الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٦

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي

الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٦

المؤلف:

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي


المحقق: مركز الغدير للدّراسات الإسلاميّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
المطبعة: فروردين
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٤

الحساب. الحديث. ذكره الجيلاني في الغنية (١) (١ / ١٩٨).

وهناك أحاديث جمّة في فضل صوم رجب وأوّل خميس منه ويوم السابع والعشرين منه خاصّة من طريق أبي سعيد الخدري ، والإمامين السبطين ، وأنس بن مالك ، وأبي هريرة ، وسلمان الفارسي ، وأبي ذرّ الغفاري ، وسلامة بن قيس ، وابن عبّاس ، أسلفنا شطراً منها في الجزء الأوّل (ص ٤٠٧) ، وجمعها الجيلاني في الغنية (٢) (١ / ١٩٦ ـ ٢٠٥) ، وذكر بعضها صاحب مفتاح السعادة (٣) (٣ / ٤٦) ، وأورد عدّة منها الجرداني في مصباح الظلام (٤) (٢ / ٨١ ، ٨٢) ، والرفاعي في ضوء الشمس (٢ / ٦٧) ثمّ قال :

ذُكر في طبقات السبكي (٥) : أنّ البيهقي ضعّف حديث النهي عن صوم رجب ، ثمّ حكى عن الشافعي في القديم أنّه قال : أكره أن يتّخذ الرجل صوم شهر كامل غير رمضان لئلاّ يظنّ الجاهل وجوبه. وقال الشيخ عزّ الدين بن عبد السلام رضي الله تعالى عنه : من نهى عن صوم رجب فهو جاهل. والمنقول استحباب صيام الأشهر الحرم وهي أربعة : رجب ، وذو القعدة ، وذو الحجّة ، والمحرّم ، وعن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «رجب شهر الله» ، قيل : ما معناه؟ قال : «لأنّه مخصوص بالمغفرة وفيه تحقن الدماء». وفي الحديث : «أخبرني جبريل إذا كان أوّل ليلة من رجب أمر الله ملكاً ينادي : ألا إنّ شهر التوبة قد استهلَّ فطوبى لمن استغفر الله فيه». وروي أنّه قال آدم عليه الصلاة والسلام : «يا ربّ أخبرني بأحبِّ الأوقات إليك وأحبِّ الأيّام إليك. قال : أحبّ الأيّام إليَّ النصف من رجب فمن تقرّب إليَّ يوم النصف من رجب بصيام وصلاة وصدقة فلا يسألني شيئاً إلاّ أعطيته ، ولا استغفرني إلاّ غفرت له ، يا آدم من أصبح يوم النصف من

__________________

(١) الغنية لطالبي طريق الحقّ : ص ٢٧٨.

(٢) الغنية لطالبي طريق الحقّ : ص ٢٧٧ ـ ٢٨٣ و ٢٨٦ ـ ٢٨٨.

(٣) مفتاح السعادة : ٣ / ٧٥.

(٤) مصباح الظلام : ٢ / ١٩٩ ح ٤٥٦.

(٥) طبقات الشافعية الكبرى : ٤ / ١٢ رقم ٢٥٠.

٤٠١

رجب صائماً ذاكراً حافظاً لفرجه متصدِّقاً من ماله لم يكن له جزاء إلاّ الجنّة» ... إلخ.

وقد ذهب فقهاء المذاهب الأربعة إلى استحباب صوم رجب وعدّوها من الصوم المندوب ، غير أنّ الحنابلة قالوا بكراهة إفراد رجب بالصوم إلاّ إذا أفطر في أثنائه فلا يكره (٦) ، ولعلّه أخذاً بما في إحياء العلوم (٧) (١ / ٢٤٤) من قوله : وكره بعض الصحابة أن يصام رجب كلّه حتى لا يضاهى بشهر رمضان.

الطائفة الثانية :

١ ـ عن معاذة العدويّة ، قالت : سألت عائشة أكان النبيّ يصوم من كلِّ شهر ثلاثة أيّام؟ قالت : نعم. قلت : من أيّ أيّام الشهر كان يصوم؟ قالت : لم يكن يبالي من أيّ الأيّام يصوم.

وفي لفظ أبي داود والبيهقي : ما كان يبالي من أيّ الشهر كان يصوم (٨).

وفي لفظ ابن ماجة : قلت : من أيّه؟ قالت : لم يكن يبالي من أيّه كان.

أخرجه (٩) مسلم في صحيحه (١ / ٣٢١) ، والترمذي في صحيحه (١ / ١٤٧) ، وأبو داود في سننه (١ / ٣٨٤) ، وابن ماجة في سننه (١ / ٥٢٣) ، والبيهقي في سننه (٤ / ٢٩٥) ، والخطيب التبريزي في المشكاة (ص ١٧١).

٢ ـ عن أبي ذرّ الغفاري مرفوعاً : «من صام من كلّ شهر ثلاثة أيّام فذلك صيام الدهر».

__________________

(٦) الفقه على المذاهب الأربعة : ١ / ٤٣٩ [١ / ٥٥٧]. (المؤلف)

(٧) إحياء علوم الدين : ١ / ٢١٣.

(٨) هكذا على ما في السنن الكبرى. وفي سنن أبي داود (أيام الشهر).

(٩) صحيح مسلم : ٢ / ٥٢٠ ح ١٩٤ كتاب الصيام ، سنن الترمذي : ٣ / ١٣٥ ح ٧٦٣ ، سنن أبي داود : ٢ / ٣٢٨ ح ٢٤٥٣ سنن ابن ماجة : ١ / ٥٤٥ ح ١٧٠٩ ، مشكاة المصابيح : ١ / ٥٦٣ ح ٢٠٤٦.

٤٠٢

وفي لفظ آخر له : «أوصاني حبيبي بثلاثة لا أدعهنَّ إن شاء الله تعالى أبداً ، أوصاني بصلاة الضحى ، وبالوتر قبل النوم ، وبصيام ثلاثة أيّام من كلّ شهر».

أخرجه (١) الترمذي في صحيحه (١ / ١٤٦) ، وابن ماجة في سننه (١ / ٥٢٢) ، والنسائي في سننه (٤ / ٢١٨ ، ٢١٩) ، والمنذري في الترغيب والترهيب (٢ / ٣١) ، وابن الأثير في جامع الأصول كما في تلخيصه (٢ / ٣٣٠).

٣ ـ عن عثمان بن أبي العاص مرفوعاً : «صيام حسن ثلاثة أيّام من كلّ شهر».

أخرجه (٢) ابن خزيمة في صحيحه ، والنسائي في سننه (٤ / ٢١٩) ، والمنذري في الترغيب والترهيب (٢ / ١٣).

