الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٦

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي

الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٦

المؤلف:

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي


المحقق: مركز الغدير للدّراسات الإسلاميّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
المطبعة: فروردين
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٤

ـ ٥٤ ـ

رأي الخليفة في تحقّق البلوغ

عن ابن أبي مليكة : أنّ عمر كتب في غلام من أهل العراق سرق فكتب : أن اشبروه فإن وجدتموه ستّة أشبار فاقطعوه. فشبر فوجد ستّة أشبار تنقص أنملة فترك.

وعن سليمان بن يسار : أنّ عمر أُتي بغلام سرق ، فأمر به فشُبر ، فوجد ستّة أشبار إلاّ أنملة فتركه.

أخرجه (١) ابن أبي شيبة ، وعبد الرزاق ، ومسدّد ، وابن المنذر في الأوسط كما في كنز العمّال (٣ / ١١٦).

قال الأميني : الذي ثبت من الشريعة في تحقّق البلوغ هو الاحتلام الثابت بصحيح قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيمن رفع عنه القلم : «والغلام حتى يحتلم» ، أو نبات الشعر في العانة الثابت بالصحاح ، أو السنّ المحدود كما في صحيحة عبد الله بن عمر (٢) ولا رابع لها يُعدّ حدّا مطّرداً ، وأمّا المساحة بالأشبار فهو من فقه الخليفة ومحدثاته فحسب ، ولعلّه أبصر بمواقع فقاهته.

ـ ٥٥ ـ

تنقيص الخليفة من الحدّ

عن أبي رافع : أنّ عمر بن الخطّاب أُتي بشارب فقال : لأبعثنّك إلى رجل لا تأخذه فيك هوادة ، فبعث به إلى مطيع بن الأسود العدوي فقال : إذا أصبحت غداً

__________________

(١) المصنّف لابن أبي شيبة : ٩ / ٤٨٦ ـ ٤٨٧ ح ٨٢٠٦ و ٨٢١١ ، المصنّف : ١٠ / ١٧٨ ح ١٨٧٣٧ ، كنز العمّال : ٥ / ٥٤٤ ح ١٣٨٨٧.

(٢) راجع في أحاديث الباب السنن الكبرى [للبيهقي] : ٦ / ٥٤ ـ ٥٩. (المؤلف)

٢٤١

فاضربه الحدّ ، فجاء عمر وهو يضربه ضرباً شديداً ، فقال : قتلت الرجل كم ضربته؟ قال : ستّين ، قال : أقصّ عنه بعشرين. قال أبو عبيدة في معناه : يقول اجعل شدّة هذا الضرب قصاصاً بالعشرين التي بقيت من الحد فلا تضربه إيّاها.

السنن الكبرى (٨ / ٣١٧) ، شرح ابن أبي الحديد (١) (٣ / ١٣٣).

قال الأميني : أُنظر إلى الرجل كيف يتلوّن في الحكم فيضعّف يوماً حدّ الشارب وهو الأربعون ـ عند القوم ـ فيجلد ثمانين (٢) ثمّ يرقّ للمحدود في يوم آخر فينقّص منه عشرين ، ويتلافى شدّة الكيف بنقيصة الكم بعد تسليم الشارب إلى رجل يعرفه بالشدّة ، والكلّ زائد على الناموس الإلهيّ الذي جاء به النبيّ الأقدس. وفي الحديث : يؤتى بالرجل الذي ضرب فوق الحدّ فيقول الله : لم ضربت فوق ما أمرتك؟ فيقول : يا ربّ غضبت لك ، فيقول : أكان لغضبك أن يكون أشدّ من غضبي؟ ويؤتى بالذي قصّر فيقول : عبدي لم قصّرت؟ فيقول : رحمته. فيقول : أكان لرحمتك أن تكون أشدّ من رحمتي؟ (٣).

وكم لهذا الحديث من نظائر أخرجه الحفّاظ ، راجع كنز العمّال (٤) (٣ / ١٩٦).

ـ ٥٦ ـ

أبا حسن لا أبقاني الله لشدّة لست لها

عن ابن عبّاس ، قال : وردت على عمر بن الخطّاب واردة قام منها وقعد وتغيّر وتربّد وجمع لها أصحاب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فعرضها عليهم وقال : أشيروا عليّ. فقالوا جميعاً : يا أمير المؤمنين أنت المفزع وأنت المنزع. فغضب عمر وقال : اتّقوا الله وقولوا قولاً

__________________

(١) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ١٢ / ١٣٦ الخطبة ٢٢٣.

(٢) راجع الحديث السادس والعشرين : ص ١٢٣. (المؤلف)

(٣) البيان والتبيين : ٢ / ٢٠ [٢ / ١٩]. (المؤلف)

(٤) كنز العمّال : ٥ / ٨٥٤ ح ١٤٥٥١ ـ ١٤٥٥٦.

٢٤٢

سديداً يصلح لكم أعمالكم. فقالوا : يا أمير المؤمنين ما عندنا ممّا تسأل عنه شيء. فقال : أما والله إنّي لأعرف أبا بجدتها وابن بجدتها ، وأين مفزعها وأين منزعها ، فقالوا : كأنّك تعني ابن أبي طالب؟ فقال عمر : لله هو ، وهل طفحت حرّة بمثله وأبرعته؟ انهضوا بنا إليه ، فقالوا : يا أمير المؤمنين أتصير إليه؟ يأتيك. فقال : هيهات هناك شجنة من بني هاشم ، وشجنة من الرسول ، وأثرة من علم يُؤتى لها ولا يأتي. في بيته يُؤتى الحكم ، فاعطفوا نحوه. فألفوه في حائط له وهو يقرأ : (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً) (١) ويردّدها ويبكي ، فقال عمر لشريح : حدّث أبا حسن بالذي حدّثتنا به. فقال شريح : كنت في مجلس الحكم ، فأتى هذا الرجل فذكر أنّ رجلاً أودعه امرأتين حرّة مهيرة (٢) وأُم ولد ، فقال له : أنفق عليهما حتى أقدم. فلمّا كان في هذه الليلة وضعتا جميعاً إحداهما ابناً والأخرى بنتاً ، وكلتاهما تدّعي الابن وتنتفي من البنت من أجل الميراث ، فقال له : بم قضيت بينهما؟ فقال شريح : لو كان عندي ما أقضي به بينهما لم آتكم بهما ، فأخذ عليّ تبنةً من الأرض فرفعها فقال : إنّ القضاء في هذا أيسر من هذه. ثمّ دعا بقدح فقال لإحدى المرأتين : احلبي. فحلبت ، فوزنه. ثمّ قال للأخرى : احلبي. فحلبت ، فوزنه فوجده على النصف من لبن الأُولى ، فقال لها : خذي أنتِ ابنتكِ ، وقال للأخرى : خذي أنتِ ابنكِ ، ثمّ قال لشريح : أما علمت أنّ لبن الجارية على النصف من لبن الغلام؟ وأنّ ميراثها نصف ميراثه؟ وأنّ عقلها نصف عقله؟ وأنّ شهادتها نصف شهادته؟ وأنّ ديتها نصف ديته؟ وهي على النصف في كلّ شيء. فأعجب به عمر إعجاباً شديداً ثمّ قال : أبا حسن لا أبقاني الله لشدّة لست لها ولا في بلد لست فيه.

