الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٥

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي

الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٥

المؤلف:

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي


المحقق: مركز الغدير للدّراسات الإسلاميّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
المطبعة: فروردين
الطبعة: ١
الصفحات: ٧١٢

٤ ـ عمر بن الحسين الجمحي. تهذيب التهذيب (١) (٧ / ٤٣٤).

٥ ـ أبو محمد عبد الرحمن اللخمي الشافعي المتوفّى (٥٨٧). شذرات الذهب (٢) (٤ / ٢٨٩).

٦ ـ أبو الفرج ابن الجوزي المتوفّى (٥٩٠). البداية والنهاية (٣) (١٣ / ٩).

٧ ـ أبو عليّ عبد الرحيم المصري القاضي الفاضل المتوفّى (٥٩٦). البداية والنهاية (٤) (١٣ / ٢٤).

٨ ـ أبو الحسن المرتضى المتوفّى (٦٣٤). شذرات الذهب (٥) (٥ / ١٦٨).

٩ ـ محمود بن عثمان الحنبلي المتوفّى (٦٠٩). شذرات الذهب (٦) (٥ / ٢٩).

١٠ ـ أُمّ حبّان السلميّة. صفة الصفوة (٧) (٤ / ٢٥).

ومنهم من كان يختم في الليل والنهار ختمتين ، مثل :

١ ـ سعيد بن جبير التابعي : ختم ختمتين ونصفاً في الصلاة في الكعبة (٨). البداية والنهاية (٩ / ٩٨) ، صفة الصفوة (٣ / ٤٣).

٢ ـ منصور بن زاذان المتوفّى (١٣١) : كان يختم في الليل والنهار مرّتين كما مرَّ.

__________________

(١) تهذيب التهذيب : ٧ / ٣٨٠ رقم ٧١٠.

(٢) شذرات الذهب : ٦ / ٤٧٤ حوادث سنة ٥٨٧ ه‍.

(٣) البداية والنهاية : ١٣ / ١٣ حوادث سنة ٥٩٠ ه‍.

(٤) البداية والنهاية : ص ٣١ حوادث سنة ٥٩٦ ه‍.

(٥) شذرات الذهب : ٧ / ٢٩٥ حوادث سنة ٦٣٤ ه‍.

(٦) شذرات الذهب : ص ٧٢ حوادث سنة ٦٠٩ ه‍.

(٧) صفة الصفوة : ٤ / ٣٨ رقم ٥٩٩.

(٨) البداية والنهاية : ٩ / ١١٦ حوادث سنة ٩٤ ه‍ ، صفة الصفوة : ٣ / ٧٩ رقم ٤١١.

٦١

صفة الصفوة (١) (٣ / ٤) ، وقال القسطلاني في إرشاد الساري (٣ / ٣٦٥) : كان يختم بين المغرب والعشاء ختمتين ويبلغ في الختمة الثالثة إلى الطواسين.

٣ ـ أبي حنيفة إمام الحنفيّة : كان له ذلك في شهر رمضان ، التذكار (ص ٧٤) ، مناقب أبي حنيفة للقاري (ص ٤٩٣ ، ٤٩٤).

٤ ـ الشافعي ـ إمام الشافعيّة ـ : كان له ذلك في شهر رمضان ، ما منها إلاّ في الصلاة. المواهب اللدنيّة (٢) ، وفي صفة الصفوة (٣) (٢ / ١٤٥) : كان يختم في رمضان ستّين ختمة سوى ما يقرأه في الصلاة.

٥ ـ الحافظ العراقي : كان يختم في الجماعة في شهر رمضان ختمتين. شرح المواهب للزرقاني (٧ / ٤٢١).

٦ ـ أبي عبد الله محمد بن عمر القرطبي. الديباج المذهّب (٤) (ص ٢٤٥).

٧ ـ السيّد محمد المنير المتوفّى (نيّف و ٩٣٠). طبقات الأخيار (٥) (٢ / ١١٨)

٨ ـ الشيخ عبد الحليم المنزلاوي : المتوفّى (نيّف و ٩٣٠). طبقات الأخيار (٦) (٢ / ١٢١).

ومنهم من كان يختم في الليلة ختمتين :

١ ـ تقيُّ الدين أبو بكر بن محمد البلاطنسي الشافعي الحافظ المتوفّى (٩٣٦):

__________________

(١) صفة الصفوة : ٣ / ١١ رقم ٣٧٣.

(٢) المواهب اللدنيّة : ٤ / ٢٠١.

(٣) صفة الصفوة : ٢ / ٢٥٥ رقم ٢٢٠.

(٤) الديباج المذهّب : ٢ / ١٨٩.

(٥) الطبقات الكبرى : ٢ / ١٣١ رقم ١٥.

(٦) الطبقات الكبرى : ص ١٣٤ رقم ١٨.

٦٢

كان يختم في شهر رمضان في كلّ ليلة ختمتين. شذرات الذهب (١) (٨ / ٢١٣).

٢ ـ أحمد بن رضوان بن جالينوس المتوفى (٤٢٣) : ختم في الليلة ختمتين قبل أن يطلع الفجر. تاريخ بغداد (٤ / ٢٦١).

ومنهم من يختم في اليوم والليلة ثلاث ختمات ، وعُدّ من أُولئك :

١ ـ كرز بن وبرة الكوفي : كان يختم في كلّ يوم وليلة ثلاث ختمات. صفة الصفوة (٢) (٢ / ١٢٣ و ٣ / ٦٧) ، الإصابة (٣ / ٣٢١).

٢ ـ زهير بن محمد بن قُمير الحافظ البغدادي المتوفّى (٢٥٨) : كان له ذلك في شهر رمضان. تاريخ بغداد (٨ / ٤٨٥) ، المنتظم (٣) (٥ / ٤).

٣ ـ أبو العبّاس بن عطاء الآدمي المتوفّى (٣٠٩) : كان له ذلك في شهر رمضان (٤). تاريخ بغداد (٥ / ٢٧) ، المنتظم (٦ / ١٦٠) ، البداية والنهاية (١١ / ١٤٤).

٤ ـ سليم بن عنز التجيبي القاضي المصري ، قال العيني في عمدة القاري (٥) (٩ / ٣٤٩) : كان يختم القرآن في ليلة ثلاث مرّات ، وذكر ذلك أبو عبيد. وقال ابن كثير في تاريخه (٦) (٩ / ١١٨) : كان يختم القرآن في كلّ ليلة ثلاث ختمات في الصلاة وغيرها.

