الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٦

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي

الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٦

المؤلف:

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي


المحقق: مركز الغدير للدّراسات الإسلاميّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
المطبعة: فروردين
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٤

ابن الحدثان على ابن عبّاس بعد ما ذهب بصره فتذاكرنا فرائض الميراث ، فقال : ترون الذي أحصى رمل عالج عدداً لم يُحصِ في مال نصفاً ونصفاً وثلثاً إذا ذهب نصف ونصف فأين موضع الثلث؟ فقال له زفر : يا ابن عبّاس من أوّل من أعالَ الفرائض؟ قال : عمر بن الخطّاب رضى الله عنه. قال : ولِمَ؟ قال : لمّا تدافعت عليه وركب بعضها بعضاً ، قال : والله ما أدري كيف أصنع بكم؟ والله ما أدري أيّكم قدّم الله ولا أيّكم أخّر. قال : وما أجد في هذا المال شيئاً أحسن من أن أُقسمه عليكم بالحصص. ثمّ قال ابن عبّاس : وايم الله لو قدّم من قدّم الله ، وأخّر من أخّر الله ما عالت فريضة. فقال له زفر : وأيّهم قدّم وأيّهم أخّر؟ فقال : كلّ فريضة لا تزول إلاّ إلى فريضة فتلك التي قدّم الله ، وتلك فريضة الزوج له النصف ، فإن زال فإلى الربع لا ينقص منه ، والمرأة لها الربع ، فإن زالت عنه صارت إلى الثمن لا تنقص منه ، والأخوات لهنّ الثلثان والواحدة لها النصف ، فإن دخل عليهنّ البنات كان لهنّ ما بقي فهؤلاء الذين أخّر الله ، فلو أعطى من قدّم الله فريضته كاملة ثمّ قسّم ما يبقى بين من أخّر الله بالحصص ما عالت فريضة. فقال له زفر : فما منعك أن تشير بهذا الرأي على عمر؟ فقال : هبته والله (١).

وفي أوائل السيوطي وتاريخه (٢) (ص ٩٣) ، ومحاضرة السكتواري (ص ١٥٢) : إنّ عمر أوّل من قال بالعول في الفرائض.

قال الأميني : ما عساني أن أقول بعد قول الخليفة : والله ما أدري كيف أصنع بكم ، والله ما أدري أيّكم قدّم الله ولا أيّكم أخّر؟ أو بعد قول ابن عبّاس : وايم الله لو قدّم من قدّم الله وأخّر من أخّر الله ما عالت فريضة.

كيف لم يتزحزح الرجل عن القضاء في الفرائض والحال هذه ويحكم بالرأي؟

__________________

(١) أحكام القرآن للجصّاص : ٢ / ١٠٩ [٢ / ٩٠] ، مستدرك الحاكم : ٤ / ٣٤٠ [٤ / ٣٧٨ ح ٧٩٨٥] وصحّحه ، والسنن الكبرى : ٦ / ٢٥٣ ، كنز العمّال : ٦ / ٧ [١١ / ٢٧ ح ٣٠٤٨٩]. (المؤلف)

(٢) تاريخ الخلفاء : ص ١٢٨.

٣٨١

وهو القائل في خطبة له : ألا إنّ أصحاب الرأي أعداء السنن أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها فأفتوا برأيهم فضلّوا وأضلّوا ، ألا وإنّا نقتدي ولا نبتدي ، ونتّبع ولا نبتدع ، ما نضلّ ما تمسّكنا بالأثر (١).

أهكذا الاقتداء والاتّباع؟ أم هذه هي الابتداء والابتداع؟!

وكيف يسوغ لمثل الخليفة أن يجهل الفرائض وهو القائل : ليس جهل أبغض إلى الله ولا أعمّ ضرّا من جهل إمام وخرقه (٢)؟!

وكيف يشغل منصّة القضاء قبل أن يتفقّه في دين الله وهو القائل : تفقّهوا قبل أن تسودوا (٣)؟!

ـ ٨٥ ـ

اجتهاد عمر في تشطير أموال عمّاله

وهو أوّل من قاسم العمّال وشاطرهم أموالهم (٤) :

١ ـ عن أبي هريرة ، قال : استعملني عمر بن الخطّاب رضى الله عنه على البحرين فاجتمعت لي اثنا عشر ألفاً ، فلمّا عزلني وقدمت على عمر قال لي : يا عدوّ الله وعدوّ المسلمين ـ أو قال : وعدوّ كتابه ـ سرقت مال الله؟ قال : قلت : لست بعدوّ لله ولا للمسلمين ـ أو قال : لكتابه ـ ولكنّي عدوّ من عاداهما ، ولكنّ خيلاً تناتجت وسهاماً اجتمعت. قال : فأخذ منّي اثني عشر ألفاً ، فلمّا صلّيت الغداة قلت : اللهمّ اغفر لعمر. حتى إذا كان بعد ذلك. قال : ألا تعمل يا أبا هريرة؟ قلت : لا. قال : ولِمَ؟ قد عمل من هو خير منك يوسف ، قال : اجعلني على خزائن الأرض. فقلت : يوسف نبيّ ابن نبي

__________________

(١) سيرة عمر لابن الجوزي : ص ١٠٧ [ص ١١٦]. (المؤلف)

(٢) سيرة عمر لابن الجوزي : ص ١٠٠ ، ١٠٢ ، ١٦١ [ص ١٠٨ ، ١١١ ، ١٦٦]. (المؤلف)

(٣) صحيح البخاري ـ باب الاغتباط في العلم : ١ / ٣٨ [١ / ٣٩ باب ١٥]. (المؤلف)

(٤) شرح ابن أبي الحديد : ٣ / ١١٣ [١٢ / ٧٥ الخطبة ٢٢٣]. (المؤلف)

٣٨٢

وأنا أبو هريرة ابن أُميمة وأخاف منكم ثلاثاً واثنتين. قال : فهلاّ قلت خمساً؟ قلت : أخشى أن تضربوا ظهري ، وتشتموا عرضي ، وتأخذوا مالي ، وأكره أن أقول بغير حلم ، وأحكم بغير علم.