٤ ـ عن أبي هريرة مرفوعاً : «صوم شهر الصبر ، وثلاثة أيّام من كلّ شهر ، صوم الدهر».

وعنه ؛ قال : أوصاني خليلى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بثلاث : صيام ثلاثة من كلّ شهر. الحديث. وفي لفظ الترمذي : عهد إليّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثلاثة : وصوم ثلاثة أيّام من كلّ شهر.

راجع (٣) صحيح البخاري (٣ / ٢٢٠) ، صحيح مسلم (١ / ٢٠٠) ، سنن الدارمي (٢ / ١٨) ، مسند أحمد (٢ / ٢٦٣) ، صحيح الترمذي (١ / ١٤٦) ، سنن النسائي (٤ / ٢١٨) ،

__________________

(١) سنن الترمذي : ٣ / ١٣٥ ح ٧٦٢ ، سنن ابن ماجة : ١ / ٥٤٥ ح ١٧٠٨ ، السنن الكبرى : ٢ / ١٣٣ ح ٢٧١٢ ، الترغيب والترهيب : ٢ / ١٢١ ح ٩ ، جامع الأُصول : ٧ / ٢٢٦ ح ٤٤٨٦ ، تيسير الوصول : ٢ / ٣٩٤ ح ٤.

(٢) صحيح ابن خزيمة : ٣ / ٣٠١ ح ٢١٢٥ ، السنن الكبرى : ٢ / ١٣٤ ح ٢٧١٩ ، الترغيب والترهيب : ٢ / ٨٣ ح ١٣.

(٣) صحيح البخاري : ٢ / ٦٩٩ ح ١٨٨٠ ، صحيح مسلم : ٢ / ١٦٣ ح ٨٥ كتاب صلاة المسافرين ، مسند أحمد : ٢ / ٥١٧ ح ٧٥٢٣ ، سنن الترمذي : ٣ / ١٣٣ ح ٧٦٠ ، السنن الكبرى : ٢ / ١٣٤ ح ٢٧١٦ ، الترغيب والترهيب : ٢ / ١٢٠ ح ١.

٤٠٣

سنن البيهقي (٤ / ٢٩٣) ، تاريخ بغداد (٧ / ٤٣٠) ، الترغيب والترهيب (٢ / ٣٠).

٥ ـ عن أبي الدرداء ، قال : أوصاني حبيبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بثلاث لن أدعهنَّ ما عشت ، بصيام ثلاثة أيّام من كلّ شهر.

أخرجه (١) مسلم في صحيحه (١ / ٢٠٠) ، والمنذري في الترغيب (٢ / ٣٠).

٦ ـ عن عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعاً : «صوم ثلاثة أيّام من كلّ شهر صوم الدهر كلّه».

وفي لفظ آخر له : «أما يكفيك من كلّ شهر ثلاثة أيّام؟»

وفي لفظ ثالث له : «حسبك من كلّ شهر ثلاثاً (٢) فذلك صيام الدهر كلّه».

وفي لفظ رابع له : «أدلّك على صوم الدهر ثلاثة أيّام من الشهر».

وفي لفظ خامس له : «صُم من كلّ شهر ثلاثة أيّام».

راجع (٣) صحيح البخاري (٣ / ٢١٩) ، صحيح مسلم (١ / ٣٢٠) ، سنن أبي داود (١ / ٣٨٠) ، سنن النسائي (٤ / ٢١٠ ـ ٢١٥) ، الترغيب والترهيب (٢ / ٣٠).

٧ ـ عن قرّة بن إياس مرفوعاً : «صيام ثلاثة أيّام من كلّ شهر صيام الدهر كلّه وإفطاره».

أخرجه (٤) أحمد في مسنده (٥ / ٣٤) ، بإسناد صحيح ، والبزّار ، والطبراني ، وابن

__________________

(١) صحيح مسلم : ٢ / ١٦٣ ح ٨٦ كتاب صلاة المسافرين ، الترغيب والترهيب : ٢ / ١٢٠ ح ٢.

(٢) كذا.

(٣) صحيح البخاري : ٢ / ٦٩٨ ح ١٨٧٧ ، صحيح مسلم : ٢ / ٥١٤ ح ١٨١ كتاب الصيام ، سنن أبي داود : ٢ / ٣٢٢ ح ٢٤٢٧ ، السنن الكبرى : ٢ / ١٢٨ ـ ١٣٢ ح ٢٦٩٩ ـ ٢٧٠٩.

(٤) مسند أحمد : ٦ / ١٢ ح ١٩٨٥١ ، البحر الزخّار (مسند البزّار) : ٥ / ٢١٥ ، المعجم الكبير : ١٩ / ٢٦ ح ٥٣ ، الإحسان في تقريب صحيح ابن حبّان : ٨ / ٤١٣ ح ٣٦٥٣ ، الترغيب والترهيب : ٢ / ١٢١ ح ٦ ، الجامع الصغير : ٢ / ١٠٢ ح ٥٠٥٢.

٤٠٤

حبّان في صحيحه ، كما في الترغيب والترهيب (٢ / ٣١) ، والجامع الصغير (٢ / ٧٨)

٨ ـ عن ابن عبّاس مرفوعاً : «صوم شهر الصبر ، وثلاثة أيّام من كلّ شهر يذهبن وحرَ الصدر».

قال الحافظ المنذري في الترغيب (٢ / ٣١) : رواه البزّار ورجاله رجال الصحيح. ورواه أحمد وابن حبّان في صحيحه والبيهقي ، الثلاثة من حديث الأعرابي ولم يسمّوه. ورواه البزّار أيضاً من حديث عليّ (١).

٩ ـ عن عمرو بن شرحبيل مرفوعاً : «ألا أُخبركم بما يذهب وحرَ الصدر؟ صوم ثلاثة أيّام من كلّ شهر».

أخرجه (٢) النسائي في سننه (٤ / ٢٠٨) ، والمنذري في الترغيب (٢ / ٣١).

١٠ ـ عن أبي عقرب مرفوعاً : «صم ثلاثة أيّام من كلّ شهر».

أخرجه النسائي في سننه (٣) (٤ / ٢٢٥).

١١ ـ عن عبد الله بن مسعود ، قال : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يصوم ثلاثة أيّام من غرّة كلّ شهر.

أخرجه (٤) أبو داود في سننه (١ / ٣٨٤) ، والترمذي في صحيحه (١ / ١٤٣) ،

__________________

(١) الترغيب والترهيب : ٢ / ١٢١ ح ٧ ، مسند أحمد : ٦ / ٤٩٩ ح ٢٢٥٦١ ، الإحسان في تقريب صحيح ابن حبّان : ١٤ / ٤٩٨ ح ٦٥٥٧ ، السنن الكبرى : ٤ / ٢٩٣ ، البحر الزخّار (مسند البزّار) : ٢ / ٢٧١ ح ٦٨٨.

