الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٦

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي

الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٦

المؤلف:

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي


المحقق: مركز الغدير للدّراسات الإسلاميّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
المطبعة: فروردين
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٤

الخازن (١ / ٣٥٣) ، الفتوحات الإسلاميّة (٢ / ٤٧٧) وزاد فيه : حتى النساء (١).

صورة ثامنة :

قال عمر مرّة : لا يبلغني أنّ امرأة تجاوز صداقها صداق نساء النبيِّ إلاّ ارتجعتُ ذلك منها ، فقالت له امرأة : ما جعل الله لك ذلك ، إنّه تعالى قال : (وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً) الآية. فقال : كلُّ الناس أفقه من عمر حتى ربّات الحجال ، ألا تعجبون من إمام أخطأ وامرأة أصابت؟ فاضلت إمامكم ففضلته (٢) ـ فنضلته (٣).

وفي لفظ الخازن : امرأة أصابت وأمير أخطأ (٤) وفي لفظ القرطبي (٥) : أصابت امرأة وأخطأ عمر. وفي لفظ الرازي في أربعينه (ص ٤٦٧) : كلُّ الناس أفقه من عمر حتى المخدّرات في البيوت.

وفي لفظ الباقلانيّ في التمهيد (ص ١٩٩) : امرأة أصابت ورجل أخطأ ، وأمير ناضل فنضل ، كلُّ الناس أفقه منك يا عمر.

صورة تاسعة :

صعد عمر رضى الله عنه المنبر فقال : أيّها الناس لا تزيدوا في مهور النساء على أربعمائة درهم فمن زاد ألقيت زيادته في بيت مال المسلمين ، فهاب الناس أن يكلّموه ، فقامت امرأة في يدها طول فقالت له : كيف يحلُّ لك هذا؟ والله يقول : (وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَ

__________________

(١) الجامع لأحكام القرآن : ٥ / ٦٦ ، تفسير النيسابوري : ٢ / ٣٧٧ ، تفسير الخازن : ١ / ٣٣٩ ، الفتوحات الإسلامية : ٢ / ٣١٢.

(٢) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ١ / ٦١ و ٣ / ٩٦ [١ / ١٨٢ خطبة ٣ ، ١٢ / ١٧]. (المؤلف)

(٣) يقال : ناضلت فلاناً فنضلته إذا باريته فغلبته.

(٤) تفسير الخازن : ١ / ٣٥٣ [١ / ٣٣٩]. (المؤلف)

(٥) الجامع لأحكام القرآن : ٥ / ٦٦.

١٤١

قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً) ، فقال عمر رضى الله عنه : امرأة أصابت ورجل أخطأ.

المستطرف (١) (١ / ٧٠) نقلاً عن المنتظم لابن الجوزي.

جمع الحاكم النيسابوري طرق هذه الخطبة لعمر بن الخطاب في جزء كبير كما قاله في المستدرك (٢) (٢ / ١٧٧) وقال : تواترت الأسانيد الصحيحة بصحّة خطبة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه بذلك. وأقرّه الذهبي في تلخيص المستدرك (٣) ، وأخرجها الخطيب البغدادي في تاريخه (٣ / ٢٥٧) بعدّة طرق وصحّحها ، غير أنّه لم يذكر تمام الحديث بل يذكر الخطبة فحسب ثمّ يقول الحديث بطوله.

ولعلّ الخليفة أخذ برأي امرأة أصابت وتزوّج بأُمّ كلثوم وجعل مهرها أربعين ألفاً كما في تاريخ ابن كثير (٤) (٧ / ٨١ ، ١٣٩) ، الإصابة (٤ / ٤٩٢) ، الفتوحات الإسلامية (٥) (٢ / ٤٧٢).

ـ ٦ ـ

جهل الخليفة بمعنى الأبّ

عن أنس بن مالك قال : إنّ عمر قرأ على المنبر : (فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا * وَعِنَباً وَقَضْباً * وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً * وَحَدائِقَ غُلْباً * وَفاكِهَةً وَأَبًّا) (٦) ، قال : كلّ هذا عرفناه ، فما الأبّ؟ ثمّ رفض عصاً كانت في يده فقال : هذا لعمر الله هو التكلّف ، فما عليك أن لا تدري ما الأبّ؟ اتّبعوا ما بُيِّن لكم هداه من الكتاب فاعملوا به وما لم تعرفوه فكِلوه إلى ربِّه.

__________________

(١) المستطرف : ١ / ٥٥ ـ ٥٦.

(٢) المستدرك على الصحيحين : ٢ / ١٩٣ ح ٢٧٢٨.

(٣) تلخيص المستدرك : ٢ / ١٩١ ح ٢٧٢٥.

(٤) البداية والنهاية : ٧ / ٩٣ حوادث سنة ١٧ ه‍ ، و ١٥٧ حوادث سنة ٢٣ ه‍.

(٥) الفتوحات الإسلاميّة : ٢ / ٣٠٨.

(٦) عبس : ٢٧ ـ ٣١.

١٤٢

وفي لفظ :

قال أنس : بينا عمر جالسٌ في أصحابه إذ تلا هذه الآية : (فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا * وَعِنَباً وَقَضْباً * وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً * وَحَدائِقَ غُلْباً * وَفاكِهَةً وَأَبًّا) ، ثمّ قال : هذا كلّه عرفناه ، فما الأبّ؟ قال : وفي يده عصيّة يضرب بها الأرض فقال : هذا لعمر الله التكلّف ، فخذوا أيّها الناس بما بُيِّن لكم فاعملوا به ، وما لم تعرفوه فكِلوه إلى ربّه.

وفي لفظ :

قرأ عمر (وَفاكِهَةً وَأَبًّا) ، فقال : هذه الفاكهة قد عرفناها ، فما الأبُّ؟ ثمّ قال : مه نُهينا عن التكلّف ، وفي النهاية : ما كلّفنا وما أُمرنا بهذا.

وفي لفظ :

إنّ عمر رضى الله عنه قرأ هذه الآية فقال : كلّ هذا قد عرفناه ، فما الأبّ؟ ثمّ رفض عصاً كانت بيده وقال : هذا لعمر الله التكلّف ، وما عليك يا ابن أمّ عمر أن لا تدري ما الأبّ؟ ثمّ قال : اتّبعوا ما تبيّن لكم من هذا الكتاب وما لا فدعوه.

