الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٦

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي

الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٦

المؤلف:

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي


المحقق: مركز الغدير للدّراسات الإسلاميّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
المطبعة: فروردين
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٤

الشارع ، وإن ادّعى مدّعٍ أنّ المتعة كانت حلالاً طلقاً بإذن من الشارع وإقرار منه فلتكن ولنقل أن لا بأس بها ولا كلام لنا في هذه على ردّها.

وإنّما كلامي الآن في أنّ المتعة هل ثبتت في القرآن أو لا؟

كتب الشيعة تدّعي أنّ المتعة نزل فيها قول الله جلّ جلاله : (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ).

وأرى أنّ أدب البيان يأبى وعربيّة هذه الجملة الكريمة تأبى أن تكون هذه الجملة الجليلة الكريمة قد نزلت في المتعة ؛ لأنّ تركيب هذه الجملة يفسد ونظم هذه الآية الكريمة يختلّ لو قلنا إنّها نزلت فيها (ص ٣٢).

أمّا متعة النكاح ونكاح المتعة فلم ينزل قرآن فيها وفيه. ولبيان هذا المعنى الجليل عقدت هذا الباب دفعاً لما شاع في كتب الشيعة أنّ قوله : (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ) نزل في نكاح المتعة (ص ١٢١).

المتعة لم تكن مباحة في شرع الإسلام أصلاً ، ونسخها لم يكن نسخ حكم شرعيّ ، إنّما كان نسخ أمر جاهليّ تحريم أبد (ص ١٣٢).

حديث المتعة من غرائب الأحاديث كان يقول بها جماعة من الصحابة ، حتى قال بها جماعة من التابعين منهم طاووس وعطاء وسعيد بن جبير وجماعة من فقهاء مكة ، روى الحاكم في علوم الحديث (١) عن الإمام الأوزاعي أنّه كان يقول : يُترك من قول أهل الحجاز خمس منها المتعة (ص ١٣٢).

وقد أسرف القول بإباحة المتعة فقيه مكة ابن جُريج كما كان يسرف في العمل بها حتى أوصى بسبعين امرأة وقال : لا تتزوّجوا بهنّ فإنّهنّ أُمّهاتكم. وقد روى أبو عوانة في صحيحه عن ابن جريج عن هذا المسرف المتمتّع أنّه قال لهم بالبصرة :

__________________

(١) معرفة علوم الحديث : ص ٦٥.

٣٢١

اشهدوا أنّي قد رجعت عن المتعة. أشهدهم بعد أن حدّثهم فيها ثمانية عشر حديثاً أنّه لا بأس بها وبعد أن شبع منها وعجز.

أستبعد غاية الاستبعاد أن يكون مؤمن يعلم لغة القرآن الكريم ويؤمن بإعجازه ويفهم حقّ الفهم إفادة النظم يقول : إنّ قول الله جلّ جلاله : (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً) نزل في متعة النساء. قول لا يكون إلاّ من جاهل يدّعي ولا يعي (ص ١٤٩).

كتب الشيعة ترفع إلى الباقر والصادق أنّ (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَ) منزل في المتعة. وأحسن الاحتمالين أنّ السند موضوع وإلاّ فالباقر والصادق جاهل (ص ١٦٥).

لا يوجد في غير كتب الشيعة قول لأحد أنّ (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ) نزل في متعة النساء وقد أجمعت الأُمّة على تحريم المتعة ، ولم يقل أحد أنّ قول الله (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَ) قد نسخ (ص ١٦٦).

حكومات الأُمم الإسلامية اليوم أرشد في شرف دينها وصلاح دنياها من فقهاء الأُمّة. فحكومة الدولة الإيرانيّة التي كانت قد أخذت مرّات عديدة من قبل في إبطال متعة الفقهاء ، نراها اليوم بفضل ملكها الأعظم قد نسخت المتعة نسخاً قطعيّا بتاتاً.

إنّ حكومة الدولة الإيرانيّة التي تسعى في إصلاح حياة الأُمّة ودنياها وفي تعمير الوطن وإحيائه أخذت في إصلاح دين الأُمّة فمنعت منعاً بتّا متعة فقهاء الشيعة (ص ١٨٥).

الجواب : هذه جمل التقطناها من صحائف ـ الوشيعة ـ سوّدها الرجل في مسألة المتعة ، وتلك الصحائف السوداء تبعد عن أدب الدين ، أدب العلم ، أدب العفّة ، أدب الكتاب ، أدب الاجتماع ، وبينها وبين ما جاء به الإسلام بون شاسع ، فلا نقابله فيها إلاّ بالسلام.

٣٢٢

أمّا بسط القول في المتعة فلا حاجة لنا تمسّ بها بعد ما أغرق نزعاً فيها محقّقو أصحابنا ولا سيّما الأواخر منهم (١) فجاء الرجل بعده يتهجّم عليهم بفاحش القول ولا يبالي ، ويقذفهم بلسان بذيّ ولا يكترث له ، وإنّما يهمّنا إيقاظ شعور الباحث إلى أكاذيب الرجل وجناياته الكبيرة على العلم والقرآن وأهله بكتمان رأي السلف فيه ، وتدجيله الحقائق الراهنة على الأُمّة بالسفاسف والمخاريق ، وإشاعة ما يضادّ الكتاب والسنّة في الملأ العلمي ، وهو مع جهله بهما يرى نفسه فقيهاً من فقهاء الإسلام ، فعلى الإسلام السلام.

المتعة في الكتاب :

(فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً). سورة النساء : ٢٤.