كنز العمّال (٣) (٣ / ١٧٩) ، مصباح الظلام للجرداني (٤) (٢ / ٥٦).

__________________

(١) القيامة : ٣٦.

(٢) المهيرة من النساء : الحرّة الغالية المهر ، جمعها مهائر. (المؤلف)

(٣) كنز العمّال : ٥ / ٨٣٠ ح ١٤٥٠٨.

(٤) مصباح الظلام : ٢ / ١٣٦ ح ٤٠٥.

٢٤٣

ـ ٥٧ ـ

الخليفة ومولود عجيب

عن سعيد بن جبير ، قال : أُتي عمر بن الخطّاب بامرأة قد ولدت ولداً له خلقتان بدنان وبطنان وأربعة أيدٍ ورأسان وفرجان هذا في النصف الأعلى ، وأمّا في الأسفل فله فخذان وساقان ورجلان مثل سائر الناس ، فطلبت المرأة ميراثها من زوجها وهو أبو ذلك الخلق العجيب ، فدعا عمر بأصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فشاورهم فلم يجيبوا بشيء ، فدعا عليّ بن أبي طالب ، فقال عليّ : «إنّ هذا أمر يكون له نبأ فاحبسها واحبس ولدها واقبض مالهم وأقم لهم من يخدمهم وانفق عليهم بالمعروف». ففعل عمر ذلك ثمّ ماتت المرأة وشبّ الخلق وطلب الميراث فحكم له عليّ بأن يقام له خادم خصيّ يخدم فرجيه ويتولّى منه ما يتولّى الأُمّهات ما لا يحلّ لأحد سوى الخادم ، ثمّ إنّ أحد البدنين طلب النكاح فبعث عمر إلى عليّ فقال له : يا أبا الحسن ما تجد في أمر هذين إن اشتهى أحدهما شهوة خالفه الآخر ، وإن طلب الآخر حاجة طلب الذي يليه ضدّها ، حتى إنّه في ساعتنا هذه طلب أحدهما الجماع. فقال عليّ : «الله أكبر إنّ الله أحلم وأكرم من أن يُري عبداً أخاه وهو يجامع أهله ، ولكن علّلوه ثلاثاً فإنّ الله سيقضي قضاءً فيه ما طلب هذا عند الموت» ، فعاش بعدها ثلاثة أيّام ومات ، فجمع عمر أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فشاورهم فيه ، قال بعضهم : اقطعه حتى يبين الحيّ من الميّت وتكفنه وتدفنه ، فقال عمر : إنّ هذا الذي أشرتم لعجب أن نقتل حيّا لحال ميّت ، وضجّ الجسد الحيّ فقال : الله حسبكم تقتلوني وأنا أشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمداً رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأقرأ القرآن ، فبعث إلى عليّ فقال : يا أبا الحسن احكم فيما بين هذين الخلقين. فقال عليّ : «الأمر فيه أوضح من ذلك وأسهل وأيسر ، الحكم أن تغسلوه وتكفّنوه وتدعوه مع ابن أُمّه يحمله الخادم إذا مشى فيعاون عليه أخاه ، فإذا كان بعد ثلاث جفّ فاقطعوه جافّا ويكون موضعه حيّا

٢٤٤

لا يألم ، فإنّي أعلم أنّ الله لا يبقي الحيّ بعده أكثر من ثلاث يتأذّى برائحة نتنه وجيفته». ففعلوا ذلك فعاش الآخر ثلاثة أيّام ومات. فقال عمر رضى الله عنه : يا ابن أبي طالب فما زلت كاشف كلّ شبهة وموضح كلّ حكم. كنز العمّال (١) (٣ / ١٧٩)

ـ ٥٨ ـ

اجتهاد الخليفة في حدّ أَمة

عن يحيى بن حاطب ، قال : توفّي حاطب فأعتق من صلّى من رقيقه وصام ، وكانت له أَمة نوبيّة قد صلّت وصامت وهي أعجمية لم تفقه فلم ترعه إلاّ بحبلها وكانت ثيّباً فذهب إلى عمر رضى الله عنه فحدّثه ، فقال : لأنت الرجل لا تأتي بخير. فأفزعه ذلك ، فأرسل إليها عمر رضى الله عنه فقال : أحبلت؟ فقالت : نعم من مرغوش بدرهمين. فإذا هي تستهلّ بذلك لا تكتمه. قال : وصادف عليّا وعثمان وعبد الرحمن بن عوف فقال : أشيروا عليّ وكان عثمان رضى الله عنه جالساً فاضطجع ، فقال عليّ وعبد الرحمن : قد وقع عليها الحدّ ، فقال : أشر عليّ يا عثمان؟ فقال : قد أشار عليك أخواك. قال : أشر عليّ أنت. قال : أراها تستهلّ به كأنّها لا تعلمه وليس الحدّ إلاّ على من علمه. فقال : صدقت صدقت والذي نفسي بيده ما الحدّ إلاّ على من علمه. فجلدها عمر مائة وغرّبها عاماً (٢).

وقال الشافعي في الأُمّ (٣) (١ / ١٣٥) : فخالف عليّا وعبد الرحمن فلم يحدّها حدّها عندهما وهو الرجم ، وخالف عثمان أن لا يحدّها بحال ، وجلدها مائة وغرّبها عاماً.

__________________

(١) كنز العمّال : ٥ / ٨٣٣ ح ١٤٥٠٩.

(٢) كتاب الأُمّ للشافعي : ١ / ١٣٥ [١ / ١٥٢] ، اختلاف الحديث للشافعي ـ هامش الأُمّ : ٧ / ١٤٤ [٧ / ٥٠٧] ، سنن البيهقي : ٨ / ٢٣٨. وذكر أبو عمر شطراً منه في العلم : ص ١٤٨ [ص ٣٠٨ ح ١٥٤٨]. (المؤلف)

(٣) كتاب الأُمّ : ١ / ١٥٢.