٥ ـ عبد الرحمن بن هبة الله اليماني المتوفّى (٨٢١) : قرأ في الشتاء في يوم ثلاث ختمات وثلث ختمة. شذرات الذهب (٧) (٧ / ١٥١).

__________________

(١) شذرات الذهب : ١٠ / ٢٩٨ حوادث سنة ٩٣٦ ه‍.

(٢) صفة الصفوة : ٢ / ٢١٧ رقم ٢١٢ و ٣ / ١٢٠ رقم ٤٣٥.

(٣) المنتظم : ١٢ / ١٣١ رقم ١٥٩٦.

(٤) المنتظم : ١٣ / ٢٠١ رقم ٢١٧٦ ، البداية والنهاية : ١١ / ١٦٤ حوادث سنة ٣٠٩ ه‍.

(٥) عمدة القاري : ٢٠ / ٦٠ ح ٧٥.

(٦) البداية والنهاية : ٩ / ١٣٨ حوادث سنة ٩٥ ه‍.

(٧) شذرات الذهب : ٩ / ٢٢١ حوادث سنة ٨٢١ ه‍.

٦٣

ومنهم من كان يختم في اليوم أربع ختمات ، ومن أُولئك :

١ ـ أبو قبيصة محمد بن عبد الرحمن الضبّي المتوفّى (٢٨٢) ، قال : قرأت في اليوم أربع ختمات وبلغت في الخامسة إلى سورة البراءة وأذّن المؤذِّن العصر. تاريخ بغداد (٢ / ٣١٥) ، المنتظم (١) (٧ / ١٥٦).

٢ ـ عليّ بن الأزهر أبو الحسن اللاحمي البغدادي المقرئ المتوفّى (٧٠٧) : قرأ في يوم واحد بمحضر جماعة من القرّاء أخذت خطوطهم بتلاوته أربع ختمات إلاّ سُبعاً. طبقات القرّاء (١ / ٥٢٦).

ومنهم من ختم بين المغرب والعشاء خمس ختمات. قال الشعراوي (٢) : دخل سيّدي أبو العبّاس المصري الحريثي المتوفّى (٩٤٥) يوماً ، فجلس عندي بعد المغرب إلى أن دخل وقت العشاء ، فقرأ خمس ختمات وأنا أسمع ، فذكرت ذلك لسيّدي عليّ المرصفي ، المتوفّى (٩٣٠) فقال : يا ولدي ، أنا قرأت مرّة حال سلوكي ثلاثمائة وستّين ختمة في اليوم والليلة ، كلّ درجة ختمة. شذرات الذهب (٣) (٨ / ٧٥).

ومنهم من كان يختم في اليوم والليلة ثمانيَ ختمات أو أكثر ، منهم :

١ ـ السيّد ابن الكاتب ، قال النووي : إنَّ بعضهم كان يقرأ أربع ختمات بالليل وأربعاً في النهار ، ومنهم السيّد ابن الكاتب الصوفي رضى الله عنه (٤) ، وعدّه من أُولئك صاحب خزينة الأسرار (٥) (ص ٧٨) وقال : كان يختم بالنهار أربعاً وبالليل أربعاً ، ويمكن حمله

__________________

(١) المنتظم : ١٢ / ٣٥٢ رقم ١٨٩٠.

(٢) الشيخ عبد الوهاب بن أحمد الشعراوي الشافعي الإمام الفقيه المحدِّث الأصولي المتوفّى (٩٧٣).(المؤلف)

(٣) شذرات الذهب : ١٠ / ٢٤٣ حوادث سنة ٩٣٠ ه‍.

(٤) إرشاد الساري : ٧ / ١٩٩ و ٨ / ٣٩٦ [٧ / ٤١٤ ح ٣٤١٧ و ١٠ / ٤١٢ ح ٤٧١٣] ، الفتاوى الحديثيّة : ص ٤٣ [ص ٥٨]. (المؤلف)

(٥) خزينة الأسرار : ص ٥٥.

٦٤

على مبادئ طيّ اللسان وبسط الزمان.

وقال صاحب التوضيح : أكثر ما بلغنا قراءةً ثمان ختمات في اليوم والليلة ، وقال السلمي : سمعت الشيخ أبا عثمان المغربي يقول : إنَّ ابن الكاتب يختم بالنهار أربع ختمات ، وبالليل أربع ختمات. قاله العيني في عمدة القاري (١) (٩ / ٣٤٩).

٢ ـ قال الشيخ عبد الحيّ الحنفي في إقامة الحجّة (٢) (ص ٧) : ومنهم : عليّ بن أبي طالب ؛ فإنّه كان يختم في اليوم ثمانيَ ختمات ، كما ذكره بعض شرّاح البخاري.

٣ ـ بكر بن سهيل الدمياطي المتوفّى (٢٨٩) قال : هجَّرت ـ أي بكّرت ـ يوم الجمعة فقرأت إلى العصر ثمانيَ ختمات. حكاه عنه الذهبي (٣) في ميزان الاعتدال (ج ١) في ترجمته.

وقال القسطلاني : رأيت أبا الطاهر المقدسي بالقدس سنة (٨٦٧) ، وسمعت عنه إذ ذاك أنَّه كان يقرأ فيهما ـ في اليوم والليلة ـ أكثر من عشر ختمات ؛ بل قال لي شيخ الإسلام البرهان بن أبي شريف ـ أدام الله النفع بعلومه ـ عنه : إنَّه كان يقرأ خمس عشرة في اليوم والليلة ، وهذا بابٌ لا سبيل إلى إدراكه إلاّ بالفيض الربّاني.

وقال : وقرأت في الإرشاد : أنَّ الشيخ نجم الدين الأصبهاني رأى رجلاً من اليمن بالطواف ختم في شوط أو في أسبوع ـ شكّ ـ وهذا لا سبيل إلى إدراكه إلاّ بالفيض الربّاني والمدد الرحماني. إرشاد الساري (٤).

وقال الغزالي في إحياء العلوم (٥) (١ / ٣١٩) : كان كرز بن وبرة مقيماً بمكّة ، فكان

__________________

(١) عمدة القاري : ٢٠ / ٦٠ ح ٧٥.

(٢) إقامة الحجّة : ص ٦٤.

(٣) سير أعلام النبلاء : ١٣ / ٤٢٥ رقم ٢١٠.

(٤) إرشاد الساري : ٧ / ١٩٩ و ٨ / ٣٦٩ [٧ / ٤١٤ ح ٣٤١٧ ، ١٠ / ٤١٢ ح ٤٧١٣].(المؤلف)

(٥) إحياء علوم الدين : ١ / ٣٠٨.