دعا عمر أبا هريرة فقال له : علمت أنّي استعملتك على البحرين وأنت بلا نعلين ، ثمّ بلغني أنّك ابتعت أفراساً بألف دينار وستمائة دينار. قال : كانت لنا أفراس تناتجت وعطايا تلاحقت. قال : قد حسبت لك رزقك ومئونتك وهذا فضل فأدّه. قال : ليس لك. قال : بلى والله أوجع ظهرك. ثمّ قام إليه بالدرّة فضربه حتى أدماه ، ثمّ قال : ائت بها. قال : احتسبتها عند الله. قال : ذلك لو أخذتها من حلال وأدّيتها طائعاً ، أجئت من أقصى حجر البحرين يجبي الناس لك لا لله ولا للمسلمين؟ ما رجعت بك أُميمة إلاّ لرعية الحمر ـ وأُميمة أُمّ أبي هريرة.

٢ ـ كان سعد بن أبي وقّاص يقال له : المستجاب ، لقول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اتّقوا دعوة سعد ، فلمّا شاطره عمر ، قال له سعد : لقد هممت. قال له عمر : بأن تدعو عليّ؟ قال : نعم. قال : إذاً لا تجدني بدعاء ربّي شقيّا.

وأخرج البلاذري في فتوح البلدان (١) (ص ٢٨٦) عن ابن إسحاق ، قال : اتّخذ سعد بن أبي وقّاص باباً مبوّباً من خشب وخصّ على قصره خصّا من قصب ، فبعث عمر بن الخطّاب محمد بن مسلمة الأنصاري حتى أحرق الباب والخصّ ، وأقام سعداً في مساجد الكوفة فلم يقل فيه إلاّ خيراً.

وقال السيوطي (٢) : أمر عمر عمّاله فكتبوا أموالهم منهم سعد بن أبي وقّاص فأخذ نصف مالهم.

٣ ـ لمّا عزل عمر أبا موسى الأشعري عن البصرة شاطره ماله.

__________________

(١) فتوح البلدان : ص ٢٧٧.

(٢) تاريخ الخلفاء : ص ١٣٢.

٣٨٣

٤ ـ كتب عمر بن الخطّاب إلى عمرو بن العاص وكان عامله على مصر : من عبد الله عمر بن الخطّاب إلى عمرو بن العاص : سلام عليك فإنّه بلغني أنّه فشت لك فاشية من خيل وإبل وغنم وبقر وعبيد ، وعهدي بك قبل ذلك أن لا مال لك ، فاكتب إليَّ من أين أصل هذا المال؟ ولا تكتمه.

فكتب إليه عمرو بن العاص : إلى عبد الله أمير المؤمنين ، سلام عليك ، فإنّي أحمد إليك الله الذي لا إله إلاّ هو ، أمّا بعد : فإنّه أتاني كتاب أمير المؤمنين يذكر فيه ما فشا لي وأنّه يعرفني قبل ذلك لا مال لي ، وإنّي أُعلم أمير المؤمنين أنّي في أرضٍ السعر فيه رخيص ، وأنّي أُعالج من الحرفة والزراعة ما يعالج أهله ، وفي رزق أمير المؤمنين سعة ، والله لو رأيت خيانتك حلالاً ما خنتك ، فأقصر أيّها الرجل فإنّ لنا أحساباً هي خير من العمل لك إن رجعنا إليها عشنا بها ، ولعمري إنّ عندك من تذمّ معيشته ولا تذمّ له ، فأنّى كان ذلك ولم يفتح قفلك ولم نشركك في عملك.

فكتب إليه عمر : أمّا بعد : فإنّي والله ما أنا من أساطيرك التي تسطّر ، ونسقك الكلام في غير مرجع ، لا يغني عنك أن تزكّي نفسك ، وقد بعثت إليك محمد بن سلمة (١) فشاطره مالك ، فإنّكم أيّها الرهط الأُمراء جلستم على عيون المال ، لم يزعكم عذر تجمعون لأبنائكم ، وتمهّدون لأنفسكم ، أما إنّكم تجمعون العار ، وتورثون النار ، والسلام.

فلمّا قدم عليه محمد بن سلمة صنع له عمرو طعاماً كثيراً فأبى محمد بن سلمة أن يأكل منه شيئاً ، فقال له عمرو : أتحرّمون طعامنا؟ فقال : لو قدّمت إليّ طعام الضيف أكلته ولكنك قدّمت إليَّ طعاماً هو تقدمة شرٍّ ، والله لا أشرب عندك ماء ، فاكتب لي كلّ شيء هو لك ولا تكفه ، فشاطره ماله بأجمعه حتى بقيت نعلاه فأخذ إحداهما وترك الأُخرى ، فغضب عمرو بن العاص فقال : يا محمد بن سلمة قبّح الله زماناً عمرو بن العاصي لعمر بن الخطّاب فيه عامل ، والله إنّي لأعرف الخطّاب يحمل

__________________

(١) هو محمد بن مسلمة ، وسلمة اسم جدّه ، كما في الاستيعاب وسير أعلام النبلاء.

٣٨٤

فوق رأسه حزمة من الحطب ، وعلى ابنه مثلها ، وما منهما إلاّ في نمرة لا تبلغ رسغيه ، والله ما كان العاصي بن وائل يرضى أن يلبس الديباج مزرّراً بالذهب. قال له محمد : أُسكت والله عمر خير منك ، وأمّا أبوك وأبوه ففي النار ، والله لو لا الزمان الذي سبقته فيه لا ألفيت معقل شاة يسرّك غزرها ويسرّك بكرها (١). فقال عمرو : هي عندك بأمانة الله ، فلم يخبر بها عمر.

٥ ـ زار أبو سفيان معاوية ، فلمّا رجع من عنده دخل على عمر ، فقال : أجزنا أبا سفيان قال : ما أصبنا شيئاً فنجيزك به. فأخذ عمر خاتمه فبعث به إلى هند وقال للرسول : قل لها يقول لك أبو سفيان انظري الخرجين اللذين جئت بهما فأحضريهما ، فما لبث عمر أن أُتي بخرجين فيهما عشرة آلاف درهم فطرحهما عمر في بيت المال ، فلمّا ولي عثمان ردّهما عليه ، فقال أبو سفيان : ما كنت لآخذ مالاً عابه عليّ عمر.

٦ ـ لمّا ولّى عمر بن الخطّاب عتبة بن أبي سفيان الطائف وصدقاتها ثمّ عزله ، تلقّاه في بعض الطريق فوجد معه ثلاثين ألفاً فقال : أنّى لك هذا؟ قال : والله ما هو لك ولا للمسلمين ولكنّه مال خرجت به لضيعة أشتريها. فقال عمر : عاملنا وجدنا معه مالاً ما سبيله إلاّ بيت المال ، ورفعه ، فلمّا ولي عثمان قال لأبي سفيان : هل لك في هذا المال؟ فإنّي لم أرَ لأخذ ابن الخطّاب فيه وجهاً ، قال : والله إنّ بنا إليه حاجة ، ولكن لا تردّ فعل من قبلك فيردّ عليك من بعدك.