يرى موسى الوشيعة أنّ القول بنزول الآية من دعاوى الشيعة فحسب ، ولا يوجد في غير كتبهم قول به لأحد ، والقول به لا يكون إلاّ من جاهل يدّعي ولا يعي. فنحن نذكر شطراً ممّا في كتب قومه حتى يعلم القارئ إلى من توجّه قوارص هذا الرجل الجاهل الفاحش المتفحّش :

١ ـ أخرج أحمد إمام الحنابلة في مسنده (٢) (٤ / ٤٣٦) بإسناد رجاله كلّهم ثقات ، عن عمران بن حصين ، قال : نزلت آية المتعة في كتاب الله تبارك وتعالى وعملنا بها مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلم تنزل آية تنسخها ولم ينهَ عنها النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى مات.

__________________

(١) نظراء الأعلام الحجج سيّدنا السيّد عبد الحسين شرف الدين ، سيّدنا السيّد المحسن الأمين ، شيخنا الشيخ محمد الحسين كاشف الغطاء ، وأفرد فيها الأُستاذ توفيق الفكيكي كتاباً وقد أدّى فيه حقّ المقال. (المؤلف)

(٢) مسند أحمد : ٥ / ٦٠٣ ح ١٩٤٠٦.

٣٢٣

وقد مرّ في صحيفة (٢٠٨) أنّ غير واحد من المفسّرين ذكره في سورة النساء في آية المتعة ، وبهذا الحديث عدّ من عدّ عمران بن حصين ممّن ثبت على إباحتها.

٢ ـ أخرج أبو جعفر الطبري المتوفّى (٣١٠) في تفسيره (١) (٥ / ٩) بإسناده عن أبي نضرة ، قال : سألت ابن عبّاس عن متعة النساء ، قال : أما تقرأ سورة النساء؟ قال : قلت : بلى ، قال : فما تقرأ فيها؟ فما استمتعتم به منهنّ إلى أجل مسمّى؟ قلت له : لو قرأتها هكذا ما سألتك. قال : فإنّها كذا. وفي حديث : قال ابن عبّاس : والله لأنزلها الله كذلك. ثلاث مرّات.

وأخرج عن قتادة في قراءة أُبيّ بن كعب : فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمّى.

وأخرج بإسناد صحيح ، عن شعبة ، عن الحكم ، قال : سألته عن هذه الآية  أمنسوخة هي؟ قال : لا.

وروى عن عمر بن مرّة : أنّه سمع سعيد بن جبير يقرأ : فما استمتعتم به منهنّ إلى أجلٍ مسمّى.

وعن مجاهد : إنّ في الآية يعني نكاح المتعة.

وعن أبي ثابت : إنّ ابن عبّاس أعطاني مصحفاً فيه : فما استمتعتم به منهنّ إلى أجلٍ مسمّى.

٣ ـ أخرج أبو بكر الجصّاص الحنفي المتوفّى (٣٧٠) في أحكام القرآن (٢) (٢ / ١٧٨) ما مرّ من حديثي ابن عبّاس وأُبيّ بن كعب في قراءة الآية ، وذكر من طريق

__________________

(١) جامع البيان : مج ٤ / ج ٥ / ١٢ ـ ١٣.

(٢) أحكام القرآن : ٢ / ١٤٧.

٣٢٤

ابن جريج وعطاء الخراساني عن ابن عبّاس أنّها نُسخت بقوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَ) (١). فلو لم تكن نزلت في المتعة كيف نُسخت؟ وقد عرفت بطلان نسخها بها وبغيرها.

٤ ـ أخرج الحافظ أبو بكر البيهقي المتوفّى (٤٥٨) بإسناده في السنن الكبرى (٧ / ٢٠٥) ، عن محمد بن كعب ، عن ابن عبّاس رضى الله عنه ، قال : كانت المتعة في أوّل الإسلام وكانوا يقرءون هذه الآية : فما استمتعتم به منهنّ إلى أجل مسمّى. الحديث.

٥ ـ قال الحافظ أبو محمد البغوي الشافعي المتوفّى (٥١٠ ـ ٥١٦) في تفسيره (٢) ـ هامش تفسير الخازن ـ (١ / ٤٢٣) : قال الحسن ومجاهد : إنّ الآية في النكاح الصحيح. وقال آخرون هو نكاح المتعة ... إلى أن قال ـ : ذهب عامّة (٣) أهل العلم أنّ نكاح المتعة حرام والآية منسوخة وكان ابن عبّاس يذهب إلى أنّ الآية محكمة ، وترخّص في نكاح المتعة ، ثمّ روى حديث أبي نضرة المذكور بلفظ الطبري.

٦ ـ قال أبو القاسم جار الله الزمخشري المعتزلي المتوفّى (٥٣٨) في الكشّاف (٤) (١ / ٣٦٠) : قيل : نزلت ـ الآية ـ في المتعة ، وعن ابن عبّاس هي محكمة يعني لم تنسخ ، وكان يقرأ : فما استمتعتم به منهنّ إلى أجل مسمّى.

٧ ـ قال القاضي أبو بكر الأندلسي المتوفّى (٥٤٢) في أحكام القرآن (١ / ١٦٢) : في الآية قولان ؛ أحدهما : إنّه أراد استمتاع النكاح المطلق. قاله جماعة منهم الحسن ومجاهد وإحدى روايتي ابن عبّاس. الثاني : إنّه متعة النساء بنكاحهن إلى أجل. ثمّ رواه عن ابن عبّاس ، وحبيب بن أبي ثابت ، وأُبيّ بن كعب.

__________________

(١) الطلاق : ١.

(٢) تفسير البغوي : ١ / ٤١٣.

(٣) تعرف مقيل صحّة هذه النسبة المكذوبة على عامّة أهل العلم ممّا أسلفناه. (المؤلف)

(٤) الكشّاف : ١ / ٤٩٨.

٣٢٥

٨ ـ قال أبو بكر يحيى بن سعدون القرطبي (١) المتوفّى (٥٦٧) في تفسيره (٢) (٥ / ١٣٠) عند بيان الاختلاف في معنى الآية : قال الجمهور : إنّ المراد نكاح المتعة الذي كان في صدر الإسلام ، وقرأ ابن عبّاس وأُبي وسعيد بن جبير : فما استمتعتم به منهنّ إلى أجلٍ مسمّى فآتوهنّ أُجورهنّ.

