الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٥

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي

الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٥

المؤلف:

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي


المحقق: مركز الغدير للدّراسات الإسلاميّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
المطبعة: فروردين
الطبعة: ١
الصفحات: ٧١٢

ـ ٦١ ـ

أبو الحسين الجزّار

وُلد (٦٠١)

تُوفّي (٦٧٢)

حُكم العيون على القلوبِ يجوزُ

ودواؤها من دائهنّ عزيزُ

كم نظرةٍ نالت بطرفٍ فاترٍ

ما لم ينلْه الذابلُ المحزوزُ

فحذارِ من تلك اللواحظِ غرّة

فالسحرُ بين جفونها مركوزُ

يا ليت شعري والأماني ضلّةٌ

والدهر يُدرك طرفه ويحوزُ

هل لي إلى روضٍ تصرّم عمرُه

سببٌ فيرجع ما مضى فأفوزُ

وأزور مَن ألِفَ البعادَ وحبُّه

بين الجوانحِ والحشا مرزوزُ (١)

ظبيٌ تناسبَ في الملاحةِ شخصُه

فالوصفُ حين يطولُ فيه وجيزُ

والبدرُ والشمسُ المنيرةُ دونه

في الوصف حين يحرّر التمييزُ

لو لا تثنِّي خصرِهِ في ردفِه

ما خلت إلاّ أنَّه مغروزُ

تجفو غلالته عليه لطافةً

فبحسنها من جسمه تطريزُ (٢)

من لي بدهرٍ كان لي بوصالِهِ

سمحاً ووعدي عنده منجوزُ

والعيشُ مخضرُّ الجنابِ أنيقُه

ولأوجه اللذات فيه بروزُ

__________________

(١) رَزّ الشيّ : أثبته.

(٢) فبجسمه من جفوها تطريز. كذا في بعض النسخ. (المؤلف)

٦٦١

والروضُ في حُلَلِ النبات كأنّه

فُرشِتْ عليه دبائجٌ وخزوزُ

والماءُ يبدو في الخليجِ كأنَّه

ظلٌّ لسرعة سيره محفوزُ

والزهرُ يوهم ناظريه أنَّما

ظهرت به فوق الرياض كنوزُ

فأُقاحُه ورقٌ ومنثورُ الندى

درٌّ ونَوْرُ بهارِه إبريزُ

والغصنُ فيه تغازلٌ وتمايلٌ

وتَشاغلٌ وتراسلٌ ورموزُ

وكأنَّما القمريُّ ينشد مصرعاً

من كلِّ بيت والحمام يجيزُ

وكأنَّما الدولاب زمّر كلّما

غنّت وأصواتُ الدوالب شيزُ

وكأنَّما الماءُ المصفِّق ضاحكٌ

مستبشرٌ ممّا أتى فيروزُ

يهنيك يا صهرَ النبيِّ محمدٍ

يومٌ به للطيّبين هزيزُ

أنت المقدّمُ في الخلافةِ ما لها

عن نحو ما بك في الورى تبريزُ

صبَ الغدير على الأُلى جحدوا لظىً

يوعى لها قبل القيام أزيزُ

إن يهمزوا في قول أحمد أنت مو

لىً للورى فالهامز المهموزُ

لم يخشَ مولاك الجحيمَ فإنَّها

عنه إلى غير الوليِّ تجوزُ

أترى تمرُّ به وحبُّك دونَه

عوذٌ ممانعةٌ له وحروزُ

أنت القسيم غداً فهذا يلتظي

فيها وهذا في الجنان يفوزُ

توجد هذه القصيدة في غير واحد من المجاميع الشعريّة المخطوطة العتيقة وهي طويلة ، وترى أبياتها مبثوثةً منثورة في كتب الأدب.

الشاعر

يحيى بن عبد العظيم بن يحيى بن محمد بن عليّ جمال الدين أبو الحسين الجزّار المصري ، أحد شعراء الشيعة المنسيّين ، ولقد شذّت عن ذكره معاجم السلف بالرغم من اطّراد شعره في كتب الأدب وفي المعاجم أيضاً استطراداً متحلّياً بالجزالة والبراعة ،

٦٦٢

فإن غفل عن تاريخه المترجمون فقد عقد هو لنفسه ترجمة ضافية الذيول ، خالدة مع الدهر ، فلم يترك لمن يقف على شعره ملتحداً عن الاعتراف له بالعبقريّة والنبوغ ، والإخبات إليه بالتقدّم في التورية والاستخدام.

