الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٦

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي

الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٦

المؤلف:

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي


المحقق: مركز الغدير للدّراسات الإسلاميّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
المطبعة: فروردين
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٤

فسألهم عن ليلة القدر فأجمعوا على أنّها في العشر الأواخر ، فقلت لعمر : إنّي لأعلم وإنّي لأظنّ أيّ ليلة هي ، قال : وأيّ ليلة هي؟ قلت : سابعة تمضي أو سابعة تبقى من العشر الأواخر. قال : ومن أين تعلم؟ قال : قلت : خلق الله سبع سموات ، وسبع أرضين ، وسبعة أيّام ، وإنّ الدهر يدور في سبع ، وخلق الإنسان فيأكل ويسجد على سبعة أعضاء ، والطواف سبع ، والجبال سبع ، فقال عمر رضى الله عنه : لقد فطنت لأمر ما فطنّا له.

عن ابن عبّاس قال : كنت عند عمر وعنده أصحابه فسألهم فقال : أرأيتم قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ليلة القدر : «التمسوها في العشر الأواخر وتراً» ، أيّ ليلة ترونها؟ فقال بعضهم : ليلة إحدى. وقال بعضهم : ليلة ثلاث. وقال بعضهم : ليلة خمس. وقال بعضهم : ليلة سبع. فقالوا وأنا ساكت ، فقال : ما لك لا تتكلّم؟ فقلت : إنّك أمرتني أن لا أتكلّم حتى يتكلّموا. فقال : ما أرسلت إليك إلاّ لتتكلّم. فقلت : إنّي سمعت الله يذكر السبع فذكر سبع سموات ومن الأرض مثلهنّ ، وخلق الإنسان من سبع ، ونبت الأرض سبع ، فقال عمر رضى الله عنه : هذا أخبرتني ما أعلم أرأيت ما لم أعلم قولك : نبت الأرض سبع. قال : قال الله عزّ وجلّ : (ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا * فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا * وَعِنَباً وَقَضْباً * وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً * وَحَدائِقَ غُلْباً) (١) قال : فالحدائق الغلب الحيطان من النخل والشجر ، وفاكهة وأبّا ، قال : فالأبّ ما أنبتت الأرض ممّا تأكله الدوابّ والأنعام (٢) ولا يأكله الناس. قال : فقال عمر رضى الله عنه لأصحابه : أعجزتم أن تقولوا كما قال هذا الغلام الذي لم تجتمع شئون رأسه؟ والله إنّي لأرى القول كما قلت (٣).

نعم ؛ لقد عجز الخليفة أيضاً عن عرفان ما قاله الغلام الذي لم تجتمع شئون

__________________

(١) عبس : ٢٦ ـ ٣٠.

(٢) بيّنه المولى سبحانه في الكتاب العزيز بقوله في ذيل الآية : (مَتَاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ) (المؤلف)

(٣) مسند عمر : ص ٨٧ ، مستدرك الحاكم : ١ / ٤٣٨ [١ / ٦٠٤ ح ١٥٩٧] ، وصحّحه ، سنن البيهقي : ٤ / ٣١٣ ، تفسير ابن كثير : ٤ / ٥٣٣ ، الدرّ المنثور : ٦ / ٣٧٤ [٨ / ٥٧٦] ، فتح الباري : ٤ / ٢١١ [٤ / ٢٦٢]. (المؤلف)

٢٢١

رأسه ، والأبّ ذلك الذي أعيا الخليفة ورأى علمه تكلّفاً كما مرّ في الحديث السادس (ص ٩٩) ، وأنا لا أدري ما ذا قال الغلام؟ ولما ذا راق الخليفة قوله؟

ـ ٤٩ ـ

ضرب الخليفة بالدرّة لغير موجب

أخرج ابن عساكر عن عكرمة بن خالد قال : دخل ابن لعمر بن الخطّاب عليه وقد ترجّل ولبس ثياباً حساناً ، فضربه عمر بالدرّة حتى أبكاه ، فقالت له حفصة : لم ضربته؟ قال : رأيته قد أعجبته نفسه فأحببت أن أُصغّرها إليه (١).

قال الأميني : أنا لا أُناقش في عرفان الخليفة إعجاب نفس ابنه إيّاه وهو خلّة قائمة بالنفس ، ولا أُباحث في اجتهاده في تعزير الولد ، ولا أبحث عن إمكان ردع الولد عن عجبه ـ مهما سُلّم ـ بطرق معقولة غير التعزير والضرب بالدرّة ، بل أُسائل الحافظين كيف وسعهما عدّ مثل هذه القصّة من مناقب الخليفة ومن شواهد سيرته الحسنة؟

وألطف من هذه قصّة الجارود سيّد ربيعة وقد أخرجه ابن الجوزي ، قال : إنّ عمر كان قاعداً والدرّة معه والناس حوله ، إذ أقبل الجارود العامري ، فقال رجل : هذا سيّد ربيعة. فسمعها عمر ومن حوله وسمعها الجارود ، فلمّا دنا منه خفقه بالدرّة فقال : ما لي ولك يا أمير المؤمنين؟ قال : ما لي ولك لقد سمعتها. قال : وسمعتها ، فمه؟ قال : خشيت أن تخالط القوم ويقال : هذا أمير ـ وفي لفظ : خشيت أن يخالط قلبك منها شيء ـ فأحببت أن أطأطئ منك (٢).

وأخرج ابن سعد ، عن سعيد قال : دخل معاوية على عمر بن الخطّاب وعليه

__________________

(١) تاريخ الخلفاء : ص ٩٦ [ص ١٣٣]. (المؤلف)

(٢) سيرة عمر لابن الجوزي : ص ١٧٨ [ص ١٨٣] ، شرح ابن أبي الحديد : ٣ / ١١٢ [١٢ / ٧٣ خطبة ٢٢٣] ، كنز العمّال : ٢ / ١٦٧ [٣ / ٨٠٩ ح ٨٨٣٠]. (المؤلف)

٢٢٢

حلّة خضراء ، فنظر إليه الصحابة ، فلمّا رأى ذلك عمر قام ومعه الدرّة فجعل ضرباً بمعاوية ، ومعاوية يقول : الله الله يا أمير المؤمنين فيم فيم؟ فلم يكلّمه حتى رجع فجلس في مجلسه ، فقالوا له : لم ضربت الفتى؟ وما في قومك مثله. فقال : ما رأيت إلاّ خيراً وما بلغني إلاّ خير ، ولكنّي رأيته ـ وأشار بيده يعني إلى فوق ـ فأردت أن أضع منه ما شمخ (١).