وقال في بيان الخلاف في من تمتّع بها : وفي رواية أخرى عن مالك : لا يرجم لأنّ نكاح المتعة ليس بحرام ولكن لأصل آخر لعلمائنا غريب انفردوا به دون سائر العلماء ، وهو أنّ ما حرّم بالسنّة هل هو مثل ما حرّم بالقرآن أم لا؟ فمن رواية بعض المدنيِّين عن مالك أنّهما ليسا بسواء وهذا ضعيف. وقال أبو بكر الطرطوسي : ولم يرخّص في نكاح المتعة إلاّ عمران بن حصين ، وابن عبّاس ، وبعض الصحابة ، وطائفة من أهل البيت ، وفي قول ابن عبّاس يقول الشاعر :

أقول للركب إِذ طالَ الثواءُ بنا

يا صاحِ هل لك من فتيا ابن عبّاسِ

في بضّةٍ رخصةِ الأطراف ناعمةٍ

تكونُ مثواك حتى مرجعِ الناسِ

وسائر العلماء والفقهاء من الصحابة والتابعين والسلف الصالحين على أنّ هذه الآية منسوخة. (ص ١٣٣).

قال الأميني : فترى أنّ القول بنزول الآية في المتعة رأي العلماء والفقهاء من الصحابة والتابعين والسلف الصالحين ، غير أنّهم يعزى إليهم عند القرطبي القول بالنسخ وقد عرفت حقّ القول فيه.

وقال القرطبي أيضاً في تفسيره (٣) (٥ / ١٣٥) في قوله تعالى : (وَلا جُناحَ

__________________

(١) القرطبي صاحب التفسير هو أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري المتوفّى سنة ٦٧١.

(٢) الجامع لأحكام القرآن : ٥ / ٨٨.

(٣) الجامع لأحكام القرآن : ٥ / ٨٩.

٣٢٦

عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ) : قال القائلون بأنّ الآية في المتعة : هذا إشارة إلى ما تراضيا عليه من زيادة في مدّة المتعة في أوّل الإسلام ، فإنّه كان يتزوّج الرجل المرأة شهراً على دينار مثلاً ، فإذا انقضى الشهر فربّما كان يقول : زيديني في الأجل أزدك في المهر ، فبيّن أنّ ذلك كان جائزاً عند التراضي.

قال أبو الوليد محمد بن أحمد القرطبي الشهير بابن رشد المتوفّى (٥٩٥) في بداية المجتهد (٢ / ٥٨) : اشتهر عن ابن عبّاس تحليلها ـ المتعة ـ وتبع ابن عبّاس على القول بها أصحابه من أهل مكة وأهل اليمن ورووا : أنّ ابن عبّاس كان يحتجّ لذلك بقوله تعالى : (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ) وفي حرف عنه : إلى أجل مسمّى.

٩ ـ ذكر أبو عبد الله فخر الدين الرازي الشافعي المتوفّى (٦٠٦) في تفسيره الكبير (١) (٣ / ٢٠٠) قولين في الآية ، وقال : أحدهما قول أكثر العلماء.

والقول الثاني : إنّ المراد بهذه الآية حكم المتعة وهي عبارة أن يستأجر الرجل المرأة بمال معلوم إلى أجل معيّن فيجامعها ، واتّفقوا على أنّها كانت مباحة في ابتداء الإسلام واختلفوا في أنّها هل نُسخت أم لا؟ فذهب السواد الأعظم من الأُمّة إلى أنّها صارت منسوخة. وقال السواد منهم : إنّها بقيت مباحة كما كانت ، وهذا القول مرويّ عن ابن عبّاس وعمران بن الحصين ، أمّا ابن عبّاس فعنه ثلاث روايات ـ ثمّ ذكر الروايات ـ فقال : وأمّا عمران بن الحصين فإنّه قال : نزلت آية المتعة في كتاب الله تعالى ولم ينزل بعدها آية تنسخها ، وأمرنا بها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتمتّعنا بها ومات ولم ينهنا عنه ، ثمّ قال رجل برأيه ما شاء.

وذكر في صحيفة (٢٠١) قراءة أُبيّ وابن عبّاس كما مرّ عن الطبري. وقال

__________________

(١) التفسير الكبير : ١٠ / ٤٩ و ٥١ و ٥٣.

٣٢٧

في (ص ٢٠٣) : إنّ قراءة أُبيّ وابن عبّاس بتقدير ثبوتها لا تدلّ إلاّ على أنّ المتعة كانت مشروعة ، ونحن لا ننازع فيه إنّما الذي نقوله : إنّ النسخ طرأ عليه.

١٠ ـ ذكر الحافظ أبو زكريا النووي الشافعي المتوفّى (٦٧٦) في شرح صحيح مسلم (١) (٩ / ١٨١) : أنّ عبد الله بن مسعود قرأ : فما استمتعتم به منهنّ إلى أجل.

١١ ـ قال القاضي أبو الخير البيضاوي الشافعي المتوفّى (٦٨٥) في تفسيره (٢) (١ / ٢٥٩) : قيل نزلت الآية في المتعة التي كانت ثلاثة أيّام حين فتحت مكة ثمّ نسخت كما روي أنّه عليه الصلاة والسلام أباحها ثمّ أصبح يقول : أيّها الناس إنّي كنت أمرتكم بالاستمتاع من هذه النساء ألا إنّ الله حرّم ذلك إلى يوم القيامة (٣) ، وهي النكاح الموقّت بوقت معلوم سمّي بها.