قال ابن حجّة في الخزانة (١) : تعاصر هو والسرّاج الورّاق والحمّامي ، وتطارحوا كثيراً وساعدتهم صنائعهم وألقابهم في نظم التورية ، حتى إنّه قيل للسرّاج الورّاق : لو لا لقبك وصناعتك لذهب نصف شعرك. ودون مقامه ما يوجد من جميل ذكره في الخزانة (٢) لابن حجّة ، وفوات الوفيات للكتبي (٢ / ٣١٩) ، والبداية والنهاية لابن كثير (١٣ / ٢٩٣) ، وشذرات الذهب (٥ / ٣٦٤) ، ونسمة السحر لليمني ، والطليعة في شعراء الشيعة للعلاّمة السماوي ، وقد جمع له شيخنا السماوي من شعره ديواناً يربو على ألف ومائتين وخمسين بيتاً ؛ وكان له ديوان وصف بالشهرة في معاجم السلف ، وله أُرجوزة في ذكر من تولّى مصر من الملوك والخلفاء وعمّالها ذكرها له صاحب نسمة السحر ، فقال : مفيدة ، فكأنّها توجد في مكتبات اليمن ، وقد وقف عليها صاحب النسمة ، ومن شعره قوله في رثاء الإمام السبط عليه‌السلام في تمام المتون للصفدي (٣) (ص ١٥٦) وغيره :

ويعود عاشورا يُذكّرني

رزءَ الحسين فليت لم يعُدِ

يومٌ سيبلى حين أذكره

أن لا يدور الصبر في خلدي

يا ليت عيناً فيه قد كُحِلتْ

في مرود لم تنجُ من رمدِ

ويداً به لشماتةٍ خُضِبتْ

مقطوعةٌ من زندها بيدي

أما وقد قُتل الحسينُ به

فأبو الحسين أحقّ بالكمدِ

__________________

(١) خزانة الأدب : ٢ / ٤٨.

(٢) خزانة الأدب : ص ٥٦ ، فوات الوفيات : ٤ / ٢٧٧ رقم ٥٧١ ، البداية والنهاية : ١٣ / ٣٤٢ حوادث سنة ٦٧٩ ه‍ ، شذرات الذهب : ٧ / ٦٣٦ حوادث سنة ٦٧٩ ه‍ ، نسمة السحر : مج ٩ / ج ٢ / ٥٩٦.

(٣) تمام المتون : ص ٢٠٧.

٦٦٣

وله في حريق الحرم النبويِّ قوله :

لا تعبأوا أن يحترق في طيبةٍ

حرمُ النبيِّ بقول كلِّ سفيهِ

لله في النارِ التي وقعت به

سرٌّ عن العقلاء لا يخفيهِ

إذ ليس تبقي في فناه بقيّةً

ممّا بنته بنو أُميّة فيهِ

احترق المسجد الشريف النبويّ ليلة الجمعة أوّل ليلة من شهر رمضان سنة (٦٥٤) بعد صلاة التراويح ، على يد الفرّاش أبي بكر المراغي بسقوط ذبالة من يده فأتت النار على جميع سقوفه ، ووقعت بعض السواري وذاب الرصاص وذلك قبل أن ينام الناس ، واحترق سقف الحجرة الشريفة ووقع بعضه فيها ، وقال فيه الشعراء شعراً ، ولعلّ ابن تولو المغربي أجاب عن أبيات المترجم المذكورة بقوله :

قل للروافضِ بالمدينةِ ما لكم

يقتادكم للذمِّ كلُّ سفيهِ

ما أصبح الحرمُ الشريفُ محرّقاً

إلاّ لذمِّكمُ الصحابةَ فيهِ

كانت بين شاعرنا ـ الجزّار ـ وبين السرّاج الورّاق مداعبة ، فحصل للسرّاج رمد فأهدى الجزّار له تفّاحاً وكمثرى ، وكتب مع ذلك :

أكافيكَ عن بعض الذي قد فعلته

لأنّ لمولانا عليَّ حقوقا

بعثتُ خدوداً مع نهودٍ وأعيناً

ولا غرو أن يجزي الصديقُ صديقا

وإن حال منك البعضُ عمّا عهدته

فما حال يوماً عن ولاك وثوقا

بنفسجُ تلك العينِ صار شقائقاً

ولؤلؤُ ذاك الدمعِ عاد عقيقا

وكم عاشقٍ يشكو انقطاعك عندما

قطعتَ على اللذات منه طريقا

فلا عدمتكَ العاشقون فطالما

أقمت لأوقات المسرّة سوقا

٦٦٤

وذكر له ابن حجّة (١) قوله مورّياً في صناعته :

ألا قل للذي يسأ

ل عن قومي وعن أهلي

لقد تسأل عن قومٍ

كرامِ الفرعِ والأصلِ

تُرجّيهم بنو كلبٍ

وتخشاهم بنو عجلِ

ومثله قوله :