٦٥

يطوف في كل يوم سبعين أسبوعاً ، وفي كلّ ليلةٍ سبعين أسبوعاً ، وكان مع ذلك يختم القرآن في اليوم والليلة مرّتين (١). فحسب ذلك فكان عشرة فراسخ ، ويكون مع كلّ أسبوع ركعتان ، فهو مائتان وثمانون ركعة وختمتان وعشرة فراسخ.

وقال النازلي في خزينة الأسرار (٢) (ص ٧٨) : وقد رُوي عن الشيخ موسى السدراني من أصحاب الشيخ أبي مدين المغربي أنَّه كان يختم في الليل والنهار سبعين ألف ختمة ، ونقل عنه : أنّه ابتدأ بعد تقبيل الحجر ، وختم في محاذاة الباب ؛ بحيث إنّه سمعه بعض الأصحاب حرفاً حرفاً ، كذا ذكره في الإحياء ، وعلي القاري في شرح المشكاة (٣).

وفي (ص ١٨٠) من خزينة الأسرار : إنّ الشيخ أبا مدين المغربي ، أحد الثلاثة ورئيس الأوتاد الذي كان يختم القرآن كلّ يوم سبعين ألف ختمة.

وأخرج البخاري في صحيحه (٤) عن أبي هريرة يرفعه قال : قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : خفّف على داود القرآن فكان يأمر بدابته فتسرج فيقرأ القرآن قبل أن تسرج.

وقال القسطلاني في شرح هذا الحديث (٥) : وفيه أنّ البركة قد تقع في الزمن اليسير حتى يقع فيه العمل الكثير ، وقال : قد دلّ هذا الحديث على أنّ الله تعالى يطوي الزمان (٦) لمن شاء من عباده كما يطوي المكان لهم.

__________________

(١) مرّ في صحيفة ٣٩ : أنّه كان يختم في اليوم والليلة ثلاث ختمات. (المؤلف)

(٢) خزينة الأسرار : ص ٥٥.

(٣) مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح : ٤ / ٧٠٢ ح ٢٢٠١.

(٤) صحيح البخاري : ١ / ١٠١ [٣ / ١٢٥٦ ح ٣٢٣٥] في كتاب التفسير في باب قوله تعالى : (وَآتَينا دَاودَ زَبُوراً) و ٢ / ١٦٤ [٤ / ١٧٤٧ ح ٤٤٣٦] في أحاديث الأنبياء. (المؤلف)

(٥) إرشاد الساري : ٨ / ٣٩٦ [١٠ / ٤١٢ ح ٤٧١٣]. (المؤلف)

(٦) كان حقّ المقام أن يقول : يطوي اللسان أو يقول : يبسط الزمان. (المؤلف)

٦٦

قال الأميني : إن هي إلاّ أساطير الأوّلين وخزعبلات السلف كتبتها يد الأوهام الباطلة ، وكلّها نصب عيني ابن تيميّة وقومه لم تسمع من أحدهم فيها ركزاً ولم ترَ منهم غميزة ، وكان حقّا على هذه السفاسف أن تُكتب في طامور القصّاصين ، أو تُوارى في مطامير البراري ، أو تُقذف في طمطام البحار ، أسفي على تلكم التآليف الفخمة الضخمة تحتوي مثل هذه الخرافات ، أسفي على أولئك الأعلام يخضعون إليها ويرونها جديرة بالذكر ، ولو كان يعلم ابن تيميّة أنَّ نظّارة التنقيب تعرب عن هذه الخزايات بعد لأيٍ من عمر الدهر لكان يختار لنفسه السكوت ، وكفَّ مدّته عن صلاة أمير المؤمنين وولده الإمام السبط والسيّد السجّاد عليهم‌السلام ، وما كان يحوم حومة العار إن عقل صالحه.

(وَلَوْ أَنَّهُمْ قالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنا لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ) (١)

ـ ٣ ـ

المحدَّث في الإسلام

أصفقت الأمّة الإسلاميّة على أنّ في هذه الأمّة لدة الأمم السابقة أُناساً محدَّثين ـ على صيغة المفعول ـ ، وقد أخبر بذلك النبيّ الأعظم كما ورد في الصحاح والمسانيد من طرق الفريقين ـ العامّة والخاصّة ـ والمحدَّث : من تكلّمه الملائكة بلا نبوّة. ولا رؤية صورة ، أو يُلهم له ويُلقى في روعه شيء من العلم على وجه الإلهام والمكاشفة من المبدأ الأعلى ، أو يُنكت له في قلبه من حقائق تخفى على غيره ، أو غير ذلك من المعاني التي يمكن أن يراد منه ، فوجود من هذا شأنه من رجالات هذه الأمّة مُطبق عليه بين فرق الإسلام ، بيد أنّ الخلاف في تشخيصه ، فالشيعة ترى عليّا أمير المؤمنين وأولاده الأئمّة ـ صلوات الله عليهم ـ من المحدَّثين ، وأهل السنّة يرون منهم عمر بن

__________________

(١) النساء : ٤٦.

٦٧

الخطاب ، وإليك نماذج من نصوص الفريقين :

نصوص أهل السنّة :

أخرج البخاري في صحيحه في باب مناقب عمر بن الخطاب (١) (٢ / ١٩٤) ، عن أبي هريرة قال : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لقد كان فيمن كان قبلكم من بني إسرائيل رجالٌ يُكلَّمون من غير أن يكونوا أنبياء ، فإن يكن من أُمّتي منهم أحدٌ فعمر.

قال ابن عبّاس : من نبيٍّ ولا محدَّث.

قال القسطلاني (٢) : ليس قوله (فإن يكن) للترديد بل للتأكيد ؛ كقولك : إن يكن لي صديقٌ ففلان. إذ المراد اختصاصه بكمال الصداقة لا نفي الأصدقاء ، وإذا ثبت أنّ هذا وجد في غير هذه الأمّة المفضولة ، فوجوده في هذه الأمّة الفاضلة أحرى. وقال في شرح قول ابن عبّاس (من نبيٍّ ولا محدَّث) : قد ثبت قول ابن عبّاس هذا لأبي ذرّ وسقط لغيره ، ووصله سفيان بن عيينة في أواخر جامعه وعبد بن حميد بلفظ : كان ابن عبّاس يقرأ : وما أرسلنا من قبلك من رسولٍ ولا نبيٍّ ولا محدَّث.

وأخرج البخاري في صحيحه بعد حديث الغار (٣) (٢ / ١٧١) ، عن أبي هريرة مرفوعاً : أنّه قد كان فيما مضى قبلكم من الأمم محدَّثون ، إن كان في أُمّتي هذه منهم فإنّه عمر بن الخطّاب.