١٢ ـ قال علاء الدين البغدادي المتوفّى (٧٤١) في تفسيره المعروف بتفسير الخازن (٤) (١ / ٣٥٧) : قال قوم : المراد من حكم الآية هو نكاح المتعة وهو أن ينكح امرأة إلى مدّة معلومة بشيء معلوم ، فإذا انقضت تلك المدّة بانت منه بغير طلاق ويستبرئ رحمها وليس بينهما ميراث ، وكان هذا في ابتداء الإسلام ثمّ نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن المتعة. ثمّ ذكر حديث سبرة المذكور في لفظ البيضاوي فقال : وإلى هذا ذهب جمهور العلماء من الصحابة فمن بعدهم ، أي أنّ نكاح المتعة حرام والآية منسوخة واختلفوا في ناسخها فقيل نُسخت بالسنّة وهو ما تقدّم من حديث سبرة ... وهذا على مذهب من يقول : إنّ السنّة تنسخ القرآن ، ومذهب الشافعي أنّ السنّة لا تنسخ القرآن ، فعلى هذا يقول : إنّ ناسخ هذه الآية قوله تعالى في سورة

__________________

(١) شرح صحيح مسلم : ٩ / ١٧٩.

(٢) تفسير البيضاوي : ١ / ٢٠٩.

(٣) هذا يبطل غير واحد من الأقوال المذكورة في صحيفة : ٢٢٥ ، ٢٢٦. (المؤلف)

(٤) تفسير الخازن : ١ / ٣٤٣.

٣٢٨

المؤمنون : (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ) (١) الآية. ثمّ ذكر روايات ابن عبّاس ومنها : إنّ الآية محكمة لم تنسخ.

١٣ ـ قال ابن جزي محمد بن أحمد الغرناطي المتوفّى (٧٤١) في تفسيره التسهيل (١ / ١٣٧) : قال ابن عبّاس (٢) وغيره : معناها إذا استمتعتم بالزوجة ووقع الوطء فقد وجب إعطاء الأجر وهو الصداق كاملاً ، وقيل : إنّها في نكاح المتعة وهو النكاح إلى أجل من غير ميراث ، وكان جائزاً في أوّل الإسلام ، فنزلت هذه الآية في وجوب الصداق فيه ثمّ حرّم عند جمهور العلماء ، فالآية على هذا منسوخة بالخبر الثابت في تحريم نكاح المتعة ، وقيل : نسختها آية الفرائض لأنّ نكاح المتعة لا ميراث فيه ، وقيل : نسختها (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ) ، وروي عن ابن عبّاس : جواز نكاح المتعة. وروي : أنّه رجع عنه (٣)

١٤ ـ ذكر أبو حيّان محمد بن يوسف الأندلسي المتوفّى عبّاس وأُبيّ بن كعب وسعيد بن جبير قال ابن عبّاس ومجاهد والسدي وغيرهم : : فما استمتعتم به منهنّ إلى أجل مسمّى. وقال : إنّ الآية في نكاح المتعة. وقال ابن عبّاس لأبي نضرة : هكذا أنزلها الله.

١٥ ـ قال الحافظ عماد الدين بن كثير الدمشقي الشافعي المتوفّى (٧٧٤) في تفسيره (١ / ٤٧٤) : وقد استدلّ بعموم هذه الآية على نكاح المتعة ولا شكّ أنّه كان مشروعاً في ابتداء الإسلام ثمّ نسخ بعد ذلك. ثمّ قال بعد ذكر بعض أقوال النسخ :

__________________

(١) المؤمنون : ٥.

(٢) تكذّب هذه النسبة إلى ابن عبّاس قراءته الآية : فما استمتعتم به منهنّ إلى أجلٍ مسمّى وهي ثابتة عنه كما مرّ ويأتي. (المؤلف)

(٣) كيف يرجع عنه وهو يرى الآية محكمة لم تنسخ؟ وقد مرّ ويأتي ما يكذّب هذا العزو إليه ، وقد قال به إلى آخر نفس لفظه. (المؤلف)

٣٢٩

وكان ابن عبّاس وأُبيّ بن كعب وسعيد بن جبير والسدي يقرؤون : فما استمتعتم به منهنّ إلى أجلٍ مسمّى. وقال مجاهد : نزلت في نكاح المتعة. ولكنّ الجمهور على خلاف ذلك والعمدة ما ثبت في الصحيحين عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (١).

١٦ ـ قال الحافظ جلال الدين السيوطي المتوفّى (٩١١) في الدرّ المنثور (٢) (٢ / ١٤٠) : أخرج الطبراني (٣) والبيهقي في سننه (٤) عن ابن عبّاس قال : كانت المتعة في أوّل الإسلام وكانوا يقرؤون هذه الآية : فما استمتعتم به منهنّ إلى أجل مسمّى.

وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن الأنباري في المصاحف ، والحاكم وصحّحه من طرق ، عن أبي نضرة ، قال : قرأت على ابن عبّاس. وقد مرّ (ص ٢٢٩).

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير ، عن قتادة وأخرج ابن الأنباري في المصاحف عن سعيد بن جبير قراءة أُبيّ بن كعب : فما استمتعتم به منهنّ إلى أجل ، وأخرج عبد الرزاق (٥) عن عطاء قراءة ابن عبّاس.

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد : (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَ) ، قال : يعني نكاح المتعة.

وأخرج ابن جرير ، عن السدي في الآية قال : هذه المتعة.

وأخرج عبد الرزّاق وأبو داود في ناسخه وابن جرير ، عن الحَكم ؛ أنّه سئل عن هذه الآية أمنسوخة؟ قال : لا.

__________________

(١) عرفت بعض القول حول هذه الصحيحة في صحيفة : ٢٢٦. (المؤلف)

(٢) الدرّ المنثور : ٢ / ٤٨٤.

(٣) المعجم الكبير : ١٠ / ٣٢٠ ح ١٠٧٨٢.

(٤) السنن الكبرى : ٧ / ٢٠٥.

(٥) المصنّف : ٧ / ٤٩٨ ح ١٤٠٢٢.

