) الدقعاء : التراب الليّن. (المؤلف)

(٢) أُحيمر : لقب قدار بن سالف عاقر ناقة صالح. الرياض النضرة : [٣ / ٩٥]. (المؤلف)

٤٧٠

أخرجه (١) إمام الحنابلة في مسنده (٤ / ٢٦٣ ، ٢٦٤) ، والحاكم في المستدرك (٣ / ١٤٠) ، والطبري في تاريخه (٢ / ٢٦١) ، وابن هشام في السيرة النبويّة (٢ / ٢٣٦) ، وابن كثير في تاريخه (٣ / ٢٤٧) ، والهيثمي في المجمع (٩ / ١٣٦) وقال : رواه أحمد والطبراني والبزّار ورجال الجميع موثّقون ، والسيوطي في الجامع الكبير كما في ترتيبه (٦ / ٣٩٩) ، نقلاً عن ابن عساكر وابن النجّار ، والعيني في عمدة القاري (٧ / ٦٣٠).

ويجده القارئ من المتسالم عليه في : طبقات ابن سعد (ص ٥٠٩) ، وعيون الأثر لابن سيّد الناس (١ / ٢٢٦) ، والإمتاع للمقريزي (ص ٥٥) ، والسيرة الحلبيّة (٢ / ١٤٢) ، وتاريخ الخميس (٢ / ٣٦٤) ، وغيرها (٢).

وأخرج الطبراني في الأوسط والكبير بإسناده عن أبي الطفيل قال : جاء النبيُّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعليّ رضى الله عنه نائم في التراب فقال : «إنّ أحقّ أسمائك أبو تراب ، أنت أبو تراب». وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (٩ / ١٠٠) فقال : رجاله ثقات.

وأخرج البزّار وأحمد وغيرهما عن عمّار بن ياسر أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كنّى عليّا رضى الله عنه بأبي تراب ، فكانت من أحبّ كناه إليه. وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (٩ / ١٠٠) فقال : رجال أحمد ثقات.

وأخرج الطبراني في الكبير والأوسط (٣) ، بإسناده عن ابن عبّاس ، قال : لمّا

__________________

(١) مسند أحمد : ٥ / ٣٢٦ ح ١٧٨٥٧ ، ص ٣٢٧ ح ١٧٨٦٢ ، المستدرك على الصحيحين : ٣ / ١٥١ ح ٤٦٧٩ ، تاريخ الأُمم والملوك : ٢ / ٤٠٨ حوادث سنة ٢ ه‍ ، السيرة النبويّة : ٢ / ٢٤٩ ، البداية والنهاية : ٣ / ٣٠٣ حوادث سنة ٢ ه‍ ، كنز العمّال : ١٣ / ١٤١ ح ٣٦٤٤٣ ، ترجمة الإمام علي بن أبي طالب عليه‌السلام من تاريخ ابن عساكر ـ الطبعة المحققة ـ : رقم ١٣٩٨ ، عمدة القاري : ٢٢ / ٢٦٣.

(٢) الطبقات الكبرى : ٢ / ١٠ ، عيون الأثر : ١ / ٣٠٠ ، السيرة الحلبية : ٢ / ١٢٧ ، فتح الباري : ٧ / ٥٨ طبعة دار إحياء التراث العربي ، الطبعة الرابعة.

(٣) المعجم الكبير : ١١ / ٦٢ ح ١١٠٩٢ ، المعجم الأوسط : ٨ / ٤٣٥ ح ٧٨٩٠.

٤٧١

آخى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين أصحابه من المهاجرين والأنصار فلم يؤاخِ بين عليّ بن أبي طالب رضى الله عنه وبين أحد منهم ، خرج عليّ مغضباً حتى أتى جدولاً فوسّد ذراعه فسفت عليه الريح فطلبه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى وجده فوكزه برجله فقال له : «قم فما صلحت أن تكون إلاّ أبا تراب أغَضبتَ عليّ حين آخيت بين المهاجرين والأنصار ولم أُؤاخ بينك وبين أحد منهم؟ أمَا ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى؟ إلاّ أنّه ليس بعدي نبيّ ، ألا من أحبّك حُفَّ بالأمن والإيمان ، ومن أبغضك أماته الله ميتة جاهلية وحوسب بعمله في الإسلام».