قال القسطلاني في شرحه (٤) (٥ / ٤٣١) : قال المؤلّف : يجري على ألسنتهم الصواب من غير نبوّة. وقال الخطابي : يُلقى الشيء في روعه فكأنّه قد حُدِّث به ، يظنُ

__________________

(١) صحيح البخاري : ٣ / ١٣٤٩ ح ٣٤٨٦.

(٢) إرشاد الساري شرح صحيح البخاري : ٦ / ٩٩. (المؤلف)

(٣) صحيح البخاري : ٣ / ١٢٧٩ ح ٣٢٨٢.

(٤) إرشاد الساري : ٧ / ٤٨٢ ح ٣٤٦٩.

٦٨

فيصيب ويخطر الشيء بباله فيكون ، وهي منزلة رفيعة من منازل الأولياء.

وقال في قوله (إن كان في أمّتي) : قاله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على سبيل التوقّع ، وكأنّه لم يكن اطّلع (١) على أنّ ذلك كائنٌ وقد وقع ، وقصّة يا سارية الجبل (٢) مشهورةٌ مع غيرها.

وأخرج مسلم في صحيحه ـ في باب فضائل عمر (٣) ـ : عن عائشة ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قد كان في الأمم قبلكم محدَّثون ، فإن يكن في أُمّتي منهم أحدٌ فإنّ عمر ابن الخطّاب منهم. قال ابن وهب : تفسير محدَّثون : ملهمون.

ورواه ابن الجوزي في صفة الصفوة (٤) (١ / ١٠٤) وقال : حديثٌ متّفقٌ عليه ، وأخرجه أبو جعفر الطحاوي في مشكل الآثار (٢ / ٢٥٧) بطرق شتّى عن عائشة وأبي هريرة ، وأخرج قراءة ابن عبّاس : وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبيّ ولا محدَّث. قال : معنى قوله : محدَّثون أي ملهمون ، فكان عمر رضى الله عنه ينطق بما كان ينطق ملهماً ، ثمّ عدّ من ذلك ما قد رُوي عن أنس بن مالك ، قال : قال عمر بن الخطّاب : وافقني ربّي ـ أو : وافقتُ ربّي ـ في ثلاث ، قلت : يا رسول الله ، لو اتّخذنا من مقام إبراهيم مصلّى ، فنزلت : (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى) (٥) وقلت : يا رسول الله إنّ نساءك يدخل عليهنّ البَرُّ والفاجر فلو أمرتهنّ أن يحتجبن ، فنزلت آية الحجاب. واجتمع على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نساؤه في الغيرة فقلت : عسى ربّي إن طلّقكنّ أن يُبدِله أزواجاً خيراً منكنّ ، فنزلت كذلك.

قال الأميني : إن كان هذا من القول بالإلهام فعلى الإسلام السلام ، وما أجهل القوم بالمناقب ، حتى أتوا بالطامّات الكبرى كهذه وعدّوها فضيلة ، وعليهم إن عقلوا

__________________

(١) أُنظر إلى التناقض بين قوله هذا وبين ما مرّ من أنّ (إنّ) للتأكيد لا للترديد. (المؤلف)

(٢) سيوافيك في مناقب عمر : أن قصّة يا سارية الجبل ، موضوعة مكذوبة. (المؤلف)

(٣) صحيح مسلم : ٥ / ١٦ ح ٢٣ كتاب فضائل الصحابة.

(٤) صفة الصفوة : ١ / ٢٧٧ رقم ٣.

(٥) البقرة : ١٢٥.

٦٩

صالحهم إنكار مثل هذا القول على عمر ، وفيه حطّ لمقام النبوّة ، ومسّةٌ على كرامة صاحب الرسالة صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

قال النووي في شرح صحيح مسلم (١) : اختلف تفسير العلماء للمراد ب (محدَّثون) ، فقال ابن وهب : ملهمون ، وقيل : مصيبون إذا ظنّوا فكأنّهم حُدِّثوا بشيء فظنّوه. وقيل : تكلِّمهم الملائكة ، وجاء في رواية : مكلَّمون. وقال البخاري : يجري الصواب على ألسنتهم ، وفيه إثبات كرامات الأولياء.

وقال الحافظ محبّ الدين الطبري في الرياض (٢) (١ / ١٩٩) : ومعنى محدَّثون ـ والله أعلم ـ أي يُلهمون الصواب ، ويجوز أن يحمل على ظاهره وتحدِّثهم الملائكة لا بوحي وإنّما بما يُطلق عليه اسم حديث ، وتلك فضيلةٌ عظيمةٌ.

وقال القرطبي في تفسيره (٣) (١٢ / ٧٩) : قال ابن عطيّة : وجاء عن ابن عبّاس أنَّه كان يقرأ : وما أرسلنا من قبلك من رسولٍ ولا نبيٍّ ولا محدَّث. ذكره مسلمة بن القاسم بن عبد الله ، ورواه سفيان ، عن عمرو بن دينار ، عن ابن عبّاس. قال مسلمة : فوجدنا المحدَّثين معتصمين بالنبوّة ـ على قراءة ابن عبّاس ـ لأنّهم تكلّموا بأمور عالية من أنباء الغيب خطرات ، ونطقوا بالحكمة الباطنة ، فأصابوا فيما تكلّموا ، وعصموا فيما نطقوا كعمر بن الخطّاب في قصّة سارية (٤). وما تكلّم به من البراهين العالية.

__________________

(١) شرح صحيح مسلم : ١٥ / ١٦٦.

(٢) الرياض النضرة : ٢ / ٢٤٥.

(٣) الجامع لأحكام القرآن : ١٢ / ٥٣.

(٤) هو سارية بن زنيم بن عبد الله ، وكان من قصّته أنّ عمر رضي‌الله‌عنه أمّره على جيش وسيّره إلى فارس سنة ثلاث وعشرين ، فوقع في خاطر سيّدنا عمر ـ وهو يخطب يوم الجمعة ـ أنّ الجيش المذكور لاقي العدو وهم في بطن وادٍ وقد همّوا بالهزيمة ، وبالقرب منهم جبل ، فقال في أثناء خطبته : يا سارية : الجبل الجبل ، ورفع صوته فألقاه الله في سمع سارية فانحاز بالناس إلى الجبل ، وقاتلوا العدو من جانب واحد ففتح الله عليهم. كذا في هامش تفسير القرطبي. (المؤلف)

٧٠

وأخرج الحافظ أبو زرعة حديث أبي هريرة ، في طرح التثريب في شرح التقريب (١ / ٨٨) بلفظ : لقد كان فيمن كان قبلكم من بني إسرائيل رجال مكلَّمون من غير أن يكونوا أنبياء ، فإن يكن في أمّتي أحدٌ فعمر.