(٢) السنن الكبرى : ٢ / ١٢٦ ح ٢٦٩٣ ، الترغيب والترهيب : ٢ / ١٢٢ ح ١١.

(٣) السنن الكبرى : ٢ / ١٣٨ ح ٢٧٤٠ و ٢٧٤١.

(٤) سنن أبي داود : ٢ / ٣٢٨ ح ٢٤٥٠ ، سنن الترمذي : ٣ / ١١٨ ح ٧٤٢ ، السنن الكبرى : ٢ / ١٢٢ ح ٢٦٧٧ ، مشكاة المصابيح : ١ / ٥٦٤ ح ٢٠٥٨.

٤٠٥

والنسائي في سننه (٤ / ٢٠٤) ، والبيهقي في سننه (٤ / ٢٩٤) ، والخطيب التبريزي في المشكاة (ص ١٧٢).

١٢ ـ عن عبد الله بن عمر ، قال : كان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصوم ثلاثة أيّام من كلّ شهر.

أخرجه النسائي في سننه (١) (٤ / ٢١٩) ، وفي صحيح البخاري (٢) (٣ / ٢١٨) من طريقه مرفوعاً : «صم من الشهر ثلاثة أيّام».

١٣ ـ عن أُمّ سلمة ، قالت : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصوم من كلّ شهر ثلاثة أيام ، وبهذا اللفظ جاء عن حفصة أيضا ، وفي لفظٍ لأم سلمة : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يأمرني أن أصوم ثلاثة أيّام من كلّ شهر.

راجع (٣) سنن النسائي (٤ / ٢٠٣) ، سنن البيهقي (٤ / ٢٩٥) ، سنن أبي داود (١ / ٣٨٤) ، مشكاة المصابيح (ص ١٧٢).

وقبل هذه كلّها ما أخرجه أئمّة الحديث عن عمر نفسه مرفوعاً : «ثلاث من كلّ شهر ، ورمضان إلى رمضان فهذا صيام الدهر كلّه».

أخرجه (٤) مسلم في صحيحه (١ / ٣٢١) ، وأبو داود في سننه (١ / ٣٨٠) ، والنسائي في سننه (٤ / ٢٠٩) ، والمنذري في الترغيب (٢ / ٣١) ، والخطيب التبريزي في المشكاة (ص ١٧١).

__________________

(١) السنن الكبرى : ٢ / ١٣٤ ح ٢٧٢١.

(٢) صحيح البخاري : ٢ / ٦٩٨ ح ١٨٧٧.

(٣) السنن الكبرى : ٢ / ١٣٦ ح ٢٧٢٧ ، سنن أبي داود : ٢ / ٣٢٨ ح ٢٤٥٢ ، مشكاة المصابيح : ١ / ٥٦٥ ح ٢٠٦٠.

(٤) صحيح مسلم : ٢ / ٥٢٠ ح ١٩٦ و ١٩٧ كتاب الصيام ، سنن أبي داود : ٢ / ٣٢١ ح ٢٤٢٥ ، السنن الكبرى : ٢ / ١٢٦ ح ٢٦٩٥ ، الترغيب والترهيب : ٢ / ١٢١ ح ٥ ، مشكاة المصابيح : ١ / ٥٦٢ ح ٢٠٤٤.

٤٠٦

الطائفة الثالثة :

عن الباهلي مرفوعاً : «صم شهر الصبر ، وثلاثة أيّام بعده ، وصم أشهر الحرم».

وفي لفظ آخر له : «صم من الحرُم واترك ، صم من الحرُم واترك ، صُم من الحُرم واترك».

وفي لفظ ثالث له : «صُم من الأشهر الحرُم واترك». قالها ثلاثاً.

أخرجه (١) أبو داود في سننه (١ / ٣٨١) ، وابن ماجة في سننه (١ / ٥٣٠) ، والبيهقي في سننه (٤ / ٢٩٢) ، ويوجد في المواهب اللدنيّة ، وشرح المواهب للزرقاني (٨ / ١٢٧).

٢ ـ عن أنس مرفوعاً : «من صام ثلاثة أيّام من شهر حرام : الخميس ، والجمعة والسبت كتب له عبادة سنتين».

أخرجه الطيالسي والأزدي والغزالي في إحياء العلوم (٢) (١ / ٢٤٤) ، وحكاه عن الطيالسي السيوطي في الجامع الصغير (٣) وحسّنه.

٣ ـ ذكر أبو داود في سننه (٤) : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ندب إلى الصوم من الأشهر الحرُم ، ورجب أحدها.

وحكاه عن أبي داود القسطلاني في المواهب اللدنيّة (٥) ، والنووي في شرح

__________________

(١) سنن أبي داود : ٢ / ٣٢٢ ح ٢٤٢٨ ، سنن ابن ماجة : ١ / ٥٥٤ ح ١٧٤١ ، المواهب اللدنيّة : ٤ / ٣٧٥.

(٢) إحياء علوم الدين : ١ / ٢١٢.

(٣) الجامع الصغير : ٢ / ٦١٤ ح ٨٧٨٥.

(٤) سنن أبي داود : ٢ / ٣٢٣ ح ٢٤٢٨ ، ٢٤٣٠.

(٥) المواهب اللدنيّة : ٤ / ٣٧٥.

٤٠٧

صحيح مسلم (١) ـ هامش إرشاد الساري ـ (٥ / ١٥٠).

الطائفة الرابعة :

١ ـ عن عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعاً : «أحبّ الصيام إلى الله صيام داود ، وأحبّ الصلاة صلاة داود ، كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه ، وكان يفطر يوماً ويصوم يوماً».

وفي لفظ آخر له : «صم صوم داود عليه‌السلام صم يوماً وافطر يوماً».

وفي لفظ ثالث له : «صم أفضل الصيام عند الله صوم داود ، كان يصوم يوماً ويفطر يوماً».

ولهذا الحديث ألفاظ كثيرة توجد في الصحاح والمسانيد. راجع (٢) صحيح البخاري (٣ / ٢١٧) ، صحيح مسلم (١ / ٣١٩ ـ ٣٢١) ، صحيح الترمذي (١ / ١٤٨) ، مسند أحمد (٢ / ٢٠٥ ، ٢٢٥) ، سنن الدارمي (٢ / ٢٠) ، سنن أبي داود (١ / ٣٨٣) ، سنن النسائي (٤ / ٢٠٩ ـ ٢١٥) ، سنن ابن ماجة (١ / ٥٢٣) ، سنن البيهقي (٤ / ٢٩٦ ، ٢٩٩) ، الترغيب والترهيب (٢ / ٣٢ ، ٣٦ ، ٣٧) ، مشكاة المصابيح (ص ١٧١).