٧ ـ مرّ عمر يوماً ببنّاء يبني بحجارة وجصّ ، فقال : لمن هذا؟ فقالوا : لعامل من عمّالك بالبحرين ، فقاسمه ماله وكان يقول : لي على كلّ خائن أمينان : الماء والطين.

٨ ـ أرسل عمر إلى أبي عبيدة : إن أكذب خالد نفسه فهو أمير على ما كان عليه ، وإن لم يكذب نفسه فهو معزول ، فانتزع عمامته وقاسمه نصفين. فلم يكذب

__________________

(١) في الطبعة المعتمدة لدينا من العقد الفريد : ويسوؤك بكؤها (أي قلّة إدرارها).

٣٨٥

نفسه فقاسمه أبو عبيدة ماله حتى أخذ إحدى نعليه وترك له الأخرى ، وخالد يقول : سمعاً وطاعة لأمير المؤمنين.

بلغ عمر أنّ خالداً أعطى الأشعث بن قيس عشرة آلاف وقد قصده ابتغاء إحسانه ، فأرسل لأبي عبيدة أن يصعد المنبر ويوقف خالداً بين يديه وينزع عمامته وقلنسوته ويقيّده بعمامته ، لأنّ العشرة آلاف إن كان دفعها من ماله فهو سرف ، وإن كان من مال المسلمين فهي خيانة ، فلمّا قدم خالد رضى الله عنه على عمر رضى الله عنه قال له : من أين هذا اليسار الذي تجيز منه بعشرة آلاف؟ فقال : من الأنفال والسُّهمان. قال : ما زاد على التسعين ألفاً فهو لك ، ثمّ قوّم أمواله وعروضه وأخذ منه عشرين ألفاً ، ثمّ قال له : والله إنّك عليّ لكريم ، وإنّك لحبيب ولم تعمل لي بعد اليوم على شيء. وكتب رضى الله عنه إلى الأمصار : إنّي لم أعزل خالداً عن مبخلة (١) ولا خيانة ، ولكنّ الناس فُتِنوا به فأحببت أن يعلموا أنّ الله هو الصانع.

قال الحلبي في السيرة (٢) (٣ / ٢٢٠) : وأصل العداوة بين خالد وسيّدنا عمر رضى الله عنهما على ما حكاه الشعبي : أنّهما وهما غلامان تصارعا ، وكان خالد ابن خال عمر فكسر ساق عمر فعولجت وجبرت ، ولمّا ولي سيّدنا عمر رضي الله تعالى عنه الخلافة أوّل شيء بدأ به عزل خالد ، وقال : لا يلي لي عملاً أبداً ، ومن ثمّ أرسل إلى أبي عبيدة : إن أكذب خالد ... إلخ. وذكره ابن كثير في تاريخه (٧ / ١١٥) (٣).

وأخرج الطبري في تاريخه (٤) عن سليمان بن يسار ، قال : كان عمر كلّما مرّ بخالد قال : يا خالد أخرج مال الله من تحت استك. فيقول : والله ما عندي من مال ،

__________________

(١) في تاريخ الطبري [٤ / ٦٨ حوادث سنة ١٧ ه‍] : عن سخطة. (المؤلف)

(٢) السيرة الحلبية : ٣ / ١٩٨.

(٣) البداية والنهاية : ٧ / ١٣١ حوادث سنة ٢١ ه‍.

(٤) تاريخ الأُمم والملوك : ٣ / ٤٣٧ حوادث سنة ١٣ ه‍.

٣٨٦

فلمّا أكثر عليه عمر قال له خالد : يا أمير المؤمنين ما قيمة ما أصبت في سلطانكم : أربعين ألف درهم؟ فقال عمر : قد أخذت ذلك منك بأربعين ألف درهم. قال : هو لك ، قال : قد أخذته ، ولم يكن لخالد مال إلاّ عدّة ورقيق ، فحسب ذلك فبلغت قيمته ثمانين ألف درهم فناصفه عمر ذلك ، فأعطاه أربعين ألف وأخذ المال ، فقيل له : يا أمير المؤمنين لو رددت على خالد ماله؟ فقال : إنّما أنا تاجر للمسلمين والله لا أردّه عليه أبداً. فكان عمر يرى أنّه قد اشتفى من خالد حين صنع به ذلك.

وفي تاريخ ابن كثير (١) (٧ / ١١٧) : إنّ عمر قال لعليّ بعد موت خالد : ندمت على ما كان منّي. وقال عمر : رحم الله أبا سليمان لقد كنّا نظنّ به أُموراً ما كانت.

وذكر ابن كثير في تاريخه (٢) (٧ / ١١٥) ، عن محمد بن سيرين ، قال : دخل خالد على عمر وعليه قميص حرير ، فقال عمر : ما هذا يا خالد؟ فقال : وما بأس يا أمير المؤمنين؟ أليس قد لبسه عبد الرحمن بن عوف؟ فقال : وأنت مثل ابن عوف؟ ولك مثل ما لابن عوف؟ عزمت على من بالبيت إلاّ أخذ كلّ واحد منهم بطائفة ممّا يليه. قال : فمزّقوه حتى لم يبق منه شيء.

وذكر البلاذري جمعاً من عمّال شاطرهم عمر بن الخطّاب أموالهم حتى أخذ نعلاً وترك نعلاً ، وهم :

٩ ـ أبو بكرة نفيع بن الحرث بن كلدة الثقفي.

١٠ ـ نافع بن الحرث بن كلدة الثقفي ، أخو أبي بكرة.

١١ ـ الحجّاج بن عتيك الثقفي ، وكان على الفرات.

__________________

(١) البداية والنهاية : ٧ / ١٣٢ حوادث سنة ٢١ ه‍.

(٢) البداية والنهاية : ٧ / ١٣١ حوادث سنة ٢١ ه‍.

٣٨٧

١٢ ـ جزء بن معاوية ، عمّ الأحنف ، كان على سُرَّق (١).

١٣ ـ بشر بن المحتفز ، كان على جندي سابور.

١٤ ـ ابن غلاب خالد بن الحرث ، من بني دهمان ، كان على بيت المال بأصبهان.

١٥ ـ عاصم بن قيس بن الصلت السلمي ، كان على مناذر.

١٦ ـ سمرة بن جندب ، كان على سوق الأهواز.