ما عساني أن أقول؟ ما عساني ما عساني؟ ...

ـ ٥٠ ـ

جهل الخليفة بالسنّة المشهورة

أخرج مسلم في صحيحه عن عبيد بن عمير : أنّ أبا موسى استأذن على عمر ثلاثاً فكأنّه وجده مشغولاً فرجع ، فقال عمر : ألم تسمع صوت عبد الله بن قيس؟ ائذنوا له. فدعي به فقال : ما حملك على ما صنعت؟ قال : إنّا كنّا نُؤمر بهذا. قال : لتقيمنّ على هذا بيّنة أو لأفعلنّ (٢). فخرج فانطلق إلى مجلس من الأنصار فقالوا : لا يشهد لك على هذا إلاّ أصغرنا. فقام أبو سعيد فقال : كنّا نُؤمر بهذا. فقال عمر : خفي عليّ هذا من أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ألهاني عنه الصفق بالأسواق (٣).

وأخرج في صحيح آخر (٤) : قال أُبيّ بن كعب : يا ابن الخطّاب فلا تكوننّ عذاباً

__________________

(١) تاريخ ابن كثير : ٨ / ١٢٥ [٨ / ١٣٧ حوادث سنة ٦٠ ه‍] ، الإصابة : ٣ / ٤٣٤ [٨٠٦٨]. (المؤلف)

(٢) وفي لفظ : فو الله لأوجعنّ ظهرك وبطنك. وفي لفظ الطحاوي [في مشكل الآثار : ١ / ٤٩٩] : والله لأضربنّ بطنك وظهرك أو لتأتيني بمن يشهد لك. (المؤلف)

(٣) صحيح مسلم : ٢ / ٢٣٤ [٤ / ٣٦١ ح ٣٦] في كتاب الآداب ، صحيح البخاري : ٣ / ٨٣٧ [٢ / ٧٢٧ ح ١٩٥٦] طبع الهند ، مسند أحمد : ٣ / ١٩ [٣ / ٣٩٦ ح ١٠٧٦١] ، سنن الدارمي : ٢ / ٢٧٤ ، سنن أبي داود : ٢ / ٣٤٠ [٤ / ٣٤٦ ح ٥١٨٢] ، مشكل الآثار : ١ / ٤٩٩. (المؤلف)

(٤) صحيح مسلم : ٤ / ٣٦٢ ح ٣٧.

٢٢٣

على أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال : سبحان الله إنّما سمعت شيئاً فأحببت أن أتثبّت.

وفي لفظ (١) : قال أبو سعيد قلت : أنا أصغر القوم ، قال النووي في شرحه (٢) : فمعناه أنّ هذا حديث مشهور بيننا ، معروف لكبارنا وصغارنا ، حتى إنّ أصغرنا يحفظه وسمعه من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

قال الأميني : من لي بمخبر عن أنّ الذي ألهاه الصفق بالأسواق حتى عن ناموس مشتهر هتف به صاحب الرسالة العظمى ، وعرفته الصحابة أجمع كباراً وصغاراً ، وعضده الذكر الحكيم كيف يكون أعلم الصحابة في زمانه على الإطلاق كما زعمه صاحب الوشيعة؟

ثمّ ما الموجب إلى ذلك الإرهاب لمحض أنّ الرجل روى فيما ارتكبه سنّة؟ وهل التثبّت يستدعي ذلك الوعيد بالأيمان المغلّظة؟ أو يستحقّ به الراوي أن يُزرى به في الملأ العام؟ أو في مجرّد التحرّي والطلب مقنع وكفاية؟ وليس على الخليفة أن يكون عذاباً على الأُمّة كما رآه أُبيّ.

ـ ٥١ ـ

اجتهاد الخليفة في البكاء على الميت

عن ابن عبّاس قال : لمّا ماتت زينب (٣) بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ألحقوها بسلفنا الخيّر عثمان بن مظعون». فبكت النساء ، فجعل عمر يضربهنّ بسوطه فأخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يده وقال : «مهلاً يا عمر دعهنّ يبكين ، وإيّاكنّ ونعيق الشيطان». إلى أن قال : وقعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على شفير القبر

__________________

(١) صحيح مسلم : ٤ / ٣٦٠ ح ٣٣.

(٢) شرح صحيح مسلم : ١٤ / ١٣١.

(٣) توفّيت زينب سنة ثمان من الهجرة ، فحزن عليها رسول الله حزناً عظيماً. (المؤلف)

٢٢٤

وفاطمة إلى جنبه تبكي فجعل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يمسح عين فاطمة بثوبه رحمة لها (١).

مسند أحمد (١ / ٢٣٧ ، ٣٣٥) ، مستدرك الحاكم (٣ / ١٩٠) وصحّحه وقال الذهبي في تلخيص المستدرك : سنده صالح ، مسند أبي داود الطيالسي (ص ٣٥١) ، الاستيعاب في ترجمة عثمان بن مظعون (٢ / ٤٨٢) ، مجمع الزوائد (٣ / ١٧).

وأخرج البيهقي في السنن الكبرى (٤ / ٧٠) عن ابن عبّاس قال : بكت النساء على رقيّة ـ بنت رسول الله ـ فجعل عمر رضي‌الله‌عنه ينهاهنّ ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «مه يا عمر». قال : ثمّ قال : «إيّاكنّ ونعيق الشيطان فإنّه مهما يكن من العين والقلب فمن الرحمة ، وما يكون من اللسان واليد فمن الشيطان». قال : وجعلت فاطمة تبكي على شفير قبر رقيّة فجعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يمسح الدموع على وجهها باليد. أو قال : بالثوب.

وأخرج النسائي (٢) وابن ماجة (٣) عن أبي هريرة أنّه قال : مات ميت في آل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاجتمع النساء يبكين عليه فقام عمر ينهاهنّ ويطردهنّ ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «دعهنّ يا عمر فإنّ العين دامعة ، والقلب مصاب ، والعهد قريب» (٤).