٢٤٥

وقال البيهقي في السنن (١) : قال الشيخ رحمه‌الله : كان حدّها الرجم ، فكأنّه رضى الله عنه درأ عنها حدّها للشبهة بالجهالة وجلدها وغرّبها تعزيراً.

قال الأميني : أنا لا أقول إنّ الأمر في المسألة دائر بين أمرين ؛ إمّا ثبوت الحدّ وهو الرجم ، وإمّا درؤه بالشبهة وتخلية الحامل سبيلها ، والقول بالفصل رأي خارج عن نطاق الشرع ، وإنّما أقول : إنّ ما رآه البيهقي من كون الجلدة والتغريب تعزيراً لا يصحّح الرأي بل يوجب مزيد الإشكال ؛ إذ ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا يجلد أحد فوق عشرة أسواط إلاّ في حدّ من حدود الله» (٢).

وفي صحيح آخر قوله : «لا يجلد فوق عشرة أسواط فيما دون حدّ من حدود الله» (٣).

وقوله : «لا يحلّ لأحد أن يضرب أحداً فوق عشرة أسواط إلاّ في حدٍّ من حدود الله» (٤).

وقوله : «لا تعزّروا فوق عشرة أسواط» (٥).

وقوله : «من بلغ حدّا في غير حدٍّ فهو من المعتدين» (٦).

وقوله : «لا يضرب فوق عشرة أسواط إلاّ في حدٍّ من حدود الله» (٧).

__________________

(١) السنن الكبرى : ٨ / ٢٣٨.

(٢) صحيح البخاري في الجزء الأخير [٦ / ٢٥١٢ ح ٦٤٥٨] باب كم التعزير والأدب ، سنن أبي داود : ٢ / ٢٤٢ [٤ / ١٦٧ ح ٤٤٩١] ، صحيح مسلم في الحدود : ١ / ٥٢ [٣ / ٥٤٠ ح ٤٠]. (المؤلف)

(٣) مستدرك الحاكم : ٤ / ٣٨٢ [٤ / ٤٢٣ ح ٨١٥٢]. (المؤلف)

(٤) سنن الدارمي : ٢ / ١٧٦. (المؤلف)

(٥) سنن ابن ماجة : ٢ / ١٢٩ [٢ / ٨٦٧ ح ٢٦٠٢]. (المؤلف)

(٦) السنن الكبرى للبيهقي : ٨ / ٣٢٧. (المؤلف)

(٧) السنن الكبرى للبيهقي : ٨ / ٣٢٨ ، وأخرجه ابن مندة وأبو نعيم كما في الإصابة : ٢ / ٤٢٣ [رقم ٥٢١١]. (المؤلف)

٢٤٦

وقوله : «لا عقوبة فوق عشر ضربات إلاّ في حدٍّ من حدود الله» (١).

فهل الخليفة قد خفيت عليه هذه كلّها؟ أو تعمّد في الصفح عنها وجعلها دبر أُذنيه؟

ـ ٥٩ ـ

نهي الخليفة عمّا أمر به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

عن أبي هريرة ، قال : كنّا قعوداً حول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومعنا أبو بكر وعمر في نفر ، فقام من بين أظهرنا فأبطأ علينا وخشينا أن يقطع دوننا ، فقمنا وكنت أوّل من فزع ، فخرجت أبتغيه حتى أتيت حائطاً للأنصار لقوم من بني النجّار فلم أجد له باباً إلاّ ربيعاً ، فدخلت في جوف الحائط ـ والربيع : الجدول ـ فدخلت منه بعد أن احتفزته ، فإذا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : «أبو هريرة؟» قلت : نعم. قال : «وما شأنك؟» قلت : كنت بين أظهرنا فقمت وأبطأت فخشينا أن تقتطع دوننا ففزعنا وكنت أوّل من فزع ، فأتيت هذا الحائط فاحتفزته كما يحتفز الثعلب والناس من ورائي ، فقال : «يا أبا هريرة اذهب بنعلي هاتين فمن لقيته وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلاّ الله مستيقناً بها قلبه فبشّره بالجنة».

فخرجت فكان أوّل من لقيت عمر فقال : ما هذان النعلان؟ قلت : نعلا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعثني بهما وقال : من لقيته يشهد أن لا إله إلاّ الله مستيقناً بها قلبه بشّره بالجنّة ، فضرب عمر في صدري فخررت لاستي وقال : ارجع إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأجهشت بالبكاء راجعاً ، فقال رسول الله : «ما بالك؟» قلت : لقيت عمر فأخبرته بما بعثتني به فضرب صدري ضربة خررت لاستي وقال : ارجع إلى رسول الله ، فخرج رسول الله فإذا عمر فقال : «ما حملك يا عمر على ما فعلت؟» فقال عمر : أنت بعثت

__________________

(١) صحيح البخاري في باب كم التعزير والأدب في الجزء الأخير [٦ / ٢٥١٢ ح ٦٤٥٧]. (المؤلف)

٢٤٧

أبا هريرة بكذا؟ قال : «نعم» ، قال : فلا تفعل فإنّي أخشى أن يتّكل الناس عليها فيتركوا العمل خلّهم يعملون ، فقال رسول الله : «فخلّهم» (١).

قال الأميني : إنّ التبشير والإنذار من وظائف النبوّة كتاباً وسنّة واعتباراً وأرسل الله النبيّين مبشّرين ومنذرين ، وإن كان في التبشير تثبيط عن العمل لكان من واجب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن لا يبشّر بشيء قطّ وقد بشّر في الكتاب الكريم بمثل قوله تعالى : (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللهِ فَضْلاً كَبِيراً) (٢) وقوله : (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ) (٣) ووردت بشارات جمّة في السنّة النبويّة في الترغيب في الشهادة بالله وذكر لا إله إلاّ الله (٤). وأمر صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عبد الله بن عمر أن ينادي في الناس : إنّ من شهد أن لا إله إلاّ الله دخل الجنّة (٥). وأيّ تثبيط هناك ولازم التوحيد الصحيح العمل بكلّ ما شرّعه الإله الواحد؟ ولا سيّما هتاف الرسالة في كلّ حين يُسمع المستخفّين بالوعيد المزعج والعذاب الشديد مشفوعاً بعِداته الكريمة لمن يعمل الصالحات ، والجنّة يشتاق إليه الموحّدون. أخرج أحمد : عن ابن مطرف ، قال : حدّثني الثقة أنّ رجلاً أسود كان يسأل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن التسبيح والتهليل ، فقال عمر بن الخطّاب : مه أكثرت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. فقال : مه يا عمر. وأُنزلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ). حتى إذا أتى على ذكر الجنّة زفر الأسود زفرةً خرجت نفسه ، فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «مات شوقاً إلى الجنّة» (٦).