وفي لفظ المحبّ الطبري : ثمّ قال : مه قد نُهينا عن التكلّف ، يا عمر إنّ هذا من التكلّف ، وما عليك ألاّ تدري ما الأبّ؟

وعن ثابت : أنّ رجلاً سأل عمر بن الخطّاب عن قوله (وَفاكِهَةً وَأَبًّا) ، ما الأبّ؟ فقال عمر : نُهينا عن التعمّق والتكلّف.

هذه الأحاديث أخرجها (١) سعيد بن منصور في سننه ، وأبو نعيم في المستخرج ،

__________________

(١) الطبقات الكبرى : ٣ / ٣٢٧ ، شعب الإيمان : ٢ / ٤٢٤ ح ٢٢٨١ ، جامع البيان : مج ١٥ / ج ٣٠ / ٥٩ ، المستدرك على الصحيحين : ٢ / ٥٥٩ ح ٣٨٩٧ وكذا في تلخيصه ، تفسير الكشّاف : ٤ / ٧٠٤ ، الرياض النضرة : ٢ / ٣٢٣ ، الموافقات : ١ / ٤٩ ، تاريخ عمر بن الخطّاب : ص ١٤٥ ، النهاية : ١ / ١٣ ، مقدمة في أصول التفسير : ص ٤٧ و ٤٨ ، تفسير الخازن : ٤ / ٣٥٤ ، الدرّ المنثور : ٨ / ٤٢١ ، كنز العمّال : ٢ / ٣٢٨ ح ٤١٥٤ ، المصنّف : ١٠ / ٥١٢ ح ١٠١٥٤ ، تفسير أبي السعود : ٩ / ١١٢ ، إرشاد الساري : ١٥ / ٢٨٨ ح ٧٢٩٣ ، عمدة القاري : ٢٥ / ٣٥ ح ٦٤ ، فتح الباري : ١٣ / ٢٧٠ ـ ٢٧٢.

١٤٣

وابن سعد ، وعبد بن حميد ، وابن الأنباري ، وابن المنذر ، وابن مردويه ، والبيهقي في شعب الإيمان ، وابن جرير في تفسيره (٣٠ / ٣٨) ، والحاكم في المستدرك (٢ / ٥١٤) ، وصحّحه هو وأقرّه الذهبي في تلخيصه ، والخطيب في تاريخه (١١ / ٤٦٨) ، والزمخشري في الكشّاف (٣ / ٢٥٣) ، ومحبّ الدين الطبري في الرياض النضرة (٢ / ٤٩) نقلاً عن البخاري والبغوي والمخلص الذهبي ، والشاطبي في الموافقات (١ / ٢١ ، ٢٥) ، وابن الجوزي في سيرة عمر (ص ١٢٠) ، وابن الأثير في النهاية (١ / ١٠) ، وابن تيميّة في مقدّمة أُصول التفسير (ص ٣٠) ، وابن كثير في تفسيره (٤ / ٤٧٣) وصحّحه ، والخازن في تفسيره (٤ / ٣٧٤) ، والسيوطي في الدرِّ المنثور (٦ / ٣١٧) عن جمع من الحفّاظ المذكورين ، وفي كنز العمّال (١ / ٢٢٧) نقلاً عن سعيد بن منصور ، وابن أبي شيبة ، وأبي عبيد في فضائله ، وابن سعد في طبقاته ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، والأنباري في المصاحف ، والحاكم ، والبيهقي في شُعب الإيمان ، وابن مردويه ، وأبو السعود في تفسيره ـ هامش تفسير الرازي ـ (٨ / ٣٨٩) وقال : وروي مثل هذا لأبي بكر بن أبي قحافة أيضاً ، والقسطلاني في إرشاد الساري (١٠ / ٢٩٨) نقلاً عن أبي نعيم ، وعبد بن حميد ، والعيني في عمدة القاري (١١ / ٤٦٨) ، وابن حجر في فتح الباري (١٣ / ٢٣٠) وقال : قيل : إنّ الأبّ ليس بعربيّ ويؤيّده خفاؤه على مثل أبي بكر وعمر.

قال الأميني : كيف خفي هذا القيل الذي جاء به ابن حجر على أئمّة اللغة العربيّة جمعاء فأدخلت الأبّ في معاجمها من دون أيِّ إيعاز إلى كونه دخيلاً ، هب أنّ الأبّ غير عربيّ فهل قوله تعالى في تفسيره وما قبله (مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ) ، ليس بعربيّ

١٤٤

أيضاً؟ فما عذر الشيخين عندئذٍ في خفائه عليهما؟ وكيف يؤيّد به قول القائل؟ نعم ؛ يروق ابن حجر أن يدافع عنهما ولو بالتهكّم على لغة العرب ونفي كلمتها عنها.

لفت نظر :

هذا الحديث أخرجه البخاري في صحيحه (١) ، غير أنّه ستراً على جهل الخليفة بالأبِّ حذف صدر الحديث وأخرج ذيله ، وتكلّف بعد النهي عن التكلّف ، ولا يهمّه جهل الأُمّة عندئذٍ بمغزى قول عمر ، قال : عن أنس قال : كُنّا عند عمر فقال : نُهينا عن التكلّف.

وكم وكم في صحيح البخاري من أحاديث لعبت بها يدُ تحريفه؟ وسيوافيك غير واحد منها.

ـ ٧ ـ

قضاء الخليفة على مجنونة قد زنت

عن ابن عبّاس قال : أُتي عمر بمجنونة قد زنت ، فاستشار فيها أُناساً فأمر بها أن تُرجَم ، فمرّ بها عليّ رضى الله عنه فقال : «ما شأن هذه؟» فقالوا : مجنونة بني فلان زنت فأمر بها عمر أن تُرجَم. فقال : «ارجعوا بها».

ثمّ أتاه فقال : «يا أمير المؤمنين أما علمت؟ أما تذكر أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : رفع القلم عن ثلاثة : عن الصبيِّ حتى يبلغ ، وعن النائم حتى يستيقظ ، وعن المعتوه حتى يبرأ؟ وأنّ هذه معتوهة بني فلان لعلّ الذي أتاها أتاها وهي في بلائها» فخلّى سبيلها ، وجعل عمر يكبِّر.