قال الأميني : لا أدري ما الذي حدا عمر إلى التسرّع إلى ضرب تلكم النسوة الباكيات وصاحب الشريعة ينظر إليهنّ من كثب ، ولو كان بكاؤهن محظوراً كان هو الأولى بالمنع والردّ ، ومن أين علم الحظر في بكائهنّ ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يخالفه؟ وهلاّ

__________________

(١) مسند أحمد : ١ / ٣٩٣ و ٥٥١ ح ٢١٢٨ و ٣٠٩٣ ، المستدرك على الصحيحين : ٣ / ٢١٠ ح ٤٨٦٩ ، وكذا في تلخيصه ، الاستيعاب : القسم الثالث / ١٠٥٦ رقم ١٧٧٩.

(٢) السنن الكبرى : ١ / ٦١٠ ح ١٩٨٦.

(٣) سنن ابن ماجة : ١ / ٥٠٥ ح ١٥٨٧.

(٤) عمدة القاري : ٤ / ٨٧ [٨ / ٧٨]. (المؤلف)

٢٢٥

راجعه في أمرهنّ لمّا همّ بهنّ تأدّباً ، وما هذه الفظاظة الدافعة له إلى ما فعل؟ وكيف مدّ يده الى تلكم النسوة حتى أخذ بها النبيّ الأعظم ودافع عنهنّ؟ والمجتمِعات هناك بطبع الحال حامة رسول الله وذوات رحمه ونسوته ، غير أنّي لا أعلم أنّ الصدّيقة فاطمة التي كانت من الباكيات في ذلك اليوم هل كانت بين تلكم النسوة المضروبات أو لا؟ وعلى أيّ فقد جلست إلى أبيها وهي باكية.

وكانت للخليفة في حياة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمرأى منه ومشهد مواقف لدة هذه لم يصب فيها قطّ ، ومنها ما حدّث به سلمة بن الأزرق أنّه كان جالساً عند ابن عمر بالسوق فمرّ بجنازة يُبكى عليها. قال : فعاب ذلك ابن عمر وانتهرهنّ ، قال : فقال سلمة : لا تقل ذلك يا أبا عبد الرحمن فأشهد على أبي هريرة سمعته يقول : مُرّ على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بجنازة وأنا معه ومعه عمر بن الخطّاب رضى الله عنه ونساء يبكين عليها فزبرهنّ عمر وانتهرهنّ ، فقال له النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «دعهنّ يا عمر فإنّ العين دامعة ، والنفس مصابة ، والعهد حديث». قالوا : أنت سمعته يقول هذا؟ قال : نعم ، قال ابن عمر : فالله ورسوله أعلم. مرّتين (١).

وأخرج الحاكم (٢) بإسنادٍ صحّحه ، وأقرّه الذهبي ، عن أبي هريرة قال : خرج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على جنازة ومعه عمر بن الخطّاب فسمع نساء يبكين فزبرهنّ عمر ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «يا عمر دعهنّ فإنّ العين دامعة ، والنفس مصابة ، والعهد قريب».

وعن أبي هريرة : أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان في جنازة فرأى عمر امرأةً فصاح بها ، فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «دعها يا عمر ، فإنّ العين دامعة ، والنفس مصابة ، والعهد قريب» (٣).

__________________

(١) السنن الكبرى للبيهقي : ٤ / ٧٠ ، مسند أحمد : ٢ / ٤٠٨ [٣ / ١٢٨ ح ٩٠٣٨]. (المؤلف)

(٢) المستدرك على الصحيحين : ١ / ٣٨١ [١ / ٥٣٧ ح ١٤٠٦ ، وكذا في تلخيصه]. (المؤلف)

(٣) سنن ابن ماجة : ١ / ٤٨١ [١ / ٥٠٥ ح ١٥٨٧]. (المؤلف)

٢٢٦

وعن عمرو بن الأزرق قال : توفّي بعض كنائن مروان ، فشهدها الناس وشهدها أبو هريرة ومعها نساء يبكين ، فأمرهنّ مروان بالسكوت ، فقال أبو هريرة : دعهنّ فإنّه مرّ على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جنازة معها بواكٍ فنهرهنّ عمر رحمه‌الله ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «دعهنّ فإنّ النفس مصابة ، والعين دامعة ، والعهد حديث». مسند أحمد (١) (٢ / ٣٣٣)

وقال أبو هريرة : أبصر عمر امرأةً تبكي على قبر فزبرها ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «دعها يا أبا حفص فإنّ العين باكية ، والنفس مصابة ، والعهد قريب» (٢).

وينبئنا التاريخ عن أنّ الخليفة لم تُجدِه تلكم النصوص وبقي على اجتهاده والسوط بيده يردع به ويزجر مستنداً إلى ما اختلقته يد الإفك على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ممّا يخالف العقل والعدل والطبيعة من أنّه قال : «إنّ الميّت يعذّب ببكاء الحيّ».

قال سعيد بن المسيّب : لمّا مات أبو بكر بُكي عليه ، فقال عمر : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «إنّ الميّت يعذّب ببكاء الحيّ». فأبوا إلاّ أن يبكوا ، فقال عمر لهشام بن الوليد : قم فأخرج النساء. فقالت عائشة : أُخرجك. فقال عمر : أدخل ، فقد أذنت لك. فدخل فقالت عائشة : أمخرجي أنت يا بنيّ؟ فقال : أمّا لك فقد أذنت لك. فجعل يخرجهنّ امرأة امرأة ، وهو يضربهنّ بالدرّة حتى خرجت أُمّ فروة وفرّق بينهنّ (٣).

وقال ابن أبي الحديد في شرح النهج (٤) (١ / ٦٠) : إنّ أوّل من ضرب عمر

__________________

(١) مسند أحمد : ٢ / ٦٣٧ ح ٨١٩٦.

(٢) أخرجه الطبري في تهذيبه كما في كنز العمّال : ٨ / ١١٧ [١٥ / ٧٢٨ ح ٤٢٨٩٩]. (المؤلف)

(٣) أخرجه ابن راهويه وصحّحه السيوطي ، راجع كنز العمّال : ٨ / ١١٩ [١٥ / ٧٣٢ ح ٤٢٩١١]. وذكره ابن حجر في الإصابة : ٣ / ٦٠٦. (المؤلف)

(٤) شرح نهج البلاغة : ١ / ١٨١ خطبة ٣.