__________________

(١) سيرة عمر لابن الجوزي : ص ٣٨ [ص ٤١ ـ ٤٢] ، شرح ابن أبي الحديد : ٣ / ١٠٨ ، ١١٦ [١٢ / ٥٥ ـ ٥٦ ، ٨٣ الخطبة ٢٢٣] ، فتح الباري : ١ / ١٨٤ [١ / ٢٢٨]. (المؤلف)

(٢) الأحزاب : ٤٧.

(٣) يونس : ٢.

(٤) راجع الترغيب والترهيب للحافظ المنذري : ٢ / ١٦٠ ـ ١٦٥ [٢ / ٤١٢ ـ ٤١٨ ح ١ ـ ٢٢]. (المؤلف)

(٥) تهذيب التهذيب : ١ / ٤٢٤ [١ / ٣٧١]. (المؤلف)

(٦) الدرّ المنثور : ٦ / ٢٩٧ [٨ / ٣٦٦]. (المؤلف)

٢٤٨

وهكذا يجب أن تسير الأُمّة إلى الله بين خطّتي الخوف والرجاء ، فلا التهديد يدعها تتوانى عن العمل ، ولا الوعد يأمنها من العقوبة إن تركته ، وهذه هي الطريقة المثلى في إصلاح المجتمع ، والسير بهم في السنن اللاحب ، (سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً) (١) ، غير أنّ الخليفة قد يحسب أنّ خطّته أمثل من هذه ، فانتهر أبا هريرة حتى خرّ لاسته ، ونهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الدأب على ما قال وأمر به وهو لا ينطق عن الهوى إن هو إلاّ وحي يوحى.

وليس من المستطاع أن يُخبت إلى اعتناء النبيّ بهاتيك الهلجة بعد أن صدع بما صدع عن الوحي الإلهي ، لكن الدوسي يقول : قال : فخلّهم. وأنا لا أدري هل كذب الدوسيّ ، أو أنّ هذا مبلغ علم الخليفة وأُنموذج عمله؟

ـ ٦٠ ـ

اجتهاد الخليفة في حُلي الكعبة (٢)

١ ـ ذكر عند عمر بن الخطّاب في أيّامه حلي الكعبة وكثرته ، فقال قوم : لو أخذته فجهّزت به جيوش المسلمين كان أعظم للأجر ، وما تصنع الكعبة بالحليّ؟ فهمّ عمر بذلك وسأل عنه أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فقال : «إنّ هذا القرآن أُنزل على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأموال أربعة : أموال المسلمين فقسّمها بين الورثة في الفرائض ، والفيء فقسّمه على

__________________

(١) الأحزاب : ٦٢.

(٢) صحيح البخاري : ٣ / ٨١ [٢ / ٥٧٨ ح ١٥١٧] في كتاب الحجّ ، باب كسوة الكعبة ، وفي الاعتصام أيضاً [٦ / ٢٦٥٥ ح ٦٨٤٧] ، أخبار مكة للأزرقي [١ / ٢٤٦] ، سنن أبي داود : ١ / ٣١٧ [٢ / ٢١٥ ح ٢٠٣١] ، سنن ابن ماجة : ٢ / ٢٦٩ [٢ / ١٠٤٠ ح ٣١١٦] ، سنن البيهقي : ٥ / ١٥٩ ، فتوح البلدان للبلاذري : ص ٥٥ ، نهج البلاغة : ٢ / ٢٠١ [ص ٥٢٣ رقم ٢٧٠] ، الرياض النضرة : ٢ / ٢٠ [٢ / ٢٨٨] ، ربيع الأبرار للزمخشري في الباب الخامس والسبعين [٤ / ٢٦] ، تيسير الوصول : [٣ / ٣٦٧ ح ٧] ، فتح الباري : ٣ / ٣٥٨ [٣ / ٤٥٦] ، كنز العمّال : ٧ / ١٤٥ [١٤ / ١٠٠ ح ٣٨٠٥٢]. (المؤلف)

٢٤٩

مستحقّيه ، والخمس فوضعه الله حيث وضعه ، والصدقات فجعلها الله حيث جعلها ، وكان حُليّ الكعبة فيها يومئذٍ فتركه الله على حاله ولم يتركه نسياناً ولم يخف عنه مكاناً ، فأقرّه حيث أقرّه الله ورسوله». فقال له عمر : لولاك لافتضحنا. وترك الحُليّ بحاله.

٢ ـ عن شقيق ، عن شيبة بن عثمان ، قال : قعد عمر بن الخطّاب رضى الله عنه في مقعدك الذي أنت فيه فقال : لا أخرج حتى أقسّم مال الكعبة ـ بين فقراء المسلمين ـ قال : قلت : ما أنت بفاعل. قال : بلى لأفعلنّ. قال : قلت : ما أنت بفاعل. قال : لم؟ قلت : لأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد رأى مكانه وأبو بكر رضى الله عنه وهما أحوج منك إلى المال فلم يخرجاه. فقام فخرج.

لفظ آخر :

قال شقيق : جلست إلى شيبة بن عثمان في المسجد الحرام ؛ فقال لي : جلس إليّ عمر بن الخطّاب رضى الله عنه مجلسك هذا فقال : لقد هممت أن لا أترك فيها ـ أي في الكعبة ـ صفراء ولا بيضاء إلاّ قسّمتها. قال شيبة ، فقلت : إنّه كان لك صاحبان فلم يفعلاه : رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبو بكر رضى الله عنه. فقال عمر : هما المرآن أقتدي بهما.

٣ ـ وعن الحسن : أنّ عمر بن الخطّاب قال : لقد هممت أن لا أدع في الكعبة صفراء ولا بيضاء إلاّ قسّمتها ، فقال له أُبيّ بن كعب : والله ما ذاك لك. فقال عمر : لم؟ قال : إنّ الله قد بيّن موضع كلّ مال وأقرّه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. فقال عمر : صدقت.

نحن لا نناقش الحساب في تعيين الملقّن لحكم القضيّة ، غير أنّ هذه الروايات تُعطينا خُبراً بأنّ كلّ أُولئك الرجال كانوا أفقه من الخليفة في هذه المسألة ، فأين قول صاحب الوشيعة : إنّ عمر أفقه الصحابة وأعلمهم في زمنه على الإطلاق؟

٢٥٠

ـ ٦١ ـ

اجتهاد الخليفة في طلاق الثلاث

١ ـ عن ابن عبّاس ، قال : كان الطلاق على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبي بكر وسنتين ـ وسنين ـ من خلافة عمر رضى الله عنه طلاق الثلاث واحدة ، فقال عمر رضى الله عنه : إنّ الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم ، فأمضاه عليهم (١).