إنِّي لمن معشرٍ سفكُ الدماءِ لهم

دأبٌ وسل عنهمُ إن رُمتَ تصديقي

تضيء بالدمِ إشراقاً عراصُهمُ

فكلُّ أيّامِهم أيّامُ تشريقِ

ومثله قوله :

أصبحتُ لحّاماً وفي البيت لا

أعرفُ ما رائحة اللحمِ

واعتضت من فقري ومن فاقتي

عن التذادِ الطعمِ بالشمِ

جهلته فقراً فكنت الذي

أضلّه اللهُ على علمِ

وظريف قوله :

كيف لا أشكر الجزارةَ ما عش

تُ حفاظاً وأرفض الآدابا

وبها صارتِ الكلابُ ترجّي

ني وبالشعر كنت أرجو الكلابا

ومثله قوله :

معشرٌ ما جاءهمْ مسترفدٌ

راح إلاّ وهو منهم معسرُ

أنا جزّارٌ وهم من بقرٍ

ما رأوني قطُّ إلاّ نفروا

كتب إليه الشيخ نصير الدين الحمّامي مورّياً عن صنعته :

__________________

(١) خزانة الأدب : ٢ / ٥٦.

٦٦٥

ومذ لزمت الحمّام صرت بها

خلاّ يُداري من لا يُداريه

أعرفُ حرَّ الأشيا وباردَها

وآخذُ الماء من مجاريه

فأجابه أبو الحسين الجزّار بقوله :

حسنُ التأنّي ممّا يعينُ على

رزق الفتى والحظوظ تختلفُ

والعبدُ مذ صار في جزارته

يعرف من أين تُؤكل الكتفُ

وله في التورية قوله :

أنت طوّقتني صنيعاً وأسمع

تك شكراً كلاهما ما يضيعُ

فإذا ما شجاك سجعي فإنِّي

أنا ذاك المطوّق المسموعُ

ومن لطائفه ما كتب به إلى بعض الرؤساء وقد منع من الدخول إلى بيته :

أمولاي ما من طباعي الخروجُ

ولكن تعلّمته من خمولِ

أتيت لبابِك أرجو الغنى

فأخرجني الضربُ عند الدخولِ

ومن مجونه في التورية قوله في زواج والده :

تزوّج الشيخ أبي شيخةً

ليس لها عقلٌ ولا ذهنُ

لو برزت صورتها في الدُجى

ما جسرت تبصرها الجنُ

كأنَّها في فرشها رمّةٌ (١)

وشَعرها من حولها قطنُ

وقائل لي قال ما سنُّها

فقلت ما في فمِها سنُ

وله قوله في داره :

ودارُ خرابٍ بها قد نزل

ت ولكن نزلت إلى السابعه

__________________

(١) الرمّة ـ بالكسر والفتح ـ : ما بَلي من العظام. (المؤلف)

٦٦٦

طريقٌ من الطرقِ مسلوكةٌ

محجّتُها للورى شاسعه

فلا فرق ما بين أنّي أكونُ

بها أو أكونُ على القارعه

تساررُها هفواتُ النسيمِ

فتصغي بلا أُذنٍ سامعه

وأخشى بها أن أُقيمَ الصلاةَ

فتسجدُ حيطانُها الراكعه

إذا ما قرأتُ إذا زلزلتْ

خشيتُ بأن تقرأَ الواقعه

وله في بعض أدباء مصر ـ كان شيخاً كبيراً ظهر عليه جرب فالتطخ بالكبريت ـ قوله ذكره له ابن خلكان في تاريخه (١) (١ / ٦٧).

أيّها السيّد الأديب دعاءً

من محبٍّ خالٍ من التنكيتِ

أنت شيخٌ وقد قربتَ من النا

ر فكيف ادّهنت بالكبريتِ

وله قوله :

مَن مُنصفي من معشرٍ

كثروا عليَّ وأكثروا

صادقتُهمْ وأرى الخرو

جَ من الصداقةِ يعسرُ

كالخطِّ يسهلُ في الطرو

سِ ومحوُه يتعذّرُ

وإذا أردتَ كشطتَهُ

لكنّ ذاك يؤثِّرُ

ومن قوله في الغزل :

بذاك الفتورِ وهذا الهَيَفْ

يهونُ على عاشقيكَ التلفْ

أطرت القلوبَ بهذا الجمالِ

وأوقعتها في الأسى والأسفْ

تكلّفَ بدرُ الدجى إذ حكى

محيّاك لو لم يَشِنْهُ الكلفْ

وقام بعذري فيك العذارُ

وأجرى دموعيَ لمّا وقفْ

__________________

(١) وفيات الأعيان : ١ / ١٩٨ رقم ٨٤.