٣٣٠

١٧ ـ قال أبو السعود العمادي الحنفي المتوفّى (٩٨٢) في تفسيره (١) ـ هامش تفسير الرازي ـ (٣ / ٢٥١) قيل : نزلت في المتعة التي هي النكاح إلى وقت معلوم من يوم أو أكثر ، سمّيت بذلك لأنّ الغرض منها مجرّد الاستمتاع بالمرأة واستمتاعها بما يعطي ، وقد أُبيحت ثلاثة أيّام حين فُتحت مكّة شرّفها الله تعالى ثمّ نُسخت لما روي أنّه عليه‌السلام أباحها ثمّ أصبح يقول : يا أيّها الناس إنّي أمرتكم بالاستمتاع من هذه النساء ألا إنّ الله حرّم ذلك إلى يوم القيامة (٢). وقيل : أُبيح مرّتين وحُرّم مرّتين.

١٨ ـ قال القاضي الشوكاني المتوفّى (١٢٥٠) في تفسيره (٣) (١ / ٤١٤) : قد اختلف أهل العلم في معنى الآية ؛ فقال الحسن ومجاهد (٤) وغيرهما : المعنى فما انتفعتم وتلذّذتم بالجماع من النساء بالنكاح الشرعي فآتوهنّ أُجورهنّ : أي مهورهنّ ، وقال الجمهور : إنّ المراد بهذه الآية نكاح المتعة الذي كان في صدر الإسلام ، ويؤيّد ذلك قراءة أُبيّ بن كعب وابن عبّاس وسعيد بن جبير : فما استمتعتم به منهنّ إلى أجل مسمّى فآتوهنّ أُجورهنّ. ثمّ نهى عنها النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما صحّ ذلك من حديث عليّ ، قال : نهى النبيّ عن نكاح المتعة وعن لحوم الحمر الأهليّة يوم خيبر (٥). ثمّ ذكر حديث النهي عنها يوم فتح مكة ويوم حجّة الوداع فقال : فهذا هو الناسخ ، وحكى عن سعيد بن جبير نسخها بآية الميراث إذ المتعة لا ميراث فيها (٦). وعن عائشة

__________________

(١) تفسير أبي السعود : ٢ / ١٦٥.

(٢) عرفت أنّ هذا القول يبطل الأقوال الأُخر في النسخ وهي تناقض هذا ، فراجع. (المؤلف)

(٣) فتح القدير : ١ / ٤٤٩.

(٤) سمعت عن الطبري وعبد بن حميد وأبي حيّان وابن كثير والسيوطي ؛ أنّ مجاهداً من رواة القول بنزولها في المتعة ، ومن هنا عدّ ممّن ثبت على إباحتها ، فعزو خلاف ما جاء عن السلف إليه من صنائع الأهواء. (المؤلف)

(٥) عرفت الحال في هذا الحديث الصحيح الذي هو عمدة مستند القوم في النهي عن المتعة ، راجع : ص ٢٢٦. (المؤلف)

(٦) عزو القول بالنسخ إلى سعيد يكذّبه عدّ السلف إيّاه فيمن ثبت على القول بإباحتها. (المؤلف)

٣٣١

والقاسم بن محمد : نسخها بآية (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ).

ثمّ قال في قوله تعالى : (وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ) : أي من زيادة أو نقصان في المهر ، فإنّ ذلك سائغ عند التراضي ، هذا عند من قال بأنّ الآية في النكاح الشرعي ، وأمّا عند الجمهور القائلين بأنّها في المتعة فالمعنى التراضي في زيادة مدّة المتعة أو نقصانها ، أو في زيادة ما دفعه إليها إلى مقابل الاستمتاع بها أو نقصانه.

١٩ ـ ذكر شهاب الدين أبو الثناء السيّد محمود الآلوسي البغدادي المتوفّى (١٢٧٠) في تفسيره (٥ / ٥) قراءة ابن عبّاس وعبد الله بن مسعود الآية : فما استمتعتم به منهنّ إلى أجلٍ مسمّى ، ثمّ قال : ولا نزاع عندنا في أنّها أُحلّت ثمّ حرّمت ، والصواب المختار أنّ التحريم والإباحة كانا مرّتين ، وكانت حلالاً قبل يوم خيبر ثمّ حرّمت يوم خيبر (١) ، ثمّ أُبيحت يوم فتح مكة وهو يوم أوطاس لاتّصالهما ، ثمّ حُرّمت يومئذٍ بعد ثلاث (٢) تحريماً مؤبّداً إلى يوم القيامة.

هلمّ معي :

هلمَّ معي أيّها القارئ نسائل الرجل ـ موسى جار الله ـ عن هذه الكتب أليست هي مراجع أهل السنّة في علم القرآن؟ أليس هؤلاء أعلامهم وأئمّتهم في التفسير؟ أليس من واجب الباحث أن يراجع تلكم الكتب ثمّ ينقض ويبرم ، ويزن ويرجّح؟ أيوجِّه قوارصه إلى مثل ابن عبّاس ترجمان القرآن ، وأُبيّ بن كعب أقرأ الصحابة عندهم. وعبد الله بن مسعود عالم الكتاب والسنّة وعمران بن حصين ، والحَكم ، وحبيب بن أبي ثابت ، وسعيد بن جبير ، وقتادة ، ومجاهد؟ أيرى كلاّ منهم جاهلاً يدّعي

__________________

(١) عرفت في : ص ٢٢٦ عن السهيلي أنّ هذا شيء لا يعرفه أحد من أهل السير ورواة الأثر. (المؤلف)

(٢) هذا يبطل القول بالتحريم في حجّة الوداع بعد إباحتها. وحكى النووي في شرح مسلم [٩ / ١٨٠] عن أبي داود أنّه يراه أصحّ ما روي في ذلك. وهكذا كلّ قول من تلكم الأقوال يكذّب الآخر ويبطله ، والحقّ يبطل الجميع ، والحقّ أحقّ أن يتّبع. (المؤلف)