وأخرجه البغوي في المصابيح (١) (٢ / ٢٧٠) ، والسيوطي في الجامع الصغير (٢). وقال المناوي في شرح الجامع الصغير (٤ / ٥٠٧):

قال القرطبي : محدَّثون ـ بفتح الدال ـ اسم مفعول ، جمعُ محدَّث بالفتح أي مُلهَم أو صادق الظنّ ، وهو من أُلقي في نفسه شيءٌ على وجه الإلهام والمكاشفة من الملأ الأعلى أو من يجري الصواب على لسانه بلا قصد ، أو تكلّمه الملائكة بلا نبوّة ، أو من إذا رأى رأياً أو ظنّ ظنّا أصاب كأنّه حُدِّث به ، وأُلقي في روعه من عالم الملكوت فيظهر على نحو ما وقع له ، وهذه كرامةٌ يكرم الله بها من شاء من صالح عباده ، وهذه منزلة جليلة من منازل الأولياء.

فإن يكن من أمّتي منهم أحدٌ فإنّه عمر ، كأنّه جعله في انقطاع قرينه في ذلك كأنّه نبيّ ؛ فلذلك أتى بلفظ (إن) بصورة الترديد ، قال القاضي : ونظير هذا التعليق في الدلالة على التأكيد والاختصاص قولك : إن كان لي صديقٌ فهو زيد ؛ فإنّ قائله لا يريد به الشكّ في صداقته بل المبالغة في أنّ الصداقة مختصّة به لا تتخطّاه إلى غيره.

وقال القرطبي : قوله (فإن يكن) دليل على قلّة وقوعه وندرته ، وعلى أنّه ليس المراد بالمحدَّثين المصيبون فيما يظنّون ؛ لأنّه كثيرُ في العلماء بل وفي العوام من يقوى حدسه فتصحُّ إصابته فترتفع خصوصيّة الخبر وخصوصيّة عمر ، ومعنى الخبر قد تحقّق ووجد في عمر قطعاً وإن كان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يجزم بالوقوع ، وقد دلّ على وقوعه لعمر أشياء كثيرة كقصّة الجبل يا سارية الجبل ، وغيره. وأصحّ ما يدلّ على

__________________

(١) مصابيح السنّة : ٤ / ١٥٣ ح ٤٧٢.

(٢) الجامع الصغير : ٢ / ٢٥١ ح ٦٠٩٧.

٧١

ذلك شهادة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له بذلك حيث قال : إنّ الله جعل الحقّ على لسان عمر وقلبه (١).

قال ابن حجر (٢) : وقد كثر هؤلاء المحدَّثون بعد العصر الأوّل ، وحكمته زيادة شرف هذه الأمّة بوجود أمثالهم فيها ومضاهاة بني إسرائيل في كثرة الأنبياء ، فلمّا فات هذه الأمّة المحمديّة كثرة الأنبياء لكون نبيّهم خاتم الأنبياء عُوِّضوا تكثير الملهَمين.

تنبيهٌ :

قال الغزالي (٣) : قال بعض العارفين : سألت بعض الأبدال عن مسألة من مشاهد النفس فالتفت إلى شماله وقال : ما تقول رحمك الله؟ ثمّ إلى يمينه كذلك ، ثمّ أطرق إلى صدره فقال : ما تقول؟ ثمّ أجاب. فسألته عن التفاته ، فقال : لم يكن عندي علمٌ فسألت الملكين فكلٌّ قال : لا أدري ، فسألت قلبي فحدَّثني بما أجبت ، فإذا هو أعلم منهما. قال الغزالي : وكأنّ هذا معنى هذا الحديث. انتهى.

ويجد الباحث في طيّ كتب التراجم جمعاً ممّن كلَّمتهم الملائكة ، منهم : عمران بن الحصين الخزاعي المتوفّى سنة (٥٢) ، أخرج أبو عمر في الاستيعاب (٤) (٢ / ٤ ٥٥) : إنّه كان يرى الحفظة وكانت تكلّمه حتى اكتوى. وذكره ابن حجر في الإصابة (٣ / ٢٦).

وقال ابن كثير في تاريخه (٥) (٨ / ٦٠) : قد كانت الملائكة تسلّم عليه فلمّا اكتوى

__________________

(١) لم يصدّق الخُبر الخَبر ، بل يكذِّبه التاريخ الصحيح وسيرة عمر المحفوظة في صفحات الكتب والمعاجم. (المؤلف)

(٢) فتح الباري : ٧ / ٤٠.

(٣) إحياء علوم الدين : ٣ / ٢٨.

(٤) الاستيعاب : القسم الثالت / ١٢٠٨ رقم ١٩٦٩.

(٥) البداية والنهاية : ٨ / ٦٦ حوادث سنة ٥٢ ه‍.

٧٢

انقطع عنه سلامهم ، ثمّ عادوا قبل موته بقليل ، فكانوا يسلّمون عليه رضى الله عنه.

وفي شذرات الذهب (١) (١ / ٥٨) : إنّه كان يسمع تسليم الملائكة عليه ؛ ثمّ اكتوى بالنار فلم يسمعهم عاماً ، ثمّ أكرمه الله بردّ ذلك.

وذكر تسليم الملائكة عليه : الحافظ العراقي في طرح التثريب (١ / ٩٠) ، وأبو الحجّاج المزّي في تهذيب الكمال كما في تلخيصه (٢) (ص ٢٥٠) ، وقال ابن سعد (٣) وابن الجوزي في صفة الصفوة (٤) (١ / ٢٨٣) : كانت الملائكة تصافحه. وذكره ابن حجر في تهذيب التهذيب (٥) (٨ / ١٢٦).

ومنهم : أبو المعالي الصالح المتوفّى (٤٢٧) ، أخرج الحافظان ابنا الجوزي وكثير : أنّ أبا المعالي أصابته فاقةٌ شديدة في شهر رمضان ، فعزم على الذهاب إلى رجل من ذوي قرابته ليستقرض منه شيئاً ، قال : فبينما أنا أريده فنزل طائرٌ فجلس على منكبي وقال : يا أبا المعالي أنا الملك الفلاني ، لا تمضِ إليه نحن نأتيك به. قال : فبكر إليّ الرجل (٦). صفة الصفوة (٢ / ٢ ٨٠) ، المنتظم (٩ / ١٣٦) ، البداية والنهاية (١٢ / ١٦٣).