٢ ـ أخرج مسلم والنسائي بالإسناد عن عمر في حديث ، قال : كيف بمن يصوم يوماً ويفطر يوماً؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ذلك صوم داود عليه‌السلام».

__________________

(١) شرح صحيح مسلم : ٨ / ٣٩.

(٢) صحيح البخاري : ١ / ٣٨٠ ح ١٠٧٩ ، صحيح مسلم : ٢ / ٥١٤ ـ ٥٢٠ ح ١٨١ ـ ١٨٣ وح ١٨٦ ـ ١٩٣ كتاب الصيام ، سنن الترمذي : ٣ / ١٤٠ ح ٧٧٠ ، مسند أحمد : ٢ / ٤١٧ ح ٦٨٧٥ ، ٦٨٧٦ ، ص ٤٤٩ ح ٧٠٥٨ ، سنن أبي داود : ٢ / ٣٢٧ ح ٢٤٤٨ ، السنن الكبرى : ٢ / ١١٨ ـ ١٢٣ ح ٢٦٥٣ ـ ٢٦٨١ ، سنن ابن ماجة : ١ / ٥٤٦ ح ١٧١٢ و ١٧١٣ ، الترغيب والترهيب : ٢ / ١٢٢ ح ١٢ ، ص ١٢٩ ـ ١٣١ ح ١ ـ ٦ ، مشكاة المصابيح : ١ / ٥٦٤ ح ٢٠٥٤.

٤٠٨

صحيح مسلم (١ / ٣٢١) ، سنن النسائي (٤ / ٢٠٩) (١).

الطائفة الخامسة :

١ ـ عن أبي أُمامة ، قال : قلت : يا رسول الله مرني بأمر ينفعني الله تعالى به. فقال : «عليك بالصوم فإنّه لا عِدل له» (٢).

سنن النسائي (٤ / ١٦٥) ، الترغيب (٢ / ١٤) ، تيسير الوصول (٢ / ٣٢١)

٢ ـ عن أبي سعيد مرفوعاً : «من صام يوماً في سبيل الله باعدَ الله وجهه عن النار سبعين خريفاً».

أخرجه (٣) مسلم في صحيحه (١ / ٣١٨) ، وأحمد في مسنده (٣ / ٨٣) ، والبيهقي في سننه (٩ / ١٧٣ و ٤ / ٢٩٦) ، والنسائي في سننه (٤ / ١٧٣) ، وابن ماجة في سننه (١ / ٥٢٥) ، والبغوي في مصابيح السنّة (١ / ١٣٥).

٣ ـ عن أبي هريرة مرفوعاً : «من صام يوماً في سبيل الله عزّ وجلّ زحزح الله وجهه عن النار بذلك اليوم سبعين خريفاً».

وفي لفظ آخر له : «من صام يوماً في سبيل الله تعالى جعل الله بينه وبين النار خندقاً كما بين السماء والأرض».

راجع (٤) صحيح الترمذي (١ / ١٤٥) ، سنن النسائي (٤ / ١٧٢) ، سنن ابن

__________________

(١) صحيح مسلم : ٢ / ٥٢١ ح ١٩٦ كتاب الصيام ، السنن الكبرى : ٢ / ١٢٦ ح ٢٦٩٥.

(٢) السنن الكبرى : ٢ / ٩٢ ح ٢٥٣٠ ـ ٢٥٣٣ ، الترغيب والترهيب : ٢ / ٨٥ ح ٢١ ، تيسير الوصول : ٢ / ٣٨٤ ح ٤.

(٣) صحيح مسلم : ٢ / ٥١٠ ح ١٦٨ كتاب الصوم ، مسند أحمد : ٣ / ٥٠٤ ح ١١٣٨١ ، السنن الكبرى : ٢ / ٩٧ ح ٢٥٥٤ ـ ٢٥٥٨ ، سنن ابن ماجة : ١ / ٥٤٨ ح ١٧١٧ ، مصابيح السنّة : ٢ / ٩٢ ح ١٤٦٧.

(٤) سنن الترمذي : ٤ / ١٤٢ ، ١٤٣ ح ١٦٢٢ ، ١٦٢٤ ، السنن الكبرى : ٢ / ٩٧ ح ٢٥٥٢ ، سنن ابن ماجة : ١ / ٥٤٨ ح ١٧١٨ ، مشكاة المصابيح : ١ / ٥٦٥ ح ٢٠٦٤.

٤٠٩

ماجة (١ / ٥٢٥) ، مشكاة المصابيح (ص ١٧٢) ، تاريخ الخطيب البغدادي (٤ / ٨).

٤ ـ عن عبد الله بن سفيان الأزدي مرفوعاً : «ما من رجل يصوم يوماً في سبيل الله إلاّ باعده الله عن النار مقدار مائة عام». أخرجه الطبراني (١) كما في الإصابة (٢ / ٣١٩).

أضف إلى هذه طوائف أخرى تعمّ بإطلاقها صوم رجب ، منها ما ورد في صوم الأربعاء والخميس والجمعة من دون اختصاص بأيّام شهر دون آخر.

ومنها ما ورد في صوم الأيّام البيض من كلّ شهر ، وأنّه صيام الشهر.

ومنها ما ورد في صوم كلّ أربعاء والخميس من الأيام.

ومنها ما ورد في صوم أربعة أيّام من كلّ شهر.

ومنها ما ورد في صوم الإثنين والخميس في أيّام السنة بأسرها.

توجد أحاديث هذه الطوائف (٢) في صحيح البخاري (٣ / ٢١٩) ، صحيح مسلم (١ / ٣٢١ ، ٣٢٢) ، سنن الدارمي (٢ / ١٩) ، سنن أبي داود (١ / ٣٨٠ ـ ٣٨٣) ، صحيح الترمذي (١ / ١٤٣ ، ١٤٤) ، سنن ابن ماجة (١ / ٥٢٢ ، ٥٢٩) ، سنن النسائي (٤ / ٢١٧ ـ ٢٢٣) ، سنن البيهقي (٤ / ٢٩٤) ، الترغيب والترهيب (٢ / ٣٠ ـ ٣٧).

ولا أحسبك بعد ذلك كلّه تقيم وزناً لما انفرد به ابن ماجة عن ابن عبّاس من أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن صيام رجب. إن كانت الرواية صحيحة فإنّها معارضَة بما عرفته من المتواتر معنىً أو بالتواتر الإجمالي من استحباب صوم رجب المرغّب فيه

__________________

(١) المعجم الكبير : ٨ / ١٩٨ ح ٧٨٠٦.