١٧ ـ النعمان بن عدي بن نضلة الكعبي ، كان على كور دجلة.

١٨ ـ مجاشع بن مسعود السلمي صهر بني غزوان ، كان على أرض البصرة وصدقاتها.

١٩ ـ شبل بن معبد البجلي ثمّ الأحمسي ، كان على قبض المغانم.

٢٠ ـ أبو مريم بن محرش الحنفي ، كان على رام هرمز.

وهؤلاء ذكرهم أبو المختار يزيد بن قيس بن يزيد في شعر قدّمه إلى عمر بن الخطّاب قال :

أبلغ أميرَ المؤمنينَ رسالةً

فأنت أمينُ اللهِ في النهيِ والأمرِ

وأنت أمينُ اللهِ فينا ومن يكن

أميناً لربّ العرشِ يسلمْ له صدري

فلا تَدَعَنْ أهلَ الرساتيقِ والقرى

يسيغون مالَ اللهِ في الأدم والوفرِ

فأرسل إلى الحجّاج فاعرف حسابَه

وأرسل إلى جزءٍ وأرسلْ إلى بشرِ

ولا تنسينّ النافعينِ كليهما

ولا ابنَ غلابٍ من سراةِ بني نصرِ

__________________

(١) سُرّق : إحدى كور الأهواز. معجم البلدان : ٣ / ٢١٤.

٣٨٨

وما عاصمٌ منها بصفرٍ عيابُه

وذاك الذي في السوقِ مولى بني بدرِ

وأرسل إلى النعمانِ واعرف حسابَهُ

وصهرِ بني غزوانَ إنّي لذو خبرِ

وشبلاً فسله المالَ وابنَ محرّشٍ

فقد كان في أهل الرساتيق ذا ذكرِ

فقاسمهمُ أهلي فداؤك إنّهم

سيرضون إن قاسمتهم منك بالشطرِ

ولا تدعوني للشهادة إنّني

أغيب ولكنّي أرى عجب الدهرِ

نئوب إذا آبوا ونغزو إذا غزوا

فأنّى لهم وفر ولسنا أولي وفرِ

إذا التاجر الداري جاء بفارةٍ

من المسك راحت في مفارقِهم تجري

فقاسم عمر هؤلاء القوم فأخذ شطر أموالهم نعلاً بنعل ، وكان فيهم أبو بكرة فقال : إنّي لم ألِ لك شيئاً. فقال : أخوك على بيت المال وعشور الأُبلّة فهو يعطيك المال تتّجر به ، فأخذ منه عشرة آلاف ويقال : قاسمه فأخذ شطر ماله.

٢١ ـ وصادر الحرث بن وهب أحد بني ليث بكر بن كنانة وقال له : ما قلاص وأعبد بعتها بمائة دينار؟ قال : خرجت بنفقة لي فاتّجرت فيها. قال : وإنّا والله ما بعثناك للتجارة ، أدّها. قال : أما والله لا أعمل لك بعدها. قال : أنا والله لا أستعملك بعدها.

راجع (١) فتوح البلدان للبلاذري (ص ٩٠ ، ٢٢٦ ، ٣٩٢) ، تاريخ الطبري (٤ / ٥٦ ، ٢٠٥) ، العقد الفريد (١ / ١٨ ـ ٢١) ، معجم البلدان (٢ / ٧٥) ، صبح الأعشى (٦ / ٣٨٦ ،

__________________

(١) فتوح البلدان : ص ٩٣ و ٢٢١ و ٣٧٧ ، تاريخ الأُمم والملوك : ٣ / ٤٣٦ ـ ٤٣٧ حوادث سنة ١٣ ه‍ و ٤ / ٦٧ ـ ٦٨ حوادث سنة ١٧ ه‍ ، العقد الفريد : ١ / ٣٩ ، صبح الأعشى : ٦ / ٣٧٣ و ٤٦٨ ، شرح نهج البلاغة : ١ / ١٧٤ خطبة ٣ و ١٢ / ٤٢ الخطبة ٢٢٣ ، تاريخ عمر بن الخطّاب : ص ٥٨ ، البداية والنهاية : ٧ / ٢٣ حوادث سنة ١٣ ه‍ ، ص ٩٣ حوادث سنة ١٧ ه‍ ، ص ١٣٠ حوادث سنة ٢١ ه‍ و ٨ / ١٢١ حوادث سنة ٥٩ ه‍ ، السيرة الحلبية : ٣ / ١٩٩ ، تاريخ الخلفاء : ص ١٣٢ ، الفتوحات الإسلامية : ٢ / ٣١٤.

٣٨٩

٤٧٧) ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد (١ / ٥٨ و ٣ / ١٠٤) ، سيرة عمر لابن الجوزي (ص ٤٤) ، تاريخ ابن كثير (٧ / ١٨ ، ١١٥ و ٨ / ١١٣) ، السيرة الحلبية (٣ / ٢٢٠) ، الإصابة (٣ / ٣٨٤ ، ٦٧٦) ، تاريخ الخلفاء للسيوطي (ص ٩٦) ، الفتوحات الإسلامية (٢ / ٤٨٠).

قال الأميني : أنا لا أدري إن قامت البيّنة عند الخليفة على أنّ تلك الأموال مختلسة من بيت مال المسلمين ، فَلِمَ لم يُصادرها كلّها؟ وإن كان يحسب أنّ هناك أموالاً مملوكة لهم فهل من المعقول أن يقدّر ذلك في الجميع بنصف ما بأيديهم حتى النعل والنعل؟ وقد عُدّ ذلك سيرةً له ، قال سعيد بن عبد العزيز : كان عمر يقاسم عمّاله نصف ما أصابوا (١).

وإن لم تقم البيّنة على ذلك فكيف رفع أيدي القوم عمّا كان في حيازتهم ورفض دعاويهم بأنّها من ربح تجارة ، أو نتاج خيل ، أو منافع زرع ، أو ثمن ضيعة؟ ولِمَ لم يحاكمهم في الأمر بإحضار الشهود والتدقيق في القضيّة ، وغرم قبل ذلك بمجرّد الظنّة والتهمة؟ ويد المسلم من أمارات الملك ، ودعواه له بلا معارض مسموع منه ، وإلاّ لما قام للمسلمين سوق.