مسند أحمد (١ / ٣١٤) ، صحيح مسلم (١ / ٥٧٤) ، سنن البيهقي (٧ / ٣٣٦) ، مستدرك الحاكم (٢ / ١٩٦) ، تفسير القرطبي (٣ / ١٣٠) وصحّحه ، إرشاد الساري (٨ / ١٢٧) ، الدرّ المنثور (١ / ٢٧٩).

٢ ـ عن طاووس ، قال : إنّ أبا الصهباء قال لابن عبّاس : أتعلم أنّما كانت الثلاث تُجعل واحدةً على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبي بكر رضى الله عنه وثلاث في إمارة عمر رضى الله عنه؟ قال ابن عبّاس : نعم (٢).

صحيح مسلم (١ / ٥٧٤) ، سنن أبي داود (١ / ٣٤٤) ، أحكام القرآن للجصّاص (١ / ٤٥٩) ، سنن النسائي (٦ / ١٤٥) ، سنن البيهقي (٧ / ٣٣٦) ، الدرّ المنثور (١ / ٢٧٩).

إنّ أبا الصهباء قال لابن عبّاس : هات من هناتك ، ألم يكن طلاق الثلاث على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبي بكر رضى الله عنه واحدةً؟ قال : قد كان ذلك ، فلمّا كان في عهد عمر رضى الله عنه تتابع الناس في الطلاق فأمضاه عليهم ـ فأجازه عليهم.

__________________

(١) مسند أحمد : ١ / ٥١٦ ح ٢٨٧٠ ، صحيح مسلم : ٣ / ٢٧٦ ح ١٥ كتاب الطلاق ، المستدرك على الصحيحين : ٢ / ٢١٤ ح ٢٧٩٣ ، الجامع لأحكام القرآن : ٣ / ٨٦ ، إرشاد الساري : ١٢ / ١٧ ، الدرّ المنثور : ١ / ٦٦٨.

(٢) صحيح مسلم : ٣ / ٢٧٧ ح ١٦ كتاب الطلاق ، سنن أبي داود : ٢ / ٢٦١ ح ٢٢٠٠ ، أحكام القرآن : ١ / ٣٨٨ ، السنن الكبرى للنسائي : ٣ / ٣٥١ ح ٥٥٩٩ ، الدرّ المنثور : ١ / ٦٦٨.

٢٥١

صحيح مسلم (١) (١ / ٥٧٤) ، سنن البيهقي (٧ / ٣٣٦).

صورة أُخرى :

كان أبو الصهباء كثير السؤال لابن عبّاس ، قال : أما علمت أنّ الرجل كان إذا طلّق امرأته ثلاثاً قبل أن يدخل بها جعلوها واحدةً على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبي بكر وصدراً من إمارة عمر؟ قال ابن عبّاس : بلى ، كان الرجل إذا طلّق امرأته ثلاثاً قبل أن يدخل بها جعلوها واحدة على عهد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبي بكر رضى الله عنه وصدراً من إمارة عمر رضى الله عنه ، فلمّا رأى الناس قد تتابعوا فيها قال : أجيزوهنّ عليهم (٢).

سنن أبي داود (١ / ٣٤٤) ، سنن البيهقي (٧ / ٣٣٩) ، تيسير الوصول (٣ / ١٦٢) ، الدرّ المنثور (١ / ٢٧٩).

٣ ـ أخرج الطحاوي ، من طريق ابن عبّاس انّه قال : لمّا كان زمن عمر رضى الله عنه قال : يا أيّها الناس قد كان لكم في الطلاق أناة ، وإنّه من تعجّل أناة الله في الطلاق ألزمناه إيّاه. وذكره العيني في عمدة القاري (٣) (٩ / ٥٣٧) وقال : إسناد صحيح.

٤ ـ عن طاووس ، قال : قال عمر بن الخطّاب : قد كان لكم في الطلاق أناة فاستعجلتم أناتكم ، وقد أجزنا عليكم ما استعجلتم من ذلك.

كنز العمّال (٤) (٥ / ١٦٢) نقلاً عن أبي نعيم.

٥ ـ عن الحسن : أنّ عمر بن الخطّاب كتب إلى أبي موسى الأشعري : لقد هممت أن أجعل إذا طلّق الرجل امرأته ثلاثاً في مجلس أن أجعلها واحدة ، ولكنّ

__________________

(١) صحيح مسلم : ٣ / ٢٧٧ ح ١٧ كتاب الطلاق.

(٢) سنن أبي داود : ٢ / ٢٦١ ح ٢١٩٩ ، تيسير الوصول : ٣ / ١٨٧ ح ١ ، الدرّ المنثور : ١ / ٦٦٨.

(٣) عمدة القاري : ٢٠ / ٢٣٣.

(٤) كنز العمّال : ٩ / ٦٧٦ ح ٢٧٩٤٣.

٢٥٢

أقواماً جعلوا على أنفسهم فألزِم كلّ نفس ما لزم نفسه ، من قال لامرأته : أنت عليَّ حرام. فهي حرام ، ومن قال لامرأته : أنت بائنة. فهي بائنة ، ومن طلّق ثلاثاً فهي ثلاث.

كنز العمّال (١) (٥ / ١٦٣) نقلاً عن أبي نعيم.

قال الأميني : إنّ من العجب أن يكون استعجال الناس مسوّغاً لأن يتّخذ الإنسان كتاب الله وراءه ظهريّا ويلزمه بما رأوا ، هذا الذكر الحكيم يقول بكلّ صراحة : (الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ) إلى قوله تعالى : (فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ) (٢). فقد أوجب سبحانه تحقيق المرّتين والتحريم بعد الثالث ، وذلك لا يجامع جمع التطليقات بكلمة ـ ثلاثاً ـ ولا بتكرار صيغة الطلاق ثلاثاً متعاقبة بلا تخلّل عقدة النكاح بينها.

أمّا الأوّل فلأنّه طلاق واحد وقول ـ ثلاثاً ـ لا يكرّره ، ألا ترى أنّ الوحدة المأخوذة في الفاتحة في ركعات الصلاة لا تُكرّر لو شفعها المصلّي بقوله : خمساً أو عشراً ، ولا يقال : إنّه كرّر السورة وقرأها غير مرّة.