٦٦٧

وكم عاذلٍ أنكرَ الوجدَ فيك

عليَّ فلمّا رآك اعترفْ

وقالوا به صلفٌ زائدٌ

فقلت رضيت بذاك الصلفْ

لئن ضاع عمريَ في من سواك

غراماً فإنّ عليك الخلفْ

فهاك يدي إنَّني تائبٌ

فقلْ لي عفا اللهُ عما سلفْ

بجوهرِ ثغرِك ماءُ الحياةِ

فما ذا يضرُّك لو يُرتشَفْ

ولم أَرَ من قبلِهِ جوهراً

من البهرمانِ (١) عليه صدفْ

أُكاتِمُ وجديَ حتى أراك

فيعرفُ بالحالِ لا من عرفْ

وهيهات يخفى غرامي عليك

بطرفٍ همى وبقلبٍ رجفْ

ومنه قوله :

حمت خدّها والثغر عن حائمٍ شجٍ

له أملٌ في مورد ومورّدِ

وكم هام قلبي لارتشاف رضابها

فأعرفُ عن تفصيلِ نحو المبرّدِ

ومن بديع غزله قوله :

وما بي سوى عينٍ نظرتُ لحسنِها

وذاك لجهلي بالعيونِ وغرّتي

وقالوا به في الحبِّ عينٌ ونظرةٌ

لقد صدقوا عين الحبيبِ ونظرتي

وله قوله يرثي حماره :

ما كلُّ حينٍ تنجح الأسفارُ

نفقَ (٢) الحمار وبادتِ الأشعارُ

خرجي على كتفي وها أنا دائرٌ

بين البيوتِ كأنَّني عطّارُ

ما ذا عليَّ جرى لأجلِ فراقِهِ

وجرت دموعُ العينِ وهي غزارُ

لم أنسَ حدّةَ نفسِهِ وكأنَّه

من أن تسابقَه الرياحُ يغارُ

__________________

(١) البهرمان : الياقوت الأحمر. (المؤلف)

(٢) نفقت الدابّة : خرجت روحها. (المؤلف)

٦٦٨

وتخالُه في القفرِ جنّا طائراً

ما كلُّ جنٍّ مثله طيّارُ

وإذا أتى للحوض لم يخلع له

في الماء من قبل الورود عذارُ

وتراه يحرسُ رجلَهُ من زلّةٍ

برشاشِها يتنجّسُ الحضّارُ

ويلينُ في وقتِ المضيقِ فيلتوي

فكأنَّما بيديك منه سوارُ

ويشيرُ في وقتِ الزحامِ برأسِهِ

حتى يحيدَ أمامه النظّارُ

لم أدرِ عيباً فيه إلاّ أنَّه

مع ذا الذكاءِ يقال عنه حمارُ

ولقد تحامتْهُ الكلابُ وأحجمتْ

عنه وفيه كلُّ ما تختارُ

راعت لصاحبه عهوداً قد مضت

لمّا علمن بأنَّه جزّارُ

وقال في موت حمار صديق له :

مات حمارُ الأديبِ قلتُ لهمْ

مضى وقد فات منه ما فاتا

من مات في عزِّه استراح ومن

خلّف مثل الأديب ما ماتا

وله قوله :

لا تَعِبْني بصنعةِ القصّابِ

فهي أذكى من عنبر الآدابِ

كان فضلي على الكلاب فمذ صر

تُ أديباً رجوت فضل الكلابِ

كان كمال الدين عمر بن أحمد بن العديم (١) إذا قدم مصر يلازمه أبو الحسين الجزّار ، فقال بعض أهل عصره حسداً عليه :

يا ابن العديم عدمت كلّ فضيلةٍ

وغدوت تحمل راية الإدبارِ

ما إن رأيتُ ولا سمعتُ بمثلِها

نفسٌ تلذُّ بصحبة الجزّارِ

__________________

(١) أبو القاسم الوزير الرئيس الكبير الحلبي الحنفي ، سمع الحديث وحدّث وتفقّه وأفتى ودرس وصنّف ، ولد سنة (٥٨٦) وتوفّي (٦٦٠). (المؤلف)

٦٦٩

قال الصفدي في تمام المتون (١) (ص ١٨١) ـ بعد ذكره قول هارون الرشيد : إنَّ الكريم إذا خادعته انخدعا ـ : ذكرت هنا قضيّة جرت لأبي الحسين الجزّار ، وهي أنّه توجّه الجزّار إلى ابن يعمور بالمحلّة وأقام عنده مدّة ، ثمّ إنَّه أعطاه وردّه وجاء ليودِّعه ، فاتّفق أن حضر في ذلك الوقت وكيل ابن يعمور على أقطاعه ، فقال له : ما أحضرت؟ قال كذا وكذا دراهم ، فقال : أعطه الخزندار. فقال : كذا وكذا غلّة. فقال : احملها إلى الشونة ، قال : كذا وكذا خروف. فقال : اعطها الجزّار. فقام الجزّار وقبّل الأرض وقال : يا مولانا : كم وكم تتفضّل ؛ فتبسّم ابن يعمور وانخدع وقال : خذها.