(٢) صحيح البخاري : ٢ / ٦٩٩ ح ١٨٨٠ ، صحيح مسلم : ٢ / ٥٢٠ ـ ٥٢٢ ح ١٩٤ ـ ١٩٨ كتاب الصيام ، سنن أبي داود : ٢ / ٣٢٢ ح ٢٤٢٦ ، ص ٣٢٥ ح ٢٤٣٦ ، سنن الترمذي : ٣ / ١٢١ ح ٧٤٥ ، ص ١٢٣ ح ٧٤٨ ، سنن ابن ماجة : ١ / ٥٤٤ ح ١٧٠٧ ـ ١٧٠٩ ، السنن الكبرى : ٢ / ١٣٣ ـ ١٣٩ ح ٢٧١٢ ـ ٢٧٤١ ، الترغيب والترهيب : ٢ / ١٢٤ ـ ١٢٦.

٤١٠

بصدور قطعيّ كما أفتى به علماء المذاهب الأربعة فكيف بها وهي ضعيفة بمكان داود ابن عطاء. قال أحمد (١) : ليس بشيء. وقال أبو حاتم (٢) : ليس بالقوي ، ضعيف الحديث منكره. وقال البخاري (٣) وأبو زرعة : منكر الحديث. وقال النسائي : ضعيف. وقال الدارقطني : متروك. وقال ابن حبّان (٤) : كثير الوهم في الأخبار لا يحتجّ به بحال لكثرة خطئه (٥). وقال السندي في شرح سنن ابن ماجة (١ / ٥٣١) في نفس الحديث : في إسناده داود بن عطاء وهو ضعيف متّفق على تضعيفه ، وقال الزرقاني في شرح المواهب (٨ / ١٢٧) : قال الذهبي وغيره : حديث لا يصحّ ، فيه راوٍ ضعيف متروك ، وقد أخذ به الحنابلة فقالوا : يكره إفراده بالصوم.

على أنّه من متفرّدات ابن ماجة ولا يؤبه بها عند نقّاد الفنّ ، قال أبو الحجّاج المزّي : كلّ ما انفرد به ابن ماجة فهو ضعيف ، يعني بذلك ما انفرد به من الحديث عن الأئمّة الخمسة ـ أصحاب الصحاح (٦) ـ ولذلك نصّ غير واحد من الأعلام ـ وحديث النهي نصب أعينهم ـ على عدم النهي عن صوم رجب كما في المواهب اللدنيّة (٧) ، وإرشاد الساري (٨) (٥ / ١٤٨) ، وشرح المواهب للزرقاني (٨ / ١٢٧).

فبعد هذه كلّها لا أدري ما محلّ ضرب الأيدي حتى يضعوها في الطعام؟ وما معنى قول القائل : رجب وما رجب إنّما رجب شهر كان يعظّمه أهل الجاهلية فلمّا جاء

__________________

(١) العلل ومعرفة الرجال : ٢ / ٤٧ رقم ١٥٠٩.

(٢) الجرح والتعديل : ٣ / ٤٢١ رقم ١٩١٩.

(٣) التاريخ الكبير : ٣ / ٢٤٣ رقم ٨٣٦.

(٤) كتاب المجروحين : ١ / ٢٨٩.

(٥) راجع تهذيب التهذيب : ٣ / ١٩٤ [٣ / ١٦٨]. (المؤلف)

(٦) تهذيب التهذيب : ٩ / ٥٣١ [٩ / ٤٦٩]. (المؤلف)

(٧) المواهب اللدنيّة : ٤ / ٣٧٥.

(٨) إرشاد الساري : ٤ / ٦٠٨.

٤١١

الإسلام ترك؟ راجع (ص ٢٨٢) وتأمّل فيما جاء به الخليفة فعلاً وقولاً.

ـ ٩٠ ـ

اجتهاد الخليفة في السؤال عن مشكلات القرآن

١ ـ عن سليمان بن يسار : إنّ رجلاً يقال له صبيغ قدم المدينة فجعل يسأل عن متشابه القرآن ، فأرسل إليه عمر وقد أعدّ له عراجين النخل فقال : من أنت؟ قال : أنا عبد الله صبيغ ، فأخذ عمر عرجوناً من تلك العراجين فضربه ، وقال : أنا عبد الله عمر. فجعل له ضرباً حتى دمي رأسه ، فقال : يا أمير المؤمنين حسبك قد ذهب الذي كنت أجد في رأسي.

وعن نافع مولى عبد الله : إنّ صبيغ العراقي جعل يسأل عن أشياء من القرآن في أجناد المسلمين حتى قدم مصر فبعث به عمرو بن العاص إلى عمر بن الخطّاب ، فلمّا أتاه الرسول بالكتاب فقرأه فقال : أين الرجل؟ فقال : في الرحل. قال عمر : أبصر أن يكون ذهب فتصيبك منّي العقوبة الموجعة. فأتاه به ، فقال عمر : تسأل محدثة؟ فأرسل عمر إلى رطائب من جريد فضربه بها حتى ترك ظهره دبرة (١) ، ثمّ تركه حتى برأ ، ثمّ عاد له ثمّ تركه حتى برأ ، فدعا به ليعود له. قال صُبيغ : إن كنت تريد قتلي فاقتلني قتلاً جميلاً ، وإن كنت تريد أن تداويني فقد والله برئت. فأذن له إلى أرضه وكتب إلى أبي موسى الأشعري : أن لا يجالسه أحد من المسلمين. فاشتدّ ذلك على الرجل ، فكتب أبو موسى إلى عمر : أن قد حسنت توبته ، فكتب عمر : أن يأذن للناس بمجالسته.

وعن السائب بن يزيد ، قال : أُتي عمر بن الخطّاب فقيل : يا أمير المؤمنين إنّا

__________________

(١) في سنن الدارمي : وبرة. وفي حاشيته : أي ذات فروج. وفي لفظ ابن عساكر والسيوطي : دبرة. وهو الصحيح والمعنى واضح. (المؤلف)

٤١٢

لقينا رجلاً يسأل عن تأويل مشكل القرآن. فقال عمر : اللهمّ مكّني منه. فبينما عمر ذات يوم جالساً يغدّي الناس إذ جاء الرجل وعليه ثياب وعمامة صفدي حتى إذا فرغ قال : يا أمير المؤمنين والذاريات ذرواً فالحاملات وقراً؟ فقال عمر : أنت هو؟ فقام إليه وحسر عن ذراعيه فلم يزل يجلده حتى سقطت عمامته. فقال : والذي نفس عمر بيده لو وجدتك محلوقاً لضربت رأسك ، ألبسوه ثياباً واحملوه على قتب وأخرجوه حتى تقدموا به بلاده ثمّ ليقم خطيب ثمّ يقول : إنّ صبيغاً ابتغى العلم فأخطأه. فلم يزل وضيعاً في قومه حتى هلك وكان سيّد قومه.