__________________

(١) في كتاب الاعتصام باب ما يكره من كثرة السؤال وتكلّف ما لا يعنيه [٦ / ٢٦٥٩ ح ٦٨٦٣]. (المؤلف)

١٤٥

صورة أخرى :

عن أبي ظبيان (١) قال : شهدت عمر بن الخطّاب أُتي بامرأة قد زنت فأمر برجمها ، فذهبوا بها ليرجموها فلقيهم عليّ فقال لهم : «ما بال هذه؟» ، قالوا : زنت فأمر برجمها ، فانتزعها عليّ من أيديهم فردّهم ، فرجعوا إلى عمر فقالوا : ردّنا عليّ ، قال : ما فعل هذا إلاّ لشيء ، فأرسل إليه فجاءه فقال : ما لك رددت هذه؟ قال : «أما سمعت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : رُفِعَ القلم عن ثلاثة : عن النائم حتى يستيقظ ، وعن الصغير حتى يكبر ، وعن المبتلى حتى يعقل؟» قال : بلى ، قال : «فهذه مبتلاة بني فلان فلعلّه أتاها وهو بها» قال له عمر : لا أدري ، قال : «وأنا لا أدري» ، فترك رجمها.

صورة ثالثة :

أمر سيّدنا عمر رضى الله عنه برجم زانية فمرّ عليها سيِّدنا عليّ رضى الله عنه في أثناء الرجم فخلّصها ، فلمّا أُخبر سيِّدنا عمر بذلك قال : إنّه لا يفعل ذلك إلاّ عن شيء ، فلمّا سأله قال : «إنّها مبتلاة بني فلان فلعلّه أتاها وهو بها». فقال عمر : لو لا عليّ لهلك عمر.

صورة رابعة :

بلفظ الحاكم والبيهقي : أُتي عمر رضى الله عنه بمبتلاة قد فجرت فأمر برجمها ، فمرّ بها عليُّ ابن أبي طالب رضى الله عنه ومعها الصبيان يتبعونها فقال : «ما هذه؟» قالوا : أمر بها عمر أن ترجم ، قال : فردّها وذهب معها إلى عمر رضى الله عنه وقال : «ألم تعلم أنّ القلم رُفع عن المجنون حتى يعقل ، وعن المبتلى حتى يفيق ، وعن النائم حتى يستيقظ ، وعن الصبيِّ حتى يحتلم؟».

__________________

(١) أبو ظبيان : هو الحصين بن جندب الجَنبي ـ بفتح الجيم ـ الكوفي ، المتوفّى ٩٠ يروي القصّة عن ابن عبّاس. (المؤلف)

١٤٦

قال الحاكم : حديث صحيح ، ورواه شعبة عن الأعمش بزيادة ألفاظ.

صورة خامسة :

بلفظ البيهقي : مرّ عليّ بمجنونة بني فلان قد زنت وهي تُرجم ، فقال عليّ لعمر رضى الله عنه : «يا أمير المؤمنين أمرت برجم فلانة؟» قال : نعم ، قال : «أما تذكر قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : رُفِعَ القلم عن ثلاثة : عن النائم حتى يستيقظ ، وعن الصبيِّ حتى يحتلم ، وعن المجنون حتى يفيق؟» قال : نعم. فأمر بها فخُلّي عنها.

أخرجه (١) أبو داود في سننه بعدّة طرق (٢ / ٢٢٧) ، وابن ماجة في سننه (٢ / ٢٢٧) ، والحاكم في المستدرك (٢ / ٥٩ و ٤ / ٣٨٩) وصحّحه ، والبيهقي في السنن الكبرى (٨ / ٢٦٤) بعدّة طرق ، وابن الأثير في جامع الأصول كما في تيسير الوصول (٢ / ٥) ، ومحبّ الدين الطبري في الرياض النضرة (٢ / ١٩٦) باللفظ الثاني نقلاً عن أحمد ، وفي ذخائر العقبى (ص ٨١) ، وذكره القسطلاني في إرشاد الساري (١٠ / ٩) نقلاً عن البغوي وأبي داود والنسائي وابن حبّان ، والمناوي في فيض القدير (٤ / ٣٥٧) بالصورة الثانية فقال : واتّفق له ـ لعليّ عليه‌السلام ـ مع أبي بكر نحوه ، والحفني في حاشية شرح العزيزي على الجامع الصغير (٢ / ٤١٧) باللفظ الثالث ، والدمياطي في مصباح الظلام (٢ / ٥٦) باللفظ الثالث ، وسبط ابن الجوزي في تذكرته (ص ٥٧) بلفظ فيه قول عمر : لو لا عليّ لهلك عمر ، وابن حجر في فتح الباري (١٢ / ١٠١) ، والعيني في عمدة القاري (١١ / ١٥١).

__________________

(١) سنن أبي داود : ٤ / ١٤٠ ح ٤٣٩٩ ، ٤٤٠١ ، سنن ابن ماجة : ١ / ٦٥٩ ح ٢٠٤٢ ، المستدرك على الصحيحين : ٢ / ٦٨ ح ٢٣٥١ و ٤ / ٤٣٠ ح ٨١٦٩ ، جامع الأصول : ٤ / ٢٧١ ح ١٨٢٤ ، تيسير الوصول : ٢ / ٨ ، الرياض النضرة : ٣ / ١٤٤ ، إرشاد الساري : ١٤ / ٢٥٩ ، حاشية الحفني على شرح الجامع الصغير : ٢ / ٤٥٨ ، مصباح الظلام : ٢ / ١٣٦ ، تذكرة الخواص : ص ١٤٧ ، فتح الباري : ١٢ / ١٢١ ، عمدة القاري : ٢٣ / ٢٩٢.

١٤٧

لفت نظر :

أخرج البخاري هذا الحديث في صحيحه (١) غير أنّه مهما وجد فيه مسّةً بكرامة الخليفة حذف صدره تحفّظاً عليها ، ولم يرُقه إيقاف الأُمّة على قضية تعرب عن جهله بالسنّة الشائعة أو ذهوله عنها عند القضاء فقال : قال عليّ لعمر : «أما علمت أنّ القلم رفع عن المجنون حتى يفيق ، وعن الصبيِّ حتى يدرك ، وعن النائم حتى يستيقظ؟».