مجمع الزوائد (٩ / ١١١) ، مناقب الخوارزمي (١) (ص ٢٢) ، الفصول المهمّة لابن الصبّاغ (٢) (ص ٢٢).

وأخرج أبو يعلى في مسنده (٣) ، بإسناده عن عليّ عليه‌السلام ، قال : «طلبني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فوجدني في جدول نائماً فقال : [قم] (٤) ما ألوم الناس يسمّونك أبا تراب ، فرآني كأنّي وجدت في نفسي من ذلك ، فقال : قم فو الله لأُرضينّك أنت أخي وأبو ولدي ، تقاتل عن سنّتي ، وتبرئ ذمّتي ، من مات في عهدي فهو كنز الله. ومن مات في عهدك فقد قضى نحبه ، ومن مات يحبّك بعد موتك ختم الله له بالأمن والإيمان ما طلعت شمس أو غربت ، ومن مات يبغضك مات ميتة جاهلية وحوسب بما عمل في الإسلام».

ذكره السيوطي في الجامع الكبير كما في ترتيبه (٥) (٦ / ٤٠٤) وقال : قال البوصيري : رواته ثقات.

__________________

(١) المناقب : ص ٣٩ ح ٧.

(٢) الفصول المهمّة : ص ٣٧ ـ ٣٨.

(٣) مسند أبي يعلى : ١ / ٤٠٢ ح ٥٢٨.

(٤) الزيادة من مسند أبي يعلى وكنز العمّال.

(٥) كنز العمّال : ١٣ / ١٥٩ ح ٣٦٤٩١.

٤٧٢

وأخرج ابن عساكر (١) ، بإسناده عن سماك بن حرب ، قال : قلت لجابر بن عبد الله : إنّ هؤلاء القوم يدعونني إلى شتم عليّ بن أبي طالب. قال : وما عسيت أن تشتمه به؟ قال : أُكنّيه بأبي تراب. قال : فو الله ما كانت لعليّ كنية أحبُّ إليه من أبي تراب ، إنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم آخى بين الناس ولم يؤاخ بينه وبين أحد فخرج مغضباً حتى أتى كثيباً من رمل فنام عليه فأتاه النبيُّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال : «قم يا أبا تراب ، أغضبت أن آخيت بين الناس ولم أُؤاخ بينك وبين أحد؟ قال : نعم. قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنت أخي وأنا أخوك». كفاية الطالب (٢) (ص ٨٢).

وهناك صحيحة أخرجها مسلم (٣) والبخاري (٤) في موضعين من صحيحه : ١ ـ في باب مناقب أمير المؤمنين. ٢ ـ كتاب الصلاة في باب نوم الرجال في المسجد. وأخرجها الطبري في تاريخه (٥) (٢ / ٣٦٣) عن عبد العزيز بن أبي حازم ، عن أبيه ، قال : قلت لسهل بن سعد : إنّ بعض أُمراء المدينة يريد أن يبعث إليك تسبّ عليّا فوق المنبر. قال : أقول ما ذا؟ قال : تقول : لعن الله أبا تراب ، قال : والله ما سمّاه بذلك إلاّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال : قلت : وكيف ذاك يا أبا العبّاس؟ قال : دخل عليّ على فاطمة ثمّ خرج من عندها فاضطجع في فيء المسجد ، قال : ثمّ دخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على فاطمة فقال لها : «أين ابن عمّك؟» فقالت : هو ذاك مضطجع في المسجد. قال : فجاءه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فوجده قد سقط رداؤه على ظهره وخلص التراب إلى ظهره فجعل يمسح التراب عن ظهره ويقول : «اجلس أبا تراب». فو الله ما سمّاه به إلاّ

__________________

(١) مختصر تاريخ دمشق : ١٧ / ٣٠٢ ، وفي ترجمة الإمام علي بن أبي طالب عليه‌السلام من تاريخ ابن عساكر ـ الطبعة المحققة ـ : رقم ٣١.