وكذلك كلّ حكم اعتبر فيه العدد كرمي الجمرات السبع ، فلا يجزي عنه رمي الحصيات مرّة واحدة ، وكالشهادات الأربع في اللعان لا تجزي عنها شهادة واحدة مشفوعة بقوله ـ أربعاً.

وكفصول الأذان المأخوذة فيها التثنية لا يتأتّى التكرار فيها بقراءة واحدة وإردافها بقول ـ مرّتين.

وكتكبيرات صلاة العيدين الخمس أو السبع المتوالية ـ عند القوم ـ قبل

__________________

(١) كنز العمّال : ٩ / ٦٧٦ ح ٢٧٩٤٤.

(٢) البقرة : ٢٢٩ ـ ٢٣٠.

٢٥٣

القراءة (١) لا تتأتّى بتكبيرة واحدة بعدها قول المصلّي خمساً أو سبعاً.

وكصلاة التسبيح (٢) ؛ وقد أخذ في تسبيحاتها العدد عشراً وخمسة عشر فلا تُجزي عنها تسبيحة واحدة مردوفة بقوله عشراً أو خمسة عشر. وهذه كلّها ممّا لا خلاف فيه.

وأمّا الثاني فإنّ الطلاق يحصل باللفظ الأوّل ، وتقع به البينونة ، وتسرّح به المعقودة بالنكاح ، ولا يبقى ما بعده إلاّ لغواً ، فإنّ المطلّقة لا تطلّق ، والمسرَّحة لا تُسرّح ، فلا يحصل به العدد المأخوذ في موضوع الحكم ، بل تعدّد الطلاق يستلزم تخلّل عقدة الزواج بين الطلاقين ولو بالرجوع ، ومهما لم تتخلّل يقع الطلاق الثاني لغواً ويبطله قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا طلاق إلاّ بعد نكاح» ، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا طلاق قبل نكاح» ، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا طلاق لمن لا يملك» (٣).

قال سماك بن الفضل : إنّما النكاح عقدة تعقد والطلاق يحلّها ، وكيف تُحلّ عقدة قبل أن تعقد؟ انتهى (٤).

وروى أبو يوسف القاضي عن أبي حنيفة ، عن حمّاد ، عن إبراهيم ، عن ابن مسعود رضى الله عنه أنّه قال : طلاق السنّة أن يطلّق الرجل امرأته واحدة حين تطهر من حيضتها من غير أن يجامعها ، وهو يملك الرجعة حتى تنقضي العدّة ، فإذا انقضت فهو خاطب من الخطّاب ، فإن أراد أن يطلّقها ثلاثاً طلّقها حين تطهر من حيضتها الثانية ،

__________________

(١) السنن الكبرى للنسائي : ٣ / ٢٨٥ ـ ٢٩١ [٥٥٤ ح ١٨٠٤]. (المؤلف)

(٢) صلاة التسبيح ؛ هي المسمّاة بصلاة جعفر عند أصحابنا ، ولا خلاف بين الفريقين في فضلها وكمّها وكيفها ، غير أنّ أئمّة القوم أخرجوها في الصحاح والمسانيد عن ابن عبّاس. (المؤلف)

(٣) سنن الدارمي : ٢ / ١٦١ ، سنن أبي داود : ١ / ٣٤٢ [٢ / ٢٥٨ ح ٢١٩٠] ، سنن ابن ماجة : ١ / ٦٣١ [١ / ٦٦٠ ح ٢٠٤٧ و ٢٠٤٨] ، السنن الكبرى [للبيهقي] : ٧ / ٣١٨ ـ ٣٢١ ، مستدرك الحاكم : ٢ / ٢٠٤ [٢ / ٢٢٣ ح ٢٨٢٠] ، مشكل الآثار للطحاوي : ١ / ٢٨٠. (المؤلف)

(٤) سنن البيهقي : ٧ / ٣٢١. (المؤلف)

٢٥٤

ثمّ يطلّقها حين تطهر من حيضتها الثالثة. كتاب الآثار (ص ١٢٩). ومراده كما يأتي تخلّل الرجوع بعد كلّ طلقة.

وقال الجصّاص في أحكام القرآن (١). (١ / ٤٤٧) : والدليل على أنّ المقصد في قوله : الطلاق مرّتان ، الأمر بتفريق الطلاق وبيان حكم ما يتعلّق بإيقاع ما دون الثلاث من الرجعة ، أنّه قال (٢) : الطلاق مرّتان. وذلك يقتضي التفريق لا محالة ، لأنّه لو طلّق اثنتين معاً لما جاز أن يقال طلّقها مرّتين ، وكذلك لو دفع رجل إلى آخر درهمين لم يجز أن يقال : أعطاه مرّتين حتى يفرّق الدفع فحينئذٍ يطلق عليه ، وإذا كان هذا هكذا فلو كان الحكم المقصود باللفظ هو ما تعلّق بالتطليقتين من بقاء الرجعة لأدّى ذلك إلى إسقاط فائدة ذكر المرّتين إذا كان هذا الحكم ثابتاً في المرّة الواحدة إذا طلّق اثنتين ، فثبت بذلك أنّ ذكر المرّتين إنّما هو أمر بإيقاعه مرّتين ، ونهي عن الجمع بينهما في مرّة واحدة ، ومن جهة أُخرى أنّه لو كان اللفظ محتملاً للأمرين لكان الواجب حمله على إثبات الحكم في إيجاب الفائدتين وهو الأمر بتفريق الطلاق متى أراد أن يطلّق اثنتين ، وبيان حكم الرجعة إذا طلّق كذلك ، فيكون اللفظ مستوعباً للمعنيين. انتهى.

هذا ما نطق به القرآن الكريم ، وليس الرأي تجاه كتاب الله إلاّ تلاعباً به كما نصّ عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في صحيحة أخرجها النسائي في السنن (٣) ، عن محمود بن لبيد ، قال : أخبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن رجل طلّق امرأته ثلاث تطليقات جميعاً فقام غضبان ثمّ قال : «أيُلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم؟» حتى قام رجل وقال : يا رسول الله ألا أقتله؟

__________________

(١) أحكام القرآن : ١ / ٣٧٨.

(٢) المصدر المؤوّل خبر لقوله المتقدم : والدليل على ....