ـ ٨ ـ

جهل الخليفة بتأويل كتاب الله

عن أبي سعيد الخدري قال : حججنا مع عمر بن الخطّاب رضى الله عنه فلمّا دخل الطواف استقبل الحجر فقال : إنّي أعلم أنّك حجر لا تضرُّ ولا تنفع ولولا أنّي رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقبّلك ما قبّلتك فقبّله ، فقال عليُّ بن أبي طالب رضى الله عنه : «بل يا أمير المؤمنين يضرُّ وينفع ولو علمت ذلك من تأويل كتاب الله لعلمت أنّه كما أقول ، قال الله تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ) (٢) ، فلمّا أقرّوا أنّه الربّ عزّ وجلّ وأنّهم العبيد ، كتب ميثاقهم في رقّ وألقمه في هذا الحجر ، وأنّه يبعث يوم القيامة وله عينان ولسان وشفتان يشهد لمن وافى بالموافاة ، فهو أمين الله في هذا الكتاب» ، فقال له عمر : لا أبقاني الله بأرض لست فيها يا أبا الحسن.

وفي لفظ : أعوذ بالله أن أعيش في قوم لست فيهم يا أبا الحسن.

__________________

(١) في كتاب المحاربين ، باب : لا يرجم المجنون والمجنونة [٦ / ٢٤٩٩]. (المؤلف)

(٢) الأعراف : ١٧٢.

١٤٨

أخرجه (١) الحاكم في المستدرك (١ / ٤٥٧) ، وابن الجوزي في سيرة عمر (ص ١٠٦) ، والأزرقي في تاريخ مكّة كما في العمدة ، والقسطلاني في إرشاد الساري (٣ / ١٩٥) ، والعيني في عمدة القاري (٤ / ٦٠٦) بلفظيه ، والسيوطي في الجامع الكبير كما في ترتيبه (٣ / ٣٥) نقلاً عن الجندي في فضائل مكة ، وأبي الحسن القطّان في الطوالات ، والحاكم ، وابن حبّان ، وابن أبي الحديد في شرح النهج (٣ / ١٢٢) ، وأحمد زيني دحلان في الفتوحات الإسلاميّة (٢ / ٤٨٦).

ـ ٩ ـ

جهل الخليفة بكفّارة بيض نعام

عن محمد بن الزبير قال : دخلت مسجد دمشق فإذا أنا بشيخ قد التوت ترقوتاه من الكبر فقلت : يا شيخ من أدركت؟ قال : عمر ، قلت : فما غزوت؟ قال : اليرموك ، قلت : فحدّثني بشيء سمعته ، قال : خرجنا مع قتيبة حجّاجاً فأصبنا بيض نعام وقد أحرمنا ، فلمّا قضينا نسكنا ذكرنا ذلك لأمير المؤمنين عمر فأدبر وقال : اتبعوني ، حتى انتهى إلى حُجَر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فضرب حجرة منها فأجابته امرأة فقال : أثَمَّ أبو الحسن؟ قالت : لا ، فمرّ في المقتاة (٢). فأدبر وقال : اتبعوني حتى انتهى إليه وهو يسوّي التراب بيده ، فقال : مرحباً يا أمير المؤمنين ، فقال : إنّ هؤلاء أصابوا بيض نعام وهم محرمون ، قال : «ألا أرسلت إليّ؟» قال : أنا أحقُّ بإتيانك ، قال : «يضربون الفحل قلائص أبكاراً بعدد البيض فما نتج منها أهدوه». قال عمر : فإنّ

__________________

(١) المستدرك على الصحيحين : ١ / ٦٢٨ ح ١٦٨٢ ، تاريخ عمر بن الخطّاب : ص ١١٥ ، أخبار مكة : ١ / ٣٢٣ ، إرشاد الساري : ٤ / ١٣٥ ح ١٥٩٧ ، عمدة القاري : ٩ / ٢٤٠ ، كنز العمّال : ٥ / ١٧٧ ح ١٢٥٢١ ، الإحسان في تقريب صحيح ابن حبّان : ٩ / ١٣٠ ح ٣٨٢١ و ٣٨٢٢ ، شرح نهج البلاغة : ١٢ / ١٠٠ خطبة ٢٢٣ ، الفتوحات الإسلاميّة : ٢ / ٣١٨.

(٢) المقتاة : اسم مكان من قتا يقتو بمعنى : خدم ، والمراد هنا مكان العمل.

١٤٩

الإبل تخدج ، قال عليّ : «والبيض يمرض» ، فلمّا أدبر قال عمر : اللهمّ لا تنزل بي شديدة إلاّ وأبو حسن إلى جنبي (١).

ـ ١٠ ـ

كلُّ الناس أفقه من عمر

مرّ عمر يوماً بشابّ من فتيان الأنصار وهو ظمآن فاستقاه فجدح (٢) له ماء بعسل فلم يشربه وقال : إنّ الله تعالى يقول : (أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا) فقال له الفتى : يا أمير المؤمنين إنّها ليست لك ولا لأحد من أهل القبلة ، إقرأ ما قبلها : (وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِها) (٣) فقال عمر : كلُّ الناس أفقه من عمر (٤).

ـ ١١ ـ

أمر الخليفة بضرب غلام خاصم أُمّه

عن محمد بن عبد الله بن أبي رافع عن أبيه قال : خاصم غلام من الأنصار أُمّه إلى عمر بن الخطّاب رضى الله عنه فجحدته ، فسأله البيّنة فلم تكن عنده ، وجاءت المرأة بنفر فشهدوا أنّها لم تزوّج وأنّ الغلام كاذب عليها وقد قذفها ، فأمر عمر بضربه ، فلقيه عليّ رضى الله عنه فسأل عن أمرهم فدعاهم ثمّ قعد في مسجد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسأل المرأة فجحدت ، فقال للغلام : «اجحدها كما جحدتك» فقال : يا ابن عمّ رسول الله إنّها أُمّي ، قال : «اجحدها وأنا أبوك والحسن والحسين أخواك». قال : قد جحدتها وأنكرتها ،

__________________

(١) الرياض النضرة : ٢ / ٥٠ ، ١٩٤ [٢ / ٣٢٥ و ٣ / ١٤٢] ، ذخائر العقبى : ص ٨٢ ، كفاية الشنقيطي : ص ٥٧. (المؤلف)

(٢) جدح وأجدح واجتدح : خلط. (المؤلف)

(٣) الأحقاف : ٢٠.