وذكر له الصفدي في تمام المتون شرح رسالة ابن زيدون (٢) (ص ٣٥) من أبيات له

وحقّك ما ليَ من قدرةٍ

على كشف ضرّيَ إذ مسّني

فكم أخذتني عيونُ الظبا

ءِ وبعد الإنابة من مأمني

وفي (ص ٤٦) من تمام المتون (٣) قوله :

أُطيل شكاياتي إلى غيرِ راحمٍ

وأهل الغنى لا يرحمون فقيرا

وأشكر عيشي للورى خوف شامتٍ

كذا كلّ نحسٍ لا يزال شكورا

وله في تمام المتون (٤) (ص ٢١٢) قوله :

لست أنسى وقد وقفت فأنشد

ت قصيداً تفوقُ نظمَ الجمانِ

كلُّ بيت يُزري على خلفِ الأح

مرِ بالحسن وهو شيخ ابن هاني

__________________

(١) تمام المتون : ص ٢٤١.

(٢) تمام المتون : ص ٤٩.

(٣) تمام المتون : ص ٦٤.

(٤) تمام المتون : ص ٢٨٥.

٦٧٠

ببديعٍ يحار في نظمِه الطا

ئيُّ بل مسلمٌ صريع الغواني

ومديحٍ ما نال جودته قد

ماً زياد في خدمة النعمانِ

قمت وسط الإيوانِ بين يدي مل

ك تسامى على أنوشروانِ

وله في تمام المتون (١) (ص ٢٢٠) قوله :

ولقد كسوتك من قريضي حلّةً

جلّت عن التلفيق والترقيعِ

حسنتْ برقمٍ من جلالِك فاغتدتْ

كالروضِ في التسهيمِ والترصيعِ

وذكر في تمام المتون (٢) (ص ٢٢٦) قوله :

أُحمّل قلبي كلّ يوم وليلة

هموماً على من لا أفوزُ بخيرِه

كما سوّد القصّارُ في الشمسِ وجهَهُ

حريصاً على تبييض ثوبٍ لغيرِه

قال ابن حجّة في الخزانة (٣) (ص ٣٣٨) : ولد سنة (٦٠١) وتوفّي (٦٧٢) بمصر ، وزاد فيه ابن كثير في البداية والنهاية (٤) يوم وفاته وشهره : ثاني عشر شوّال ، وهكذا أرّخ ولادته ووفاته من أرّخهما من المؤلِّفين ، غير أنَّ صاحب شذرات الذهب شذَّ عنهم وعدّه ممّن توفّي سنة (٦٧٩) وقال : توفّي في شوّال وله ستٌّ وسبعون سنة أو نحوها ودفن بالقرافة (٥). والله العالم.

__________________

(١) تمام المتون : ص ٢٩٧.

(٢) تمام المتون : ص ٣٠٦.

(٣) خزانة الأدب : ٢ / ١٠٨.

(٤) البداية والنهاية : ١٣ / ٣٤٢ حوادث سنة ٦٧٩ ه‍.

(٥) شذرات الذهب : ٧ / ٦٣٧ حوادث سنة ٦٧٩ ه‍ ، ووافقه في هذا التاريخ ابن كثير في البداية والنهاية.

٦٧١
٦٧٢

ـ ٦٢ ـ

القاضي نظام الدين

المتوفّى (٦٧٨)

لله درُّكمُ يا آلَ ياسينا

يا أنجم الحقِّ أعلام الهدى فينا

لا يقبلُ اللهُ إلاّ في محبّتكِمْ

أعمالَ عبدٍ ولا يرضى له دينا

أرجو النجاةَ بكم يومَ المعادِ وإن

جنت يداي من الذنبِ الأفانينا

بلى أُخفِّفُ أعباءَ الذنوبِ بكمْ

بلى أُثقِّل في الحشرِ الموازينا

من لا يواليكمُ في الله لم يرَ من

قيح اللظى وعذابِ القبر تسكينا

لأجل جدِّكمُ الأفلاكُ قد خُلِقت

لولاه ما اقتضت الأقدار تكوينا

من ذا كمثل عليٍّ في ولايتِهِ

ما مبغضيه أرى إلاّ مجانينا (١)