(٢) كفاية الطالب : ص ١٩٣ و ١٩٤ باب ٤٧.

(٣) صحيح مسلم : ٥ / ٢٧ ح ٣٨ كتاب فضائل الصحابة.

(٤) صحيح البخاري : ٣ / ١٣٥٨ ح ٣٥٠٠ و ١ / ١٦٩ ـ ١٧٠ ح ٤٣٠.

(٥) تاريخ الأُمم والملوك : ٢ / ٤٠٩ حوادث سنة ٢ ه‍.

٤٧٣

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وو الله ما كان له اسم أحبُّ إليه منه.

وفي لفظ البيهقي في السنن الكبرى (٢ / ٤٤٦) : استعمل على المدينة رجل من آل مروان ، فدعا سهل بن سعد فأمره أن يشتم عليّا رضى الله عنه قال : فأبى سهل فقال له : أمّا إذا أبيت فقل : لعن الله أبا تراب. فقال سهل : ما كان لعليّ رضي‌الله‌عنه اسم أحبُّ إليه من أبي تراب ، وإن كان ليفرح إذا دُعي بها. فقال له : أخبرنا عن قصّته لِمَ سمّي أبا تراب؟ الحديث.

لا تعارض بين هذا الصحيح وبين ما مرّ من الأحاديث الصحيحة الدالّة على تكنِّي أمير المؤمنين بأبي تراب يوم العشيرة أو يوم التآخي ، وليس في كلٍّ منها ومن هذا إلاّ عدّ موقف من المواقف التي سمّاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأبي تراب ، ولعلّ سهل بن سعد ما كان يعلم من تلكم المواقف إلاّ ما حدّث به ، فلا وازع هناك عن ثبوت الجميع ، ومن زعم التعارض بين هذا وتلك (١) ، واختلق بزعمه ما يتأتّى به الجمع ، فقد كشف عن خداج رأيه.

نعم ؛ عند الحفّاظ في متن حديث سهل اضطراب ينبئ عن تصرّف الأهواء فيه ، وفي بعض ألفاظه إيهام المباغضة بين أمير المؤمنين وابنة عمّه الطاهرة الصديقة فاطمة كما أوعز إليها شاعرنا المالكي المترجم بقوله :

وكان عن الزهراء بالمتشرّد

وهما سلام الله عليهما بعيدان عن ذلك بما منحهما الله تعالى من العصمة بنصّ الكتاب الكريم.

وروى ابن إسحاق (٢) عن بعض أهل العلم أنّه حدّثه : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّما

__________________

(١) راجع شرح المواهب اللدنيّة للزرقاني : ١ / ٣٩٥. (المؤلف)

(٢) ذكره ابن هشام في السيرة النبوية : ٢ / ٢٣٧ [٢ / ٢٥٠] ، والعيني في عمدته : ٧ / ٦٣٠ [٢٢ / ٢١٤ و ٢٦٣]. (المؤلف)

٤٧٤

سمّى عليّا أبا تراب أنَّه كان إذا عتب على فاطمة في شيء لم يكلّمها ، ولم يقل لها شيئاً تكرهه إلاّ أنّه يأخذ تراباً فيضعه على رأسه ، قال : فكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا رأى عليه التراب عرف أنّه عاتب على فاطمة فيقول : ما لك يا أبا تراب؟