وقال أبو سليمان الخطّابي : قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قد كان في الأمم ناسٌ محدَّثون ، فإن يكن في أمّتي فعمر ، وأنا أقول : فإن كان في هذا العصر أحدٌ كان أبا عثمان المغربي. تاريخ بغداد (٩ / ١١٣).

ومن هذا القبيل تكلّم الحوراء مع أبي يحيى الناقد ، أخرج الخطيب البغدادي

__________________

(١) شذرات الذهب : ١ / ٢٤٩ حوادث سنة ٥٢ ه‍.

(٢) أُنظر خلاصة الخزرجي : ٢ / ٣٠٠ رقم ٥٤٢٤.

(٣) الطبقات الكبرى : ٧ / ١١.

(٤) صفة الصفوة : ١ / ٦٨٢ رقم ٩٤.

(٥) تهذيب التهذيب : ٨ / ١١٢.

(٦) صفة الصفوة : ٢ / ٤٩٦ رقم ٣٤١ ، المنتظم : ١٧ / ٨٢ رقم ٣٧٣٤ ، البداية والنهاية : ١٢ / ٢٠٠ حوادث سنة ٤٩٦ ه‍.

٧٣

وابن الجوزي عن أبي يحيى زكريا بن يحيى الناقد المتوفّى (٢٨٥) ـ أحد أثبات المحدَّثين ـ قال : اشتريت من الله حوراء بأربعة آلاف ختمة ، فلمّا كان آخر ختمة ، سمعت الخطاب من الحوراء وهي تقول : وفيتَ بعهدك فها أنا التي قد اشتريتني (١).

هذا ما عند القوم ، وأما :

نصوص الشيعة :

فأخرج ثقة الإسلام الكليني في كتابه أصول الكافي (٢) (ص ٨٤) تحت عنوان ـ باب الفرق بين الرسول والنبيّ والمحدَّث ـ أربعة أحاديث ، منها : بإسناده عن بُريد ، عن الإمامين الباقر والصادق ـ صلوات الله عليهما ـ في قوله عزّ وجلّ في سورة الحجّ (٣) (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍ) وَلا مُحَدَّث. قال بُريد : قلت : جُعِلتُ فداك ليست هذه قراءتنا (٤) فما الرسول والنبيّ والُمحَدَّث؟ قال : «الرسول الذي يظهر له الملك فيكلّمه ، والنبيّ هو الذي يرى في منامه ، وربّما اجتمعت النبوّة والرسالة لواحد ، والمحدَّث الذي يسمع الصوت ولا يرى الصورة». قال : قلت أصلحك الله كيف يعلم أنّ الذي رأى في النوم حقٌّ وأنّه من الملك؟ قال : «يوفّق لذلك حتى يعرفه ، ولقد ختم الله عزّ وجلّ بكتابكم الكتب ، وختم بنبيّكم الأنبياء».

وحديث آخر أيضاً فصّل بهذا البيان بين النبيّ والرسول والمحدَّث ، وحديثان بالتفصيل المذكور غير أنّ فيهما مكان لفظة المحدَّث ، الإمام ؛ أحدهما عن زرارة قال : سألتُ أبا جعفر عليه‌السلام عن قول الله عزّ وجلّ : (وَكانَ رَسُولاً نَبِيًّا) ما الرسول وما

__________________

(١) تاريخ بغداد : ٨ / ٤٦٢ [رقم ٤٥٧٧] ، المنتظم : ٦ / ٨ [١٢ / ٣٨٦ رقم ١٩٢٠] ، صفة الصفوة : ٢ / ٢٣٤ [٢ / ٤١٤ رقم ٢٩٣] ، مناقب أحمد لابن الجوزي : ص ٥١٠ [ص ٦٧٩]. (المؤلف)

(٢) أصول الكافي : ١ / ١٧٧.

(٣) آية : ٥٢.

(٤) هي قراءة ابن عباس كما مرّ. (المؤلف)

٧٤

النبيّ؟ قال : «النبيّ الذي يرى في منامه ويسمع الصوت ولا يعاين المَلك ، والرسول الذي يسمع الصوت ويرى ويعاين الملك» ، ثمّ تلا هذه الآية (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍ) ولا مُحَدَّث.

والثاني : عن إسماعيل بن مرار ، قال : كتب الحسن بن العبّاس المعروف إلى الرضا عليه‌السلام : جُعلتُ فداك أخبرني ما الفرق بين الرسول والنبيّ والإمام؟ قال : فكتب ـ أو قال ـ : «الفرق بين الرسول والنبيّ والإمام ؛ أنّ الرسول الذي ينزل عليه جبرئيل عليه‌السلام فيراه ويسمع كلامه وينزل عليه الوحي ، وربّما رأى في منامه نحو رؤيا إبراهيم عليه‌السلام ؛ والنبيّ ربّما سمع الكلام وربّما رأى الشخص ولم يسمع ؛ والإمام هو الذي يسمع الكلام ولا يرى الشخص».

هذا تمام ما في هذا الباب من الكافي (١) ، وأخرج في (ص ١٣٥) تحت عنوان ـ باب أنّ الأئمّة : مُحدَّثون مُفهّمون ـ خمسة أحاديث منها ، عن حمران بن أعين ، قال : قال أبو جعفر عليه‌السلام : «إنّ عليّا كان مُحدَّثاً» فخرجتُ إلى أصحابي فقلتُ : جئتكم بعجيبة. فقالوا : وما هي؟ فقلت : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : كان عليٌّ مُحدَّثاً ، فقالوا : ما صنعت شيئاً ألا سألته من كان يحدِّثه؟ فرجعت إليه فقلت : إني حدّثت أصحابي بما حدّثتني فقالوا : ما صنعت شيئاً ألا سألته من كان يحدّثه؟ فقال لي : «يحدِّثه ملَك». قلت : تقول إنّه نبيٌّ؟ قال : فحرّك يده هكذا ، «أو كصاحب سليمان ، أو كصاحب موسى ، أو كذي القرنين ، أوَما بلغكم أنّه قال : وفيكم مثله».

وحديث آخر (٢) ما ملخّصه : أنّ عليّا ـ أمير المؤمنين ـ كان يعرف قاتله ويعرف الأمور العظام التي كان يحدّث بها الناس ، بقول الله عزّ ذكره : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍ) وَلا مُحَدّث.

__________________

(١) أصول الكافي : ١ / ١٧٦ و ٢٧١.

(٢) أصول الكافي : ص ٢٧٠.