٢٢٧

بالدرّة (١) أُمّ فروة بنت أبي قحافة ـ حين مات أبو بكر.

كيف صفحت عائشة عن قول النبيّ ـ إن صحّ به النبأ ـ ولم تقبله من الخليفة؟ ولما ذا سمح الخليفة لعائشة بإذن البكاء على أبيها دون غيرها ورفع اليد عن تعميم ذلك الحكم الباتّ؟ ولما ذا أبت الصحابة إلاّ أن يبكوا على أبي بكر بعد نهي الخليفة؟ ولما ذا رضوا بأن يعذّب فقيدهم ببكائهم؟ ولما ذا حكمت الدرّة في النساء امرأة امرأة بالضرب وعفت عن الرجال؟ إن هي إلاّ مشكلات غير أنّها لا تخفى على الباحث النابه.

ومن مواقف تلك الدرّة القاضية على الباكيات ما أخرجه الحافظ عبد الرزّاق (٢) عن عمرو بن دينار قال : لمّا مات خالد بن الوليد اجتمع في بيت ميمونة نساء يبكين فجاء عمر ... فكان يضربهنّ بالدرّة فسقط خمار امرأة منهنّ فقالوا : يا أمير المؤمنين خمارها. فقال : دعوها فلا حرمة لها. وكان يعجب من قوله : لا حرمة لها (٣).

ونحن أيضاً نتعجّب من قوله : لا حرمة لها. وسيرة الخليفة حقّا جلّها معجبات قولاً وفعلاً لو لم يكن كلّها.

وأماحديث عمر : إنّ الميّت يعذّب ببكاء الحيّ ؛ فقد كذّبته عائشة فيما أخرجه الحاكم في المستدرك (٤) (١ / ٣٨١) وقال : اتّفق الشيخان على إخراج حديث أيّوب السختياني عن عبد الله بن أبي مليكة مناظرة عبد الله بن عمر وعبد الله بن العبّاس في البكاء على الميّت ورجوعهما فيه إلى أُمّ المؤمنين عائشة وقولها : والله ما قال

__________________

(١) يعني أيّام خلافته ، وكم ضرب قبلها بالدرّة من أُناس. وأمّا بعدها فحدّث عنه ولا حرج. (المؤلف)

(٢) المصنّف : ٣ / ٥٥٧ ح ٦٦٨١.

(٣) كنز العمّال : ٨ / ١١٨ [١٥ / ٧٣٠ ح ٤٢٩٠٥]. (المؤلف)

(٤) المستدرك على الصحيحين : ١ / ٥٣٧ ح ١٤٠٧.

٢٢٨

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ الميّت يعذّب ببكاء أحد ، ولكنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : إنّ الكافر يزيده عند الله بكاء أهله عذاباً شديداً ، وإنّ الله هو أضحك وأبكى ، ولا تزر وازرة وزر أُخرى.

صورة مفصّلة :

قال عبد الله بن أبي مليكة : توفّيت ابنة ـ هي أُمّ أبان ـ لعثمان رضى الله عنه بمكّة وجئنا لنشهدها ، قال : وحضرها ابن عمر وابن عبّاس وإنّي لجالس بينهما ، فقال عبد الله بن عمر لعمرو بن عثمان : ألا تنهى النساء عن البكاء (١)؟ فإنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : إنّ الميّت ليعذّب ببكاء أهله عليه. فقال ابن عباس : قد كان عمر رضي‌الله‌عنه يقول بعض ذلك ، ثمّ حدّث قال : صدرت مع عمر من مكة حتى كنّا بالبيداء إذا هو بركب تحت ظلّ سمرة ، فقال : اذهب وانظر إلى هؤلاء الركب ، قال : فنظرت فإذا هو صهيب فأخبرته قال : ادعه لي. فرجعت إلى صهيب فقلت : ارتحل فالحق أمير المؤمنين ، فلمّا أُصيب عمر دخل صهيب يبكي ، يقول : وا أخاه! وا صاحباه! فقال عمر رضي‌الله‌عنه : يا صهيب تبكي عَليّ وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ الميّت ليعذّب ببعض بكاء أهله عليه؟

قال ابن عباس : فلمّا مات عمر رضى الله عنه ذكرت ذلك لعائشة ، فقالت : رحم الله عمر ، والله ما حدّث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّ الله يعذّب المؤمن ببكاء أهله عليه ، ولكن قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ الله يزيد الكافر عذاباً ببكاء أهله عليه. قال : وقالت عائشة : حسبكم القرآن (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) (٢). قال : وقال ابن عبّاس عند ذلك :

__________________

(١) كان عبد الله على سيرة أبيه في المسألة. وقد كان نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أباه عن رأيه بمرأى منه ومشهد ، فضرب عن تلكم النصوص النبوية صفحاً وسلك مسلك أبيه ، ومن يشابه أبه فما ظلم. (المؤلف)

(٢) فاطر : ١٨.

٢٢٩

والله أضحك وأبكى. قال ابن أبي مليكة : فو الله ما قال ابن عمر شيئاً (١).

وعن عمرة : أنَّها سمعت عائشة ، وذكر لها أنّ عبد الله بن عمر يقول : إنّ الميّت ليعذّب ببكاء الحيّ. فقالت عائشة : أما إنّه لم يكذب ولكنّه أخطأ أو نسي ، إنّما مرّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على يهوديّة وهي يبكي عليها أهلها فقال : «إنّهم ليبكون عليها وإنّها لتعذّب في قبرها».

وفي لفظ مسلم : رحم الله أبا عبد الرحمن سمع شيئاً فلم يحفظه.

وفي لفظ أبي عمر : وهم أبو عبد الرحمن أو أخطأ أو نسي (٢).

وعن عروة ، عن عبد الله بن عمر ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ الميّت ليعذّب ببكاء أهله عليه ، فذكر ذلك لعائشة ، فقالت وهي تعني ابن عمر : إنّما مرّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على قبر يهوديّ فقال : «إنّ صاحب هذا ليعذّب وأهله يبكون عليه» ثمّ قرأت : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) (٣).