قال الأميني : إن هي إلاّ نفثات قوم حنّاق لفظتها رمية القول على عواهنه تلويثاً لقداسة أمير المؤمنين ، وتشويهاً لعشرته الحميدة مع حليلته المطهّرة ، وفيها حطّ للصدّيق الأكبر والصدّيقة الكبرى عن مكانتهما الراقية في مكارم الأخلاق ، وقد أثمر اليوم ما بذرته أمس يد الإحن والشحناء من تلكم المفتعلات حتى سوّد مؤلّف اليوم صحائف تاريخه (١) بقوله : وكان عليّ يحرد بعد كلّ منافرة ويذهب لينام في المسجد ، وكان حموه يربته على كتفه ويعظه ويوفّق بينه وبين فاطمة إلى حين ، وممّا حدث أن رأى النبيُّ ابنته في بيته ذات مرّة وهي تبكي من لَكمِ عليّ لها. انتهى.

وقال الحاكم أبو عبد الله النيسابوري : كان بنو أُميّة تنقِّص عليّا عليه‌السلام بهذا الاسم الذي سمّاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويلعنونه على المنبر بعد الخطبة مدّة ولايتهم ، وكانوا يستهزئون به وإنّما استهزؤوا الذي سمّاه به ، وقد قال الله تعالى : (قُلْ أَبِاللهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ) (٢) الآية.

وقال سبط ابن الجوزي في التذكرة (٣) (ص ٤) : والذي ذكره الحاكم صحيح فإنّهم ما كانوا يتحاشون من ذلك بدليل ما روى مسلم عن سعد بن أبي وقّاص : أنّه دخل على معاوية بن أبي سفيان فقال : ما منعك أن تسبّ أبا تراب؟ الحديث (٤).

__________________

(١) راجع الجزء الثالث : ص ١٧ من كتابنا هذا. (المؤلف)

(٢) التوبة : ٦٥ ـ ٦٦.

(٣) تذكرة الخواص : ص ٦.

(٤) راجع تمام الحديث في الجزء الثالث من كتابنا هذا : ص ٢٠٠. (المؤلف)

٤٧٥

مكرمة حول الحديث :

قال الشيخ علاء الدين السكتواري في محاضرة الأوائل (١) (ص ١١٣) : أوّل من كنّي بأبي تراب عليّ بن أبي طالب رضى الله عنه كنّاه به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين وجده راقداً وعلى جنبه التراب ، فقال له ملاطفاً : «قم يا أبا تراب» فكان أحبَّ ألقابه ، وكان بعد ذلك له كرامة ببركة النفس المحمدي ، كان التراب يحدّثه بما يجري عليه إلى يوم القيامة وبما جرى ، فافهم سرّا جليّا. دلائل النبوّة (٢). انتهى.

وقد أبدع الشاعر المفلق عبد الباقي أفندي العمري في قوله :

يا أبا الأوصياءِ أنت لطه

صهرُهُ وابنُ عمّه وأخوهُ

إنّ للهِ في معانيك سرّا

أكثرُ العالمين ما علموهُ

أنت ثاني الآباءِ في منتهى الدو

رِ وآباؤه تعدّ بنوهُ

خلقَ اللهُ آدماً من ترابٍ

فهو ابنٌ له وأنتَ أبوهُ

٧ ـ وممّا أشار إليه شاعرنا المالكي من مناقب مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام حديث البراءة وتبليغها قال :

وأرسله عنه الرسولُ مبلّغاً

وخصَّ بهذا الأمر تخصيصَ مفردِ

وقال هل التبليغُ عنِّيَ ينبغي

لمن ليس من بيتي من القوم فاقتدي

وذلك ؛ أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعث أبا بكر إلى مكة بآيات من صدر سورة البراءة ليقرأها على أهلها ، فجاء جبرئيل من عند الله العزيز فقال : لن يؤدِّي عنك إلاّ أنت أو

__________________

(١) محاضرة الأوائل : ص ١٢٣.

(٢) دلائل النبوّة للبيهقي : ٣ / ١٢.