(٣) السنن الكبرى : ٦ / ١٤٢ [٣ / ٣٤٩ ح ٥٥٩٤] ، وذكر في تيسير الوصول : ٣ / ١٦٠ [٣ / ١٨٥ ح ٤] ، تفسير ابن كثير : ١ / ٢٧٧ ، إرشاد الساري : ٨ / ١٢٨ [١٢ / ١٨] ، الدرّ المنثور : ١ / ٢٨٣ [١ / ٦٧٦]. (المؤلف)

٢٥٥

وروى ابن إسحاق في لفظ ، عن عكرمة ، عن ابن عبّاس ، قال : طلّق ركانة زوجه ثلاثاً في مجلس واحد ، فحزن عليها حزناً شديداً ، فسأله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «كيف طلّقتها؟» قال : طلّقتها ثلاثاً في مجلس واحد. قال : «إنّما تلك طلقة واحدة فارتجعها». بداية المجتهد (٢ / ٦١).

ولبعض أعلام القوم في المسألة كلمات تشدّق بها ، وأعجب ما رأيت فيها كلمة العيني ؛ قال في عمدة القاري (١) (٩ / ٥٣٧):

إنّ الطلاق الوارد في الكتاب منسوخ ، فإن قلت : ما وجه هذا النسخ وعمر رضى الله عنه لا ينسخ؟ وكيف يكون النسخ بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟ قلت : لمّا خاطب عمر الصحابة بذلك فلم يقع إنكار صار إجماعاً ، والنسخ بالإجماع جوّزه بعض مشايخنا بطريق أنّ الإجماع موجب علم اليقين كالنصّ فيجوز أن يثبت النسخ به ، والإجماع في كونه حجّة أقوى من الخبر المشهور ، فإذا كان النسخ جائزاً بالخبر المشهور في الزيادة على النص فجوازه بالإجماع أولى ، فإن قلت : هذا إجماع على النسخ من تلقاء أنفسهم فلا يجوز ذلك في حقّهم. قلت : يحتمل أن يكون ظهر لهم نصّ أوجب النسخ ولم ينقل إلينا ذلك. انتهى.

لم تسمع الآذان نبأ هذا النسخ في القرون السالفة إلى أن جاد الدهر بالعينيّ فجاء يدّعي ما لم يقل به أحد ، ويخبط خبط عشواء ، ويلعب بكتاب الله ، ولا يرى له ولا لسنّة الله قيمة ولا كرامة.

أنّى للرجل إثبات حكمه الباتّ بإجماع الصحابة على ما أحدثه الخليفة لمّا خاطبهم بذلك؟ وكيف يسوغ عزو رفض محكم الكتاب والسنّة إليهم برأي رآه النبيّ الأقدس لعباً بالكتاب العزيز كما مرّ عن صحيح النسائي قبيل هذا ، وقد كانوا على حكمهما غير أنّه لا رأي لمن لا يطاع. هذا ودرّة الخليفة تهتزّ على رءوسهم!

__________________

(١) عمدة القاري : ٢٠ / ٢٣٣.

٢٥٦

ثمّ إن كان نسخ بالإجماع فكيف ذهب أبو حنيفة ومالك والأوزاعي والليث إلى أنّ الجمع بين الثلاث طلاق بدعة؟ وقال الشافعي وأحمد وأبو ثور ليس بحرام لكن الأولى التفريق؟ وقال السندي : ظاهر الحديث التحريم (١)؟

وكيف أجمعت الأُمّة على النقيضين في يوميها وهي لن تجتمع على الخطأ؟ هذا إجماع العيني المزعوم يوم بدو رأي الخليفة في الطلاق ، وهذا إجماع صاحب عون المعبود قبله قال : وقد أجمع الصحابة إلى السنة الثانية من خلافة عمر على أنّ الثلاث بلفظ واحد واحدة ، ولم ينقض هذا الإجماع بخلافه ، بل لا يزال في الأُمّة من يفتي به قرناً بعد قرن إلى يومنا هذا. انتهى. تيسير الوصول (٢) (٣ / ١٦٢).

هب أنّ الأُمّة جمعاء قديماً وحديثاً أجمعت على خلاف ما نطق به محكم القرآن ونقضت ما هتف به المشرّع الأقدس ، فهل لنا مسوّغ لرفع اليد عنهما والأخذ بقول أُمّة غير معصومة؟ والنسخ بالخبر المشهور بعد الغضّ عمّا فيه من الخلاف الثائر إنّما هو لعصمة قائله فلا يقاس به قول من لا عصمة له.

واحتمال استناد إجماع الصحابة إلى نصّ لم ينقل إلينا خرافة تكذّبه نصوص الخليفة وغيره من الصحابة ، على أنّ ما ذهب إليه الخليفة لم يكن إلاّ مجرّد رأي وسياسة محضة.

وما أحسن كلمة الشيخ صالح بن محمد العمري الفلاني المتوفّى (١٢٩٨) في كتابه إيقاظ همم أُولي الأبصار في (ص ٩) حيث قال : إنّ المعروف عند الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعند سائر العلماء المسلمين أنّ حكم الحاكم المجتهد إذا خالف نصّ كتاب الله تعالى أو سنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجب نقضه ومنع نفوذه ، ولا يعارض نصّ الكتاب والسنّة بالاحتمالات العقليّة والخيالات النفسانيّة والعصبية

__________________

(١) راجع حاشية الإمام السندي على سنن النسائي ٦ / ١٤٣. (المؤلف)

(٢) تيسير الوصول : ٣ / ١٨٧.

٢٥٧

الشيطانيّة بأن يقال : لعلّ هذا المجتهد قد اطّلع على هذا النصّ وتركه لعلّة ظهرت له ، أو أنّه اطّلع على دليل آخر ، ونحو هذا ممّا لهج به فرق الفقهاء المتعصّبين وأطبق عليه جهلة المقلّدين.

ـ ٦٢ ـ

اجتهاد الخليفة في الصلاة بعد العصر

١ ـ عن تميم الداري ، قال : إنّه ركع ركعتين بعد نهي عمر بن الخطّاب عن الصلاة بعد العصر فأتاه عمر فضربه بالدرّة ، فأشار إليه تميم أن اجلس وهو في صلاته ، فجلس عمر ثمّ فرغ تميم من صلاته ، فقال تميم لعمر : لِمَ ضربتني؟ قال : لأنّك ركعت هاتين الركعتين وقد نهيت عنهما ، قال : إنّي صلّيتهما مع من هو خير منك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. فقال عمر : إنّه ليس بي أنتم أيّها الرهط ، ولكنّي أخاف أن يأتي بعدكم قوم يصلون ما بين العصر إلى المغرب حتى يمرّوا بالساعة التي نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يصلّوا فيها كما وصلوا ما بين الظهر والعصر.