وعن القاسم بن محمد قال : لمّا بلغ عائشة قول عمر وابن عمر قالت : إنّكم لتحدّثون عن غير كاذبين ولا مكذوبين ولكنّ السمع يخطئ (٤).

__________________

(١) اختلاف الحديث للشافعي ـ في هامش الأُمّ ـ : ٧ / ٢٦٦ [ص ٥٣٧] ، صحيح البخاري [١ / ٤٣٢ ح ١٢٢٦] ، في أبواب الجنائز ، صحيح مسلم : ١ / ٣٤٢ ، ٣٤٣ [٢ / ٣٣٢ ح ٢٣ ، ٣٣٤ ح ٢٧ كتاب الجنائز] ، مسند أحمد : ١ / ٤١ [١ / ٦٨ ح ٢٩٠] ، سنن النسائي : ٤ / ١٨ [١ / ٦٠٩ ح ١٩٨٥] ، سنن البيهقي : ٤ / ٧٣ ، مختصر المزني ـ هامش كتاب الأُمّ ـ : ١ / ١٨٧ [ص ٣٩]. (المؤلف)

(٢) صحيح البخاري [١ / ٤٣٣ ح ١٢٢٧] أبواب الجنائز ، اختلاف الحديث للشافعي : ٧ / ٢٦٦ [ص ٥٣٧] ، الموطّأ لمالك : ١ / ٩٦ [١ / ٢٣٤ ح ٣٧] ، صحيح مسلم : ١ / ٣٤٤ [٢ / ٣٣٣ ح ٢٥] ، سنن النسائي : ٤ / ١٧ [١ / ٦٠٩ ح ١٩٨٣] ، سنن البيهقي : ٤ / ٧٢. (المؤلف)

(٣) سنن أبي داود : ٢ / ٥٩ [٣ / ١٩٤ ح ٣١٢٩] ، سنن النسائي : ٤ / ١٧ [١ / ٦٠٩ ح ١٩٨٢]. (المؤلف)

(٤) صحيح مسلم : ١ / ٣٤٣ [٢ / ٣٣١ ح ٢٢] ، مسند أحمد : ١ / ٤٢ [١ / ٦٨ ح ٢٩٠] ، السنن الكبرى [للبيهقي] : ٤ / ٧٣. (المؤلف)

٢٣٠

وقال الشافعي في اختلاف الحديث (١) : وما روت عائشة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أشبه أن يكون محفوظاً عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بدلالة الكتاب ثمّ السنّة. فإن قيل : فأين دلالة الكتاب؟ قيل : في قوله عزّ وجلّ : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى). (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلاَّ ما سَعى) (٢). وقوله : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) (٣). وقوله : (لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى) (٤).

وعمرة أحفظ عن عائشة من ابن أبي مليكة ، وحديثها أشبه الحديثين أن يكون محفوظاً ، فإن كان الحديث على غير ما روى ابن أبي مليكة من قول النبي : «إنّهم ليبكون عليها وإنّها لتعذّب في قبرها». فهو واضح لا يحتاج إلى تفسير لأنّها تعذّب بالكفر وهؤلاء يبكون ولا يدرون ما هي فيه ، وإن كان الحديث كما رواه ابن أبي مليكة فهو صحيح لأنّ على الكافر عذاباً أعلى ، فإن عذّب بدونه فزيد في عذابه فبما استوجب ، وما ينل من كافر من عذابٍ أدنى من أعلى منه وما زيد عليه من العذاب فباستيجابه لا بذنب غيره في بكائه عليه.

فإن قيل : يزيده عذاباً ببكاء أهله عليه. قيل : يزيده بما استوجب بعمله ويكون بكاؤهم سبباً لا أنّه يعذّب ببكائهم.

فإن قيل : أين دلالة السنّة؟ قيل : قال رسول الله لرجل : «ابنك هذا؟» قال : نعم. قال : «أما إنّه لا يجني عليك ولا تجني عليه». فأعلم رسول الله مثل ما أعلم الله من أنّ جناية كلّ امرئ عليه كما عمله له لا لغيره ولا عليه.

ويكذّب الخليفة بكاؤه على النعمان بن مقرن لمّا جاءه نعيه ، فخرج ونعاه إلى

__________________

(١) طبع في هامش كتابه الأُمّ : ٧ / ٢٦٧ [ص ٥٣٧]. (المؤلف)

(٢) النجم : ٣٩.

(٣) الزلزلة : ٧ ـ ٨.

(٤) طه : ١٥.

٢٣١

الناس على المنبر ووضع يده على رأسه يبكي (١). ويكذّبه وقوفه على قبر شيخ واعتناقه إيّاه وبكائه عليه (٢). وكم وكم له من مواقف لدة ما ذُكر.

وقبل هذه كلّها بكاء النبيّ الأقدس والصحابة والتابعين لهم بإحسان على موتاهم ؛ فهذا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يبكي على ولده العزيز ـ إبراهيم ـ ويقول : «العين تدمع ، والقلب يحزن ، ولا نقول إلاّ ما يُرضي ربّنا ، وإنّا بك يا إبراهيم لمحزونون» (٣).

وهذا هو صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يبكي على ابنه طاهر ويقول : «إنّ العين تذرف ، وإنّ الدمع يغلب ، وإنّ القلب يحزن ، ولا نعصي الله عزّ وجلّ» (٤).

وهذا هو صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمّا أُصيب حمزة رضى الله عنه وجاءت صفيّة بنت عبد المطّلب رضى الله عنه تطلبه فحالت بينها وبينه الانصار ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «دعوها» ، فجلست عنده فجعلت إذا بكت بكي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإذا نشجتْ نشج ، وكانت فاطمة عليها‌السلام تبكي ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كلّما بكت يبكي وقال : «لن أصاب بمثلك أبداً» (٥).

ولمّا رجع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أحد بكت نساء الأنصار على شهدائهم ، فبلغ ذلك النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : «لكن حمزة لا بواكي له» ، فرجعت الأنصار فقلن لنسائهم : لا تبكين أحداً حتى تبدأن بحمزة. قال : فذاك فيهم إلى اليوم لا يبكين ميّتاً إلاّ بدأن بحمزة (٦).