٤٧٦

رجل منك. فبعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّا على ناقته العضباء أو الجدعاء أثره ، فقال : «أدركه فحيثما لقيته فخذ الكتاب منه واذهب إلى أهل مكّة فاقرأه عليهم». فلحقه عليّ عليه‌السلام في العرج أو في ذي الحليفة أو في ضجنان أو الجحفة وأخذ الكتاب منه ، وحجَّ وبلّغ وأذّن.

هذه الأثارة أخرجها كثير من أئمّة الحديث وحفّاظه بعدّة طرق صحيحة يتأتّى التواتر بأقلّ منها عند جمع من القوم ، وإليك أُمّة ممّن أخرجها :

١ ـ أبو محمد إسماعيل السدّي الكوفي

 المتوفّى (١٢٨)

٢ ـ أبو محمد عبد الملك بن هشام البصري

 المتوفّى (٢١٨)

٣ ـ أبو عبد الله محمد بن سعد الزهري

 المتوفّى (٢٣٠)

٤ ـ الحافظ أبو بكر بن أبي شيبة العبسي الكوفي

 المتوفّى (٢٣٥)

٥ ـ الحافظ أبو الحسن بن أبي شيبة العبسي الكوفي

 المتوفّى (٢٣٩)

٦ ـ إمام الحنابلة أحمد بن حنبل الشيباني

 المتوفّى (٢٤١)

٧ ـ الحافظ أبو محمد عبد الله الدارمي ، صاحب السنن

 المتوفّى (٢٥٥)

٨ ـ الحافظ أبو عبد الله بن ماجة القزويني ، صاحب السنن

 المتوفّى (٢٧٣)

٩ ـ الحافظ أبو عيسى الترمذي ، صاحب الصحيح

 المتوفّى (٢٧٩)

١٠ ـ الحافظ أبو بكر أحمد بن أبي عاصم الشيباني

 المتوفّى (٢٨٧)

١١ ـ الحافظ أبو عبد الرحمن أحمد النسائي ، صاحب السنن

 المتوفّى (٣٠٣)

١٢ ـ الحافظ أبو جعفر محمد بن جرير الطبري

 المتوفّى (٣١٠)

١٣ ـ الحافظ أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة النيسابوري

 المتوفّى (٣١١)

١٤ ـ الحافظ أبو عوانة يعقوب النيسابوري ، صاحب المسند

 المتوفّى (٣١٦)

١٥ ـ الحافظ أبو القاسم عبد الله البغوي ، صاحب المصابيح

 المتوفّى (٣١٧)

١٦ ـ الحافظ عبد الرحمن بن أبي حاتم التميمي

 المتوفّى (٣٢٧)

٤٧٧

١٧ ـ الحافظ أبو حاتم محمد بن حبّان التميمي

 المتوفّى (٣٥٤)

١٨ ـ الحافظ أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني

 المتوفّى (٣٦٠)

١٩ ـ الحافظ أبو الشيخ (١)

المتوفّى (٣٦٩)

٢٠ ـ الحافظ عليّ بن عمر الدارقطني

 المتوفّى (٣٨٥)

٢١ ـ الحافظ أبو عبد الله الحاكم النيسابوري ، صاحب المستدرك

 المتوفّى (٤٠٥)

٢٢ ـ الحافظ أبو بكر بن مردويه الأصبهاني

 المتوفّى (٤١٦)

٢٣ ـ الحافظ أبو نعيم أحمد الأصبهاني ، صاحب الحلية

 المتوفّى (٤٣٠)

٢٤ ـ الحافظ أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي ، صاحب السنن

 المتوفّى (٤٥٨)

٢٥ ـ الفقيه أبو الحسن عليّ بن المغازلي الشافعي

 المتوفّى (٤٨٣)

٢٦ ـ الحافظ أبو محمد الحسين البغوي الشافعي

 المتوفّى (٥١٦)