٧٥

وحديثان آخران (١) أحدهما : أنّ أوصياء محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم محدَّثون. والثاني : الأئمّة علماء صادقونَ مُفهَّمونَ مُحدَّثون. والحديث الخامس في معنى المُحدَّث ، وأنّه يسمع الصوت ولا يرى الشخص. وليس في هذا الباب من كتاب الكافي غير ما ذكرناه.

وروى شيخ الطائفة في أماليه (٢) (ص ٢٦٠) بإسناده عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «كان عليّ عليه‌السلام محدَّثاً ، وكان سلمان محدَّثاً» ، قال : قلت : فما آية المحدَّث؟ قال : «يأتيه ملكٌ فينكت في قلبه كيت كيت».

وبالإسناد عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : منّا من يُنكت في قلبه ؛ ومنّا من يُقذَف في قلبه ، ومنّا من يُخاطب.

وبإسناده عن الحرث النصري قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الذي يُسأل عنه الإمام وليس عنده فيه شيءٌ من أين يعلمه؟ قال : «يُنكَت في القلب نكتاً ، أو يُنقَر في الأذن نقراً». وقيل لأبي عبد الله عليه‌السلام : إذا سُئلَ كيف يُجيب؟ قال : «إلهامٌ وسماعٌ وربّما كانا جميعاً».

وروى الصفّار بإسناده في بصائر الدرجات (٣) عن حمران بن أعين قال : قلتُ لأبي جعفر عليه‌السلام : ألستَ حدّثتني أنّ عليّا كان مُحدَّثاً؟ قال : «بلى». قلتُ : من يحدِّثه؟ قال : «ملَكٌ». قلتُ : فأقول : إنّه نبيٌّ أو رسولٌ؟ قال : «لا. بل مَثَلُه مَثل صاحب سليمان ، ومثَل صاحب موسى ، ومثَل ذي القرنين ، أما بلغك أنّ عليّاسُئل عن ذي القرنين ، فقالوا : كان نبيّا؟ قال : لا. بل كان عبداً أحبّ الله فأحبّه ، وناصح الله فناصحه».

__________________

(١) ١ (أصول الكافي : ١ / ٢٧٠.

(٢) أمالي الطوسي : ص ٤٠٧ ـ ٤٠٨ ح ٩١٤ ـ ٩١٦.

(٣) بصائر الدرجات : ص ٣٦٥ ـ ٣٦٦.

٧٦

وبإسناده عن حمران قال : قلتُ لأبي جعفر عليه‌السلام ما موضع العلماء؟ قال : «مثل ذى القرنين ، وصاحب سليمان ، وصاحب داود».

وبالإسناد عن بُريد قال : قلتُ لأبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام : ما منزلكم؟ بمن تشبَّهون ممّن مضى؟ فقال : «كصاحب موسى ، وذي القرنين ، كانا عالمين ولم يكونا نبيّين».

وبالإسناد عن عمّار قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ما منزلتهم؟ أنبياءٌ هم؟ قال : «لا. ولكن هم علماء كمنزلة ذي القرنين في علمه ، وكمنزلة صاحب موسى ، وكمنزلة صاحب سليمان».

هذه جملةٌ من أخبار الشيعة في الباب وهي كثيرةٌ مبثوثة في كتبهم (١) ، وهذه رءوسها ، ومؤدّى هذه الأحاديث هو الرأي العام عند الشيعة سلفاً وخلفاً ، وفذلكته :

إنّ في هذه الأمّة أناساً محدَّثين كما كان في الأمم الماضية ، وأمير المؤمنين وأولاده الأئمّة الطاهرون علماء محدَّثون وليسوا بأنبياء. وهذا الوصف ليس من خاصّة منصبهم ولا ينحصر بهم ، بل كانت الصدّيقة ـ كريمة النبيّ الأعظم ـ محدَّثة ، وسلمان الفارسي محدَّثاً. نعم ؛ كلّ الأئمّة من العترة الطاهرة محدَّثون ، وليس كلُّ محدَّث بإمام ، ومعنى المحدَّث : هو العالم بالأشياء بإحدى الطرق الثلاث المفصّلة في الأحاديث المتلوّة. هذا ما عند الشيعة ليس إلاّ.

هذا منتهى القول عند الفريقين ونصوصهما في المحدَّث ، وأنت كما ترى لا يوجد أيّ خلاف بينهما ، ولم تشذّ الشيعة عن بقيّة المذاهب الإسلاميّة في هذا الموضوع بشيء من الشذوذ إلاّ في عدم عدّهم عمر بن الخطّاب من المحدَّثين ، وذلك أخذاً بسيرته

__________________

(١) جمعها العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار [٢٦ / ٦٦ باب إنّهم : محدَّثون مفهّمون و ٤٠ / ١٤٠ و ١٤٢ ح ٤٠ و ٤١ و ٤٣ و ٤٤]. (المؤلف)

٧٧

الثابتة في صفحات التاريخ من ناحية علمه ولسنا في مقام البحث عنه (١) ، فهل من المعقول أن يُعَدّ هذا القول المتسالم عليه في المحدَّث لأمّةٍ من قائليه فضيلةً رابيةً ، وعلى الأخرى منهم ضلالاً ومنقصة؟ لاها الله.

هلمَّ معي نسائل كيذبان الحجاز ـ عبد الله القصيمي ـ جرثومة النفاق ، وبذرة الفساد في المجتمع ، كيف يرى في كتابه ـ الصراع بين الإسلام والوثنيّة ـ أنّ الأئمّة من آل البيت عند الشيعة أنبياء ، وأنّهم يوحى إليهم ، وأنّ الملائكة تأتي إليهم بالوحي ، وأنّهم يزعمون لفاطمة وللأئمّة من وُلدها ما يزعمون للأنبياء؟ ويستند في ذلك كلّه على مكاتبة الحسن بن العبّاس المذكور (ص ٤٧) نقلاً عن الكافي ، هلاّ يعلم هذا المغفّل أنّ هذه المفتريات والقذائف على أمّة كبيرة ، أطلّت آراؤها الصالحة على أرجاء الدنيا ، إنْ هي إلاّ مآل القول بالمحدَّث الوارد في الكتاب العزيز ، وتكلّم الملائكة مع الأئمّة من آل البيت وأُمّهم فاطمة البتول كما هو مقتضى استدلاله ، وأهل الإسلام كلّهم شرعٌ سواء في ذلك. أوَللشيعيّ عندئذٍ أن يقول : إنّ عمر بن الخطّاب وغيره من المحدَّثين ـ على زعم العامّة ـ عندهم أنبياء يوحى إليهم ، وإنَّ الملائكة تأتي إليهم بالوحي؟ لكن الشيعة علماء حكماء لا يخدشون العواطف بالدجل والتمويه وقول الزور ، ولا يُسمع لأحد من حملة روح التشيّع ، والنزعة العلويّة الصحيحة ، ومقتفي الآداب الجعفريّة أن يتّهم أمّة كبيرة بالطامّات ، وحاشاها أن تُشوِّه سمعتها بالأكاذيب والأفائك ، وتقذف الأمم بما هي بريئة منه ، أمَا كانت بين يدي الرجل تلكم النصوص الصريحة للشيعة على أنّ الأئمّة علماء وليسوا بأنبياء؟ أمَا كان صريح تلك الأحاديث بأنّ الأئمّة مَثَلهم كمَثَل صاحب موسى ، وصاحب سليمان ، وذي القرنين؟ أمَا كان في الكافي ـ في الباب الذي قلبه الرجل على الشيعة ـ قول الإمامين الباقر والصادق : «لقد ختم الله بكتابكم الكتب وختم بنبيّكم الأنبياء»؟