وعن وبرة ، قال : رأى عمر تميماً الداري يصلّي بعد العصر فضربه بالدرّة ، فقال تميم : لِمَ يا عمر تضربني على صلاة صلّيتها مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟ فقال عمر : يا تميم ليس كلّ الناس يعلم ما تعلم.

وعن عروة بن الزبير ، قال : خرج عمر على الناس فضربهم على السجدتين بعد العصر حتى مرّ بتميم الداري فقال : لا أدعهما صلّيتهما مع من هو خير منك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال عمر : إنّ الناس لو كانوا كهيئتك لم أُبالِ. صحّحه الهيثمي في المجمع وقال : رجال الطبراني رجال الصحيح.

٢ ـ عن السائب بن يزيد : أنّه رأى عمر بن الخطّاب يضرب المنكدر في الصلاة بعد العصر.

٢٥٨

وعن الأسود : أنّ عمر كان يضرب على الركعتين بعد العصر.

٣ ـ عن زيد بن خالد الجهني ، قال : إنّه رآه عمر بن الخطّاب وهو خليفة يركع بعد العصر ركعتين فمشى إليه فضربه بالدرّة وهو يصلّي كما هو ، فلمّا انصرف قال زيد : اضرب يا أمير المؤمنين فو الله لا أدعهما أبداً بعد أن رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصلّيهما ، فجلس إليه عمر وقال : يا زيد بن خالد لو لا أنّي أخشى أن يتّخذها الناس سلّماً إلى الصلاة حتى الليل لم أضرب فيهما. قال الهيثمي في المجمع : إسناده حسن.

٤ ـ عن طاووس : أنّ أبا أيّوب الأنصاري كان يصلّي قبل خلافة عمر ركعتين بعد العصر ، فلمّا استخلف عمر تركها ، فلمّا توفّي ركعهما فقيل له : ما هذا؟ فقال : إنّ عمر كان يضرب عليهما.

٥ ـ أخرج مسلم ، عن المختار بن فلفل ، قال : سألت أنس بن مالك عن التطوّع بعد العصر ، فقال : كان عمر يضرب الأيدي على صلاة بعد العصر ، وكنّا نصلّي على عهد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ركعتين بعد غروب الشمس قبل صلاة المغرب ، فقلت له : أكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلاّهما؟ قال : كان يرانا نصلّيهما فلم يأمرنا ولم ينهَنا.

٦ ـ أخرج أبو العبّاس السرّاج في مسنده ، عن المقدام بن شريح ، عن أبيه ، قال : سألت عائشة عن صلاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كيف كان يصلّي الظهر؟

قالت : كان يصلّي بالهجير ثمّ يصلّي بعدها ركعتين ، ثمّ يصلّي العصر ثمّ يصلّي بعدها ركعتين. قلت : قد كان عمر يضرب عليهما وينهى عنهما. فقالت : قد كان يصلّيهما وقد أعلم أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يصلّيهما ، ولكنّ قومك أهل اليمن قوم طغام يصلّون الظهر ثمّ يصلون ما بين الظهر والعصر ، ويصلّون العصر ثمّ يصلون ما بين

٢٥٩

العصر والمغرب ، وقد أحسن (١).

قال الأميني : عجباً من فقه الخليفة حيث يردع بالدرّة عن صلاة ثبت من السنّة أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلاّها وما تركها بعد العصر قطّ ، كما ورد في الصحاح وأخبرت به عائشة (٢) وقالت : والذي ذهب به ما تركهما حتى لقي الله ، وما لقي الله تعالى حتى ثقل عن الصلاة ، وكان يصلّي كثيراً من صلاته قاعداً ـ تعني ركعتين بعد العصر ـ. وقالت : ما ترك النبيّ السجدتين بعد العصر عندي قطّ. وقالت : لم يكن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يدعهما سرّا ولا علانية ، وقالت : ما كان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يأتيني في يوم بعد العصر إلاّ صلّى ركعتين.

وفي لفظ البيهقي ؛ قال أيمن : إنّ عمر كان ينهى عنهما ويضرب عليهما. فقالت : صدقت ولكن كان النبيُّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصلّيهما.

وفي تعليق الإجابة للزركشي (ص ٩١) نقلاً عن أبي منصور البغدادي في استدراكه من طريق أبي سعيد الخدري ، قال : كان عمر يضرب عليهما رءوس الرجال ـ يعني الصلاة بعد الفجر حتى مطلع الشمس وبعد العصر حتى مغرب

__________________

(١) صحيح مسلم : ١ / ٣١٠ [٢ / ٢٤٧ ح ٣٠٢ كتاب صلاة المسافرين] ، مسند أحمد : ٤ / ١٠٢ ، ١١٥ [٥ / ٧١ ح ١٦٤٩٦ ، و ٩١ ح ١٦٥٨٨] ، موطّأ مالك : ١ / ٩٠ [١ / ٢٢١ ح ٥٠ كتاب القرآن] ، الإجابة للزركشي : ص ٩١ ، ٩٢ [ص ٨٣ ـ ٨٤] ، مجمع الزوائد : ٢ / ٢٢٢ ، تيسير الوصول : ٢ / ٢٩٥ [٢ / ٣٥٤ ح ٧] ، فتح الباري : ٢ / ٥١ و ٣ / ٨٢ [٢ / ٦٤ و ٣ / ١٠٥] ، كنز العمّال : ٤ / ٢٢٥ ، ٢٢٦ [٨ / ١٧٩ ـ ١٨٣ ح ٢٢٤٦٧ ـ ٢٢٤٧٠ ، ٢٢٤٧٢ ، ٢٢٤٧٣ ، ٢٢٤٧٥ ، ٢٢٤٨٠] ، شرح المواهب : ٨ / ٢٣ ، شرح الموطّأ للزرقاني : ١ / ٣٩٨ [٢ / ٤٩ ح ٥١٩]. (المؤلف)

(٢) صحيح البخاري : [١ / ٢١٣ ح ٥٦٥ ـ ٥٦٨] ، صحيح مسلم : ١ / ٣٠٩ ، ٣١٠ [٢ / ٢٤٦ ـ ٢٤٧ ح ٢٩٨ ـ ٣٠١] ، سنن أبي داود : ١ / ٢٠١ [٢ / ٢٥ ح ١٢٧٩] ، سنن الدارمي : ١ / ٣٣٤ ، سنن البيهقي : ٢ / ٤٥٨ ، تيسير الوصول : ٢ / ٢٩٥ [٢ / ٣٥٣ ـ ٣٥٤ ح ١ ـ ٦] ، فتح الباري : ٢ / ٥١ [٢ / ٦٤]. (المؤلف)

٢٦٠