(٤) شرح النهج لابن أبي الحديد : ١ / ٦١ [١ / ١٨٢ خطبة ٣]. (المؤلف)

١٥٠

فقال عليّ لأولياء المرأة : «أمري في هذه المرأة جائز؟» ، قالوا : نعم ، وفينا أيضاً ، فقال عليّ : «أُشهد من حضر أنّي قد زوّجت هذا الغلام من هذه المرأة الغريبة منه ، يا قنبر ائتني بطينة فيها دراهم» فأتاه بها فعدّ أربعمائة وثمانين درهماً فقذفها مهراً لها ، وقال للغلام : «خذ بيد امرأتك ولا تأتينا إلاّ وعليك أثر العرس». فلمّا ولّى قالت المرأة : يا أبا الحسن الله الله هو النار ، هو والله ابني. قال : «كيف ذلك؟» قالت : إنّ أباه كان زنجيّا وإنّ إخوتي زوّجوني منه فحملت بهذا الغلام ، وخرج الرجل غازياً فقتل وبعثت بهذا إلى حيّ بني فلان فنشأ فيهم وأنفت أن يكون ابني ، فقال عليّ : «أنا أبو الحسن» وألحقه وثبت نسبه.

ذكره ابن القيّم الجوزيّة في الطرق الحكميّة (ص ٤٥).

ـ ١٢ ـ

جهل الخليفة بمعاريض الكلم

١ ـ إنّ عمر بن الخطّاب سأل رجلاً : كيف أنت؟ فقال : ممّن يحبّ الفتنة ، ويكره الحقّ ، ويشهد على ما لم يره. فأمر به إلى السجن ، فأمر عليّ بردّه فقال : «صدق» ، فقال : كيف صدّقته؟ قال : «يحبّ المال والولد وقد قال الله تعالى : (إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ) (١) ويكره الموت وهو الحقّ ، ويشهد أنّ محمداً رسول الله ولم يره». فأمر عمر رضى الله عنه بإطلاقه وقال : الله يعلم حيث يجعل رسالته.

الطرق الحكميّة لابن القيّم الجوزيّة (ص ٤٦).

٢ ـ عن حذيفة بن اليمان : أنّه لقي عمر بن الخطّاب فقال له عمر : كيف أصبحت يا ابن اليمان؟ فقال : كيف تريدني أصبح؟ أصبحت والله أكره الحقّ وأُحبّ الفتنة ، وأشهد بما لم أره ، وأحفظ غير المخلوق ، وأُصلّي على غير وضوء ، ولي في الأرض

__________________

(١) التغابن : ١٥.

١٥١

ما ليس لله في السماء ، فغضب عمر لقوله وانصرف من فوره وقد أعجله أمر ، وعزم على أذى حذيفة لقوله ذلك ، فبينا هو في الطريق إذ مرّ بعليّ بن أبي طالب فرأى الغضب في وجهه ، فقال : «ما أغضبك يا عمر؟» فقال : لقيت حذيفة بن اليمان فسألته : كيف أصبحت؟ فقال : أصبحت أكره الحقّ ، فقال : «صدق يكره الموت وهو حقّ» فقال : وأحبّ الفتنة ، قال : «صدق ، يحبّ المال والولد وقد قال الله تعالى : (إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ)» ، فقال : يا عليّ يقول : وأشهد بما لم أره ، فقال : «صدق ، يشهد لِلّه بالوحدانيّة والموت والبعث والقيامة والجنّة والنار والصراط ، ولم ير ذلك كلّه» ، فقال : يا عليّ وقد قال : إنّني أحفظ غير المخلوق قال : «صدق ، يحفظ كتاب الله تعالى القرآن وهو غير مخلوق» (١) قال : ويقول : أُصلّي على غير وضوء فقال : «صدق يصلّي على ابن عمّي رسول الله على غير وضوء والصلاة عليه جائزة» ، فقال : يا أبا الحسن قد قال أكبر من ذلك ، فقال : «وما هو؟» قال : قال : إنّ لي في الأرض ما ليس لله في السماء. قال : «صدق له زوجة وولد وتعالى الله عن الزوجة والولد». فقال عمر : كاد يهلك ابن الخطّاب لو لا عليّ بن أبي طالب.

أخرجه الحافظ الكنجي في الكفاية (٢) (ص ٩٦) فقال : قلت هذا ثابت عند أهل النقل ذكره غير واحد من أهل السير ، وابن الصباغ المالكي في الفصول المهمّة (٣) (ص ١٨).

٣ ـ رُوي أنّ رجلاً أُتي به إلى عمر بن الخطّاب رضى الله عنه وكان صدر منه أنه قال لجماعة من الناس وقد سألوه : كيف أصبحت؟ قال : أصبحت أُحبّ الفتنة ، وأكره الحقّ وأُصدّق اليهود والنصارى ، وأُؤمن بما لم أره ، وأُقرّ بما لم يخلق. فأرسل عمر إلى

__________________

(١) هذه الفقرة خرافة دُسّت في الحديث اختلقها أنصار المذهب الباطل في خلق القرآن. (المؤلف)

(٢) كفاية الطالب : ص ٢١٨.

(٣) الفصول المهمّة : ص ٣٤ وفيه باللفظ الوارد في الفقرة رقم ٣.

١٥٢

عليّ ، فلمّا جاءه أخبره بمقالة الرجل قال : «صدق يحبّ الفتنة ، قال الله تعالى : (إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ) ، ويكره الحقّ يعني الموت ، وقال الله تعالى : (وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِ) (١). ويصدّق اليهود والنصارى ، قال الله تعالى : (وَقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ وَقالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ) (٢) ويؤمن بما لم يره ؛ يؤمن بالله عزّ وجلّ ، ويقرّ بما لم يُخلق يعني الساعة». فقال عمر رضي‌الله‌عنه : أعوذ بالله من معضلة لا عليّ بها (٣).