__________________

(١) الاستيعاب في ترجمة النعمان : ١ / ٢٩٧ [القسم الرابع / ١٥٠٦ رقم ٢٦٢٦]. (المؤلف)

(٢) راجع ما مرّ في الجزء الخامس : ص ١٥٥. (المؤلف)

(٣) سنن أبي داود : ٣ / ٥٨ [٣ / ١٩٣ ح ٣١٢٦] ، سنن ابن ماجة : ١ / ٤٨٢ [١ / ٥٠٦ ح ١٥٨٩]. (المؤلف)

(٤) مجمع الزوائد : ٣ / ١٨. (المؤلف)

(٥) إمتاع المقريزي : ص ١٥٤. (المؤلف)

(٦) مجمع الزوائد : ٦ / ١٢٠. (المؤلف)

٢٣٢

وهذا هو صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ينعى جعفراً وزيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة وعيناه تذرفان (١).

وهذا هو صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم زار قبر أُمّه وبكى عليها وأبكى من حوله (٢).

وهذا هو صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقبّل عثمان بن مظعون وهو ميّت ودموعه تسيل على خدّه (٣).

وهذا هو صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يبكي على ابن لبعض بناته ، فقال له عبادة بن الصامت : ما هذا يا رسول الله؟ قال : «الرحمة التي جعلها الله في بني آدم وإنّما يرحم الله من عباده الرحماء» (٤).

وهذه الصدّيقة الطاهرة تبكي على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتقول : «يا أبتاه من ربّه ما أدناه ، يا أبتاه أجاب ربّا دعاه ، يا أبتاه إلى جبريل ننعاه ، يا أبتاه جنّة الفردوس مأواه» (٥)

وهذه هي سلام الله عليها وقفت على قبر أبيها الطاهر وأخذت قبضة من تراب القبر فوضعتها على عينها وبكت وأنشأت تقول :

ما ذا على من شمّ تربةَ أحمدٍ

أن لا يشمّ مدى الزمانِ غواليا

__________________

(١) صحيح البخاري [٣ / ١٣٧٢ ح ٣٥٤٧] كتاب المناقب ، في علامات النبوّة في الإسلام ، سنن البيهقي : ٤ / ٧٠. (المؤلف)

(٢) سنن البيهقي : ٤ / ٧٠ ، تاريخ الخطيب البغدادي : ٧ / ٢٨٩ [رقم ٣٧٩١]. (المؤلف)

(٣) سنن أبي داود : ٢ / ٦٣ [٣ / ٢٠١ ح ٣١٦٣] ، سنن ابن ماجة : ١ / ٤٤٥ [١ / ٤٦٨ ح ١٤٥٦]. (المؤلف)

(٤) سنن أبي داود : ٢ / ٥٨ [٣ / ١٩٣ ح ٣١٢٥] ، سنن ابن ماجة : ١ / ٤٨١ [١ / ٥٠٦ ح ١٥٨٨]. (المؤلف)

(٥) صحيح البخاري [٤ / ١٦١٩ ح ٤١٩٣] باب مرض النبيّ ووفاته ، مسند أبي داود : ٢ / ١٩٧ [ح ١٣٧٤] ، سنن النسائي : ٤ / ١٣ [١ / ٦٠٦ ح ١٩٧١] ، مستدرك الحاكم : ٣ / ١٦٣ [٣ / ١٧٨ ح ٤٧٦٨] ، تاريخ الخطيب : ٦ / ٢٦٢ [رقم ٣٢٩٢]. (المؤلف)

٢٣٣

صُبّت عليّ مصائبٌ لو أنّها

صُبّت على الأيّامِ صرنَ لياليا (١)

وهذا أبو بكر بن أبي قحافة يبكي على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويرثيه بقوله :

يا عينُ فابكي ولا تسأمي

وحقَّ البكاءُ على السيّدِ

وهذا حسّان بن ثابت يبكيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويقول :

ظللت بها أبكي الرسول فأسعدت

عيون ومثلاها من الجفن أسعدُ

ويقول :

يبكّون من تبكي السمواتُ يومَه

ومن قد بكتهُ الأرضُ فالناسُ أكمدُ

ويقول :

يا عينُ جودي بدمعٍ منك إسبالِ

ولا تملِّنّ من سحٍّ وإعوالِ

وهذه أروى بنت عبد المطّلب تبكي عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وترثيه بقولها :

ألا يا عينُ ويحك أسعديني

بدمعِكِ ما بقيتِ وطاوعيني

ألا يا عينُ ويحك واستهلّي

على نورِ البلادِ وأسعديني

وهذه عاتكة بنت عبد المطّلب ترثيه وتقول :

عينيّ جودا طوالَ الدهرِ وانهمرا

سكباً وسحّا بدمعٍ غير تعذير

يا عينُ فاسحنفري بالدمع واحتفلي

حتى الممات بسجلٍ غير منزور

يا عينُ فانهملي بالدمعِ واجتهدي

للمصطفى دون خلقِ اللهِ بالنور

وهذه صفيّة بنت عبد المطّلب تبكي عليه وترثيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتقول :

أفاطمُ بَكّي ولا تسأمي

بصُبحِك ما طلعَ الكوكبُ

__________________

(١) راجع الجزء الخامس من كتابنا هذا : ص ١٤٧. (المؤلف)

٢٣٤

هو المرء يُبكى وحقَّ البكاءُ

هو الماجدُ السيّدُ الطيّبُ

وتقول :

أعينيّ جودا بدمعٍ سجم

يبادر غرباً بما منهدم

أعينيّ فاسحنفرا واسكبا

بوجدٍ وحزنٍ شديدِ الألم

وهذه هند بنت الحارث بن عبد المطّلب تبكي عليه وترثيه وتقول :

يا عينُ جودي بدمعٍ منك وابتدري

كما تنزّل ماءُ الغيثِ فانثعبا

وهذه هند بنت أثاثة ترثيه وتقول :

ألا يا عين بكّي لا تملّي

فقد بكر النعيُّ بمن هويتِ

وهذه عاتكة بنت زيد ترثيه وتقول :

وأمست مراكبه أوحشت

وقد كان يركبها زينها

وأمست تُبكّي على سيّدٍ

تردّد عبرتها عينها

وهذه أُمّ أيمن ترثيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتقول :

عينُ جودي فإنّ بذلك للدم

عِ شفاءً فأكثري من بكاء

بدموعٍ غزيرةٍ منك حتى

يقضيَ اللهُ فيك خيرَ القضاء (١)

وهذه عمّة جابر بن عبد الله جاءت يوم أُحد تبكي على أخيها عبد الله بن عمرو ، قال جابر : فجعلت أبكي وجعل القوم ينهونني ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا ينهاني ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إبكوه أو لا تبكوه فو الله ما زالت الملائكة تظلّله بأجنحتها

__________________

(١) راجع طبقات ابن سعد : ص ٨٣٩ ـ ٨٥٥ [٢ / ٣١٩ ـ ٣٣٣] سيرة ابن هشام : ٤ / ٣٤٦ [٤ / ٣١٧]. (المؤلف)

٢٣٥

حتى دفنتموه». الاستيعاب في ترجمة عبد الله (٢) (١ / ٣٦٨).