وعن أنس : إنّ عمر بن الخطّاب جلد صبيغاً الكوفي في مسألة عن حرف من القرآن حتى اضطربت الدماء في ظهره.

وعن الزهري : إنّ عمر جلد صبيغاً لكثرة مساءلته عن حروف القرآن حتى اضطربت الدماء في ظهره (١).

قال الغزالي في الإحياء (٢) (١ / ٣٠) : وعمر هو الذي سدّ باب الكلام والجدل وضرب صبيغاً بالدرّة لما أورد عليه سؤالاً في تعارض آيتين في كتاب الله وهجره وأمر الناس بهجره. انتهى.

وصبيغ هذا هو صبيغ بن عسل. ويقال : ابن عسيل. ويقال : صبيغ بن شريك من بني عسيل.

__________________

(١) سنن الدارمي : ١ / ٥٤ ، ٥٥ ، تاريخ ابن عساكر : ٦ / ٣٨٤ [٢٣ / ٤١١ رقم ٢٨٤٦ ، وفي مختصر تاريخ دمشق : ١١ / ٤٦] ، سيرة عمر لابن الجوزي : ص ١٠٩ [ص ١١٧] ، تفسير ابن كثير : ٤ / ٢٣٢ ، إتقان السيوطي : ٢ / ٥ [٣ / ٧] ، كنز العمّال : ١ / ٢٢٨ ، ٢٢٩ [٢ / ٣٣١ ح ٤١٦١] نقلاً عن الدارمي ، ونصر المقدسي ، والأصبهاني ، وابن الأنباري ، واللالكائي ، وابن عساكر ، الدرّ المنثور : ٦ / ١١١ [٧ / ٦١٤] ، فتح الباري : ٨ / ١٧ [٨ / ٢١١] ، الفتوحات الإسلامية : ٢ / ٤٤٥ [٢ / ٢٨٨]. (المؤلف)

(٢) إحياء علوم الدين : ١ / ٢٨.

٤١٣

٢ ـ عن أبي العديّس ، قال : كنّا عند عمر بن الخطّاب فأتاه رجل فقال : يا أمير المؤمنين ما الجوار الكنّس؟ فطعن عمر بمخصرة معه في عمامة الرجل فألقاها عن رأسه ، فقال عمر : أحروريّ؟ والذي نفس عمر بن الخطّاب بيده لو وجدتك محلوقاً لأنحيت القمل عن رأسك.

كنز العمّال (١) (١ / ٢٢٩) نقلاً عن الكنى للحاكم ، الدرّ المنثور (٢)(٦/ ٣٢).

٣ ـ عن عبد الرحمن بن يزيد : أنّ رجلاً سأل عمر عن (فاكِهَةً وَأَبًّا) فلمّا رآهم يقولون أقبل عليهم بالدرّة (٣).

قال الأميني : أحسب أنّ في مقول العراجين ، ولسان المخصرة ، ومنطق الدرّة الجواب الفاصل عن كلّ ما لا يعلمه الإنسان ، وإليه يوعز قول الخليفة : نهينا عن التكلّف ، في الجواب عن أبسط سؤال يعلمه كلّ عربي صميم ألا وهو معنى الأبّ المفسّر في نفس الكتاب المبين بقوله تعالى : (مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ) (٤).

وأنا لا أعلم أنّ السائلين بما ذا استحقّوا الإدماء والإيجاع بمحض السؤال عمّا لا يعلمونه من مشكل القرآن أو ما غاب عنهم من لغته؟ وليس في ذلك شيء ممّا يوجب الإلحاد ، لكنّ القصص جرت على ما ترى.

ثمّ ما ذنب المجيبين بعلم عن السؤال عن الأبّ؟ ولما ذا أقبل عليهم الخليفة بالدرّة؟ وهل تبقى قائمة لأُصول التعليم والتعلّم والحالة هذه؟ ولعلّ الأُمّة قد حرمت ببركة تلك الدرّة عن التقدّم والرقيّ في العلم بعد أن آل أمرها إلى أن هاب مثل ابن

__________________

(١) كنز العمّال : ٢ / ٣٣٤ ح ٤١٧١.

(٢) الدرّ المنثور : ٨ / ٤٣٢ ـ ٤٣٣.

(٣) فتح الباري : ١٣ / ٢٣٠ [١٣ / ٢٧١] ، الدرّ المنثور : ٦ / ٣١٧ [٨ / ٤٢٢]. (المؤلف)

(٤) عبس : ٣٢.

٤١٤

عبّاس أن يسأل الخليفة عن قوله تعالى : (وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ) (١) وقال : مكثت سنتين أُريد أن أسأل عمر بن الخطّاب عن حديث ما منعني منه إلاّ هيبته (٢). وقال : مكثت سنة وأنا أُريد أن أسأل عمر بن الخطّاب رضوان الله عليه عن آية فلا أستطيع أن أسأله هيبةً (٣).

ـ ٩١ ـ

رأي الخليفة في السؤال عمّا لم يقع

أضف إلى اجتهاد الخليفة في مشكلات القرآن رأيه الخاص به في السؤال عمّا لم يقع فإنّه كان ينهى عنه. قال طاووس : قال عمر على المنبر : أُحرِّج بالله على رجل سأل عمّا لم يكن ، فإنّ الله قد بيّن ما هو كائن (٤).

وقال : لا يحلّ لأحد أن يسأل عمّا لم يكن ، إنّ الله تبارك وتعالى قد قضى فيما هو كائن. وقال : أُحرّج عليكم أن لا تسألوا عمّا لم يكن فإنّ لنا فيما كان شغلاً.

وجاء رجل يوماً إلى ابن عمر فسأله عن شيء لا أدري ما هو ، فقال له ابن عمر : لا تسأل عمّا لم يكن فإنّي سمعت عمر بن الخطّاب يلعن من سأل عمّا لم يكن (٥).