٤ ـ أخرج الحفّاظ ؛ ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، عن إبراهيم التيمي قال : قال رجل عند عمر : اللهمّ اجعلني من القليل ، فقال عمر : ما هذا الدعاء؟ فقال الرجل : إنّي سمعت الله يقول : (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ) (٤) ؛ فأنا أدعوه أن يجعلني من ذلك القليل ، فقال عمر : كلّ الناس أفقه من عمر.

وفي لفظ القرطبي : كلّ الناس أعلم منك يا عمر ، وفي لفظ الزمخشري : كلّ الناس أعلم من عمر.

تفسير القرطبي (١٤ / ٢٧٧) ، تفسير الكشّاف (٢ / ٤٤٥) ، تفسير السيوطي (٥ / ٢٢٩) (٥).

٥ ـ جاءت امرأة إلى عمر رضى الله عنه فقالت : يا أمير المؤمنين إنّ زوجي يصوم النهار ويقوم الليل ، فقال لها : نعم الرجل زوجك ، وكان في مجلسه رجل يسمّى كعباً فقال : يا أمير المؤمنين إنّ هذه المرأة تشكو زوجها في أمر مباعدته إيّاها عن فراشه ، فقال له : كما فهمت كلامها احكم بينهما. فقال كعب : عليّ بزوجها ، فأُحضر فقال له : إنّ

__________________

(١) سورة ق : ١٩.

(٢) البقرة : ١١٣.

(٣) نور الأبصار للشبلنجي : ص ٧٩ [ص ١٦١]. (المؤلف)

(٤) سبأ : ١٣.

(٥) الجامع لأحكام القرآن : ١٤ / ١٧٨ ، تفسير الكشّاف : ٣ / ٥٧٣ ، الدرّ المنثور : ٦ / ٦٨٢.

١٥٣

هذه المرأة تشكوك ، قال : أفي أمر طعام أم شراب؟ قال : بل في أمر مباعدتك إيّاها عن فراشك ، فأنشأت المرأة تقول :

يا أيّها القاضي الحكيم أنشدهْ

ألهى خليلي عن فراشي مسجدهْ

نهاره وليله لا يرقدهْ

فلست في أمر النساء أحمدهْ

فأنشأ الزوج يقول :

زهّدني في فرشها وفي الحللْ

أنِّي امرؤ أذهلني ما قد نزلْ

في سورة النملِ وفي سبع الطولْ

وفي كتاب الله تخويف يجلْ

فقال له القاضي :

إنِّ لها عليك حقّا لم يزل

في أربع نصيبها لمن عقلْ

فعاطها ذاك ودع عنك العللْ

ثمّ قال : إنّ الله تعالى أحلّ لك من النساء مثنى وثلاث ورباع ، فلك ثلاثة أيّام بلياليهنّ ولها يوم وليلة. فقال عمر رضى الله عنه : لا أدري من أيّكم أعجب؟ أمِن كلامها أم من حكمك بينهما؟ اذهب فقد ولّيتك البصرة.

صورة أخرى :

عن قتادة والشعبي قالا : جاءت عمر امرأة فقالت : زوجي يقوم الليل ويصوم النهار. فقال عمر : لقد أحسنت الثناء على زوجك. فقال كعب بن سُور : لقد شكت. فقال عمر : كيف؟ قال : تزعم أنّه ليس لها من زوجها نصيب ، قال : فإذا قد فهمت ذلك فاقضِ بينهما ، فقال : يا أمير المؤمنين أحلّ الله له من النساء أربعاً فلها من كلّ أربعة أيّام يوم ومن كلّ أربع ليال ليلة.

وفي لفظ أبي عمر في الاستيعاب : أنّ امرأة شكت زوجها إلى عمر فقالت : إنّ

١٥٤

زوجي يقوم الليل ويصوم النهار ، وأنا أكره أن أشكوه إليك فهو يعمل بطاعة الله ، فكأنّ عمر لم يفهم عنها. الحديث.

وفي لفظ آخر له : قال عمر لكعب بن سُور : عزمت عليك لتقضينّ بينهما فإنّك فهمت من أمرها ما لم أفهم. إلى آخره. قال أبو عمر : هو مشهور.

وعن الشعبي : أنّ امرأة جاءت إلى عمر فقالت : يا أمير المؤمنين أعدِني على زوجي يقوم الليل ويصوم النهار ، قال : فما تأمريني ، أتأمريني أن أمنع رجلاً من عبادة ربّه (١)؟

ـ ١٣ ـ

اجتهاد الخليفة في قراءة الصلاة

١ ـ عن عبد الرحمن بن حنظلة بن الراهب : أنّ عمر بن الخطّاب صلّى المغرب فلم يقرأ في الركعة الأُولى ، فلمّا كانت الثانية قرأ بفاتحة الكتاب مرّتين ، فلمّا فرغ وسلّم سجد سجدتي السهو.

ذكره ابن حجر في فتح الباري (٢) (٣ / ٦٩) وقال : رجاله ثقات وكأنّه مذهب لعمر. وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (٢ / ٣٨٢) ولفظه :

صلّى بنا عمر بن الخطّاب فلم يقرأ في الركعة الأُولى شيئاً ، فلمّا قام في الركعة الثانية قرأ بفاتحة الكتاب وسورة ، ثمّ عاد فقرأ بفاتحة الكتاب وسورة ، ثمّ مضى فلمّا

__________________

(١) الكنى والأسماء للدولابي : ١ / ١٩٢ ، الاستيعاب في ترجمة كعب بن سور [القسم الثالث / ١٣١٨ رقم ٢١٩٥] وجمع ألفاظه ، الأذكياء لابن الجوزي : ص ٤٩ ، ١٤٢ [ص ٨٨ ، ٢٦٧] ، المستطرف لشهاب الدين الأبشيهي : ١ / ٧٠ [١ / ٥٦] ، شرح ابن أبي الحديد : ٣ / ١٠٥ [١٢ / ٤٦ خطبة ٢٢٣] ، تاريخ الخلفاء للسيوطي : ص ٩٦ [ص ١٣٢] ، الإصابة ٣ / ٣١٥ [رقم ٧٤٩٣]. (المؤلف)

(٢) فتح الباري : ٣ / ٩٠.