هذه سنّة النبيّ الأعظم المتّبعة بين الصحابة يعارضها حديث الخليفة : إنّ الميّت يعذّب ببكاء الحيّ. فالقول به يخصّ به وبابنه عبد الله ، فالحقّ أحقّ أن يُتّبع.

ـ ٥٢ ـ

اجتهاد الخليفة في الأُضحية

عن حذيفة بن أُسيد قال : رأيت أبا بكر وعمر وما يضحّيان عن أهلهما خشية ـ مخافة ـ أن يستنّ بهما ، فحملني أهلي على الجفاء بعد أن علمت السنّة حتى إنّي لأُضحّي عن كلّ.

أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (٩ / ٢٦٥) ، والطبراني في الكبير (٣) ، والهيثمي في المجمع (٤ / ١٨) من طريق الطبراني وقال : رجاله رجال الصحيح ، وذكره السيوطي في جمع الجوامع كما في ترتيبه (٤) (٣ / ٤٥) نقلاً عن ابن أبي الدنيا في الأضاحي ، والحاكم في الكنى ، وأبي بكر عبد الله بن محمد النيسابوري في الزيادات ثمّ قال : قال ابن كثير : إسناده صحيح.

وقال الشافعي في كتاب الأُمّ (٥) (٢ / ١٨٩) : قد بلغنا أنّ أبا بكر وعمر رضى الله عنه كانا لا يضحّيان كراهية أن يقتدى بهما فيظنّ من رآهما أنّها واجبة.

__________________

(٢) الاستيعاب : القسم الثالث / ٩٥٦ رقم ١٦١٥.

(٣) المعجم الكبير : ٣ / ١٨٢ ح ٣٠٥٨.

(٤) كنز العمّال : ٥ / ٢١٩ ح ١٢٦٦٣.

(٥) كتاب الأُمّ : ٢ / ٢٢٤.

٢٣٦

وفي مختصر المزني ـ هامش كتاب الأُمّ (١) ـ (٥ / ٢١٠) : قال الشافعي : بلغنا أنّ أبا بكر وعمر رضى الله عنه كانا لا يضحّيان كراهية أن يُرى أنّها واجبة.

وعن الشعبي : أنّ أبا بكر وعمر شهدا الموسم فلم يضحّياكنز العمّال (٢)(٣ / ٤٥).

قال الأميني : هل وقف الرجلان على شيء من الحكمة لم يقف عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فضحّى وأمر بها وحضّ عليها وأكّد وتركها سنّة متّبعة ، وخفي عليه ما عرفاه من اتّخاذ الأمّة ذلك من الطقوس الواجبة؟ أو أنّ الرجلين كانا أشفق على الأمّة منه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأحبّا أن لا يبهضاها بنفقة الأضاحي؟ أو أنّهما خشيا أن يكون ذلك بدعة في الدين بظنّ الوجوب؟ لكنّه حجّة داحضة ؛ لأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين فعل وأمر كان ذلك مشفوعاً ببيان عدم وجوبه ، وعرفت ذلك منه الصحابة ، وعلى هذا كان عملهم وتلقّاه منهم التابعون وهلمّ جرّا إلى يومنا الحاضر ، ولو كان ما حسباه مطّرداً لزم ترك المستحبّات كلّها ، ثمّ إنّ احتمال مزعمة الوجوب كان أولى أن ينشأ من فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقوله ، فإنّ السنّة سنّته ، والدين ما صدع به ، لكنّه لم ينشأ لما شفعه من البيان ، فهلاّ فعلا كما فعل وهما خليفتاه؟

والعجب العجاب أنّ الخليفة الثاني هاهنا ينقض السنّة الثابتة للصادع الكريم خشية ظنّ الأمّة الوجوب ، ويسنّ لها ما لا أصل له في الدين كزكاة الخيل وصلاة التراويح ، إلى أحداث أخرى كثيرة ، وهو في ذلك كلّه لا يخشى ولا يكترث ولا يبالي.

ـ ٥٣ ـ

الخليفة في إرث الزوجة من الدية

عن سعيد بن المسيّب : أنّ عمر بن الخطّاب رضى الله عنه كان يقول : الدية للعاقلة

__________________

(١) مختصر المزني ـ هامش كتاب الأُمّ ـ : ص ٢٨٣.

(٢) كنز العمّال : ٥ / ٢١٩ ح ١٢٦٦٤.

٢٣٧

ولا ترث المرأة من دية زوجها شيئاً ، حتى أخبره الضحّاك بن سفيان أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كتب إليه أن يورّث امرأة أشيم الضبابي من ديته فرجع إليه عمر رضى الله عنه.

وفي لفظ آخر :

إنّ عمر بن الخطّاب قال : ما أرى الدية إلاّ للعصبة لأنّهم يعقلون عنه فهل سمع أحد منكم من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ذلك شيئاً؟ فقال الضحّاك الكلابي ـ وكان استعمله رسول الله على الأعراب ـ : كتب إليّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن أُورِّث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها. فأخذ بذلك عمر بن الخطّاب رضى الله عنه (١).

قال الأميني : كأنّ الخليفة كان غافلاً عن إحدى ثلاث أو عنها جمعاء :

١ ـ الآية الكريمة من القرآن ، وهي قوله تعالى : (فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ) (٢). والزّوجة من الأهل بنصّ قوله تعالى : (لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ) (٣).

وقوله تعالى : (إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلاَّ امْرَأَتَكَ) (٤).