اسمٌ على العرشِ مكتوبٌ كما نقلوا

من يستطيعُ له محواً وترقينا (٢)

من حجّةُ اللهِ والحبلُ المتينُ ومن

خيرُ الورى وولاهُ الحشرَ يغنينا

من المبارزُ في وصفِ الجلالِ ومن

أقامَ حقّا على القطع البراهينا

من مثلُه كان ذا جفرٍ وجامعةٍ

له يُدوَّنُ سرُّ الغيبِ تدوينا

ومن كهارونَ من موسى أُخوّته

للخلق بيَّن خيرُ الرسلِ تبيينا

مهما تمسّك بالأخبارِ طائفةٌ

فقولهُ والِ من والاه يكفينا

يومَ الغديرِ جرى الوادي فطمّ على

قويّ قومٍ همُ كانوا المعادينا

__________________

(١) ورد الشطر الثاني في الطبعتين السابقتين : (ما المبغضين له إلاّ مجانينا) وغيّرناه وفق ما ذكر في مجالس المؤمنين.

(٢) الترقين : الكتابة.

٦٧٣

شبلاه ريحانتا روضِ الجنانِ فقل

في طيبِ أرضٍ نمت تلك الرياحينا

ما يتبع الشعر

تناهز القصيدة (٤٢) بيتاً ، ذكرها القاضي المرعشي في مجالس المؤمنين (١) (ص ٢٢٦).

وبقوله :

لأجل جدّكمُ الأفلاكُ قد خُلِقتْ

لولاه ما اقتضت الأقدارُ تكوينا

أشار إلى ما أخرجه الحاكم وصحّحه في المستدرك (٢) (٢ / ٦١٥) عن ابن عبّاس رضى الله عنه قال : أوحى الله إلى عيسى عليه‌السلام : يا عيسى ، آمِن بمحمد وأمر من أدركه من أُمّتك أن يؤمنوا به ، فلو لا محمد ما خلقت آدم ، ولولا محمد ما خلقت الجنّة والنار ، ولقد خلقت العرش على الماء فاضطرب فكتبت عليه : لا إله إلاّ الله ، محمد رسول الله ، فسكن.

وذكره السبكي في شفاء السقام (٣) (ص ١٢١) وأقرّ صحته ، وكذلك الزرقاني في شرح المواهب (١ / ٤٤) وقال : أخرجه أبو الشيخ في طبقات الأصفهانيّين (٤) ، وصحّحه الحاكم وأقرّه السبكي (٥) والبلقيني في فتاواه.

وأخرج الحاكم (٦) بعده حديثاً وصحّحه وفيه نحو دلالة على ما نرتئيه ولفظه :

__________________

(١) مجالس المؤمنين : ١ / ٥٤٣.

(٢) المستدرك على الصحيحين : ٢ / ٦٧٢ ح ٤٢٢٧.

(٣) شفاء السقام : ص ١٦٢.

(٤) طبقات المحدّثين بأصبهان : ٣ / ١٠٨ رقم ٣٤٨.

(٥) شفاء السقام : ص ١٦٢.

(٦) المستدرك على الصحيحين : ٢ / ٦٧٢ ح ٤٢٢٨.

٦٧٤

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لمّا اقترف آدم الخطيئة قال : يا ربّ ، أسألك بحقِّ محمد لمّا غفرت لي ؛ فقال الله : يا آدم ، وكيف عرفت محمداً ولم أخلقه؟ قال : يا ربّ ، لأنَّك لمّا خلقتني بيدك ونفخت فيّ من روحك ، رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوباً : لا إله إلاّ الله محمد رسول الله ؛ فعلمت أنَّك لم تضف إلى اسمك إلاّ أحبّ الخلق إليك ، فقال الله : صدقت يا آدم ، إنّه لأحبُّ الخلق إليَّ ، ادعني بحقّه فقد غفرت لك ، ولولا محمد ما خلقتك».

وأخرجه البيهقي في دلائل النبوة (١) وهو الكتاب الذي قال فيه الذهبي : عليك به فكلّه هدىً ونور ، والطبراني في المعجم الصغير (٢) ، وأقرَّ صحّته السبكي في شفاء السقام (ص ١٢٠) ، والسمهودي في وفاء الوفا (٣) (ص ٤١٩) ، والقسطلاني في المواهب اللدنيّة (٤) ، والزرقاني في شرحه (١ / ٤٤) ، والعزّامي في فرقان القرآن (ص ١١٧).