١٥٥

فرغ من صلاته سجد سجدتين بعد ما سلّم. وفي لفظ : سجد سجدتين ثمّ سلّم.

وذكره السيوطي في جمع الجوامع كما في كنز العمال (١) (٤ / ٢١٣) نقلاً عن جمع من الحفّاظ باللفظ الثاني.

٢ ـ عن أبي سلمة بن عبد الرحمن : أنّ عمر بن الخطّاب كان يصلّي بالناس المغرب فلم يقرأ فيها ، فلمّا انصرف قيل له : ما قرأت. قال : فكيف كان الركوع والسجود؟ قالوا : حسناً. قال : فلا بأس إذن.

أخرجه البيهقي في السنن (٢ / ٣٤٧ ، ٣٨١) ، وحكاه السيوطي عن مالك وعبد الرزّاق (٢) والنسائي في جمع الجوامع كما في ترتيبه (٣) (٤ / ٢١٣) ، وقال البيهقي : قال الشافعي : وكان أبو سلمة يحدّثه بالمدينة وعند آل عمر لا ينكره أحد.

والإسناد صحيح رجاله كلّهم ثقات.

٣ ـ عن إبراهيم النخعي : أنّ عمر بن الخطّاب صلّى بالناس صلاة المغرب فلم يقرأ شيئاً حتى سلّم ، فلمّا فرغ قيل له : إنّك لم تقرأ شيئاً. فقال : إنّي جهّزت عيراً إلى الشام فجعلت أنزلها منقلة منقلة ، حتى قدمت الشام فبعتها وأقتابها وأحلاسها وأحمالها ، فأعاد عمر وأعادوا.

وعن الشعبي : أنّ أبا موسى الأشعري قال لعمر بن الخطّاب رضى الله عنه : يا أمير المؤمنين أقرأت في نفسك؟ قال : لا ، فأمر المؤذّنين فأذّنوا وأقاموا وأعاد الصلاة بهم. السنن الكبرى للبيهقي (٢ / ٣٨٢) ، كنز العمّال (٤) (٤ / ٢١٣).

__________________

(١) كنز العمّال : ٨ / ١٣٢ ح ٢٢٢٥٥.

(٢) المصنّف : ٢ / ١٢٢ ح ٢٧٤٨.

(٣) كنز العمّال : ٨ / ١٣٣ ح ٢٢٢٥٦.

(٤) كنز العمّال : ح ٢٢٢٥٧.

١٥٦

يظهر من هذه الموارد وتكرّر القصّة فيها أنّ الخليفة لم يستند في صلواته هاتيك إلى أصل مسلّم ، فمرّةً لم يقرأ في الركعة الأُولى فيقضيها في الثانية ويسجد سجدتي السهو قبل السلام أو بعده ، وأخرى اكتفى بحسن الركوع والسجود عن الإعادة وسجدتي السهو ، وطوراً نراه يحتاط بالإعادة أو أنّه يرى ما أتى به باطلاً فيعيد ويعيدون فهل هذه اجتهادات وقتيّة؟ أو أنّه لم يعرف للمسألة ملاكاً يرجع إليه؟ والعجب من ابن حجر أنّه يعدّ الشذوذ عن الطريق المثلى مذهباً ، ويسع كلّ شاذّ أن يتترّس بمثل هذا المذهب فيستر عواره ، وفي هذه الأحاديث إعراب عن مبلغ خضوع الخليفة وخشوعه في صلواته.

ـ ١٤ ـ

رأي الخليفة في الميراث

عن مسعود الثقفي قال : شهدت عمر بن الخطاب رضى الله عنه أشرك الإخوة من الأب والأُمّ مع الإخوة من الأُمّ في الثلث ، فقال له رجل : قضيت في هذا عام أوّل بغير هذا. قال : كيف قضيت؟

قال : جعلته للإخوة من الأُمّ ولم تجعل للإخوة من الأب والأُمّ شيئاً.

قال : تلك على ما قضينا وهذا على ما قضينا. وفي لفظ : تلك على ما قضينا يومئذٍ ، وهذه على ما قضينا اليوم.

أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (٦ / ٢٥٥) ، بعدّة طرق ، والدارمي في سننه (١ / ١٥٤) مختصراً ، وأبو عمر في العلم (١) (ص ١٣٩).

قال الأميني : كأنّ أحكام القضايا تدور مدار ما صدر عن رأي الخليفة سواء أصاب الشريعة أم أخطأ ، وكأنّ الخليفة له أن يحكم بما شاء وأراد ، وليس هناك

__________________

(١) جامع بيان العلم : ص ٢٩٤ ح ١٥٠٥.

١٥٧

حكم يتّبع وقانون مطّرد في الإسلام ، ولعلّ هذا أفظع من التصويب المدحوض بالبرهنة القاطعة.

ـ ١٥ ـ

جهل الخليفة بطلاق الأَمة

أخرج الحافظان الدارقطني وابن عساكر (١) : انّ رجلين أتيا عمر بن الخطّاب وسألاه عن طلاق الأَمة ، فقام معهما فمشى حتى أتى حلقة في المسجد فيها رجل أصلع فقال : أيّها الأصلع ما ترى في طلاق الأَمة؟ فرفع رأسه إليه ثمّ أومأ إليه بالسبّابة والوسطى ، فقال لهما عمر : تطليقتان ، فقال أحدهما : سبحان الله جئناك وأنت أمير المؤمنين فمشيت معنا حتى وقفت على هذا الرجل فسألته فرضيت منه أن أومأ إليك. الحديث.

راجع الجزء الثاني (ص ٢٩٩) من كتابنا هذا.

ـ ١٦ ـ

لو لا عليّ لهلك عمر

أُتي عمر بن الخطّاب بامرأة حامل قد اعترفت بالفجور فأمر برجمها ، فتلقّاها عليّ فقال : «ما بال هذه؟» فقالوا : أمر عمر برجمها. فردّها عليّ وقال : «هذا سلطانك عليها فما سلطانك على ما في بطنها؟ ولعلّك انتهرتها أو أخفتها؟» قال : قد كان ذلك. قال : «أو ما سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : لا حدّ على معترف بعد بلاء ، إنّه من قيّد أو حبس أو تهدّد فلا إقرار له» فخلّى سبيلها ثمّ قال : عجزت النساء أن تلدن مثل عليّ بن أبي طالب ، لو لا عليّ لهلك عمر.