على أنّ ظاهر حال هؤلاء الصحابة المغرمين بمقتضى فقه الخليفة أنّهم لصوص بأقبح التلصّص ، لأنّ السارق في الغالب لا يسرق إلاّ من واحد أو اثنين أو أكثر يُعدّون بالأنامل لكن هؤلاء بحكم تلك المشاطرة سرّاق من مال المسلمين جميعاً ، وكان قد ائتمنهم قبل ذلك وبعده على نفوس المسلمين وأعراضهم وأموالهم وأحكامهم ، باستعمالهم على البلاد والعباد ، غير أنّه كان فيهم من تنصّل عن العمل بعد التغريم ، أصحيح أنّهم كانوا هكذا؟ أنا لا أدري. أصحيح أنّهم كلّهم عدول؟ أيضاً لا أدري.

__________________

(١) الإصابة : ٢ / ٤١٠ [رقم ٥١٥٧]. (المؤلف)

٣٩٠

ـ ٨٦ ـ

الخليفة في شراء الإبل

عن أنس بن مالك ، قال : إنّ أعرابيّا جاء بإبل له يبيعها ، فأتاه عمر يساومه بها ، فجعل عمر ينخس بعيراً بعيراً يضربه برجله ليبعث البعير لينظر كيف قواده ، فجعل الأعرابي يقول : خلِّ إبلي لا أبا لك. فجعل عمر لا ينهاه قول الأعرابي أن يفعل ذلك ببعير بعير ، فقال الأعرابي لعمر : إنّي لأظنّك رجل سوء. فلمّا فرغ منها اشتراها فقال : سقها وخذ أثمانها. فقال الأعرابي : حتى أضع عنها أحلاسها وأقتابها. فقال عمر : اشتريتها وهي عليها فهي لي كما اشتريتها ، فقال الأعرابي : أشهد أنّك رجل سوء ، فبينما هما يتنازعان إذ أقبل عليّ ، فقال عمر : ترضى بهذا الرجل بيني وبينك؟ قال الأعرابي : نعم.

فقصّا على عليّ قصّتهما ، فقال عليّ : «يا أمير المؤمنين إن كنت اشترطت عليه أحلاسها وأقتابها فهي لك كما اشترطت ، وإلاّ فإنّ الرجل يزين سلعته بأكثر من ثمنها». فوضع عنها أحلاسها وأقتابها. فساقها الأعرابيّ فدفع إليه عمر الثمن.

كنز العمّال (١) (٢ / ٢٢١) ، منتخب الكنز (٢) ـ هامش مسند أحمد ـ (٢ / ٢٣١).

جزى الله أمير المؤمنين عليّا عليه‌السلام عن الأعرابي خيراً يوم حفظ له الأحلاس والأقتاب عن أن تؤخذ منه بغير ثمن ، وأمّا حلّ مشكلة عمل الخليفة وفقهه في المقام فنكله إلى نظرة التنقيب للباحث الحرّ.

__________________

(١) كنز العمّال : ٤ / ١٤٢ ح ٩٩١٠.

(٢) منتخب كنز العمّال : ٢ / ٢٢١.

٣٩١

ـ ٨٧ ـ

رأي الخليفة في بيت المقدس

عن سعيد بن المسيّب ، قال : استأذن رجل عمر بن الخطّاب في إتيان بيت المقدس فقال له : اذهب فتجهّز فإذا تجهّزت فأعلمني. فلمّا تجهّز جاءه فقال له عمر : اجعلها عمرة. قال : ومرّ به رجلان وهو يعرض إبل الصدقة فقال لهما : من أين جئتما؟ قالا : من بيت المقدس ، فعلاهما بالدرّة وقال : أحجّ كحجّ البيت؟ قالا : إنّا كنّا مجتازين (١).

قال الأميني : إنّ بيت المقدس أحد المساجد الثلاثة التي تشدّ إليها الرحال وتُقصد بالزيارة والصلاة فيها ، لكن الخليفة عزبت عنه تلكم المأثورات النبويّة فلم يسمعها منه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو لم يعِها أو نسيها ، فمنع الرجل المتأهِّب لزيارته عنها ، وعلا بالدرّة من حسب أنّه زاره فتترّسا عنها بإبداء أنّهما مرّا به مجتازين ، وإليك نصوص أحاديث الباب فاقرأها وأعجب.

١ ـ عن أبي هريرة ، عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا تشدّ الرحال إلاّ إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ، ومسجدي هذا ، والمسجد الأقصى».

أخرجه (٢) أحمد في مسنده (٢ / ٢٣٨ ، ٢٧٨) ، والبخاري في صحيحه كما في السنن الكبرى (٥ / ٢٤٤) ، ومسلم في صحيحه (١ / ٣٩٢) ، والدارمي في سننه (١ / ٣٣٠) ،

__________________

(١) أخرجه الأزرقي [في أخبار مكة : ٢ / ٦٣] كما في كنز العمّال : ٧ / ١٥٧ [١٤ / ١٤٦ ح ٣٨١٩٤]. (المؤلف)

(٢) مسند أحمد : ٢ / ٤٧٣ ح ٧٢٠٨ و ٥٤٢ ح ٧٦٧٨ ، صحيح البخاري : ١ / ٣٩٨ ح ١١٣٢ ، صحيح مسلم : ٣ / ١٨٣ ح ٥١١ ، ٥١٣ كتاب الحجّ ، سنن أبي داود : ٢ / ٢١٦ ح ٢٠٣٣ ، سنن ابن ماجة : ١ / ٤٥٢ ح ١٤٠٩ ، السنن الكبرى : ١ / ٢٥٨ ح ٧٧٩ ، مصابيح السنّة : ١ / ٢٨٠ ح ٤٨١ ، البحر الزخّار (مسند البزّار) : ١ / ٢٩١ ح ١٨٧ ، المعجم الكبير : ٢ / ٢٧٦ ح ٢١٥٨ و ٢١٥٩ ، المعجم الأوسط : ١ / ٤٧١ ح ٨٥٧.

٣٩٢

وأبو داود في سننه (١ / ٣١٨) ، وابن ماجة في سننه (١ / ٤٣٠) ، والنسائي في سننه (٢ / ٣٧) ، والبيهقي في سننه (٥ / ٢٤٤) ، والبغوي في مصابيحه (١ / ٤٧) ، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (٤ / ٣) : رواه أحمد والبزّار والطبراني في الكبير والأوسط ورجال أحمد ثقات أثبات.

لفظ آخر لأبي هريرة :

«إنّما يسافر إلى ثلاثة مساجد : مسجد الكعبة ، ومسجدي ، ومسجد إيليا».

أخرجه مسلم في صحيحه (١) (١ / ٣٩٢) ، والبيهقي في سننه (٥ / ٢٤٤).