كتبنا هذا المختصر لإيقاف القارئ على بطلان ما لابن تيميّة ومن غزل غزله أمثال القصيمي من جلبةٍ ولغطٍ ، حتى يكون على بصيرة من فضل النبيِّ الأقدس صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

الشاعر

نظام الدين محمد ابن قاضي القضاة إسحاق بن المظهر الأصبهاني ، أحد أعيان أدباء الطائفة ، وأوحديّها في الفنون والفضائل ، قاضي القضاة في الأقطار العراقيّة ، مخالطاً مع خواجة شمس الدين محمد الجويني الملّقب بصاحب الديوان ، المتوفّى (٦٨٣)

__________________

(١) دلائل النبوّة : ٥ / ٤٨٩.

(٢) المعجم الصغير : ٢ / ٨٢ ـ ٨٣.

(٣) وفاء الوفا : ٤ / ١٣٧١.

(٤) المواهب اللدنيّة : ٤ / ٥٩٤.

٦٧٥

وله فيه مدائح ، منها قوله :

ما الناسُ إلاّ كالقريضِ وإنَّما

بيتُ القصيدةِ صاحب الديوانِ

شمسُ الممالكِ تزدهي بعلائِها

وبهاءُ دست الملك والإيوانِ

وله في رثاء ولده خواجة بهاء الدين محمد قصيدة تناهز (٥٨) بيتاً ، ذكرها القاضي في مجالسه (١) (ص ٤٣٨) مطلعها :

ما للظلام يغطّي وجهةَ الأُفقِ

ما للرواسي اضطربنَ اليومَ من قلقِ

ما للحظوظ تولي القومَ أظهرَها

ما للنوائبِ تُبدي صفحةَ العنقِ

بكى السماءُ وضجَّ الأرضُ وانكدرت

زهرُ النجومِ وطاشت أنفسُ الفرقِ

اليومُ يومٌ لعمري كاسمه فقدتْ

به العلى والنهى إنسانةَ الحدقِ

مولى الأنامِ بهاءُ الدين صاحبُنا

مضى فبدّلَ صفوَ العيشِ بالرنقِ

وتخلّص في غديريّته المذكورة إلى مدح خواجة بهاء الدين ، وكتب باسم أخي صاحب الديوان : علاء الدين خواجة عطاء الملك الجويني ، المتوفّى (٦٨١) ديوان رباعيّاته ، وله شعر يمدح به سلطان المحقِّقين خواجه نصير الدين الطوسي ، المتوفّى (٦٧٢).

توجد ترجمته في مجالس المؤمنين (٢) (ص ٢٢٦) ، وتاريخ آداب اللغة (٣) (٣ / ١٣) وقال : توفّي سنة (٦٧٨) ، له ديوان اسمه : ديوان المنشئات ، في المتحف البريطاني ، وذكره صاحب رياض الجنّة ـ في الروضة الرابعة ـ في عدِّ العلماء ، وقال : له رسالته القوسيّة ، كتب بعض أعلام نيسابور شرحاً عليها وأثنى عليه في شرحه بقوله :

__________________

(١) مجالس المؤمنين : ٢ / ٤٨٣.

(٢) مجالس المؤمنين : ١ / ٥٤٣.

(٣) مؤلّفات جرجي زيدان الكاملة ـ تاريخ آداب اللغة العربية ـ : مج ١٤ / ٤١٥.

٦٧٦

أقضى قضاة العالم ، مفتي طوائف الأمم ، منشئ البدائع والعجائب ... الخ.

ومن دوبيتاته في كشكول شيخنا البهائي (١) (١ / ١٠٩):

أنتم لظلام قلبي الأضواءُ

فيكم لفؤادي جُمِعتْ أهواءُ

يروي الظمأ ادّكارُكم لا الماءُ

داويتُ بغيرِكمْ فزادَ الداءُ

أوصيتك بالجدِّ فدع من ساخر

فاخر بفضيلة التقى مَن فاخر

لا ترج سوى الربّ لكشف البلوى

لا تدعُ مع الله إلهاً آخر

ما لي وحديث وصل من أهواهُ

حسبي بشفاءِ علّتي ذكراهُ

هذا وإذا قضيت نحبي أسفاً

يكفيني أن أُعدَّ من قتلاهُ

وافى فجذبت عطفه الميّادا

شوقاً فطلبت قُبلةً فانقادا

حاولت وراء ذاك منه نادى

لا تطلب بعدُ بدعةً إلحادا

* * *

قالوا انتهِ عنه إنّه ما صدقا

ما أجهلَ من بوعده قد وثقا

لا لا فنتيجة الهوى صادقةٌ

مع كذب مقدِّمات وعدٍ سبقا

وذكر له القاضي في المجالس (٢) قوله :

لم أرضَ سوى هدي نبيٍّ وولي

لا أتبع الباطل والحقُّ جلي

في الشرِّ تراني ابن حرب بطلاً

لكن أنا من شيعة مولاي علي

__________________

(١) الكشكول الكامل : ١ / ٢٩٧.