٣٣٢

ولا يعي؟ أليس هذا سبّ الصحابة والسلف الصالح الذي تُتّهم به الشيعة عند قومه؟

أم يرى رجالات قومه من الشيعة ويسلقهم بألسنة حداد؟ فإن لم تكن عنده قيمة لمثل البخاري ، ومسلم ، وأحمد ، والطبري ، ومحمد بن كعب ، وعبد بن حميد ، وأبي داود ، وابن جريج ، والجصّاص ، وابن الأنباري ، والبيهقي ، والحاكم ، والبغوي ، والزمخشري ، والأندلسي ، والقرطبي ، والفخر الرازي ، والنووي ، والبيضاوي ، والخازن ، وابن جزّي ، وأبي حيّان ، وابن كثير ، وأبي السعود ، والسيوطي ، والشوكاني ، والآلوسي ، فمن قدوته وأُسوته في العلم والدين؟

نعم ؛ لا يفوتنا أنّ أكاذيب الرجل وأساطيره المسطّرة وعزو القول بنزول الآية إلى الشيعة فحسب كلّها تقدمة لسبِّ الإمامين الطاهرين الباقر والصادق ، وهو يعلم وكلّ ذي نصفة يدري أنّ أئمّة قومه الأربعة عائلة الإمامين في علمهما ، فإن يوجد عندهم شيء من العلم فمن ذلك النمير العذب ، والباقران هما الباقران ، وموسى الوشيعة هو موسى الوشيعة ، والله هو الحَكم العدل ، وإلى الله المشتكى.

وهلمَّ نسائل الرجل عن أدب البيان الذي شعر به هو وخفي على هؤلاء الأعلام في القرون الخالية ، وعن الاختلال الذي عرفه هو وجهله أئمّة القوم على تقدير القول بنزول الآية في المتعة ما هو؟ وأين كان؟ وعمّن يؤثر؟ ومن الذي قال به؟ وما الحجّة عليه؟ وممّن أخذه؟ ولِمَ كتمه الأولون والآخرون حتى انتهت النوبة إليه؟ لا أحسب أنّه يحير جواباً يشفي الغليل ، ولعلّه يعيد سبابه المقذع إلى أُناس آخرين.

حدود المتعة في الإسلام :

١ ـ الأُجرة.

٢ ـ الأجل.

٣ ـ العقد المشتمل للإيجاب والقبول.

٣٣٣

٤ ـ الافتراق بانقضاء المدّة أو البذل.

٥ ـ العدّة أمة وحرّة ، حائلاً وحاملاً.

٦ ـ عدم الميراث.

إنّ هذه الحدود ذكرها الفقهاء في مدوّناتهم الفقهيّة ، والمحدِّثون في الصحاح والمسانيد ، والمفسِّرون في ذيل الآية الكريمة الآنفة ، فوقع إصفاقهم على أنّها حدود شرعية إسلامية لا محيص عنها ، سواء فيها من يقول بالإباحة الدائمة أو بالإباحة المؤقّتة المنسوخة ، فأين يكون مقيل كلمة الرجل : إنّها من الأنكحة الجاهلية التاريخية ولم تكن بإذن من الشارع؟ ومتى كان في الجاهلية نكاح بهذه الحدود ، وقد ضبطوا أنكحتها وعاداتها وتقاليدها وليس فيها ما يشابه نكاح المتعة؟

نعم ؛ الرجل يتقوّل ولا يكترث لما يقول ، وقد أسلفنا جمعاً ممّن ذكر حدود نكاح المتعة في الجزء الثالث (ص ٣٣١).

ولما ذا يكون ابن جريج مسرفاً في إتيان الفاحشة التي نزلت في أشدّ المحرّمات في مزعمة موسى ، ولو كان ابن جريج متهاوناً بالدين ، فلما ذا أخرج عنه أئمّة الحديث وأرباب الصحاح الستّ كلّهم ، وحشّوا لمسانيد مرويّاته وأسانيده؟ وقد سمعوا منه اثني عشر ألف حديث يحتاج إليها الفقهاء (١) ، ولو فسد مثله أو فسدت روايته لوجب أن تُمحى صحائف جمّة من جوامع الحديث ، ولا تبقى قيمة لتلكم الصحاح عندئذٍ ، ولو كان كما يزعمه فلما ذا أطرته أئمّة الرجال بكلِّ ثناءٍ جميل؟ وكيف رآه أحمد إمام الحنابلة أثبت الناس؟ وكيف كانوا يسمّون كتبه كتب الأمانة؟ (٢)

__________________

(١) مفتاح السعادة : ٢ / ١٢٠ [٢ / ٢٣١]. (المؤلف)

(٢) راجع تهذيب التهذيب : ٦ / ٤٠٤ [٦ / ٣٥٩]. (المؤلف)

٣٣٤

ثمّ ما ذا على الرجل إن عمل بما أدّى إليه اجتهاده وهو يروي في ذلك ثمانية عشر حديثاً؟ وأمّا حديث عدوله عن رأيه فإن صدق نقل الرجل عن أبي عوانة وصدق إسناد أبي عوانة ، ولو كان لبان وظهر وتناقلته الفقهاء ، ولم ينحصر نقله بواحد عن واحد ، ولا سيّما وابن جريج هو ذلك المصرّ على رأيه عمليّا وعلميّا ، وإنّي أحسب أنّ عزو العدول إلى هذا الرجل لِدة عزوه إلى حبر الأُمّة عبد الله بن العبّاس الذي كذّبه من كذّبه كما عرفت.