قال الأميني : إيلياء اسم مدينة بيت المقدس ، قيل : معناه بيت الله. قال أبو علي : وسمّي بيت المقدس إيلياء بقول الفرزدق :

وبيتان بيت الله نحن ولاته

وقصر بأعلى إيلياء مشرَّفُ (٢)

٢ ـ عن عليّ أمير المؤمنين ، بلفظ أبي هريرة الأوّل.

أخرجه الطبراني (٣) كما في مجمع الزوائد (٤ / ٣).

٣ ـ عن عبد الله بن عمر ، بلفظ أبي هريرة الأوّل.

أخرجه البزّار (٤) ، وقال الهيثمي في المجمع (٤ / ٤) : رجاله رجال الصحيح. وفي لفظ آخر له : «لا تُشدّ الرحال إلاّ إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ، ومسجد المدينة ، ومسجد بيت المقدس».

__________________

(١) صحيح مسلم : ٣ / ١٨٣ ح ٥١٣ كتاب الحجّ.

(٢) معجم البلدان : ١ / ٢٩٣.

(٣) المعجم الصغير : ١ / ١٧٣.

(٤) البحر الزخّار (مسند البزّار) : ١ / ٢٩١ ح ١٨٧.

٣٩٣

أخرجه الطبراني (١) في الكبير والأوسط. وقال الهيثمي في المجمع : رجاله ثقات.

٤ ـ عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، مرفوعاً : «إنّ سليمان بن داود صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمّا بنى بيت المقدس سأل الله عزّ وجلّ خلالاً ثلاثة : سأل الله عزّ وجلّ حكماً يصادف حكمه ، فأُوتِيَه ، وسأل الله عزّ وجلّ ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده ، فأُوتِيَه ، وسأل الله عزّ وجلّ حين فرغ من بناء المسجد أن لا يأتيه أحد لا ينهزه إلاّ الصلاة فيه أن يخرجه من خطيئته كيوم ولدته أُمّه».

أخرجه (٢) ابن ماجة في سننه (١ / ٤٣٠) ، والنسائي في سننه (٢ / ٣٤).

٥ ـ عن أبي سعيد الخدري ، مرفوعاً : «لا ينبغي للمطي أن تُشدَّ رحاله إلى مسجد يبتغى فيه الصلاة غير المسجد الحرام ، والمسجد الأقصى ، ومسجدي هذا».

أخرجه (٣) أحمد في مسنده (٣ / ٦٤) ، وبلفظ أبي هريرة الأوّل في (٣ / ٧ ، ٣٤ ، ٥١ ، ٧٧ ، ٧٨ ، ٩٣) ، وفي صحيفة (٤٥) بدل المسجد الأقصى : مسجد بيت المقدس ، وبلفظ أبي هريرة أخرجه عن أبي سعيد البخاري في صحيحه (٣ / ٢٢٤) في باب الصوم يوم النحر ، والترمذي في صحيحه (١ / ٦٧) ، وابن ماجة في سننه (١ / ٤٣٠) ، والخطيب التبريزي في مشكاة المصابيح (ص ٦٠).

٦ ـ عن أبي الجعد الضميري ، مرفوعاً : «لا تُشدّ الرحال ... إلخ» بلفظ أبي هريرة الأوّل.

__________________

(١) المعجم الكبير : ١٢ / ٢٥٩ ح ١٣٢٨٣ ، المعجم الأوسط : ١٠ / ١٩١ ح ٩٤١٥.

(٢) سنن ابن ماجة : ١ / ٤٥٢ ح ١٤٠٨ ، السنن الكبرى : ١ / ٢٥٦ ح ٧٧٢.

(٣) مسند أحمد : ٣ / ٣٧٦ ح ١٠٦٥٦ ، ص ٤٤١ ح ١١٠٢٥ ، ص ٤٥١ ح ١١٠٩١ ، ص ٤٧١ ح ١١٢١٥ ، ص ٤٩٣ ح ١١٣٢٥ ، ص ٤٩٤ ح ١١٣٢٩ ، ص ٥١٩ ح ١١٤٧٣ ، صحيح البخاري : ٢ / ٧٠٣ ح ١٨٩٣ ، سنن الترمذي : ٢ / ١٤٨ ح ٣٢٦ ، سنن ابن ماجة : ١ / ٤٥٢ ح ١٤١٠ ، مشكاة المصابيح : ١ / ٢٢٣ ح ٦٩٣.

٣٩٤

رواه البزّار والطبراني (١) في الكبير والأوسط ، ورجاله رجال الصحيح كما في مجمع الزوائد (٤ / ٤).

٧ ـ عن بصرة بن أبي بصرة الغفاري ، مرفوعاً : «لا تعمل المطيّ إلاّ إلى ثلاثة مساجد : إلى المسجد الحرام ، وإلى مسجدي هذا ، وإلى مسجد إيلياء». أو : «بيت المقدس». يشكّ أيّهما قال. بغية الوعاة (٢) (ص ٤٤٤).

٨ ـ عن ميمونة مولاة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قالت : قلت : يا رسول الله أَفتِنا في بيت المقدس. قال : «أرض المحشر والمنشر ، ائتوه فصّلوا فيه فإنّ صلاةً فيه كألف صلاة في غيره». قلت : أرأيت إن لم أستطع أن أتحمّل إليه؟ قال : «فتهدي له زيتاً يسرج فيه فمن فعل ذلك فهو كمن أتاه».

أخرجه ابن ماجة في سننه (٣) (١ / ٤٢٩) ، والبيهقي في سننه (٢ / ٤٤١).

هذه جملة ممّا ورد في بيت المقدس وقصده للصلاة ، وقد أسرى المولى سبحانه بعبده المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، وكانت الصحابة تقصدها للصلاة في مسجدها كما في مجمع الزوائد (٤ / ٤) ، وأفرد الحافظ ابن عساكر كتاباً فيه وأسماه المستقصى في فضائل المسجد الأقصى.

وإذا غضضنا الطرف عن هذه الأحاديث فإنّ شدّ الرحال إلى أيّ من المساجد يكون من المباحات الأوّلية التي لم يرد عنها نهي ، فما معنى الإرهاب بالدرّة في مثلها؟ مع أنّ من يمّم مسجداً للصلاة فيه يُحاسَب في أجره ممشاه بالخطوات وقرب سيره وبعده كما في صحاح أخرجها الترمذي في صحيحه (٤) (١ / ١٨٤). نعم ؛ كأنّ الخليفة

__________________

(١) المعجم الكبير : ٢٢ / ٣٦٦ ح ٩١٩ ، المعجم الأوسط : ٦ / ٥١ ح ٥١٠٦.