٢٧ ـ الحافظ نجم الدين أبو حفص النسفي السمرقندي الحنفي

 المتوفّى (٥٣٧)

٢٨ ـ الحافظ أبو القاسم جار الله الزمخشري الشافعي

 المتوفّى (٥٣٨)

٢٩ ـ أبو عبد الله يحيى القرطبي ، صاحب التفسير الكبير

 المتوفّى (٥٦٧)

٣٠ ـ الحافظ أبو المؤيّد موفّق بن أحمد الخوارزمي الحنفي

 المتوفّى (٥٦٨)

٣١ ـ الحافظ أبو القاسم ابن عساكر الدمشقي الشافعي

 المتوفّى (٥٧١)

٣٢ ـ أبو القاسم عبد الرحمن الخثعمي السهيلي الأندلسي

 المتوفّى (٥٨١)

٣٣ ـ أبو عبد الله محمد بن عمر الفخر الرازي الشافعي

 المتوفّى (٦٠٦)

٣٤ ـ أبو السعادات بن الأثير الشيباني الشافعي

 المتوفّى (٦٠٦)

٣٥ ـ الحافظ أبو الحسن علي بن الأثير الشيباني

 المتوفّى (٦٣٠)

 ٣٦ ـ أبو عبد الله ضياء الدين محمد المقدسي الحنبلي

 المتوفّى (٦٤٣)

٣٧ ـ أبو سالم محمد بن طلحة القرشي النصيبي الشافعي

 المتوفّى (٦٥٢)

__________________

(١) هو أبو عبد الله محمد بن جعفر بن حيّان المعروف بأبي الشيخ الأصبهاني المولود سنة ٢٧٤ والمتوفّى ٣٦٩.

٤٧٨

٣٨ ـ أبو المظفّر يوسف سبط الحافظ ابن الجوزي الحنفي

 المتوفّى (٦٥٤)

٣٩ ـ عزّ الدين بن أبي الحديد المعتزلي

 المتوفّى (٦٥٥)

٤٠ ـ الحافظ أبو عبد الله الكنجي الشافعي

 المتوفّى (٦٥٨)

٤١ ـ القاضي ناصر الدين أبو الخير البيضاوي الشافعي

 المتوفّى (٦٨٥)

٤٢ ـ الحافظ أبو العبّاس محبّ الدين الطبري الشافعي

 المتوفّى (٦٩٤)

٤٣ ـ شيخ الإسلام أبو إسحاق إبراهيم الحمّوئي

 المتوفّى (٧٢٢)

٤٤ ـ وليّ الدين محمد الخطيب العمري التبريزي ، صاحب مشكاة المصابيح

 المتوفّى (٧٣٧)

٤٥ ـ علاء الدين عليّ بن محمد الخازن ، صاحب التفسير

 المتوفّى (٧٤١)

٤٦ ـ أثير الدين أبو حيّان الأندلسي ، صاحب التفسير

 المتوفّى (٧٤٥)

٤٧ ـ الحافظ شمس الدين محمد الذهبي الشافعي

 المتوفّى (٧٤٨)

٤٨ ـ نظام الدين الحسن النيسابوري (١) ، صاحب التفسير

 المتوفّى (٠٠٠)

٤٩ ـ الحافظ عماد الدين إسماعيل بن كثير الدمشقي الشافعي

 المتوفّى (٧٧٤)

٥٠ ـ الحافظ أبو الحسن عليّ بن أبي بكر الهيثمي الشافعي

 المتوفّى (٨٠٧)

٥١ ـ تقيّ الدين أحمد بن علي المقريزي الحنفي

 المتوفّى (٨٤٥)

٥٢ ـ الحافظ أبو الفضل بن حجر أحمد العسقلاني الشافعي

 المتوفّى (٨٥٢)

٥٣ ـ نور الدين عليّ بن محمد بن الصبّاغ المكي المالكي

 المتوفّى (٨٥٥)