وأمّا ما عزاه موسى إلى الحكومة الإيرانيّة في إدخال المنع عن المتعة في جملة إصلاحاتها ونسخها نسخاً قطعيّا بتاتاً ، ومنعها منعاً بتّا فكبقيّة مفتعلاته ، فما أعوزته الحجّة ، وضاقت عليه المحجّة ، وغدا محجوجاً أعيت عليه البراهين ، إلى أن محج (١) وأفك ، واحتجّ بما لم تسمعه أُذن الدنيا ، وقابل الكتاب والسنّة بتاريخ مفتعل على حكومة إسلامية لم تأتِ بشيء جديد قطّ في المتعة ، وعلى تقدير تحقّق فريته فأيّ قيمة لذلك تجاه ما هتف به النبيّ الأعظم وكتابه المقدّس؟

إقرأ واضحك أو ابك :

ذكر القوشجي المتوفّى (٨٧٩) في شرح التجريد (٢) في مبحث الإمامة أنّ عمر قال وهو على المنبر : أيّها الناس ثلاث كنّ على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنا أنهى عنهنّ وأُحرِّمهنّ وأُعاقب عليهنّ : متعة النساء ، ومتعة الحجّ ، وحيّ على خير العمل. ثمّ اعتذر عنه بقوله : إنّ ذلك ليس ممّا يوجب قدحاً فيه ؛ فإنّ مخالفة المجتهد لغيره في المسائل الاجتهاديّة ليس ببدع. انتهى.

ما كنّا نقدّر أنّ ضليعاً في العلم يقابل النبيّ الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بواحد من أُمّته ويجعل

__________________

(١) المحج : الكذب.

(٢) شرح التجريد : ص ٤٨٤.

٣٣٥

كلاّ منهما مجتهداً ، وما ينطقه الرسول الأمين هو عين ما ثبت في اللوح المحفوظ وإن هو إلاّ وحي يوحى علّمه شديد القوى ، فأين هو عن الاجتهاد بردّ الفرع إلى الأصل ، واستعمال الظنون في طريق الاستنباط؟ وإنّ السائغ من المخالفة الاجتهادية هو ما إذا قابل المجتهد مجتهداً مثله لا من اجتهد تجاه النصِّ المبين ، وارتأى أمام تصريحات الشريعة من قول الشارع وعمله.

ثمّ أيّ مستوى يقلّ سيّد أولي الألباب وهذا الرجل في عرض واحد فهماً وإدراكاً حتى يقابل بين رأييهما؟ وأيّ قيمة لآراء العالمين جميعاً إذا خالفت ما جاء به المشرّع الأقدس؟ لكنّي أعذر القوشجي لالتزامه بدحض كلّ ما جاء به نصير الدين الطوسي لئلاّ يُعزى إليه العجز والتواني في الحجاج ، فلا بدّ أن يأتي بكلِّ ما دبَّ ودرج سواء كان حجّة له أو وبالاً عليه.

وقال ابن القيّم في زاد المعاد (١) (١ / ٤٤٤) : فإن قيل : فما تصنعون بما رواه مسلم في صحيحه (٢) عن جابر بن عبد الله؟ قال : كنّا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيّام على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبي بكر حتى نهى عنها عمر في شأن عمرو بن حريث. وفيما ثبت عن عمر أنّه قال : متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنا أنهى عنهما : متعة النساء ومتعة الحجّ ، قيل : الناس في هذا طائفتان : طائفة تقول : إنّ عمر هو الذي حرّمها ونهى عنها وقد أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باتّباع ما سنّه الخلفاء الراشدون (٣) ، ولم ترَ هذه الطائفة تصحيح حديث سبرة بن معبد في تحريم المتعة عام الفتح (٤) ؛ فإنّه من رواية عبد الملك بن الربيع بن سبرة عن أبيه عن جدّه ، وقد تكلّم فيه ابن معين ولم ير

__________________

(١) زاد المعاد : ٢ / ١٨٤.

(٢) صحيح مسلم : ٣ / ١٩٤ ح ١٦ كتاب النكاح.

(٣) يأتي الكلام حول هذا الحديث وهذه السنّة في هذا الجزء [٤٦٥]. (المؤلف)

(٤) تحريم المتعة عام الفتح قول ابن عيينة وطائفة كما في زاد المعاد : ١ / ٤٤٢ [٢ / ١٨٣]. (المؤلف)

٣٣٦

البخاري إخراج حديثه في صحيحه مع شدّة الحاجة إليه ، وكونه أصلاً من أُصول الإسلام ، ولو صحّ عنده لم يصبر عن إخراجه والاحتجاج به ، قالوا : ولو صحّ حديث سبرة لم يخف على ابن مسعود حتى يروي أنّهم فعلوها ويحتجّ بالآية. وأيضاً لو صحّ لم يقل عمر إنّها كانت على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنا أنهى عنها وأُعاقب عليها ، بل كان يقول : إنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حرّمها ونهى عنها. قالوا : ولو صحّ لم تفعل على عهد الصدّيق وهو عهد خلافة النبوّة حقّا. والطائفة الثانية رأت صحّة حديث سبرة ولو لم يصحّ فقد صحّ حديث عليّ رضى الله عنه : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حرّم متعة النساء ، فوجب حمل حديث جابر على أنّ الذي أخبر عنها بفعلها لم يبلغه التحريم ، ولم يكن قد اشتهر حتى كان زمن عمر رضى الله عنه ، فلمّا وقع فيها النزاع ظهر تحريمها واشتهر ، وبهذا تأتلف الأحاديث الواردة فيها وبالله التوفيق.

قال الأميني : أنّى يتأتّى الجمع بين أحاديث الباب المتضاربة من شتّى النواحي بصحيحة مزعومة؟ ومتى تصحّ؟ وكيف يتمّ عزوها المختلق إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام وبين يدي الأُمّة قوله الصحيح الثابت : «لو لا أنّ عمر نهى عن المتعة ما زنى إلاّ شقيّ» (١) وقد صحّ عنه عليه‌السلام مذهبه إلى تحليل المتعة ، كما أنّ أبناء بيته الرفيع ذهبوا إلى إباحتها سلفاً وخلفاً ، ومن المتسالم عليه قول ابن عبّاس : لو لا نهي عمر لما احتاج إلى الزنا إلاّ شفى (٢).