(٢) بغية الوعاة : ٢ / ٤٠١ رقم ٩.

(٣) سنن ابن ماجة : ١ / ٤٥١ ح ١٤٠٧.

(٤) سنن الترمذي : ٢ / ٤٩٩ ح ٦٠٣.

٣٩٥

كان يرى إتيان تلكم المساجد إحياءً لآثار الأنبياء وله فيها رأيه الشاذّ كما أسلفناه صفحة (١٤٨) من هذا الجزء.

ـ ٨٨ ـ

رأي الخليفة في المجوس

أخرج يحيى بن سعيد ، بإسناده عن عمر بن الخطّاب أنّه قال : ما أدري ما أصنع بالمجوس وليسوا أهل كتاب ـ وفي لفظ : ما أدري كيف أصنع في أمرهم ـ؟ فقال عبد الرحمن بن عوف : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «سنّوا بهم سنّة أهل الكتاب».

وعن بجالة قال : كنت كاتباً لجزء بن معاوية على مناذر (١) ، فجاءنا كتاب عمر : أنظر المجوس من قبلك فخذ منهم الجزية فإنّ عبد الرحمن بن عوف أخبرني أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخذ الجزية من مجوس هجر.

وعنه قال : لم يكن عمر أخذ الجزية من المجوس حتى شهد عبد الرحمن بن عوف أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخذها من مجوس هجر.

راجع (٢) الأموال لأبي عبيد (ص ٣٢) ، موطّأ مالك (١ / ٢٠٧) ، صحيح البخاري كتاب فرض الخمس باب الجزية ، مسند أحمد (١ / ١٩٠) ، جامع الترمذي (١ / ١٩٢) وفي طبعة (١ / ٣٠٠) بعدّة طرق صحّح بعضها وحسّن أُخرى ، سنن الدارمي (٢ / ٢٣٤) ، سنن أبي داود (٢ / ٤٥) ، كتاب الرسالة للشافعي (ص ١١٤) ، أحكام القرآن

__________________

(١) كورة من كور الأهواز [معجم البلدان : ٥ / ١٩٩]. (المؤلف)

(٢) الأموال : ص ٤٠ ح ٧٧ ، موطّأ مالك : ١ / ٢٧٨ ح ٤٢ ، صحيح البخاري : ٣ / ١١٥١ ح ٢٩٨٧ ، مسند أحمد : ١ / ٣١٢ ح ١٦٦٠ ، سنن الترمذي : ٤ / ١٢٤ ح ١٥٨٦ ، سنن أبي داود : ٣ / ١٦٨ ح ٣٠٤٣ ، الرسالة : ص ٤٣٠ ح ١١٨٣ ، أحكام القرآن : ٣ / ٩٢ ، فتوح البلدان : ص ٢٦٦ ـ ٢٦٧ ، مصابيح السنّة : ٣ / ١٠٩ ح ٣٠٧٧ ، تاريخ عمر بن الخطّاب : ص ١٢٢ ، مشكاة المصابيح : ٢ / ٤١٣ ح ٤٠٣٥ ، تيسير الوصول : ١ / ٢٨٨ ح ٢.

٣٩٦

للجصّاص (٣ / ١١٤) ، فتوح البلدان للبلاذري (ص ٢٧٦) ، سنن البيهقي (٨ / ٢٤٨ و ٩ / ١٨٩) ، مصابيح البغوي (٢ / ٩٧) وصحّحه ، سيرة عمر لابن الجوزي (ص ١١٤) ، مشكاة المصابيح (ص ٣٤٤) ، تيسير الوصول (١ / ٢٤٥).

قال الأميني : أوَلا تعجب ممّن يتصدّى للخلافة الكبرى ولا يعرف أمسَّ لوازمها بها؟ فإنّ حكم المجوس من أوليات ما يلزم معرفته لمتولِّي السلطة الإسلامية من الناحية المالية والسياسية والدينية.

أوَلا تعجب من تعطيل حكم هامّ كهذا سنين متطاولة إلى شهادة عبد الرحمن ابن عوف وإجراء الحكم بعدها؟ وكان ذلك قبل موت الخليفة بسنة (١) ومن الممكن أن يبتلى به وبمثله وعبد الرحمن أو مثله في منتأىً عنه ، فبما ذا يعمل إذن؟ ولو لم تلد عبد الرحمن أُمّه فإلى ما كان يؤول أمره؟ ومن ذا الذي كان يفيض علمه عليه؟ وكيف يتولّى الأمر من يجد في الرعية من هو أعلم منه؟ وأين هو ومن ولاّه الأمر من قول النبيِّ الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من تولّى من أمر المسلمين شيئاً فاستعمل عليهم رجلاً وهو يعلم أنّ فيهم من هو أولى بذلك وأعلم منه بكتاب الله وسنّة رسوله فقد خان الله ورسوله وجميع المؤمنين» (٢)؟ (فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً) (٣)؟

ـ ٨٩ ـ

رأي الخليفة في صوم رجب

عن خرشة بن الحرّ ، قال : رأيت عمر بن الخطّاب يضرب أكفّ الرجال في صوم رجب حتى يضعوها في الطعام ويقول : رجب وما رجب ، إنّما رجب شهر كان

__________________

(١) راجع مشكاة المصابيح للخطيب التبريزي : ص ٣٤٤ [٢ / ٤١٣ ح ٤٠٣٥]. (المؤلف)

(٢) مجمع الزوائد للحافظ الهيثمي : ٥ / ٢١١. (المؤلف)

(٣) النساء : ٧٨.

٣٩٧

يعظّمه أهل الجاهليّة فلمّا جاء الإسلام ترك (١).

قال الأميني : لقد عزب عن الخليفة ما جاء عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في خصوص صوم رجب والترغيب فيه وذكر المثوبات الجزيلة له من ناحية.

وما جاء عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في صوم ثلاثة أيّام من الأشهر كلّها وهو يعمّ رجباً وغيره من ناحية أُخرى.

وما جاء عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في صوم خصوص الأشهر الحرم ومنها شهر رجب من ناحية ثالثة.

وما جاء عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الترغيب في صوم يوم وإفطار يوم من تمام السنة وفيها شهر رجب من ناحية رابعة.