(٢) مجالس المؤمنين : ١ / ٥٤٥.

٦٧٧

وذكر له العلاّمة النراقي في الخزائن (ص ١١٥):

مذ غبتَ ألمّ في سقامٌ وأ لمْ

كم أصبرُ في هواك كم أصبر كمْ

يا بدر إلى وصالي ارجع وارحمْ

يا بدر ألم يأن ألم يأن ألمْ

٦٧٨

ـ ٦٣ ـ

شمس الدين محفوظ

المتوفّى حدود (٦٩٠)

راق الصبوحُ ورقّتِ الصهباءُ

وسرى النسيمُ وغنّتِ الورقاءُ

وكسا الربيعُ الأرضَ كلَّ مدبّجٍ

ليست تجيدُ مثالَه صنعاءُ

فالأرضُ بعد العريِ إمّا روضةٌ

غنّاءُ أو ديباجةٌ خضراءُ

والطيرُ مختلف اللحان فنائحٌ

ومطرّبٌ مالت به الأهواءُ

والماءُ بين مدرّجٍ ومجدولٍ

ومسلسلٍ جادت به الأنواءُ

وسرى النسيمُ على الرياضِ فضمّختْ

أثوابَهُ عطريّةٌ نكباءُ (١)

كمديحِ آلِ محمدٍ سفنِ النجا

فبنظمِه تتعطّرُ الشعراءُ

الطيّبون الطاهرون الراكعو

ن الساجدون السادة النجباءُ

منهم عليُّ الأبطحيُّ الهاشميّ

اللوذعيُّ إذا بدت ضوضاءُ

ذاك الأمير لدى الغدير أخو البشي

ـر المستنير ومن له الأنباءُ

طهرت له الأصلابُ من آبائه

وكذاك قد طهرت له الأبناءُ

أفهل يحيطُ الواصفون بمدحِهِ

والذكرُ فيه مدائحٌ وثناءُ

ذو زوجةٍ قد أزهرتْ أنوارُها

فلأجل ذلكمُ اسمُها الزهراءُ

وأئمّةٌ من ولدها سادت بها ال

ـمتأخِّرون وشُرّف القدماءُ

__________________

(١) النكباء : الريح.

٦٧٩

مبداهمُ الحسن الزكيُّ ومن إلى

أنسابهِ تتفاخر الكرماءُ

والطاهر المولى الحسين ومن له

رفعت إلى درجاتها الشهداءُ

والندبُ زين العابدين الماجد الن

دب الأمين الساجد البكّاءُ

والباقر العلَمُ الشريفُ محمدٌ

مولىً جميعُ فعالِهِ آلاءُ

والصادق المولى المعظّمُ جعفرٌ

حبرٌ مواليه هم السعداءُ

وإمامنا موسى بنُ جعفر سيّدٌ

بضريحِه تتشرّفُ الزوراءُ

ثمّ الرضا علَمُ الهدى كنزُ التقى

باب الرجا محيي الدجى الجلاّءُ

ثمّ الجوادُ مع ابنهِ الهادي الذي

تهدي الورى آياتُه الغرّاءُ

والعسكريُّ إمامنا الحسنُ الذي

يغشاه من نورِ الجلالِ ضياءُ

والطاهرُ ابن الطاهرين ومن له

في الخافقين من البهاء لواءُ

من يُصلح الأرضين بعد فسادها

حتى يُصاحب ذئبهنَّ الشاءُ

أنا يا ابن عمِّ محمد أهواكمُ

وتطيب منّي فيكمُ الأهواءُ

وأكفّر الغالينَ فيك وألعنُ ال

قالينَ إنّهمُ لديَّ سواءُ (١)

الشاعر

الشيخ شمس الدين محفوظ بن وشاح بن محمد أبو محمد الحلّي الأسدي ، قطب من أقطاب الفقاهة ، وطود راسٍ للعلم والأدب ؛ كان متكئاً على أريكة الزعامة الدينيّة ، ومرجعاً في الفتوى ، ومنتجعاً لحلِّ المشكلات ، وكهفاً تأوي إليه العفاة ، والحكم الفاصل للدعاوي ، ومن مشايخ الإجازة الراوين عن الشيخ نجم الدين المحقّق الحلّي المتوفّى (٦٦٧) ، ويروي عنه الحافظ المحقّق كمال الدين علي ابن الشيخ شرف الدين الحسين بن حمّاد الليثي الواسطي ، ويروي عنه شارح القصائد السبع العلويّات

__________________

(١) ذكرها العلاّمة السماوي في الطليعة : ج ٢. (المؤلف)

٦٨٠