ومن الذي أخبر الأُمّة عن نهي النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن المتعة غير عليّ عليه‌السلام حتى ظهر في زمن عمر واشتهر؟ ومهما كان الحظر عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مشهوراً ، وأوّل من جاء به وباح بالنهي عنها يقول : متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنا أنهى عنهما وأُعاقب.

__________________

(١) راجع ما مرّ صفحة : ٢٠٦ ، ٢٠٧ من هذا الجزء. (المؤلف)

(٢) مرّ حديثه في صفحة ٢٠٦. (المؤلف)

٣٣٧

وقال : متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلى عهد أبي بكر ، وأنا أنهى عنهما.

وقال : إنّ الله ورسوله قد أحلاّ لكم متعتين ، وإنّي محرِّمهما عليكم.

وقال : ثلاث كنّ على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنا محرّمهنّ : متعة الحجّ ومتعة النساء.

فهل جابهه صحابيّ بالردِّ عليه في دعواه حلّية المتعة في العهدين؟ أو في نسبة تحريمها إلى نفسه؟ وهل كان إجماع الصحابة على حلّية المتعة عهد أبي بكر خلاف دين الله وسنّة نبيّه؟ نعم الغريق يتشبّث بكلّ حشيش.

(وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ) (١).

__________________

(١) النحل : ١١٦.

٣٣٨

ـ ٧٠ ـ

رأي الخليفة فيمن قال : إنّي مؤمن

عن مسند عمر رضى الله عنه ، عن سعيد بن يسار ، قال : بلغ عمر بن الخطّاب أنّ رجلاً بالشام يزعم أنّه مؤمن ، فكتب إلى أميره : أن ابعثه إليّ. فلمّا قدم قال : أنت الذي تزعم أنّك مؤمن؟ قال : نعم ، يا أمير المؤمنين. قال : ويحك وممّ ذاك؟ قال : أوَلم تكونوا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أصنافاً : مشرك ، ومنافق ، ومؤمن؟ فمن أيّهم كنت؟ فمدّ عمر يده إليه معرفة لما قال حتى أخذ بيده (١).

وعن قتادة ؛ قال : قال عمر بن الخطّاب : من قال إنّي عالم ، فهو جاهل ، ومن قال إنّي مؤمن ، فهو كافر. كنز العمّال (٢) (١ / ١٠٣).

قال الأميني : أنا لا أدري ما هذه المشكلة التي من جرّائها جلب الرجل من الشام وحوله آلاف من المؤمنين يقولون بمقالته ، وهو يحسب أنّه أميرهم ولم يسألهم عمّا سأل الشامي عنه؟ ثمّ كيف انحلّت تلك المشكلة بأبسط جواب؟ أوَلم يكن الخليفة يعلم ذلك من أنّ الإنسان إذا لم يكن مشركاً أو منافقاً فهو مؤمن لا محالة؟ أم أنّه حسب أنّ المؤمن الواثق بإيمانه لا يجوز له أن يقول : أنا مؤمن ؛ لأنّ ذلك القول كفر كما في حديث قتادة؟ وذلك تعبّداً بقول عمر. لكنّ الله سبحانه مدح أقواماً في الذكر بأن قالوا آمنّا مثل قوله تعالى : (قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ آمَنَّا بِاللهِ) (٣) ، وقوله : (رَبَّنا آمَنَّا بِما أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ) (٤) ، وقوله : (رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي

__________________

(١) أخرجه البيهقي في شعب الإيمان [١ / ٨٤ ح ٧٤] ، وابن أبي شيبة في الإيمان [المصنّف : ١١ / ٣٩ ح ١٠٤٦٢] كما في كنز العمّال : ١ / ١٠٣ [١ / ٤٠٤ ح ١٧٢٨]. (المؤلف)

(٢) كنز العمّال : ١ / ٤٠٥ ح ١٧٣٠.

(٣) آل عمران : ٥٢.

(٤) آل عمران : ٥٣.

٣٣٩

لِلْإِيمانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا) (١) ، وقوله : (قالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنا مُسْلِمُونَ) (٢) ، وقوله : (يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا) (٣) ، وقوله : (قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ) (٤) ، (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا) (٥) ومنهم من قال : بلى. إذا خوطب بقول العليِّ العظيم : (أَوَلَمْ تُؤْمِنْ) (٦) ، ومنهم من قال : (سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) (٧).

ومن جليّة الواضحات عدم الفرق بين قول القائل : آمنّا بكذا ، أو : نحن مؤمنون ، أو : أنا مؤمن بكذا ، إذا وثق من نفسه بإيمان ، ومن فرّق بينهما فهو مجازف لا محالة.

ولعلّ الخليفة كان ناظراً إلى حراجة الموقف في الإيمان ، وعزّة خلوصه من خفيّات صفات الشرك والنفاق حتى كان يسأل حذيفة عن نفسه ، قال الغزالي في إحياء العلوم (٨) (١ / ١٢٩) : الأخبار والآثار تعرّفك خطر الأمر بسبب دقائق النفاق والشرك الخفيّ وأنّه لا يؤمن منه ، حتى كان عمر بن الخطّاب رضى الله عنه يسأل حذيفة عن نفسه وأنّه هل ذكر في المنافقين؟ وهل هو منهم؟ وهل عدّه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيهم (٩)؟

وكان حذيفة صاحب السرِّ المكنون في تمييز المنافقين ، ولذلك كان عمر

__________________

(١) آل عمران : ١٩٣.

(٢) المائدة : ١١١.

(٣) المائدة : ٨٣.

(٤) الأعراف : ١٢١.

(٥) آل عمران : ٧.

(٦) البقرة : ٢٦٠.

(٧) الأعراف : ١٤٣.

(٨) إحياء علوم الدين : ١ / ١١٤.

(٩) وذكره الباقلانيّ في التمهيد : ص ١٩٦ ، وابن أبي جمرة في بهجة النفوس : ٤ / ٤٨. (المؤلف)

٣٤٠