وما جاء في التطوّع بمطلق الصوم والترغيب فيه من أيّ شهر كان ، وهذه خامسة النواحي التي فاتت المانع عن صوم رجب فهلمّ معي فاقرأها :

الطائفة الأُولى :

١ ـ عن عثمان بن حكيم ، قال : سألت سعيد بن جبير عن صوم رجب ، فقال : سمعت ابن عبّاس رضى الله عنه يقول : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصوم حتى نقول : لا يفطر ، ويفطر حتى نقول : لا يصوم.

وفي لفظ البخاري : كان يصوم حتى يقول القائل : لا والله لا يفطر ، ويفطر حتى يقول القائل : لا والله لا يصوم.

__________________

(١) أخرجه ابن أبي شيبة [في المصنّف : ٣ / ١٠٢] ، والطبراني في الأوسط كما في مجمع الزوائد للحافظ الهيثمي : ٣ / ١٩١ ، وكنز العمّال : ٤ / ٣٤١ [٨ / ٦٥٣ ح ٢٤٥٨٠]. (المؤلف)

٣٩٨

راجع (١) صحيح البخاري (٣ / ٢١٥) ، صحيح مسلم (١ / ٣١٨) ، مسند أحمد (١ / ٣٢٦) ، سنن أبي داود (١ / ٣٨١) ، سنن البيهقي (٤ / ٢٩١) ، تيسير الوصول (٢ / ٣٢٨).

٢ ـ عن أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام ، مرفوعاً : «رجب شهر عظيم يضاعف الله فيه الحسنات ، من صام يوماً من رجب فكأنّما صام سنة ، ومن صام منه سبعة أيّام غلقت عنه سبعة أبواب جهنّم ، ومن صام منه ثمانية أيّام فتحت له ثمانية أبواب الجنّة ، ومن صام منه عشرة أيّام لم يسأل الله شيئاً إلاّ أعطاه ، ومن صام منه خمسة عشر يوماً نادى منادٍ في السماء : قد غفر لك ما مضى فاستأنف العمل ، ومن زاد زاده الله».

مجمع الزوائد (٣ / ١٩١) ، الغنية للجيلاني (٢) (١ / ١٩٨) وله هناك أحاديث بألفاظ أُخر عن أمير المؤمنين ، ورواه الجرداني في مصباح الظلام (٣) (٢ / ٨٢) من طريق البيهقي في شعب الإيمان (٤) عن أنس بن مالك.

٣ ـ عن أبي هريرة ، مرفوعاً : «لم يتمّ صوم شهر بعد رمضان إلاّ رجب وشعبان». مجمع الزوائد (٣ / ١٩١) ، الغنية (٥) (١ / ٢٠٠).

٤ ـ عن أنس بن مالك ، مرفوعاً : «إنّ في الجنّة قصراً لا يدخله إلاّ صوّام رجب»

أخرجه (٦) ابن شاهين في الترغيب كما في كنز العمّال (٤ / ٣٤١) ، وذكره الجيلاني في الغنية (١ / ٢٠٠).

__________________

(١) صحيح البخاري : ٢ / ٦٩٦ ح ١٨٧٠ ، صحيح مسلم : ٢ / ٥١٣ ح ١٧٩ كتاب الصيام ، مسند أحمد : ١ / ٥٣٧ ح ٣٠٠٢ ، سنن أبي داود : ٢ / ٣٢٣ ح ٢٤٣٠ ، تيسير الوصول : ٢ / ٣٩١.

(٢) الغنية لطالبي طريق الحقّ : ص ٢٧٨.

(٣) مصباح الظلام : ٢ / ١٩٩ ح ٤٥٦.

(٤) شعب الإيمان : ٣ / ٣٦٨ ح ٣٨٠١.

(٥) الغنية لطالبي طريق الحقّ : ص ٢٨١ ، وفيها : «لم يصم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم شهراً بعد رمضان إلاّ رجب وشعبان».

(٦) كنز العمّال : ٨ / ٦٥٣ ح ٢٤٥٨٢ ، الغنية لطالبي طريق الحق : ص ٢٨١.

٣٩٩

وأخرج البيهقي (١) ، عن أنس مرفوعاً : «إنّ في الجنّة نهراً يقال له : رجب ، أشدّ بياضاً من اللبن ، وأحلى من العسل ، من صام يوماً من رجب سقاه الله من ذلك النهر».

ورواه الشيرازي في الألقاب ، وذكره الزرقاني في شرح المواهب (٨ / ١٢٨) ، والجيلاني في الغنية (١ / ٢٠٠) ، والسيوطي في الجامع الصغير (٢) ، وقال المناوي في شرحه (٢ / ٤٧٠) : هذا تنويه عظيم بفضل رجب ومزيّة الصيام فيه.

٥ ـ أخرج ابن عساكر (٣) عن أبي قلابة أنّه قال : «إنّ في الجنّة قصراً لصوّام رجب». وذكره القسطلاني في المواهب اللدنيّة كما في شرحه (٨ / ١٢٨) ، والسيوطي في جمع الجوامع كما في ترتيبه (٤) (٤ / ٣٤١).

٦ ـ أخرج أبو داود ، عن عطاء بن أبي رباح : إنّ عروة بن الزبير قال لعبد الله ابن عمر : هل كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصوم في رجب؟ قال : نعم ويشرّفه ، قالها ثلاثاً.

وذكره القسطلاني في المواهب كما في شرحه (٨ / ١٢٨) ، والرفاعي في ضوء الشمس (٢ / ٦٧).

٧ ـ عن مكحول ، قال : سأل رجل أبا الدرداء رضى الله عنه عن صيام رجب ، فقال له : سألت عن شهر كانت الجاهلية تعظّمه في جاهليّتها وما زاده الإسلام إلاّ فضلاً وتعظيماً ، ومن صام منه يوماً تطوّعاً يحتسب به ثواب الله تعالى ويبتغي به وجهه مخلصاً أطفأ صومه ذلك اليوم غضب الله تعالى ، وأغلق عنه باباً من أبواب النار ، ولو أُعطي ملء الأرض ذهباً ما كان جزاءً له ولا يستكمل له أجر شيء من الدنيا دون يوم

__________________

(١) شعب الإيمان : ٣ / ٣٦٧ ح ٣٨٠٠.

(٢) الجامع الصغير : ١ / ٣٥٥ ح ٢٣٢٦.

(٣) تاريخ مدينة دمشق : ٢٥ / ٣٣٤ رقم ٣٠٤٦ ، وفي مختصر تاريخ دمشق : ١١ / ٢٤٩.

(٤) كنز العمّال : ٨ / ٦٥٣ ح ٢٤٥٨١.

٤٠٠