فساق اللّعن أعلام الصحابة إلى هذا الحادث ، وعمّت البليّة ، وطفقوا لم يجيبوا عن السؤال عمّا لم يكن ، فهذا ابن عبّاس سأله ميمون عن رجل أدركه رمضانان فقال :

__________________

(١) مجمع الزوائد للحافظ الهيثمي : ٥ / ٨. (المؤلف)

(٢) كتاب العلم لأبي عمر : ص ٥٦ [ص ١٣٥ ح ٦٦٤]. (المؤلف)

(٣) سيرة عمر بن الخطّاب لابن الجوزي : ص ١١٨ [ص ١٢٦]. (المؤلف)

(٤) سنن الدارمي ١ / ٥٠ ، جامع بيان العلم : ٢ / ١٤١ [ص ٣٧٢ ح ١٨٠٧]. (المؤلف)

(٥) سنن الدارمي : ١ / ٥٠ ، كتاب العلم لأبي عمر : ٢ / ١٤٣ [ص ٣٦٩ ح ١٧٩٤] ، وفي مختصره : ص ١٩٠ [ص ٣٢٦ ح ٢٣٢] ، فتح الباري : ١٣ / ٢٢٥ [١٣ / ٢٦٦] ، كنز العمّال : ٢ / ١٧٤ [٣ / ٨٣٩ ح ٨٩٠٦]. (المؤلف)

٤١٥

أكان أو لم يكن؟ قال : لم يكن بعدُ. قال : اترك بليّة حتى تنزل. قال : فدلّسنا له رجلاً فقال : قد كان. فقال : يطعم من الأوّل منهما ثلاثين مسكيناً لكلّ يوم مسكين (١).

وهذا أُبي بن كعب سأله رجل فقال : يا أبا المنذر ما تقول في كذا وكذا؟ قال : يا بنيّ أكان الذي سألتني عنه؟ قال : لا. قال : أمّا لا فأجّلني حتى يكون فنعالج أنفسنا حتى نخبرك (٢).

وقال مسروق : كنت أمشي مع أُبيّ بن كعب فقال فتىً : ما تقول يا عمّاه كذا وكذا؟ قال : يا ابن أخي أكان هذا؟ قال : لا. قال : فاعفنا حتى يكون (٣).

ـ ٩٢ ـ

نهي الخليفة عن الحديث

وأردف الحادثين في مشكل القرآن والسؤال عمّا لم يقع ، بثالث أفظع وهو نهي الخليفة عن الحديث عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو عن إكثاره ، وضربه وحبسه وجوه الصحابة بذلك.

قال قرظة بن كعب : لمّا سيّرنا عمر إلى العراق مشى معنا عمر وقال : أتدرون لِمَ شيّعتكم؟ قالوا : نعم مكرمةً لنا. قال : ومع ذلك إنّكم تأتون أهل قرية لهم دويّ بالقرآن كدويّ النحل فلا تصدّوهم بالأحاديث فتشغلوهم ، جرّدوا القرآن وأقلّوا الرواية عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنا شريككم. فلمّا قدم قرظة بن كعب قالوا : حدّثنا. فقال : نهانا عمر رضى الله عنه (٤).

__________________

(١) سنن الدارمي : ١ / ٥٧. (المؤلف)

(٢) و (٣) سنن الدارمي : ١ / ٥٦. (المؤلف)

(٣) سنن الدارمي : ١ / ٥٦. (المؤلف)

(٤) سنن الدارمي : ١ / ٨٥ ، سنن ابن ماجة : ١ / ١٦ [١ / ١٢ ح ٢٨] ، مستدرك الحاكم : ١ / ١٠٢ [١ / ١٨٣ ح ٣٤٧] ، جامع بيان العلم : ٢ / ١٢٠ [ص ٣٤٧ ح ١٦٩٠] ، تذكرة الحفّاظ : ١ / ٧ [رقم ٢]. (المؤلف)

٤١٦

وفي لفظ أبي عمر : قال قرظة : فما حدّثت بعده حديثاً عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وفي لفظ الطبري (١) : كان عمر يقول : جرّدوا القرآن ولا تفسّروه ، وأقلّوا الرواية عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنا شريككم (٢).

ولمّا بعث أبا موسى إلى العراق قال له : إنّك تأتي قوماً لهم في مساجدهم دويّ بالقرآن كدويّ النحل فدعهم على ما هم عليه ولا تشغلهم بالأحاديث وأنا شريكك في ذلك. ذكره ابن كثير في تاريخه (٣) (٨ / ١٠٧) فقال : هذا معروف عن عمر رضى الله عنه.

وأخرج الطبراني عن إبراهيم بن عبد الرحمن : إنّ عمر حبس ثلاثة : ابن مسعود ، وأبا الدرداء ، وأبا مسعود الأنصاري ، فقال : قد أكثرتم الحديث عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حبسهم بالمدينة حتى استشهد (٤).

وفي لفظ الحاكم في المستدرك (١ / ١١٠) (٥) :

إنّ عمر بن الخطّاب قال لابن مسعود ولأبي الدرداء ولأبي ذر : ما هذا الحديث عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟ وأحسبه حبسهم بالمدينة حتى أُصيب.

وفي لفظ جمال الدين الحنفي : إنّ عمر حبس أبا مسعود وأبا الدرداء وأبا ذر حتى أُصيب ، وقال : ما هذا الحديث عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟ ثمّ قال : وممّا روي عنه أيضاً ؛ أنّ عمر قال لابن مسعود وأبي ذر : ما هذا الحديث؟ قال : أحسبه حبسهم حتى أُصيب. فقال :

__________________

(١) تاريخ الأُمم والملوك : ٤ / ٢٠٤ حوادث سنة ٢٣ ه‍.

(٢) شرح ابن أبي الحديد : ٣ / ١٢٠ [١٢ / ٩٣ الخطبة ٢٢٣]. (المؤلف)

(٣) البداية والنهاية : ٨ / ١١٥ حوادث سنة ٥٩ ه‍.

(٤) تذكرة الحفّاظ : ١ / ٧ [رقم ٢] ، مجمع الزوائد : ١ / ١٤٩ وصحّحه محشّي الكتاب فقال : هذا صحيح عن عمر من وجوه كثيرة ، وكان عمر شديداً في الحديث. (المؤلف)

(٥) المستدرك على الصحيحين : ١ / ١٩٣ ح ٣٧٤.

٤١٧

وكذلك فعل بأبي موسى الأشعري مع عدله عنده. المعتصر (١) (١ / ٤٥٩).

وقال عمر لأبي هريرة : لتتركنّ الحديث عن رسول الله أو لألحقنّك بأرض دوس (٢)

وقال لكعب الأحبار : لتتركنّ الحديث عن الأُول أو لألحقنّك بأرض القردة. تاريخ ابن كثير (٣) (٨ / ١٠٦).

وأخرج الذهبي في التذكرة (١ / ٧) عن أبي سلمة ، قال : قلت لأبي هريرة : أكنت تحدّث في زمان عمر هكذا؟ فقال : لو كنت أُحدّث في زمان عمر مثل ما أُحدّثكم لضربني بمخفقته.

وأخرج أبو عمر عن أبي هريرة : لقد حدّثتكم بأحاديث لو حدّثت بها زمن عمر بن الخطّاب لضربني عمر بالدرّة. جامع بيان العلم (٤) (٢ / ١٢١).