__________________

(١) سنوقفك على البحث عنه في الجزء السادس إن شاء الله. (المؤلف)

٧٨

نعم ؛ هذه كلّها كانت بمرأى من الرجل غير أنّ الإناء ينضح بما فيه ، ووليد الروح الأمويّة الخبيثة وحامل نزعاتها الباطلة سَدِكٌ (١) بالقحّة والسفالة ، ولا ينفكُّ عن الخنا والقذيعة ، ومن شأن الأمويّ أن يتفعّى (٢) ويمين ويأفك ، ويهتك ناموس المسلمين ، ويسلقهم بألسنة حداد ، ويفتري على آل البيت وشيعتهم اقتداءً بسلفه ، وجرياً على شنشنته الموروثة ، ونحن نورد نصّ كلام الرجل ليكون الباحث على بصيرةٍ من أمره ، ويرى جهده البالغ في تشتيت صفوف الأمّة ، وشقِّ عصا المسلمين بالبهت وقول الزور ، قال في الصراع (١ / ١):

الأئمّة يوحى إليهم عند الشيعة ، قال في الكافي (٣) : كتب الحسن بن العبّاس إلى الرضا يقول : ما الفرق بين الرسول والنبيّ والإمام؟ فقال : «الرسول هو الذي ينزل عليه جبرئيل فيراه ، ويسمع كلامه ، وينزل عليه الوحي ، والنبيّ ربما يسمع الكلام ، وربّما رأى الشخص ولم يسمع ، والإمام هو الذي يسمع الكلام ولا يرى الشخص». وقال : والأئمّة لم يفعلوا شيئاً ولا يفعلونه إلاّ بعهد من الله وأمر منه لا يتجاوزونه. وفي الكتاب نصوصٌ أخرى متعدِدةٌ في هذا المعنى ، فالإئمّة لدى هؤلاء أنبياء يوحى إليهم ، ورُسُل أيضاً ، لأنَّهم مأمورون بتبليغ ما يوحى إليهم.

وقال في (٢ / ٣٥) : قد قدّمنا في الجزء الأوّل : أنّ القوم يزعمون أنّ أئمّة أهل البيت يوحى إليهم ، وأنّ الملائكة تأتيهم بالوحي من الله ومن السماء ، وتقدّم قولهم : إنّ الأئمّة لا يفعلون شيئاً ولا يقولونه إلاّ بوحي من الله ، وتقدّم : أنّ الفرق عندهم بين محمد رسول الله وبين الأئمّة من ذرّيته ؛ أنّ محمداً كان يرى الملك النازل عليه بالوحي ، وأمّا الأئمّة فيسمعون الوحي وصوت الملك وكلامه ولا يرون شخصه ، وهذا هو

__________________

(١) السَّدِك : المولع بالشيء.

(٢) تفعّى الرجل : صار كالأفعى في الشر.

(٣) أصول الكافي : ١ / ١٧٦.

٧٩

الفرق لديهم بين النبيّ والإمام ، وبين الرسل والأئمّة ، وهو فرقٌ لا حقيقة له ، فالأئمّة من آل البيت عندهم أنبياء ورُسُل بكلّ ما في كلمة النبيّ والرسول من معنى ؛ لأنَّ النبيّ الرسول هو إنسانٌ أوحى الله إليه رسالة وكُلِّف تبليغها ونشرها ، سواءٌ أكان وحي الله إليه بواسطة الملك أم بلا واسطة ، وسواءٌ أُرِي شخص تلك الواسطة أم لم يرَه ، بل سمع منه وعقل عنه ، هذا هو النبيّ الرسول. ورؤية الملك لا دخل له في حقيقة معنى النبيّ والرسول بالإجماع ، ولهذا يقولون : الرسول هو إنسانٌ أُوحي إليه وأُمر بالبلاغ ، والنبيُّ هو إنسانٌ أُوحي إليه ولم يُؤمر بالبلاغ ولم يجعلوا لرؤية الملك دخلاً في حقيقة النبيّ وحقيقة الرسول ، وهذا لا ينازع فيه أحدٌ من الناس ، فالشيعة يزعمون لفاطمة وللأئمّة من ولدها ما يزعمون للأنبياء والرسُل من المعاني والحقائق ، فهم يزعمون أنّهم معصومون ، وأنّهم يوحى إليهم ، وأنّ الملائكة تنزل عليهم بالرسالات ، وأنّ لهم معجزات ، أقلّها إحياؤهم الأموات ؛ كما يقولون في أفضل كتبهم. انتهى.

(إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْكاذِبُونَ) (١)

ـ ٤ ـ

علم أئمّة الشيعة بالغيب

شاعت القالة حول علم الأئمّة من آل محمد ـ صلوات الله عليه وعليهم ـ ممّن أضمر الحنق على الشيعة وأئمّتهم ، فعند كلٍّ منهم حوشيٌّ من الكلام ، يزخرف الزَّلْح (٢) من القول ، ويخبط خبط عشواء ، ويثبت البرهنة على جهله ، كأنَّ الشيعة تفرّدت بهذا الرأي عن المذاهب الإسلاميّة ، وليس في غيرهم من يقول بذلك في إمام من أئمّة المذاهب ، فاستحقّوا بذلك كلّ سبٍّ وتحاملٍ ووقيعةٍ ، فحسبك ما لفّقه القصيمي في

__________________

(١) النحل : ١٠٥.

(٢) الزَّلْح : الباطل.

٨٠