وقوله تعالى : (فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ) (٥) ، والاستثناء في المقامات يدلّ على دخولها فيما خرجت منه به ، وعرف الجميع أنّ الاستثناء متّصلٌ لا محالة كما نصّ عليه ابن حجر في فتح الباري.

__________________

(١) كتاب الأُمّ للشافعي : ٦ / ٧٧ [٦ / ٨٨] ، كتاب الرسالة له : ص ١١٣ [ص ٤٢٦ ح ١١٧٢] ، اختلاف الحديث له ـ هامش كتاب الأُمّ ـ : ٧ / ٢٠ [ص ٤٧٩] ، سنن أبي داود : ٢ / ٢٢ [٢ / ١٢٩ ح ٢٩٢٧] ، مسند أحمد : ٣ / ٤٥٢ [٤ / ٤٨٥ ح ١٥٣١٨ و ١٥٣١٩] ، صحيح الترمذي : ١ / ٢٦٥ [٤ / ١٩ ح ١٤١٥] وصحّحه ، سنن ابن ماجة : ٢ / ١٤٢ [٢ / ٨٨٣ ح ٢٦٤٢] ، سنن البيهقي : ٨ / ١٣٤ ، تيسير الوصول : ٤ / ٨ [٤ / ٩ ح ١] ، تاريخ الخطيب : ٨ / ٣٤٣ [رقم ٤٤٥١]. (المؤلف)

(٢) النساء : ٩٢.

(٣) العنكبوت : ٣٢ ، ٣٣.

(٤) العنكبوت : ٣٢ ، ٣٣.

(٥) النمل : ٥٧.

٢٣٨

وقوله تعالى عن زليخا زوجة عزيز مصر : (ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً) (١)

وقوله تعالى : (إِذْ قالَ مُوسى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ ناراً). سورة النمل : ٧.

وقوله تعالى : (فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ وَسارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً). القصص : ٢٩.

وقوله تعالى عن النبيّ موسى عليه‌السلام : (فَقالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً). (٢) وما كانت معه عليه‌السلام إلاّ زوجته وهي حامل أو أنّها ولدت قبيل ذلك.

٢ ـ السنّة النبويّة : وهي ما كتبه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى عامله على الأعراب الضحّاك بن سفيان (٣).

٣ ـ لغة العرب : وأعظم ما يستفاد منه استقرارها على إطلاق الأهل على الزوجة الآيات الكريمة المذكورة ثمّ ما مرّ من مكاتبة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وما جاء عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أنّه أعطى الآهل حظّين والأعزب حظّا ، وقال صفوان بن عمرو : أعطاني ـ رسول الله ـ حظّين وكان لي أهل ، ثمّ دعا عمّاراً فأعطى له حظّا واحداً (٤).

ويرى محمد بن الحسن فيمن أوصى لأهل فلان : أنّ القياس يستدعي حصر الوصيّة إلى زوجاته ، لكنّه ترك القياس وعمّمها إلى كلّ من كان في عياله (٥).

وقال أبو بكر : الأهل اسم يقع على الزوجة وعلى جميع من يشتمل عليه منزله ،

__________________

(١) يوسف : ٢٥.

(٢) طه : ١٠.

(٣) توجد مضافاً على ما ذكر من المصادر في كثير من جوامع الحديث وكتب الفقه. (المؤلف)

(٤) سنن أبي داود : ٢ / ٢٥ [٣ / ١٣٦ ـ ١٣٧ ح ٢٩٥٣] ، سنن البيهقي : ٦ / ٣٤٦ ، تيسير الوصول : ١ / ٢٥٣ [١ / ٢٩٨ ح ٢٩] ، النهاية [لابن الأثير] : ١ / ٦٤ [١ / ٨٤]. (المؤلف)

(٥) أحكام القرآن للجصّاص : ٢ / ٢٧٧ [٢ / ٢٢٨]. (المؤلف)

٢٣٩

قال الله تعالى : (إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلاَّ امْرَأَتَكَ) (١).

وفي معاجم اللغة : الآهل الذي له زوجة وعيال ، وسار بأهله ؛ أي بزوجته وأولاده ، وأهِل الرجل وتأهّل : تزوّج ، والتأهّل : التزوّج ، وفي الدعاء : آهلك الله في الجنّة إيهالاً ؛ أي زوّجك فيها (٢). ولئن راجعت معاجم اللغة تزدد وثوقاً بذلك.

إذا عرفت هذا فلا يذهب عليك أنّ إطلاق الأهل على الزوجة بقرينة إضافته إلى الرجل لا ينافي وجود معانٍ أخرى له يستعمل فيها بقرائن معيّنة أو صارفة ، فأهل الرجل عشيرته وذوو قرباه ، ومنه قوله تعالى : (فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها) (٣) ، وأهل الأمر ولاته ، وأهل البيت سكّانه ، وأهل المذهب من يدين به ، ومنه قوله تعالى في قصّة نوح : (إِذْ نادى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ) الأنبياء : ٧٦.

زبدة المخض : أنّ موضوع الأهل كلّ ما له صلة من إحدى النواحي بالمضاف إليه ، فتعيّن المراد القرائن المحتفّة به كما في آية التطهير ، فالمراد بها محمد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم أجمعين ، وقد اجتمعوا تحت الكساء فدعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ربّه بمنحة القداسة لهم وسمّاهم أهل بيته ، فنزل قوله تعالى : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (٤). حتى إنّ أُمّ سلمة استأذنته في أن تدخل معهم فأذن لها بعد نزول الآية ، واستحفته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن دخولها في مفاد الآية الكريمة فقال : «إنّك على خير». إيعازاً إلى قصر هذه المنحة عليهم ، وتفصيل هذه الجملة مذكور في الصحاح والمسانيد.

__________________

(١) أحكام القرآن للجصّاص : ٢ / ٢٧٧ [٢ / ٢٢٨]. (المؤلف)

(٢) نهاية ابن الأثير : ١ / ٦٤ [١ / ٨٤] ، قاموس اللغة : ٣ / ٣٣١ ، لسان العرب : ١٣ / ٣١ [١ / ٢٥٤] ، تاج العروس : ٧ / ٢١٧. (المؤلف)

(٣) النساء : ٣٥.

(٤) الأحزاب : ٣٣.

٢٤٠