__________________

(١) مختصر تاريخ دمشق : ١٧ / ٣٨٩ ، وفي ترجمة الإمام علي بن أبي طالب عليه‌السلام من تاريخ ابن عساكر ـ الطبعة المحققة ـ : رقم ٨٧١.

١٥٨

الرياض النضرة (١) (٢ / ١٩٦) ، ذخائر العقبى (ص ٨٠) ، مطالب السؤول (ص ١٣) ، مناقب الخوارزمي (٢) (ص ٤٨) ، الأربعين للفخر الرازي (ص ٤٦٦).

ـ ١٧ ـ

كلّ أحد أفقه من عمر

دخل عليّ على عمر وإذا امرأة حُبلى تُقاد تُرجم ، فقال : «ما شأن هذه؟» قالت : يذهبون بي ليرجموني. فقال : «يا أمير المؤمنين لأيّ شيء تُرجم؟ إن كان لك سلطان عليها فما لك سلطان على ما في بطنها» ، فقال عمر : كلّ أحد أفقه منّي ـ ثلاث مرّات ـ فضمنها عليّ حتى وضعت غلاماً ثمّ ذهب بها إليه فرجمها.

أخرجه الحافظ محب الدين الطبري في الرياض النضرة (٣) (٢ / ١٩٦) ، وذخائر العقبى (ص ٨١) فقال : هذه غير تلك ـ القضيّة السابقة ـ لأنّ اعتراف تلك كان بعد تخويف فلم يصحّ فلم تُرجم وهذه رُجمت. وذكره الحفّاظ الكنجي في الكفاية (٤) (ص ١٠٥).

ـ ١٨ ـ

رأي الخليفة في الحائض بعد الإفاضة

قال ابن المنذر : قال عامّة الفقهاء بالأمصار : ليس على الحائض التي قد أفاضت طواف وداع ، وروينا عن عمر بن الخطّاب وابن عمر وزيد بن ثابت أنّهم أمروها بالمقام إذا كانت حائضاً لطواف الوداع ، وكأنّهم أوجبوه عليها كما يجب عليها طواف الإفاضة إذ لو حاضت قبله لم يسقط عنها ، ثمّ أسند عن عمر بإسناد صحيح

__________________

(١) الرياض النضرة : ٣ / ١٤٣.

(٢) المناقب : ص ٨١ ح ٦٥.

(٣) الرياض النضرة : ٣ / ١٤٤.

(٤) كفاية الطالب : ص ٢٢٧ باب ٥٩.

١٥٩

إلى نافع عن ابن عمر قال : طافت امرأة بالبيت يوم النحر ثمّ حاضت فأمر عمر بحبسها بمكة بعد أن ينفر الناس حتى تطهر وتطوف البيت.

قال : وقد ثبت رجوع ابن عمر (١) وزيد بن ثابت عن ذلك ، وبقي عمر فخالفناه لثبوت حديث عائشة ، يشير بذلك إلى ما تضمّنته أحاديث (٢) هذا الباب ، وقد روى ابن أبي شيبة من طريق القاسم بن محمد أنّ الصحابة كانوا يقولون : إذا أفاضت المرأة قبل أن تحيض فقد فرغت ، إلاّ عمر فإنّه كان يقول : يكون آخر عهدها بالبيت (٣).

وعن الحارث بن عبد الله بن أوس قال : أتيت عمر بن الخطّاب فسألته عن المرأة تطوف بالبيت ثمّ تحيض؟ فقال : ليكن آخر عهدها الطواف بالبيت ، قال الحارث : فقلت : كذلك أفتاني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٤) ، فقال عمر : تبّت يداك أو ثكلتك أُمّك سألتني عمّا سألت عنه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كيما أُخالفه (٥).

__________________

(١) أخرج البخاري في صحيحه في كتاب الحج ، باب إذا حاضت المرأة [٢ / ٦٢٥ ح ١٦٧٢] عن ابن عباس ؛ أنّه رخّص للحائض أن تنفر إذا أفاضت.

قال : وسمعت ابن عمر يقول : إنها لا تنفر ، ثم سمعته يقول بعد : إن النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم رخّص لهنّ.

وأخرج البيهقي [٥ / ١٦٣] عن زيد بن ثابت ما ظاهره رجوعه عن رأيه. (المؤلف)

(٢) أخرجها البخاري في صحيحه في كتاب الحيض في باب المرأة تحيض بعد الإفاضة [١ / ١٢٤ ح ٣٢٢] ، وفي كتاب الحج ، باب إذا حاضت المرأة بعد ما أفاضت [٢ / ٦٢٥ ح ١٦٧٠] ، ومسلم في صحيحه [٣ / ١٣٧ ح ٣٨٠ كتاب الحج] ، والدارمي في سننه : ٢ / ٦٨ ، وأبو داود في سننه : ١ / ٣١٣ [٢ / ٢٠٨ ح ٢٠٠٣ ، ٢٠٠٤] ، والترمذي في صحيحه : ١ / ١٧٧ [٣ / ٢٨٠ ح ٩٤٣] ، وابن ماجة في سننه : ٢ / ٢٥١ [٢ / ١٠٢١ ح ٣٠٧٢ و ٣٠٧٣] ، والبيهقي في سننه : ٥ / ١٦٢ ، والبغوي في مصابيح السنّة : ١ / ١٨٢ [٢ / ٢٤٥ ح ١٨٥٦]. (المؤلف)

(٣) فتح الباري : ٣ / ٤٦٢ [٣ / ٥٨٧]. (المؤلف)

(٤) يعني على خلاف ما أفتى به عمر. (المؤلف)

(٥) سنن أبي داود : ١ / ٣١٣ [٢ / ٢٠٨ ح ٢٠٠٤] ، مختصر جامع العلم لأبي عمر : ص ٢٢٧ [ص ٣٩٣]. (المؤلف)

١٦٠