وفي لفظ الزهري : أفكنت محدّثكم بهذه الأحاديث وعمر حيّ أما والله إذاً لأيقنت أنّ المخفقة ستباشر ظهري. وفي لفظ ابن وهب : إنّي لأُحدّث أحاديث لو تكلّمت بها في زمان عمر أو عند عمر لشجّ رأسي. تاريخ ابن كثير (٥) (٨ / ١٠٧).

فمن جرّاء هذا الحادث قال الشعبي : قعدت مع ابن عمر سنتين أو سنة ونصفاً فما سمعته يحدّث عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلاّ حديثاً (٦).

__________________

(١) المعتصر من المختصر : ٢ / ٣٨٠.

(٢) أخرجه ابن عساكر [وفي مختصر تاريخ دمشق : ٢٩ / ١٩٢] كما في كنز العمّال : ٥ / ٢٣٩ [١٠ / ٢٩١ ح ٢٩٤٧٢] ، وأخرجه أبو زرعة كما في تاريخ ابن كثير : ٨ / ١٠٦ [٨ / ١١٥ حوادث سنة ٥٩ ه‍]. (المؤلف)

(٣) البداية والنهاية : ٨ / ١١٥ حوادث سنة ٥٩ ه‍.

(٤) جامع بيان العلم : ص ٣٤٨ ح ١٦٩٤.

(٥) البداية والنهاية : ٨ / ١١٥ حوادث سنة ٥٩ ه‍.

(٦) سنن الدارمي : ١ / ٨٤ ، سنن ابن ماجة : ١ / ١٥ [١ / ١١ ح ٢٦]. (المؤلف)

٤١٨

وقال السائب بن يزيد : صحبت سعد بن مالك من المدينة إلى مكة فما سمعته يحدّث بحديث واحد. سنن ابن ماجة (١) (١ / ١٦).

وقال أبو هريرة : ما كنّا نستطيع أن نقول : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى قبض عمر.

تاريخ ابن كثير (٢) (٨ / ١٠٧).

قال الأميني : هل خفي على الخليفة أنّ ظاهر الكتاب لا يغني الأُمّة عن السنّة ، وهي لا تفارقه حتى يردا على النبيّ الحوض ، وحاجة الأُمّة إلى السنّة لا تقصر عن حاجتها إلى ظاهر الكتاب؟ والكتاب كما قال الأوزاعي ومكحول : أحوج إلى السنّة من السنّة إلى الكتاب. جامع بيان العلم (٣) (٢ / ١٩١).

أو رأى هناك أُناساً لعبوا بها بوضع أحاديث على النبيّ الأقدس ـ وحقّا رأى ـ فهمّ قطع جراثيم التقوّل عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتقصير تلكم الأيدي الأثيمة عن السنّة الشريفة؟ فإن كان هذا أو ذاك فما ذنب مثل أبي ذر المنوّه بصدقه بقول النبيِّ الأعظم : «ما أظلّت الخضراء ، ولا أقلّت الغبراء على رجل أصدق لهجة من أبي ذر» (٤) ، أو مثل عبد الله بن مسعود صاحب سرّ رسول الله ، وأفضل من قرأ القرآن ، وأحلّ حلاله ، وحرّم حرامه ، الفقيه في الدين ، العالم بالسنّة (٥) ، أو مثل أبي الدرداء عويمر كبير الصحابة صاحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٦) فلما ذا حبسهم حتى أُصيب؟ ولما ذا هتك أُولئك

__________________

(١) سنن ابن ماجة : ١ / ١٢ ح ٢٩.

(٢) البداية والنهاية : ٨ / ١١٥ حوادث سنة ٥٩ ه‍.

(٣) جامع بيان العلم : ص ٤٢٩ ح ٢٠٧١ و ٢٠٧٣.

(٤) مستدرك الحاكم : ٣ / ٣٤٢ ، ٣٤٤ [٣ / ٣٨٥ ح ٥٤٦٠ ، ص ٣٨٧ ح ٥٤٦٧] ، ويأتي تفصيل هذا الحديث ومصادره. (المؤلف)

(٥) مستدرك الحاكم : ٣ / ٣١٢ ، ٣١٥ [٣ / ٣٥٣ ح ٥٣٦٢ ، ص ٣٥٧ ح ٥٣٨٠]. (المؤلف)

(٦) مستدرك الحاكم : ٣ / ٣٣٧ [٣ / ٣٨١ ح ٥٤٥٠]. (المؤلف)

٤١٩

العظماء في الملأ الديني وصغّرهم في أعين الناس؟ وهل كان أبو هريرة وأبو موسى الأشعري من أُولئك الوضّاعين حتى استحقّا بذلك التعزير والنهر والحبس والوعيد؟ أنا لا أدري.

نعم ؛ هذه الآراء كلّها أحداث السياسة الوقتيّة سدّت على الأُمّة أبواب العلم ، وأوقعتها في هوّة الجهل ومعترك الأهواء وإن لم يقصدها الخليفة ، لكنّه تترّس بها يوم ذاك ، وكافح عن نفسه قحم المعضلات ، ونجا بها عن عويصات المسائل.

وبعد نهي الأُمّة المسلمة عن علم القرآن ، وإبعادها عمّا في كتابها من المعاني الفخمة والدروس العالية من ناحية العلم والأدب والدين والاجتماع والسياسة والأخلاق والتاريخ ، وسدّ باب التعلّم والأخذ بالأحكام والطقوس ما لم يتحقّق ويقع موضوعها ، والتجافي عن التهيّؤ للعمل بدين الله قبل وقوع الواقعة ، ومنعها عن معالم السنّة الشريفة والحجز عن نشرها في الملأ ، فبأيّ علم ناجع ، وبأيّ حُكم وحِكَم تترفّع وتتقدّم الأُمّة المسكينة على الأُمم؟ وبأيّ كتاب وبأيّة سنّة تتأتّى لها سيادة العالم التي أسّسها لها صاحب الرسالة الخاتمة؟ فسيرة الخليفة هذه ضربة قاضية على الإسلام وعلى أُمّته وتعاليمها وشرفها وتقدّمها وتعاليها علم بها هو أو لم يعلم ، ومن ولائد تلك السيرة الممقوتة حديث كتابة السنن ، ألا وهو :

ـ ٩٣ ـ

حديث كتابة السنن

عن عروة : أنّ عمر بن الخطّاب أراد أن يكتب السنن ، فاستفتى أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ذلك ، فأشاروا عليه أن يكتبها ، فطفق عمر يستخير الله فيها شهراً ، ثمّ أصبح يوماً وقد عزم الله له فقال : إنّي كنت أُريد أن أكتب السنن ، وإنّي ذكرت قوماً كانوا قبلكم كتبوا كتباً فأكبّوا عليها وتركوا كتاب الله ، وإنّي والله لا أشوب

٤٢٠