٥٤ ـ بدر الدين محمود بن أحمد العيني الحنفي

 المتوفّى (٨٥٥)

٥٥ ـ شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي ، نزيل الحرمين

 المتوفّى (٩٠٢)

٥٦ ـ الحافظ جلال الدين عبد الرحمن السيوطي الشافعي

 المتوفّى (٩١١)

٥٧ ـ الحافظ أبو العبّاس أحمد القسطلاني الشافعي

 المتوفّى (٩٢٣)

__________________

(١) هو الحسن بن محمد بن الحسين المعروف بالنظام الأعرج. كان حياً إلى صفر من عام ٧٣٠ ه‍ ، وهي سنة الانتهاء من تأليفه تفسيره الموسوم بغرائب القرآن ورغائب الفرقان.

٤٧٩

٥٨ ـ الحافظ أبو محمد عبد الرحمن بن الدّيبع الشيباني الشافعي

 المتوفّى (٩٤٤)

٥٩ ـ المؤرّخ الديار بكري ، صاحب تاريخ الخميس

 المتوفّى (٩٦٦ / ٩٨٢)

٦٠ ـ الحافظ شهاب الدين أحمد بن حجر الهيتمي الشافعي

 المتوفّى (٩٧٤)

 ٦١ ـ المتّقي عليّ بن حسام الدين القرشي الهندي ، نزيل مكة

 المتوفّى (٩٧٥)

٦٢ ـ الحافظ زين الدين عبد الرؤوف المناوي الشافعي

 المتوفّى (١٠٣١)

٦٣ ـ الفقيه شيخ بن عبد الله العيدروس الحسيني اليمني

 المتوفّى (١٠٤١)

٦٤ ـ الشيخ أحمد بن با كثير المكي الشافعي ، صاحب الوسيلة

 المتوفّى (١٠٤٧)

٦٥ ـ أبو عبد الله محمد الزرقاني المصري المالكي

 المتوفّى (١١٢٢)

٦٦ ـ ميرزا محمد البدخشي (١) ، صاحب مفتاح النجا

 المتوفّى (٠٠٠٠)

٦٧ ـ السيّد محمد بن إسماعيل الصنعاني الحسيني

 المتوفّى (١١٨٢)

٦٨ ـ أبو العرفان الشيخ محمد الصبّان الشافعي ، صاحب / الإسعاف المتوفّى

 (١٢٠٦)

٦٩ ـ القاضي محمد بن عليّ الشوكاني الصنعاني

 المتوفّى (١٢٥٠)

٧٠ ـ أبو الثناء شهاب الدين السيّد محمود الآلوسي الشافعي

 المتوفّى (١٢٧٠)

٧١ ـ الشيخ سليمان بن إبراهيم القندوزيّ الحسيني الحنفي

 المتوفّى (١٢٩٣)

٧٢ ـ السيّد أحمد زيني دحلان المكي الشافعي

 المتوفّى (١٣٠٤)

٧٣ ـ السيّد مؤمن الشبلنجي (٢) ، مؤلّف نور الأبصار

 المتوفّى (٠٠٠٠)

أسلفنا ترجمة كثير من هؤلاء الأعلام في الجزء الأوّل (ص ٧٣ ـ ١٥١) تنتهي أسانيدهم في مأثرة أذان البراءة وتبليغها إلى جمع من الصحابة الأوّلين منهم :

١ ـ عليّ أمير المؤمنين ، من طريق زيد بن يثيع ، قال رضى الله عنه : «لمّا نزلت عشر آيات من براءة على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دعا أبا بكر رضى الله عنه ليقرأها على أهل مكة ، ثمّ دعاني فقال

__________________

(١) محمد بن رستم خان البدخشي المتوفّى ٩٢٢ ه‍.

(٢) مؤمن بن حسن بن مؤمن المتوفّى بعد ١٣٠٨ ه‍.

٤٨٠